بسم الله الرحمن الرحيم

يزعم أهل الكتاب، أن لوطاً عليه السلام، كان قريباً لإبراهيم عليه السلام، حيث جاء في التوراة، أنه لوط بن هاران بن تارح أو تارخ، وعلى هذا يصبح هاران والد لوط، أخاً لإبراهيم عليه السلام.

ولكن يجب أن لا نأخذ هذا القول على محمل الجدّ، فالتوراة قد أعربت عن فشلها، في مجابهة التاريخ، في أكثر من موضع من حلقاتها، ولست هنا لأتعقّب الأخطاء التاريخية في التوراة، وإنما سوف أحصر البحث عنها عن علاقة النسب المزعومة التي تربط بين أنبياء الله لوط وإبراهيم.

وقد تبع مؤرخوا أو رواة أو قصّاص المسلمين أهل الكتاب، فيما أدّعوه من هذه القرابة، دون تحقيق ولا تمحيص، هذا وهم يعدّون أنفسهم، أو يعدّهم المسلمون من كبار العلماء، وجهابذة المعرفة، ولكن مع الأسف، قد تستهوي هذه الأوسمة عامة المسلمين، ولكن عند مثقفيهم لا أظن ذلك! لأنهم لو كانوا علماءاً أو جهابذةً لما زلّوا هذه الزلّة العظيمة، وهم يقرأون القرآن الكريم.

فالقرآن ينفي أي قرابة نسب تربط بين لوط وإبراهيم، وهذا واضح جليّ، فقد قال الله تبارك وتعالى: (وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٍ مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)

إذاً فهم قومه وعشيرته كما نصّ الله في كتابه العزيز.

وقال تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ).

وفي لغة العرب، أخو القوم منهم، فإذا قال رجل: أنا أخو بني فلان، معناه: من بني فلان نسباً، وأما المولى، فيقول: مولى بني فلان، وكذا الحليف يقول: حليف بني فلان.

والذي يظهر أن لوطاً لم يقابل إبراهيم، إلا بعد هجرة إبراهيم عليه السلام إلى فلسطين، قال تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ).

ثم قال تعالى بعد ذلك: (وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وقوله: (وقال إني مهاجر إلى ربي) فالضمير على الأرجح يعود هنا إلى إبراهيم عليه السلام، عندما كذّبه قومه، وأمره الله بالهجرة، خرج بمن آمن معه واستوطن فلسطين، كقوله تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ) فالضمير في قوله: (ووهبنا له) عائد إلى إبراهيم عليه السلام، مع أن هذا القول جاء بعد ذكر لوط عليه السلام، فقد يستشكل على البعض ظاهر الآية ويعتقد أن الهبة كانت للوط، لولى أن الله أخبرنا بأن إسحاق ويعقوب من صلب إبراهيم عليه السلام، وإن كان الضمير في قوله: (وقال إني مهاجر إلى ربي) يعود إلى لوط حقّاً، فمعناه أن لوطاً لما أراد الله تعالى أن يعذب قومه، أمره أن يهاجر إلى البلد التي بها إبراهيم لذلك قال تعالى في موضع أخر: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ). ففي هذا دلالة على أن الله تعالى أمره بالهجرة إلى الموضع الذي هاجر إليه أخوه إبراهيم، وهي فلسطين.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً" اهـ

فكل نبي يبعث إنما يبعث إلى قومه فلوط بعث إلى قومه من أهل سدوم فليس هناك أي علاقة نسب تربطه بإبراهيم سوى أخوة الدين

ومن خلال ما سبق، يتّضح لنا بجلاء، أن ما زعمه أهل الكتاب وقصّاص المسلمين، باطل، وأن لوطاً من أهل سدوم، وهو أخوهم، وهم قومه، إلّا أن الله اصطفاه وطهره من رجسهم، وهذا شأنه سبحانه مع سائر أنبياءه، يصطفيهم ويطهرهم من كل رجس وخبيثة ونقيصة، كي يكونوا قدوة للعالمين.

هذا والله أعلم وأحكم.