النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: ابن تيمية: العالم الذي لم ير العلماء مثله

  1. #1

    افتراضي ابن تيمية: العالم الذي لم ير العلماء مثله

    من كتاب لمحات من حياة شيخ الاسلام ابن تيمية

    كان لا بد لابن تيمية الذي سيقابل هذا الواقع الأليم بكل مآسيه وعقباته أن يكون عالماً من طراز آخر، وأن يقر له العلماء جميعاً بالفضل والسبق عليهم، وأن يشهدوا أن أعينهم لم تر مثل هذا الرجل ، وذلك حتى يستطيع أن يشق طريقه إلى الإصلاح، ولا يستطيع أحد أن يتهمه بجهل أو قصور وتعالوا نشاهد شهادات العلماء له في عصره وبعد عصره بالعلم الذي لا يضارع ولا يماثل..

    1- شهادة تلميذه الإمام الذهبي:

    قال الذهبي في معجم شيوخه: أحمد بن عبدالحليم -وساق نسبه- الحراني، ثم الدمشقي، الحنبلي أبو العباس، تقي الدين، شيخنا وشيخ الإسلام، وفريد العصر علماً ومعرفة، وشجاعة وذكاء، وتنويراً إلهياً، وكرماً ونصحاً للأمة، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر. سمع الحديث، وأكثر بنفسه من طلبه، وكتب وخرج، ونظر في الرجال والطبقات، وحصل ما لم يحصله غيره. برع في تفسير القرآن، وغاص في دقيق معانيه بطبع سيال، وخاطر إلى مواقع الإشكال ميال، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها. وبرع في الحديث وحفظه، فقلّ من يحفظ ما يحفظه من الحديث، معزواً إلى أصوله وصحابته، مع شدة استحضاره له وقت إقامة الدليل. وفاق الناس من معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوي الصحابة والتابعين، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل يقوم بما دليله عنده. وأتقن العربية أصولاً وفروعاً، وتعليلاً واختلافاً. ونظر في العقليات، وعرف أقوال المتكلمين، وردّ عليهم، ونبّه على خطئهم، وحذّر منهم ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين. وأوذي في ذات الله من المخالفين، وأخيف في نصر السنة المحضة، حتى أعلى الله مناره، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له، وكبت أعداءه، وهدى به رجالاً من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الإنقياد له غالباً، وعلى طاعته، وأحيى به الشام، بل والإسلام، بعد أن كاد ينثلم بتثبيت أولي الأمر لما أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم، فظنت بالله الظنون، وزلزل المؤمنون، واشرأّب النفاق وأبدى صفحته. ومحاسنه كثيرة، وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي، فلو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت: أني ما رأيت بعيني مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه (طبقات الحنابلة لابن رجب 389،390).

    وقال الذهبي أيضاً:

    وله خبرة تامة بالرجال، وجرحهم وتعديلهم، وطبقاتهم، ومعرفة بفنون الحديث، وبالعالي والنازل، والصحيح والسقيم، مع حفظه لمتونه، الذي انفرد به، فلا يبلغ أحد في العصر رتبته، ولا يقاربه، وهو عجيب في استحضاره، واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة، والمسند، بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث (المصدر السابق).

    وقال أيضاً:

    ولما كان معتقلاً بالإسكندرية: التمس منه صاحب سبتة أن يجيز لأولاده، فكتب له في ذلك نحواً من ستمائة سطر، منها سبعة أحاديث بأسانيدها، والكلام على صحتها ومعانيها، وبحث وعمل ما إذا نظر فيه المحدث خضع له من صناعة الحديث. وذكر أسانيده في عدة كتب. ونبّه على العوالي. عمل ذلك كله من حفظه، من غير أن يكون عنده ثبت أو من يراجعه.

    ولقد كان عجيباً في معرفة علم الحديث. فأما حفظه متون الصحاح وغالب متون السنن والمسند: فما رأيت من يدانيه في ذلك أصلاً.

    قال: وأما التفسير فمسلم إليه. وله من استحضار الآيات من القرآن -وقت إقامة الدليل بها على المسألة- قوة عجيبة. وإذا رآه المقرئ تحير فيه. ولفرط إمامته في التفسير، وعظم اطلاعه. يبين خطأ كثير من أقوال المفسرين. ويوهي أقوالاً عديدة. وينصر قولاً واحداً، موافقاً لما دل عليه القرآن والحديث. ويكتب في اليوم والليلة من التفسير، أو من الفقه، أو من الأصلين، أو من الرد على الفلاسفة والأوائل: نحواً من أربعة كراريس أو أزيد.

    قلت: وقد كتب (الحموية) في قعدة واحدة. وهي أزيد من ذلك. وكتب في بعض الأحيان في اليوم ما يبيض منه مجلد. أ.هـ (المصدر السابق).

    وقال الذهبي أيضاً في بيان حملاته على المنحرفين:

    وغالب حطه على الفضلاء والمتزهدة فبحق، وفي بعضه هو مجتهد، ومذهبه توسعة العذر للخلق، ولا يكفر أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه.

    قال: ولقد نصر السنة المحضة، والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات، وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا، وجسر هو عليها، حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياماً لا مزيد عليه، وبدّعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المرّ الذي أدّاه إليه اجتهاده، وحدة ذهنه، وسعة دائرته في السنن والأقوال، مع ما اشتهر عنه من الورع، وكمال الفكر، وسرعة الإدراك، والخوف من الله، والتعظيم لحرمات الله.

    فجرى بينه وبينهم حملات حربية، ووقعات شامية ومصرية، وكم من نوبة قد رموه عن قوس واحدة، فينجيه الله فإنه دائم الابتهال، كثير الاستغاثة، والاستعانة به، قوي التوكل، ثابت الجأش، له أوراد وأذكار يدمنها بكيفية وجمعية. وله من الطرف الآخر محبون من العلماء والصلحاء، ومن الجند والأمراء، ومن التجار والكبراء، وسائر العامة تحبه، لأنه منتصب لنفعهم ليلاً ونهاراً، بلسانه وقلمه.

    (وله حدة قوية تعتريه في البحث، حتى كأنه ليث حرب. وهو أكبر من أن ينبه مثلى على نعوته. وفيه قلة مداراة، وعدم تؤدة غالباً، والله يغفر له. وله إقدام وشهامة، وقد نفس توقعه في أمور صعبة، فيدفع الله عنه) أ.هـ (المصدر السابق).

    وقال أيضاً في وصف شجاعته:

    وأما شجاعته: فبها تضرب الأمثال، وببعضها يتضبه أكابر الأبطال. ولقد أقامه الله تعالى في نوبة قازان (ملك من ملوك التتار قابله ابن تيمية وأنكر عليه وأمره بإطلاق أسرى المسلمين ففعل). والتقى أعباء الأمر بنفسه. وقام وقعد وطلع، ودخل وخرج، واجتمع بالملك -يعني قازان- مرتين، وبقطلوشاه، وبولاي. وكان قبجق يتعجب من إقدامه وجراءته على المغول).

    وأقول: إن هذه والله الترجمة ما نال أحد من العلماء فيما أعلم منها قط ومن يستطيع أن يكتب الناس فيه كلاماً صحيحاً صادقاً كالذي يكتبه هذا الإمام المدقق الصادق رحمه الله.

    2- شهادة تلميذه الشيخ محمد بن أحمد بن عبدالهادي المتوفي سنة 744هـ:

    "قال الشيخ ابن عبدالهادي: ثم لم يبرح شيخنا في ازدياد من العلوم، وملازمة الاشتغال والإشغال، وبث العلم ونشره، والاجتهاد في سبيل الخير، حتى انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، والشجاعة والكرم، والتواضع والحلم والأناة والإنابة، والجلالة والمهابة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر أنواع الجهاد، مع الصدق والعفة والصيانة، وحسن القصد والإخلاص، والابتهال إلى الله وكثرة الخوف منه، وكثرة المراقبة له، وشدة التمسك بالأثر، والدعاء إلى الله وحسن الأخلاق، ونفع الخلق، والإحسان إليهم، والصبر على من آذاه، والصفح عنه والدعاء له، وسائر أنواع الخير.

    وكان رحمه الله سيفاً مسلولاً على المخالفين، وشجى في حلوق أهل الأهواء المبتدعين، وإماماً قائماً ببيان الحق ونصرة الدين. وكان بحراً لا تكدره الدلاء، وحبراً يقتدي به الأخيار الأولياء. طنّت بذكره الأمصار وضنّت بمثله الأعصار.

    قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج يوسف المزي (ولد سنة 654 بالمزة. وتوفي سنة 742): ما رأيت مثله. ولا رأى هو مثل نفسه، ولا رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أتبع لهما منه.

    وقال الشيخ الحافظ أبو الفتوح محمد بن سيد الناس اليعمري الأندلسي، ثم المصري (ولد سنة 671 وتوفي بالقاهرة سنة 734) -بعد أن ذكر ترجمة الحافظ جمال الدين المزي- وهو الذي حداني على رؤية الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، تقي الدين، أبي العباس: أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية- فألفيته: كاد يستوعب السنن والآثار حفظاً، إن تكلم في التفسير: فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه: فهو مدرك غايته، أو ذاكر بالحديث: فهو صاحب علمه وروايته، أو حاضر بالنّحل والملل لم ير أوسع من نحلته في ذلك ولا أرفع من رايته. برز في كل فن على أبناء جنسه. ولم تر عين من رآه مثله.

    ولا رأت عينه مثل نفسه. كان يتكلم في التفسير، يحضر مجلسه الجم الغفير، ويرتوون من بحر علمه العذب النمير، ويرتعون من ربيع فضله في روضة وغدير، إلى أن دب إليه من أهل بلده داء الحسد. وألّب أهل النظر منهم ما ينتقد عليه في حنبليته من أمور المعتقد، فحفظوا عنه في ذلك كلاماً، أوسعوه بسببه ملاماً، وفوّقوا لتبديعه سهاماً، وزعموا أنه خالف طريقهم، وفرق فريقهم، فتنازعهم ونازعوه، وقاطع بعضهم وقاطعوه، ثم نازعه طائفة أخرى ينتسبون من الفقر إلى طريقة، ويزعمون أنهم على أدق باطن منها وأجلى حقيقة، فكشف عن عيوب تلك الطوائف، وذكر لها بوائق، فآضت إلى الطائفة الأولى من منازعيه، واستعانت بذوي الضعن عليه من مقاطعيه، فوصلوا بالأمراء أمره، وأعمل كل منهم في كفره فكره، فكتبوا محاضر. وألّبوا الرويبضة للسعي بها بين الأكابر، وسعوا في نقله إلى حضرة المملكة بالديار المصرية، فنقل وأودع السجن ساعة حضوره، واعتقل، وعقدوا لإراقة دمه مجالس، وحشدوا لذلك قوماً من عمار الزوايا وسكان المدارس، من كل متحامل في المنازعة، مخاتل بالمخادعة، ومن مجاهر بالتفكير مبارز بالمقاطعة، يسومونه ريب المنون {وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون}. وليس المجاهر بكفره أسوأ حالاً من المخاتل، وقد دبت إليه عقارب مكره. فرد الله كيد كل في نحره. فنجاه الله على يد من اصطفاه، والله غالب على أمره ثم لم يخل بعد ذلك من فتنة بعد فتنة، ولم ينتقل طول عمره من محنة إلا إلى محنة، إلى أن فوض أمره إلى بعض القضاة، فقلّد ما تقلد من اعتقاله. ولم يزل بمحبسه ذلك إلى حين ذهابه إلى رحمة الله تعالى وانتقاله. وإلى الله ترجع الأمور. وهو المطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وكان يومه مشهوداً، ضاقت بجنازته الطريق. وانتابها المسلمون من كل فج عميق، وكان موته رحمه الله في ليلة العشرين من ذي القعدة سنة 728 سجيناً بقلعة دمشق (العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية).

    3- شهادة قاضي الشافعية ومفتيهم ابن الزملكاني:

    قال ابن كثير:-

    وأثنى عليه وعلى علومه وفضائله جماعة من علماء عصره، مثل القاضي الخوبي، وابن دقيق العيد، وابن النحاس، والقاضي الحنفي قاضي قضاة مصر ابن الحريري وابن الزملكاني وغيرهم، ووجدت بخط ابن الزملكاني (قال ابن كثير في وصف ابن الزملكاني: شيخ الشافعية بالشام وغيرها، انتهت إليه رياسة المذهب تدريساً وإفتاء ومناظرة، ويقال نسبه السماكي نسبة إلى أبي دجانة سماك بن خرشة والله أعلم. البداية والنهاية ص140 ج14) أنه قال: اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، وأن له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتدوين، وكتب على تصنيف له هذه الأبيات:

    ماذا يقول الواصفون له ومحاسنه جلّت عن الحصر

    هـو حجـة لله قاهـرة هو بيننا أعجوبة الدهــر

    هو آية في الخلق ظاهرة أنوارها أربت على الفجـر

    وبالجملة كان رحمه الله من كبار العلماء وممن يخطئ ويصيب ولكن خطؤه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي، وخطؤه أيضاً مغفور له كما في صحيح البخاري: [إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر] فهو مأجور. وقال الإمام مالك بن أنس: "كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر".

    4- شهادة الحافظ جلال الدين السيوطي:

    ابن تيمية الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر البارع شيخ الإسلام، علم الزهاد، نادرة العصر، تقي الدين أبو العباس أحمد المفتي شهاب الدين عبدالحليم بن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين عبدالسلام ابن عبدالله بن أبي القاسم الحراني.

    أحد الأعلام، ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة.

    وسمع ابن أبي اليسر. وابن عبدالدائم، وعدّة.

    وعني بالحديث، وخرج وانتقى، وبرع في الرجال، وعلل الحديث وفقههه وفي علوم الإسلام وعلم الكلام، وغير ذلك. وكان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين، والزهاد، والأفراد، ألف وثلاثمائة مجلدة، وامتحن وأوذي مراراً.

    مات في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة (طبقات الحفاظ ص516،517).



    5- شهادة أبو الحسن السبكي قاضي القضاة:

    ومما وجد في كتاب كتبه العلامة قاضي القضاة أبو الحسن السبكي إلى الحافظ أبي عبدالله الذهبي في أمر الشيخ تقي الدين المذكور: أما قول سيدي في الشيخ فالمملوك يتحقق كبر قدره. وزخارة بحره. وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية. وفرط ذكائه واجتهاده. وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف. والمملوك يقول ذلك دائماً. وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجل. مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة. ونصرة الحق. والقيام فيه لا لغرض سواه. وجريه على سنن السلف. وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى. وغرابة مثله في هذا الزمان. بل من أزمان.

    6- شهادة الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي رحمه الله:

    قال ابن حجر العسقلاني المولود في القاهرة والمتوفي بها سنة 852هـ وصاحب كتاب فتح الباري شرح البخاري وكتاب التهذيب وهو الذي لقب بأمير المؤمنين في الحديث. قال تقريظاً لكتاب الرد الوافر للإمام ابن ناصر الدين الدمشقي وهو الذي كتبه مؤلفه رداً على أن من زعم من متعصبي الأحناف أنه لا يجوز تسمية ابن تيمية بشيخ الإسلام وأنه من فعل ذلك فقد كفر!! (انظر) فكتب ابن ناصر الدين الدمشقي كتاباً سماه الرد الوافر ذكر فيه أكثر من بضع وثمانين إماماً من أئمة المسلمين كلهم سمى ابن تيمية بشيخ الإسلام ونقل نقولهم من كتبهم بذلك، ولما قرأ الحافظ بن حجر رحمه الله هذا الكتاب الرد الوافر كتب عليه تقريظاً هذا نصه:

    الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.

    وقفت على هذا التأليف النافع، والمجموع الذي هو للمقاصد التي جمع لأجلها جامع، فتحققت سعة اطلاع الإمام الذي صنفه، وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمه بين العلماء وشرفه، وشهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس، وتلقيبه بشيخ الإسلام في عصره باق إلى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غداً كما كان بالأمس، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره، أو تجنب الأنصاف، فما أغلط من تعاطي ذلك وأكثر عثاره، فالله تعالى هو المسؤول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله، ولو لم يكن من الدليل على إمامة هذا الرجل إلا ما نبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه: أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لما مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين، وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جداً شهدها مئات ألوف، ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد أو أضعاف ذلك، لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته، وأيضاً فجميع من كان ببغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد، وكان أمير بغداد وخليفة ذلك الوقت إذا ذاك في غاية المحبة له والتعظيم، بخلاف ابن تيمية فكان أمير البلد حين مات غائباً. وكان أكثر من بالبلد من الفقهاء قد تعصبوا عليه حتى مات محبوساً بالقلعة، ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف (عليه) إلا ثلاثة أنفس، تأخروا خشية على أنفسهم من العامة.

    ومع حضور هذا الجمع العظيم فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته لا بجمع سلطان ولا غيره، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [أنتم شهداء الله في الأرض] (رواه البخاري ومسلم). ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع، وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة وبدمشق، ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته ولا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة، حتى حبس بالقاهرة ثم بالإسكندرية، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه وكثرة ورعه وزهده، ووصفه بالسخاء والشجاعة، وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام، والدعوة إلى الله تعالى في السر والعلانية، فكيف لا ينكر على من أطلق أنه كافر، بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام الكفر، وليس في تسمية بذلك ما يقتضي ذلك فإنه شيخ في الإسلام بلا ريب، والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداً، وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبري منه، ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب، فالذي أصاب فيه وهو الأكثر يستفاد منه ويترحم عليه بسببه، والذي أخطأ فيه لا يقلد فيه، بل هو معذور لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه، حتى كان أشد المتعصبين عليه، والقائمين في إيصال الشر إليه، وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني شهد له بذلك، وكذلك الشيخ صدر الدين ابن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره، ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم الناس قياماً على أهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية، وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة، وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر، فيا قرة أعينهم إذ سمعوا بكفره، ويا سرورهم إذا رأوا من يكفر من لا يكفره، فالواجب على من تلبّس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشتهرة، أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل، فيفرد من ذلك ما ينكر فيحذر منه على قصد النصح، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء، ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف، لكن غاية في الدلالة على عظم منزلته، فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم، والتميز في المنطوق والمفهوم، أئمة عصره من الشافعية وغيرهم! فضلاً عن الحنابلة، فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر، أو على من سماه شيخ الإسلام، لا يلتفت إليه، ولا يعول في هذا المقام عليه، بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق ويذعن للصواب، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

    صفة خطه أدام الله بقاءه.

    قال وكتبه أحمد بن علي بن محمد بن حجر الشافعي عفا الله عنه، وذلك في يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الأول عام خمسة وثلاثين وثمانمائة حامداً لله، ومصلياً على رسوله محمد وآله ومسلماً. أ.هـ (الرد الوافر للإمام ابن ناصر الدين الدمشقي بتحقيق زهير الشاويش ص145-146).

  2. افتراضي

    بارك الله فيك و جزاك خير الجزاء على هذا النقل الطيب و رحم الله شيخ الاسلام ابن تيمية.
    اللهم فك أسر الشيخ المجاهد حامد العلي و اخوانه من العلماء المجاهدين الذين صدعوا بكلمة الحق عندما خرس الكثير
    موقع الشيخ حامد العلي
    http://h-alali.info/npage/index.php
    منبر التوحيد و الجهاد
    http://www.tawhed.ws/
    حمل موقع الشيخ علي الخضير فك الله اسره و أسر اخوته
    http://www.islammessage.com/books/ali_alkhudair/22.rar
    فلم وثائقي:براءة المجاهدين من تقصد سفك دماء المسلمين
    http://islammessage.com/vb//index.ph...=0&#entry41729

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    361
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    موقف من مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية من المحتلين فيه عبرة وعظة للعراقيين

    الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:

    فقد ظهر في هذا الزمان من يشيع بين الناس الشُّبَهَ يلبس بها على أهل الإسلام ليدفعهم إلى الفتن والفساد، ويبرر أعمال أولياء الشيطان من الخوارج والإرهابيين، الذين لا يتصفون بعقل ولا حكمة، ولا سياسة شرعية، ولا قواعد إسلامية مرعيَّة..

    بل همهم القتل والقتال، وكأن الغاية من وجود الخلق هو سفك الدماء ..ألا ساء ما يظنون..

    بل الغاية من وجود الخلق عبادة الله الإله الحق ..{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}

    والقتال لم يشرع إلا لتحقيق غاية سامية ألا وهي عبادة الله والقضاء على الشرك والفتنة ..

    فإذا كان القتال سبيلاً للصد عن سبيل الله، أو كان يزيد في الشرك والفتنة ، أو يؤدي إلى القضاء على الفئة المؤمنة فإنه لا يكون مشروعاً بل الواجب حينئذ كف اليد ..

    قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}

    فقد كان الواجب على أمة الإسلام كفُّ اليد وعدم القتال، دل على أنه ليس غاية ، ولكنه وسيلة حيث وجدت الحاجة إليها أخذ بها، وحيث لم توجد الحاجة إليها امتنع الأخذ بها ..

    وهذا هو ما سار عليه النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ، وتبعه عليه السلف الصالح، ثم من جاء بعدهم من أهل السنة إلى يومنا هذا ، بل هذا فعل العقلاء من جميع الأمم ..

    وهذا بخلاف ما عليه الخوارج وأشباههم ممن لا يقدرون المصالح والمفاسد، ولا يهمهم إقامة دين ولا دنيا، بل همهم القتل والقتال كحال أهل الجاهلية الأولى ..

    والأدلة كثيرة، ومنهج السلف الصالح مليء بالأمثلة، وكذلك منهج من جاء بعدهم من أئمة الجهاد كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- ..

    وسأضرب هنا مثلاً من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ-

    من المعلوم أن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- علم من أعلام الأمة ، وهو من كبار أئمة السلفيين في زمانه، ومن كبار المجاهدين في سبيل الله بسيفه وقلمه ولسانه ..

    وكان له أكبر الأثر في صد عدوان التتار على بلاد المسلمين وخاصة في موقعة شقحب ...

    وثمة أمر هام يتعلق بجهاده يغفله كثير من أدعياء الجهاد في هذا الزمان وهو موقف شيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- من احتلال التتار لدمشق ..

    قال ابن كثير -رحمهُ اللهُ- في البداية والنهاية(17/718-) : "وقعة قازان.

    لما وصل السلطان إلى وادي الخزندار عند وادي سلمية، فالتقى التتر هناك يوم الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول –سنة 699هـ- فالتقوا معهم ، فكسروا المسلمين، وولى السلطان هارباً، فإنا لله، وإنا إليه راجعون، وقُتل جماعة من الأمراء وغيرهم ومن العوام خلق كثير..

    وبقي البلد –يعني : دمشق- شاغراً ليس فيهم حاكم ولا زاجر، ولا رادع سوى نائب القلعة علم الدين أرجواش وهو مشغول عن البلد بالقلعة..

    وسلطان التتار قد قصد دمشق بعد الوقعة، فاجتمع أعيان البلد والشيخ تقي الدين ابن تيمية في مشهد عَلي، واتفقوا على المسير إلى قازان لتلقيه، وأخذ الأمان منه لأهل دمشق، فتوجهوا يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر، فاجتمعوا به عند النَّبْك –اسم قرية قريبة من دمشق-، وكلمه الشيخ تقي الدين ابن تيمية كلاماً قوياً شديداً، فيه مصلحة عظيمة عاد نفعها على المسلمين ولله الحمد...

    وبعد الصلاة –أي: صلاة الجمعة- قدم الأمير إسماعيل ومعه جماعة من الرسل فنزلوا ببستان الظاهر عند الطرن، وحضر الفَرْمان بالأمان وطيف به في البلد..

    وفي يوم الإثنين عاشر الشهر قدم سيف الدين قبجق المنصوري –وهو من الموالين للتتار- فنزل في الميدان، واقترب جيش التتر، وكثر العَيْث في ظاهر البلد، وقتل جماعة، وغلت الأسعار بالبلد جداً، وأرسل قبجق الى نائب القلعة ليسلمها إلى التتر فامتنع أرجواش من ذلك أشد الامتناع، فجمع له قبجق أعيان البلد فكلموه أيضا فلم يجبهم إلى ذلك، وصمم على ترك تسليمها إليهم وبها عين تطرف، فان الشيخ تقي الدين بن تيمية ارسل الى نائب القلعة يقول له ذلك، فاشتد عزمه على ذلك، وقال له: لو لم يبق فيها إلا حجر واحد فلا تسلمهم ذلك إن استطعت. وكان في ذلك مصلحة عظيمة لأهل الشام، فإن الله حفظ لهم هذا الحصن والمعقل الذي جعله الله حرزاً لأهل الشام التي لا تزال دار أمان وسنة، حتى ينزل بها عيسى ابن مريم عليه السلام.

    وفي يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر خطب لقازان على منبر دمشق بحضور المغول بالمقصورة، ودعي له على السُّدة بعد الصلاة، وقرئ عليها مرسوم بنيابة قبجق على الشام، وذهب إليه الأعيان فهنؤه بذلك، فأظهر الكرامة وأنه في تعب عظيم مع التتار.."

    أقول: فتم احتلال التتر لدمشق وفيها شيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- ، ثم ذكر ابن كثير من عيث التتر والنصارى في دمشق شيئاً هائلاً فكان مما قال: "وفي يوم السبت النصف من ربيع الآخر شرعت التتار وصاحب سيس في نهب الصالحية ومسجد الأسدية ومسجد خاتون ودار الحديث الأشرفية بها، واحترق جامع التوبة بالعقيبية، وكان هذا من جهة الكرج والأرمن من النصارى الذين هم مع التتار قبحهم الله، وسَبَوا من أهلها خلقا كثيراً، وجماً غفيراً، وجاء أكثر الناس إلى رباط الحنابلة فاحتاطت به التتار، ثم قحموا عليه، فسبوا منه خلقاً كثيراً من بنات المشايخ وأولادهم، فإنا لله، وإنا إليه راجعون "

    وذكراً شيئاً كثيراً من هذا القبيل.

    تنبيه: قال ابن كثير فيما بعد في ترجمة قبجق هذا الذي كان موالياً للتتر: "والأمير سيف الدين قبجق نائب حلب مات بها –يعني : سنة 710هـ-، وكان شهماً شجاعاً، وقد ولى نيابة دمشق في أيام لاجين، ثم قفز إلى التتر خوفاً من لاجين، ثم جاء مع التتر، وكان على يديه فرج المسلمين، كما ذكرنا عام قازان ثم تنقلت به الأحوال إلى أن مات بحلب".

    قال فيه ابن كثير هذا مع أنه قال فيه من قبل: " ثم إنه ضمن الخمارات ومواضع الزنا من الحانات وغيرها، وجُعلت دارُ ابن جرادة خارج باب توما خَمَّارة وحانة أيضاً، وصار له على ذلك في كل يوم ألف درهم ، وهي التي دمرته، ومحقت آثاره، وأخذ أموالاً آخر من أوقاف المدارس وغيرها".

    ومع هذه المفاسد لم يقاتل شيخ الإسلام التتار المحتلين، ولم يعمل حرب عصابات ولا رايات سوداء ولا بيضاء ولا حمراء..

    بل كان يحاول الاصلاح باللتي هي أحسن، ويخفف من شر التتار بقدر الإمكان..

    قال ابن كثير -رحمهُ اللهُ- : "وخرج الشيخ تقي الدين ابن تيمية في جماعة من أصحابه يوم الخميس العشرين من ربيع الآخر إلى ملك التتر، وعاد بعد يومين، ولم يتفق اجتماعه بقازان، حجبه عنه الوزير سعد الدين والرشيد مشير الدولة المسلماني بن يهودى، والتزما له بقضاء الشغل، وذكرا له أن التتار لم يحصل لكثير منهم شيء إلى الآن، ولا بد لهم من شيء".

    ثم ذكر من إفساد التتار وتخريبهم شيئاً مهولاً، ثم ذكر خروج قازان إلى مقر ملكه ، وفي نيته العودة العام المقبل للاستيلاء على مصر ، وأناب في دمشق قبجق، ومعه ستون ألفاً مقاتل.

    وفي رجب رحل بقية التتر وعلى رأسهم قائدهم بولاي، ولم يبق من التتر بالشام أحد والحمد لله.

    وخرج قبجق من البلد لتلقي العساكر المصرية ، وصارت البلد بدون حاكم، فاستفاد شيخ الإسلام من هذا بأن قام بإنكار المنكرات فقال ابن كثير -رحمهُ اللهُ- : "وفي بكرة يوم الجمعة المذكور-17 رجب- دار الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وأصحابه على الخمارات والحانات فكسروا آنية الخمور، وشقوا الظروف، وأراقوا الخمور، وعزروا جماعة من أهل الحانات المتخذة لهذه الفواحش، ففرح الناس بذلك، ونودي يوم السبت ثامن عشر رجب بأن تزين البلد لقدوم العساكر المصرية".

    وكان شيخ الإسلام لما خرج قبجق ولم يبق في البلد إلا المسؤول عن القلعة "نادى أرجواش في البلد: احفظوا الأسوار، وأخرجوا ما كان عندكم من الأسلحة، ولا تهملوا الأسوار والأبواب، ولا يبيتن أحد إلا على السور، ومن بات في داره شُنِق، فاجتمع الناس على الأسوار لحفظ البلاد، وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يدور كل ليلة على الأسوار يحرض الناس على الصبر والقتال، ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط"

    فيلاحظ أنه في فترة وجود المحتل وقوته الضاربة سلك شيخ الإسلام مسلك الصلح والأمان، فلما خرج العدو أخذ يحرض الناس على القتال والجهاد .

    وقد استمر ملك التتر لدمشق مائة يوم .

    ثم ذكر ما كان من عزم التتر على احتلال بلاد الشام ومصر، وتحرك جيوشهم لذلك، وصار عند الناس من الخوف والذعر والبلبة شيء عظيم، حتى أن السلطان خرج لقتال التتار ثم رجع ، وذهب شيخ الإسلام إلى مصر وحرض السلطان والأمراء وشجعهم ، ثم رجع إلى الشام وحرض الناس على القتال ووعدهم جميعاً بالنصر والظفر ، ورابطت الجيوش الشامية خارج دمشق أربعة أشهر حتى ورد الخبر وثبت أن قازان رجع إلى مقر ملكه ولن يهاجم بلاد الشام هذا العام ، فسكن الناس وهدؤوا..

    ثم في 701هـ ، عزم السلطان على مناجزة التتار ، فأرسل الجيوش إلى الشام فالتأم جيش الشام وجيش مصر ، ولكن لم يحضر السلطان بعد بمن معه من بقية الجيش، وخاف الناس، فطمأنهم شيخ الإسلام وحلف لهم أنهم سينتصرون..

    قال ابن كثير -رحمهُ اللهُ- : "وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس: إنكم في هذه الكرة منصورون على التتار. فيقول له الأمراء: قل: إن شاء الله. فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله؛ منها قوله تعالى: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور}".

    وحصل ما وعدهم به شيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- ، وانتصروا على التتار في تلك السنة في موقعة شقحب ، والحمد لله رب العالمين.

    فيتبين لنا مما سبق:

    1- أن شيخ الإسلام لم يكفر ولي أمره، ولم يطعن فيه، ولم يسبه لما هرب إلى مصر من قازان ومن معه من التتر ..

    2- أن شيخ الإسلام لما احتل التتر الكافرون دمشق وهرب جيش السلطان لم يقاتل، ولم يحرض على القتال بل ناصح سلطان التتر ، وكان يأمر بعدم إنكار المنكر بشرب الخمر على التتر!!

    3- أن شيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- لم يرْكَن إلى التتر ، ولم يطمئن إليهم ، ولم يضع ثقته فيهم، بل كان محتاطاً ، مصانعاً لهم حتى يتهيأ الحال لإخراج التتار بصورة حميدة تحفظ دماء المسلمين وأعراضهم ولا تؤدي إلى استئصالهم.

    4- أن شيخ الإسلام لما جاء التتر مرة أخرى نصح ولي الأمر واستنصر به ولم يقم بنفسه فقط لضعف جند دمشق ..

    5- أن شيخ الإسلام لما حلف على النصر كان قد استعرض أحوال الدول الإسلامية ولم يكفر ولاة أمرها ولم يطعن فيهم ..

    فلا يقارن شيخ الإسلام بما عليه أدعياء الجهاد اليوم فإنهم خوارج فجرة ، مكفرون لولاة الأمر ، طعانون في العلماء، يكثر فيهم الكذب والافتراء على أهل السنة وعلى ولاة الأمر ..

    فهم ليسوا بمستحقين للنصر على الأعداء ، ولا هم حفظوا ولاية الله إذ احترموا أولياءه، بل أعلنوا الحرب على الله وهم يزعمون أنهم يجاهدون في سبيله!

    وإعلانهم للحرب على الله هو بمحاربتهم أولياءه من المؤمنين والعلماء حيث استرخصوا دماء المؤمنين، واستحلوا دماء المسلمين بالظِنَّة والتهمة ، وطعنوا في العلماء واتهموهم بما هم على خلافه.

    فالواجب على المسلمين أن يتوبوا إلى الله ، وأن يقلعوا عما يباعدهم منه ، وأن يجتمعوا على الحق، وأن يبتعدوا عن الفرقة والخلاف، وأن يرجعوا أمرهم إلى أهل الحل والعقد من العلماء والأمراء ليرشدوهم وينيروا لهم الطريق..

    وليحذروا من الخوارج وأشباههم من الرافضة والبعثيين فإنهم لا يزيدونهم إلا خبالاً ، ولا يقومون إلا بما فيه فساد العباد والبلاد .

    أسأل الله أن يصلح أحوال إخواننا في العراق ، وأن يؤلف بين قلوبهم، وأن يطهر بلادهم من الخوارج والرافضة وأهل الخزي والضلال.

    والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد

    كتبه: أبو عمر أسامة العتيبي

    منقول عن منتدى السودان
    http://www.sd-sunnah.com/vb/showthread.php?t=1717
    كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ولا وفى بموجب العلم والإيمان ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ولا أفاد كلامه العلم واليقين

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2016
    المشاركات
    115
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    موضوع جميل ومهم جدا

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الدستور الذي يريده العلماء
    بواسطة فخر الدين المناظر في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-09-2011, 08:43 PM
  2. ابن تيمية.. الذي نقد الفلسفة..
    بواسطة عساف في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05-30-2010, 09:52 AM
  3. مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-10-2009, 03:49 PM
  4. العالم الرباني ابن تيمية الحراني
    بواسطة الأسمر في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-22-2005, 10:11 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء