ثالثاً : تصديقه فيما أخبر :
من أصول الإيمان و ركائزه الرئيسية ، الإيمان بعصمة النبى (ص) من الكذب أو البهتان ، و تصديقه فى كل مل أخبرمن أمر الماضى أو الحاضر أو المستقبل ، قال الله تعالى : { و النجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم و ما غوى . و ما ينطق الهوى . إن هو إلا وحيٌ يوحى } .
و الجفاء كل الجفاء ، بل الكفر كل الكفر اتهامه و تكذيبه فيما اخبر ، و لهذا ذم الله المشركين بقوله : { و ما كان هذا القرآن أن يُفترى من دون الله و لكن تصديق الذى بين يديه و تفصيل الكتاب لا ريب فيه من رَّب العالمين . أم يقولون افتراه قُل فأتوا بسورة مثله و ادعوا من استطعتم من دون الله إن كُنتم صادقين . بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لَّما يأتهم تأويلُه كذلك كذَّب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } .
قال الإمام ابن القيم : فرأس الأدب مع الرسول (ص) كمال التسليم له ، و الانقياد لأمره ، و تلقى خبره بالقبول و التصديق ، دون أن يُحمله معارضة بخيال باطل يسميه معقولاً ، أو يُحمله شبهة أو شكاً ،أو يقدم عليه آراء الرجال و زبالات أذهانهم ، فيوحِّده بالتحكيم و التسليم ، و الإنقياد و الإذعان ، كما وحَّد المرسِلَ - سبحانه و تعالى - بالعبادة و الخضوع و الذل و الإنابة و التوكل .
و انظر الى المنزلة العالية الرفيعة التى حازها أبو بكر الصديق رضى الله عنه الذى آمن بالنبى (ص) حقَّ الإيمان ؛ فصدَّقه حقَّ التصديق ؛ فعن عائشة رضى الله عنها قالت : لما أسرى بالنبى (ص) إلى المسجد الأقصى ، أصبح يتحدث الناس بذلك ، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به و صدقوه ، و سعوا بذلك إلى أبى بكر رضى الله عنه فقال : هل لك فى صاحبك ، يزعم أنه أسرى به الليلة إلى بيت المقدس ؟ قال : أوَ قال ذلك ؟ قال : نعم ! قال : لئن كان قال لقد صدق ، قالوا : أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس و جاء قبل أن يصبح ؟! قال : نعم ! إنى لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء فى غدوة أو روحة . فلذلك سمى أبو بكر الصديق .
و من لطائف هذا الباب التى تدل على منزلة الشيخين الجليلة ، أن رسول الله (ص) قال لأصحابه : بينما راع فى غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبها حتى استنقذها ، فالتفت إليه الذئب ، فقال له : من لها يوم السبع ليس لها راع غيرى ؟! و بينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها ، فالتفتت إليه ، فكلمته فقالت : إنى لم أخلق لهذا ، و لكنى خُلقت للحرث ، فقال الناس : سبحان الله ! قال النبى (ص) : فإنى أومن بذلك و أبو بكر و عمر بن الخطاب .
------------
يتبع إن شاء الله
Bookmarks