* عندما يكتب مسلم ليصف الرق كما نظم الإسلام حاله ، أو ليصف التطبيق المعاش للرق في مجتمعه ، فلعله يتغاضي عن المساوئ و يكتفي بالمحاسن ، لعله يسكت سترًا علي حال شريعته ، بل لعله يكذب مجاملة لديانته !!
و بالرغم من أن " لعله " هذه لا تكفي كدليل ، و لا يقام لها وزن في معرض الإلزام ، فإن كثيرًا من أعداء الإسلام - بأنواعهم - يرددون مثل هذا الكلام عند مواجهتهم بكلام علماء المسلمين عن الرق ، و قد يجمل هذا الكم من " لعله " في عبارة مختزلة خبيثة " التاريخ يكتبه المنتصرون " .
* أضف إلي ذلك : كثيرًا ما يتكلم أعداء الإسلام عن الرق من وحي خيالهم ، فهم لم يعايشوه ، و لم يعلموا أحكامه من كتب الفقه ، و لكنهم - في الغالب - يتقممون زبالات من رضعوا من لبانتهم من المستشرقين ، و قد يزيدون عليها بعض القصص من " ألف ليلة و ليلة " ، و لا مانع من كتاب " الأغاني " للأصفهاني ، و لا بأس بأخبار الحمقي و المغفلين ، و لا ضير إن زاد بعض هزليات الشعوبية ، فإن أضفت كتابات أحفاد ابن العلقمي فتلك مكتبة إلحادية عدوانية قيمة .
من أجل هاتين المسألتين : نويت البدء بعرض شهادة غير المسلمين عن الرق ، ليبطل اعتراضهم الواهي ، لتتضح المسألة بعيدًا عن التعصب .
و هذه الشهادة الأولي :
شهادة أحد النصاري من فرنسا عن الرق في مصر .
الشاهد :Gilbert Goeseph Gaspard Conte de Chabrol
و قد جاء إلي مصر في ريعان شبابه ، و كتب دراسة عن مشاهداته في مصر ، و نشرت هذه المشاهدة ضمن كتاب " وصف مصر " بمجلداته التسعة في الطبعة الأولي و مجلداته الستة و عشرين في الطبعة الثانية ، و قام الأستاذ " زهير الشايب " بترجمة هذه الدراسة في مجلد هو الأول من سلسلة مجهوداته في ترجمة كتاب " وصف مصر " .
و النقل سيكون من الطبعة الثانية ، مع بعض التعليقات كإسقاطات علي الواقع ، أو بيان براءة دين الإسلام من مساوئ التطبيق ، أو دفع توهمات قد تحدث من كلام الكاتب ، أو مقارنة ما يحاول الملاحدة تصوره مع واقع الرق ، و أتمني أن يثري الإخوة الموضوع بمشاركاتهم القيمة .
قال Gilbert Gaspard
( تحتفظ الشعوب الشرقية بتلك العادة القديمة ، عادة استخدام العبيد ، و نحن لن نمسك في هذا الخصوص عن إبداء أي رأي مهما بدا قاسيا ، و مهما كانت انتقاداتنا و ملامتنا مشروعة ، فإنها تقع جميعها علي أوربا ، كما أن كل واحدة من هذه الانتقادات و الملامات ليست سوي نقد حر لتلك التجارة المخزية ، التي تسامحت فيها أوربا حتي اليوم ، فمستعمرات العالم الجديد و جزر البحر الأفريقي - مسارح همجية الشعوب المتحضرة - تقدم أكثر مشاهد العبودية بشاعة ، بل و أكبرها إهدارًا للحقوق المقدسة للإنسان .
إذ ينبغي أن نعترف هنا - و هذا أمر مخز للحضارة و المدنية - أن قدر العبيد في مصر كما في بلاد الشرق أقل حافزًا علي الشكوي من قدرهم هناك في أمريكا ، حيث يروون بعرقهم و دمائهم حقول سوق لا رحمة فيه ، أما رقيق مصر - علي العكس من ذلك - فيمكن القول بأنهم يقبلون في العائلات كأفراد فيها ، و ليس ثمة ما يقومون به من عمل سوي خدمة المنزل ، كما أن حالتهم ليست علي الدوام بائسة ، بل إن الرق عندما يكون السيد واحدًا من البكوات يكون في معظم الأحوال بمثابة الخطوة الأولي نحو الثروة أو نحو السلطة ) ( صفحة 208 )
Bookmarks