الفصْل الثامِن
خطط العَدُوّ لغزو الإسْلام
بتفريغه من مضامينه الصحيحة
1- خطة وغرض .
2- التحريف في مفهوم التوكل على الله .
3- سوء فهم معنى الرضى بالقضاء والقدر .
4- محاولات الغزاة إلغاء ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال .
5- محاولات الغزاة تفريغ الإسلام من أحكام المعاملات وسائر شؤون الحياة .
6- محاولة إلغاء تطبيق أحكام الأحوال الشخصية الإسلامية .
7- التلاعب بالأحكام الإسلامية بحيلة المرونة في الشريعة .
8- حيلة خلط معنى التمسك المحمود بالحق بمعنى التعصب الجاهلي المذموم .
9- التلاعب بعبارات التقدمية والرجعية والتمدن والتخلف ونحوها .
10- حيلة التحسر على افتقار الأمة العربية إلى فلسفة ترفع من شأنها .
11- حيلة التمجيد بعبقرية محمد لتفريغ دعوته من كونها رسالة ربانية .
(1)
خطة وغرض
في خطة من خطط الغزو الفكري للمسلمين الذي يبيّته أعداء الإسلام تصيُّد المفاهيم الفاسدة الموجودة عند بعض المسلمين ، الداخلة عليهم عن طريق الأخطاء الفكرية ، أو بفعل كيد مدّبر ، من قبل عدو من أعداء الإسلام والمسلمين ، ثم العمل على دعم هذه المفاهيم ونشرها ، وتوسيع رقعتها بكل وسيلة ، والوقوف دون أية حركة إصلاحية تصحح هذه المفاهيم الفاسدة ، وتعيد الآخذين بها إلى الفهم الإسلامي الصحيح .
والغرض من التصيُّد هذه المفاهيم ودعمها ونشرها والوقوف دون أية حركة إصلاحية لتقويمها التمهيدُ لطعن الإسلام بها ، والتشهير به على زعم أنها من تعاليمه الأساسية ، واستغلالُها لتوهين قوة المسلمين ضد أعدائهم ، وصرفهم عن مفاهيم الإسلام الحقة .
وبطريقة ماكرة يوحون إلى الأجيال الناشئة في البيئات الإسلامية أن الإسلام غير صالح للحياة ، وأنه مشكوك بكونه من التعاليم الربانية الصحيحة ، ويستشهدون على ذلك بهذه المفاهيم غير الصحيحة ، مدعين أنها من صلب الإسلام ، بدليل تمسك فريق من المسلمين بها .
(2)
التحريف في مفهوم التوكل على الله
دخل المستعمرون بلاد المسلمين ضمن دوامة من المؤامرات الدولية أدّت إلى إضعاف الدول الإسلامية ، ووجدوا المقاومة العنيفة لهم من الشعوب المسلمة ، وهي تعلن الجهاد ضد قوى الاحتلال الكافرة الغاشمة الظالمة ، ولم يتركوا سبيلاً من سبل العنف العسكري إلا استخدموه ضد مقاومة المسلمين المستمرة لهم ، دون أن يظفروا بثمرة الاستقرار فيما احتلوه من بلاد ، فاتجهوا إلى تصيد الأفكار التي يمكن أن تُخمد نار المقاومة المتأججة ضدهم ، إذا تمكنوا من بثها في أفكار الشعوب المسلمة .
وقد عثروا على فكرة التوكل على الله . وأدركوا أن من الممكن التحريف فيها ، والتلاعب بمضمونها ، حتى تغدو سلاحاً ضد المسلمين ، وبعد أن كانت سلاحاً خطيراً جداً في أيديهم ضد أعدائهم ، وهذا التحريف لا يكلفهم أكثر من عملية تعميم في المضمون ، يتجاوز حدود مواقع التوكل المطلوب في الإسلام .
إن التوكل على الله كما قرره الإسلام ، وفهمه المسلمون الأوائل وطبقوه ، وظيفة من وظائف الجانب القلبي الاعتقادي في الفرد المسلم والجماعة الإسلامية ، وليس وظيفة من وظائف الطاقات المادية ، والقدرات الجسدية ، والأعمال التخطيطية والتنفيذية في المسلم ، ومتى صح إدراك هذا الفرق لدى الأفراد والجماعات ، كان التوكل على الله في الجانب القلبي الإيماني ممداً بقوة معنوية عظيمة ، تضاعف القوى المادية العاملة أضعافاً كثيرة ، حتى يغلب عشرون مؤمنون صابرون مئتين بإذن الله ، والله مع الصابرين . ومن الملاحظ أن أهم عوامل الخذلان التي تمنى بها القوى المادية على كثرتها في الجيوش المحاربة ، إنما هي تناقص القوى المعنوية القلبية ، التي أثبتت التجارب التاريخية أن في مقدمتها قوة التوكل على الله ، فهي أثقل القوى المعنوية على الإطلاق . فالذي يعد العدة ، ويستخدم الأسباب ، متوكلاً على حدود ما أعد من قوى يظل قلبه قلقاً حذراً جباناً خائفاً من أن تكون قوة عدوه زائدة على قوته ولو بمقدار يسير ، وبذلك فقد تنهار قوته ، وتفقد أسلحته وأسبابه مضاءها المقدَّر لها ، لفقدان الروح المعنوية في قلبه ، وأما الذي يعد العدة الكاملة ، ويتخذ ما يستطيع من أسباب ويباشر العمل وهو موقن بأن قوة قادرة على كل شيء تدعمه من وراء الحجب المادية ، وتشد أزره ، فإنه يستطيع أن يستعمل في نضاله وجهاده كل قوته مع حضور القلب وسرعة بديهة ، نظراً إلى أنه لم يسمه الخوف الذي يقلق القلوب ويفسد الرؤية الصحيحة للعقول . وما يقال في أعمال القتال يقال نظيره في كل أعمال الحياة .
والتحريف الذي أدخل على معنى التوكل على الله هو تعميم مضمونه ، حتى امتد فكان في أفكار بعض المسلمين وظيفة أيضاً من وظائف الطاقات المادية ، والقدرات الجسدية ، والأعمال التخطيطية والتنفيذية ، واستطاع الأعداء أن يستغلوا هذا التحريف لتثبيط المسلمين عن إعداد ما يجب عليهم إعداده من قوى مادية ، وصرفهم عن اتخاذ الأسباب الواجبة ، وعن مباشرة كل ما من شأنه أن يحقق النتائج وفق سنن الله في كونه ، تخدر التصورات الفاسدة لمعنى التوكل طاقات العمل والسعي والتكفير فيهم ، وتجعلهم يعيشون في أحلام تحقيق غاياتهم بمعجزات خارقة خارجة عن سنن الحياة المستمرة .
ولا شك أن هذا المفهوم الفاسد لمعنى التوكل على الله يعطل حركة السعي الواجب ، لاتخاذ كل الوسائل المادية والمعنوية المستطاعة ، التي من شأنها أن تظفر الساعي بالنتيجة المطلوبة وفق سنن الله في كونه ، و كانت مكيدة العدو في استخدام هذا التحريف مكيدة خطيرة جداً ، أخطر من مكيدة الأفيون الذي نشره المستعمرون في الصين ، وقد تضمنت هذه المكيدة سلاحاً ماضياً لصالح العدو .
بينما فهم المسلمون الأولون معنى التوكل على الله فهماً صحيحاً ، مقروناً بفهمهم لما يجب عليهم من عمل وجهاد وكفاح ، وما يجب عليهم من اتخاذ أتم الوسائل المستطاعة لبلوغ الغايات ، ومقروناً بفهمهم لسنن الله في كونه ، القائمة على الأسباب ، ثم تأتي المعونة الإلهية من وراء اتخاذ الأسباب المأمور بها ، ولذلك لم يترك المسلمون الأولون سبيلاً من سبل العمل المستطاعة لهم إلا أخذوا به ، ولا سبباً من الأسباب التي أمكنهم الظفر بها إلا استخدموه ، وبذلك حقق لهم المجد والنصر المبين . وهكذا كانت تربية رسول الله لهم في حياته كلها ، وفي دعوته إلى دين الله ، هكذا كان صلوات الله عليه في دعوته ، وفي جهاده ، وفي غزواته ، وفي سعيه لاكتساب الرزق ، وفي عباداته ، وفي شؤونه الخاصة ، وفي شؤون المسلمين العامة ، وفي حثه المسلمين على السعي والعمل والجهاد والصبر والمصابرة .
وكذلك كانت تربية القرآن الكريم لرسول الله وللمسلمين ، ونصوص القرآن زاخرة بالأمر بالعمل والحث عليه ، ووجوب اتخاذ الوسائل التي ربط الله بها النتائج في قوانين الحياة التي سنها ، فلا مبدل لها ، وخرق هذه السنن لا يكون إلا في حالات نادرة ، آية لرسول ، أو إكراماً لفئة قليلة مؤمنة صادقة مع الله ، بذلت قصارى جهدها ، ولم تتهاون في واجب فرضه الله عليها .
(3)
التحريف في مفهوم التوكل على الله
واقترن بالتحريف الذي أدخل على مفهوم التوكل على الله سوء فهم لمعنى الرضى بالقضاء والقدر ، إن فهم التوكل فهماً فاسداً ، نشأ عنه ترك الأخذ بالأسباب ، والقيام بما فرض الله من إعداد المستطاع من القوة ، والجهاد في سبيل الله ، وهذا قد لزم عنه تسلط الأعداء على المسلمين ، ووقوع المسلمين في نكبات الاضطهاد ، ولتبرير التحريف الدخيل ، مع المحافظة على الانتساب إلى الإسلام ، كان لا بد من قبول فهم فاسد آخر يتصل بالقضاء والقدر ، إذ يحاول هذا الفهم أن يقنع العصاة بتوكلهم الفاسد ، أن الله قد تخلى عن نصرهم وإذْلال عدوهم مع استحقاقهم لذلك لأنه أراد أن ينزل بهم مصيبة على يد عدوهم ، لا بسبب أنهم قصروا بما أوجب عليهم ، ولكن ليرضوا بمقاديره ويصبروا عليها ، وجعلوا ذلك مثل مصائب الفقر والمرض والموت التي يبتلي الله بها عباده ؛ ليعلم الصابرين منهم والمتضجرين .
إنهم يجعلون النتائج السببية التي تأتيهم بأسباب منهم ، كالمصائب الربانية التي يبتلي الله بها عباده ، فيسيئون فهم القضاء والقدر ، ويضعون الأمور في غير مواضعها ، ويسلكون في هذا مسلكاً شبيهاً بمسلك المنافقين الذين كانوا إذا أوذوا مع المسلمين في قتال ، جعلوا فتنة الناس كعذاب الله ، وأخذوا يطرحون الشكوك بالإسلام ، ويعتبرون أن ما أصاب المسلمين من أذى هو شبيه بعذاب الله لهم ، وفيهم يقول الله في سورة (العنكبوت/29 مصحف/85 نزول):
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ }
وظاهر أن الاستكانة إلى العدو على معنى الرضى بقضاء الله وقدره استكانة وينهى الإسلام عنها ، ولا يرضى بها ، ولا يجوز أن تكون وفي قدرة المسلمين أن يدافعوا ويكافحوا ويجاهدوا في سبيل الله ، وما يصاب المسلمون بالخذلان ، أو بتسلط أعدائهم عليهم إلا بذنوبهم ، وبتقصيراتهم عن القيام بما أوجب الله عليهم من اتخاذ الأسباب ، لصد أعدائهم ، وإعلاء كلمة الله .
إن مبدأ الرضى بقضاء الله وقدره في المفهوم الإسلامي الصحيح يمنح المسلمين قوة عملية فعالة لا تني ، وطاقة اندفاع كبرى إلى الجهاد في سبيل الله ، وتحمّل كل مصيبة في ذلك ، اعتقاداً منهم بأنهم لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم .
فالمسلمون يدخلون معارك الجهاد في سبيل الله فيصابون في أنفسهم وأموالهم وأولادهم ، فيتقبلون كل ذلك بتمام الرضى عن الله فيما يجري به قضاؤه ، دون أن يتضجروا أو يتذمروا من ذلك ، ثم إذا دعاهم داعي الجهاد مرة ثانية وثالثة ورابعة وإلى ما لا نهاية له لم يتوانوا عنه ، لأنهم يعتقدون اعتقاداً جازماً أنه لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم ، فهم يتلقون كل ذلك بالتسليم والرضا عن الله ، معلقين آمالهم بما أعد الله من أجر عظيم للصادقين الصابرين .
وفي مقابل هذه العقيدة السليمة الممدة بقوى الصبر والمصابرة واحتمال الأذى ، تأتي العقيدة الموهنة المثبطة المخذلة التي يعتقدها الكافرون ، وهي التي تجحد القضاء والقدر ، وتزعم انفراد الأسباب بتحقيق النتائج ، وتعتقد أنه لولا حصول السبب الفلاني لما حصلت المصيبة الفلانية ، وعلى أساس من هذه العقيدة الباطلة ، أثار المنافقون بعد غزوة أحد التي أصيب فيها المسلمون بنكسة بعد ظفرهم على عدوهم ، بسبب مخالفة فئة الرماة أمر الرسول بعدم تركهم موقعهم الذي حدده لهم ، أثاروا مقالتهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتل هذا النفر الذي قتل في أحد . إذ كان رأي زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول عدم الخروج من المدينة إلى ملاقاة المشركين في أحد ، وانخذل عن الرسول هو والمنافقون معه وكانوا قرابة ثلث الجيش .
وكانت مقالة المنافقين بعد أن حصل ما حصل للمسلمين في الموقعة لوناً ماكراً من ألوان تثبيط القوى الإسلامية عن الجهاد في سبيل الله ، والخروج إلى مقارعة حملة ألوية الكفر .
لذلك كان لا بد للعقيدة الإسلامية الصحيحة حول القضاء والقدر من أن تقف موقفاً حازماً جازماً لا تردد فيه ، تثبيتاً لقلوب المؤمنين ، ورداً لكيد المنافقين ، فينزل القرآن معلناً أن الذين قتلوا من المسلمين في أحد قد قتلوا بآجالهم المقررة لهم في قضاء الله وقدره ، وقضوا حياتهم في مصارعهم المقدر لهم أن يموتوا فيها . فلو أن المعركة كلها لم تحصل ، ولم يخرج المسلمون من المدينة إلى قتال عدوهم ، لخرج الذين كتب عليهم القتل بسبب آخر إلى موطن المعركة ، ولكان مصيرهم القتل ، ولكانت مضاجعهم هي مصارعهم ، قال الله تعالى في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول):
{يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
على مثل هذا يكون استعمال العقيدة بالقضاء والقدر ، والتوكل على الله ، والرضى عن الله والتسليم التام له فيما تجري به مقاديره ، تقوية لقلوب المؤمنين وتثبيتاً ، وتطهيراً لها من عوامل الخوف والقلق والاضطراب والجزع .
أما الجنوح بهذه العقيدة إلى المعنى المغمور بالضعف والتخاذل ، وترك مباشرة الأسباب ، والرضى بأية نتيجة تأتي من جراء ترك ما أوجب الله اتخاذه ، فهو جنوح عن أساس العقيدة الإسلامية ، التي ألزمنا الله باعتناقها والاستمساك بها .
والفهم الإسلامي الصحيح في هذا صراط وسط بين منحدرين ، والانحياز عنه من ذات الشمال يوقع بالإفراط في التعلق بالأسباب وإهمال المقادير الربانية ، وهذا انفصال عن عنصر أساسي من عناصر العقيدة الإسلامية من نتائجه الوهن والتخاذل والجبن والقلق والتسخط والندم ، والانحياز عنه من ذات اليمين يوقع بالتفريط بما أوجب الله الأخذ به ، من كل سبب من شأنه الإيصال إلى الغاية المطلوبة وفق سنن الله في كونه ، ومن نتائجه الاستكانة والتواني وترك العمل ، وإيثار البطالة والكسل ، وما ينجم عنها من مصائب ونكبات وآلام وضعف وذل ، وبها يستشري الفساد في الأرض ، ويظهر الكفر ويعلو الباطل ، ويتسلط أعداء الله والحق .
(4)
محاولات الغزاة إلغاء ركن الجهاد في سبيل الله
من أركان الدعوة إلى الله ونشر الإسلام وحماية المسلمين
استمرت جيوش الاحتلال الاستعماري في البلاد الإسلامية تنام على أشواك القلق والاضطراب والفزع ، من مباغتة المقاومة التي يقوم بها المجاهدون المسلمون ، وفي طليعة هذه الجيوش جيوش الاستعمار الإنكليزي والفرنسي ، ثم جيوش الاستعمار الإيطالي والبرتغالي ، والهولندي ، وغيرها .
وبحثوا عن سر هذه المقاومة العنيدة المستمرة ، والفداء الذي لم ينقطع فوجدوا أن من واجبات الإسلام لنشره وصيانته وحماية المسلمين وبلادهم من أي تسلط غير إسلامي ، واجب الجهاد في سبيل الله بالقتال عند توافر أسبابه ، الذي يغذيه في قلب المسلم إيمانه الراسخ بما أعد الله للمجاهدين في سبيله من أجر عظيم عنده ، فهو إن لم يظفر في الدنيا بالنصر ، ظفر في الآخرة برضوان الله والجنة .
ولذلك وجه الاستعماريون والمبشرون والمستشرقون واليهود وسائر أعداء الإسلام جهوداً عظيمة في خطة متعددة الشُّعَب ، لغزو هذا الركن العملي الخطير من أركان الدعوة إلى الله ونشر الإسلام وإقامة العدل في الأرض ، وإضعاف أثره في صفوف المسلمين , وهدم بواعثه في قلوبهم .
وكان من مظاهر محاولاتهم لإلغاء هذا الركن العظيم ما يلي :
1- خطَّة الهجوم على الإسلام بأنه انتشر بالسيف ، وبإكراه الناس عليه . لاستغلال ردود الأفعال عند بعض المسلمين ، الذين ينزلقون إلى بعض ما يريد الغزاة ، وهم يرون أنهم يدافعون عن الإسلام .
2- خطَّة تفريغ الجهاد في سبيل الله بالقتال من مضامينه ، وذلك باصطناع البدائل ، كالوطنية ، والقومية ، والأرض ، والكرامة ، والاشتراكية والحريّة ، ونحو ذلك .
3- حيلة الربط الدوري بين الجهاد في سبيل الله وبين إقامة الحكم الإسلامي .
4- خطَّة اصطناع الفرق العميلة الأجيرة ، التي تعمل على إلغاء الجهاد في سبيل الله ، بحيل شتى ، ومنها ما ينقض الإسلام كلَّه ، مثل فرقة البهائية ، وفرقة القاديانية .
5- خطَّة استغلال المنظمات الدولية المندسة في شعوب العالم الإسلامي ، كالماسونية والروتاري اللّيونز ، لبث الأفكار الرامية إلى هدم الإسلام عن طريقها ، ومن ذلك الاهتمام الشديد بإلغاء الجهاد في سبيل الله .
6- خطَّة التوريط والإحباط ، لإقناع جماهير المسلمين بالعجز عن عودة الجهاد بالقتال إلى سابق مجده .
7- خطة تقديم صور مصطنعة من جهاد قتاليّ يحمل شعار جهاد إسلاميّ ، وهو ليس منه منهجاً ولا غاية ، للتنفير من الجهاد في سبيل الله بالقتال ، كصور الأعمال الإرهابيّة الّتي تقتل الأبرياء ، وتغتال وتدمّر ، دون مواجهات قتالية واضحة .
وفيما يلي شرح موجز لهذه الخطط السَّبع :
الخطة الأولى : خطَّة استغلال ردود الأفعال الناتجة عن توجيه الاتهام .
أطلق المستشرقون والمبشرون فريتهم التي اتهموا فيها الإسلام بأنه إنَّما انتشر بالسيف ، وبإكراه الناس عليه ، فكان ردُّ فعل هذا الاتهام عند بعض المسلمين الغيورين على إسلامهم ، دفاعهم عن الإسلام بأنَّ الحروب الإسلامية لم تكن إلاَّ حروباً دفاعية فقط ، وهذا هو ما يريده الغزاة المهاجمون ، هو أن يستدرجوا المسلمين إلى هذه المقالة ، ليلغوا بذلك جزءاً مُهِمَّاً من مفهوم الجهاد في سبيل الله ، وهم يصلون بذلك إلى هدم شطر عظيم من ركن الجهاد في سبيل الله ، الذي دلت عليه النُصوص الإسلامية ، ومفاهيم المسلمين الأولين ، ودلّت عليه وقائع الفتوحات الإسلامية العظمى التي طبقت هذه المفاهيم .
وضمن الغيورين على الإسلام المدافعين عنه بصدق ، والمستدرجين إلى إطلاق مفاهيم غير صحيحة عنه ، اندس مأجورون للمستعمرين والمستشرقين وغيرهم ، فتظاهروا بالغيرة على الإسلام ، وأخذوا ينشرون فكرة حصر القتال في الإسلام بقتال الدفاع فقط ، وأطلقوا نظرياتهم بأنَّ الحروب الإسلامية لم تكن إلا حروباً دفاعية فقط ، فهدموا بذلك شطراً من ركن الجهاد في سبيل الله .
وتذرع أصحاب النظرية الجديد بالحقيقة الإسلامية التي أعلنها القرآن بقول الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول):
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
وبالهدم الجزئي الذي تضمنه هذا الفهم الدخيل المبتدع تعطل شطر من شطري الجهاد في سبيل الله ، وهو الشطر الذي تكون الغاية منه نشر الدين ، وإبلاغه للعالمين ، وكسر الأسوار التي تحجب الحق عن أن يصل إلى أسماع الغافلين المتعطشين إلى المعرفة من الشعوب المغلوبة على أمرها ، الراغبة بالخلاص من ظلمات الجهل ، وسلطان الحكومات الآثمة الظالمة ، التي تحجب عنها النور ، وتفرض عليها أهواءها ، وتمنعها من تنسم أي حقيقة تخالف ما تمليه عليه بالقوة .
مع أن الجهاد بالقتال في سبيل الله كما هو واضح وصريح في كتاب الله المجيد ، وسنة رسوله صلوات الله عليه ، والفتوحات الإسلامية التي تمت في عهود الخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان ، له غايتان رئيستان :
الغاية الأولى : الدفاع ، وهذا حق تتفق على شرعيته جميع الأمم والمذاهب والأديان ، فلا مجال للمناقشة فيه .
الغاية الثانية : القتال لتأمين الدعوة وللقيام بواجب تبليغ الحق الرباني إلى الناس كافة ، وإقامة العدل في الأرض ، والقتال للقيام بواجب التبليغ من الأمور التي اتفقت عليها الشرائع الربانية الثلاث ، المنزلة على موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ، قال الله تعالى في سورة (التوبة/9 مصحف/113 نزول):
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الّجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وطالب موسى عليه السلام بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة فاتحين ، بعد أن أنجاهم الله من فرعون وجنوده ، وأغرق عدوه ، فأجابوه بقولهم : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ، وقص الله علينا قصتهم في ذلك ، فقال تعال في سورة (المائدة/5 مصحف/112 نزول):
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ * يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.
ففي هذا النص بيان واضح أنهم كانوا مطالبين بالقتال لتحقيق الغاية الثانية وهي القيام بواجب تبليغ الحق الرباني ، وفتح الأرض المقدسة وإزالة حكم الكفر ، وإقامة حكم شريعة الرب .
وهذا هو الحكم في الإسلام إلا أنه أصبح مسايراً للدعوة العالمية التي جاء بها الإسلام ، والتي ليست مهمتها قاصرة على حدود قومية أو حدود قومية .
فقد تدعو الضرورة إلى هذا النوع من القتال ، وذلك حينما يكون شعب أو طائفة من الناس مغلوبين على أمرهم ، محكومين بسلطة قاهرة ، تحجب عنهم كل حقيقة ، وتحرمه من ممارسة حق حريتهم فيما يعتقدون وفيما يعملون ، ولا تسمح للدعاة المسلمين أن يدخلوا إليهم ويبصرهم بالحق الذي يحملونه ، وأوجب الله عليهم تبليغه إلى الناس .
ولما كانت طبائع الحكم مهما كان نوعه تقاوم كل فكرة من شأنها أن تؤثر على نظامه ، فإن ضرورة التبليغ دعت الإسلام إلى اللجوء إلى قتال الحكومات التي لا تسمح لسلطان التبليغ الحر أن ينتشر بين رعاياها المغلوبة على أمرها .
وهذا هو معنى وقوف الجيوش الإسلامية على أبواب الممالك التي فتحتها عارضة عليها واحداً من ثلاثة أمور :
1- فإما أن تدخل هذه الحكومات في الإسلام ، وعندئذ تنتهي المشكلة ، إذ تصبح ا لدعوة الإسلامية حرة الانتشار .
2- وإما أن يعطوا الجزية للمسلمين ، وهي مرتبة دون الأولى ، وهي تتضمن إعطاء الحرية التامة للدعوة الإسلامية الربانية أن تنتشر بين صفوف الشعب المكلف بدفع الجزية .
3- وإما أن تناجز السلطة الحاكمة المسلمين القتال ، وهو أمر ألجأت إليه الضرورة ، والغرض منه تحقيق حرية انتشار الدعوة ، وإقامة العدل عن طريق حكومة إسلامية رشيدة .
أمَّا الإكراه في الدين فلا مجال له بحال من الأحوال ، لأن أول أسس الدين عقيدة في القلوب ، ومحال أن تكره القلوب إكراهاً مادياً على أن تعتقد عقيدة ما ، وإعلان القرآن عن هذا فيه من الروعة ما يسكت كل لسان .
ولا مجال بعد هذا البيان للاعتذار عن ركن الجهاد بالقتال في سبيل الله ، والقص من أطرافه ، وحصره في قتال الدفاع ، فقضيته قضية حق رباني ، وغايته من أشرف الغايات وأنبلها ، ولولا أن ألجأت إليه الضرورة في المجتمع الإنساني الظالم الآثم ، الذي يتحكم فيه الطغاة البغاة الجبابرة أصحاب الأهواء ، الذين يجعلون أنفسهم أرباباً من دون الله ، لما كان له وجود في شرائع الله ، لأن أساسها قائم على القاعدة التالية : "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ومن وراء ذلك الجزاء بالثواب أو بالعقاب يوم الدين .
هذا... ونجد الأمم التي تنتقد ركن الجهاد في سبيل الله وتحاول أن تنسخه من عقائد المسلمين ، تسلط قوى الإفناء عندها على الشعوب الإسلامية المستضعفة لديها ، بحقد بالغ ، وقسوة شنيعة ، وظلم لا حد له ، بغية فرض مبادئها الباطلة عليها ، أو فرض سلطانها أو مصالحها المادية .
وكم عانت وتعاني الأقليات من ذلك في روسيا ، وفي يوغسلافيا ، وفي الفلبين وفي الحبشة ، وفي غيرها من دول العالم .
* * *
الخطة الثانية : خطَّة تفريغ الجهاد في سبيل الله بالقتال من مضامينه ، باصطناع البدائل .
فمما لجأ إليه الأعداء في محاربة ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال تفريغه من مضامينه ، ومن معانيه السامية ، ومن أسسه وبواعثه التي تمدّ المسلمين بطاقة كبرى من الإقدام والصمود والصبر والمصابرة ، وذلك بصرف المسلمين عن الغاية التي يقاتلون في سبيلها ،إلى غايات مختلفة أخرى ، بعيدة كلّ البعد عن معاني الإسلام السامية ، ليس في مضمونها ما يدفع المسلم حقَّاً إلى التضحية والفداء ، والشجاعة والثبات عند قتال الأعداء ، ومن هذه الغايات المحدثة التي أحلّوها محلّ الغاية الإسلامية عبارات الوطنية ، والقومية ، المضيقة أو الموسعة ، وعبارات شعارات أخرى خُلَّبَّية زائفات ، كعبارات البسالة ، والشجاعة والحمية ، والأخلاق الثورية ، وأشباه هذه العبارات الجوفاء المنتفخة ، وكل ما يرمي إلى غايات جاهلية ضعيفة الأثر ، لا تستطيع أن تقف على أقدامها ، أمام غايات ثابتة ذات قوة .
لقد رأينا لليهود على ما هم عليه من انحلال وانقسام في الأرض قضية في هذا العصر ، لها غاية محدّدة واضحة ، تدعمها قوى معنوية ذات جذور تاريخية دينية ، وتطبيقاتٍ حرفية طبق شريعتهم المحرفة .
ورأينا للشيوعيين غايات محدَّدة ، أخذت صيغة عقيدة يستميتون في سبيلها ، ورأينا للصليبيين غايات محدَّدة ، مدفوعة بدوافع دينية ذات جذور تاريخية .
أمَّا العرب المسلمون وسائر المسلمين فقد أريد لهم أن تكون قضيتهم مشتتة مضطربة مائعة ، تحمل شعارات محدثة ، ليس لها أصالة في نفوس الشعوب المسلمة ، ولا تدعمها قوى معنوية من دينهم وعقيدتهم وتاريخهم ، ومن أجل نُكبوا بما نُكبوا به من قِبَل أعدائهم ، فهل إلى رجعة من سبيل ، نعود فيها إلى مبادئنا ومفاهيمنا وعقيدتنا الإسلامية الصافية النقية من الشوائب ، والخالية من التحريف .
الخطة الثالثة : اتخاذ حيلة الربط الدوري بين ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال وبين إقامة الحكم الإسلامي .
وهنا نلاحظ أن أعداء الإسلام اتخذوا حيلة مغلَّفة ماكرة ، ينخدع بها بعض الغيورون على الإسلام ومجد المسلمين ، وتفضي إلى إلغاء الجهاد في سبيل الله بالقتال بطريقة عملية ، إنها حيلة الربط الدوري بين الجهاد في سبيل الله بالقتال وبين إقامة الحكم الإسلامي .
والنتيجة التي تحصل من هذا الربط : أن لا يباشر المسلمون القتال للخلاص حتى يقيموا الحكم الإسلامي ، وبما أن الحكم الإسلامي لا يستطيع أن يقوم في الأحوال الراهنة ، إلا عن طريق الجهاد في سبيل الله بالقتال ، بعد استكمال العُدَّة اللازمة له ، وفق سنن الله التكوينية ، فإنه لن يقوم حكم إسلامي ولا جهاد بالقتال .
لأنَّ كلاًّ من الركنين قد ارتبط بالآخر ارتباطاً دوريَّاً ، فتساقط بذلك طرفا الدور ، فلا يقوم الحكم الإسلامي المطلوب ، ولا يباشر المسلمون الجهاد في سبيل الله بالقتال .
وقد قامت نظريات جديدة تبنَّاها بعض المسلمين تنادي بأن الجهاد بالقتال حقٌّ ، وركن من أركان العمل الإسلامي ، لنشر الإسلام وصيانته ، ولكن لا يصحّ مباشرته قبل توافر شروطه الأساسية .
والأمر عند هذا الحد سليم لا غبار عليه ، ولكن عند الحديث عن الشروط يعملون على انتحال شروط بعيدة المنال ، في ظروف المسلمين الحالية . ثم يعملون بكل وسيلة على جعل هذه الشروط مستحيلة الوقوع ، أو كالمستحيلة .
كما يعمل أعداء الإسلام على ربط هذه الفئات التي تنادي بهذه النظريات الجديدة بهم ربطاً محكماً ، يجعل كلَّ أنواع النشاط التي تقوم به تحت اسم الإسلام كمن يحرث في البحر ، تمتصّ بالجهد طاقاته ، ولا تؤثر في الماء محاريثه ، ثمَّ ينتهي الأمر إلى تعطيل ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال تعطيلاً نهائيَّاً ، وإبقائه كمادّة معطّلة عن التطبيق في دستور نظري .
على أنَّ من الواجب أن نبيّن أنه لا يصح مباشرة القتال قبل توافر شروطه ، من تحديد الغاية الأساسية ، وإعداد العدّة المطلوبة للمواجهة ، والقيام بواجب الجهاد بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة أولاً ، وانتظار الفرصة الملائمة .
ولكن على المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها أن يخطّطوا ويساهموا في الإعداد التامّ ، لردّ صور العدوان التي يبيتها ضدّهم أعداء الإسلام ، ليوقعوا في شركهم كلّ بلد من بلدان العالم الإسلامي ، وعلى المسلمين جميعاً أن لا يتوانوا في هذا لحظة واحدة .
* * *
الخطة الرابعة : اصطناع الفرق العميلة الأجيرة ، التي تعمل على إلغاء الجهاد في سبيل الله ، بحيل شتى ، ومنها ما ينقض الإسلام كلَّه .
لقد جرب الغزاة أن ينشروا بين المسلمين عقائد جديدة تفسّر نصوص الإسلام بحسب أهوائهم ، وتنادي بالأخوة الإنسانية ، دون تفريق بين الأديان القائمة ، وتفسّر بأنه واحد من هذه الأديان المنتشرة في الأرض ، يدعو إلى المحبة ، وإلى التآخي العامّ بين البشر ، مهما كانت مذاهبهم واتجاهاتهم وأعمالهم ومعتقداتهم ، ولا يفرض نفسه على الناس فرضاً ، وما هو بدين قتالٍ وسفك دماء .
وأمَّا القتال الذي حصل في صدر الإسلام فقد كان عملية مرحلية فقط ، وقد انتهى دورها بانتشار الإسلام في العالم ، وأضافوا إلى هذا التغيير في مفهوم الإسلام أخلاطاً اعتقادية أخرى تنسف الإسلام من أساسه .
واستأجروا للقيام بتنفيذ هذا المخطط أجراء ضمن صفوف المسلمين ، بألوان شتى ، وصور مختلفة ، وظهر بعض هؤلاء بأثواب قادة سياسيين ، وظهر بعضهم بأثواب مصلحين دينيين ، وابتدع بعضهم ديناً جديداً دعا إليه وجمع فريقاً من المرتزقة عليه ، فظهرت البهائية في إيران ، وظهرت القاديانية في الهند ، وكلٌّ منهما قد ضمَّن أخلاطه الاعتقادية الملفقة إلغاء ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال ، ودعا إلى التعايش بمحبَّة وإخاءٍ وتعاون مع السلطات الكافرة ، التي تمتص خيرات البلاد ، وتنشر مبادئها باعتبارها أمَّة غالبة مستعمرة .
وفيما يلي تعريف موجز بالبهائية ، وبالقاديانية :
البهائية:
هي نحلة جديدة ظهرت في جسم الأمة الإسلامية ، بتدبير من أعداء الإسلام ، وإمداد منهم لها بالأموال ، وبتيسير المصالح ، بالدعم والتأييد ، فلفقت ديناً جديداً بعقيدته وشريعته ، تحت قناع الإصلاح الديني والاجتماعي المزيف ، وباسم التآخي العام بين الناس على اختلاف أديانهم وقومياتهم ومذاهبهم . ولهذه النحلة (البهائية) صلة في مفاهيمها بالإباحية من جهة ، وبطرح الفوارق الدينية من جهة أخرى ، وإلغاء مبدأ الجهاد في سبيل الله من جهة ثالثة ، وتعمل على هدم الإسلام وتمزيق وحدة الأمة الإسلامية ، وخدمة أغراض وأهداف المستأجرين لها من أعداء الإسلام والمسلمين .
وقد بدأت فكرة هذه الفرقة الضالة في مدينة شيراز من مدن إيران سنة (1260هـ) على يد فارسي اسمه "علي محمد الشيرازي" حين أعلن أنه باب العلم بالحقيقة الإلهية ، وسمى نفسه "الباب" . واجتمع حوله أتباع من ضعفاء العقول وأصحاب الشهوات . ولما أعلن مقالته في الناس قامت فتنة دعت الحاكم إلى أن يسجن أتباعه . ثم هاجر من شيراز إلى أصفهان فحماه حاكمها ، ولما توفي هذا الحاكم تلقى خلفه أمراً بالقبض على (الباب) وحبسه في قلعة (ماكو) .
وفي سنة (1266هـ) أي : بعد ست سنوات من بدء ضلالته قتل رمياً بالرصاص في تبريز ، ولم ييأس أعداء الإسلام من متابعة مكرهم في إيجاد خلف له ، فاشتروا رجلاً للقيام بالمكيدة اشتهر باسم (البهاء) أو (بهاء الله) وإلى هذا الرجل تنسب طائفة البهائية ، ولم يلبث هذا الرجل بعد تسلمه رئاسة الدعوة لهذه النحلة الجديدة حتى اتهم بالاشتراك في مؤامرة لاغتيال ناصر الدين شاه (ملك إيران) انتقاماً للباب ، فاعتقل وأبعد ، فنزل بغداد ، وأقام بها اثنتي عشرة سنة يبشر بضلالته ، وضج منه علماء العراق ، فقصد (الآستانة) وقاومه علماؤها ، ثم كان آخر أمره في (البهجة) وهي قرية من قرى (عكة) بفلسطين ، ومات بها سنة (1309هـ) .
ودعم أعداء الإسلام من بعده ابنه المعروف (بعباس عبد البهاء) وقد رافق هذا أباه منذ بدء ضلالته ، وتنقل معه ، وقام هذا بأمر البهائية وتنظيم جماعاتها ، ونشط هذا الشيطان الابن في نشر ضلالة هذه الطائفة ، وكان متوقد الذكاء ، وقد زار أوربا في سنة (1330هـ) وزار أمريكا في سنة (1331هـ) وعاد إلى فلسطين فمات في (حيفا) .
وتتلقى هذه الطائفة دعماً ومالاً من أمريكا ومن اليهود ومن غيرهما من أعداء الإسلام .
فقد تأكد أن الجاسوسية الروسية هي التي تولت غرسها ، وأن اليهودية الصهيونية هي التي احتضنتها ، وأن الصليبية ومؤسساتها الاستعمارية والتبشيرية تدعمها وتشد أزرها ، لأن الجميع يلتقون على هدف واحد ، هو هدم الإسلام ، وتجزئ المسلمين ، وتوهين قواهم .
تقوم هذه النحلة الضالة على تأليه (البهاء) فبهاء الله عندهم الذي هو الرئيس الثاني لدعوتهم ، هو الرب الذي بشرت به الديانات كلها ، وهو المشرع الأعلى الذي تنبأت بظهوره البوذية والبرهمية واليهودية والمسيحية والإسلام .
وقاموا بدور الأجير المطيع في تنفيذ مخططات أعداء الإسلام ، من صليبيين واستعماريين ويهود . إنهم يقررون ويعترفون في كتبهم ونشراتهم بأنهم عملوا على سقوط الحكومة العثمانية في فلسطين ، وبأن المستعمرين الإنكليز قد دخلوا الأراضي المقدسة بمساعيهم ، ويتباهون بأنهم كانوا قد تنبأوا بقيام الدولة الإسرائيلية ثم يتحدثون عن الصلاة الوثيقة التي تقوم بينهم وبين إسرائيل .
وفيما يلي طائفة من الوثائق التي تكشف تآمرهم مع أعداء الإسلام :
1-نشرت مجلة (الأخبار الأمرية) التابعة للمحفل الروحاني الوطني للبهائيين ، بالعدد الخامس ، الصادر في أيلول لعام (1951م) حديثاً لرئيس القسم العالي للبهائيين مع وزير أمور الأديان الإسرائيلي ، يقول فيه : "إن أراضي الدولة الإسرائيلية في نظر البهائيين واليهود والمسلمين أراض مقدسة ، وقد كتب حضرة عبد البهاء قبل أكثر من خمسين عاماً أنه في النهاية ستكون فلسطين موطناً لليهود ، وهذا الكلام طبع في حينه وانتشر" .
2- جاء في كتاب الوقيعات المباركة بالمجلد الثانية "شوقي أفندي" وهو الزعيم الثالث للفرقة البهائية ، في الصفحة (290) ما يلي : "لقد تحقق الوعد الإلهي لأبناء الخليل ووارث الكليم ، وقد استقرت الدولة الإسرائيلية في الأراضي المقدسة ، وأصبحت العلاقات بينها وبين المركز العالمي للجامعة البهائية وطيدة وقد أقرت واعترفت بهذه العقيدة الإلهية".
3- نشرت مجلة (الأخبار الأمرية) بالعدد العاشر في عام (1961م) ما قالته "روحية ماكسول" زوجة "شوقي أفندي" وزعيمة البهائيين حالياً ، في مقابلة صحفية لها مع "مزدهيفت" وهو :
"فإن كان من المقرر لنا الاختيار ، فمن الجدير أن يكون هذا الدين الجديد في أحدث دولة ، وفيها يترعرع ، وإن لنا مع إسرائيل روابط ووحدة مصير ، وفي الواقع يجب أن أقول : إن مستقبلنا ومستقبل إسرائيل يرتبطان ببعضهما كحلقتين في سلسلة واحدة".
4- إن مركز تشكيلات البهائيين الرئيسي ويسمى "بيت العدل" يوجد حالياً في مدينة حيفا بفلسطين المحتلة ، وتشرف عليه هيئة مكونة من تسعة أشخاص ، بينهم أمريكون وأوربيون ، والرئاسة الروحية فيه لتلك المرأة الأمريكية الأصل "روحية ماكسول" .
وكل المحافل الأخرى التي تقام في العالم تعتبر فرعاً للمركز الرئيسي في إسرائيل .
5- أعلن في النشرة الرسمية للبهائيين في إيران أيام رئاسة "ابن غوريون" للوزارة الإسرائيلية ما يلي :
"مع كمال الفخر نبلغ البهائيين باتساع الروابط بين البهائيين والمسؤولين في دولة إسرائيل".
وفي تلك الأثناء قام وفد من البهائيين بمقابلة "ابن غوريون" وقدم له تمنيات البهائيين القلبية لتقدم وتطور إسرائيل .
6- في السابع من شهر نيسان لعام (1964م) قام الرئيس السابق لإسرائيل "زالمان شازار" بزيارة رسمية لمركز البهائيين ، واستقبله هؤلاء استقبالاً حاراً ، ظهر فيه مدى التعاطف والتعاون بينهم وبين اليهود .
7- ثبت لدى مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل أن البهائية تتعامل مع الصهيونية وتتآزر معها ، لذلك أصدر في شهر صفر عام (1395هـ) الموافق لآذار عام (1975م) قراراً باعتبار (البهائية) من الحركات الهدامة ، وبوضعها في القائمة السوداء ، ومقاطعتها ، وحظر أي نشاط لها في البلاد العربية ، لثبوت تعاملها مع العدو الإسرائيلي ، وافتضاح اتصالاتها المشبوهة بالصهيونية وأجهزتها السرية والعلنية .
* * *
القاديانية :
هي نحلة جديدة ، عملت بما تستطيع من خدمة مأجورة من قبل المستعمرين الإنكليز ، لهدم العقائد والشرائع الإسلامية ، التي يخدم هدمها مصالح المستعمرين في بلاد المسلمين ، وكان لتأسيس هذه النحلة تحت ستار ديني هدفان رئيسان :
الهدف الأول : تفريق وحدة المسلمين ، وتوهين قوتهم ، وهدم مبادئهم وعقائدهم .
الهدف الثاني : تمكين الدولة البريطانية من بسط نفوذها على البلاد الإسلامية التي اغتصبتها ، لا سيما الهند التي نشأت هذه الطائفة فيها .
وقصة هذه الطائفة تتلخص بما يلي :
اجتمع قواد الاستعمار البريطاني وزعماؤه في مدينة (لندن) ووضعوا خطة لهدم أركان العقيدة والشريعة الإسلامية ، ولتمزيق وحدة المسلمين ، وتوهين قوتهم ، فكان من مظاهر هذه الخطة إنشاء فرق باطلة في صفوف المسلمين تدعمها الحكومات البريطانية . وتغذيها بالرشوات والمساعدات المالية ، تحميها من غضبة المسلمين ، وتمدها بالمعونات المادية بقدر ما تسمح به الظروف ، على أن تحمل هذه الفرق في الظاهر اسم الإسلام ، وتعمل في الحقيقة على هدم أصوله وقواعده ، وتقطيع أوصاله ، وإبعاد المسلمين عن جوهره ، وتخدم في كل مناسبة مصالح الاستعمار البريطاني بكل ما لديها من قوة .
فأرسلت بريطانيا من أجل هذه الغاية بعثات خاصة إلى البلاد المستعمرة من قبلها ، للبحث عن الظروف الملائمة ، والتفتيش عن المنحرفين الطامعين ، ممن لديهم استعداد للقيام بهذه المهمة الخبيثة ، فعثرت في الهند على رجل منحرف نفسياً وفكرياً طامع بالمال ، طامح إلى زعامة دينية مزورة ، ضمن أسرة عميلة للاستعمار الإنكليزي ، فاشترته وأطمعته ، ووجهته للقيام بزعامة فرقة باسم الإسلام ، تشق عصا المسلمين ، وتهدم أركان الإسلام ومبادئه فقام هذا الرجل بمهمته الخائنة لدينه وأمته وبلاده .
إنه (ميرزا غلام أحمد) القادياني المولود في قرية (قاديان) إحدى قرى البنجاب في سنة (1839م) في أسرة عميلة للاستعمار الإنكليزي ، فقد كان أبوه واحداً من الذين خانوا المسلمين ، وتآمروا عليهم ، وساعدوا الكفار الغاصبين ، سعياً وراء المال الحرام ، والجاه الخائن .
وسعى (ميرزا غلام أحمد) يدعو إلى ضلالته ، ويخدم الإنكليز خدمة العبد المطيع ، ويتلقى المكافآت الكثيرة منهم على ما يقدمه إليهم من خدمات .
ففي سنة (1882م) ادّعى أن الله ألهمه مهمة خاصة ، ثم ادّعى بعد مُدَّة أن جبريل قد نزل عليه بوحي من السماء ، ثم ادَّعى بعد حين أن الله تعالى لقبه برسول وسماه "محمداً" وفي عام "1901م" أعلن بصراحة أنه نبي مرسل من الله .
وفرض الاستعمار الإنكليزي هذا الرجل وأمده وحماه ، وقدم له كل التسهيلات للقيام بمهمته ، وخصص له جنوداً من قبله لحراسته ، حتى لا تنزل به نقمة المسلمين في الهند ، وأتاح لأتباعه المستأجرين أيضاً لنشر نحلته فرصاً كبيرة لإقامة مراكزهم التبليغية في أنحاء العالم ، لا سيما البلاد الخاضعة للاستعمار الإنكليزي ، وصار الإنكليز يحثون من لهم عليهم يد من الأسر الإسلامية البارزة أن يعتنقوا القاديانية ، فمن اعتنقها منهم منحوه ما يسره من لقب ووسام .
وظل القاديانيون يرتعون في كنف الاستعمار البريطاني ، ويصيبون من خيرات البلاد ما لا يصيبه غيرهم ، ليقوموا بهدم الإسلام وتمزيق وحدة المسلمين من ضمن صفوفهم ، وليقوموا بخدمة المصالح الاستعمارية وفق ما يملي عليهم سادتهم .
وألف (ميرزا غلام أحمد) كتباً ورسائل ونشرات كثيرة ، ضمنها الحث الصريح على طاعة الدولة البريطانية ، وعدم الخروج عليها ، ومما أفتى به أنه لا يجوز للمسلم أن يرفع السلاح في وجه الإنكليز لأن الجهاد قد رفع ، ولأن الإنكليز هم خلفاء الله في الأرض فلا يجوز الخروج عليهم .
ومما جاء في رسائله : "لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنكليزية ونصرتها ، وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي الأمر الإنكليزي ، ما لو جمع بعضه إلى بعض لملأ خمسين خزانة".
(وما جاء في أقواله :
"إن الحكومة البريطانية أقرّت بأن أسرتي في مقدمة الأسر التي عرفت في الهند بالنصح والإخلاص للإنجليز ، ودلت الوثائق التاريخية على أن والدي وأسرتي كانوا من كبار المخلصين لهذه الحكومة من أول عهدها".
وقوله أيضاً:
" وقد قدّم والدي فرقة من خمسين فارساً لمساعدة الحكومة الإنجليزية في ثورة (1857م) وتلقى على ذلك رسائل شكر وتقدير من رجال الحكومة" .
ثم انقسمت الهند ، وقامت الدولة المسلمة (باكستان) في عام (1947) محاطة بالمشكلات الصعبة التي وضعها فيها الاستعمار الإنكليزي ، وبخطة مدبرة انتقل مركز القاديانيين من (قاديان) في الهند إلى باكستان ، ليتابعوا مكيدتهم في الدولة المسلمة الناشئة ، وفرض على هذه الدولة الحديثة تولية الزعيم القادياني المشهور السير (ظفر الله خان) وزيراً للخارجية ، واحتج المسلمون على هذا الإجراء ، وأجابهم رئيس وزراء باكستان يومئذ (الخواجا ناظم الدين) بأنه لا يستطيع التخلي عنه ، لأن ذلك يحرم باكستان من المساعدات الأجنبية ، لا سيما المواد الغذائية التي كانت باكستان بأمس الحاجة إليها ، فدل ذلك على متابعة دعم القاديانيين من الدول المعادية للإسلام ، لاستكمال تنفيذ مخططات المكيدة ، وظلت الحكومات في باكستان تواجه الضغوط الخارجية لمنح القاديانيين ما يطلبون من تسهيلات وامتيازات .
وانتهز القاديانيون هذه الفرصة المواتية فوضعوا عدة مشاريع طبقوها بنجاح ملحوظ ، فعمقوا جذورهم في باكستان ، وانطلقوا من ذلك ينشرون دعايتهم في العالم بدعم مستمر من سادتهم ، المستفيدين من أعمالهم في باكستان ما يلي:
1- إنشاء مدينة لهم باسم (ربوة) وهذه المدينة خاصة بهم ، لهم فيها نظام بوليسي خاص ، ومحاكم خاصة ومدارس وكليات ومستشفيات خاصة ، ولا يستطيع أحد من المسلمين أن يشتري فيها أرضاً ، أو يستأجر فيها داراً ، وكل الوظائف فيها لا يشغلها إلا القاديانيون ، أقاموا فيها سكرتارية فخمة مجهزة بأحدث الآلات ، ومنها ينشرون التضليل القادياني .
2- شحن المناصب الهامة في الجيش وفي الإدارة المدنية وفي السفارات الباكستانية بالقاديانيين . وكان ذلك بتأثير السير (ظفر الله خان) .
3- إنشاء المدارس والكليات والمستشفيات على مستوى عالٍ ، واستدراج المسلمين عن طريقها إلى القاديانية ، على مثل ما تقوم به البعثات التبشيرية المسيحية .
4- تقديم المنح الدراسية والمساعدات المالية المشروطة باعتناق القاديانية .
5- استغلال الوظائف والمناصب الحكومة استغلالاً غير مشروع ، وذلك بربط التعيين والترقيات بأن يعتنق طالب ذلك نحلتهم .
6- عمل القاديانيون المتغلغلون في أجهزة الحكم على منح المنتسبين إلى نحلتهم مساعدات غير عادية ، ليتقدموا تقدماً كبيراً في مجالات الصناعة والتجارة والزراعة .
7- وقاموا بنشاط كبير في مجال طبع الكتب والنشرات القاديانية ، التي تثير الشبهات حول العقائد الإسلامية ، وتضلل أبناء المسلمين ، وتحاول إبعادهم عن الإسلام الحق .
وقام المسلمون في باكستان بمظاهرات واحتجاجات ضد تصرفات القاديانيين في مناسبات متعددة ، ولم يستطيعوا أن يعزلوهم عزلاً تاماً عن جسم الأمة الإسلامية حتى عام (1974م) إذ استطاع المسلمون أن يوجهوا ضغوطاً متعددة اضطر على أثرها البرلمان المركزي الباكستاني أن يصدر في السابع من شهر أيلول لعام (1974م) قراراً إجماعياً يقضي باعتبار جميع الفئات القاديانية أقلية غير إسلامية .
الخطة الخامسة : خطَّة استغلال المنظمات الدولية المندسة في الشعوب المسلمة ، لبثّ الأفكار الرامية إلى هدم الإسلام عن طريقها ، ومن ذلك الاهتمام الشديد بإلغاء ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال .
ويبرز أمامنا لدى ملاحظة هذه الخطة دور الجمعيات السرّية المعادية للإسلام ، كالماسونية ، والروتاري ، والليونز ، فقد كان وما يزال لهذه المنظمات دور كبير في محاربة الإسلام ، عن طريق دعوات الأخوة الإنسانية ، ودور كبير في إلغاء ركن الجهاد في سبيل الله .
وبما أن "الماسونية" هي الأمّ للروتاري ، والليونز ، فمن المستحسن تقديم صورة موجزة جداً عن الماسوني ، والروتاري ، والليونز .
الماسونية :
1- منظمة عالمية ، محاطة أهدافها الحقيقية بسريّة عظيمة ، وهي من أخطر الجمعيّات ، وأثَّرت تأثيراً مباشراً على مصائر كثير منها ، وتحكَّمت في سياسة معظم دول العالم ، ومن أهدافها الرئيسة العمل على إلغاء الجهاد الإسلامي داخل شعوب الأمة الإسلامية ، وهدم وإلغاء الأديان كلّها باستثناء اليهوديّة .
2- وحظَّ اليهودية العالمية من أعمال هذه المنظمة هو الحظ الأوفر ، ونصيبها هو نصيب الأسد من الفريسة مع صغار الوحوش .
3- وقد أكَّدت البحوث المستفيضة لكثير من الباحثين أن هذه المنظمة تهيمن عليها قيادة يهودية سريّة ، وتدير محالفها عناصر يهودية قادرة على إخفاء هويّتها . وتُوجَّه الأوامر المهمّة فيها بطريقة شفوية ، حتى يبقى أصحاب الأمر الحقيقيون فيها مستورين عن الأنظار ، ولئلا تنكشف للعميان المنتمين إلى المحافل الماسونية خطّة المكر اليهودية ، التي توجّه السياسات العالمية ، والأفكار ، والمذاهب الاجتماعية والاقتصادية ، وسائر مجالات الحياة ، كما تستغلّ كل نشاط لتحقيق المخطّطات اليهودية ، الرامية إلى تدمير الأمم غير اليهودية ، وتدمير أديانها وأخلاقها وأنظمتها ، وإيصال اليهود إلى قمة الإدارة العالمية المسيطرة بشكل مباشر على كلّ شيء في العالم .
4- واسم هذه المنظمة المشتهر بالماسونية ترجمته الحرفية : "البنَّاؤون الأحرار" فهي إذن : "جمعية البنَّائين الأحرار".
وتستطيع محافل الماسونية أن تغير أسماءها ، كلَّما أحست بالخطر ، فحين أغلق "هتلر" جميع محافلها في ألمانيا ، لأنَّه اكتشف صلتها بالمكر اليهودي ، وأنَّ القيادة اليهودية السرّية العالمية هي التي تديرها بطرائق خفيّة ، عادت متستّرة باسم "نوادي الفرسان الألمان" .
5- وللماسونية وجهُ بَاسِمٌ خدّاع ، ينادي بالإخاء الإنساني ، وبالتعاون بين الإخوة المنتظمين في محافلها ، وشعارها المعلن : "الحرية والإخاء والمساواة" .
ولها وجه باطن خفي ، يدبّر الخطط ، ويحيك الدسائس ، ويرتّب المؤامرات ، ليوصل اليهود إلى مراكز التحكّم بمصائر كلّ الأمم ، وكلّ الدول ، وليُتِم تَنْفيذَ المخطّطات اليهودية الرامية إلى تدمير الشعوب وحكم العالم .
وقد عرَّف المستشرق الهولندي "دوزى الماسونية بتعريف موجز قال فيه : "جمهور كبير من مذاهب مختلفة يعملون لغاية واحدة : هي إعادة الهيكل ، إذ هو رمز دولة إسرائيل" .
6- ويتعرَّف أعضاء هذه المنظمة بعضهم على بعض عن طريق الرموز اللفظية ، والرموز الحركية الجسمية ، ومنها الضغط على الأصابع عند المصافحة بطرق خاصة .
7- ولهذه المنظمة مراتب ثلاث كبرى :
المرتبة الأولى : الماسونية العامة ، وتسمى "الماسونية الرمزية" وهي مرتبة تضم المبتدئين الذين يجهلون الأهداف الحقيقية الغائية لها ، ويعرفون عند أهل المرتبتين الثانية والثالثة بالعميان .
المرتبة الثانية : الماسونية الملوكية ، وتسمّى "العقد الملوكي" وهي مرتبة يعرف الواصلون إليها بعض أهدافها البعيدة ، إلاَّ أنهم قد أعمتهم مصالحهم التي تتحقق عن طريقها ، وأماتت فيهم ضمائرهم .
المرتبة الثالثة : الماسونية الكونية ، وهي تضم حكماء إسرائيل ، وورثة السرّ ، وهم الذين يتصرفون سرّاً بالمحافل الماسونية المنتشرة في العالم ، ويوجهونها لتحقيق أهداف اليهود الخفية .
8- ولهذه المنظمة درجات كشف الباحثون المتتبعون رموزها ، وهي "ثلاث وثلاثون" درجة ، يبتدئ المنتسب إليها بالدرجة الأولى ، ثمَّ يُرَقَّى فيها درجة فدرجة ، بحسب نشاطه وإخلاصه في خدمة المنظمة ، ولا يُرَقَّى إلى الدرجة الأعلى حتى يستوفي شروط الدرجة التي هو فيها استيفاءً كاملاً ، بحسب نظر القيادة اليهودية السرية .
وكلَّما انسلخ من دينه وقومه ووطنه وكلِّ مبادئه وقيمه ، وخدم أهداف اليهود ، اقترب من احترام وتقديس العقيدة اليهودية كان جديراً بأن يُرقَّى في الدرجات ، وإلاّ بقي عند حدود الدرجات الدنيا .
والمرشح للدرجة الثالثة والثلاثين عليه أن يقسم على التوراة ، ويشتم عيسى ومحمداً عليهما الصلاة والسلام ، ويكذّب بالإنجيل والقرآن ، وينكر المسيحية والإسلام ، ويعلن إيمانه بموسى وهارون فقط.
الروتاري :
إحدى بنات الماسونية منظمةٌ أطلق عليها اسم "الروتاري" ، وأهم أهدافهم محاربة الدين ، والتجرد من المصالح القومية والوطنية ، ونبذ القيم ، والعمل تحت شعار الفكرة الإنسانية العامة ، ولكنَّ أعمالها تسير في قنوات تصب في أحواض المصالح اليهودية ، ومخططاتها الكبرى ، مع خدمة مصالح الدول الكبرى ، الاستعمارية وغيرها ، إذا كان ذلك لا يتعارض مع الأهداف اليهودية العالمية .
الليونز = الأسود :
أسست نوادي باسم نوادي "الليونز" أي الأسود ، وهي من بنات الماسونية أيضاً .
وشعار هذه النوادي العمل لإقامة السلم العالمي ، والتحرر من القيم الدينية والأخلاقية .
وجلُّ أعضاء هذه النوادي من الملوك ، والرؤساء ، والوزراء ، وذوي المال الوفير والجاه العريض في بيئاتهم .
وأعضاؤها يتحركون على شبه تحرك أعضاء الماسونية ، ليحققوا أخيراً الأهداف التي تنشدها الماسونية .
الخطة السادسة : خطة التوريط والإحباط ، لإقناع جماهير المسلمين بالعجز عن عودة الجهاد إلى سابق مجده .
فمن مكايده أعداء الإسلام لنسخ فكرة الجهاد في سبيل الله بالقتال ، من أذهان المسلمين وقلوبهم ، ولو بصورة مؤقتة ، خطة التوريط دون استكمال العدّة الكافية ، وإتباعه بالإحباط المؤلم المقرون بخيبة الرجاء ، والاقتناع بعدم جدوى هذا الأسلوب نهائيَّاً .
ولتنفيذ هذه الخطّة ربما دسّ دهاة المكر بين صفوف المسلمين الغيورين المتحمسين لإسلامهم ، من ينفخ في نار حماستهم ، ليؤجّجَها ، متظاهراً بالغيرة الشديدة على الإسلام والمسلمين ، وهو منافق كذَّاب . وغرضه أن يثير غضبهم ، ويزيّن لهم ضرورة التحرّك السريع للقتال في سبيل الله ، من أجل رفع طغيان قائم ، وبغي جاثم ، أو لإقامة حكم الإسلام في الأرض ، ويزعم لهم أنَّ أمر القتال قد صار واجباً شرعياً ، وأمراً حتمياً ، ولو لم يكن لدى الثلّة المؤمنة إلاَّ القوة القليلة التي لا تكفر في ميزان القوى السببيّة للتغلّب على خمسة في المئة من قوى البغي أو الكفر التي يريدون قتالها لإسقاطها .
وقد يفتعل الأعداء أو أجراؤهم مثيرات غضب المسلمين من أجل دينهم ، ليستدرجوهم إلى تحرّكات طائشة رعناء ، ثم ليوقعوهم في فخ كانوا قد نصبوه لهم .
وقد يندفع المتحمسون للإسلام برعونة وقصر نظر ، وغفلة عما يُرادُ لهم ، وهم يجهلون فقه الجهاد في سبيل الله بالقتال ، وتنتهي الاندفاعة الرعناء بالخيبة والهزيمة ، وتنبري القوى المعادية للإسلام فتنزل بالمسلمين ما كانت قد دبّرت لهم من قمع وتنكيل واضطهاد .
وبذلك يظفر أعداء الإسلام ، والسائرون في ركابهم ، أو الدائرون في أفلاكهم ، بما كانوا يهدفون إليه من هذه الخطة .
وتشيع في جماهير المسلمين فكرة اليأس من الخلاص ، واليأس من جدوى القتال والإعداد اللازم له .
وهذا هو ما يريد الأعداء الوصول إليه .
الخطّة السابعة : خطّة تقديم صُوَرٍ مصطنعة من جهاد قتالي أو إرهابيّ يحمل شعارَ جهادٍ إسلاميّ ، وهو ليس منه منهجاً ولا غاية ، للتنفير من الجهاد في سبيل الله بالقتال ، كصُوَرِ الأعمال الإرهابية والثورات الفوضويّة التي تقتل الأبرياء ، وتغتال وتدمّر ، دون مواجهات قتالية .
إنّ تاريخ الجهاد الإسلاميّ بالقتال قد كان مقتصراً على قتال جيوش أعدائهم ، في جهاد إسلاميّ مقدّس ، قتالاً تُوَاجِه فيه الجيوش الإسلامية جيوش الأعداء ، بلا غَدْر ولا خيانة ولا نقضٍ للعهود ، ولا تَتَعرَّضُ لغير الجيوش المقاتلة من أفراد شعوبهم الذين لا يشاركون في القتال .
ولم يكن المسلمون يعرفون بدعة الإرهاب المعاصرة ، الَّتي خطَّط لها اليهودُ والنصارى والملاحدة والوثنيُّون وأُجراؤُهم ، ومارسوها في ثوراتهم واضطراباتهم ، وتبعهم فيها ثوريّون مختلفون من شعوب الأرض ، وهذه البدعة تهدف إلى إثارة القلاقل والاضطرابات في الشعوب ، وقتل الأبرياء ، وتخريب العمران ، ومصادرة الطائرات ، وتدمير الأبنية على سُكّانها بالمفتجِّرات ، وتدمير المدُنِ ، وقتل سكانها في إبادة جماعيّة بأسلحة الدّمار الشامل ، ونشر الفساد في الأرض .
إنّ هذه الأعمال الّتي أُطْلِق عليها اسم أعمال إرهابيّة ، لا يَعْرِفُها المسلمون خلال تاريخهم الجهاديّ الطويل ، ولا يُجِيزها الإسلام ، ولا يُبِيح للمسلمين أن يمارسوها .
وفي خطّة ماكرةٍ مُدَبّرة دفع أعداء الإسلام سرّاً بعض أجرائهم ، فدفعوا بعض أبناء المسلمين الذين لا يعرفون أحكام الإسلام ولا يطبّقونها في سلوكهم ، للقيام ببعض الأعمال الإرهابيّة الّتي قلدُوا فيها الإرهابيين من غير المسلمين ، من اليهود والنصارى والملاحدة والوثنيين ، ورفَعُوا مع أعمالهم شعارات جهاد إسلاميّ ، مع أنّ هذه الأعمال لا تَمُتُّ للإسلام بصلةٍ ، بل يُحَرِّمها الإسلام ولا يأذن بها .
واستغلَّ أعداءُ الإسلام هذه الأعمال لتشويه صورة الإسلام والمسلمين ، بوسائل الإعلام الكثيرة الّتي يملكونها .
إنّ أعداء الإسلام يصنعون القبائح بأيدي أُجرائهم وبعض الجهلة والأغبياء من المسلمين ، ليحاربوا الإسلام والمسلمين بها .
* * *
Bookmarks