النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: كم في العالـَمِ الآنَ مِن عقيدة؟

  1. افتراضي كم في العالـَمِ الآنَ مِن عقيدة؟

    إذا نظرنا إلى العقائدِ نظرةً مُجْمَلَةً رأينا نوعين من العقائد في العالم:
    - عقيدة ً من عند الله.
    - وعَقَائِدَ عديدةً مِن صُنع البشر.

    أما العقيدة التي من عند الله فهي: ( الحقُّ الراسخُ في النفسِ، يَمُنُّ الله به على مَن يشاء، فينشرح له الصدر، وينسجم مع الفطرة، وتَتَكَيَّفُ معها أفعال الإنسان ).
    إن هذه العقيدةَ من الحقائق الكونية التي لا دَخْلَ للإنسان ِ فيها إذ إنها تتمثل في ما جاءت به رسلُ الله مما هو ثابتٌ عنهم ثبوتا قطعيًّا، ومُسَجَّلٌ في الكتبِ التي أوحى الله بها إليهم، والمتمسكون بهذه العقيدة يُسَمَّوْنَ ( مسلمين ).

    واعْلَمْ ـ يا أخي ـ أَنَّ جميعَ رُسُلِ اللهِ ـ عليهم الصلاةُ والسلام ـ ما جاءوا من عند الله تعالى لأقوامهم إلاَّ ( بالإسلام ) وما خَتَمَ الله الرسالاتِ لجميع الناس إلا ( بالإسلام ) وإليك بيانَ ذلك على ما جاء في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه:
    انظر إلى أول رسول إلى البشرية وهو نوحٌ عليه السلام كيف أَعْلَنَ عن إسلامه، وذلك في ما قَصَّ الله علينا في القرآن العظيم، إذ قال تعالى: ( واتْلُ عليهم نَبَأَ نوحٍ إذ قال لقومه يا قومِ إنْ كَانَ كَبُرَ عليكم مَقَامِي، وَتَذْكِيرِي بآيات اللهِ فعلى الله تَوَكَّلـْتُ، فَأجْمعُوا أمْرَكُم وشُرَكَاءَكُم، ثم لا يَكُنْ أمْرَكُم عليكم غُمَّة ً، ثم اقْضُوا إليَّ ولا تُنْظِرُون، فإنْ تَوَلـَّيْتُم فما سألتُكُمْ مِنْ أجْرٍ، إن أَجْرِيَ إلا على اللهِ، وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِن المسلمين )يونس-71-72.

    وانظر إلى إبراهيمَ عليه السلامُ إذ يَتَضَرَّعُ إلى الله: ( وإذْ يَرْفَعُ إبراهيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البيتِ وإسماعيلُ، رَبَّنَا تقبَّل مِنَّا إنك أنتَ السميعُ العليمُ، ربنا واجعَلْنَا مُسْلِمَيْن ِ لك، وَمِنْ ذريتِنَا أمة ً مُسْلِمَةً لك ) البقرة-126-127.
    ولقد أثنى اللهُ على مِلَّتِهِ فقال: ( وَمَنْ يَرْغَبُ عنْ مِلَّةِ إبراهيمَ إلا مَن سَفِهَ نفسَه، ولقدِ اصطفيناهُ في الدنيا، وإنه في الآخرة لَمِنَ الصالحين، إذ قال له ربُّه أَسْلِمْ، قال أسلمتُ للهِ ربِّ العالمين ) البقرة-129-130.
    فالله سبحانه قد نَوَّهَ بِمِلَّةِ إبراهيمَ، مِلَّةِ الإسلام ( ووصى بهَا إبراهيمُ بَنِيهِ ويعقوبُ، يا بَنِيَّ إن اللهَ اصطفى لكمُ الدينَ فلا تَمُوتُنَّ إلا وأنتم مسلمون ) البقرة-131.
    ( أم كنتمْ شهداءَ إذ حَضَرَ يعقوبَ الموتُ إذ قال لبنيه ما تَعْبُدُون مِن بعدي؟ قالوا نَعْبُدُ إِلـَهَكَ وإلـَهَ آبائك إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ إلـَهًا واحدًا ونحن له مسلمون ) البقرة-132.

    كما أنَّ يوسفَ عليه السلام تَوَجَّهَ إلى الله قائلا: ( رَبِّ قد آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وعَلـَّمْتَنِي مِنْ تأويلِ الأحاديثِ، فاطِرَ السمواتِ والأرضِ، أنت وَلِيِّي في الدنيا والآخرةِ، تَوَفـَّنِي مُسلمًا وَألْحِقَنِي بالصالحين ) يوسف-101.

    وقال موسى: ( يا قَوْمِ إِنْ كُنتم آمَنْتُمْ باللهِ فعليه تَوَكَّلُوا إنْ كنتم مسلمين ) يونس-84.

    كما قال سَحَرَةُ فرعونَ لفرعون لما أسْلَمُوا وَفوَّضوا أمرَهم إلى الله: ( وَمَا تَنْقِمُ مِنا إلا أنْ آمَنَّا بِآياتِ ربِّنا لما جاءَتْنَا، ربَّنَا أَفْرِغْ علينا صَبْرًا، وتوفَّنَا مسلمين ) الأعراف-125.
    حتى أَنَّ مَنْ تَجَبَّرَ وَطَغَى لَمْ يُؤمِن بآيات ربه الكُبْرَى، بل قال أنا ربكم الأعلى ( فَلَمَّا أدْرَكَهُ الغَرَقُ قال آمنْتُ أنَّهُ لا إِلـَهَ إلا الذي آمَنَتْ به بَنُو إسرائيل وأنا من المسلمين ) يونس-90.

    وأمَّا مَا كان عليه عيسى عليه السلام وَمَن ِ اتَّبَعَهُ فقد ذَكَرَهُ الله في قوله: ( وإذْ أوْحَيْتُ إلى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنوا بِي وبرَسُولي، قالوا آمَنَّا واشْهَدْ بأنَّنَا مُسْلِمُون ) المائدة-113.

    وأمَّا مَنْ خَتَمَ اللهُ به الرسالاتِ عليه الصلاةُ والسلام فقد أعلن عن إسلامه بما أَمَرَهُ الله تعالى بقوله: ( قُـلْ إنَّ صَلاَتِي ونُسُـكِي ومَحْـيَايَ ومَمَاتِيَ لله ربِّ العالمينَ لا شَرِيكَ له وبذلك أُمِرْتُ، وأنا أوَّلُ المسلمينَ ) الأنعام-164-165.
    أمَّا أمَّتَهُ عليه الصلاةُ والسلام فقد أوْجَبَ الله عليها أنْ تتمسَّك بالإسلام، فقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تمُوتُنَّ إلا وأنتم مسلمون ) آل عمران-102.

    حتى المؤمنون مِنَ الجِنِّ ما كان دِينُهم إلا الإسلام فقد وَرَدَ في القرآن أنهم قالوا: ( وَإِنَّا مِنَّا المسلمون ومِنَّا القاسطون، فَمَنْ أسلمَ فأولئك تَحَرَّوا رَشَدَا ) الجن-14.

    وكيف لا يكون المسلمُ رشيدًا وقد قال خالقُ الكائناتِ، وَمُدَبِّرُ أَمْرِ الأرضِ والسمواتِ: ( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلى الله وهو مُحْسِنٌ فقدِ اسْتَمْـسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقـَى، وإلى اللهِ عاقبةُ الأمورِ ) لقمان-21.
    كما قال تعالى: ( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام ) الأنعام-126.

    وَلَمَّا كان جميعُ الرسلِ عليهم الصلاة والسلام ما جاءوا من عند الله إلا بالإسلام قال سبحانه: ( إِن الدينَ عِندَ اللهِ الإسلامُ ) آل عمران-19.
    وقال: ( وَمَنْ يَبْـتَغِ غَيْرَ الإسلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنه، وهو في الآخرةِ مِنَ الخاسرين ) آل عمران-84.

    كما أعلن سبحانه عن منزلةِ المسلمِ عنده بقوله: ( وَمَنْ أحْسَنُ دِينًا مِمَّنْْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وهو مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلـَّة َ إبراهيمَ حنيفا، واتَّخَذَ اللهُ إبراهيمَ خَلِيلا ) النساء-124.
    وبقوله: ( وَمَنْ أحْسَنُ قولاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وقال إنني من المسلمين ) فصلت-32.
    وبقوله: ( أَفَنَجْعَلُ المسلمين كَالْمُجْرِمِينَ؟ ) ن والقلم-35.

    غيرَ أَنَّ مِن الدياناتِ ما طَرَأَ عليها التبديلُ والتَّغْيِيرُ مَعَ مُرُورِ الزمانِ وَمِنَ الدياناتِ ما سلَمَتْ من ذلك، فقد تَكَفَّلَ اللهُ بحفظِ ما شرعَ لها مِنَ الدين، حيث جعله في كتابٍ محفوظٍ تَكَفَّلَ سبحانه بِحِفْظِهِ وقال تعالى: ( إنَّا نحنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وإنا له لحافظون ) الحجر-9.

    واعْلَمْ أن الرسالاتِ كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ على الحقائقِ الخمسِ التالية:
    1 ـ على توحيدِ الخالق ِ سبحانه: ( فَاعْلَمْ أنهُ لا إلـه إلا الله )محمد-20.

    ( ولقدْ أُوحِيَ إليك وإلى الذينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلَكَ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين ) الزمر-62.

    2 ـ وعلى أنَّ جَمِيعَ الكائناتِ ما هي إلا من خَلْقِهِ: ( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ وَكِيلٍ ) الزمر-59.

    3 ـ وعلى أنَّهُ لا شريكَ له في مُلْكِهِ: ( للهِ مُلْكُ السمواتِ والأرضِ وما فِيهِنَّ، وهو على كُلِّ شيءٍ قديرٌ ) المائدة-122.

    4 ـ وعلى أنه ما خَلَقَ الجِنَّ والإنسَ إلا ليَعْبُدُوه: ( وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنـسَ إلا ليَعْبُدُونِ، ما أُرِيدُ منهم مِنْ رِزْقٍ، وما أُريِدُ أنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللهَ هو الرزَّاقُ ذو القوةِ المَتِينُ ) والذاريات-56-58.

    5 ـ وعلى أنه سبحانه: ( يَبْدَأُ الخَلْقَ ثم يُعِيدُهُ، وهو أَهْوَنُ عليه، وله المَثَلُ الأعلَى في السمواتِ والأرضِ وهو العزيزُ الحكيمُ ) الروم-26.
    ( ثُمَّ إنكم بعدَ ذلكَ لَمَيِّتُونَ، ثم إنكم يومَ القيامةِ تُبْعَثُونَ ) المؤمنون-15-16.

    ولعلَّ شَخْصًا مِنْ أمةِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: نَحنُ على بَيِّنَةٍ وَيَقِينٍ مِنْ ثلاثةِ أمورٍ، وهي:

    1ـ أنَّ الرسالاتِ الصحيحَةُ كُلَّهَا مِن عندِ اللهِ.

    2ـ أنها كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ على الحقائقِ الخَمْسِ المذكورةِ.

    3ـ إننا نُؤْمِنُ بجميع رسلِ اللهِ، ولا نُفَرِّقُ بين أحدٍ منهم، كما يتبين ذلك من قول الله تعالى: ( آمَنَ الرسولُ بمَا أُنْزِلَ إليهِ مِنْ رَبِّهِ، والمؤمنون كلٌّ آمَنَ باللهِ وملائكتِهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) البقرة-281.
    ولما كان إيماننا بأنَّ الرسالاتِ الإلهيَّةَ هي سَوَاءٌ، وبأن أصحابَها جميعا هم رسلُ اللهِ حقا، فهل يَحِلُّ لنا أَنْ نتحَوَّلَ مِنِ اتِّبَاعِ سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى اِتِّبَاعِ أَيِّ رسولٍ آخر، نظرًا لهذه المساواةِ بين الرسالاتِ وبين أصحابِها؟

    أبدا لا يَجُوزُ ولا يَحِلُّّ لِمَنْ يؤمن برسالةِ سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أنْ يَتَحَوَّل منها إلى غيرِها، وذلك بسبب الأمورِ الثلاثةِ التالية:

    الأول: أنه ما من رسول إلا وقد بعثه الله إلى أُمَّتِهِ فقط، أمَّا سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم فقد بعثَهُ اللهُ إلى الناسِ كافة، لا لِلعَرَبِ دون سواهم.
    يقول الله تعالى: ( إنا أرسلْنَا نوحًا إلى قومِه أنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ )نوح-1.
    ( وإلى عادٍ أخاهم هودًا، قال يا قومِ اعْبُدُوا اللهَ ما لكم مـِنْ إلـهٍ غيرُهُ ) هود-40.
    ( وإلى ثمودَ أخاهم صالحا، قال يا قومِ اعبُدُوا الله ما لكم من إلـهٍ غيرُه ) هود-60.
    ( وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْبًا، قال يا قومِ اعْبُدُوا اللهَ ما لكم من إلـهٍ غيرُه ) هود-83.
    ( وإبراهيمَ إذ قال لقومه اعْبُدُوا اللهَ واتقوه، ذلكمْ خيرٌ لكم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون ) العنكبوت-15.
    ( وإنَّ إلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين، إذ قال لقومه ألا تَتَّقُونَ ) والصافات-123-124.
    ( وإنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين، إذْ أَبَقَ إلى الفُلْكِ المَشْحُونِ ... إلى قوله تعالى: وأرسلناهُ إلى مِائَةِ ألفٍ أو يَزِيدُون ) والصافات-139-147.
    ( وإذ قالَ موسى لقومه: يا قوم لِمَ تُؤْذُونَنِي وقدْ تعلمون أنِّي رسولُ اللهِ إليكم ) الصف-5.
    ( وإذ قـال عيـسى بنُ مـريمَ يا بَنِي إسرائيلَ إني رسـولُ اللهِ إليـكم ) الصف-6.

    أمَّا نَبِيُّنَا محمدٌ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يقل يا أيُّهَا العربُ إنِّي رسولُ الله إليكم وإنما قال كما أمره الله: ( قُلْ يا أَيها الناسُ إنِّي رسولُ الله إليكم جميعا، الذي له ملكُ السمواتِ والأرضِ لا إله إلا هو يُحْيـِي ويُمِيتُ، فَآمِنُوا باللهِ ورسولِهِ النبيءِ الأمِّيِّ، واتَّبـِعُوهُ لعَلـَّكُم تَهْتَدُون ) الأعراف-158.

    الثاني: أنَّ جَمِيعَ الرسلِ السابقين ـ وَعَدَدُهُم 313 ـ قد انقرضتْ آثارُ الأحكامِ التي أُرْسِلُوا بها، ولم يَبْقَ سِوَى أَثَرَيْن ِ يُنْسَبَانِ إلى موسى وعيسى عليهما السلام، ولكنَّ هذين الأثرين غَيْرُ موثوقٍ بِصِحَّتِهِمَا، لأنهما لم يَسْلَمَا مِنَ التَّحريفِ مِنْْ بعد موسى وعيسى.

    فالتوراةُ الموجودةُ الآن يُدْرِكُ كُلُّ عَاقِلٍ أنها مُحَرَّفَةٌ قَطْعًا، لأنها تَصِفُ الخَالِقَ سبحانه وتعالى بصفاتٍ مُنْحَطَّةٍ يتنزَّه اللهُ سبحانه عنها، إذْ لا تَلِيقُ أبدًا بِجَلاَلِ عظمةِ اللهِ.

    وإليك بعضا من ذلك:
    جاء في الإصحاحِ السادِسِ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِين ِ ما نَصُّهُ حرفيًّا:

    ( وَرَأَى الرَّبُّ أنَّ شَرَّ النَّاسِ قَدْ كَثُرَ في الأرضِ، وأنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أفْكَارِ قَلَبِهِ إنَّمَا هو شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ.
    فَحَزِنَ الرَبُّ أنَّه عَمَلَ الإنْسَانَ في الأرض ِ، وتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ.
    فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم، وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب ).

    فأين هذا الجهل بعواقب الأمور حتى تفضي إلى الحزن والأسف؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
    وأين هذا الغباءُ من سَعَةِ عِلْمِ اللهِ على ما ورد في القرآن العظيم من كمال الله الذي أحاط بكل شيء علما؟ إنه سبحانه يعلم عواقب العبادِ أفرادا وجماعات.

    ألم يُوحِ سبحانه إلى أُمِّ موسى: ( أَنْ أَرْضِعِيهِ، فإذا خِفْتِ عليه فألقيه في اليَمِّ، ولا تخافي ولا تَحْزَنِي، إنا رادُّوه إليكِ، وجاعِـلوه مِنَ المرسلـين ) القصص-7. ثم أرسل الله موسى كما وعدها الله حقا؟

    ألم يُوحِ اللهُ إلى يُوسُفَ عليه السلام بما أَرَاهُ في عَالَمِ الغيبِ مِنْ أنَّ أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم له ساجدين. ثم أراه الله سُجُودَ أبويه وإخْوَتِهِ له في عَالَمِ الشهادة بعد سنين وسنين؟
    ألم يكن ِ اللهُ مع يُوسُفَ لَمَّا أزمعَ اخْوَتُهُ أَنْ يَجْعَلُوه في غيابات الجُبِّ فأوحى إليه: ( لَتُنَبِّئَنَّهم بأمرهم هذا وهم لا يَشْعُرُون ) يوسف-15.
    وبعد أن مضى دهر من الزمن، وأصابهم ما أصابهم، وقفوا أمامه خاضعين فأنبأهم بما كان منهم قائلا: ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه، إذ أنتم جاهلون ) يوسف-89.

    وتناول التوراة وضْعَ آدمَ وحوَّاءَ في الجنة فجاء في الإصحاح الثالث مِن سِفْر التكوينِ ما نَصُّه حرفيا:

    ( وسمعا صوتَ الربِّ الإلـهِ مَاشِيًا في الجنة عند هُبُوبِ ريحِ النهارِ، فاختبأ آدمُ وامرأتُهُ مِنْ وجهِ الرَّبِّ الإلـهِ في وَسَطِ شَجَرِ الجنةِ.
    فنادى الربُّ الإلـهُ آدمَ وقال له: أَيْن أَنْتَ؟ فقال سمعتُ صوتَكَ في الجنةِ فَخَشِيتُ ِلأني عُريان فاخْتَبَأتُ )

    فَأيْنَ هذا الجهلُ بمكان آدمَ بين شجرِ الجنةِ واللهُ سبحانه وتعالى أجلُّ وأعظمُ.
    ألم يقل في القرآن: ( عَالِمُ الغيبِ لاَ يَعْزُبُ عنه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السمواتِ ولا في الأرضِ ولا أصْغَرُ من ذلك ولا أكْبَرُ إلا في كتابٍ مُبين )
    ( وعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغيبِ لا يَعْْلَمُهَا إلا هو، وَيَعْلَمُ ما في البَرِّ والبَحْرِ، وما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقـَةٍ إلا يَعْلَمُهَا، ولا حَبَّةٍ في ظُلُمَاتِ الأرض ِ، ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ إلا في كتابٍ مُبِين ) الأنعام-59.

    ومن أحكام الشريعة الواردة في التوراة ما جاء في الإصحاح الواحد والثلاثين مِنْ سِفْرِ الخروج ما يلي حرفيا:

    ( وأما اليومُ السابعُ ففيه سَبْتُ عُطْلَةٍ مُقَدَّسٍ لِلرَّبِّ، كلُّ مَنْ صَنَعَ عَمَلا في يوم السبتِ يُقْتَلُ قتلا، فَحَفِظَ بَنو إسرائيلَ السبتَ، لِيَصْنَعُوا السبتَ في أجيالهم عهدًا أبَدَيًّا، هو بيني وبينَ بني إسرائيلَ علامة ٌ إلى الأبدِ، لأنه في سِتَّةِ أيـامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السـماءَ والأرضَ، وفي اليومِ السابعِ استراحَ وَتَنَفَّسَ )(1).
    وتعالى الله عن أن يَمَسَّهُ تَعَبٌُ أو نَصَبٌ، ألم يقل جَلَّ وعَلاَ في سورةِ ق: ( ولقد خَلقْنَا السمواتِ والأرضَ وما بينهما في سِتَّةِ أيامٍ، ومَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ(2) ) ق-38.

    تلك نماذج من الأباطيل التي يصفون بِهَا الخالقَ سبحانه، ويُؤمِنُونَ بها عن يقينٍ راسِخٍ.
    وأمَّا ما حَرَّفُوا في التوراة فهو تحريف كثير.
    وإليك واقعة حدثت منهم أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تكشف عن تصوُّرهم العجيب للأحكام الشرعية، ولِلخَالِقِ الذي أنزل الأحكامَ الشرعية َ.
    روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: زنى رَجُلٌ من اليهود وامرأةٌ فقال بعضهم لبعض: اذهبُوا بنا إلى هذا النبي،

    فإنه نَبِيءٌ بُعِثَ بالتخفيف، فإن أفْتَانَا بِفُتْيَا دون الرَّجْمِ قَبِلْنَا، واحتجَجْنَا بها عِند الله. قلنا: نَبِيءٌ من أنبيائك قال.
    فأتوا النبيء صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه، فقالوا يا أبا القاسم: ما ترى في رجلٍ وامرأةٍ زَنَيَا؟
    فلم يُكَلِّمْهُم كلمةً ً، حتى أتى بَيْتَ مِدْرَاسِهِمْ، فقام على الباب فقال: ( أنشُدُكُم بالله الذي أنزَلَ التوراةَ على موسى، ما تَجِدُون في التوراة على مَنْ زنا إذا أَحْصَنَ؟ )
    قالوا: يُحَمَّمُ، ويُجَبَّهُ(3) وَيُجْلَدُ، والتجْبِيهُ أن يُجْعَلَ الزانيان على حِمَارٍ، وتُقَابَلُ أقفيتهما، ويطافَ بهما.
    قال أبو هريرة وسكتَ شابٌّ منهم، فلما رآه النبيء صلى الله عليه وسلم سكت أَلَظَّ به النِّشدة.
    فقال: اللهم إذ نشدتنا فإننا نجد في التوراة الرَّجْمَ.
    فقال النبيء صلى الله عليه وسلم: ( فما أوَّلُ ما ارْتَخَصْتُم أَمْرَ اللهِ؟ )
    قال: زنى ذو قرابةٍ من مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِنَا، فأخّر عنه الرجمَ، ثم زنى رجُلٌ في أسرة من الناسِ، فأراد رَجْمَهُ، فَحَالَ قومُه دونه، وقالوا لا يُرْجَمُ صاحبُنا حتى تجيءَ بصاحبِك فَتَرْجُمَهُ. فاصطلحوا على هذه العقوبةِ بينهم.
    فقال النبيء صلى الله عليه وسلم: ( فإني أحْكُمَ بما في التوراة ) فأمر بهما فرجما.


    وأما الإنجيل فالموجودُ الآن عدة أناجيل لا إنجيل واحد، وجمهور المسيحيين يعترفون بأربعة منها فقط، وهي:

    ( إنجيل مَتَّى، وإنجيل لـُوقا، وإنجيل مُرْقـُسْ، وإنجيل يُوحَنَّا. )

    كما يؤمنون برسائل بُولس، وهي خمس عشرة رسالة، وبكتاب أعمال الحواريِّين، فيصير المجموع عشرين كتابا ويسـمونها جمـيعا ( العهدَ الجديدَ ).
    ويؤمنون أيضا بالأسفار السبعة من التوراة، وبما أُلْحِقَ بها من الكـتب، وَعَدَدُ الجميعِ ثمانية وثلاثون كتابا، ويُسَمُّونَ ذلك ( العهدَ القديمَ )(4).
    وربما أجمعوا بين العهدين القديم والجديد في كتاب واحد يُسَمُّونَه ( الكتابَ المقدَّسَ ).

    لكننا إذا نظرنا إلى الإنجيل المنتشر الآن بين المسيحيين، فإننا نلاحظ عليه مجموعة من المآخذ، وأبرزها الخمسة التالية:

    أولا: إن المؤمنين برسالات رسل الله من كل شعوب الأرض يعلمون أن الله تعالى قد أنزل على بعض رسله كتبا عظيمة مقدسة.
    كما يعلم الكثير من أولئك المؤمنين أنه سبحانه قد أنزل كتابا واحدا على داود عليه السلام، وسمَّاه الزَّبُور، وأنزل كتابا واحدا على موسى عليه السلام، وسمَّاه التوراة، وأنزل كتابا واحدا على عيسى عليه السلام، وسمَّاه الإنجيل، وأنزل كتابا واحدا على محمد عليه الصلاة والسلام وسمَّاه القرآن.
    لكننا نرى المنتشرين بين المسيحيين أربعة أناجيل، لا إنجيلا واحدا، فكيف؟ ولماذا؟

    ثانيا: إن المصدقين بهذه الأناجيل الأربعة، يؤمنون بأنها ليست هي الوحي الذي أنزله الله على عيسى، وإنما هي من كلام الحواريِّين أصحابِ عيسى وتلاميذِه، ولذلك أجمع المسيحيُّون على نسبة هذه الأناجيل إلى من كتبوها، فقالوا إنجيل متّى، وإنجيل لُوقا، وإنجيل مُرْقُسْ، وإنجيل يُوحَنَّا.
    وإنما نسبوها إلى هؤلاء لأنَّهم كتبوها بواسطة ما كانوا يجدون من إلهام، فَدَوَّنُوه في ما سَمُّوه ( الإنجيل ).

    ثالثا: إذا كانت هذه الأناجيل الأربعة لغير عيسى فأين هو إنجيل عيسى؟..!

    رابعا: إن الحواريين ليسوا معصومين من الخطإ، فكيف تَرْقَى أعمالُهم إلى أن تكون حاملةً لعقيدةٍ مقطوع بصحتها؟..!
    إن أيّ عقيدة لَيْسَتْ مِنْ عند الله ما هي إلا وَثَنِيَّة ٌ.
    نعم إن بعض المسيحيين يَدَّعُونَ أن الحواريِّين أنبياءٌ، بل لقد قال بعضُهم: إن الحواريِّين بمنزلة إبراهيم وموسى عليهما السلام، ولكن الحقيقة تخالف ما ادَّعَوْهُ، لأنَّ النبيء إنما هو عيسى عليه السلام، وهو الذي أخبرنا الله به في قوله تعالى: ( وقفَّيْنَا على آثارِهم بعيسى بنِ مريمَ، مُصَدِّقا لما بين يديه من التوراةِ، وآتيناه الإنجيلَ فيه هدى ونور ) المائدة-46.
    وأما الحواريُّون فهم أُنَاسٌ صالحون كما أخبرنا الله عنهم بقوله: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنْصَارًا للهِ، كما قال عيسى بنُ مريمَ للحواريِّينَ: مَنْ أنْصَارِيَ إلى اللهِ؟ قال الحواريُّون نحن أنْصَارُ اللهِ ) الصف-14.
    وحاشا للهِ أَنْ يكونَ الحوارِيُّونَ الصالحون قد ألَّفُوا تلك الأناجيلَ، لِمَا فيها مِنَ المُنْكَرِ، ومن الافتراء على الله سبحانه، ومن الخلط بين ما هو حق، وبين ما هو باطل.

    خامسا: وإذا صدَّقنا ما ادعى بعض المسيحيين من أن الحواريين هم رسل الله فإن على المسيحيين أن يكونوا عدة أمم، فيقال لهم أمة متى، وأمة لوقا، وأمة مرقس، وأمة يوحنا.

    وغير هذه المآخذ الخمسة كثيرٌ، ولكنَّ أغْرَبَ معتقدات أهل الإنجيل وأخطرها أنهم يؤمنون بأن عيسى عليه السلام هو ابن الله، أو أنه هو الله، ويؤمنون بأنه نُكِّلَ به ثم صُلِبَ وهذا موجودٌ عندهم في الأناجيلِ الأربعةِ، مع أن الله تعالى هو أجل وأعظم من هذه الأباطيل،
    والله سبحانه يقول: ( وما قتلوه وما صلبوه، ولكن شُبِّهَ لَهُم ) النساء-157(5).

    أرأيتَ ـ يا أخي ـ أنَّ فسادَ عقيدةِ اليهودِ إنما كان من حيثُ إنها قائمةٌ على تَشْبِيهِ الخالقِ سبحانه بالمخلوقِ؟

    كما رأيتَ أنَّ فسادَ عقيدةِ النصارى إنما كان من حيثُ إنها قائمة ٌ على تشبيهِ المخلوقِ بالخالقِ سبحانه.

    أمَّا عقيدةُ أُمَّتِنَا الإسلاميةِ فهي سالمةٌ مِنْ هذين المُنْكرَين العظيمين المُوبِقَيْنِ، إذْ إنَّها ـ والحمدُ لله ـ قائمةٌ على تنزيهِ اللهِ تعالى عَنِ الشبيهِ، وعَنِ الشريكِ، وعن الوَلَدِ، وعَنِ الوَالِدِ.
    فاللهُ سبحانه ـ في عقيدتِنا ـ ( هو اللهُ أحدٌ، اللهُ الصَّمَدُ(6)، لَمْ يَلِدْ، ولَمْ يُولَدْ، ولم يَكُنْ لهُ كُفُؤًا أَحَدٌ )(سورة الإخلاص)، ( ما اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ، ومَا كانَ مَعَهُ مِنْ إِلـَهٍ، إذا لذَهَبَ كُلُّ إِلـَهٍ بِمَا خَلَقَ، ولَعَلاَ بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ، سبحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمُ الغيبِ والشهادةِ، فتعالى عَمَّا يُشْرِكُون )(المؤمنون 91-92).
    ( لَوْ أَرَادَ اللهُ أنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مـا يشاءُ سبحانه، هواللهُ الواحدُ القهارُ، خلقَ السمواتِ والأرضَ بالحقِّ يُكَوِّرُ الليلَ على النهارِ، ويُكَوِّرُ النهارَ على الليلِ، وَسَخَّرَ الشمسَ والقمرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى، ألاَ هوَ العزيزُ الغَفَّارُ، خلقكم مِنْ نَفْسٍ واحدةٍ، ثم جَعَلَ منها زَوْجَهَا، وأنزَلَ لكم مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَة َ أزْوَاجٍ، يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أمَّهَاتِكُمْ خَلقـًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلمَاتٍ ثلاثٍ، ذَلِكُمُ اللهُ ربُّـكُمْ لهُ المُلكُ، لا إلـهَ إلاَّ هوَ فأنَّى تُصْرَفُون )(الزمر 4-6 ).

    ( اللهُ خَالِقُ كُلِّ شيءٍ وهو على كلِّ شيءٍ وكيلٌ، له مَقالِيدُ السمواتِ والأرضِ )(الزمر 62-63).

    واللهُ ـ في عقيدتنا ـ: ( يَعْلَمُ مَا فِي السمواتِ وما في الأرضِ، ما يكونُ مِنْ نَجْوَى ثلاثةٍ إلا هوَ رَابِعُهُم، ولا خَمْسَةٍ إلا هو سَادِسُهُم، ولا أدْنَى من ذلك ولا أكثرَ إلا هُوَ مَعَهُم أيْنَ مَا كانُوا، ثم ينبئهم بِمَا عَمِلوا يَوْمَ القِيَامَةِ، إنَّ اللهَ بِكُلِّ شيءٍ عليمٌ )(المجادلة 7).

    ( وَللهِ يَسْجُدُ ما في السمواتِ وما فِي الأرضِ مِنْ دَابَّةٍ، والملائكةُ، وهم لا يَسْتَكْبِرُون، يَخافُون ربَّهُم مِن فَوْقِهِم، ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون )( النحل 49-50).

    ( ومَا مُحَمَّدٍ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ )(آل عمران 144)، وَكَمَا نُؤْمِنُ برسالةِ نبيِّّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نُؤْمِنُ بكافَّةِ رُسُلِ اللهِ عليهِمُ الصلاة والسلام، ونؤمن بأنَّ اللهَ تَعَالَى جَلَّتْ حِكْمَتُهُ قدِ اصْطَفَاهم مِـنْ خِـيرَةِ خَلْقِهِ، وَبِأَنَّهُمْ جَمِيعًا أَطْهَارٌُ أخيارٌ(7) أُمَنَاءٌ صَادِقُون في مَا قَدْ بَلَّغُوا عَنِ اللهِ لِمَنْ أرْسِلُوا إليهم.

    الثالثُ: مِنَ الأسبابِ التي مِنْ أجْلِهَا لا يحلُّ للمؤمنِ برسالةِ سيدِنا محمدٍ أن يَنْتَقِلَ منها إلى غَيْرِهَا، هُوَ أنَّ كلَّ رسالةٍ لها مِيزَاتُهَا الخَاصَّةُ.
    لقدِ اقتضَتْ حِكمةُ اللهِ تعالى أن تَكُونَ جميعُ الرسالاتِ مُتَّفِقَةً في أصولِ العقيدةِ، وأن تكون التشريعاتُ مُخْتَلِفَةً بعضَ الاختِلافِ تَبِعًا لِمَا تَحْتَاجُ إليه كُلُّ أمَّةٍ دونَ غَيْرِهَا مِنَ الأُمَمِ.

    ومن هنا اختصَّ اللهُ رِسَالَةَ خَاتَمِ الأنبياءِ بِمِيزَاتٍ تَتَمَتَّعُ بِها دُونَ سوَاها.
    وَيَتَبَيَّنُ ذلك مِمَّا أعْلَنَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في عدَّةِ أحاديثَ صحيحةٍ، منها ما رواه البخاريُّ ومسلمٌ عن جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه أن النبيءَ صلى الله عليه وسلم قال: ( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحدٌ مِنَ الأنبياءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فأيَّمَا رَجُلٌ مِنْ أمَّتِي أدْرَكَتْهُ الصلاةُ فليُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، ولمْ تُحَلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةُ، وَكَانَ النبيءُ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّة ً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةٍ ).

    وروى الإمامُ أحمدُ ومسلمُ والنَّسَائِيُّ عن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ رضي الله عنه أن النبيءَ صلى الله عليه وسلم قال: ( فُضِّلْنَا على النَّاسِ بِثَلاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الملائِكةِ، وجُعِلَتْ لنَا الأرضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وجعلتْ لنَا تُرْبَتُهَا طُهُورًا إذَا لمْ نَجِدِ المَاءَ، وأعْطِيتُ هذه الآياتِ مِنْ آخِر سورةِ البقرةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العـرش ِ لم يُعْطَهَا نَبِيٌّ قـَبْلِي ).
    وروى الطَّبَرَانِيُّ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهـما أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال: ( أُعْطِيَتْ أُمَّتِي شيئا لم يُعْطَهُ أحَدٌ مِنَ الأمَمِ: أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ المُصِيبَةِ: إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُون ).
    فهذه الأحاديثُ وأشـبَاهُهَا تدلُّ عـلى أنَّ رسـالةَ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم لها مِيزَاتٌ خاصَّةٌ وعديدةٌ.

    وبَـعْدَ هـذا البيان ِ لا تعجبْ ـ يا أخي ـ إذا سَمِعْتَ قـولَه صلى الله عليه وسلم مُصَحِّحًا: ( لو نَزَلَ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ، وتَرَكْتُمُونِي لضَللتُمْ )( رواه أحمد عن عبد الله بن ثابت، والبيهقي عن عبد الله بن الحارث ).




    __________________________________________________ _____
    1) في النصوص التي نقلتها من التوراة اعتمدت النسخة العربية التي قامت بطبعها المؤسسة التالية:
    Arabic Bible Vowelled N°40
    Printed In Cairo Egypt
    33 M 1970 V.a.r

    2) اللغوب: التعب والإعياء.

    3) التحميم: تسويد الوجه، وأصل التجبيه أن يعامل بالمكروه ويجابه بالإهانة.

    4) كان قدماء المسيحيين لا يؤمنون ولا يثـقون إلا ببعض ما في التوراة، وبالقليل مما ألحق بها، ويتشككون في الكثير مما بلغهم، ولهذا عقد قسطنطين مجلسا من علماء النصارى سنة325 فحكموا باعتماد البعض من تلك الكتب، وأبقوا البقية مشكوكا فيها، وفي سنة 397 عقد علماؤهم مجلسا مؤلفا من 126 عالما فاعتمدوا سبعة من المشكوك فيها، ثم انعقدت ثلاث مجالس فصادقوا على كل ما بقي من المشكوك فيه، وفي سنة ألف ومئتين ظهر البروتستانت فردوا الكثير مما أجمع عليه أسلافهم.
    هذه الحقائق التاريخية من كتاب ( إظهار الحق ) للشيخ رحمة الله الهندي ج1 ص49 المطبوع بمطابع منارة إظهار الحق بمصر.

    5) والمطلع على أحوال المسيحيين بحكم المواطنة في الشام يقول: إنهم يعظمون الصليب، ويستحلون لحم الخنزير، ويتعبدون بالرهبانية، ويمتنعون من الختان، ولا يتطهرون لا طهارة الحدث، ولا طهارة الخبث، ولا يوجبون غسل الجنابة ولا الوضوء، ولا يوجبون اجتناب شيء من الخبائث في صلاتهم لا عذرة ولا ولا، ولا غير ذلك من الخبائث، إلى غير ذلك من شرائع أحدثوها وابتدعوها بعد المسيح عليه السلام.
    من كتاب ( الجواب الصحيح ) لابن تيمية رحمه الله ج1 ص127.

    6) الصمد: الذي يقصد في المهام التي لا يستغنى عنه فيها.

    7) تذكر التوراة الموجودة الآن في الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين أن ابنتي لوط عليه السلام سقتاه خمرا، ووقع بهما فولدتا منه ولدين !..؟
    وحاشا لمقام النبوة والرسالة أن يُدَنَّسَ بهذا المنكر العظيم.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    من كتاب " تصحيح الرسول صلى الله عليه و سلم لمفاهيم الصحابة ".( تحت الطبع )
    رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب

  2. افتراضي

    ما شاء الله مقال طيب

    هل الكتاب المذكور لك ؟
    سئل اعرابى عن الدليل على وجود الله ، فقال : يا سبحان الله ، ان البعر ليدل على البعير ، وان أثر الاقدام ليدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات امواج ، الا يدل على وجود اللطيف الخبير ؟

  3. افتراضي

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    شكرا أخي الأندلسي و جزاك الله كل خير .

    الكتاب ليس لي و لكن لقريب لي . و ربما أضعه هنا للتحميل في وقت مناسب إن شاء الله تعالى .
    رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. خلق الجان قبل الإنس...ما الدليل؟
    بواسطة ذو البصيرة في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-31-2012, 11:55 PM
  2. حكم استخدام الإنس للجن ..!
    بواسطة مالك مناع في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 03-16-2010, 10:51 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء