صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 30

الموضوع: من موضة الملحدين العرب.. كامل النجار كمثال !

  1. افتراضي من موضة الملحدين العرب.. كامل النجار كمثال !

    بســـم اللـــه الرحمـــن الرحيـــم






    لم ينته المستشرقون والمستلحدون من الطعن في الإسلام والمسلمين يومًا من الأيام، ورغم توالي الردود عليهم وكشف أسالبيهم وأخطائهم تستمر هذه المسيرة بلا هوادة والتي ليس لها داع ديني ولا أخلاقي ولا قومي ولا إنساني ولا غيره، اللهم إلا لأن دعوة نبيه كانت إلى توحيد الله وحسن الأخلاق.

    وكان مما ظهر مؤخرًا نكرة اسمه عبد الله عبد الفادي، ألف كتابًا أسماه (هل القرآن معصوم)، نشر فيه فكاهات ظن أنها تطعن في لغة القرآن بكل جهل ورعونة، وبعد أن كشف الله غباءه وجهله، ظهر مستلحد آخر أكثر رعونة سار على درب خليله السابق، ولم تنفعه العبرة من سابقه بل اقتفى أثره خطوة خطوة حتى كاد يدخل جحر ضب خلفه!

    هذا المستلحد لم يتورع في الطعن بلغة القرآن هو الآخر، وقد تناقل كتابه مواقع إلحادية وتبشيرية عديدة لم تتعظ بما حل بسلفه السابق من كشفٍ لخزيه وجهله، فربما كانت هذه سنة الحياة وربما لن تكون هذه هي المرة الأخيرة بل سيستمر الهجوم الأرعن على الإسلام والقرآن والنبي الخاتم.

    في هذا الموضوع، سأتناول ما كتبه كامل النجار فيما يسميه نقدًا منهجيًا للإسلام، ولن أتطرق لكل كتابه بل جزء منه وهو الخاص بالبلاغة القرآنية، إذ أن باقي كتابه غثاء ركَض فيه إلى الخلاف السني الشيعي ووظفه ليشوه صورة الدين، كما اعتمد على روايات منكرة وأضاف إليها آراءه التي يمكن أن نقول أنها "طرائف ونكت" فظن أنه أتى بما لم يقدر عليه أحد! ووضع عنوانًا مضللاً (قراءة منهجية للإسلام) بينما هذا الكاتب اجتمعت فيه جهالات متعددة وبمستويات مختلفة في مجالات المنطق والنقد والبلاغة والأدب والنحو والصرف والتاريخ الإسلامي عمومًا، وركب على هذه الجهالات قناعته الخاصة ببشرية القرآن ومن ثم الهجوم على الإسلام والدعوة إلى الإلحاد.

    والطريف أن منوالاً جديدًا صار ينتحيه هؤلاء الجهلة، فبعد كل ما يكتوبنه من جهالات يختم كلامه بأنه يتوقع هجومًا عليه لأن الحرية مفقودة في بلادنا، كما أن طبيعة عمله تجعله مشغولاً دائمًا فلن يرد لأنه طبيب جراح لا يسمح له عمله بمتابعة كل شيء ولن يرد إلا على ما يراه مناسبًا ! وهذا ما قاله في موقع مكتبة النيل والفرات.

    سأنقل من كتابه الجزء الخاص ببلاغة القرآن وسأتبعه بالرد المفصل إن شاء الله.
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  2. افتراضي

    تحت عنوان البلاغة في القرآن يقول كامل النجار

    البلاغة في القرآن

    لا نستطيع ان نُحصي عدد الكتب والمقالات التي نُشرت عن بلاغة القرآن واعجازه وتطوره العلمي الذي سبق العلم الحديث بمئات السنين. وسوف نتطرق لكل هذه المواضيع في وقتها. ولكي نناقش القرآن نقاشاً منطقياً، لابد ان نُقسّمه الى قسمين : القسم الاول هو لغة القرآن، والقسم الثاني عن المحتويات. فلنبدأ بلغة القرآن.

    الصعوبات التي تقابل القارئ للقرآن يمكن حصرها في عدة أبواب :

    1- ألاكثار من استعمال السجع الذي قد يضر بالمعنى في بعض الحالات

    2- تغير صيغة المخاطب أو المتحدث من الشخص الاول الى الشخص الثالث والعكس كذلك، دونما أي مراعاة لمحتوى ألآية

    3- الخلط بين الفعل الماضي والفعل المضارع في نفس ألآية وكذلك الخلط بين المفرد والجمع

    4- كلمات او جُمل معناها ليس واضحاً للشخص العادي ولا حتى للمفسرين أنفسهم، ونستنبط هذا من كثرة واختلاف التفاسير للكلمات أو ألآيات

    5- جُمل بها أخطاء نحوية

    6- جُمل لا تتماشى مع المحتوى

    ولنبدأ بالسجع. قبل ان يأتي الاسلام كان جزء كبير من عرب الجاهلية وثنيين، وان كانوا على علم بالاديان الاخرى وبفكرة التوحيد وعبادة إله واحد. وسواء آمنوا بالاله الواحد في السماء او بالاصنام كآلهة او كوسيلة لتوصلهم الى الاله، لم يكن بمقدورهم مخاطبة الاله او الصنم مباشرةً، فكان لابد لهم من وسيط. هذا الؤسيط كان الكاهن. وكلمة "كاهن" مشتقة من الكلمة العبرية "كوهين Kohen" التي اُستعيرت بدورها من الكلمة الآرامية "كاهنا Kahna26. والكوهين العبري رجل دين كل مهمته تفسير التوراة والاحكام الدينية للعامة. أما في اللغة العربية فكلمة "كاهن" تعني الرجل المتكهن، الذي يتنبأ بالغيب، ويتحدث للناس بما قد يحدث لهم في المستقبل. وللكهان اسلوب خاص في الكلام، يعرف بالاغراق في استعمال السجع، وبالافراط في استعمال الكلام الغامض. وهو اسلوب تقتضيه طبيعة التكهن، لكي لا يُلزم الكاهن نفسه بما يقوله من قول ربما لا يحدث، او قد يحدث عكسه. ففي مثل هذه الحالة يكون للكاهن مخرج باستعماله هذا النوع من الكلام الغامض.

    وفي الاقوال المنسوبة الى الكهان، قَسَمٌ بالكواكب كالشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والاشجار والرياح وما شابه ذلك من امور. والغرض من القسم هنا هو التاثير في نفوس السامعين والاغراب في الكلام، ليكون بعيداً عن الاسلوب المألوف. وقد روى الاخباريون نمازج من هذا الكلام المعروف ب"سجع الكهان". وقد وردت كلمة كاهن في القرآن في معرض الرد على قريش الذين اتهموا الرسول بأنه كاهن، وبانه يقول القرآن على نمط قول الكهان، ففي سورة الطور، الاية 29 نجد : "فذّكر فما انت بنعمت ربك بكاهنٍ ولا مجنون". وفي سورة الحاقة، الاية 42 : "ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون".

    وكذلك اتهمت قريش محمداً بانه شاعر، وفي كلتا الحالتين، الكهانة والشعر، كان من رأي الجاهليين ان هناك وحياً يُوحى الى الكاهن بما يقوله، والى الشاعر بما ينظمه، ويأتي بهذا الوحي شيطان، "شيطان الشاعر". وقد ورد "شيطان الكاهن" كذلك، ذلك لان الكاهن يتلقى علمه من الجن. بل كانوا يعتقدون ان للشاعر شيطانين يساعدانه على نظم الجيد من الشعر، ولذلك نجد الشعراء انفسهم يخاطبون شيطانين في بداية القصيده. فمثلاً امرؤ القيس يقول في بداية معلقته المشهوره :

    قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل

    فيعتقد البعض انه يخاطب شيطانيه، وقيل أنه يخاطب صاحبيه، وقيل بل خاطب واحداً واخرج الكلام مخرج الخطاب مع الاثنين، لان العرب من عادتهم اجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع، وانما فعلت العرب ذلك لان الرجل يكون أدنى أعوانه أثنين : راعي إبله وراعي غنمه27. وعلى كلٍ، إن كان الشاعر يخاطب شيطانين أو صاحبين وهميين، فقد سلك القرآن نفس المسلك.

    وكان العرب يرون ان للكاهن قوة خارقة وقابلية لتلقي الوحي من تلك القوى التي يتصورونها على هيأة شخص غير منظور يلقي الى الكاهن الوحي، فينطق بما يناسب المقام وبما يكون جواباً على الاسئلة التي توجه للكاهن. ويطلقون على ذلك الشخص الخفي "تابع" لانه يكون تابعاً وصاحباً للكاهن، يتبعه ويلقي اليه " الرئي"، ويكشف له الحُجب ويأتيه بالاسرار.

    وللجاهليين قصص عن الكهان اخرجتهم من عالم الواقع وجعلتهم في جملة الاشخاص الخرافيين. فمثلاً، كان هناك الكاهن "سطيح"، واسمه ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب، وكان يقال له سطيح الذئبي لنسبته الى ذئب بن عُدي. وقال الاخباريون ان سطيحاً كان كتلة من لحم يُدرج كما يُدرج الثوب، ولا عظم فيه الا الجمجمة، وان وجهه في صدره، ولم يكن له لا رأس ولا عنق، وكان في عصره من اشهر الكهان، وان كسرى بعث اليه عبد المسيح بن بقلة الغساني ليسأله في تأويل رؤياه عندما سقطت الحيطان في ايوانه يوم وُلد محمد28.

    وتفسير العلماء الاسلاميين للكهانة هو ان التابع كان يسترق السمع من الملائكة، فيلقي بما سمعه على الكاهن، ويلقي الكاهن ما سمعه على الناس، فيكون نبوءة. وذلك قبل عهد بعثة الرسول. فلما جاء الاسلام ونزل القرآن، حُرست السماء من الشياطين، واُرسلت عليهم الشهب، فبقي من استراقهم ما يتخطفه الاعلى، فيلقيه الى الاسفل قبل ان يصيبه الشهاب، والى ذلك الاشارة "الا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب". والقرآن يؤكد ان الشياطين كانت تجلس في السماء تتصنت لما يقول الله للملائكة وترجع للأرض لتخبر الكهان بما سيحدث، الى أن قرر الله حراسة السماء حينما أرسل محمداً. ويظهر أن الله لم يكن يبالي بإستراق السمع هذا عندما بعث ابراهيم ونوح وموسى وعيسى وغيرهم حتى أتى محمد واتهمته العرب بأنه كاهن، فقرر الله وقتها حراسة السماء لينفي التهمة عن رسوله.

    ولم يكن السجع غريباً على محمد، فقد قال الامام احمد : حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف عن زُرارة عن عبد الله بن سلام، قال : لما قدم رسول الله المدينة انجفل الناس، فكنت فيمن انجفل، فلما تبينت وجهه عرفت انه ليس بوجه كذاب، فكان اول شئ سمعته يقول : "أفشوا السلام، واطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام"29.

    والسجع هو العمود الفقري في لغة القرآن، لدرجة ان محمداً قد غير اسماء اماكن واشياء لتتماشى مع السجع في السورة. فمثلاً في سورة التين، الاية الثانية، نجد ان "طور سيناء" قد تغير الى "طور سينين" ليتماشى مع السجع :

    1- "والتين والزيتون"
    2- "وطور سينين"
    3- "وهذا البلد الامين"
    4- "لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم".

    وليس هناك بالطبع مكان او جبل اسمه طور سينين، وكلمة طور نفسها ليست كلمة عربية وانما كلمة عبرية وتعني " جبل"، وهذا الجبل في سيناء، ولذلك دُعي جبل سيناء او طور سيناء. ونجده قد استعمل الاسم الصحيح في سورة "المؤمنون" الاية 20 : "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغٍ للآكلين".

    ونجد في سورة الانعام، الآية 85، ذكر بعض الانبياء : "وزكريا ويحيي وعيسى وإلياس كل من الصالحين". ونجد كذلك في سورة الصافات، الاية 123 إلياس يُذكر مرة اخرة : "وان إلياس لمن المرسلين". ولكن فجأةً في الآية 130 من نفس السورة يتغير اسمه ليصبح إلياسين، ليتماشى مع السجع : "سلام على إلياسين". وهذه ليست "آل ياسين" وانما "إل ياسين" بكسر الالف الاولى.

    وأغلب القرآن مسجوع لان السجع، كالشعر، يسهل حفظه. وألانسان البدائي تعلم الرقص والغناء والشعر آلاف السنين قبل أن يتعلم الكتابة. ولم يتعلم الانسان النثر الا بعد أن تعلم الكتابة، لصعوبة حفظ النثر.

    وتجاهل بعض الناس هذه الحقيقة البسيطة في اندفاعهم لجعل القرآن المرجع الوحيد لما حدث ويحدث في العالم. فالبروفسير حميد الله يذكر في مقدمة ترجمته للقرآن الى اللغة الفرنسية أن الله ذكر القلم في أول سورة أُنزلت على النبي، ليؤكد أهمية القلم كأداة في تطور علم الانسان. ويستمر البروفسير ويقول إن هذا يؤكد كذلك اهتمام النبي بجمع القرآن وحفظه مكتوباً30. وطبعاً البروفسير حميد الله قد نسى أن العلماء قد قدروا أن ألانسان البدائي ظهر على هذه الارض قبل حوالي سبعة ملايين من السنين، وتعلم اثناء تطوره الصيد وصناعة ألالآت وصناعة القوارب والحراب، وتعلم كذلك ان ينظم الشعر وان يرسم وتعلم فن القصص (الفولكلور الشعبي) وصناعة الملابس واشياء أخرى مثل اكتشاف النار والزراعة، ألاف السنين قبل أن يتعلم القراءة ويخترع القلم.

    ويتفق العلماء أن اختراع اللغة هو الذي سهّل للانسان الاتصال بالناس الآخرين ونقل الافكار بينهم، وبالتالي تكون اللغة هي أداة تقدم ألانسان وليس القلم كما يقول بروفسير حميد الله. وإذا كان القلم والقراءة بهذه الاهمية عند الله حتى انه ذكر القلم في أول سورة انزلها على النبي، لماذا أختار الله رسولاً أمياً لا يقرأ ولا يكتب، حسب زعم المسلمين؟

    وبما أن القرآن لم يكن يُكتب في البداية، وكان أعتماد المسلمين على الذاكرة، كان الاعتماد على السجع أفضل وسيلة لمساعدتهم على حفظه. ولكن مشكلة السجع تكمن في التكرار خاصة اذا كانت السورة طويلة، لان الساجع يجد صعوبة في ايجاد كلمات كثيرة متماشية مع القافية. فنجد أن السور الطويلة يتغير فيها السجع عدة مرات، وتتكرر بعض الكلمات عدة مرات، وفي بعض الاحيان يشتق القرآن بعض الكلمات اشتقاقاً على غير المعهود لتماشي السجع.

    فإذا أخذنا مثلاً سورة مريم، من ألآية الثانية حتى ألآية الثالثة والثلاثين نجد آخر كلمة من كل آية تنتهي ب"يا"

    2- "ذكرُ رحمة ربك عبده زكريا"
    3- "إذ نادى ربه نداءً خفيا"
    ثم في ألآيتين 34 و35 تتغير القافية الى "ون"
    34- "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون"
    35- "ما كان لله أن يتخذ من ولدٍ سبحانه إذا قضى شيئاً أن يقول له كن فيكون"
    ثم تتغير الى "ميم" في ألآيتين 36 و 37
    36- "وإن الله ربي وربكم فأعبدوه هذا سراط مستقيم"
    37- "فأختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يومٍ عظيم"
    ثم ترجع الى النون مرة أخري في ألآيات 38 و 39 و 40
    40- "إنا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون"
    ثم نرجع للقافية الاولى "يا" في ألآيات من 41 الى 74
    41- "واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقاً نبيا"

    ثم تتغير القافية الى "دا" مثل جُنداً و ولداً الى نهاية السورة.

    وادخال آيتين أو ثلاثة في منتصف السورة بسجع يختلف عن معظم آيات السورة حمل بعض الدارسين الى القول بأن هذه ألآيات أُضيفت الى السورة لاحقاً ولم تكن جزءً منها في البداية.

    ونجد في نفس سورة مريم تكراراً غير مفيد. فعندما يتحدث القرآن عن زكريا وأبنه يحيي، يقول عن ألاخير : "سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا"31. ثم نجد ألآية مكررة عندما يتحدث عن عيسى : "والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أُبعث حيا"32.

    وفي ألآية 10 من نفس السورة : "قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام سوياً" وفي ألآية 17 كذلك : "فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا". وفي ألآية 68 نجد : "فوربك لنحشرهم والشياطين ثم لنحضرهم حول جهنم جثيا"، وفي ألآية 72 : "ثم ننجي الذين آمنوا ونذر الظالمين فيها جثيا". وواضح أن التكرار هنا لصعوبة ايجاد كلمات اخرى تماشي السجع.

    واشتقاق الكلمات على غير المعهود نجده في ألآية 74 من نفس السورة : "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورءياً". والاشتقاق هنا غريب لانه من رأى والمصدر رؤية، ولكن لتماشي الكلمة السجع قال "رءيا". ولغرابة الاشتقاق وجد المفسرون صعوبة في شرح الكلمة، فقال القرطبي في تفسيره : (قال ابن عباس "ورئيا" اي منظراً حسناً. وفيه خمس قراءات : قرأ أهل المدينة "وريا" بياء واحدة مخففة. و روى ألاعمش عن ابن عباس "أحسن أثاثاً وزيا" بالزاي. وقرأ أهل الكوفة "ورئيا" بالهمزة. وقال أبو أسحق يجوز "وهم أحسن أثاثاً وريئا" بياء بعدها همزة).

    وفي سورة النبأ، ألآية 35، عندما يصف الله الجنة، نجد :

    31- "إن للمتقين مفازا"
    32- "حدائقَ وأعنابا"
    33- "وكواعبَ أترابا"
    34- "وكأساً دهاقا"
    35- "لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا"

    وكلمة "كذابا" مشتقة من كذّبَ، يُكذّبُ، كذباً. والمصدر كما هو واضح "كذبا"، ولكن لتماشي الكلمة السجع كان لا بد من جعلها "كذابا". وقد يلاحظ القارئ هنا أن ألآية 34 لا تماشي السجع مما دعا بعض الدارسين الى القول بأنها أضيفت مؤخراً.

    والتكرار في بعض ألآيات يكون مملاً. فخذ مثلاً سورة "الرحمن" وبها 78 آية كلها مسجوعة على الالف والنون ما عداء آيات بسيطة، ولسبب ما أدخل المؤلف "فبإي ألاء ربكما تكذبان" بعد كل آية ابتداءاً من ألآية الثانية عشر. وتكررت هذه العبارة 31 مرة في سورة طولها 78 آية. فاي غرض يخدمه هذا التكرار الممل.

    وكل سورة "الرحمن" هذه تذكرنا بايام الجاهلية عندما كان الشاعر يخاطب شيطانيه أو صاحبيه ليساعداه على نظم الشعر "قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل...." فالقرآن هنا، كعادة الجاهلية، يخاطب شيطانين (وهناك شياطين مسلمة كما يقول القرآن). ويقول علماء الاسلام ان القرآن في هذه السورة يخاطب الانس والجن، ولذا استعمل صيغة المثنى. ولكن في نفس السورة عندما اراد القرآن مخاطبة الانس والجن قال : "يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السموات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان". فلم يقل "فانفذان، او لا تنفذان الا بسلطان".

    وفي بعض الاحيان تُضاف كلمات، لا لتوضيح الصورة ولكن لتكملة السجع، فمثلاً في سورة الشعراء في الاية 76 تُضاف كلمة "الاقدمون" دون الحاجة اليها
    72- "قل هل يسمعونكم اذ تدعون"
    73- "او ينفعونكم او يضرون"
    74- "قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون"
    75- "قال أفراءيتم ما كنتم تعبدون"
    76- "انتم وآباؤكم الاقدمون"

    فكلمة "الاقدمون" هنا لا تخدم اي غرض مفيد اذ ليس هناك اباء جُدد واباء اقدمون، لان كلمة اباء قد ترجع للوراء حتى نصل الى آدم، فكلنا ابناء آدم، وحين نقول" بني اسرائيل"، يرجع هذا الى يعقوب بن اسحاق. فاذاً كلمة اباؤكم لا تحتاج الى تعريف كما هو واضح من ألآية 74 أعلاه عندما قال : "وجدنا أباءنا كذلك يفعلون"، ولم يُعرّف ألاباء، ولكن السجع فرض ادخال كلمة تنتهي بالنون فأدخل "ألاقدمون".

    واما اللغة نفسها فمن الصعب متابعتها لان القرآن يغير صيغة المخاطب في نفس الاية من المفرد الى الجمع ومن المتحدث الى المخاطب، فخذ مثلاً سورة الانعام الاية : 99 "وهو الذي انزل من السماء ماءً فاخرجنا به نباتَ كلٍ شئٍ فاخرجنا منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجناتٍ من اعنابٍ والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابهٍ انظروا الى ثمره اذا اثمر وينعه ان في ذلكم لاياتٍ لقوم يؤمنون".

    فبداية الاية يصف الله " وهو الذي انزل من السماء ماءً "، وبدون اي انذار تتغير اللغة من الشخص الثالث الى الشخص الاول ويصير الله هو المتحدث "فاخرجنا به"، وسياق الاية يتطلب ان يقول "فاخرج به". وانظر الى النحو في الاية ذاتها، اغلب الكلمات منصوبة لانها مفعول به، لان الله انزل المطر فاخرج به حباً وجناتٍ، وفجأة كذلك يتغير المفعول به الى مبتدأ مرفوع في وسط الجملة. وسياق الكلام يقتضي ان يُخرج الله من النخل قنواناً دانيةً، معطوفة علي ما قبلها، ولكن نجد في الاية "قنوانٌ دانيةٌ" بالرفع، وهي مبتدأ خبره "ومن النخل". ثم تستمر الاية بنصب الكلمات الباقية لانها مفعول به.

    وخذ ألآية 114 في سورة الانعام، لما طلب اليهود من محمد ان يجعل بينه وبينهم حكماً : "افغير الله ابتغي حكماً وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين". ففي بداية الاية المتحدث هو محمد مخاطباً اليهود، فيقول لهم : أغير الله ابتغي حكماً وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلاً؟ وفجأة يصير الله هو المتحدث فيقول لمحمد : والذين آتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين.

    والعلماء المسلمون يحاولون شرح هذه الآية بان يقولوا : ادخلْ كلمة "قل" قبل "والذين آتيناهم". وهذه حجة غير مقبولة لان الله حينما اراد ان يستعمل "قل"، استعملها صراحة في المكان الذي اراد ان يستعملها فيه. فنجد في القرآن كلمة "قل" مستعملة ما لا يقل عن 250 مرة. فمثلاً في الآية 91 من نفس السورة، "قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى". وكان من الممكن ان يسأل محمد المشركين مباشرة ويبدأ الآية ب "من انزل الكتاب" ثم نُدخل نحن كلمة "قل" كما يطلب منا المفسرون. ولكن الواضح هنا ان الله لما اراد ان يدخل كلمة "قل" ادخلها صراحة وبوضوح.

    وكلمة "قل " اكثر ما استُعملت في سورة الانعام هذه. فنجد :
    46- "قل أرأيتم ان اخذ الله سمعكم"
    47- "قل أرايتم ان اتاكم عذاب الله"
    50- "قل لا اقول لكم عندي خزائن الله ...... قل هل يستوي الاعمى والبصير"
    56- "قل اني نُهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا اتبع اهواءكم"
    57- "قل اني على بينة من ربي وكذبتم به"
    58- " قل لو ان عندي ما تستعجلون"
    63- "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر"
    64- "قل الله ينجيكم منها"
    65- " قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذاباً"
    وباختصار استُعملت كلمة "قل" في سورة الانعام 39 مرة. فهل هناك اي سبب يجعلنا نقول ان الله اراد ان يستعمل كلمة "قل" في الآية التي ذكرناها اولاً لكنه لم يستعملها وتركها للعلماء المسلمين ليخبرونا انه ارادنا ان يضع هذه الكلمة قبل الآية المذكورة؟

    ونفس الشئ ينطبق علي السورة الاولى في المصحف، اي سورة الفاتحه. فهذه السورة من الواضح انها دعاء كان يدعو به محمد، وليست جزءاً من القرآن. وكالعادة يقول العلماء المسلمون : ضع كلمة "قل" قبل بداية السورة. ولو اراد الله ان يستعمل كلمة "قل" لفعل، كما فعل في سورتي "الفلق" و"الناس"، وكلاهما ادعية مثل سورة الفاتحة. ففي سورة الفلق يقول : "قل اعوذ برب الفلق"، وفي سورة "الناس" يقول : "قل اعوذ برب الناس". فلماذا لم يقل في سورة الفاتحة "قل الحمد لله رب العالمين". وابن مسعود الذي كان يكتب الوحي للرسول، و أحد علماء الحديث المشهورين، اعتبر ان سورة الفاتحة وسورتي الفلق والناس، ليست من القران33.

    وفي سورة فاطر ألآية التاسعة : "والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه الي بلد ميت فأحيينا به ألارض بعد موتها". تغير القائل في نفس ألآية من الشخص الثالث الى الشخص الاول. فبداية ألآية تقول : "والله الذي أرسل الرياح" ثم فجأةً يصير المتحدث هو الله، فيقول : "فسقناه الى بلد ميت فأحيينا به ألارض".
    و تحتوي نفس ألآية على فعل مضارع مخلوط مع افعال ماضية. فكلمة "فتثير" فعل مضارع في وسط جملة كلها في الماضي. ويقول العلماء ان الفعل المضارع هنا في وسط جملة كلها في الماضي، "لحكاية الحال الماضية". فهل في هذا اي نوع من البلاغة؟ وفي سورة الحج، الآية 63 : "ألم تر ان الله انزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة ان الله لطيف خبير". مرة اخرى يجمع القرآن بين الفعل الماضي والفعل المضارع في جملة واحدة. وكلمة "فتصبح" يجب ان تكون "فأصبحت" لان الله انزل من السماء ماءً.

    وهذه آية اخرى تخلط بين الماضي والمضارع، ففي سورة الشعراء، الآية الرابعة : "ان نشأ ننزل عليهم من السماء آيةً فظلت اعاناقهم لها خاضعين". ويقول العلماء ان شبه الجملة "فظلت اعناقهم لها خاضعين" استُعملت بمعنى المضارع. فلماذا كل هذا اللف والدوران وكان من السهل ان يقول "فتظل"؟ وليس الخلط بين الماضي والمضارع هو الشئ الوحيد الخارج عن المألوف في هذه الآية، فقد استعمل القرآن كلمة" خاضعين" وهي حال تصف جمع العقلاء مثل "رجال" ليصف بها "اعناقهم"، وهي ليست جمع عقلاء. والاسم الذي يقع حالاً يطابق صاحب الحال في النوع وفي العدد، ولذا كان الاصح ان يقول "فظلت اعناقهم لها خاضعة". ولكن كل آيات هذه السورة تنتهي بالياء والنون، لذلك اضطر ان يقول "خاضعين".

    والقرآن كثيراً ما يخلط بين المفرد والجمع في نفس الآية. فخذ مثلاً الاية 66 من سورة النحل : "وان لكم في الانعام لعبرةٌ نُسقيكم مما في بطونه". والانعام جمع وتعني "حيوانات" وكان يجب ان يقول "نسقيكم مما في بطونها"، لكنه جعلها في حُكم المفرد وقال "بطونه". وقال المفسرون افرده هنا عوداً على معنى النعم والضمير عائد على الحيوان، رغم ان الانعام حيوانات. ونجد نفس الاية تعاد في سورة "المؤمنون" ولكن هذه المرة تغيرت كلمة "بطونه" الى "بطونها". فالآية 21 من سورة "المؤمنون" تقرأ : "وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون".

    ويكثر كذلك في القرآن غريب اللفظ والمعنى، فنجد في سورة المرسلات عندما يصف نار جهنم في الآية 32 وما بعدها : "انها ترمي بشرر كالقَصر، كأنه جمالات صُفرٌ". اولاً كلمة "جمالات" مع انها جمع تكسير ل "جمل"، إلا أنها جمع غريب نادر الاستعمال، والمتعارف عليه هو جمال. ثم وصف الجمال بانها صُفر، وليس هناك جمال صفراء. فقال المفسرون كان العرب يسمون الجمال السود صفراء لان سوادها تداخله صفرة. فهل نفهم من هذا ان بني اسرائيل كذلك كانوا يسمون البقر الاسود اصفر، لان الله قال لهم "بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين" ؟ ونحن لا نعلم لماذا قال العرب عن كل شئ أسود أنه "أسود" الا الجمال السود نعتوها بالصفرة ولم ينعتوا البقر او الخراف السود بالصفرة.

    ثم في سورة الفرقان الآية 68 : "والذين لا يدعون مع الله الهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً". وأثاماً ليست من اللغة العربية في شئ، والقرآن يُفترض انه نزل بلسان عربي مبين. وحتى المفسرين وعلماء اللغة لم يتفقوا على معنى كلمة "أثاماً"، فقال عبد الله بن عمر : أثاماً وادي في جهنم، وقال عكرمة أودية في جهنم يعذّب فيها الزناة، وقال قتادة : أثاماً تعني نكالاً، وقيل في الحديث انها تعني بئر في قعر جهنم، وقال السدي انها تعني جزاءً.34 وأظن ان السدي جاء بهذا التفسير من المعنى العام للآية، إذ لم يقول أحد غيره بهذا المعني، والكلمة أصلاً لم تكن شائعة أو مستعملة عند العرب. ولو كان معنى الكلمة "وادي في جهنم" فكيف جاء بها العرب واستعملوها ولم يكونوا على علم بجهنم قبل الاسلام على حسب رأي المفسرين؟ وواضح من معنى الآية ان من يفعل تلك الاشياء يلقى جزاءً. ولكن القرآن استعمل كلمة "أثاماً" تمشياً مع السجع رغم أن علماء المسلمين لم يكونوا يعرفون معناها، كما هو واضح من اختلاف تفاسيرهم للكلمة.

    وفي سورة العنكبوت، ألآية 64 نجد : "وما هذه الحياة الدنيا الا لهوٌ ولعبُ وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون". وقد وجد المفسرون صعوبةً بالغة في تفسير كلمة "حيوان" هذه، فقالوا ان : الحيوان : هنا تعني الحياة الدائمة، ويقول القرطبي في تفسيره ان "الحيوان" تقع على كل شئ حي. أو قد تعني عيناً في الجنة. بل قال بعضهم ان أصل الكلمة هو "حييان" فأُبدلت احدى اليائين واواً لاجتماع المثل.35 وهذا قول غريب لان العرب تغير الواو ياءاً اذا اجتمعت الواو والياء وسبقت احداهما بالسكون، مثل "نوية" من نوى، ينوي فهي نوية. ولكن لاجتماع الواو والياء وسبق احداهما بالسكون، قُلبت الواو ياء وأُدغمت الياء في الياء، فصارت "نية". ولو كانوا يغيرون الياء واواً لاجتماع المثل لغيروا "فأحيينا به ألارض" الى "فأحوينا به ألارض".

    وفي سورة عبس ألآية 28 : "فأنبتنا فيها حباً، وعنباً وقضبا". ولا أحد من المفسرين يعرف معنى " قضبا". فقد قال أبن كثير القضب هو القصفة التي تأكلها الدواب، وكذلك قال أبن عباس. وقال الحسن البصري هي العلف. وقال آخرون غير ذلك. وفي نفس السورة، ألآية 31 نجد : "وحدائقا غُلبا، وفاكهةً وأبّا". فقال الضحاك : ألاب هو كل شئ ينبت على الارض. وقال أبو رزين هو النبات، وقال أبن عباس : ألاب ما تنبت الارض مما يأكل الناس والانعام. وقال أبن عباس كذلك والحسن : ألاب مما لا يأكله ألادميون، فما يأكله ألادميون يُسمى الحصيد، واستشهدوا ببيت شعر في مدح الرسول :

    له دعوةُ ميمونةُ ريحها الصبا بها ينبت الله الحصيدةَ وألابا

    وهذا البيت بلا شك قاله شاعر مسلم سمع كلمة ألابا في القرآن وأدخلها في شعره دون أن يعرف معناها لانها تماشي القافية. فالكل يعرف الحصاد من الزرع ولكن لا أحد يعرف معنى ألابَ.

    فقد قال أبن عباس أيضاً : ألاب هو الثمار الرطبة، وقال الضحاك هو التين. فواضح مما تقدم أن لا أحد يعرف معنى الكلمة إذ أن أبن عباس أعطى أربعة تفاسير مختلفة لهذه الكلمة. والكلبي قال الاب هو كل نبات سوى الفاكهة وقال آخرون بل هي الفاكهة الرطبة. وسئل أبو بكر الصديق عن تفسير الفاكهة وألاب فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟ وقال أنس بن مالك سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه ألآية ثم قال : كل هذا عرفناه، فما ألاب؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلف.36 فإذا كان عمر وابو بكر وابن عباس لا يعرفون معناها، فهل يُعقل أن يكون الشاعر الذي نظم البيت المذكور كان على علم بمعنى الكلمة؟

    والكلمة قد تكون سريالية واصلها Ebba أو قد تكون مشتقة من الكلمة العبرية Ebh، ولكنها قطعاً ليست عربية، ولا يعرف العرب معناها.

    وفي سورة الحج ألآية 29 نجد : "ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق". فكلمة "تفثهم" قد لا تكون عربية ولا أحد يعرف معناها ووقعها على ألاذن ثقيل. ويقول القرطبي في شرحه لهذه ألآية : (ليقضوا بعد نحر الهدايا ما بقي من أمر الحج كالحلق ورمي الجمار وإزالة الشعث ونحوه. وقال ألازهري : التفث ألاخذ من الشارب وقص الاظافر ونتف الابط وحلق العانة. وقال الازهري كذلك : التفث في كلام العرب لا يُعرف الا في قول أبن عباس وأهل التفسير. وقال أبن العربي : هذه اللفظة غريبة لم يجد أهل العربية فيها شعراً ولا أحاطوا بها خبراً.) فإذا كان أهل العربية لا يعرفون معناها، فأي حظ سيحالف غير العرب في فهمها؟

    واستعمل القرآن كلمات كثيرة ليست في اللغة العربية وليس لها اي معني مفهوم، وقد اختلف اغلب المفسرين في تفسيرها. فنجد في سورة الحُجر، الآية 87 : "ولقد اتيناك سبعاً من المثاني والقرآن الكريم". فقال بعض المفسرين ان المقصود بها السبع سور الطوال وقال آخرون المقصود بها سورة الفاتحة، وأتوا بحديث يستدلون به. وقال القرطبي في تفسيره أن المثاني تعني القرآن كله بدليل ان الله قال في سورة الزمر ألآية 23 : "كتاباً متشابهاً مثاني". وواضح أن تفسير القرطبي هذا لا يتفق والآية المذكورة اذ تقول الآية "أتيناك سبعاً من المثاني والقرآن الكريم"، فلن يستقيم معنى ألآية إذا قلنا أن المثاني تعنى القرآن كله، إذ كيف يكون قد أعطاه القرآن كله والقرآن الكريم؟ والسور السبع الطوال هي جزء من القرآن فليس من البلاغة ان يُعطف الكل على الجزء. وحتى لو جاز هذا، فلا أحد يعلم ما المثاني، والافضل ان يُخاطب القرآن الناس بلغةٍ يفهمونها.

    وفي سورة الحاقة، الآية 36 : "ولا طعام الا من غسلين". ولا احد يدري معنى غسلين، ولكنها تنسجم مع سجع السورة، "ولا يحض على طعام المسكين، فليس له اليوم ههنا حميم، ولا طعام الا من غسلين".

    وفي سورة الانسان، الآية 18 : "عيناً فيها تُسمى سلسبيلا". وهنا كذلك لا احد يعرف ما هي سلسبيلا. فتفسير الجلالين يقول : سلسبيلا تعني سهل المساغ في الحلق. وفي تفسير أبن كثير، قال عكرمة هي أسم عين في الجنة، وقال مجاهد سُميت بذلك لسلاقة مسيلها وحدة جريها، وقال قتادة : سلسة مستقيدٌ ماؤها. أما تفسير القرطبي فيقول : (السلسبيل هو الشراب اللذيذ، وتقول العرب سلس وسلسال وسلسيل بمعني أنه طيب الطعم لذيذه. وسلسل الماء في الحلق يعني جرى، وسلسته تعني صببته فيه). وأنا لا أدري كيف صرّفَ تفسير الجلالين سلسبيلا مما تقوله العرب عن سلس وسلسال وسلسيل، فمهما صرّفنا هذه الكلمات لا يمكن أن ننتهي ب "سلسبيلا".

    وقال أبو العالية ومقاتل : (إنما سُميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش في جنة عدن.)37 فكل المياه في المدن الحديثة الان تسيل في مواسير في الطرق وفي منازلنا، فهل هذه المياه سلسبيلا؟ أم يُشترط أن تنبع من جنة عدن؟

    وأغرب التفاسير ما أورده القفال في تفسير الجلالين إذ قال : (تلك عينٌ شريفة، فسل سبيلاً أليها. وروى هذا عليّ بن أبي طالب كذلك). فهو فصل كلمة سلسبيلا الى كلمتين : سل و سبيلا. ولكن المشكلة أن ألآية تقول : "عيناً فيها تسمى سلسبيلا" فلا يمكن أن نقول سل اليها سبيلا لان اسم العين سلسبيلا. وليتخلص من هذه المعضلة يقول القفال : (أنها مذكورة عند الملائكة وعند الابرار وأهل الجنة بهذا الاسم). وهذا الشرح يبين لنا كيف يدور علماء الاسلام ويلفون في حلقات مفرغة لشرح الغريب في القرآن بدل ان يقولوا أنهم لا يعرفون المراد من هذه الكلمة.

    اما سورة المطففين ففيها عدة آيات تحتوي علي كلمات يصعب فهمها : فمثلاً الآيات 7 و 8 و9 " كلا ان كتاب الفجار لفي سجين. وما ادراك ما سجين. كتاب مرقوم". والآيات 18 و19و20 من نفس السورة : "كلا ان كتاب الابرار لفي عليين. وما ادراك ما عليون. كتاب مرقوم". ومعنى هذا ان عليين وسجين كلاهما يعني كتاباً مرقوماً، أحدهما للفجار والآخر للابرار. فالقرآن هنا أستعمل غريب اللغة لينقل الينا حقيقة بسيطة : هي أن هناك كتابين، واحد للفجار وواحد للابرار. فهل من المهم لنا أن نعرف أسماء هذين الكتابين؟

    ثم إن القرآن يقول أن هناك كتاب واحد "وعنده أم الكتاب"38 و"اللوح المحفوظ" الذي يحفظه الله منذ الازل في السماء السابعة، وقد سجل الله فيه كل كبيرة وصغيرة عن كل أنسان حتى قبل أن يولد، وهناك كذلك لكل شخص كتابه الخاص به الذي سوف يتسلمه يوم القيامة، فمنهم من يُعطى كتابه بيمينه ومنهم من يعطى كتابه بشماله ليقرأ منه ما فعل في الدنيا. فما الحكمة إذاً في أن يكون هناك كتاب للابرار وآخر للفجار مادام لكل شخص كتابه الخاص وهناك اللوح المحفوظ الذي فيه كل التفاصيل ولا يمكن لهذا اللوح أن يضيع أو يصيبه تغيير؟ وحتى لو قلنا إنه من باب الاحتياط أن يكون للأبرار كتاب وللفجار كتاب آخر، هل يستدعي هذا نزول آية تخبرنا بأسماء هذين الكتابين؟ هل سيغير هذا من سلوكنا أو يدعونا للايمان؟

    والجدير بالذكر هنا أن القرآن استعمل كلمة "وما أدراك" أثنتي عشر مرةً ليشرح كلمات غريبه لم تكن معروفة للعرب آنذاك، وسوف نتعرض لبعض هذه الكلمات في حينها.

    في سورة الفيل، ألآية 3، نجد : "وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل". ويقول أبن كثير : طير أبابيل يعني طيراً من البحر امثال الخطاطيف والبلسان. ويقول القرطبي : طيراً من السماء لم يُر قبلها ولا بعدها مثلها. وروي الضحاك أن أبن عباس قال سمعت رسول الله يقول : "إنها طيرٌ تعشعش وتفرخ بين السماء وألارض". وقال أبن عباس : كانت لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب. وقال عكرمة : كانت طيراً خُضراً خرجت من البحر لها رءوس كرءوس السباع.

    أما سجيل فلا أحد يعرف معناها. قال النحاس : السجيل الشديد الكثرة. وقال سيل وسجيل هما نفس الشئ. وحكى محمد بن الجهم أن سجيل تعني طينٌ يُطبخ حتى يصير بمنزلة الارحاء. وقال سعيد بن جُبير أن اللفظة غير عربية وأصلها سنج وجيل أو سنك وكيل، وهما بالفارسية حجر وطين. وقد قال القرآن في سورة الذاريات، ألآية 33 : "لنرسل عليهم حجارةً من طين". وقال أبن يزيد : سجيل أسم السماء الدنيا وعن عكرمة أنه بحر معلق بين السماء والارض منه نزلت الحجارة. وقيل هي جبال في السماء، وقيل كذلك هي ما سُجل لهم أي كُتب لهم أن يصيبهم.39

    وأصل الكلمة ربما يكون من اللغة ألأرامية Sgyl وتعني حجر المعبد.40 والشئ الملفت للنظر أن كل هولاء المفسرين أتوا بتفسيرات لا تمت لبعضها البعض بصلة، مما يؤكد انهم كانوا يخمّنون معاني هذه الكلمات الغريبة التي لم يكونوا قد سمعوا بها من قبل.

    وكلمة "الفرقان" وردت في القرآن مرات عديدة بمعاني مختلفة. فمثلاً في سورة البقرة، ألآية53 : "وأتينا موسى الكتاب والفرقان". وفي نفس السورة، ألآية 185 : "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان". وفي سورة آل عمران، ألآية 4 : "من قبل هدى للناس وانزل الفرقان". وسورة ألانفال، ألآية 29 : "ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم". وفي سورة ألانفال، ألآية 41 : "أعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان". وفي سورة ألانبياء، ألآية 48 : " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً وذكراً للمتقين". وفي سورة الفرقان، ألآية 1 : "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً".

    وأتفق أغلب المفسرين ان الفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل ولكن ابن عباس قال : فرقاناً يعني مخرجاً وزاد مجاهد " في الدنيا والاخرة". وفي رواية اخرى قال ابن عباس ان فرقاناً تعني نصراً. وقالوا انها تعني يوم بدر لان الله فرق فيه بين الحق والباطل. وقال قتادة انها تعني التوراة، حلالها وحرامها. ويقول الرازي قد يكون التوراة او جزء منها او حتى معجزات موسى مثل عصاه. وقد تعني إنشطار البحر لموسى، واستقر رأيه علي انها التوراة. وقالوا الفرقان تعني القرآن. فالله قد انزل الفرقان على موسى وكذلك انزله على محمد، مما يجعلنا نقول أن الفرقان ربما تعني "كتاب" ولكن كيف نوفق بين هذا المعنى وألآية 29 من سورة ألانفال : "ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً". فالمراد هنا أن يجعل لكم مخرجاً. ولكن ألآية 41 من سورة ألانفال تقول : "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان". فالمعنى هنا لا يتفق مع أي من المعاني السابقة. فماذا تعني كلمة الفرقان إذاً؟

    وهناك كلمة أخرى لم تكن معروفة للعرب قيل نزول القرآن، ألا وهي "كلالة". ففي سورة النساء، ألآية 4 : "وإن كان رجلٌ يورث كلالةً ام إمرأة". وسئل ابو بكر الصديق عن كلمة كلالة فقال : أقول فيها برائي فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه، الكلالة من لا ولد له ولا والد. وقال القرطبي في تفسيره : الكلالة مشتقة من الاكليل وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه. وهذا بلا شك تخمين وليس هناك أي دليل أن كلمة كلالة مشتقة من إكليل. وقد أورد الطبري 27 معنى للكلالة مما يدل على انهم لا يعرفون معناها.

    ويقدر مونتجمري واط أن هناك حوالي سبعين كلمة غير عربية أُستعملت في القرآن، حوالي نصف هذه الكلمات مقتبسة من الكلمات التي كانت مستعملة في الديانة المسيحية، وخاصة اللغة السريانية والاثيوبية، وحوالي خمسة وعشرون كلمة من اللغة العبرية والارامية وكلمات بسيطة من الفارسية41.

    وهناك كلمات في القرآن يبدو ان المراد منها عكسها. فمثلاُ في سورة طه، ألآية 15 "إن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها"، وهي أصلاً مخفية ولا يعلم أحد متى تأتى، فالقرآن هنا لا بد انه قصد "أظهرها" بدل أخفيها. وقد قال القرطبي في تفسير هذه ألآية : (آيةٌ مشكلة. فروى سعيد بن جبير "أكاد أخفيها" بفتح الهمزة، قال : أظهرها. وقال الفراء : معناها أظهرها، من خفيت الشئ أخفيه إذا أظهرته. وقال بعض النحوين يجوز أن يكون "أخفيها" بضم الهمزة معناها أظهرها.) ويتضح هنا أن النحويين أنفسهم وجدوا مشقة في تفسير هذه ألآية، فكيف بعامة الناس؟

    وفي بعض الاحيان يعكس القرآن الاشياء المألوفة للناس، فمثلاً في سورة البينة، ألايتين أثنين وثلاثة نجد : "رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة، فيها كُتبٌ قيمة". والمعروف لدى كل الناس أن الكتب تحتوي على الصحف، وليس العكس كما جاء في القرآن. ولكن دعنا نقرأ ما كتب القرطبي في تفسيره لهذه ألآية : (الكتب هنا بمعنى الاحكام، فقد قال الله عز وجل "كَتَبَ الله لأغلبن"42 بمعنى حكم. وقال "والله لأقضين بينكما بكتاب الله" ثم قضى بالرجم، وليس الرجم مسطوراً في الكتاب. فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله. وقيل الكُتب القيمة هي القرآن، وجعله كُتباً لانه يشتمل على أنواع من البيان.)

    فهل اقتنع القارئ بهذا التفسير؟ أنا لم أقتنع. فالقرطبي كغيره من المفسرين راح يدور في حلقة مفرغة في محاولة منه للخروج من هذه المعضلة التي جعلت الصحف تحتوي على الكتب، وليس العكس.

    والامثلة كثيرة على استعمال القرآن غرائب الكلمات لانها تماشي السجع. فليس هناك اي بلاغة لغوية بالمعنى المفهوم عندما يستعمل القرآن غرائب الكلمات هذه، والمفروض فيه أنه نزل بلسان عربي مبين أي بائن للجميع، وقد رأينا أن علماء التفسير يجدون صعوبة في شرح كثير منه، فما بال عامة المسلمين؟ وقد لاحظ هذا جماعة من المعتزلة في صدر الاسلام، منهم ابراهيم النظام الذي قال ان ترتيب القرآن ولغته ليس فيهما اى اعجاز. وقد دافع عن هذا الرأي الكاتب والقاضي الاندلسي ابو محمد علي بن احمد بن حازم في كتابه "الملل والنحل" وكذلك ابو الحسين عبد الرحمن بن محمد الخياط من المعتزلة43.

    و هناك كذلك أخطاء نحوية في كثير من آيات القرآن. انظر الى الآية 69 من سورة المائدة : "ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون". والنحو يتطلب ان تكون كلمة "الصابئون" منصوبة لانها اسم "ان"، وكل اسماء "ان" الاخرى في الاية منصوبة الا "الصابئون" ، والاصح ان تكون "الصابئين". واذا نظرنا الى الاية 17 من سورة الحج، نجد ان "الصابئين" منصوبة، كما ينبغي ان تكون : "ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شئ شهيد".

    وفي سورة النساء الآية 162 : "لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر". فكلمة : المقيمين" لا تتماشى مع قواعد النحو المعروفة. فهي معطوفة على "الراسخون" ويجب ان تكون مرفوعة، وليست منصوبة كما في الآية، فالمعطوف دائماُ يتبع ما عُطف عليه. وقال القرطبي في تفسيره : (قرأ الحسن ومالك بن دينار وجماعة "المقيمون" على العطف، وكذا هو في حرف عبد الله. ولكن سيبويه قال : إنه نُصب على المدح). وهذا يذكرنا بالمقولة المشهورة لأحد العرب الاندلسيين عندما قال القاضي الاندلسي أبو محمد علي بن حزم أن القرآن يحتوي على أخطاء نحوية، قال الاندلسى : ما حاجتنا الى النحو وعندنا القرآن؟ إذا لم يوافق النحو القرآن، يجب أن نغير قواعد النحو. وهذا ما يُفهم من قول سيبويه انها نصبت على المدح.

    وفي سورة الحجرات الآية التاسعة : "وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما". فكلمة : اقتتلوا" كان يجب ان تكون "اقتتلا" لانها ترجع الى "طائفتان" اي مثنى، وأقتتلوا ترمز الى الجمع. وفي سورة الحج ألآية 19 : "هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قُطعت لهم ثياب من نار يُصب من فوق رءوسهم الحميم". فكلمة "اختصموا" يجب ان تكون "اختصما" لانها ترجع للمثنى "خصمان". وفي سورة البقرة الآية 177 : "ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر". وواضح ان شبه الجملة "ولكن البر من آمن بالله" لا تستقيم مع منطق الآية، والاصح ان تكون "ولكن البار". وقد قال بهذا النحوي الكبيرمحمد بن يزيد المبرد. وتفسير الجلالين يقول : "المقصود بها (ذا البر) وكذلك قُرئ بفتح الباء اي (البار)" 44.

    وفي سورة طه الآية 63 : "قالوا إن هذان لساحران يريدان ان يخرجاكم من ارضكم". وكلمة "هذان" اسم "إن" ويجب ان تكون منصوبة، اي "هذين". وقد ورد ان عثمان كان يقرأ "هذين" وكذلك فعلت عائشة. وتفسير الجلالين يقول : قالوا لانفسهم "ان هذين" . أما القرطبي فيقول في تفسيره (قرأ أبو عمرو "أن هذين لساحران" ورويت عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة، وكذلك قرأ الحسن وسعيد وجبير وابراهيم النخعي وغيرهم من التابعين. ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة موافقة للنحو مخالفة للمصحف. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ "أن هذان الا ساحران" وقال الكسائي في قراءة عبد الله "ان هذان ساحران" وقال أُبي "ان ذان الا ساحران"، وقال أبو عمر "إني لأستحي من الله أقرأ "إن هذان"). فهذا الاخير يعرف انه خطأ نحوي ويستحي من الله أن يقول "هذين" لأن الله لا يُعقل أن يُخطي في النحو.

    وسورة ألاعراف، ألآية 160 تقول : "وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً". وكلنا يعرف ان التمييز العددي يختلف بإختلاف المعدود. فالاعداد من واحد الى عشرة يكون ما بعدها جمع، فنقول تسعة نساء. ومن أحدى عشر وما فوق يكون ما بعدها مفرداً، فنقول أثنتي عشرة سبطاً وليس أسباطاً.

    ونجد في القرآن آيات لا يمت نصفها الاول الى نصفها الثاني بأي علاقة. فخذ مثلاً الآية الثالثة من سورة النساء : "وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنىً وثلاث ورباعَ فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا". فما علاقة القسط في اليتامى وزواج ثلاث او اربع زوجات؟ يقول القرطبي (إن خفتم الا تعدلوا في مهور اليتامى وفي النفقة عليهن، فانكحوا ما طاب لكم غيرهن. وعن عائشة قالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهن الا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن اعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

    وقال أبن عباس وأبن جبير : المعنى إن خفتم الا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء، لانهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء). وتفسير عائشة لا يمت للواقع بصلة. فاليتيمة تكون في حجر وليها الذي غالباً ما يكون عمها أو خالها وهي تحرم عليه ولا يمكن ان يتزوجها سواء أطمع في مالها او لم يطمع. وكم يتيمة كانت غنية في تلك الايام حتى تستدعي نزول آية قرانية لتمنع وليها من ان يتزوجها ويأكل مالها؟

    والتفسير الآخر لا يستوي والمنطق كذلك. فاذا خفتم الا تعدلوا في مهور اليتامى فلا تنكحوهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء غيرهن. ما ذا إذاً عن العدل في مهور النساء الغير يتامى؟ هل يحق لنا الا نعدل في مهورهن ونتزوج ثلاثة أو أربعة منهن؟ أنا أعتقد ان ألآية أصلاً لا تمت للمهور أو النساء اليتامى بشئ، انما هي تخص اليتامي الصغار من بنات واولاد، إذا مات والدهم وتركهم في كفالة عمهم او خالهم.....، ولسببٍ ما لم يكمل المتحدث الآية، وربما سهواً كتب الشخص الذي كان يجمع القرآن "فانكحوا ما طاب لكم من النساء". وقد يكون النصف الثاني من ألآية سقط سهواً اثناء جمع القرآن، أو أُسقط كما أُسقطت آيات كثيرة ذكرناها سابقاً.

    وفي سورة فاطر، ألآية 8 : "أفمن زُين له سوء عمله فراءه حسناً فإن الله يُضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تُذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون". فبداية ألآية تسأل : "أفمن زُين له سوء عمله فراءه حسناً "، فالأنسان يتوقع أن يجد مقارنة مع شخص آخر مثلاً، "كمن أهتدى". ولكن بدل المقارنة نجد "فإن الله يُضل من يشاء". لا علاقة البتة بين بداية ألآية وبقيتها. وقد قال القرطبي "هذا كلام عربي طريف لا يعرفه الا القليل". والقرآن لم ينزل للقليل

    وبعض ألآيات بها جُمل اعتراضية لا تزيد في المعني وليس لها اي سبب يجعلها تدخل في ألآية، فمثلاً في سورة الانعام ألآية 151 : "قل تعالوا أتلوا عليكم ما حرّم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق". فالاية كلها تتكلم عن الاشياء التي نهانا عنها الله، ولكن في وسطها نجد "وبالوالدين إحسانا". وواضح ان هذه ليست من المحرمات وانما زُج بها هنا سهواً، فلم يحرم الله الرفق بالوالدين.

    وهناك كلمات أُدخلت زيادةً في بعض ألآيات فأدت الى صعوبات جمة في التفسير. فسورة الانبياء ألآية 104 تقول : "يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين". فكلمة "للكتب" هنا لا تخدم المعنى باي شئ بل تعقد الشرح. وقال ابن عباس ومجاهد "كطي السجل للكتب" تعني كطي الصحيفة على ما فيها، فاللام في " للكتب : بمعنى "على". وقال ابن عباس كذلك في رواية أخرى ان السجل كان اسم احد كُتّاب الوحي. وكلمة سجل أصلاً تعني "دلو"، فتقول "ساجلت الرجل" إذا نزع دلواً ونزعت دلواً. ومنها المساجلة الشعرية عندما يتبارى شخصان او أكثر بابيات شعرية. ثم استُعيرت فسميت المكاتبة مساجلة والسجل هو الصحيفة المكتوبة. فيوم نطوي السماء كطي السجل واضح معناها، وكلمة "للكتب" إضافة عقدت المعنى.

    وفي سورة لقمان عندما قال لقمان يوصي ابنه :

    13- "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" 14- "ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين إن اشكر لي ولوالديك اليّ المصير"
    15- "وإن جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً وأتبع سبيل من أناب اليّ ثم اليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون"
    16- "يا بني إنها إن تك مثقال حبةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ او في السماوات أو في ألارض يأت بها الله إن الله لطيف خبير"
    17- "يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور"
    18- "ولا تصّعر خدك للناس ولا تمشي في الارض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور"
    19- "وأقصد في مشيك واغضض من صوتك إن انكر الاصوات لصوت الحمير"

    ففي الآية 13 المتكلم هو لقمان يعظ ابنه، ثم فجأة في الآية 14 يصير المتكلم هو الله فيوصي الانسان بوالديه ويضيف عليها ان الحمل والرضاعة يجب ان تكون عامين ثم يُفصل الطفل، ويستمر الله في وصية الانسان في الآية 15. ثم نرجع الى لقمان في ألآية 16 وما بعدها ليكمل وصية ابنه. فالآيتان الرابعة عشر والخامسة عشر أُدخلتا هنا بطريق الخطأ ولم يكونا أصلاً جزءاً من السورة.

    ولنقرأ هذه الآيات من سورة المعارج :
    37- "فما بال الذين كفروا قبلك مهطعين"
    37- "عن اليمين وعن الشمال عزين"
    38- "أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم"
    39- "كلا إنّا خلقناهم مما يعلمون"
    فالكلمة الاخيرة من كل آية، مع انها مسجوعة، الا انها ثقيلة على السمع ، ونشك انها كلمات عربية. انما استعملت من باب الغريب من اللفظ ليكون لها اثرٌ في نفوس السامعين، كما كان يفعل الكهان سابقاً. والمنطق فيها اغرب من الكلمات : "أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم، كلا انا خلقناهم مما يعلمون." فيقول الله يجب الا يطمعوا في دخول الجنة لاننا خلقناهم من نُطفٍ، من مني، وهذا معنى "خلقناهم مما يعلمون". ولاننا خلقناهم من مني، يجب الا يطمعوا في دخول الجنة. ويقول القرطبي في تفسيره (كان المشركون يستهزئون بالمسلمين فقال الله "إنا خلقناهم مما يعلمون" من القذر، فلا يليق بهم هذا التكبر.) ورغم تفسير القرطبي، يظل المنطق غريباً، أفلانه خلقهم من القذر يجب الا يتكبروا ولا يطمعوا في دخول الجنة؟

    وفي سورة القيامة، الآية 14 : "بل الانسان على نفسه بصيرةٌ". وبدل ان يقول "بصير" ليصف الانسان، قال "بصيرةً". وقال المفسرون ان التاء في "بصيرة" للمبالغة. ونسأل : ما الداعي للمبالغة؟ فالقرآن هنا إنما يذكر حقيقة، وهي إن الانسان بصير على نفسه. فلماذا يحتاج أن يبالغ؟

    ويتضح من هذا العرض ان هناك اشياء كثيرة في القرآن خارجة عن المألوف ولا تمثل اي نوع من البلاغة النثرية، وانما فرضها السجع الذي لا تخلو اي سورة في القرآن منه. والسبب طبعا، كما قلنا سابقاً،ً ان السجع يسهل حفظه، وبما ان القرآن كان يُحفظ في صدور الرجال حينما كان ينزل به الوحي، كان لا بد من استعمال السجع.
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  3. افتراضي

    أولاً: تخبط النجار في موقفه من القرآن


    يقول النجار

    اقتباس:
    ولنبدأ بالسجع. قبل ان يأتي الاسلام كان جزء كبير من عرب الجاهلية وثنيين، وان كانوا على علم بالاديان الاخرى وبفكرة التوحيد وعبادة إله واحد. وسواء آمنوا بالاله الواحد في السماء او بالاصنام كآلهة او كوسيلة لتوصلهم الى الاله، لم يكن بمقدورهم مخاطبة الاله او الصنم مباشرةً، فكان لابد لهم من وسيط. هذا الؤسيط كان الكاهن. وكلمة "كاهن" مشتقة من الكلمة العبرية "كوهين Kohen" التي اُستعيرت بدورها من الكلمة الآرامية "كاهنا Kahna26. والكوهين العبري رجل دين كل مهمته تفسير التوراة والاحكام الدينية للعامة. أما في اللغة العربية فكلمة "كاهن" تعني الرجل المتكهن، الذي يتنبأ بالغيب، ويتحدث للناس بما قد يحدث لهم في المستقبل. وللكهان اسلوب خاص في الكلام، يعرف بالاغراق في استعمال السجع، وبالافراط في استعمال الكلام الغامض. وهو اسلوب تقتضيه طبيعة التكهن، لكي لا يُلزم الكاهن نفسه بما يقوله من قول ربما لا يحدث، او قد يحدث عكسه. ففي مثل هذه الحالة يكون للكاهن مخرج باستعماله هذا النوع من الكلام الغامض.

    هذه نظرة دوغمائية يعتقد بها كل الملحدون إذ يجعلون الإسلام تابعًا لغيره.
    فالنجار يجعل اللغة العربية ناقصة وعالة على غيرها، فدائمًا يجعل اللغات الأخرى هي الأصل واللغة العربية هي التابعة، فكيف يثبت أن كلمة كوهين هي الأصل وأن (كاهن) مشتقة منها؟
    هذا منواله دائمًا وهو يعكس ضعضعة منهجه، فلا يدلل على ما يكتب.
    ومثل هذه المنهجية نراها في القصص القرآني فهم يقولون إن القرآن نقل أو سرق قصصًا بابلية أو هندية أو أكادية (وقد كتبت موضوعًا عن قصة ميلاد موسى واتهامهم بأنها مسروقة) لمجرد تشابه القصص أو موافقة القرآن لبعض القصص التوراتية.
    بينما لو اختلف عنها قالوا كيف يخالف القرآن الكتاب المقدس وهما من عند الله؟!

    ثم إنه يستعرض عناصر كلام الكهان ويريد أن يلصقها بالقرآن، فذكر كثرة السجع، والإفراط في الكلام الغامض، والتحدث عن المستقبل، ونحن سنتناول العنصرين الأولين بالتفصيل لنثبت توهمه في ذلك، لكن ماذا عن الكلام عن أحداث في المستقبل؟ لماذا أهمل هذا العنصر إن كان القرآن كلام كاهن؟؟ ما هي الأحداث الكونية الكثيرة التي تحدث عنها محمد صلى الله عليه وسلم واستخدم فيها غامض الكلام ليكون خط رجعة له؟؟

    هل هذه هي القراءة المنهجية؟؟ أم أنها من نوع "هردبشت"؟

    اقتباس:
    وفي الاقوال المنسوبة الى الكهان، قَسَمٌ بالكواكب كالشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والاشجار والرياح وما شابه ذلك من امور. والغرض من القسم هنا هو التاثير في نفوس السامعين والاغراب في الكلام، ليكون بعيداً عن الاسلوب المألوف. وقد روى الاخباريون نمازج من هذا الكلام المعروف ب"سجع الكهان". وقد وردت كلمة كاهن في القرآن في معرض الرد على قريش الذين اتهموا الرسول بأنه كاهن، وبانه يقول القرآن على نمط قول الكهان، ففي سورة الطور، الاية 29 نجد : "فذّكر فما انت بنعمت ربك بكاهنٍ ولا مجنون". وفي سورة الحاقة، الاية 42 : "ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون".

    ما هي هذه الأقوال المنسوبة؟ هلا جاءنا بها حتى نقارن؟ أم أنه إلقاء الكلام على عوانه؟
    وماذا عن القسم بالله؟ لماذا أفرط فيه محمد؟ ولماذا أقسم بنفسه وبالبشرية؟ أهو من غريب الكلام كما يتوهم؟ وهل قسم القرآن بالمخلوقات كان لغاية معنوية فيها كبيان أهميتها؟ أم أنه مجرد تأثير في السامعين؟
    ثم ما معنى (نمازج) هذه؟!

    اقتباس:
    وكذلك اتهمت قريش محمداً بانه شاعر، وفي كلتا الحالتين، الكهانة والشعر، كان من رأي الجاهليين ان هناك وحياً يُوحى الى الكاهن بما يقوله، والى الشاعر بما ينظمه، ويأتي بهذا الوحي شيطان، "شيطان الشاعر". وقد ورد "شيطان الكاهن" كذلك، ذلك لان الكاهن يتلقى علمه من الجن. بل كانوا يعتقدون ان للشاعر شيطانين يساعدانه على نظم الجيد من الشعر، ولذلك نجد الشعراء انفسهم يخاطبون شيطانين في بداية القصيده. فمثلاً امرؤ القيس يقول في بداية معلقته المشهوره
    قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل

    فيعتقد البعض انه يخاطب شيطانيه، وقيل أنه يخاطب صاحبيه، وقيل بل خاطب واحداً واخرج الكلام مخرج الخطاب مع الاثنين، لان العرب من عادتهم اجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع، وانما فعلت العرب ذلك لان الرجل يكون أدنى أعوانه أثنين : راعي إبله وراعي غنمه27. وعلى كلٍ، إن كان الشاعر يخاطب شيطانين أو صاحبين وهميين، فقد سلك القرآن نفس المسلك.

    إذا كان هناك اختلاف حول محور المخاطَب بين الجاهليين أنفسهم، فكيف يبني قناعته على أمر خلافي لينتهي إلى النتيجة السعيدة: القرآن يخاطب شيطانين؟!
    وما هي مبرراته في إهمال التفسير القائل بأن خطاب المفرد بصيغة المثنى هو من عادة العرب؟
    أم أنها المنهجية الإلحادية؟

    اقتباس:
    وكان العرب يرون ان للكاهن قوة خارقة وقابلية لتلقي الوحي من تلك القوى التي يتصورونها على هيأة شخص غير منظور يلقي الى الكاهن الوحي، فينطق بما يناسب المقام وبما يكون جواباً على الاسئلة التي توجه للكاهن. ويطلقون على ذلك الشخص الخفي "تابع" لانه يكون تابعاً وصاحباً للكاهن، يتبعه ويلقي اليه " الرئي"، ويكشف له الحُجب ويأتيه بالاسرار
    وللجاهليين قصص عن الكهان اخرجتهم من عالم الواقع وجعلتهم في جملة الاشخاص الخرافيين. فمثلاً، كان هناك الكاهن "سطيح"، واسمه ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب، وكان يقال له سطيح الذئبي لنسبته الى ذئب بن عُدي. وقال الاخباريون ان سطيحاً كان كتلة من لحم يُدرج كما يُدرج الثوب، ولا عظم فيه الا الجمجمة، وان وجهه في صدره، ولم يكن له لا رأس ولا عنق، وكان في عصره من اشهر الكهان، وان كسرى بعث اليه عبد المسيح بن بقلة الغساني ليسأله في تأويل رؤياه عندما سقطت الحيطان في ايوانه يوم وُلد محمد

    هلا ذكر لنا ما هي القوى الخارقة لمحمد صلى الله عليه وسلم والأوصاف الخرافية التي جعلته يراه كاهنًا؟

    اقتباس:
    وتفسير العلماء الاسلاميين للكهانة هو ان التابع كان يسترق السمع من الملائكة، فيلقي بما سمعه على الكاهن، ويلقي الكاهن ما سمعه على الناس، فيكون نبوءة. وذلك قبل عهد بعثة الرسول. فلما جاء الاسلام ونزل القرآن، حُرست السماء من الشياطين، واُرسلت عليهم الشهب، فبقي من استراقهم ما يتخطفه الاعلى، فيلقيه الى الاسفل قبل ان يصيبه الشهاب، والى ذلك الاشارة "الا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب". والقرآن يؤكد ان الشياطين كانت تجلس في السماء تتصنت لما يقول الله للملائكة وترجع للأرض لتخبر الكهان بما سيحدث، الى أن قرر الله حراسة السماء حينما أرسل محمداً. ويظهر أن الله لم يكن يبالي بإستراق السمع هذا عندما بعث ابراهيم ونوح وموسى وعيسى وغيرهم حتى أتى محمد واتهمته العرب بأنه كاهن، فقرر الله وقتها حراسة السماء لينفي التهمة عن رسوله.

    ما ورد في سيرة ابن هشام أن حراسة السماء كانت من علامات بعثة النبي الآخر صلى الله عليه وسلم، ولم تكن لحظة اتهامه بالكهانة كما هذى النجار.

    وقد صدق قول الله في كفار قريش من قبل وفي النجار الآن: ( الذي هم فيه مختلفون )، فها نحن نراه يتخبط في تهمه للقرآن بين كونه سجع كاهن وبين كونه قول شاعر.
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  4. افتراضي

    ثانيًا: تهمة الإفراط في السجع


    يقول النجار:


    اقتباس:
    ولم يكن السجع غريباً على محمد، فقد قال الامام احمد : حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف عن زُرارة عن عبد الله بن سلام، قال : لما قدم رسول الله المدينة انجفل الناس، فكنت فيمن انجفل، فلما تبينت وجهه عرفت انه ليس بوجه كذاب، فكان اول شئ سمعته يقول : "أفشوا السلام، واطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام

    النجار لا يعرف الفرق بين السجع والقافية والفاصلة، ولا يعرف متى يكون السجع محمودًا ومتى يكون مذمومًا، وما هو سجع الكهان وما هو السجع البليغ، بل ما يعرفه هو أن "كله عند العرب صابون".

    فما يميز سجع الكهان عن غيره هو مكانة المعنى، فالكلام البليغ يجعل المعنى هو الأساس والسجع هو التابع، بينما سجع الكهان نرى فيه الإيغال في السجع على حساب المعاني.


    فالنبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، والدراسات في الأحاديث النبوية –وإن كانت قليلة- تثبت ذلك، فانظر إلى جمال التجنيس في قوله صلى الله عليه وسلم: ( الظلم ظلمات يوم القيامة )، وانظر إلى بديع قوله: ( لا تزال أمتي بخير ما لم تر الغنى مغنمًا، والصدقة مغرمًا )، كيف استعمل الطباق والسجع، وأدى الوظيفة البيانية في المعنى على أتم وجه، مع الإيجاز التام دون الإضرار بالمعنى.


    ومثله ما ذكره النجار: (أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ) فهذه الجملة الموجزة جمعت في طياتها أسباب دخول الجنة، وتطرقت إلى جوانب المعاملة مع الناس، فلم تجعل عبادة الله هي الوحيدة في دخول الجنة، وأدت معنىً بليغًا قبل الحفاظ على السجع، فاهتم بالمفاضلة بين الناس في الأعمال فقال ( صلوا بالليل والناس نيام )، كان بإمكانه أن يقول: ( وصلوا القيام ) مع المحافظة على السجع لو كان هذا مقصده، وكان بإمكانه القول: ( وحجوا البيت الحرام ) مع محافظته على السجع، لكن الحج مختلف عن العبادات الأخرى وليس شرطًا لدخول الجنة، لكن أنى للنجار أن يرى هذا !


    قارن بين هذا الكلام وبين كلام الكهان، ودع الحكم لفطرتك، فمن قول الكهان: ( يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول لا إله إلا الله ) (البخاري في المناقب: إسلام عمر)، انظر إلى هذا السجع القلق، وانظر إلى المعاني غير المترابطة والتي لا تؤدي معنى متحدًا، فأين هذا من كلام رسول الله؟


    بل كان النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس كراهية للتكلف في الكلام، وكان يقول: (هلك المتنطعون) (رواه مسلم وأبو داود)، والتنطع هو التعمق والتفاصح في الكلام، وانظر للرجل الهذلي حين خاصم في دية الجنين فقال: يا رسول الله، كيف أغرم دية من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل؟ فمثل ذلك يطل (أي بهدر دم)، فقال صلى الله عليه وسلم: إنما هذا من إخوان الكهان ، وفي رواية: أسجع الجاهلية وكهانتها ؟


    فهذا السجع هو سجع الكهان المصنوع، وكان المعنى فيه تابعًا للفظ وليس العكس، لكن النجار يرى أن كل سجع هو سجع كهان! وهو علامة سلبية دائمًا وليست بلاغية!


    ثم يقول النجار:


    اقتباس:
    والسجع هو العمود الفقري في لغة القرآن، لدرجة ان محمداً قد غير اسماء اماكن واشياء لتتماشى مع السجع في السورة. فمثلاً في سورة التين، الاية الثانية، نجد ان "طور سيناء" قد تغير الى "طور سينين" ليتماشى مع السجع :

    1- "والتين والزيتون"
    2- "وطور سينين"
    3- "وهذا البلد الامين"
    4- "لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم".

    وليس هناك بالطبع مكان او جبل اسمه طور سينين، وكلمة طور نفسها ليست كلمة عربية وانما كلمة عبرية وتعني " جبل"، وهذا الجبل في سيناء، ولذلك دُعي جبل سيناء او طور سيناء. ونجده قد استعمل الاسم الصحيح في سورة "المؤمنون" الاية 20 : "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغٍ للآكلين"
    .


    يبدو أن النجار لا يملك مصحفًا كاملاً بل ما بين أيديه هو جزء عم أو ملصقات آيات قرآنية.


    فأين ذهبت السور الطوال؟ وأين السجع المتكلف في سور البقرة والتوبة والنساء والمائدة والنور؟ إذ يبدو الآن أن القرآن بـ"نصف" أو "ربع" عمود فقري!


    أما استدلاله على "تغيير" أسماء الأعلام من أجل المحافظة على الفواصل (وليس السجع)، دليل على جهله المطقع، فالأسماء الأعجمية لا قاعدة لتعريبها، وقد ذهبت العرب مذاهب شتى في تعاملها مع الأسماء الأعجمية، فترى قولهم سِيناء وسَيناء وسينا، وترى اسم "أفلاطون" بدلاً من اسمه الحقيقي بلاتو Plato، وسموا يوحنا يحيى ويوحنس، وقالوا أرسطو وأرسطوطاليس، ونحن نقول "واشنطن" مع أن الإنجليزية تخلو من الطاء.


    فما يعنينا هو أنه لا قاعدة في تعريب الاسم الأعجمي وما يسميه النجار "تغيير" ليس تغييرًا حقيقيًا وإنما استعمال صحيح، فالعرب أضافوا الياء والنون إلى الاسم الأعجمي كما في صفين وحطين ويبرين، واستعمال القرآن للفظ (سينين) استعمال صحيح راعى فيه أيضًا الفواصل القرآنية.


    ومن الطريف قوله "استعمل الاسم الصحيح في آية أخرى"!


    ومثاله أيضًا ما هذاه النجار بعد ذلك:

    اقتباس:
    ونجد في سورة الانعام، الآية 85، ذكر بعض الانبياء : "وزكريا ويحيي وعيسى وإلياس كل من الصالحين". ونجد كذلك في سورة الصافات، الاية 123 إلياس يُذكر مرة اخرة : "وان إلياس لمن المرسلين". ولكن فجأةً في الآية 130 من نفس السورة يتغير اسمه ليصبح إلياسين، ليتماشى مع السجع : "سلام على إلياسين". وهذه ليست "آل ياسين" وانما "إل ياسين" بكسر الالف الاولى.

    وأغلب القرآن مسجوع لان السجع، كالشعر، يسهل حفظه. وألانسان البدائي تعلم الرقص والغناء والشعر آلاف السنين قبل أن يتعلم الكتابة. ولم يتعلم الانسان النثر الا بعد أن تعلم الكتابة، لصعوبة حفظ النثر.


    ينطبق على "إلياس" ما ينطبق على "سيناء"، ثم ألا ترى أن "إلياس" هو تعريب "إيليا"؟ أم أن هذا للحفاظ على السجع أيضًا؟

    لقد راعى القرآن الفواصل حفاظًا على الإيقاع الموسيقي له دون شذوذ، وحافظ على المعنى الأصلي دون تشويه له، فإذا كان الناقد النجار يرى أن هذا يطيح بالبلاغة القرآنية، فما وجه ذلك يا ترى ونحن نعلم أن البلاغة متعلقة بإيصال المعنى على أتم وجه؟

    ثم نرى الناقد النجار يتخبط في أفكاره ويحشو بعضًا من النظريات العلمية في التطور هنا، فيقول أن الدافع لهذا السجع هو سهولة الحفظ! طبعًا بعد أن كان سببه الكهانة والشعر!

    اقتباس:
    وتجاهل بعض الناس هذه الحقيقة البسيطة في اندفاعهم لجعل القرآن المرجع الوحيد لما حدث ويحدث في العالم. فالبروفسير حميد الله يذكر في مقدمة ترجمته للقرآن الى اللغة الفرنسية أن الله ذكر القلم في أول سورة أُنزلت على النبي، ليؤكد أهمية القلم كأداة في تطور علم الانسان. ويستمر البروفسير ويقول إن هذا يؤكد كذلك اهتمام النبي بجمع القرآن وحفظه مكتوباً30. وطبعاً البروفسير حميد الله قد نسى أن العلماء قد قدروا أن ألانسان البدائي ظهر على هذه الارض قبل حوالي سبعة ملايين من السنين، وتعلم اثناء تطوره الصيد وصناعة ألالآت وصناعة القوارب والحراب، وتعلم كذلك ان ينظم الشعر وان يرسم وتعلم فن القصص (الفولكلور الشعبي) وصناعة الملابس واشياء أخرى مثل اكتشاف النار والزراعة، ألاف السنين قبل أن يتعلم القراءة ويخترع القلم.

    ويتفق العلماء أن اختراع اللغة هو الذي سهّل للانسان الاتصال بالناس الآخرين ونقل الافكار بينهم، وبالتالي تكون اللغة هي أداة تقدم ألانسان وليس القلم كما يقول بروفسير حميد الله. وإذا كان القلم والقراءة بهذه الاهمية عند الله حتى انه ذكر القلم في أول سورة انزلها على النبي، لماذا أختار الله رسولاً أمياً لا يقرأ ولا يكتب، حسب زعم المسلمين؟

    وبما أن القرآن لم يكن يُكتب في البداية، وكان أعتماد المسلمين على الذاكرة، كان الاعتماد على السجع أفضل وسيلة لمساعدتهم على حفظه. ولكن مشكلة السجع تكمن في التكرار خاصة اذا كانت السورة طويلة، لان الساجع يجد صعوبة في ايجاد كلمات كثيرة متماشية مع القافية. فنجد أن السور الطويلة يتغير فيها السجع عدة مرات، وتتكرر بعض الكلمات عدة مرات، وفي بعض الاحيان يشتق القرآن بعض الكلمات اشتقاقاً على غير المعهود لتماشي السجع.


    وأنا أسأله: هل عاش محمد قبل ملايين السنين حتى تفترض هذه الفرضية الحمقاء؟

    ومن أين عاش وهم (لم يكتب القرآن في البداية)؟ وما دليله على ذلك؟ أم هو جهل مركب؟

    القرآن كان مكتوبًا منذ الأيام الأولى للإسلام، ولعل حادثة إسلام الفاروق دليل على ذلك:

    وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه حمزة بن عبد المطلب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب ، في رجال من المسلمين رضي الله عنهم ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة ، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له أين تريد يا عمر ؟ فقال أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ، فأقتله فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال وأي أهل بيتي ؟ قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو ، وأختك : فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما ، وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما ، قال فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها : " طه " يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم - أو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما ، فلما دخل قال ما هذه الهينمة التي سمعت . قالا له ما سمعت شيئا ، قال بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد ، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها ، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم قد أسلمنا ، وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك : فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى ، وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر كاتبا ، فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها ، قال لا تخافي ، وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها ، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت له يا أخي ، إنك نجس على شركك ، وإنه لا يمسها إلا الطاهر فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها : " طه " فقرأها ، فلما قرأ منها صدرا ، قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر فقال له عند ذلك عمر فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم فقال له خباب هو في بيت عند الصفا ، معه فيه نفر من أصحابه فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر من خلل الباب فرآه متوشحا السيف فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف فقال حمزة بن عبد المطلب : فأذن له فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له وإن كان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ائذن له " ، فأذن له الرجل ونهض إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لقيه في الحجرة فأخذ حجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه به جبذة شديدة وقال " ما جاء بك يا بن الخطاب ؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة " ، فقال عمر يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم . فتفرق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينتصفون بهما من عدوهم

    فلا أدري كيف افترض عدم كتابة القرآن وبنى عليه عقيدته تلك، ومن ثم ربطها بنظرية التطور!

    وإذا كان السجع يسهل حفظ القرآن، فماذا عن الجزء المدني الأصعب؟ خصوصًا أنه يتحدث عن الشريعة ودستور المسلمين؟

    أما اختيار النبي ليكون أميًا وعلاقته بأهمية القراءة، فلعل إيمانه بأن أميًا أصدر مثل هذا الكلام يجعله يعي معنى المعجزة.

    إن هو إلا تخرص وإن هم إلا يظنون!


    اقتباس:
    فإذا أخذنا مثلاً سورة مريم، من ألآية الثانية حتى ألآية الثالثة والثلاثين نجد آخر كلمة من كل آية تنتهي ب"يا"

    2- "ذكرُ رحمة ربك عبده زكريا"
    3- "إذ نادى ربه نداءً خفيا"
    ثم في ألآيتين 34 و35 تتغير القافية الى "ون"
    34- "ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون"
    35- "ما كان لله أن يتخذ من ولدٍ سبحانه إذا قضى شيئاً أن يقول له كن فيكون"
    ثم تتغير الى "ميم" في ألآيتين 36 و 37
    36- "وإن الله ربي وربكم فأعبدوه هذا سراط مستقيم"
    37- "فأختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يومٍ عظيم"
    ثم ترجع الى النون مرة أخري في ألآيات 38 و 39 و 40
    40- "إنا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون"
    ثم نرجع للقافية الاولى "يا" في ألآيات من 41 الى 74
    41- "واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقاً نبيا"

    ثم تتغير القافية الى "دا" مثل جُنداً و ولداً الى نهاية السورة.

    وادخال آيتين أو ثلاثة في منتصف السورة بسجع يختلف عن معظم آيات السورة حمل بعض الدارسين الى القول بأن هذه ألآيات أُضيفت الى السورة لاحقاً ولم تكن جزءً منها في البداية.

    مرة أخرى نرى المنهج البهلواني في بناء العقيدة عنده،

    من هم هؤلاء الباحثين؟

    وماذا قالوا بالضبط؟

    وما هي تلك الآيات التي أضيفت لاحقًا؟

    وما دليلهم على ذلك؟

    وأين كانت قبل إضافتها؟

    وهل تتفق مع السياق أم لا؟

    نلاحظ أن تغير الفاصلة كان في:

    ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون

    فهل يرى عقل النجار أن هذه الآية دخيلة على السياق؟! وأنها لا تمت للموضوع بصلة؟

    إن كانت هذه هي أسباب إلحاده فالدنيا لا زالت بخير!

    ثم إن افتراضه صعوبة إيجاد كلمات على نفس الفاصلة يتناقض مع واقع سورة مريم، فانتهاء الفاصلة بالواو والنون اقتصر على آيتين فقط، بينما كان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يضيف ما لا حصر له من الكلمات لأن الواو النون تلحق بالأسماء والأفعال لتدل على جمع المذكر السالم، لكننا لا نرى هذا بل نجد أن النص اكتفى بفاصلتين فقط مما يدل على أن السجع غير مقصود.


    ----------------------------------------



    تعقيبًا على تهمة التكلف في السجع




    لو كان السجع هو العمود الفقري للقرآن كما يزعم النجار، فلماذا نرى آيات مسجوعة وقد دخلت بينها آية مخالفة؟

    لنقرأ سورة الفاتحة:

    ( الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين )

    لماذا أقحم محمد آية (الرحمن الرحيم) إن كان أسلوبه السجع؟ كان بإمكانه عدم وضعها من الأساس وجعل السجع أفضل.

    لكن هذا كلام رب العالمين وليس كلام كاهن ولا شاعر، فالمعاني والمقاصد الإلهية لا تحكمها ولا تحدها قافية ولا فاصلة، ومن العبر المستخلصة من سورة الفاتحة ما أنوء بذكره هنا، لكن ما فائدة الكلام مع من أغلق عقله وكان أمره فرطًا.

    ولننظر إلى سورة الضحى، ولنتأمل نص الآيات:

    ( والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى )

    تأمل اختيار لفظ (قلى) فلم يقل (قلاَك)، وليس ذلك رعاية للفاصلة، فإن حذف المفعول هو لتحاشي خطابه تعالى حبيبه المصطفى في مقام الإيناس، بقوله: (ما قلاك)، لما في القلي من الطرد، والإبعاد وشدّة البغض وهو في الوقت نفسه أَظهر المفعول في (ودًعك)، إذ ليس فيه شيء يُكْرَه، بل هو يؤذن بالفراق على كُرْه، مع رجاء العود.

    ولو كان السجع هو القصد، لما غيره في آخر آية:

    (فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث )

    فكان بإمكانه الإتيان بلفظ (خَبِر) بدلاً من (حدث) ليراعي الفواصل، إلا أن هذا لم يحدث.

    واختيار اللفظ (حدث) دقيق جدًا، فالحديث يكون إخبارًا عن النفس دون إسناده للغير، بينما الإخبار يكون عن النفس وعن الغير، إذ يقال: فلان يحدث نفسه، ولا يقال يخبر نفسه. (معجم الفروق لأبي هلال العسكري).

    ولما كانت سورة الضحى خطابًا حنونًا للنبي صلى الله عليه وسلم جاء الأمر مخصوصًا به، فاستخدم لفظ (حدث) للإخبار عن نعم الله عليه، فتصدر مباشرة منه، ولا يركن بها إلى غيره لإخبار الناس.

    فما أروعها من فصاحة، وما أجملها من بلاغة، وما أعظمها من معجزة فريدة.


    لكن أنى للنجار أن يدرك هذه المعاني..
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  5. افتراضي

    ثالثًا: انتقاده لوجود التكرار في القرآن




    يقول النجار:


    اقتباس:
    ونجد في نفس سورة مريم تكراراً غير مفيد. فعندما يتحدث القرآن عن زكريا وأبنه يحيي، يقول عن ألاخير : "سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا"31. ثم نجد ألآية مكررة عندما يتحدث عن عيسى : "والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أُبعث حيا

    تكرار غير مفيد، هكذا بلا دليل!


    بينما نحن المسلمون نستفيد من هذا التكرار، ونرى ما لا يراه هذا المستلحد الذي ينقل كلام غيره.

    فسورة مريم تناولت قصة نبيين عظيمين بُعثا معًا وعاشا سوية وكانا ابنا خالة والتقيا على أرض الواقع وعلى نفس الدعوة وانتهى المطاف بهما إلى التكذيب والإجرام بهما.


    فلا يذكر أحد يحيى عليه السلام إلا وتذكر معه المسيح، ولا يُذكر زكريا والد يحيى إلا وخطرت بالبال مريم أم المسيح عليهم السلام جميعًا، فتناسبت الآيتان مع واقع الحال.


    وثمة إشارة لطيفة في الآيتين لا يعرفها النجار ولا يدرك أبعادها، فالنص مختلف في الآيتين وإن بدا متشابهًا، ففي الحديث عن يحيى عليه السلام نرى تنكيرًا للفظ السلام، والمتكلم هو الله عز وجل، بينما في الحديث عن المسيح نرى أن السلام معرفة وأن المتحدث هو المسيح وليس الله سبحانه.


    فلما كان الحديث من الله تعالى، كان الوعد متحققًا، وهو إحلال السلام على يحيى، وهذا يعني أن السلام قد حل عليه فعلاً، بينما عندما كان المتكلم هو المسيح فإن السلام لم يتحقق بعد وإنما هو في مرحلة الدعاء.


    ولما كانت النعمة من الله عظيمة أيًا كانت، فإن السلام جاء نكرة ليحيى، فهو كاف من كل سلام، ومغن عن كل تحية، ومقرب من كل أمنية، وأدنى سلام من الله يستغرق الوصف، ويتم النعمة، ويدفع البؤس، ويطيب الخاطر، ويقطع موارد الهلاك، فلا داعي لتعريف الكلمة.


    بينما جاءت الكلمة معرفة في حق المسيح، فقد ناسبت طبيعة الكلام وهو الدعاء، فالمسيح يريد من الله الخير الكثير العام الغزير، فلا معنى للدعاء بقول (سلام علي يوم ولدت)، بل الأنسب أن تأتي معرفة (السلام علي يوم ولدت)، وهذا الدعاء كان في المهد في بداية حياته عليه السلام.



    اقتباس:
    وفي ألآية 10 من نفس السورة : "قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام سوياً" وفي ألآية 17 كذلك : "فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا". وفي ألآية 68 نجد : "فوربك لنحشرهم والشياطين ثم لنحضرهم حول جهنم جثيا"، وفي ألآية 72 : "ثم ننجي الذين آمنوا ونذر الظالمين فيها جثيا". وواضح أن التكرار هنا لصعوبة ايجاد كلمات اخرى تماشي السجع.

    هذا ما يسمى في اللغة الاشتراك، وهو تنوع المعنى للفظ الواحد، فقد وردت الكلمة في القرآن أربع مرات وبثلاث معان مختلفة، وهذا من بديع الكلام:


    ( قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ) مريم 10

    سويًا أي كاملة مستوية.


    ( فاتخذت من دونهم حجابا فارسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ) مريم 17


    سويًا هنا أي التام الخلق. وإنما تمثل لها كذلك للتناسب بين كمال الحقيقة وكمال الصورة، وللإشارة إلى كمال عصمتها إذ قالت: ( إنِّي أعوذُ بالرَّحمٰن مِنكَ إن كُنتَ تقِيَّاً ) ، إذ لم يكن في صورته ما يكره لأمثالها، لأنها حسبت أنه بشر اختبأ لها ليراودها عن نفسها، فبادرته بالتعوذ منه قبل أن يكلمها مبادرة بالإنكار على ما توهمته من قصده الذي هو المتبادر من أمثاله في مثل تلك الحالة.


    (يا أبت اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطًا سويًا ) مريم 43

    سويًا هنا أي بلا عوج.


    ( أفمن يمشي مكبًا على وجهه أهدى أمن يمشي سويًا على صراط مستقيم ) الملك 22

    أي متوسمًا حال الطريق، وردت في مقابل (مكبًا على وجهه).

    فكلها وردت بمعنى التمام، وناسبت حال الموصوف على اختلاف أشكاله.

    أما ما تخبطه النجار في كلمة جثيًا، فقد بقي اللفظ لمناسبة بقاء حال الكفار حول جهنم، فبقاء اللفظ أفاد بقاء المعنى، وليس لقلة المفردات وصعوبة الإتيان بها!




    يتابع النجار:


    اقتباس:
    واشتقاق الكلمات على غير المعهود نجده في ألآية 74 من نفس السورة : "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورءياً". والاشتقاق هنا غريب لانه من رأى والمصدر رؤية، ولكن لتماشي الكلمة السجع قال "رءيا". ولغرابة الاشتقاق وجد المفسرون صعوبة في شرح الكلمة، فقال القرطبي في تفسيره : (قال ابن عباس "ورئيا" اي منظراً حسناً. وفيه خمس قراءات : قرأ أهل المدينة "وريا" بياء واحدة مخففة. و روى ألاعمش عن ابن عباس "أحسن أثاثاً وزيا" بالزاي. وقرأ أهل الكوفة "ورئيا" بالهمزة. وقال أبو أسحق يجوز "وهم أحسن أثاثاً وريئا" بياء بعدها همزة).


    أولاً: الاشتقاق صحيح فالمصدر على وزن (فِعْل) مثل ذبح، وقد حل محل اسم المفعول بمعنى مرئيًا.

    ثانيًا: هذا لا يقدح في بلاغة الآية، فالمعنى واحد لم يتغير سواء استُعمل أي من المصدرين.

    ثالثًا: مراعاة الفاصلة أمر مرغوب بلاغيًا وليست نقيصة كما يتوهم النجار، وأبلغ البلاغة أن تراعى الفاصلة مع الحفاظ على المعنى، فاستعمال هذا اللفظ فصيح هنا.

    رابعًا: الناقد المنهجي لا يميز بين اختلاف القراءات وبين كون الكلمة مُشتقة على غير المعهود! وهذا من خزيه.


    لقد أبقيت ترتيب كلامه على حاله لأبين للقارئ مدى تخلخل أفكار النجار، فبعد أن تحدث عن التكرار، عاد وتحدث عن السجع!


    يقول:


    اقتباس:
    وفي سورة النبأ، ألآية 35، عندما يصف الله الجنة، نجد :

    31- "إن للمتقين مفازا"
    32- "حدائقَ وأعنابا"
    33- "وكواعبَ أترابا"
    34- "وكأساً دهاقا"
    35- "لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا"

    وكلمة "كذابا" مشتقة من كذّبَ، يُكذّبُ، كذباً. والمصدر كما هو واضح "كذبا"، ولكن لتماشي الكلمة السجع كان لا بد من جعلها "كذابا".

    كلامه عن كِذاب كذب بحت (أتيت بتجنيس عفوي)!

    يقول ابن عاشور في تفسيره:

    وكِذَّاب: بكسر الكاف وتشديد الذال مصدر كذَّب. والفِعَّال بكسر أوله وتشديد عينه مصدر فعَّل مثل التفعيل، ونظائره: القِصَّار مصدر قَصَّر، والقِضَّاء مصدر قَضَّى، والخِرَّاق مصدر خَرَّق المضاعف، والفِسَّار مصدر فَسَّر. وعن الفراء أن أصل هذا المصدر من اللغة اليمنية، يريد: وتكلم به العرب، فقد أنشدوا لبعض بني كلاب:


    لقد طال ما ثبّطَتني عن صحابتي
    وعن حِوجَ قِضَّاؤُها مِن شفائيا

    وأُوثر هذا المصدر هنا دون تكذيب لمراعاة التماثل في فَواصل هذه السورة، فإنها على نحو ألف التأسيس في القوافي، والفواصل كالأسجاع ويحسن في الأسجاع ما يحسن في القوافي



    وكلام هذا النجار من الكذب الرخيص، ففي القاموس المحيط يذكر هذا المصدر:

    كَذَبَ يَكْذِبُ كَذِباً وكِذْباً وكِذْبَةً وكَذْبَةً وكِذاباً وكِذَّاباً، ككِتابٍ وجِنَّانٍ، وهو كاذِبٌ وكَذَّابٌ وتِكِذَّابٌ وكذوبٌ وكَذوبَةٌ وكَذْبانُ وكَيْذَبانُ وكَيْذُبانُ وكُذُّبْذُبٌ وكُذَبَةٌ ومَكْذُبانُ ومَكْذَبانَةٌ وكُذُبْذُبانُ

    اقتباس:
    وقد يلاحظ القارئ هنا أن ألآية 34 لا تماشي السجع مما دعا بعض الدارسين الى القول بأنها أضيفت مؤخراً.


    لقد صدق القرآن عندما وصف من لا يستعمل عقله بأنه كالأنعام بل هو أضل،

    فالنجار يرى أن كلمة (دهاقًا) لا تسير على نفس السجع، فهذا يعني أنها مضافة لاحقًا كما رأى بعض الدارسين المجهولين ذلك، وللأهمية قام بنقل رأيهم رغم أنهم مجهولون.


    حسنًا، لنحذف الآية ونقرأ من جديد:


    ( إن للمتقين مفازًا * حدائق وأعنابًا * وكواعب أترابًا * لا يسمعون فيها لغوًا ولا كذابًا )


    لقد صاغ محمد هذه الآيات وجعل الكواعب (أي المستويات في العمر) مصدرًا للغو والتكذيب وذهاب العقل! لكنه انتبه لاحقًا –لوحده دون أن ينتبه أي أحد من المسلمين- فأضاف (كأسًا دهاقًا)! وللأسف لم تسعفه أية كلمة توافي السجع فكانت شاذة وانتبه إليها بعض الدارسين الذين أخبروا النجار بذلك!


    ثم ما قوله في كلمة مفازًا؟ فهي لا تتفق مع السجع؟ فهل هي مضافة لاحقًا أيضًا لكن لم ينتبه إليها هؤلاء الدارسين والذين هم من الشهرة بما لا يحتاج إلى تعريف؟!



    اقتباس:
    والتكرار في بعض ألآيات يكون مملاً. فخذ مثلاً سورة "الرحمن" وبها 78 آية كلها مسجوعة على الالف والنون ما عداء آيات بسيطة، ولسبب ما أدخل المؤلف "فبإي ألاء ربكما تكذبان" بعد كل آية ابتداءاً من ألآية الثانية عشر. وتكررت هذه العبارة 31 مرة في سورة طولها 78 آية. فاي غرض يخدمه هذا التكرار الممل.

    هو ممل فعلاً لملحد خال من المنهجية، بينما نحن المسلمين نرى أن هذا التكرار مفيد جدًا ومتوافق مع موضوع السورة التي تتحدث عن نعم الله على الإنس والجن رغم تكذيبهما لله، وهو من أساليب التوكيد التي لم يسمع بها.

    اقتباس:
    وكل سورة "الرحمن" هذه تذكرنا بايام الجاهلية عندما كان الشاعر يخاطب شيطانيه أو صاحبيه ليساعداه على نظم الشعر "قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل...." فالقرآن هنا، كعادة الجاهلية، يخاطب شيطانين (وهناك شياطين مسلمة كما يقول القرآن). ويقول علماء الاسلام ان القرآن في هذه السورة يخاطب الانس والجن، ولذا استعمل صيغة المثنى. ولكن في نفس السورة عندما اراد القرآن مخاطبة الانس والجن قال : "يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السموات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان". فلم يقل "فانفذان، او لا تنفذان الا بسلطان".

    بل هي تذكر من لا تنفعه الذكرى، فالنجار يجهل أدنى المعلومات الأدبية ثم يأتي لينتقد القرآن، بل وليصححه!


    فالقول بالشيطانين رأي لا أكثر، بينما لغويًا يُطلق المثنى على المخاطَب الواحد وهو ما اعترف به النجار سابقًا، لكنه منهجيته ومنطقيته البهلوانية دفعته لاستنتاج أن القرآن بأسره شعر (بعد أن كان كهانة) لأن الله يخاطب اثنين كما خاطب الشاعر اثنين ورأي البعض أنهما شيطانان!


    وليثبت فعلاً جهله المطبق ختم كلامه باكتشاف مٌفحم، فهو يقول: إذا كان المخاطَب اثنان فلماذا قال (انفذوا) ولم يقل (انفذان)؟؟؟ (وأرجو أن يلاحظ القارئ أنه يقول "انفذان" وليس "انفذا")!


    وسيأتي الكلام مفصلاً في هذه القضية.

    اقتباس:
    وفي بعض الاحيان تُضاف كلمات، لا لتوضيح الصورة ولكن لتكملة السجع، فمثلاً في سورة الشعراء في الاية 76 تُضاف كلمة "الاقدمون" دون الحاجة اليها
    72- "قل هل يسمعونكم اذ تدعون"
    73- "او ينفعونكم او يضرون"
    74- "قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون"
    75- "قال أفراءيتم ما كنتم تعبدون"
    76- "انتم وآباؤكم الاقدمون"

    فكلمة "الاقدمون" هنا لا تخدم اي غرض مفيد اذ ليس هناك اباء جُدد واباء اقدمون، لان كلمة اباء قد ترجع للوراء حتى نصل الى آدم، فكلنا ابناء آدم، وحين نقول" بني اسرائيل"، يرجع هذا الى يعقوب بن اسحاق. فاذاً كلمة اباؤكم لا تحتاج الى تعريف كما هو واضح من ألآية 74 أعلاه عندما قال : "وجدنا أباءنا كذلك يفعلون"، ولم يُعرّف ألاباء، ولكن السجع فرض ادخال كلمة تنتهي بالنون فأدخل "ألاقدمون".


    بل هي تخدم كثيرًا ولها معنى بلاغي عميق لا يتسنى للبعض من الملحدين معرفته، فالقرآن حافظ على الفاصلة وأضاف بُعدًا آخر للمعنى المذكور، فوصف الآباء بالأقدمية إيغال في قلة الاكتراث بتقليدهم لأن عرف الأمم أن الآباء كلما تقادم عهدهم كان تقليدهم آكد.
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  6. افتراضي

    رابعًا: جهله بأسلوب الالتفات



    يجهل النجار بكل فخر أساليب الأدب، ومن بينها أسلوب الالتفات، وهو تغير ضمير الخطاب، وبنى على جهله هذا كلامًا كثيرًا ظنًا منه أنه أتى بشيء، وأنه يريد تصحيح القرآن!

    وأسلوب الالتفات يُصنف تحت ظاهرة أدبية تسمى التحويل، والتحويل يُصنف كنوع من أنواع ظاهرة أدبية أكبر تسمى الترخص، وسأتطرق لهذا كله إن شاء الله.

    فلننظر إلى مدى تخبطه بعد جهله هذا، ولنتسلى قليلاً على حاله هنا..

    اقتباس:
    واما اللغة نفسها فمن الصعب متابعتها لان القرآن يغير صيغة المخاطب في نفس الاية من المفرد الى الجمع ومن المتحدث الى المخاطب، فخذ مثلاً سورة الانعام الاية : 99 "وهو الذي انزل من السماء ماءً فاخرجنا به نباتَ كلٍ شئٍ فاخرجنا منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجناتٍ من اعنابٍ والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابهٍ انظروا الى ثمره اذا اثمر وينعه ان في ذلكم لاياتٍ لقوم يؤمنون".

    فبداية الاية يصف الله " وهو الذي انزل من السماء ماءً "، وبدون اي انذار تتغير اللغة من الشخص الثالث الى الشخص الاول ويصير الله هو المتحدث "فاخرجنا به"، وسياق الاية يتطلب ان يقول "فاخرج به". وانظر الى النحو في الاية ذاتها، اغلب الكلمات منصوبة لانها مفعول به، لان الله انزل المطر فاخرج به حباً وجناتٍ، وفجأة كذلك يتغير المفعول به الى مبتدأ مرفوع في وسط الجملة. وسياق الكلام يقتضي ان يُخرج الله من النخل قنواناً دانيةً، معطوفة علي ما قبلها، ولكن نجد في الاية "قنوانٌ دانيةٌ" بالرفع، وهي مبتدأ خبره "ومن النخل". ثم تستمر الاية بنصب الكلمات الباقية لانها مفعول به.

    وخذ ألآية 114 في سورة الانعام، لما طلب اليهود من محمد ان يجعل بينه وبينهم حكماً : "افغير الله ابتغي حكماً وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين". ففي بداية الاية المتحدث هو محمد مخاطباً اليهود، فيقول لهم : أغير الله ابتغي حكماً وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلاً؟ وفجأة يصير الله هو المتحدث فيقول لمحمد : والذين آتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين.

    والعلماء المسلمون يحاولون شرح هذه الآية بان يقولوا : ادخلْ كلمة "قل" قبل "والذين آتيناهم". وهذه حجة غير مقبولة لان الله حينما اراد ان يستعمل "قل"، استعملها صراحة في المكان الذي اراد ان يستعملها فيه. فنجد في القرآن كلمة "قل" مستعملة ما لا يقل عن 250 مرة. فمثلاً في الآية 91 من نفس السورة، "قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى". وكان من الممكن ان يسأل محمد المشركين مباشرة ويبدأ الآية ب "من انزل الكتاب" ثم نُدخل نحن كلمة "قل" كما يطلب منا المفسرون. ولكن الواضح هنا ان الله لما اراد ان يدخل كلمة "قل" ادخلها صراحة وبوضوح.

    وكلمة "قل " اكثر ما استُعملت في سورة الانعام هذه. فنجد :
    46- "قل أرأيتم ان اخذ الله سمعكم"
    47- "قل أرايتم ان اتاكم عذاب الله"
    50- "قل لا اقول لكم عندي خزائن الله ...... قل هل يستوي الاعمى والبصير"
    56- "قل اني نُهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا اتبع اهواءكم"
    57- "قل اني على بينة من ربي وكذبتم به"
    58- " قل لو ان عندي ما تستعجلون"
    63- "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر"
    64- "قل الله ينجيكم منها"
    65- " قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذاباً"
    وباختصار استُعملت كلمة "قل" في سورة الانعام 39 مرة. فهل هناك اي سبب يجعلنا نقول ان الله اراد ان يستعمل كلمة "قل" في الآية التي ذكرناها اولاً لكنه لم يستعملها وتركها للعلماء المسلمين ليخبرونا انه ارادنا ان يضع هذه الكلمة قبل الآية المذكورة؟


    أرجو النظر كيف يلقي الكلام على عوانه فمن هم علماء المسلمين هؤلاء؟


    اقتباس:
    ونفس الشئ ينطبق علي السورة الاولى في المصحف، اي سورة الفاتحه. فهذه السورة من الواضح انها دعاء كان يدعو به محمد، وليست جزءاً من القرآن. وكالعادة يقول العلماء المسلمون : ضع كلمة "قل" قبل بداية السورة. ولو اراد الله ان يستعمل كلمة "قل" لفعل، كما فعل في سورتي "الفلق" و"الناس"، وكلاهما ادعية مثل سورة الفاتحة. ففي سورة الفلق يقول : "قل اعوذ برب الفلق"، وفي سورة "الناس" يقول : "قل اعوذ برب الناس". فلماذا لم يقل في سورة الفاتحة "قل الحمد لله رب العالمين". وابن مسعود الذي كان يكتب الوحي للرسول، و أحد علماء الحديث المشهورين، اعتبر ان سورة الفاتحة وسورتي الفلق والناس، ليست من القران


    مرة أخرى من هم علماء المسلمين الذين قالوا هذا؟ هل هذه قراءة منهجية؟


    ثم ما هذا المنطق الذي يقتفيه النجار؟ فسورة الفاتحة صيغتها دعائية مثلها مثل الناس والفلق، فلماذا اعتبر الأخيرتين من القرآن؟!


    وإذا كان يؤمن بصحة ما نُسب لابن مسعود، فلماذا –برأيه- خلط ابن مسعود بين القرآن وغيره؟ ولماذا لم يعتبر سورتي الناس والفلق من القرآن مع أنهما يبدآن بقل؟ ألا ترى يا نجار مدى تضعضع منهجك؟


    لقد اشتُهر ابن مسعود بأنه ترجمان القرآن، وإذا خلا مصحفه من هذه السور فلا يعني أنه أنكرهن، بل كانت مصاحف الصحابة أشبه بكراسات لهم.


    فلو سلًم النجار بأن ابن مسعود جهل كون هذه السور من القرآن، فقد أسقط كونه ترجمان القرآن، فلا عبرة من جهالته إذن.

    وإذا سلم النجار بكون ابن مسعود ترجمان القرآن، فلا قيمة لما بدا له إسقاطًا لهذه السور.

    اقتباس:
    وفي سورة فاطر ألآية التاسعة : "والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه الي بلد ميت فأحيينا به ألارض بعد موتها". تغير القائل في نفس ألآية من الشخص الثالث الى الشخص الاول. فبداية ألآية تقول : "والله الذي أرسل الرياح" ثم فجأةً يصير المتحدث هو الله، فيقول : "فسقناه الى بلد ميت فأحيينا به ألارض".
    و تحتوي نفس ألآية على فعل مضارع مخلوط مع افعال ماضية. فكلمة "فتثير" فعل مضارع في وسط جملة كلها في الماضي. ويقول العلماء ان الفعل المضارع هنا في وسط جملة كلها في الماضي، "لحكاية الحال الماضية". فهل في هذا اي نوع من البلاغة؟ وفي سورة الحج، الآية 63 : "ألم تر ان الله انزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة ان الله لطيف خبير". مرة اخرى يجمع القرآن بين الفعل الماضي والفعل المضارع في جملة واحدة. وكلمة "فتصبح" يجب ان تكون "فأصبحت" لان الله انزل من السماء ماءً.

    وهذه آية اخرى تخلط بين الماضي والمضارع، ففي سورة الشعراء، الآية الرابعة : "ان نشأ ننزل عليهم من السماء آيةً فظلت اعاناقهم لها خاضعين". ويقول العلماء ان شبه الجملة "فظلت اعناقهم لها خاضعين" استُعملت بمعنى المضارع. فلماذا كل هذا اللف والدوران وكان من السهل ان يقول "فتظل"؟ وليس الخلط بين الماضي والمضارع هو الشئ الوحيد الخارج عن المألوف في هذه الآية، فقد استعمل القرآن كلمة" خاضعين" وهي حال تصف جمع العقلاء مثل "رجال" ليصف بها "اعناقهم"، وهي ليست جمع عقلاء. والاسم الذي يقع حالاً يطابق صاحب الحال في النوع وفي العدد، ولذا كان الاصح ان يقول "فظلت اعناقهم لها خاضعة". ولكن كل آيات هذه السورة تنتهي بالياء والنون، لذلك اضطر ان يقول "خاضعين".

    والقرآن كثيراً ما يخلط بين المفرد والجمع في نفس الآية. فخذ مثلاً الاية 66 من سورة النحل : "وان لكم في الانعام لعبرةٌ نُسقيكم مما في بطونه". والانعام جمع وتعني "حيوانات" وكان يجب ان يقول "نسقيكم مما في بطونها"، لكنه جعلها في حُكم المفرد وقال "بطونه". وقال المفسرون افرده هنا عوداً على معنى النعم والضمير عائد على الحيوان، رغم ان الانعام حيوانات. ونجد نفس الاية تعاد في سورة "المؤمنون" ولكن هذه المرة تغيرت كلمة "بطونه" الى "بطونها". فالآية 21 من سورة "المؤمنون" تقرأ : "وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون
    ".


    سيأتي الكلام عن هذه الظواهر.
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  7. افتراضي

    خامسًا: دعواه في الأخطاء النحوية والصرفية





    الترخص ظاهرة أدبية تعني عدم التقيد المطلق بما اعتاد الناس على سماعه من اللغة، وهو في نفس الوقت لا يفتح الباب على مصراعيه أمام العيث في علاقات الجملة وقرائنها اعتمادًا على فهم المعنى وعدم اللبس.

    وهذا الترخص مغاير لبعض الدعوات التي تزعم أن الإعراب لا قيمة له في الفهم والإفهام، ولو كانت له قيمة لأبقت اللغة العامية عليه.

    فمستوى الترخص يدور حول دراسة فصحى التراث وما يُصاغ وفقًا هذه اللغة حتى اليوم، فالإعراب جزء من نظام اللغة لم يوجد عبثًا.

    والناقد الأدبي يجب أن يكون ملمًا بقواعد النحو لا ليعرف الصواب من الخطأ فحسب، بل يجب أن تكون لديه القدرة على النفاذ إلى أسرار التراكيب، وتعليل اختيار بعض الوظائف النحوية دون الأخرى في العمل الأدبي، لأنهما في الحقيقة غير منفصلين، بل إنهما متلاحمان يصعب على غير الناقد البصير أن يستكشف كيف يتشكلان في إطار واحد.


    وحتى في مجال النقد اللغوي، يمتلك الكاتب مبلغًا من الحرية يمكنه أن يتحرك في حدوده، ومدى هذه الحرية مرتبط بمستوى الكاتب اللغوي، إذ لعله يكون من الخير التزمت النحوي عند نقدنا للكتاب الناشئين حتى لا يخفون جهلهم خلف بلاغة مدعاة، وإنما يباح الخروج على القواعد لكبار الكتاب الذين لا يعدلون عنها إلا عن قصد وبينة، وذلك لأن أمثال هؤلاء يحتج بهم على اللغة، ولا يحتج باللغة عليهم، ما دامت اللغة كائنًا حيًا تتطور وعقلية من يتكلمونها.


    ولقد تميز في الغرب كتاب بما في أسلوبهم من نتوء، لا يعدو أن يكون خروجًا على الدارج من الاستعمالات والتراكيب، وهذا النفر تطلق على الطريقة التي يبنون بها عباراتهم ((كسر البناء))، ومن النقاد –وبخاصة في الغرب- من يرون أن اطراد الصحة اللغوية بمعناها الدارج لا يصدر عنه إلا أسلوب مسطح لا جدة فيه ولا رونق له، وهم يؤيدون رأيهم بالحقيقة الإنسانية المعروفة من أن الكمال المطلق ممل في ذاته، وأنه من الخير أن تأخذ الكاتب من حين إلى حين نزوة من شيطان الأدب تخرج بهم عن التعبير المتوقع المألوف.


    ونظير ذلك استعمال القرآن الإفراد بدلاً من التثنية: (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى)، والإفراد بدلاً من الجمع في قوله: (واجعلنا للمتقين إمامًا)، وكذلك تقديم الضمير على ما يفسره في قوله تعالى: (فأوجس في نفسه خيفة موسى). ( د. محمد مندور: في الأدب والنقد 24).


    إن الترخص في لغة النقد يعد (كسرًا للبناء) يؤتى به لغرض معين، ومعناه أيضًا أن اللغة لا تترخص في قرائن الجملة جزافًا، بل يكون ذلك في موقعيات خاصة، وبحيث لا يمثل هذا الترخص قاعدة عامة يمكن النسج على منوالها، أو –على تعبير النحاة- لا يقاس عليها، وينطبق على العلامة الإعرابية ما ينطبق على القرائن الأخرى من جواز التسمح فيها أو الترخص فيها بشرط فهم المهنى إراغة لغاية بيانية، يقول السيوطي:

    (وسُمع رفع المفعول به ونصب الفاعل، حكوا: خرق الثوبُ المسمارَ، وكسر الزجاجُ الحجرَ، وقال الشاعر:

    مثل القنافذ هداجون قد بلغت نجرانَ أو بلغت سوءاتِهم هَجَرُ

    ومالبيح لذلك كله فهم المعنى وعدم الإلباس، ولا يقاس على كل شيء من ذلك
    )). السيوطي: الهمع 1/165.





    مجالات الترخص


    أولاً: الرتبة

    ينص النحاة على أن هناك أنواعًا منها ملتزمة، وأخرى حرة، ولا توجد لغة واحدة –كما يقول فندريس- تسير في ترتيب الكلمات على حرية مطلقة، كما لا توجد لغة واحدة ترتيب الكلمات فيها جامد لا يتحرك، والحقيقة أنه توجد لغات يلعب ترتيب الكلمات فيها دورًا نحويًا، والحرية في ترتيب الكلمات محدودة طبعًا بقيمة النظام الصرفية، وهناك لغات لا يفرض فيها النحو أي نظام إجباري ولا تتأصر العلاقة المنطقية التي بين كلمات الجملة في شيء إذا غيرنا وضعها، تقول اللاتينية: Petrus Caedit Paulum، كما تقول: Petrus Paulum Caedit، وفي العربية نقول: يضرب زيدٌ عمرًا، ويضرب عمرًا زيدٌ، أو عمرًا يضرب زيدٌ، دون أن يؤدي ذلك إلى تردد في معرفة الفاعل والفعل والمفعول، لأن التحليل المنطقي لا يرى في ذلك أي اختلاف.فالترتيب المعتاد يكسب صفة الجمود غالبًا، لذلك يصفه فندريس بالابتذال لأنه يصبح قالبًا ثابتًا كسولاً.



    ثانيًا: المطابقة (التحويل)


    اعترف النحاة أن هذه الأنواع من التحويل هي من طرائق العرب في التعبير، مع أن ثمة أنواع من المطابقة لا ترخص فيها، لأن الترخص فيها يؤدي إلى اللبس، فلا يؤنث الفعل للفاعل المفرد المذكر، ولا يؤنث الخبر للمبتدأ المفرد المذكر إلا مع ضرب من التأويل.

    وفي القرآن نماذج كثيرة للترخص في المطابقة التي لا تؤدي إلى لبس أو غموض، بل إن الترخص فيها له دلالة خاصة في سياقه، وهذه بعض الأمثلة:

    (1) عود الضمير بالإفراد على شيئين، ومن ذلك قوله تعالى:

    •( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة ) البقرة 45.

    •( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت ) النساء 12.

    •( ومن يكسب خطيئة أو إثمًا ثم يرم به بريئًا ) النساء 112.

    •( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ) التوبة 34.

    •( والنخل والزرع مختلفًا أكله ) الأنعام 141.

    •( وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها ) الجمعة 11.

    فالعرب تفعل ذلك إذا أشركوا بين اثنين فخبروا عن أحدهما استغناء بذلك وتخفيفًا لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه ودخل معه في ذلك الخبر، قال الشاعر:


    فمن يكُ أمسى بالمدينة
    رحلُه فإني وقيارً بها لغريبُ


    وقال:

    نحن بما عندنا وأنت بما
    عندك راضٍ والرأي مختلفُ

    وقال حسان بن ثابت:

    إن شرخ الشباب والشَعَر الأسودَ
    ما لم يُعاص كان جنونًا

    فلم يقل يعاصيا،


    وقال جرير:

    ما كان حينك والشقاء لينتهي
    حتى أزورك في مغار محصد

    فلم يقل لينتهيا.



    (2) استخدام الجمع في موضع المثنى، ومنها قوله تعالى:


    • ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) المائدة 41.

    •( إن تتوبا إلى الله فقد صفت قلوبكما ) التحريم 4.



    (3) عود ضمير بصيغة المثنى على الجمع، من ذلك قوله تعالى:

    • ( ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ) المائدة 17.

    • ( أن السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما ) الأنبياء 30.

    والعرب إذا وحدوا جماعة في كلمة ثم أشركوها مع واحد جعلوا لفظ الكلمة التي وقع معناها على الجميع كالكلمة الواحدة.



    (4) استخدام ضمير المثنى لمفرد، ومقاله قوله تعالى:

    • ( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد )

    وهو ما فهمه العلامة الدكتور النجار بأن النبي صلى الله عليه وسلم سلك مسلك الشاعر الجاهلي في مخاطبة شيطانيه!

    قال الشاعر:

    وما أدري إذ يمًمْت أرضًا
    أريد الخير أيهما يليني
    أَ أَلخير الذي أنا أبتغيه
    أم الشر الذي لا يأتليني

    قال: أيهما، وإنما ذكر الخير وحده، لأن المعنى يعرف أن المبغتي للخير متق للشر.
    والعرب تقول للواحد: قفا، وقوما،



    (5) استخدام ضمير الجمع في موضع المثنى، ومن ذلك قوله سبحانه:

    • ( هذا خصمان اختصموا ) الحج 19.

    • ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) الحجرات 9.



    (6) استخدام الجمع المذكر وضميره في موضع المؤنث، مثل قوله تعالى:

    • ( إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمسَ والقمرَ رأيتهم لي ساجدين ) يوسف 4.

    • ( فظلت أعناقهم لها خاضعين ) الشعراء 4.

    • ( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ) فصلت 21.

    • (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ) النمل 18.


    بقول الفراء: إن الواو والنون (والياء والنون) إنما تكونان في جمع ذكرات الجن والإنس، وما أشبههم، فيقال: الناس ساجدون، والملائكة والجن ساجدون، فإذا عدوت هذا صار المؤنث والمذكر إلى التأنيث، فيقال: الكباش قد ذُبحن وذُبحت ومذبحات، ولا يجوز مذبحون، فجاز في الشمس والقمر والكواكب الجمع بالنون والياء، لأنهم وصفوا بأفعال الآدميين، ألا ترى أن السجود والركوع لا يكون إلا من الآدميين فأخرج فعلهم على فعال الآدميين؟


    ومثله القول في الخضوع إذ لما كان الخضوع والمذلة من العنق جرى عليها ما يجري على الآدميين، فجيء بجمع مذكر. (معاني القرآن 1/233).

    فانظر إلى هذه الدرر اللامعة التي حواها النص القرآني، فالترخص لا يأتي اعتباطًا أو رغبة في المغايرة أو الاختلاف، أو التكلف في السجع كما يتهوك، بل حوى أبعادًا بلاغية وصور ذهنية في نفس الوقت الذي راعى فيه الفواصل بين الآيات، ثم انظر إلى سخافة كلام النجار!




    7) الحمل على المعنى

    فسر النحاة كثيرًا من الظواهر التي خولفت فيها المطابقة، ومنها الحمل على المعنى، فقد حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: سمعت أعرابيًا يمانيًا يقول: فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها، فقلت: أتقول (جاءته كتابي)؟ فقال: أليس بصحيفة؟

    والحمل على المعنى كثير في كلام العرب، قال الشاعر:


    قامت تُبكٍيه على قبره من
    لي من بعدك يا عامر
    تركتني في الدار ذا غربة
    قد ذل من ليس له ناصر

    فقال: (ذا غرابة) ولم يقل (ذات غرابة)، لأن المرأة في المعنى إنسان،


    وقال آخر:

    إن السماحة والمروءة ضُمِنا قبرًا
    بمروَ على الطريق الواضح

    فقال (ضمنا) ولم يقل (ضمنتا)، لأنه ذهب بالسماحة إلى السخاء وبالمروءة إلى الكرم،

    وقال آخر:

    فإن تعهديني ولي لمة
    فإن الحوادث أودى بها

    فقال (أودى) ولم يقل (أودت)، لأن الحوادث في معنى الحدثان، وعكسه قول آخر:


    وحمال المئين إذا ألمت بنا
    الحدثان والأنف النصور

    فقال (ألمت) ولم يقل (ألم)، إذ ذهب بالحدثان إلى معنى الحوادث.




    ثالثًا: البنية

    وهو الإتيان بصيغة غير معتادة لأداء معنى خاص في التركيب، كتحويل الضمة إلى واو، فيقال (أوريكم) بدلاً من (أُريكم).



    رابعًا: التضام

    وذلك بالفصل بين ما يُعتاد ضمهما، كأن يُفصل بين المضاف والمضاف إليه، والجار والمجرور.



    خامسًا: المناسبات الصوتية

    تعمل اللغة على تحصيل التشاكل، والفرار من نفرة الاختلاف، وتحافظ على أن تجري الأبواب على سنن واحد ولو كان ذلك على حساب الحركة الإعرابية، ولذلك أتبعوا الحركة الحركة تحقيقًا لهذا التشاكل مثل قولهم: أنا أجوؤُك، وهو منْحُدُرٌ من الجبل، ومِغِيرة، وشِعِير، ورِغِيف، وبِعِير، والحمدِ لله، وغيره الكثير، فثقل على بعضهم أن يجتمع في اسم واحد من كلامهم ضمة بعدها كسرة، أو كسرة بعدها ضمة، ووجدوا الكسرتين قد تجتمعان في الاسم الواحد مثل إِبِل، فعملوا على تغيير الحركات.

    ويدخل في هذه المناسبة أيضًا إعراب المجاورة كما في (جحرُ ضبٍ خربٍ)، حيث يصبح اعتبار المناسبة الصوتية للحركات أهم من المحافظة على قاعدة الإعراب.
    انظر إلى قوله تعالى: (فنِعِمًا هي) البقرة 271، النساء 58.



    ---------------------------------------------

    والآن، وبعد أن قدمت نبذة عن قاعدة الترخص، بان لنا مدى سطحية الطعن في القرآن والاعتراض على بلاغته، ولما كان المجال الثاني للترخص الخاص بالبناء الصرفي (التحويل) مهمًا، فإنني سأقدم نبذة أخرى عنه.
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  8. افتراضي

    يتبع: دعواه في الأخطاء النحوية والصرفية




    استعرضنا ظاهرة الترخص في الفقرة السابقة، وقلنا أن الترخص ظاهرة أدبية موجودة في كل اللغات وتختلف عناصرها وتطبيقاتها باختلاف مرونة اللغة، ولما كانت اللغة العربية من أكثر اللغات مرونة، بان لنا مدى أهمية معرفة هذه الظاهرة وتناولها في النص الأدبي بين إنشاء ونقد.

    وتحت ظاهرة الترخص نجد ظاهرة التحويل، فالتحويل ظاهرة خاصة من الظاهرة الأم، وهي تطال كلاً من مجالي النحو والصرف.

    لقد استخدم اللغويون العرب القدماء بعض العبارات والمصطلحات الدالة على التحويل في الصيغ الصرفية، وهي على نحو عشرين ضربًا من ضروب التحويل، وهي في جميعها تستند على أسس لغوية اعتمد عليها القدماء حين الإشارة إلى التحويل في الصيغ الصرفية، ومن بينها ما يلي:


    1) النظر في (الأصل والفرع)، حيث أن هناك بعض الصيغ تكون أصلاً وبعضها فرع عنها، فصيغة المبالغة فرع عن اسم الفاعل.

    2) الاهتمام بالمعنى المستقى من النص الأدبي.

    3) الضرورة الشعرية، التي تجعل الشاعر يلجأ إلى استخدام صيغة بدلاً من أخرى أكثر شيوعًا واستعمالاً، بل هي الأساس عند اللغويين، قال الشاعر:

    تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
    نفي الدراهيم تنقاد الصياريف

    أراد الدراهم والصيارف.


    4) ربط التحويل في الصيغ بالجانب الدلالي، كما في صيغ المبالغة.

    5) الجانب الصوتي له صلته بالتحويل، ومن ذلك قال طرفة:

    خذول تراعى ربربًا بخميلة
    تناول أطراف البرير وترتدي


    (تناول) أصلها (تتناول)، لأنه فعل مؤنث مستقبل، ومثله قوله تعالى: (تنزل الملائكة) بمعنى تتنزل، فاستثقل الجمع بين تاءين.

    6) تحويل بعض التراكيب النحوية اعتمادًا على التحويل في الصيغ، فالعرب تقول للشيء معناه (فعل) قد تفاعل، كقولك: قد تباعد ما بين القوم، تريد (بعد ما بينهم)، وكذلك: تطاول الليل، أي طال، وتعالى النهار، أي علا.

    7) النظر في الفصائل النحوية من أسس التحويل في الصيغ، كقوله تعالى: (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر)، إذ أن (حجر) فعل بمعنى مفعول، كالذبح والطحن، ويستوي في الوصف التذكير والتأنيث والواحد والجمع، لأن حكمه حكم الأسماء غير الصفات، وهذا ما استنكره صاحبنا حينما أعترض على استعمال (رئيا) بمعنى (مرئي).

    8) الاهتمام بكلام العرب، فهم –مثلاً- يقولون للكذب مكذوب، وللضعف مضعوف، وليس له عقد ومعقود الرأي، فيجعلون المصدر في ثير من الكلام مفعولاً، ويتصل بكلام العرب الإشارة إلى اللهجات العربية، وما يندرج تحتها من تحويل في الصيغ.


    ومما سبق نرى مكانة ظاهرة التحويل وأهميتها في لغتنا العربية، فهي ظاهرة معروفة جيدًا عند اللغويين واستعمال القرآن لها لم يكن شيئًا غريبًا كما يظن البعض.


    ومما يتصل بالتحويل استعمال صيغة المفرد للدلالة على الجمع، كما في قولك:

    الرجل أقوى من المرأة.

    ويقصد بذلك (جنس الرجال) أقوى من (جنس النساء)، وكذلك قولك:

    أهلك الناس الدينار والدرهم، ويقصدون بذلك الدراهم والدنانير،

    وفي القرآن الكريم نجد نظائر لأسلوب التحويل هذا مثل قوله سبحانه:

    (إنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، إذ أراد بالإنسان الناس.

    وقوله: (مستكبرين به سامرًا تهجرون)، معناه سمارًا،

    وقوله: (والملائكة بعد ذلك ظهير)، يعني ظهراء،

    وقوله: (ثم يخرجكم طفلاً)، أي أطفالاً،

    وقوله: (إن المتقين في جنات ونهر)، معناه أنهار،

    وقوله: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) أي الأدبار،

    وقوله: (فاعترفوا بذنبهم) أراد ذنوبهم،

    وقوله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)، أي عدالة، فالمصدر يصلح للمفرد والجمع.

    وقد قال الشاعر:

    كلوا في بعض بطنكم تعفوا
    فإن زمانكم زمن خميص

    أي في بعض بطونكم


    ومما يطبع التحويل في الصيغ إضافة الجمع إلى المفرد، وهذا يتصل بالضمائر:

    لقد أشار الفراء إلى ذلك أثناء توقفه أمام قوله تعالى: (لتستووا على ظهوره)، قائلاً: كيف يقال على ظهوره؟ فأضاف الظهور إلى الواحد؟ قلت: إن ذلك الواحد في معنى الجمع، بمنزلة الجند والجيش والجميع، فإن قال:
    فهلا قلت: لتستووا على ظهره؟

    قلت: إن الواحد فيه معنى الجمع، فرددت الظهور إلى المعنى، ولم تقل ظهره، فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد، فكذلك تقول: كثرت نساء الجند، وقلت: رفع الجند أعينه، ولا تقل: عينه، وكذلك كل ما أضفت إليه من الأسماء الموضوعة، فأخرجها على الجمع، فإذا أضفت إليه اسمًا في معنى فعل جاز جمعه وتوحيد مثل قولك: رفع الجند صوته، وأصواته أجود، وجاء هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلا كصورته في الواحد.


    ومثله ما ذكره النجار في قوله تعالى:

    ( وإن لكم في الإنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغا للشاربين ) النحل 66.

    فينطبق عليها ما ينطبق على الآية السابقة، ومن النكات البلاغية اختلاف هذا اللفظ عن نظيره في الآية الأخرى:

    ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون ) المؤمنون 21، فالتحويل –كما أشرنا- له علاقة بالمعنى ولا يجيء اعتباطًا عند اختلاف الآي عن بعضها، وقد كان السياق هو الداعي هنا لاختيار الضمير المذكر في الآية الأولى، واختيار المؤنث في الثانية.
    ففي الآية الأولى يتحدث تعالى عن اللبن، واللبن لا يخرج من جميع الأنعام، إنما من قسم منها، وهو بعض إناثها الحلوب، لذلك عبر عنها بالضمير المذكر الدال على القلة.

    أما الآية الثانية فهي تتحدث عن المنافع الكثيرة للأنعام كلها، ذكورها وإناثها، صغارها وكبارها، فاقتضى السياق إلحاق الضمير الدال على الكثرة فقال (بطونها).

    وربما نجد مفردًا قبله جمع كقوله تعالى: (ولا تكونوا أول كافر به)، فوحد الكافر وجمع ما قبله، وذلك من كلام العرب فصيح جدًا في الاسم إذا كان اشتقاقه من فعل مثل الفاعل والمفعول، يراد به: ولا تكونوا أول من يكفر به، فتحذف (من) ويقوم الفعل مقامها، فيؤدي الفعل عن مثل ما أدت (من) عنه من التأنيث والجمع وهو في لفظ توحيد.

    ولا يجوز في مثله من الكلام أن تقول: أنتم أفضل رجل، ولا أنتما خير رجل، لأن الرجل يثنى ويجمع ويفرد، فيعرف واحده من جمعه، بينما القائم قد يكون لشيء ولـ(من)، فيؤدي عنهما وهو موحد، ألا ترى أنك تقول: الجيش مقبل، والجند منهزم، فإذا صرت إلى الأسماء قلت: الجيش رجال، والجند رجال، ففي هذا تبيان، وقد قال الشاعر:

    وإذا هم أطعموا فالأم طاعم
    وإذا هم جاعوا فشر جياع

    فجمعه وتوحيده جائز حسن.



    وربما نجد جمعًا يليه مفرد ثم صيغة كقوله تعالى: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة)، وقد وحد الله (سمعهم) ولم يجمعه لعدة وجوه:

    1) السمع مصدر، والمصدر اسم جنس يقع على القليل والكثير، ولا يفتقر إلى التثنية والجمع.
    2) أن يقدر مضاف على لفظ الجمع، والتقدير: على مواضع سمعهم.
    3) أن يكون اكتفى باللفظ المفرد لما أضافه إلى الجمع، لأن إضافته إلى الجمع يعلم بها أن المراد به الجمع، وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم.

    وهناك تحويل في الضمائر كقوله تعالى: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون)، وذلك لأنه نزل منزلة (من)، وهي كما أسلفنا يرد الضمير إليها بالإفراد والجمع على السواء.

    ومما يتصل بالتثنية استعمال المفرد الدال عليها،

    قال تعالى: (عن اليمين وعن الشمال قعيد) لم يقل قعيدان، يريد: قعود، فجعل القعيد جميعًا كما تجعل الرسول للقوم وللاثنين.

    قال تعالى: (أنا رسول رب العالمين) بموسى وهارون،

    ومثله قول الشاعر:

    الكنى إليها وخير الرسول
    أعلمهم بنواحي الخبر

    ومثله قول الفرزدق:

    إني ضمنت لمن أتاني ما جنى
    وأبى وكان وكنت غير غدور

    فلم يقل غدورين.




    وهناك استعمال للمثنى والفعل في حالة الجمع، وذلك كما في قوله: (هذان خصمان اختصموا في ربهم)، لأنهما جمعان ليسا برجلين، ولو قيل: اختصما، كان صوابًا. ومثله: (وإن طائفتان من المسلمين اقتتلوا) يذهب إلى الجمع، ولو قيل: اقتتلا لجاز، يذهب إلى الطائفتين.


    وربما نجد استعمالاً لصيغة الجمع الدالة على التثنية كقوله: ( كانتا رتقًا ففتقناهما ) ، إذ قال (رتقًا) ولم يقل رتقين، لأنه مصدر تقديره: كانتا ذواتى رتق، أي أن التقدير قد حول كلمة رتق من حالة النصب إلى حالة الجر عن طريق الإضافة، وقد حذف المضاف إليه وأقيم المضاف إليه مقامه، وقد تطرقت لهذا في الفقرة السابقة.

    وقوله تعالى: ( لقد صفت قلوبكما )، وهو يريد قلبين،

    وقوله تعالى: ( أتينا طائعين )، ولم يقل طائعتين ولا طائعات، ذهب به إلى السماوات ومن فيهن، وقد يجوز أن تقول وإن كانتا اثنتين: أتينا طائعين، فيكونا كالرجال لما تكلمتا.


    وهناك جمع لما أصله أن يفرد كقوله تعالى: (لا بيع فيه ولا خلال)، فإن المراد (ولا خلة) دليل الآية الأخرى، لكن جمعه لأجل مناسبة رؤوس الآي.


    --------------------------------------

    وبعد هذا العرض لما يتصل بالمفرد والجمع والمثنى، نتوقف أمام التحويل في أزمنة الأفعال.

    قال تعالى: ( فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط )

    فلم يقل جادلنا، ومثله في الكلام لا يأتي إلا بفعل ماض كقولك: فلما أتان أتيته، وقد يجوز: فلما أتاني أثب عليه، والأصل: فلما أتاني أقبلت أثب عليه، وتقديره الفعل (أقبلت)، وهو فعل ماض، للتوافق مع الفعل الماضي السابق عليه، بالإضافة إلى أن الموقع الإعرابي للفعل أثب أصبح في موضع نصب على أنه حال.

    وقوله سبحانه: ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه الي بلد ميت فأحيينا به ألارض بعد موتها )، وهو ما عابه صاحبنا على القرآن!

    وهو أسلوب بليغ وظفه الشعراء عند البعث على الاستغراب، انظر إلى قول تأبط شرًا:

    بأني قد لَقيت الغول تهوي
    بسَهب كالصحيفة صَحْصَحان

    فأَضرِبُها بلا دهش فخرت
    صريعاً لليدين وللجِرَان

    فابتدأ بـــ (لقيت) لإِفادة وقوع ذلك ثم ثنى بـــ (أضربها) لاستحضار تلك الصورة العجيبة من إقدامه وثباته حتى كأنهم يبصرونه في تلك الحالة.

    ومثل ذلك قوله عز وجل: ( ألم تر ان الله انزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة ان الله لطيف خبير )

    وكذلك قوله تعالى: ( إن نشأ ننزل عليهم آية من السماء فظلت أعناقهم لها خاضعين )، فلم يقل (فتظل)، وذلك صواب أن تعطف على مجزوم الجزاء بـ(فَعَل)، لأن الجزاء يصلح في موضع يفعل وفي موضع فَعَل.

    ألا ترى أنك تقول: إن قمت أقم لك، وإن تقم قمت لك؟ فهما بنفس المعنى.

    ومثله قوله تعالى: ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم )، فقال نوف وهي جواب لكان.


    ومثله أيضًا قول الشاعر:

    إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحًا
    مني وما يسمعوا من صالح دفنوا

    فرد الجواب بـ (فَعَل) وقبله (يفعل).



    وهناك ما يسمى العدول عن صيغة الماضي إلى صيغة المستقبل،

    كقوله تعالى: ( ففريقًا كذبتم وفريقًا تقتلون

    وقوله: ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ).


    ومثله قول الشاعر:

    وكنت أرى كالموت من بين ليلة
    فكيف ببين كان ميعاده الحشر

    أي يكون ميعاده.




    كما تُحول صيغة المستقبل إلى الماضي، كما قال الشاعر:

    وإذا مررت بقبره فانحر له
    كوم الهجان وكل طرف سابح


    واتضح جوانب قبره بدمائها
    فلقد يكون أخادم وذبائح

    أي فلقد كان

    وأيضًا قوله تعالى: ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ).

    يقول قائل: إنما (تقتلون) للمستقبل، فكيف قال (من قبل)؟ ونحن لا نجيز في الكلام: أنا أضربك أمس؟ ذلك جائز إذا أردت بـ (تفعلون) الماضي، ألا ترى أنك تعنف الرجل بما سلف من فعله فتقول: ويحك لم تكذب؟! لم تبغض نفسك إلى الناس؟

    وذلك مثل قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان) ولم يقل تلت الشياطين،

    أنظر إلى قول الشاعر:

    إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة
    ولم تجدي من أن تقرى به بدًا

    فالجزاء للمستقبل، والولادة كلها قد مضت، وذلك المعنى معروف، ومثله أيضًا قولنا: انظر إلى سيرة فلان تجده لم يسئ، والمعنى: لم تجده أساء. فلذلك صلحت (من قبل) مع قوله: (فلم تقتلون أنبياء الله من قبل)، وليس الذين خوطبوا بالقتل هم القتلة، إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا، فتولوهم على ذلك، ورضوا به، فنسب القتل إليهم.



    ومن التحويل في الصيغ الفعلية أن تكون ماضية دالة على مفرد، ثم يعطف فعل ماض يدل على الجماعة، قال تعالى:

    (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم)، ولم يقل اتبع هواه، وذلك أن (من) تكون في معنى واحد وجميع، فردت أهواءهم على المعنى.

    ومثله: (ومن الشياطين من يغوصون له

    وفي موضع آخر (ومنهم من يستمع إليك)، وفي موضع آخر (ومنهم من يستمعون إليك).

    وربما نجد صيغة (يفعلون) معطوفة على (فعلوا)، قال تعالى: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله)، لأن معناهما كالواحد في الذي وغير الذي، ولو قيل: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) لم يكن فيها ما يُسأل عنه، وردك (يفعلون) على (فعلوا) لأنك أردت: إن الذين كفروا يصدون بكفرهم.



    كما يتم تأويل صيغة (أفعل) بـ (فعل) كقوله تعالى: ( فما أصبرهم على النار )، معناه فما الذي صبرهم على النار.


    --------------------------------------



    والالتفات ضرب من ضروب ظاهرة التحويل، وقد أشار إليه العلماء القدامى، وهو (انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، وعن الإخبار إلى المخاطبة) (انظر ابن المعتز/ البديع ص106)، ومن أنواع الالتفات وضع الظاهر موضع المضمر، قال الشاعر:

    زعم العواذل أن ناقة جندب
    بجنوب خبت وعريت وأجمت

    كذب العواذل لو رأين مناخًا
    بالقادسية قلن لج وذلت

    فقد قال: كذب العواذل، ولم يقل: كذبن، قال الجرجاني في دلائل الإعجاز ص 251: (وقد زاد هذا أمر القطع والاستئناف وتقدير الجواب تأكيدًا بان وضع الظاهر موضع المضمر).


    -----------------------------------


    ومن مظاهر التحويل إحلال يتصل بالمصدر والصفة، ومن ذلك قوله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا)، هنا (هونًا) حال، أو صفة للمثنى بمعنى هينين أو مشيًا هينًا، إلا أن وضع المصدر موضع الصفة مبالغة.


    وقد يوضع اسم الفاعل موضع المصدر نحو: قم قائمًا، أي قيامًا، كما يوضع المصدر مقام اسم الفاعل، قال الشاعر:

    ألم ترني عاهدت ربي وأنني
    لبين رتاج قائمًا ومقام

    على حفلة لا أشتم الهر مسلمًا
    ولا خارجًا من في زور كلام

    الذي عليه المحققون أن (خارجًا) مفعول مطلق، والأصل: ولا يخرج خروجًا، ثم حذف الفعل، وأناب الوصف عن المصدر، كما عكس في قوله تعالى: (إن أصبح ماؤكم غورًا) بمعنى غائرًا.

    ومن الإحلال الذي له صلته بالمصدر قوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله)، ولم يقل: سقاة الحاج وعامري المسجد، فهذا مثل قوله (ولكن البر من آمن بالله).

    وقد أنشد الكسائي:

    لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى
    ولكنما الفتيان كل فتى ندى

    فجعل الخبر الفتيان (أن)، وهو كما تقول: إنما السخاء حاتم، وإنما الشعر زهير.

    وهناك آيات ليس بها تحويل، بل كان العدول عن صيغة لضرب دلالي، أنظر إلى قوله تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين)، فلم يقل: (أمرضني)، يقول الزمخشري: لأن كثيرًا من أسباب المرض يحدث بتفريط الإنسان في مطعمه ومشربه وغير ذلك.




    وبعد هذا الاستعراض المطول بان لنا أن ما يسميه النجار بأخطاء نحوية ولغة صعبة ليس إلا دليلاً على مدى سطحية معرفته وفقدانه أدنى مقومات النقد المنهجي.
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  9. افتراضي

    يتبع: دعواه في الأخطاء النحوية




    تعـــدد اللهجـــات



    إن اللغة المشتركة التي قيل بها الشعر الجاهلي ونزل بها القرآن الكريم لم تنشأ من فراغ، ولم تتكون من تلقاء نفسها، بل استمدت خصائصها من اللهجات العربي المختلفة للقبائل المتعددة التي كان يلتقي أفرادها بدوافع التجارة والدين والفن والتعارف في الأسواق المشهورة، فهي لغة فنية قائمة فوق اللهجات وإن غذتها جميع اللهجات، وقد اشتمل القرآن بقراءاته على استعمالات لهجية لهذه القبائل في اللغة المشتركة.


    وقد قدم الدكتور أحمد علم الدين الجندي دراسة مطولة لعدد استعمالات كل لهجة في القرآن، فخلص إلى أن هناك استعمالاً لأربع وسيتن لهجة تجمع بين لهجات الأماكن والقبائل العربية المتعددة، وهذه القائمة التي قدمها الجندي تهدم قائمة الفارابي المشهورة التي تداولتها كتب السيوطي.



    فاللغة الفصحى تقرب إلى كل لهجة عربية فتكون أدنى إليها من غيرها من اللهجات، وإنما كانت قريبة منها لأن بعض عناصر تركيبها ملاحظ فيها، فالفصحى لكونها لغة العرب جميعًا تم نموها في المجتمع العربي في عمومه لا في قبيلة معينة، وتقبلت في نموها عناصر من جميع اللهجات حتى بدت قريبة إلى كل لهجة، وعلى هذا الأساس نجد أن اللغويين قرروا أن اللهجات كلها حجة على اختلافها، وأن الناطق على قياس لغة من اللغات مصيب غير مخطئ، وكل ما كان لغة لقبيلة قيس عليه، وليس لنا أن نرد إحدى اللغات بصاحبتها لأنها ليست أحق بذلك من رسيلتها، وهذا فهم دقيق لخصائص اللغة المشتركة، لأنها تكونت خصائصها من مجموع ما تجمع فيها من اللهجات المتعددة.


    ومعنى هذا أن وجود استعمال واحد يؤدي معنى واحدًا، بطريقتين مختلفتين في إعراب بعض كلماته، لا يعد إلا ترخصًا من اللغة المشتركة في العلامة الإعرابية، وهي من الميزات الرائعة للغة العربية، ونشير الآن إلى بعض مواضع تعدد اللهجات في في التركيب الواحد:


    (1) إعراب الأسماء الستة حيث يجوز فيها الإعراب بالحروف أو الحركات أو معاملتها معاملة الأسماء المقصورة، فيطاح بالعلامات الإعرابية كلها سواء أكانت حروفًا أم حركات، وتقر اللغة المشتركة هذه الاستعمالات جميعًا.


    (2) إلزام المثنى الألف، وهي لغة الحارث بن كعب الذين يقلبون الياء الساكنة إذا انفتح ما قبلها ألفًا، يقولون أخذت الدرهمان واشتريت ثوبان، وقد جاءة على لغتهم أبيات شعر مثل:

    تزود منا بين أذناه ضربة
    دعته إلى هابي التراب عقيم


    وقول بعض أهل اليمن:

    أي قلوص راكب تراها
    طاروا علاهن فشل علاها

    واشدد بمتنى حقب حقواها
    ناجية وناجيًا أباها



    وعلى وفاق هذه اللهجة جاءت قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي: (إن هذان لسحاران) طه 63.



    (3) عدم حذف حرف العلة من المضارع الناقص المجزوم.


    (4) (ما) الحجازية والتيمية، وقد وردت في القرآن آيات على لغة الحجازيين منها قوله تعالى: ( ما هذا بشرًا ) يوسف 31، وقوله: ( ما هن أمهاتهم ) المجادلة 2، فبنوا تميم يجرونها مجرى (هل)، وأهل الحجاز فيشبهونها (ليس).


    (5) في أسلوب الاستثناء التام المنفي المنقطع، يختار الحجازيون النصب (وهو لغة أهل الحجاز)، وذلك قولك ما فيها أحد إلا حمارًا، أما بنوا تميم فيقولون لا أحد فيها إلا حمارٌ.


    (6) إسقاط الحركة الإعرابية من الاسم المنقوص، أجازه أبو حاتم السجستاني في الاختيار، ومثاله: (من أوسط ما تطعمون أهالكيم) بسكون الياء.


    (7) ضم الهاء أو كسره كما في قوله تعالى: ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا ) الفتح 10.
    فأصل الهاء مضمومة وحولت كسرًا للجر حتى صارت الأغلب.




    -------------------------------------------

    عودة إلى ما توهمه النجار من أخطاء نحوية،

    يقول النجار:

    وسورة ألاعراف، ألآية 160 تقول : "وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً". وكلنا يعرف ان التمييز العددي يختلف بإختلاف المعدود. فالاعداد من واحد الى عشرة يكون ما بعدها جمع، فنقول تسعة نساء. ومن أحدى عشر وما فوق يكون ما بعدها مفرداً، فنقول أثنتي عشرة سبطاً وليس أسباطاً.

    وهذا ليس بمشكل إذ جيء باسم العدد بصيغه التأنيث في قوله: (اثنتي عشرة) لأن السبط أطلق هنا على الأمة فحذف تمييز العدد لدلالة قوله: (أمماً) عليه.

    و(أسباطاً) حال من الضمير المنصوب في (وقطّعناهم) ولا يجوز كونه تمييزاً لأن تمييز اثنتي عشرة ونحوه لا يكون إلاّ مفرداً.

    وقوله: ( أمماً ) بدل من أسباط أو من أثنتي عشرة، وعدل عن جعل أحد الحالين تمييزاً في الكلام إيجازاً وتنبيهاً على قصد المنة بكونهم أمماً من آباء أخوة. وأن كل سبط من أولئك قد صار أمة، قال تعالى:
    ( واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثّرَكم ) الأعراف 86، مع ما يذكر به لفظ أسباط من تفضيلهم، لأن الأسباط أسباط إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.


    ويقول النجار:

    و هناك كذلك أخطاء نحوية في كثير من آيات القرآن. انظر الى الآية 69 من سورة المائدة : "ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون". والنحو يتطلب ان تكون كلمة "الصابئون" منصوبة لانها اسم "ان"، وكل اسماء "ان" الاخرى في الاية منصوبة الا "الصابئون" ، والاصح ان تكون "الصابئين". واذا نظرنا الى الاية 17 من سورة الحج، نجد ان "الصابئين" منصوبة، كما ينبغي ان تكون : "ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شئ شهيد".

    ولا أدري ما هذه الفرضية التي افترضها، وكأن محمدًا الذي ألف القرآن ودرس اللغات واطلع على الديانات فاتته هذه الغلطة التافهة!

    وكأنه كان لا يعرف النحو وكلام العرب، لكنه تعلمه فجاء بها صحيحة في الآية الثانية! وطبعًا نسي أن يصححها في الأولى!

    أو كان يعرف كلام العرب فذكرها صحيحة تارة، ثم نسي النحو وكلام العرب فغلط بها تارة في الأخرى!

    وكأن مجتمع المدينة والمسلمين والمشركين واليهود وسائر العرب لم تنتبه لهذه الغلطة وتكتشف مدى سطحية لغة محمد صلى الله عليه وسلم فتركته بلا تعليق!

    لا بأس، فهذه قناعة البعض، المهم... إن المجيء بالصابئين مرفوعة متفق مع أساليب النحو،

    يقول ابن عاشور:

    ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) المائدة 69.


    جعل خبر (إنّ) محذوفاً، وحذفُ خبر (إنّ) وارد في الكلام الفصيح غير قليل، كما ذكر سيبويه في «كتابه». وقد دلّ على الخبر ما ذكر بعده من قوله: { فلا خوف عليهم } إلخ. ويكون قوله: { والّذين هادوا } عطفَ جملة على جملة، فيجعل { الّذين هادوا } مبتدأ، ولذلك حقّ رفع ما عُطف عليه، وهو { والصابُون }. وهذا أولى من جعل { والصابون } مَبْدأ الجملة وتقدير خبر له، أي والصابون كذلك، كما ذهب إليه الأكثرون لأنّ ذلك يفضي إلى اختلاف المتعاطفات في الحكم وتشتيتها مع إمكان التفصّي عن ذلك، ويكون قوله: { من آمن بالله } مبتدأ ثانياً، وتكون (من) موصولة، والرّابط للجملة بالّتي قبلها محذوفاً، أي من آمن منهم، وجملة { فلا خوف عليهم } خبراً عن (مَن) الموصولة، واقترانها بالفاء لأنّ الموصول شبيه بالشرط. وذلك كثير في الكلام، كقوله تعالى:
    { إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم }
    [البروج: 10] الآية، ووجود الفاء فيه يعيّن كونه خبراً عن (مَن) الموصولة وليس خبر ـــ إنّ ـــ على عكس قول ضابي بن الحارث:ومن يَك أمسى بالمدينة رحلُه فإنّي وقبّار بها لغريب
    فإنّ وجود لام الابتداء في قوله: «لغريب» عيَّن أنّه خبر (إنّ) وتقديرَ خبر عن قبّار، فلا ينظّر به قوله تعالى: { والصابون }.



    وأخيرًا يقول النجار:

    وفي سورة النساء الآية 162 : "لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر". فكلمة : المقيمين" لا تتماشى مع قواعد النحو المعروفة. فهي معطوفة على "الراسخون" ويجب ان تكون مرفوعة، وليست منصوبة كما في الآية، فالمعطوف دائماُ يتبع ما عُطف عليه. وقال القرطبي في تفسيره : (قرأ الحسن ومالك بن دينار وجماعة "المقيمون" على العطف، وكذا هو في حرف عبد الله. ولكن سيبويه قال : إنه نُصب على المدح). وهذا يذكرنا بالمقولة المشهورة لأحد العرب الاندلسيين عندما قال القاضي الاندلسي أبو محمد علي بن حزم أن القرآن يحتوي على أخطاء نحوية، قال الاندلسى : ما حاجتنا الى النحو وعندنا القرآن؟ إذا لم يوافق النحو القرآن، يجب أن نغير قواعد النحو. وهذا ما يُفهم من قول سيبويه انها نصبت على المدح.
    أخطاء نحوية؟!! ونغير قواعد النحو كمان؟!!!

    ثم الاستشهاد بكلام سيبويه؟؟

    هل تعرف يا دكتور كامل النجار كتاب سيبويه؟ ما اسمه؟ وما أبوابه؟

    ألم تجد بابًا اسمه:


    باب ما ينتصب في التعظيم والمدح وإن شئت جعلته صفة فجرى على الأول، وإن شئت قطعته فابتدأت


    عيب والله أن تدلس فتجعل تعارضًا بين سيبويه والقرآن ثم تتهم المسلمين بتغيير قواعد النحو حتى تتفق مع أخطاء القرآن.

    لقد وردت (المقيمين) منصوبة لأنها حال، ومثلها قوله تعالى:

    ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضّرّاء ) البقرة 177.

    ومثلها قول الخرندق:

    لا يبْعَدَنْ قومي الذي هُمُو
    سُمّ العُداة وآفَة الجزر


    النازلون بكلّ معترك
    والطيِّبيّين معاقِدَ الأزْر




    فلا تعارض ولا أخطاء نحوية وإنما هو جري وراء ضلالات عبد الفادي السابقة.
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  10. افتراضي

    سادسًا: قوله في الألفاظ والمعاني الغريبة



    يقول النجار:

    ويكثر كذلك في القرآن غريب اللفظ والمعنى، فنجد في سورة المرسلات عندما يصف نار جهنم في الآية 32 وما بعدها : "انها ترمي بشرر كالقَصر، كأنه جمالات صُفرٌ". اولاً كلمة "جمالات" مع انها جمع تكسير ل "جمل"، إلا أنها جمع غريب نادر الاستعمال، والمتعارف عليه هو جمال. ثم وصف الجمال بانها صُفر، وليس هناك جمال صفراء. فقال المفسرون كان العرب يسمون الجمال السود صفراء لان سوادها تداخله صفرة. فهل نفهم من هذا ان بني اسرائيل كذلك كانوا يسمون البقر الاسود اصفر، لان الله قال لهم "بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين" ؟ ونحن لا نعلم لماذا قال العرب عن كل شئ أسود أنه "أسود" الا الجمال السود نعتوها بالصفرة ولم ينعتوا البقر او الخراف السود بالصفرة.

    ثم في سورة الفرقان الآية 68 : "والذين لا يدعون مع الله الهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً". وأثاماً ليست من اللغة العربية في شئ، والقرآن يُفترض انه نزل بلسان عربي مبين. وحتى المفسرين وعلماء اللغة لم يتفقوا على معنى كلمة "أثاماً"، فقال عبد الله بن عمر : أثاماً وادي في جهنم، وقال عكرمة أودية في جهنم يعذّب فيها الزناة، وقال قتادة : أثاماً تعني نكالاً، وقيل في الحديث انها تعني بئر في قعر جهنم، وقال السدي انها تعني جزاءً.34 وأظن ان السدي جاء بهذا التفسير من المعنى العام للآية، إذ لم يقول أحد غيره بهذا المعني، والكلمة أصلاً لم تكن شائعة أو مستعملة عند العرب. ولو كان معنى الكلمة "وادي في جهنم" فكيف جاء بها العرب واستعملوها ولم يكونوا على علم بجهنم قبل الاسلام على حسب رأي المفسرين؟ وواضح من معنى الآية ان من يفعل تلك الاشياء يلقى جزاءً. ولكن القرآن استعمل كلمة "أثاماً" تمشياً مع السجع رغم أن علماء المسلمين لم يكونوا يعرفون معناها، كما هو واضح من اختلاف تفاسيرهم للكلمة.

    وفي سورة العنكبوت، ألآية 64 نجد : "وما هذه الحياة الدنيا الا لهوٌ ولعبُ وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون". وقد وجد المفسرون صعوبةً بالغة في تفسير كلمة "حيوان" هذه، فقالوا ان : الحيوان : هنا تعني الحياة الدائمة، ويقول القرطبي في تفسيره ان "الحيوان" تقع على كل شئ حي. أو قد تعني عيناً في الجنة. بل قال بعضهم ان أصل الكلمة هو "حييان" فأُبدلت احدى اليائين واواً لاجتماع المثل.35 وهذا قول غريب لان العرب تغير الواو ياءاً اذا اجتمعت الواو والياء وسبقت احداهما بالسكون، مثل "نوية" من نوى، ينوي فهي نوية. ولكن لاجتماع الواو والياء وسبق احداهما بالسكون، قُلبت الواو ياء وأُدغمت الياء في الياء، فصارت "نية". ولو كانوا يغيرون الياء واواً لاجتماع المثل لغيروا "فأحيينا به ألارض" الى "فأحوينا به ألارض".

    وفي سورة عبس ألآية 28 : "فأنبتنا فيها حباً، وعنباً وقضبا". ولا أحد من المفسرين يعرف معنى " قضبا". فقد قال أبن كثير القضب هو القصفة التي تأكلها الدواب، وكذلك قال أبن عباس. وقال الحسن البصري هي العلف. وقال آخرون غير ذلك. وفي نفس السورة، ألآية 31 نجد : "وحدائقا غُلبا، وفاكهةً وأبّا". فقال الضحاك : ألاب هو كل شئ ينبت على الارض. وقال أبو رزين هو النبات، وقال أبن عباس : ألاب ما تنبت الارض مما يأكل الناس والانعام. وقال أبن عباس كذلك والحسن : ألاب مما لا يأكله ألادميون، فما يأكله ألادميون يُسمى الحصيد، واستشهدوا ببيت شعر في مدح الرسول :

    له دعوةُ ميمونةُ ريحها الصبا بها ينبت الله الحصيدةَ وألابا

    وهذا البيت بلا شك قاله شاعر مسلم سمع كلمة ألابا في القرآن وأدخلها في شعره دون أن يعرف معناها لانها تماشي القافية. فالكل يعرف الحصاد من الزرع ولكن لا أحد يعرف معنى ألابَ.

    فقد قال أبن عباس أيضاً : ألاب هو الثمار الرطبة، وقال الضحاك هو التين. فواضح مما تقدم أن لا أحد يعرف معنى الكلمة إذ أن أبن عباس أعطى أربعة تفاسير مختلفة لهذه الكلمة. والكلبي قال الاب هو كل نبات سوى الفاكهة وقال آخرون بل هي الفاكهة الرطبة. وسئل أبو بكر الصديق عن تفسير الفاكهة وألاب فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟ وقال أنس بن مالك سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه ألآية ثم قال : كل هذا عرفناه، فما ألاب؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلف.36 فإذا كان عمر وابو بكر وابن عباس لا يعرفون معناها، فهل يُعقل أن يكون الشاعر الذي نظم البيت المذكور كان على علم بمعنى الكلمة؟

    والكلمة قد تكون سريالية واصلها Ebba أو قد تكون مشتقة من الكلمة العبرية Ebh، ولكنها قطعاً ليست عربية، ولا يعرف العرب معناها.

    وفي سورة الحج ألآية 29 نجد : "ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق". فكلمة "تفثهم" قد لا تكون عربية ولا أحد يعرف معناها ووقعها على ألاذن ثقيل. ويقول القرطبي في شرحه لهذه ألآية : (ليقضوا بعد نحر الهدايا ما بقي من أمر الحج كالحلق ورمي الجمار وإزالة الشعث ونحوه. وقال ألازهري : التفث ألاخذ من الشارب وقص الاظافر ونتف الابط وحلق العانة. وقال الازهري كذلك : التفث في كلام العرب لا يُعرف الا في قول أبن عباس وأهل التفسير. وقال أبن العربي : هذه اللفظة غريبة لم يجد أهل العربية فيها شعراً ولا أحاطوا بها خبراً.) فإذا كان أهل العربية لا يعرفون معناها، فأي حظ سيحالف غير العرب في فهمها؟

    واستعمل القرآن كلمات كثيرة ليست في اللغة العربية وليس لها اي معني مفهوم، وقد اختلف اغلب المفسرين في تفسيرها. فنجد في سورة الحُجر، الآية 87 : "ولقد اتيناك سبعاً من المثاني والقرآن الكريم". فقال بعض المفسرين ان المقصود بها السبع سور الطوال وقال آخرون المقصود بها سورة الفاتحة، وأتوا بحديث يستدلون به. وقال القرطبي في تفسيره أن المثاني تعني القرآن كله بدليل ان الله قال في سورة الزمر ألآية 23 : "كتاباً متشابهاً مثاني". وواضح أن تفسير القرطبي هذا لا يتفق والآية المذكورة اذ تقول الآية "أتيناك سبعاً من المثاني والقرآن الكريم"، فلن يستقيم معنى ألآية إذا قلنا أن المثاني تعنى القرآن كله، إذ كيف يكون قد أعطاه القرآن كله والقرآن الكريم؟ والسور السبع الطوال هي جزء من القرآن فليس من البلاغة ان يُعطف الكل على الجزء. وحتى لو جاز هذا، فلا أحد يعلم ما المثاني، والافضل ان يُخاطب القرآن الناس بلغةٍ يفهمونها.

    وفي سورة الحاقة، الآية 36 : "ولا طعام الا من غسلين". ولا احد يدري معنى غسلين، ولكنها تنسجم مع سجع السورة، "ولا يحض على طعام المسكين، فليس له اليوم ههنا حميم، ولا طعام الا من غسلين".

    وفي سورة الانسان، الآية 18 : "عيناً فيها تُسمى سلسبيلا". وهنا كذلك لا احد يعرف ما هي سلسبيلا. فتفسير الجلالين يقول : سلسبيلا تعني سهل المساغ في الحلق. وفي تفسير أبن كثير، قال عكرمة هي أسم عين في الجنة، وقال مجاهد سُميت بذلك لسلاقة مسيلها وحدة جريها، وقال قتادة : سلسة مستقيدٌ ماؤها. أما تفسير القرطبي فيقول : (السلسبيل هو الشراب اللذيذ، وتقول العرب سلس وسلسال وسلسيل بمعني أنه طيب الطعم لذيذه. وسلسل الماء في الحلق يعني جرى، وسلسته تعني صببته فيه). وأنا لا أدري كيف صرّفَ تفسير الجلالين سلسبيلا مما تقوله العرب عن سلس وسلسال وسلسيل، فمهما صرّفنا هذه الكلمات لا يمكن أن ننتهي ب "سلسبيلا".

    وقال أبو العالية ومقاتل : (إنما سُميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش في جنة عدن.)37 فكل المياه في المدن الحديثة الان تسيل في مواسير في الطرق وفي منازلنا، فهل هذه المياه سلسبيلا؟ أم يُشترط أن تنبع من جنة عدن؟

    وأغرب التفاسير ما أورده القفال في تفسير الجلالين إذ قال : (تلك عينٌ شريفة، فسل سبيلاً أليها. وروى هذا عليّ بن أبي طالب كذلك). فهو فصل كلمة سلسبيلا الى كلمتين : سل و سبيلا. ولكن المشكلة أن ألآية تقول : "عيناً فيها تسمى سلسبيلا" فلا يمكن أن نقول سل اليها سبيلا لان اسم العين سلسبيلا. وليتخلص من هذه المعضلة يقول القفال : (أنها مذكورة عند الملائكة وعند الابرار وأهل الجنة بهذا الاسم). وهذا الشرح يبين لنا كيف يدور علماء الاسلام ويلفون في حلقات مفرغة لشرح الغريب في القرآن بدل ان يقولوا أنهم لا يعرفون المراد من هذه الكلمة.

    اما سورة المطففين ففيها عدة آيات تحتوي علي كلمات يصعب فهمها : فمثلاً الآيات 7 و 8 و9 " كلا ان كتاب الفجار لفي سجين. وما ادراك ما سجين. كتاب مرقوم". والآيات 18 و19و20 من نفس السورة : "كلا ان كتاب الابرار لفي عليين. وما ادراك ما عليون. كتاب مرقوم". ومعنى هذا ان عليين وسجين كلاهما يعني كتاباً مرقوماً، أحدهما للفجار والآخر للابرار. فالقرآن هنا أستعمل غريب اللغة لينقل الينا حقيقة بسيطة : هي أن هناك كتابين، واحد للفجار وواحد للابرار. فهل من المهم لنا أن نعرف أسماء هذين الكتابين؟

    ثم إن القرآن يقول أن هناك كتاب واحد "وعنده أم الكتاب"38 و"اللوح المحفوظ" الذي يحفظه الله منذ الازل في السماء السابعة، وقد سجل الله فيه كل كبيرة وصغيرة عن كل أنسان حتى قبل أن يولد، وهناك كذلك لكل شخص كتابه الخاص به الذي سوف يتسلمه يوم القيامة، فمنهم من يُعطى كتابه بيمينه ومنهم من يعطى كتابه بشماله ليقرأ منه ما فعل في الدنيا. فما الحكمة إذاً في أن يكون هناك كتاب للابرار وآخر للفجار مادام لكل شخص كتابه الخاص وهناك اللوح المحفوظ الذي فيه كل التفاصيل ولا يمكن لهذا اللوح أن يضيع أو يصيبه تغيير؟ وحتى لو قلنا إنه من باب الاحتياط أن يكون للأبرار كتاب وللفجار كتاب آخر، هل يستدعي هذا نزول آية تخبرنا بأسماء هذين الكتابين؟ هل سيغير هذا من سلوكنا أو يدعونا للايمان؟

    والجدير بالذكر هنا أن القرآن استعمل كلمة "وما أدراك" أثنتي عشر مرةً ليشرح كلمات غريبه لم تكن معروفة للعرب آنذاك، وسوف نتعرض لبعض هذه الكلمات في حينها.

    في سورة الفيل، ألآية 3، نجد : "وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل". ويقول أبن كثير : طير أبابيل يعني طيراً من البحر امثال الخطاطيف والبلسان. ويقول القرطبي : طيراً من السماء لم يُر قبلها ولا بعدها مثلها. وروي الضحاك أن أبن عباس قال سمعت رسول الله يقول : "إنها طيرٌ تعشعش وتفرخ بين السماء وألارض". وقال أبن عباس : كانت لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب. وقال عكرمة : كانت طيراً خُضراً خرجت من البحر لها رءوس كرءوس السباع.

    أما سجيل فلا أحد يعرف معناها. قال النحاس : السجيل الشديد الكثرة. وقال سيل وسجيل هما نفس الشئ. وحكى محمد بن الجهم أن سجيل تعني طينٌ يُطبخ حتى يصير بمنزلة الارحاء. وقال سعيد بن جُبير أن اللفظة غير عربية وأصلها سنج وجيل أو سنك وكيل، وهما بالفارسية حجر وطين. وقد قال القرآن في سورة الذاريات، ألآية 33 : "لنرسل عليهم حجارةً من طين". وقال أبن يزيد : سجيل أسم السماء الدنيا وعن عكرمة أنه بحر معلق بين السماء والارض منه نزلت الحجارة. وقيل هي جبال في السماء، وقيل كذلك هي ما سُجل لهم أي كُتب لهم أن يصيبهم.39

    وأصل الكلمة ربما يكون من اللغة ألأرامية Sgyl وتعني حجر المعبد.40 والشئ الملفت للنظر أن كل هولاء المفسرين أتوا بتفسيرات لا تمت لبعضها البعض بصلة، مما يؤكد انهم كانوا يخمّنون معاني هذه الكلمات الغريبة التي لم يكونوا قد سمعوا بها من قبل.

    وكلمة "الفرقان" وردت في القرآن مرات عديدة بمعاني مختلفة. فمثلاً في سورة البقرة، ألآية53 : "وأتينا موسى الكتاب والفرقان". وفي نفس السورة، ألآية 185 : "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان". وفي سورة آل عمران، ألآية 4 : "من قبل هدى للناس وانزل الفرقان". وسورة ألانفال، ألآية 29 : "ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم". وفي سورة ألانفال، ألآية 41 : "أعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان". وفي سورة ألانبياء، ألآية 48 : " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً وذكراً للمتقين". وفي سورة الفرقان، ألآية 1 : "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً".

    وأتفق أغلب المفسرين ان الفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل ولكن ابن عباس قال : فرقاناً يعني مخرجاً وزاد مجاهد " في الدنيا والاخرة". وفي رواية اخرى قال ابن عباس ان فرقاناً تعني نصراً. وقالوا انها تعني يوم بدر لان الله فرق فيه بين الحق والباطل. وقال قتادة انها تعني التوراة، حلالها وحرامها. ويقول الرازي قد يكون التوراة او جزء منها او حتى معجزات موسى مثل عصاه. وقد تعني إنشطار البحر لموسى، واستقر رأيه علي انها التوراة. وقالوا الفرقان تعني القرآن. فالله قد انزل الفرقان على موسى وكذلك انزله على محمد، مما يجعلنا نقول أن الفرقان ربما تعني "كتاب" ولكن كيف نوفق بين هذا المعنى وألآية 29 من سورة ألانفال : "ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً". فالمراد هنا أن يجعل لكم مخرجاً. ولكن ألآية 41 من سورة ألانفال تقول : "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان". فالمعنى هنا لا يتفق مع أي من المعاني السابقة. فماذا تعني كلمة الفرقان إذاً؟

    وهناك كلمة أخرى لم تكن معروفة للعرب قيل نزول القرآن، ألا وهي "كلالة". ففي سورة النساء، ألآية 4 : "وإن كان رجلٌ يورث كلالةً ام إمرأة". وسئل ابو بكر الصديق عن كلمة كلالة فقال : أقول فيها برائي فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه، الكلالة من لا ولد له ولا والد. وقال القرطبي في تفسيره : الكلالة مشتقة من الاكليل وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه. وهذا بلا شك تخمين وليس هناك أي دليل أن كلمة كلالة مشتقة من إكليل. وقد أورد الطبري 27 معنى للكلالة مما يدل على انهم لا يعرفون معناها.

    ويقدر مونتجمري واط أن هناك حوالي سبعين كلمة غير عربية أُستعملت في القرآن، حوالي نصف هذه الكلمات مقتبسة من الكلمات التي كانت مستعملة في الديانة المسيحية، وخاصة اللغة السريانية والاثيوبية، وحوالي خمسة وعشرون كلمة من اللغة العبرية والارامية وكلمات بسيطة من الفارسية41.

    وهناك كلمات في القرآن يبدو ان المراد منها عكسها. فمثلاُ في سورة طه، ألآية 15 "إن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها"، وهي أصلاً مخفية ولا يعلم أحد متى تأتى، فالقرآن هنا لا بد انه قصد "أظهرها" بدل أخفيها. وقد قال القرطبي في تفسير هذه ألآية : (آيةٌ مشكلة. فروى سعيد بن جبير "أكاد أخفيها" بفتح الهمزة، قال : أظهرها. وقال الفراء : معناها أظهرها، من خفيت الشئ أخفيه إذا أظهرته. وقال بعض النحوين يجوز أن يكون "أخفيها" بضم الهمزة معناها أظهرها.) ويتضح هنا أن النحويين أنفسهم وجدوا مشقة في تفسير هذه ألآية، فكيف بعامة الناس؟

    وفي بعض الاحيان يعكس القرآن الاشياء المألوفة للناس، فمثلاً في سورة البينة، ألايتين أثنين وثلاثة نجد : "رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة، فيها كُتبٌ قيمة". والمعروف لدى كل الناس أن الكتب تحتوي على الصحف، وليس العكس كما جاء في القرآن. ولكن دعنا نقرأ ما كتب القرطبي في تفسيره لهذه ألآية : (الكتب هنا بمعنى الاحكام، فقد قال الله عز وجل "كَتَبَ الله لأغلبن"42 بمعنى حكم. وقال "والله لأقضين بينكما بكتاب الله" ثم قضى بالرجم، وليس الرجم مسطوراً في الكتاب. فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله. وقيل الكُتب القيمة هي القرآن، وجعله كُتباً لانه يشتمل على أنواع من البيان.)

    فهل اقتنع القارئ بهذا التفسير؟ أنا لم أقتنع. فالقرطبي كغيره من المفسرين راح يدور في حلقة مفرغة في محاولة منه للخروج من هذه المعضلة التي جعلت الصحف تحتوي على الكتب، وليس العكس.

    والامثلة كثيرة على استعمال القرآن غرائب الكلمات لانها تماشي السجع. فليس هناك اي بلاغة لغوية بالمعنى المفهوم عندما يستعمل القرآن غرائب الكلمات هذه، والمفروض فيه أنه نزل بلسان عربي مبين أي بائن للجميع، وقد رأينا أن علماء التفسير يجدون صعوبة في شرح كثير منه، فما بال عامة المسلمين؟ وقد لاحظ هذا جماعة من المعتزلة في صدر الاسلام، منهم ابراهيم النظام الذي قال ان ترتيب القرآن ولغته ليس فيهما اى اعجاز. وقد دافع عن هذا الرأي الكاتب والقاضي الاندلسي ابو محمد علي بن احمد بن حازم في كتابه "الملل والنحل" وكذلك ابو الحسين عبد الرحمن بن محمد الخياط من المعتزلة43.
    والرد عليه:

    1) الكلام الذي من قبيل: (لم يكن معروفًا عند العرب) قائم على مغالطة منطقية، فعدم معرفة الشيء لا تعني أنه معدوم.

    فإذا لم يتواجد اللفظ في التراث الشعري والنثري لا يعني هذا أنه لم يكن موجودًا ومتداولاً، بل إن أقصى ما يقال هو أنه من قليل الاستعمال لا أكثر.
    فالتراث الجاهلي لم يكن يومًا الحد المطلق للغة العربية.



    2) تعدد اللهجات العربية القبلية تفسح مجالاً لشهرة لفظ عند البعض أكثر من الآخر، فعدم علم القرشي بمعنى كلمة لا يعني أنها غير عربية أو لم تكن مستعملة، وحسبنا مثالاً على ذلك بما رواه ابن عباس: كنت لا أدري ما فاطر السمٰوات والأرض، حتى أتاني أعربيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، أي: بدأتها.



    3) اختلاف المفسرين في معنى كلمة لا يعني بالضرورة أن يكون العيب فيها، فالتفسير اجتهاد إنساني يتأثر بالتمكن اللغوي للمفسر ومدى معرفته وقدرته، ويتأثر بالسماع من الغير والتأثر بتفسير من سبقه.



    4) الجذر اللغوي للمفردات قيد الاعتراض تساعد على فهم الكلمة، فعند سماع لفظة "كلالة" توحي للأذن بمعنى الكل وهو الضعف والتعب، وعند سماع "سلسبيل" يخطر بالقلب معنى السلاسة، وعند سماع "سجين" نتذكر السجن.



    5) القول باشتقاق الكلمة من لغة أخرى ضرب من التخمين، فحتى لو تشابهت مع نظريتها في اللغة الأخرى فلا يملك الناقد دليلاً على السبق الزماني للغة الأخرى.



    6) وحتى لو سلمنا أن القرآن اقتبس هذه المفردة من لغة أخرى، فهل يعني هذا خروجه عن العربية؟ وإذا خرج فإلى أي لغة خرج؟ أهي الحبشية أم الفارسية أم الآرامية؟ وهل يجعل هذا القرآن غير عربيًا؟



    7) في اللغات الحالية نرى ألفاظًا مشتركة بين لغتين، فقاموس المورد مثلاً يضع فصلاً في نهاية الكتاب يذكر فيه المفردات الإنجليزية من أصل عربي، فهل احتواء الإنجليزية لهذه الألفاظ يعني فقدان هويتها؟؟ وهل استخدام أديب لبعض هذه المفردات في عمله الأدبي يخرجه عن كونه إنجليزيًا؟



    8) لقد قدم الدكتور وحيد صفية (جامعة تشرين في اللاذقية) والدكتور إبراهيم عوض في كتابه (دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية- أضاليل وأباطيل) دراسات موثقة تثبت أن الأغلبية الساحقة من الألفاظ القرآنية التي قيل بأعجميتها هي ألفاظ عربية أصيلة.



    9) يعمد القرآن إلى تفسير أجزاء منه بأجزاء أخرى، ومنها ما ذكره النجار في الكلالة فقد وضح ما هي في آية لاحقة.



    والآن إلى ما ذكره النجار من مفردات ادعى أنها غريبة أو أعجمية.




    الجمالات




    يقول ابن عاشور: والجِمالات: بكسر الجيم جمع جِمالة، وهي اسم جمع طائفة من الجمال، أي تُشبه طوائف من الجمال متوزعة فرقاً، وهذا تشبيه مركب لأنه تشبيه في هيئة الحجم مع لونه مع حركته. والصُفرة: لون الشرر إذا ابتعد عن لهيب ناره.
    فاختيار هذا اللفظ النادر له دلالته،
    ثم يتعجب النجار من أنه ليس هناك جمال صفراء يقول: (ليس هناك جمال صفراء)!
    فليقل لنا إذن ما لون الجمال التي تراها؟!





    أثاما




    يقول النجار أن أثاما ليست من العربية، ثم يقول أن المفسرين واللغويين حاروا فيها، ولا بد من إضافة البهارات فيذكر تعريفات غريبة شاذة ليدعم موقفه، بينما لو رجعنا إلى المعجم نرى أن أثاما مصدر للفعل أَثَمَ، وتعني عده إثمًا:


    أَثَمَه الله في كذا يَأْثُمُه و يأْثِمُه أَي عدَّه عليه إِثْمًا , فهو مَأْثُومٌ . ابن سيده : أَثَمَه الله يَأْثُمُه عاقَبَه بالإِثْم ; وقال الفراء : أَثَمَه الله يَأْثِمُه إِثْمًا و أَثامًا إِذا جازاه جزاء الإِثْم (محيط المحيط).


    فأثاما تعني جزاء الإثم، وهو العقاب،

    والنص القرآني المعجز يصطفي من المفردات أدقها، وهو ينوع من المصادر المختلفة لنفس الأصل اللغوي، انظر مثلاً إلى ما اعترض عليه النجار هنا، نرى أن الجذر أثم تعددت مصادره في القرآن الكريم، وتناسقت هذه المصادر مع طبيعة النص والسياق في أروع ما يمكن، فالمصدر (إثْم) ذكر كثيرًا في القرآن وأُطلق على كل ما حرمه الله، وتعود مادته إلى معنى الإبطاء والتأخير، فإذا صدر عن الإنسان إثم عرضه للعقاب وأخره عن الثواب.

    أما المصدر الثاني وهو قيد النقاش (أثاما)، فهو يحمل معنى الإثم المضاف الذي المستحق للعذاب الشديد، وقد ورد في السياق هنا الذي نعود لنتأمله:
    ( والذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما )
    لاحظ عدد الآثام المذكورة ومدى عظمها، ثم لاحظ ما تبع الآية:
    ( يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا )
    فهذه الآية فسرت معنى أثاما، وهذا من بديع القرآن الذي لا يدركه النجار.

    ولغويًا، زيادة المبني تفيد زيادة المعنى، فالأثام أربعة حروف، والإثم ثلاثة، فزيد اللفظ لزيادة المعنى، كل هذا توافق مع المعنى المساق، فتمت الفصاحة والبلاغة على أتم وجه، مع مراعاة الفواصل.

    إلا أنه كما قلتُ من قبل، فإن النجار يعتبر كل سجع نقيصة!

    أما المصدر الثالث فهو تأثيم، وقد ورد مرتان:

    ( يتنازعون فيها كاسا لا لغو فيها ولا تأثيم ) الطور 23.
    ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تاثيما ) الواقعة 25.

    وهذا المصدر هو مصدر رباعي للفعل أثًم، تقول: أثًم يؤثِم تأثيمًا، وقد جاءتا بمعنى الإيقاع في الإثم، فخمر الآخرة لا توجب ما تجوبه خمر الدنيا من وقوع في الإثم.
    كل هذا التنويع استعمله القرآن الكريم وتحرى فيه دقة اللفظ الموصل للمعنى المطلوب مع الحفاظ على الإيقاع الموسيقي في أبهى ما يكون.





    الحيوان



    وهذا مثال آخر على ضحالة معرفة الكاتب بقواعد الصرف، فكلمة حيوان على وزن فعلان، وهي تفيد المبالغة، تقول عطشان، دوخان، تعبان، ظمآن، جوعان، فهذه معلومة معروفة لأي قارئ هاوي ولا تحتاج إلى مجلدات لشرحها، لكن النجار كعادته يذهب إلى البحث عن الكلام الغريب محاولاً دعم موقفه، ولا بد من إضافة بعض الآراء الشخصية.

    فكلمة حيوان تطلق على ضربين، أحدهما الحيوان الذي له حاسة، والثاني ما له البقاء الأبدي الملازم للحياة، وهذا ما عناه القرطبي إلا أن النجار يدلس في نقله ليوحي أن القرطبي لا يعرف معناها.

    وفي كل انتقادٍ له يظهر شيء خفي في آيات الله، فقد انتقى الله لفظ الحيوان هنا، بينما كان بإمكانه اختيار لفظ الحياة، فلماذا اختار هذا اللفظ بالذات؟

    إن النظر إلى نص الآية، يرى أنها تتحدث عن الحياة الحقيقية في الدار الآخرة، وأن ما نسمية حياة دنيا ليست بشيء، وقد أكد الله ذلك عن طريق اختيار هذا اللفظ المفيد للمبالغة، كما عرفه بأل التعريف، وأكده مرتان، مرة بـ (إن)، ومرة باللام:
    ( وما هذه الحياة الدنيا الا لهو ولعب وان الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ).





    القضب



    القَضْبةُ و القَضْبُ الرَّطْبةُ ، القَضْبُ الرَّطْبةُ ; قال لبيد :

    إِذا أَرْوَوْا بها زَرْعاً وقَضْباً ,
    أَمالوها على خُورٍ طِوالِ


    قال : وأَهل مكة يُسَمون القَتَّ القَضْبةَ . وقال الليث : القَضْبُ من الشجر كلُّ شجر سَبِطَتْ أَغصانُه , وطالت . والقَضْبُ : ما أُكِلَ من النبات الـمُقْتَضَبِ غَضّاً ; وقيل هو الفُصافِصُ , واحدتُها قَضْبة , وهي الإِسْفِسْتُ , بالفارسية. (محيط المحيط).

    كما ذكرت سابقًا فالنجار لا يعرف المشترك اللفظي، ويظن أن تعدد المعاني اختلافًا في التفسير!




    الأب




    لا تُذكر بكلمة (أبًا) إلا ويُذكر معها قول ابن الخطاب، لكن ثمة تعليق:

    1) لو جهل فرد أو اثنان معنى الأب لا يعني أن الكلمة غريبة مجهولة المعنى.

    2) جهل عمر بمعنى القضب قد يعني على التعيين، إذ هو يعرف أنه نبات لكن لا يعرف أي نوع بالضبط،

    ونحن نرى الشخص المتعلم بل والأديب يجهل أسماء نباتات وأعشاب بينما تعرفها العجوز الأمية،

    فلو قلت لك ذهبت اليوم إلى العطار واشتريت خروع ونعنع وزلوع وسذاب وقيصوم وكركم وهندباء، فإنك لن تعرف هذه الأسماء بعينها لكنك تفهم أنها من الأعشاب.

    3) الآية اللاحقة تبين أنه من نبات الأرض (متاعًا لكم ولأنعامكم).

    لكن النجار مؤمن بكون اللغة العربية عالة فيقول:
    والكلمة قد تكون سريالية واصلها Ebba أو قد تكون مشتقة من الكلمة العبرية Ebh، ولكنها قطعاً ليست عربية، ولا يعرف العرب معناها.

    ولو افترضنا أن الأب نبتة تنبت في غير جزيرة العرب وأن العرب عرفوها لاحقًا من الشعوب الأخرى وأخذوا تسميتها الأصلية منهم، كانت هذه نقيصة!





    التفث



    القرآن يفسر بعضه بعضًا، فقد ذكر من شعائر الحج الحلق والهدي.
    وقد صدق النجار في صفه لها بالثقيلة، ذلك أن من بديع القرآن استخدامه اللفظ الدال على المعنى مع وقعه الصوتي، فالتفث توحي بالخروج الكريه مثل قولك تفل ونفث ورفث، فعبر عن قص الشعر والأظافر ونتف الإبط ورمي الحجارة بهذا اللفظ الموحي بنفس الإيحاء.

    ونذكر هنا مثالاً مشابهًا وهو اختيار القرآن لكلمة (ضيزى) في تعرضه لعقيدة المشركين من جعلهم الذكر لهم والأنثى لله، فـ(ضيزى) تعني جائرة أصلها (ضاز) بمعنى جار، لكن القرآن لم يختر لفظ جائرة بل اختار ضيزى لما توحيه هذه الكلمة من غرابة فكان لها مثل حال الموصوف وهي قسمة المشركين في الذكور والبنات.

    ومناسك الحج معروفة ومشروحة ومتواترة، ولا يبقى للتفث غير معنى واحد: مناسك الحج.





    المثاني




    كلمة مثاني ليست عربية؟؟ ما هي إذن؟

    هل هذا هو النقد المنهجي؟

    ماذا عن عطف الخاص على العام؟





    غسلين



    لا أحد يعرف! بينما يعرفها اللغويون والمفسرون:

    الغِسْلِينُ : ما يخرجُ من الثَّوب وغيره بالغَسْل( المحيط).






    سلسبيل




    يقول النجار أنه مهما صرفنا الكلمة فلن نصل إلى سلسبيل،

    وهذا لأنه يجهل شيئًا اسمه الاشتقاق الأكبر، وهو اشتقاق مركب من اثنين، فهو يعرف الاشتقاق الصرفي فقط، فهذا الوصف ركب من مادتي السلاسة والسبيل لإِرادة سهولة شربه ووفرة جريه.

    وقد ذكر البعض أن سلسبيل هي اسم تلك العين في الجنة، ورغم إمكانيته إلا أن اللفظ القرآني يرجح التفسير الأول لقوله تعالى: ( ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ) النجم 27، وقوله ( هل تعلم له سميًا ) مريم 65.





    سجين




    السجين لغة: حروف مادته من حروف العربية، وصيغته من الصيغ العربية، فهو لفظ عربي، ومن زعم أنه معرّب فقد أغرب. روي عن الأصمعي: أن العرب استعملوا سجين عوضاً عن سِلْتِين، وسلتين كلمة غير عربية، صيغ بزنة فِعِّيل من مادة السجن للمبالغة مثل: الملك الضِّليل، ورجل سِكّير، وطعام حِرّيف (شديد الحرافة وهي لذع اللسان) ورجل فِسِيق، سمي ذلك المكان سجيناً لأنه أشدّ الحَبْس لمن فيه فلا يفارقه وهذا الاسم من مصطلحات القرآن لا يعرف في كلام العرب من قبل ولكن مادته وصيغته موضوعتان في العربية وضعاً نوعياً. وقد سمع العرب هذا الاسم ولم يطعنوا في عربيته. (ابن عاشور).

    السجين معنى: لا ندري نحن ماهيته ولم نكلف هذا. وهو غيب لا نعرف عنه إلا بمقدار ما يخبرنا عنه صاحبه ولا زيادة ـ فهناك سجل لأعمال الفجار يقول القرآن: إنه في سجين. ثم يسأل سؤال الاستهوال المعهود في التعبير القرآني: { وما أدراك ما سجين؟ } فيلقي ظلال التفخيم ويشعر المخاطب أن الأمر أكبر من إدراكه، وأضخم من أن يحيط به علمه. ولكنه بقوله: { إن كتاب الفجار لفي سجين } يكون قد حدد له موضعاً معيناً، وإن يكن مجهولاً للإنسان. وهذا التحديد يزيد من يقين المخاطب عن طريق الإيحاء بوجود هذا الكتاب. وهذا هو الإيحاء المقصود من وراء ذكر هذه الحقيقة بهذا القدر، دون زيادة.

    ثم يعود إلى وصف كتاب الفجار ذاك فيقول: إنه { كتاب مرقوم }.. أي مفروغ منه، لا يزاد فيه ولا ينقص منه، حتى يعرض في ذلك اليوم العظيم.

    ولفظ { عليين } يوحي بالعلو والارتفاع مما قد يؤخذ منه أن { سجين } يفيد الانحطاط والسفول. ثم يعقب عليه بسؤال التجهيل والتهويل المعهود: { وما أدراك ما عليون؟ }.. فهو أمر فوق العلم والإدراك.
    (سيد قطب).

    ونقارن ما يحمله هذين اللفظين من معاني مع ما قاله النجار.


    كما أن فهم النجار مادي دائمًا، فهو يعتقد بأن هذين الكتابين كتب فلزية تحوي ورق وحبر وغلاف! مع أن اعتقاد المسلمين مختلف عن هذا.

    وكعادته الساخرة يفترض أن هناك نسخ احتياطية لأم الكتاب، ويتعجب من إخبار القرآن لاسم كتابين جديدين!

    ولو سايرناه في فهمه هذا لقلنا إن وجود نسخ إضافية –كما فهم- لا يعني أنها اختياطية،فأنت عندما تذهب إلى مؤسسة عسكرية ترى عبارات من الدستور العام للدولة خاصة بالقضايا العسكرية تُكتب هنا وهناك كملصقات أو كتيبات، مع أن الدستور العام للدولة موجود في كل مكان، فهل يعني هذا أن إعاجة الجزء الخاص بالأحكام العسكرية كان الداعي له الاحتياط؟ وهل تسمية هذا الجزء بايم مادة معينة دعوى للسخرية كما يفهم النجار؟!!

    هذا وقد رددت عليه من منطقه الخاص به، فالكتب التي خبرنا عنها ربنا لا تؤمن بأنها كتب من عالمنا ولا يوجد مسلم قال بانه يدرك ماهيتها فهي من أخبار الغيب، ولا يقول المسلم فيها إلا ما قاله ربنا ونقله لنا، فوصفه (وليس تسميته كما فهم النجار) بالسجين يلقي معاني الانحباس والوحشة والسخط، وهي في مقابل العلو والرفعة لكتاب الأبرار.

    والجدير بالذكر هنا أن القرآن استعمل كلمة "وما أدراك" أثنتي عشر مرةً ليشرح كلمات غريبه لم تكن معروفة للعرب آنذاك، وسوف نتعرض لبعض هذه الكلمات في حينها.

    هو ليس جديرًا بشيء سوى الجهل يا نجار، فالاستفهام تهويلي وليس للشرح.




    أبابيل




    الأبَابِيلُ : [جمع لا مفرد له] الجماعات (المحيط).

    لاحظوا كيف يخلط النجار بين معنى كلمة أبابيل وبين اختلاف الروايات الحاكية عن قصة الطير!





    سجيل




    هذه مما فسرها القرآن نفسه، فقد قال عن قوم لوط في أكثر من موطن:

    ( لنرسل عليهم حجارة من طين ) الذاريات 33،

    (فجعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليهم حجارة من سجيل ) الحجر 74

    (فلما جاء امرنا جعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ) هود 82.

    وهكذا عرفنا معناها يا نجار يا من تقول (لا أحد يعرف معناها)، فالسجيل هو الطين.





    الفرقان




    المشكلة عند النجار أنه لا يعرف المشترك اللفظي، فإذا كان للفظ أكثر من معنى عرفنا معناه في الآية من السياق أو القرينة، فلو أردنا أن نفسر كلمة ( أنى ) في قوله:
    (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين ) البقرة 223،

    فإننا ننظر إلى معانيها المحتملة، وباستقراء آي القرآن نجد أن لها معنيين:
    الأول بمعنى أين: ( أنى لك هذا ) آل عمران 37،
    والثاني بمعنى كيف: (قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيًا ) مريم 20.

    ونظرًا للختلاف الكبير الذي يحدثه توظيف إحدى الكلمتين في الآية، ننظر إلى قرينة ترجح أحد المعنيين، وهي كلمة ( حرث )، فموضع الحرث هو الرحم وليس الدبر، وبالتالي فإن معنى أنى هو كيف وليس أين، وقد وقع البعض بأخطاء تشريعية لعدم تفريقهم هذا فأحلوا جماع الدبر مع الزوجة.

    ويسري على الفرقان ما ذكرنها، فالبحث في القرينة يؤدي المعنى، وليس كما يتوهم النجار من أن كلمة فرقات واحدة في كل الآيات!





    كلالة




    يقول النجار:

    وهناك كلمة أخرى لم تكن معروفة للعرب قيل نزول القرآن، ألا وهي "كلالة". ففي سورة النساء، ألآية 4 : "وإن كان رجلٌ يورث كلالةً ام إمرأة". وسئل ابو بكر الصديق عن كلمة كلالة فقال : أقول فيها برائي فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه، الكلالة من لا ولد له ولا والد. وقال القرطبي في تفسيره : الكلالة مشتقة من الاكليل وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه. وهذا بلا شك تخمين وليس هناك أي دليل أن كلمة كلالة مشتقة من إكليل. وقد أورد الطبري 27 معنى للكلالة مما يدل على انهم لا يعرفون معناها.
    لاحظوا كيف أخطأ في رقم الآية، إذ نقل رقم السورة!


    المهم، وردت كلالة مرتين:

    ( ولكم نصف ما ترك ازواجكم ان لم يكن لهن ولد فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها او دين ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها او دين وان كان رجل يورث كلالة او امراة وله اخ او اخت فلكل واحد منهما السدس فان كانوا اكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها او دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم ) النساء 12.


    وقد بينت الآية الثانية معناها:

    ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم ان تضلوا والله بكل شيء عليم ) النساء 176.


    فلا معنى لاعتراضه وتهويله للموضوع وأن المسلمين حاروا واحتاروا ولم يفهموا !
    ثم إن نص الآية الثانية يقول (يستفتونك)، فهناك من سأل عن أحكام الميراث في حالة الكلالة، وإذا لم تكن معروفة فلماذا يورط محمد نفسه في أمر غامض لم يسأله عنه أحد؟

    وإن من بديع القرآن أن يسمي الميراث في هذه الحالة بالكلالة، فالكلالة من (كلل) بمعنى ضعف وتعب، وهي حال من مات ولم يكن عنده ولد ولا والد، فالعلاقة مع الأخ والأخت والأقرباء أضف منها عند الولد والوالد، فوصف الله هذه الحالة بالضعف والتعب، فضلاً عن أن المستحقات الميراثية في هذه ضعيفة أيضًا.


    وهكذا نكون قد رددنا على النجار في اتهامه بوجود لفظ غريب في القرآن ردًا منهجيًا ومفصلاً على كل مفردة ذكرها.




    -----------------------------


    ونأتي لما وصفه بغريب المعنى، يعترض النجار على استخدام لفظ (أخفيها) في قوله تعالى (إن الساعة آتية أكاد أخفيها)، والأصح أن سقول (أكاد أظهرها)،

    وقد فصل الفخر الرازي رحمه الله في هذه المسألة، وأفضل ما قيل:

    أن كاد من الله مثل عسى تفيد الوجوب فمعنى قوله: ( أَكَادُ أُخْفِيهَا ) أي أنا أخفيها عن الخلق كقوله: ( عسى أن يكون قريبًا )[الإسراء: 51] أي هو قريب.


    أو أنها بمعنى أريد كقوله ( كذلك كدنا ليوسف )
    [يوسف: 76] ومن أمثالهم المتداولة لا أفعل ذلك ولا أكاد أي ولا أريد أن أفعله.



    ثم يقول النجار:


    وفي بعض الاحيان يعكس القرآن الاشياء المألوفة للناس، فمثلاً في سورة البينة، ألايتين أثنين وثلاثة نجد : "رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة، فيها كُتبٌ قيمة". والمعروف لدى كل الناس أن الكتب تحتوي على الصحف، وليس العكس كما جاء في القرآن. ولكن دعنا نقرأ ما كتب القرطبي في تفسيره لهذه ألآية : (الكتب هنا بمعنى الاحكام، فقد قال الله عز وجل "كَتَبَ الله لأغلبن"42 بمعنى حكم. وقال "والله لأقضين بينكما بكتاب الله" ثم قضى بالرجم، وليس الرجم مسطوراً في الكتاب. فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله. وقيل الكُتب القيمة هي القرآن، وجعله كُتباً لانه يشتمل على أنواع من البيان.)

    فهل اقتنع القارئ بهذا التفسير؟ أنا لم أقتنع. فالقرطبي كغيره من المفسرين راح يدور في حلقة مفرغة في محاولة منه للخروج من هذه المعضلة التي جعلت الصحف تحتوي على الكتب، وليس العكس.

    مشكلته أنه يفهم أن الكتاب هو الكتاب الذي نراه في المكتبة، إذ يحوي ورقًا وحبرًا وغلافًا وألوانًا، بينما الصحيفة هي الورقة المطوية، وبالتالي كيف يوجد الكتاب داخل الصحيفة؟!

    فهل مثل هذا يحتاج إلى رد؟

    إذا قلنا: ألقى الملك كتباه السامي مساء أمس، وشرع مجلس الشورى في مناقشته، فهل يفهم النجار ذلك حرفيًا
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  11. افتراضي

    سابعًا: دعوى وجود الزيادة في القرآن




    لم يتطرق النجار لهذه المسألة كثيرًا، بل اكتفى بالإشارة إليها في اعتراضه على وجود كلمة (أقدمون) في قوله تعالى: (أنتم وآباؤكم الأقدمون).

    ولما كانت مسألة وجود ألفاظ زائدة في القرآن محل شبهة قديمة، جاز لنا بتر هذه الشبهة من سياقها باستعراض الأمثلة التي تساق عليها.

    والقول بالزيادة قديم، خاص ببعض النحويين الأوائل، وأول من قال بها الفراء وأبو عبيدة، ثم تابعهم آخرون على ذلك.

    وقد سجل الدكتور فضل عباس بعض أسباب القول بالزيادة ورد عليها كلها، وكان من أهم الأسباب:

    * جعل القاعدة النحوية هي الأساس، وتطبيقها على آي القرآن.

    * قياس ما جاء في الشعر على القرآن الكريم.

    * قياس آية من القرآن على أخرى.

    * تصور معنى الكلمة القرآنية وتفصيل الآية على هذا التصوير.

    * قياس بعض الآيات على بعضها من حيث الإعراب.

    * تصور حكم إعرابي لكلمة في الآية والتكلف في تطبيقه.

    * إهمال السياق في تفسير الآية.

    * التمسك بقراءة شاذة وجعلها أصلاً يُقاس عليه.

    * عدم التفرقة بين الأساليب العربية.

    * إهمال أسلوب التضمين.



    هذه باختصار أسباب قول البعض من النحاة بوجود زيادة في القرآن الكريم، والآن سأستعرض بعضها.




    المجرور بحرف الجر الزائد



    يزاد حرف الجر في الكلام، فلا يخرج الاسم المجرور عن وظيفته النحوية، والمقصود هنا زيادته في الإعراب لا في المعنى، لأن له دلالة خاصة يقوم بها، يقول سيبويه عن حرف الجر (من):

    ( وقد تدخل في موضع لو لم تدخل فيه كان الكلام فيه مستقيمًا، ولكنها توكيد بمنزلة "ما" إلا أنها تجر لأنها حرف إضافة، وذلك قولك: ما أتاني من رجل، وما رأيت من أحد، فلو أُخرجتا من الكلام كان حسنًا، ولكن أكد بمن لأن هذا موضع تبعيض، فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس، وكذلك ويحه من رجل إنما أراد أن يجعل التعجب من بعض الرجال، وكذلك: لي ملؤه من عسل ) (أنظر سيبويه 2/308). فحرف الجر له معنى يؤديه ولا يفهم هذا المعنى بدونه.


    أما المبرد فيقول: ( وأما قولهم إنها تكون زائدة، فلست أرى هذا كما قالوا، وذلك أن كل كلمة إذا وقعت وقع معها معنى، فإنما حدثت لذلك المعنى وليست بزائدة، وأن المعنى ما رأيت رجلاً، وما جاءني أحد، وليس المعنى كما قالوا، وذلك لأنها إذا لم تدخل جاز أن يقع النفي بواحد دون سائر جنسه، تقول: ما جاءني رجل، وما جاءني عبد الله، إنما نفيت مجيء واحد، لكن إذا قلت: ما جاءني من رجل فقد نفيت الجنس كله، ألا ترى أنك إذا قلت: ما جاءني من عبد الله لم يجز لأنه معرفة؟؟؟ فإنما موضعه موضع واحد ). (المقتضب 1/45).

    إن محصول كلام سيبويه والمبرد الذي يعنينا هنا أن حروف الجر المسماة زائدة لا تكون زائدة من حيث الدلالة، وإنما زائدة من حيث إقامة الوظائف النحوية في الجملة، وهو ما أشار إليه المبرد في قوله لاحقًا: ( فتدخل لإبانة المعنى ). ويجري على الباء ما يجري على (من).



    من الآيات التي وردت فيها حروف الجر المزيدة:

    • ( ما لكم من إله غيره ) الأعراف 59

    • ( هل من خالق غير الله ) فاطر 3.

    • ( ما كان لله أن يتخذ من ولد ) مريم 35.

    • ( فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ) الأعراف 53.

    • ( وما من إله إلا الله ) آل عمران 62.

    • ( وما من إله إلا إله واحد ) المائدة 73.

    • ( أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ) المائدة 19.

    • ( وكفى بالله حسيبًا ) النساء 6.

    • ( وكفى بالله شهيدًا ) النساء 79.

    • ( وأن الله ليس بظلام للعبيد ) الحج 10.

    • ( ألست بربكم ) الأعراف 172.

    • ( أليس الله بكاف عبده ) الزمر 36.

    • ( وما هو بمزحزحه ) البقرة 96.

    • ( وما هم بمؤمنين ) البقرة 8.

    • ( ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ) إبراهيم 22.

    • ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ) الحج 52.

    • ( وكفى بجهنم سعيرًا ) النساء 55.

    • ( وكفى بنا حاسبين ) الأنبياء 47.

    • ( تنبت بالدهن ) المؤمنون 20.

    • ( ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ) الزمر 37.

    والآيات والشواهد أكثر من أن تحصى في هذا الصدد..

    إن حروف الجر الزائدة تدخل على أسماء تشغل وظائف مختلفة كالابتداء والفاعلية والمفعولية والخبرية فلم تُخرج أيًا منها عن وظيفته التي يشغلها، ولكنها في الوقت نفسه حرمته من العلامة الخاصة به وشغلته بعلامة الجر، ودلالة جر الفاعل أو المبتدأ أو (خبر ليس) أو (ما) أو المفعول به هي التسامح في العلامة الإعرابية الخاصة به من أجل المعنى الذي يفيده حرف الجر في الجملة من توكيد أو غيره، وهي شكل من أشكال الترخص.

    فانظر إلى روعة قوله ( ما لكم من إله غيره )، وإلى بلاغة قوله ( ما كان لله أن يتخذ من ولد )، فقد نفى كل أشكال الألوهية عما سواه، ونفى البنوة لنفسه أيًا كان جنس الولد، فلم يقل ( ما كان لله أن يتخذ ولدًا )، ولاحظ ورود هذه الآية في سورة مريم التي تتحدث عن المسيح عليه السلام وعن مولده.


    أما القول بزيادة الباء في قوله تعالى: ( أسمع بهم وأبصر ) مريم 38، فهو صحيح لأن الجملة فعلية، والفاعل هو المجرور بحرف الجر، ولكن هذا التركيب لا يمكن أن يستغني عن الباء فالجملة مستقلة قائمة بذاتها، فالباء أحد مكونات الجملة التعجبية التي تصاغ على هذه الصورة.

    فللجملة التعجبية صياغتان ثابتتان غير متصرفتين، هما: ( ما أفْعَلَـه )، و( أَفْعِـل به )، فيقال: ما أجمل السماء، وأجمل بالسماء، وما أحسن محمدًا، وأحسن بمحمد.

    وعند الرجوع إلى سياق الآية في سورة مريم نقرأ:

    فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم (37) أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين (38)

    فلا تجد معنى إذا أزيلت الباء يتفق مع السياق، بل هو تعجب من حالهم يوم الحساب، فما أسمعهم وما أبصرهم اليوم بعد أن وقفوا بين أيدي الله للحساب وقد كانوا من قبل من المكذبين، فيا عجبًا من هذه الآذان والعيون التي أدركت اليوم الحقيقة بعد أن لم تكن تدركها في الدنيا.



    ذكر البعض أن الباء زائدة في قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) البقرة 228.

    وكلامهم مردود، إذ لا يصح جعل (أنفسهن) تأكيدًا للضمير الذي هو في محل رفع فاعل، لا من حيث الصياغة، ولا من حيث المعنى.

    إذا جيء بلفظٍ تأكيدًا لضمير رفع قبله، يشترط النحويون أن يسبق اللفظ ضمير منفصل، فإذا لم يسبقه ضمير منفصل لم يجز جعله تأكيدًا للضمير المتصل، تقول: جئن أنت نفسك، وقام هو نفسه، وأكلت أنا نفسي.

    ولا يوجد في الآية ضمير منفصل لتكون تأكيدًا له، ولو أراد لقال: والمطلقات يتربصن هن أنفسهن.

    هذا من ناحية النحو، أما من ناحية النص القرآني فإن استقراءه يلاحظ دائمًا أن الفعل (تربص) متعد بباء، أنظر إلى قوله تعالى:

    • ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب ) التوبة 52.

    • ( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرمًا ويتربص بكم الدوائر ) التوبة 98.

    • ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا ) البقرة 234.

    • ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) الطور 30.

    فهل الباء في كل هذه الآيات زائدة؟ إنها أصيلة لفظًا ومعنى.


    وقد ذكر الزمخشري وسيد قطب يبينان أصالة الباء في الآية، إن المعنى الذهني المقصود هو أن ينتظرن دون زواج جديد حتى تنقضي ثلاث حيضات، أو حتى يطهرن منها، ولكن التعبير القرآني يلقي ظلالاً أخرى، إنه يلقي ظلال الرغبة الدافعة إلى استئناف حياة زوجية جديدة رغبة الأنفس التي يدعوهن إلى التربص بها، والإمساك بزمامها، مع التحفز والتوفز الذي يصاحب صورة التربص، وهي حالة طبيعية تدفع إليها المرأة في أن تثبت لنفسها ولغيرها أن إخفاقها في حياة الزوجية لم يكن لعجز فيها أو نقص، وأنها قادرة على أن تجتذب رجلاً آخر، وأن تنشئ حياة جديدة.

    وهذا من خصائص النص القرآني الذي امتاز به عما سواه، فهو يلقي أبعادًا أخرى غير المعنى الأصلي.


    ونعود إلى (من)، فمما قيل فيها من الزيادة أيضًا، قوله تعالى: ( ألم تر أن الله يزجي سحابًا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركامًا فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ) النور 43.

    قيل، إن (من) الثانية والثالثة زائدان،

    إلا أن (من) الثانية تبعيضية، والثالثة بيانية، بينما الأولى ابتدائية، وهو ما وضحه الزمخشري.

    فمعناه: أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها، وشبه الجملة (من جبال) بدل اشتمال من (السماء) في شبه الجملة السابقة، وشبه الجملة (من برد) في محل نصب مفعول به من الفعل ينزل، فيصبح المعنى:

    (من السماء) أي ابتداء الغاية المكانية،
    (من جبال فيها) تبعيضية، أي من بعض جبال السحاب،
    (من برد) أي أن جنس النازل من بعض جبال السحاب هو البرد.

    وبالتالي فإن (من) في كل واحدة أصيلة وليست زائدة، ولا تكرار في هذه المرات الثلاثة!

    ونسوق مثالاً آخر، وهو ورود (من) في آية (تجري من تحتها الأنهار)، ومما يبدو أنها زيادة نظير الآية الأخرى (تجري تحتها الأنهار

    إلا أن التدقيق بين سياق الآيتين يظهر شيئًا خفيًا..

    فالآية التي لم تذكر (من)، جاءت في صنف من المؤمنين أدنى من غيرهم! تأمل قول الله تعالى:

    ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) التوبة 100.

    بينما تقول الآية الأخرى: ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنت تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ) التوبة 72.

    فالآية الأخيرة تتكلم عن جميع أنواع المؤمنين الصالحين وفي مقدمتهم الأنبياء والمرسلون! لذلك أعطاهم الله مزيدًا من الفضل والتكريم، وجاء الكلام عن جناتهم ونعيمهم خاصًا، فذكرت (من) الابتدائية الدالة على تفجر الأنهار تفجيرًا من تحت جناتهم (جنات تجري من تحتها الأنهار )! بينما الصنف الثاني فهم جزء من المؤمنين: سابقون أولون من المهاجرين، وسابقون أولون من الأنصار، وتابعون لهم بإحسان، وهم مخصوصون بأنهم من أمة محمد، فلا نبي ولا رسول فيهم، فالأنهار تمر في جنتهم مرورًا، ولا جنات الأنبياء تنبع منها هذه الأنهار!

    وهذه الظلال التي تلقيها الآيات القرآنية لا يدركها أغفل قلبه عن ذكر الله وكان أمره فرطًا..

    ومما قيل أيضًا أنه زيادة (لا) في قوله تعالى: ( قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) الأعراف 12.

    ومما يبدو أنها زيادة نظير الآية في سورة ص آية 75: ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )، لكن الملاحظة الدقيقة تكشف عن فروق بين الآيتين، فالسؤال في سورة ص كان عن المانع لإبليس عن السجود:
    ( قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟ أستكبرت أم كنت من العالين )، أما السؤال في سورة الأعرف فكان عن شيء آخر يترتب على السؤال في سورة ص، وينبني عليه: ( قال ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك )؟ ومعنى السؤال ما أحوجك أن لا تسجد بعد أن أمرتك بالسجود؟ أو: ما ألجأك ألا تسجد؟

    إن وجود (لا) النافية في الآية دل على وجود فعل مقدر في الجملة، دل عليه فعل (منعك) قبله، وهو فعل: ألجأك أو أحوجك!

    فالسؤالان ليسا بمعنى واحد، فسؤالك لشخص: لما لم تفعل كذا؟ غير قولك: ما الذي حملك على ترك كذا؟

    ففي المرحلة الأولى كان السؤال عن السبب المانع له من السجود هل هو الاستكبار أم العلو؟ ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين )؟
    وفي المرحلة الثانية جاء السؤال عن السبب الحامل على عدم السجود بعد أن أمره الله: ( ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك )، فالحاجة الداعية لترك السجود تختلف عن كون الشخص مستكبرًا.

    إذن فإن (لا) أصيلة في الآية ولها وظيفة نحوية وبلاغية.
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  12. افتراضي

    ثامنًا: دعواه في عدم اتساق السرد القرآني




    يقول النجار:

    ونجد في القرآن آيات لا يمت نصفها الاول الى نصفها الثاني بأي علاقة. فخذ مثلاً الآية الثالثة من سورة النساء : "وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنىً وثلاث ورباعَ فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا". فما علاقة القسط في اليتامى وزواج ثلاث او اربع زوجات؟ يقول القرطبي (إن خفتم الا تعدلوا في مهور اليتامى وفي النفقة عليهن، فانكحوا ما طاب لكم غيرهن. وعن عائشة قالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهن الا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن اعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

    وقال أبن عباس وأبن جبير : المعنى إن خفتم الا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء، لانهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء). وتفسير عائشة لا يمت للواقع بصلة. فاليتيمة تكون في حجر وليها الذي غالباً ما يكون عمها أو خالها وهي تحرم عليه ولا يمكن ان يتزوجها سواء أطمع في مالها او لم يطمع. وكم يتيمة كانت غنية في تلك الايام حتى تستدعي نزول آية قرانية لتمنع وليها من ان يتزوجها ويأكل مالها؟

    والتفسير الآخر لا يستوي والمنطق كذلك. فاذا خفتم الا تعدلوا في مهور اليتامى فلا تنكحوهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء غيرهن. ما ذا إذاً عن العدل في مهور النساء الغير يتامى؟ هل يحق لنا الا نعدل في مهورهن ونتزوج ثلاثة أو أربعة منهن؟ أنا أعتقد ان ألآية أصلاً لا تمت للمهور أو النساء اليتامى بشئ، انما هي تخص اليتامي الصغار من بنات واولاد، إذا مات والدهم وتركهم في كفالة عمهم او خالهم.....، ولسببٍ ما لم يكمل المتحدث الآية، وربما سهواً كتب الشخص الذي كان يجمع القرآن "فانكحوا ما طاب لكم من النساء". وقد يكون النصف الثاني من ألآية سقط سهواً اثناء جمع القرآن، أو أُسقط كما أُسقطت آيات كثيرة ذكرناها سابقاً.
    يبحث النجار (أو الكاتب الأصلي) عن إشكال لدى بعض المفسرين، فيجعله إشكالاً بحتًا، ثم يحاول عرض التفسير كنوع من الأمانة العلمية، ثم يبين نقاط الضعف في هذا التفسير ليخلص في النهاية إلى خطئ في النص القرآني.. وطبعًا لا بد من إضافة بعض الآراء الشخصية كسقوط آيات وفقدانها!

    إن بدا اختلاف بين الشرط وجوابه فهذا من باب الإيجاز، فعندما أطلق لفظ اليتامى في الشرط وقابله بلفظ النساء في جوابه يعلم السامع أن اليتامى هي جمع يتيمة وهي صنف من اليتامى في الآية السابقة لها (وآتوا اليتامى أموالهم)، وقد بينت الرواية التي ذكرها النجار هذا الرابط بين الشرط وجوابه في حديث عائشة رضي الله عنها:
    أنّ عروة بن الزبير سأل عائشة عن هذه الآية فقالت: «يابنَ أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها تشرَكه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صداقها فلا يعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهنّ إلاّ أن يقسطوا لهنّ ويبلغوا بهنّ أعلى سنتهنّ في الصداق فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء غيرهنّ. ثم إنّ الناس استفتوا رسول الله بعد هذه الآية فأنزل الله:

    { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء التي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن } [النساء: 127].

    فقول الله تعالى:
    { وترغبون أن تنكحوهن }
    [النساء: 127] رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلاّ بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ إذا كنّ قليلات المال والجمال». وعائشة لم تسند هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سياق كلامها يؤذن بأنّه عن توقيف، ولذلك أخرجه البخاري في باب تفسير سورة النساء بسياق الأحاديث المرفوعة اعتداداً بأنها ما قالت ذلك إلاّ عن معاينة حال النزول، وأَفهام المسلمين التي أقرّها الرسول عليه السلام، لا سيما وقد قالت: ثمّ إنّ الناس استفتوا رسول الله، وعليه فيكون إيجاز لفظ الآية اعتداداً بما فهمه الناس ممّا يعلمون من أحوالهم، وتكون قد جمعت إلى حكم حفظ حقوق اليتامى في أموالهم الموروثة حفظ حقوقهم في الأموال التي يستحقّها البنات اليتامى من مهور أمثالهنّ، وموعظة الرجال بأنّهم لمّا لم يجعلوا أواصر القرابة شافعة النساء اللاتي لا مرغِّب فيهنّ لهم فيرغبون عن نكاحهنّ، فكذلك لا يجعلون القرابة سبباً للإجحاف بهنّ في مهورهنّ. وقولها: ثمّ إنّ الناس استفتوا رسول الله، معناه استفتوه طلباً لإيضاح هذه الآية. أو استفتوه في حكم نكاح اليتامى، وله يهتدوا إلى أخذه من هذه الآية، فنزل قوله: { ويستفتونك في النساء } الآية، وأنّ الإشارة بقوله: { وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء } أي ما يتلى من هذه الآية الأولى، أي كان هذا الاستفتاء في زمن نزول هذه السورة.

    وقال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والسدّي، وقتادة: كانت العرب تتحرّج في أموال اليتامى ولا تتحّرج في العدل بين النساء، فكانوا يتزوّجون العشر فأكثر فنزلت هذه الآية في ذلك، وعلى هذا القول فمحلّ الملازمة بين الشرط والجزاء إنّما هو فيما تفرّع عن الجزاء من قوله: { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة } ، فيكون نسج الآية قد حيك على هذا الأسلوب ليدمج في خلاله تحديد النهاية إلى الأربع. وقال عكرمة: نزلت في قريش، كان الرجل يتزوّج العشر فأكثر فإذا ضاق ماله عن إنفاقهنّ أخذ مال يتيمه فتزوّج منه، وعلى هذا الوجه فالملازمة ظاهرة، لأنّ تزوّج ما لا يستطاع القيام به صار ذريعة إلى أكل أموال اليتامى.
    وبالتالي في الآية إيجاز بديع حدد فيه تعالى أكثر من شرع ومحا أكثر من عادة سادت في الجاهلية إذ كانوا يبخسون من مهور اليتامى وكانوا يتزوجون عددًا غير محدود من النساء.


    يتابع النجار:

    وفي سورة فاطر، ألآية 8 : "أفمن زُين له سوء عمله فراءه حسناً فإن الله يُضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تُذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون". فبداية ألآية تسأل : "أفمن زُين له سوء عمله فراءه حسناً "، فالأنسان يتوقع أن يجد مقارنة مع شخص آخر مثلاً، "كمن أهتدى". ولكن بدل المقارنة نجد "فإن الله يُضل من يشاء". لا علاقة البتة بين بداية ألآية وبقيتها. وقد قال القرطبي "هذا كلام عربي طريف لا يعرفه الا القليل". والقرآن لم ينزل للقليل
    يدع الله السؤال بلا جواب { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً؟ } ليشمل كل جواب، كأن يقال: أفهذا يرجى له صلاح ومتاب؟ أفهذا كمن يحاسب نفسه ويراقب الله؟ أفهذا يستوي مع المتواضعين الأتقياء؟ إلى آخر صور الإجابة على مثل هذا السؤال، وهو أسلوب كثير التردد في القرآن.

    وتجيب الآية بأحد هذه الأجوبة من بعيد:

    { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات }..

    وكأنما يقول: إن مثل هذا قد كتب الله عليه الضلالة؛ مستحقاً لها بما زين له الشيطان من سوء عمله؛ وبما فتح عليه هذا الباب الذي لا يعود منه ضال!

    فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء؛ بما تقتضيه طبيعة الضلال في ذلك وطبيعة الهدى في هذا. طبيعة الضلال برؤية العمل حسناً وهو سوء. وطبيعة الهدى بالتفتيش والحذر والمحاسبة والتقوى.. وهو مفرق الطريق الحاسم بين الهدى والضلال.


    نتابع معه:

    وبعض ألآيات بها جُمل اعتراضية لا تزيد في المعني وليس لها اي سبب يجعلها تدخل في ألآية، فمثلاً في سورة الانعام ألآية 151 : "قل تعالوا أتلوا عليكم ما حرّم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق". فالاية كلها تتكلم عن الاشياء التي نهانا عنها الله، ولكن في وسطها نجد "وبالوالدين إحسانا". وواضح ان هذه ليست من المحرمات وانما زُج بها هنا سهواً، فلم يحرم الله الرفق بالوالدين

    يقول النجار أن لا زيادة في المعنى، وليس لها أي فائدة تذكر!
    لا أدري هل الآية غامضة إلى درجة أن يرفقها النجار في نقده المنهجي هذا ؟!
    المعنى واضح فالأمر بالإحسان إليهما يعني تحريم الإساءة إليهما، وقد وضعه موضع النهي عن الإِساءة إليهما للمبالغة وللدلالة على أن ترك الإِساءة في شأنهما غير كاف بخلاف غيرهما.
    فهل هي في هذه الدرجة من الصعوبة فلم يفهمها النجار؟
    إذن لماذا لم يذكر آية أخرى يُفهم فيها المعنى في نفس السورة:
    ( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين ) الأنعام 14.

    وهناك كلمات أُدخلت زيادةً في بعض ألآيات فأدت الى صعوبات جمة في التفسير. فسورة الانبياء ألآية 104 تقول : "يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين". فكلمة "للكتب" هنا لا تخدم المعنى باي شئ بل تعقد الشرح. وقال ابن عباس ومجاهد "كطي السجل للكتب" تعني كطي الصحيفة على ما فيها، فاللام في " للكتب : بمعنى "على". وقال ابن عباس كذلك في رواية أخرى ان السجل كان اسم احد كُتّاب الوحي. وكلمة سجل أصلاً تعني "دلو"، فتقول "ساجلت الرجل" إذا نزع دلواً ونزعت دلواً. ومنها المساجلة الشعرية عندما يتبارى شخصان او أكثر بابيات شعرية. ثم استُعيرت فسميت المكاتبة مساجلة والسجل هو الصحيفة المكتوبة. فيوم نطوي السماء كطي السجل واضح معناها، وكلمة "للكتب" إضافة عقدت المعنى.
    إشكالية النجار كما بينا سابقًا أنه مجسم، وان عنده عقدة من كلمة كتاب، ففي موضوعنا هنا نراه اعترض أكثر من مرة على كلمة كتاب، وفي جميعها يظن أنها بمعنى الكراسة أوالدفتر.

    من تفسير الميزان:
    المراد أن السجل وهو الصحيفة المكتوب فيها الكتاب إذا طوي انطوي بطيه الكتاب وهو الألفاظ أو المعاني التي لها نوع تحقق وثبوت في السجل بتوسط الخطوط والنقوش فغاب الكتاب بذلك ولم يظهر منه عين ولا أثر كذلك السماء تنطوي بالقدرة بالقدرة الإِلهية.
    أي أن طي السماء سيسحق ويُخفي محتوياتها من الأجرام والنجوم وكل شيء.

    ملاحظة: تحدث النجار هنا عن المعنى اللغوي للسجل، ولا أدري لماذا لم يفصل فيه؟ فالسجل يُطلق أيضًا على الحجر الذي يُكتب عليه.

    آه ! لا بد أنه تجنب ذلك حتى يُضيف كلمة (سجيل) إلى المفردات الغريبة في القرآن كما فعل!

    وفي سورة لقمان عندما قال لقمان يوصي ابنه :

    13- "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" 14- "ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين إن اشكر لي ولوالديك اليّ المصير"
    15- "وإن جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً وأتبع سبيل من أناب اليّ ثم اليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون"
    16- "يا بني إنها إن تك مثقال حبةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ او في السماوات أو في ألارض يأت بها الله إن الله لطيف خبير"
    17- "يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور"
    18- "ولا تصّعر خدك للناس ولا تمشي في الارض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور"
    19- "وأقصد في مشيك واغضض من صوتك إن انكر الاصوات لصوت الحمير"

    ففي الآية 13 المتكلم هو لقمان يعظ ابنه، ثم فجأة في الآية 14 يصير المتكلم هو الله فيوصي الانسان بوالديه ويضيف عليها ان الحمل والرضاعة يجب ان تكون عامين ثم يُفصل الطفل، ويستمر الله في وصية الانسان في الآية 15. ثم نرجع الى لقمان في ألآية 16 وما بعدها ليكمل وصية ابنه. فالآيتان الرابعة عشر والخامسة عشر أُدخلتا هنا بطريق الخطأ ولم يكونا أصلاً جزءاً من السورة.
    غريبة والله، أدخلت لاحقًا؟ لماذا والسجع متوافق يا ترى؟!
    لا إشكال في تحويل الكلام، فلو كان لقمان نبيًا فإن تحويل الكلام إلى الله يتفق مع كون هذا الكلام وحيًا من الله،
    وإن لم يكن نبيًا فلا مشكلة أيضًا، فذكر الله هذا لتأكيد ما في وصية لقمان من النهي عن الشرك بتعميم النهي في الأشخاص والأحوال لئلا يتوهم متوهم أن النهي خاص بابن لقمان أو ببعض الأحوال فحكى الله أن الله أوصى بذلك كل إنسان وأن لا هوادة فيه ولو في أحرج الأحوال وهي حال مجاهدة الوالدين أولادَهم على الإشراك.

    ولنقرأ هذه الآيات من سورة المعارج :
    37- "فما بال الذين كفروا قبلك مهطعين"
    37- "عن اليمين وعن الشمال عزين"
    38- "أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم"
    39- "كلا إنّا خلقناهم مما يعلمون"
    فالكلمة الاخيرة من كل آية، مع انها مسجوعة، الا انها ثقيلة على السمع ، ونشك انها كلمات عربية. انما استعملت من باب الغريب من اللفظ ليكون لها اثرٌ في نفوس السامعين، كما كان يفعل الكهان سابقاً. والمنطق فيها اغرب من الكلمات : "أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم، كلا انا خلقناهم مما يعلمون." فيقول الله يجب الا يطمعوا في دخول الجنة لاننا خلقناهم من نُطفٍ، من مني، وهذا معنى "خلقناهم مما يعلمون". ولاننا خلقناهم من مني، يجب الا يطمعوا في دخول الجنة. ويقول القرطبي في تفسيره (كان المشركون يستهزئون بالمسلمين فقال الله "إنا خلقناهم مما يعلمون" من القذر، فلا يليق بهم هذا التكبر.) ورغم تفسير القرطبي، يظل المنطق غريباً، أفلانه خلقهم من القذر يجب الا يتكبروا ولا يطمعوا في دخول الجنة؟

    طبعًا ستكون هناك غرابة إن اجتثثت الآية من سياقها الكامل،
    فمناسبة القول هذا هو مع الآيات اللاحقة:
    (كلا إنا خلقناهم مما يعلمون * فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون * على أن نبدل خيرًا منهم وما نحن بمسبوقين ).
    وحتى مع ارتباطها بالسياق السابق فقد وضح القرطبي رحمه الله العلاقة.



    وفي سورة القيامة، الآية 14 : "بل الانسان على نفسه بصيرةٌ". وبدل ان يقول "بصير" ليصف الانسان، قال "بصيرةً". وقال المفسرون ان التاء في "بصيرة" للمبالغة. ونسأل : ما الداعي للمبالغة؟ فالقرآن هنا إنما يذكر حقيقة، وهي إن الانسان بصير على نفسه. فلماذا يحتاج أن يبالغ؟
    هناك تفسير آخر هو إحلال المصدر محل الصفة كما وضحت سابقًا إذ تقول زيد عدل، وبالتالي فمعنى الآية يصبح (ذو بصيرة).
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  13. افتراضي

    هكذا أكون قد انتهيت من التعليق على ما هذاه النجار في كتابه والذي وصفه بأنه فريد من نوعه والأول، فكل ما كتبه لا يعدو عن كونه جهالات متراكمة جمعها في كتابه وأضاف إليها بعض الآراء الشخصية المضحكة التي تدل على مدى سطحية هذا الرجل، وأدعوكم أن تقرؤوا هذا المثال:

    (( تفسير عائشة لا يمت للواقع بصلة. فاليتيمة تكون في حجر وليها الذي غالباً ما يكون عمها أو خالها وهي تحرم عليه ولا يمكن ان يتزوجها سواء أطمع في مالها او لم يطمع ))

    يقول إن هذا الكلام لا يمت للواقع بصلة!

    فولي اليتيمة هو عمها أو خالها في الغالب وتحرم عليه.

    هل رأى أحدكم أغبى من هذا الرجل؟

    فما الذي تفعله دور الأيتام والجمعيات الخيرية التى نتعثر بها في كل مكان؟

    أليس هذا مثالاً على غباء الملاحدة في طعنم بالتشريع الإسلامي الرباني؟

    هذا ما يتوهمه النجار في عقله وهذا ما يصفه بالمسؤولية تجاه وطنه وضرورة التخلص من الدين كي نلحق بالغرب!

    والحمد لله على نعمة العقل..


    تـم بحمـــد الله
    ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين


    يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا

  14. افتراضي

    حسبنا الله ونعم الوكيل وعلي ربنا توكلنا
    وجزاكم الله كل الخير
    وسدد خطا كل من يتصدى لمثل هؤلاء الغثاء
    ونصر الله الإسلام والمسلمين فى كل مكان
    وسلط علي المنافقين جنودا من عنده عز وجل لا يعلمها إلا هو سبحانه

  15. افتراضي

    احسنت اخي الجاحظ بارك الله فيك
    The history of organic life is undemonstrable; we cannot prove a whole lot in evolutionary biology, and our findings will always be hypothesis.

    Jeffrey H. Schwartz, Professor of Biological Anthropology, University of Pittsburgh, February 9, 2007

    we must concede that there are presently no detailed Darwinian accounts of the evolution of any biochemical system, only a variety of wishful speculations.
    Prof. Franklin Harold, "The Way of the Cell", Oxford University Press, 2001

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-09-2014, 09:21 PM
  2. د. زغلول النجار كان السبب في كشف زيف وكذب الملحدين والتطوّريين
    بواسطة أدناكم عِلما في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 02-16-2012, 09:11 AM
  3. للرد على العلماني والملحد كامل النجار
    بواسطة rajamaroc في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-11-2007, 12:35 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء