ويكثر كذلك في القرآن غريب اللفظ والمعنى، فنجد في سورة المرسلات عندما يصف نار جهنم في الآية 32 وما بعدها : "انها ترمي بشرر كالقَصر، كأنه جمالات صُفرٌ". اولاً كلمة "جمالات" مع انها جمع تكسير ل "جمل"، إلا أنها جمع غريب نادر الاستعمال، والمتعارف عليه هو جمال. ثم وصف الجمال بانها صُفر، وليس هناك جمال صفراء. فقال المفسرون كان العرب يسمون الجمال السود صفراء لان سوادها تداخله صفرة. فهل نفهم من هذا ان بني اسرائيل كذلك كانوا يسمون البقر الاسود اصفر، لان الله قال لهم "بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين" ؟ ونحن لا نعلم لماذا قال العرب عن كل شئ أسود أنه "أسود" الا الجمال السود نعتوها بالصفرة ولم ينعتوا البقر او الخراف السود بالصفرة.
ثم في سورة الفرقان الآية 68 : "والذين لا يدعون مع الله الهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً". وأثاماً ليست من اللغة العربية في شئ، والقرآن يُفترض انه نزل بلسان عربي مبين. وحتى المفسرين وعلماء اللغة لم يتفقوا على معنى كلمة "أثاماً"، فقال عبد الله بن عمر : أثاماً وادي في جهنم، وقال عكرمة أودية في جهنم يعذّب فيها الزناة، وقال قتادة : أثاماً تعني نكالاً، وقيل في الحديث انها تعني بئر في قعر جهنم، وقال السدي انها تعني جزاءً.34 وأظن ان السدي جاء بهذا التفسير من المعنى العام للآية، إذ لم يقول أحد غيره بهذا المعني، والكلمة أصلاً لم تكن شائعة أو مستعملة عند العرب. ولو كان معنى الكلمة "وادي في جهنم" فكيف جاء بها العرب واستعملوها ولم يكونوا على علم بجهنم قبل الاسلام على حسب رأي المفسرين؟ وواضح من معنى الآية ان من يفعل تلك الاشياء يلقى جزاءً. ولكن القرآن استعمل كلمة "أثاماً" تمشياً مع السجع رغم أن علماء المسلمين لم يكونوا يعرفون معناها، كما هو واضح من اختلاف تفاسيرهم للكلمة.
وفي سورة العنكبوت، ألآية 64 نجد : "وما هذه الحياة الدنيا الا لهوٌ ولعبُ وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون". وقد وجد المفسرون صعوبةً بالغة في تفسير كلمة "حيوان" هذه، فقالوا ان : الحيوان : هنا تعني الحياة الدائمة، ويقول القرطبي في تفسيره ان "الحيوان" تقع على كل شئ حي. أو قد تعني عيناً في الجنة. بل قال بعضهم ان أصل الكلمة هو "حييان" فأُبدلت احدى اليائين واواً لاجتماع المثل.35 وهذا قول غريب لان العرب تغير الواو ياءاً اذا اجتمعت الواو والياء وسبقت احداهما بالسكون، مثل "نوية" من نوى، ينوي فهي نوية. ولكن لاجتماع الواو والياء وسبق احداهما بالسكون، قُلبت الواو ياء وأُدغمت الياء في الياء، فصارت "نية". ولو كانوا يغيرون الياء واواً لاجتماع المثل لغيروا "فأحيينا به ألارض" الى "فأحوينا به ألارض".
وفي سورة عبس ألآية 28 : "فأنبتنا فيها حباً، وعنباً وقضبا". ولا أحد من المفسرين يعرف معنى " قضبا". فقد قال أبن كثير القضب هو القصفة التي تأكلها الدواب، وكذلك قال أبن عباس. وقال الحسن البصري هي العلف. وقال آخرون غير ذلك. وفي نفس السورة، ألآية 31 نجد : "وحدائقا غُلبا، وفاكهةً وأبّا". فقال الضحاك : ألاب هو كل شئ ينبت على الارض. وقال أبو رزين هو النبات، وقال أبن عباس : ألاب ما تنبت الارض مما يأكل الناس والانعام. وقال أبن عباس كذلك والحسن : ألاب مما لا يأكله ألادميون، فما يأكله ألادميون يُسمى الحصيد، واستشهدوا ببيت شعر في مدح الرسول :
له دعوةُ ميمونةُ ريحها الصبا بها ينبت الله الحصيدةَ وألابا
وهذا البيت بلا شك قاله شاعر مسلم سمع كلمة ألابا في القرآن وأدخلها في شعره دون أن يعرف معناها لانها تماشي القافية. فالكل يعرف الحصاد من الزرع ولكن لا أحد يعرف معنى ألابَ.
فقد قال أبن عباس أيضاً : ألاب هو الثمار الرطبة، وقال الضحاك هو التين. فواضح مما تقدم أن لا أحد يعرف معنى الكلمة إذ أن أبن عباس أعطى أربعة تفاسير مختلفة لهذه الكلمة. والكلبي قال الاب هو كل نبات سوى الفاكهة وقال آخرون بل هي الفاكهة الرطبة. وسئل أبو بكر الصديق عن تفسير الفاكهة وألاب فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟ وقال أنس بن مالك سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه ألآية ثم قال : كل هذا عرفناه، فما ألاب؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلف.36 فإذا كان عمر وابو بكر وابن عباس لا يعرفون معناها، فهل يُعقل أن يكون الشاعر الذي نظم البيت المذكور كان على علم بمعنى الكلمة؟
والكلمة قد تكون سريالية واصلها Ebba أو قد تكون مشتقة من الكلمة العبرية Ebh، ولكنها قطعاً ليست عربية، ولا يعرف العرب معناها.
وفي سورة الحج ألآية 29 نجد : "ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق". فكلمة "تفثهم" قد لا تكون عربية ولا أحد يعرف معناها ووقعها على ألاذن ثقيل. ويقول القرطبي في شرحه لهذه ألآية : (ليقضوا بعد نحر الهدايا ما بقي من أمر الحج كالحلق ورمي الجمار وإزالة الشعث ونحوه. وقال ألازهري : التفث ألاخذ من الشارب وقص الاظافر ونتف الابط وحلق العانة. وقال الازهري كذلك : التفث في كلام العرب لا يُعرف الا في قول أبن عباس وأهل التفسير. وقال أبن العربي : هذه اللفظة غريبة لم يجد أهل العربية فيها شعراً ولا أحاطوا بها خبراً.) فإذا كان أهل العربية لا يعرفون معناها، فأي حظ سيحالف غير العرب في فهمها؟
واستعمل القرآن كلمات كثيرة ليست في اللغة العربية وليس لها اي معني مفهوم، وقد اختلف اغلب المفسرين في تفسيرها. فنجد في سورة الحُجر، الآية 87 : "ولقد اتيناك سبعاً من المثاني والقرآن الكريم". فقال بعض المفسرين ان المقصود بها السبع سور الطوال وقال آخرون المقصود بها سورة الفاتحة، وأتوا بحديث يستدلون به. وقال القرطبي في تفسيره أن المثاني تعني القرآن كله بدليل ان الله قال في سورة الزمر ألآية 23 : "كتاباً متشابهاً مثاني". وواضح أن تفسير القرطبي هذا لا يتفق والآية المذكورة اذ تقول الآية "أتيناك سبعاً من المثاني والقرآن الكريم"، فلن يستقيم معنى ألآية إذا قلنا أن المثاني تعنى القرآن كله، إذ كيف يكون قد أعطاه القرآن كله والقرآن الكريم؟ والسور السبع الطوال هي جزء من القرآن فليس من البلاغة ان يُعطف الكل على الجزء. وحتى لو جاز هذا، فلا أحد يعلم ما المثاني، والافضل ان يُخاطب القرآن الناس بلغةٍ يفهمونها.
وفي سورة الحاقة، الآية 36 : "ولا طعام الا من غسلين". ولا احد يدري معنى غسلين، ولكنها تنسجم مع سجع السورة، "ولا يحض على طعام المسكين، فليس له اليوم ههنا حميم، ولا طعام الا من غسلين".
وفي سورة الانسان، الآية 18 : "عيناً فيها تُسمى سلسبيلا". وهنا كذلك لا احد يعرف ما هي سلسبيلا. فتفسير الجلالين يقول : سلسبيلا تعني سهل المساغ في الحلق. وفي تفسير أبن كثير، قال عكرمة هي أسم عين في الجنة، وقال مجاهد سُميت بذلك لسلاقة مسيلها وحدة جريها، وقال قتادة : سلسة مستقيدٌ ماؤها. أما تفسير القرطبي فيقول : (السلسبيل هو الشراب اللذيذ، وتقول العرب سلس وسلسال وسلسيل بمعني أنه طيب الطعم لذيذه. وسلسل الماء في الحلق يعني جرى، وسلسته تعني صببته فيه). وأنا لا أدري كيف صرّفَ تفسير الجلالين سلسبيلا مما تقوله العرب عن سلس وسلسال وسلسيل، فمهما صرّفنا هذه الكلمات لا يمكن أن ننتهي ب "سلسبيلا".
وقال أبو العالية ومقاتل : (إنما سُميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش في جنة عدن.)37 فكل المياه في المدن الحديثة الان تسيل في مواسير في الطرق وفي منازلنا، فهل هذه المياه سلسبيلا؟ أم يُشترط أن تنبع من جنة عدن؟
وأغرب التفاسير ما أورده القفال في تفسير الجلالين إذ قال : (تلك عينٌ شريفة، فسل سبيلاً أليها. وروى هذا عليّ بن أبي طالب كذلك). فهو فصل كلمة سلسبيلا الى كلمتين : سل و سبيلا. ولكن المشكلة أن ألآية تقول : "عيناً فيها تسمى سلسبيلا" فلا يمكن أن نقول سل اليها سبيلا لان اسم العين سلسبيلا. وليتخلص من هذه المعضلة يقول القفال : (أنها مذكورة عند الملائكة وعند الابرار وأهل الجنة بهذا الاسم). وهذا الشرح يبين لنا كيف يدور علماء الاسلام ويلفون في حلقات مفرغة لشرح الغريب في القرآن بدل ان يقولوا أنهم لا يعرفون المراد من هذه الكلمة.
اما سورة المطففين ففيها عدة آيات تحتوي علي كلمات يصعب فهمها : فمثلاً الآيات 7 و 8 و9 " كلا ان كتاب الفجار لفي سجين. وما ادراك ما سجين. كتاب مرقوم". والآيات 18 و19و20 من نفس السورة : "كلا ان كتاب الابرار لفي عليين. وما ادراك ما عليون. كتاب مرقوم". ومعنى هذا ان عليين وسجين كلاهما يعني كتاباً مرقوماً، أحدهما للفجار والآخر للابرار. فالقرآن هنا أستعمل غريب اللغة لينقل الينا حقيقة بسيطة : هي أن هناك كتابين، واحد للفجار وواحد للابرار. فهل من المهم لنا أن نعرف أسماء هذين الكتابين؟
ثم إن القرآن يقول أن هناك كتاب واحد "وعنده أم الكتاب"38 و"اللوح المحفوظ" الذي يحفظه الله منذ الازل في السماء السابعة، وقد سجل الله فيه كل كبيرة وصغيرة عن كل أنسان حتى قبل أن يولد، وهناك كذلك لكل شخص كتابه الخاص به الذي سوف يتسلمه يوم القيامة، فمنهم من يُعطى كتابه بيمينه ومنهم من يعطى كتابه بشماله ليقرأ منه ما فعل في الدنيا. فما الحكمة إذاً في أن يكون هناك كتاب للابرار وآخر للفجار مادام لكل شخص كتابه الخاص وهناك اللوح المحفوظ الذي فيه كل التفاصيل ولا يمكن لهذا اللوح أن يضيع أو يصيبه تغيير؟ وحتى لو قلنا إنه من باب الاحتياط أن يكون للأبرار كتاب وللفجار كتاب آخر، هل يستدعي هذا نزول آية تخبرنا بأسماء هذين الكتابين؟ هل سيغير هذا من سلوكنا أو يدعونا للايمان؟
والجدير بالذكر هنا أن القرآن استعمل كلمة "وما أدراك" أثنتي عشر مرةً ليشرح كلمات غريبه لم تكن معروفة للعرب آنذاك، وسوف نتعرض لبعض هذه الكلمات في حينها.
في سورة الفيل، ألآية 3، نجد : "وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل". ويقول أبن كثير : طير أبابيل يعني طيراً من البحر امثال الخطاطيف والبلسان. ويقول القرطبي : طيراً من السماء لم يُر قبلها ولا بعدها مثلها. وروي الضحاك أن أبن عباس قال سمعت رسول الله يقول : "إنها طيرٌ تعشعش وتفرخ بين السماء وألارض". وقال أبن عباس : كانت لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب. وقال عكرمة : كانت طيراً خُضراً خرجت من البحر لها رءوس كرءوس السباع.
أما سجيل فلا أحد يعرف معناها. قال النحاس : السجيل الشديد الكثرة. وقال سيل وسجيل هما نفس الشئ. وحكى محمد بن الجهم أن سجيل تعني طينٌ يُطبخ حتى يصير بمنزلة الارحاء. وقال سعيد بن جُبير أن اللفظة غير عربية وأصلها سنج وجيل أو سنك وكيل، وهما بالفارسية حجر وطين. وقد قال القرآن في سورة الذاريات، ألآية 33 : "لنرسل عليهم حجارةً من طين". وقال أبن يزيد : سجيل أسم السماء الدنيا وعن عكرمة أنه بحر معلق بين السماء والارض منه نزلت الحجارة. وقيل هي جبال في السماء، وقيل كذلك هي ما سُجل لهم أي كُتب لهم أن يصيبهم.39
وأصل الكلمة ربما يكون من اللغة ألأرامية Sgyl وتعني حجر المعبد.40 والشئ الملفت للنظر أن كل هولاء المفسرين أتوا بتفسيرات لا تمت لبعضها البعض بصلة، مما يؤكد انهم كانوا يخمّنون معاني هذه الكلمات الغريبة التي لم يكونوا قد سمعوا بها من قبل.
وكلمة "الفرقان" وردت في القرآن مرات عديدة بمعاني مختلفة. فمثلاً في سورة البقرة، ألآية53 : "وأتينا موسى الكتاب والفرقان". وفي نفس السورة، ألآية 185 : "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان". وفي سورة آل عمران، ألآية 4 : "من قبل هدى للناس وانزل الفرقان". وسورة ألانفال، ألآية 29 : "ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم". وفي سورة ألانفال، ألآية 41 : "أعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان". وفي سورة ألانبياء، ألآية 48 : " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً وذكراً للمتقين". وفي سورة الفرقان، ألآية 1 : "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً".
وأتفق أغلب المفسرين ان الفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل ولكن ابن عباس قال : فرقاناً يعني مخرجاً وزاد مجاهد " في الدنيا والاخرة". وفي رواية اخرى قال ابن عباس ان فرقاناً تعني نصراً. وقالوا انها تعني يوم بدر لان الله فرق فيه بين الحق والباطل. وقال قتادة انها تعني التوراة، حلالها وحرامها. ويقول الرازي قد يكون التوراة او جزء منها او حتى معجزات موسى مثل عصاه. وقد تعني إنشطار البحر لموسى، واستقر رأيه علي انها التوراة. وقالوا الفرقان تعني القرآن. فالله قد انزل الفرقان على موسى وكذلك انزله على محمد، مما يجعلنا نقول أن الفرقان ربما تعني "كتاب" ولكن كيف نوفق بين هذا المعنى وألآية 29 من سورة ألانفال : "ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً". فالمراد هنا أن يجعل لكم مخرجاً. ولكن ألآية 41 من سورة ألانفال تقول : "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان". فالمعنى هنا لا يتفق مع أي من المعاني السابقة. فماذا تعني كلمة الفرقان إذاً؟
وهناك كلمة أخرى لم تكن معروفة للعرب قيل نزول القرآن، ألا وهي "كلالة". ففي سورة النساء، ألآية 4 : "وإن كان رجلٌ يورث كلالةً ام إمرأة". وسئل ابو بكر الصديق عن كلمة كلالة فقال : أقول فيها برائي فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه، الكلالة من لا ولد له ولا والد. وقال القرطبي في تفسيره : الكلالة مشتقة من الاكليل وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه. وهذا بلا شك تخمين وليس هناك أي دليل أن كلمة كلالة مشتقة من إكليل. وقد أورد الطبري 27 معنى للكلالة مما يدل على انهم لا يعرفون معناها.
ويقدر مونتجمري واط أن هناك حوالي سبعين كلمة غير عربية أُستعملت في القرآن، حوالي نصف هذه الكلمات مقتبسة من الكلمات التي كانت مستعملة في الديانة المسيحية، وخاصة اللغة السريانية والاثيوبية، وحوالي خمسة وعشرون كلمة من اللغة العبرية والارامية وكلمات بسيطة من الفارسية41.
وهناك كلمات في القرآن يبدو ان المراد منها عكسها. فمثلاُ في سورة طه، ألآية 15 "إن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها"، وهي أصلاً مخفية ولا يعلم أحد متى تأتى، فالقرآن هنا لا بد انه قصد "أظهرها" بدل أخفيها. وقد قال القرطبي في تفسير هذه ألآية : (آيةٌ مشكلة. فروى سعيد بن جبير "أكاد أخفيها" بفتح الهمزة، قال : أظهرها. وقال الفراء : معناها أظهرها، من خفيت الشئ أخفيه إذا أظهرته. وقال بعض النحوين يجوز أن يكون "أخفيها" بضم الهمزة معناها أظهرها.) ويتضح هنا أن النحويين أنفسهم وجدوا مشقة في تفسير هذه ألآية، فكيف بعامة الناس؟
وفي بعض الاحيان يعكس القرآن الاشياء المألوفة للناس، فمثلاً في سورة البينة، ألايتين أثنين وثلاثة نجد : "رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة، فيها كُتبٌ قيمة". والمعروف لدى كل الناس أن الكتب تحتوي على الصحف، وليس العكس كما جاء في القرآن. ولكن دعنا نقرأ ما كتب القرطبي في تفسيره لهذه ألآية : (الكتب هنا بمعنى الاحكام، فقد قال الله عز وجل "كَتَبَ الله لأغلبن"42 بمعنى حكم. وقال "والله لأقضين بينكما بكتاب الله" ثم قضى بالرجم، وليس الرجم مسطوراً في الكتاب. فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله. وقيل الكُتب القيمة هي القرآن، وجعله كُتباً لانه يشتمل على أنواع من البيان.)
فهل اقتنع القارئ بهذا التفسير؟ أنا لم أقتنع. فالقرطبي كغيره من المفسرين راح يدور في حلقة مفرغة في محاولة منه للخروج من هذه المعضلة التي جعلت الصحف تحتوي على الكتب، وليس العكس.
والامثلة كثيرة على استعمال القرآن غرائب الكلمات لانها تماشي السجع. فليس هناك اي بلاغة لغوية بالمعنى المفهوم عندما يستعمل القرآن غرائب الكلمات هذه، والمفروض فيه أنه نزل بلسان عربي مبين أي بائن للجميع، وقد رأينا أن علماء التفسير يجدون صعوبة في شرح كثير منه، فما بال عامة المسلمين؟ وقد لاحظ هذا جماعة من المعتزلة في صدر الاسلام، منهم ابراهيم النظام الذي قال ان ترتيب القرآن ولغته ليس فيهما اى اعجاز. وقد دافع عن هذا الرأي الكاتب والقاضي الاندلسي ابو محمد علي بن احمد بن حازم في كتابه "الملل والنحل" وكذلك ابو الحسين عبد الرحمن بن محمد الخياط من المعتزلة43.
Bookmarks