بسم الله الرحمان الرحيم، طبعا أنا في رأيي كل إنسان مسلم مومن بالله ومومن بالعقيدة الإسلامية، إذا خير بين الإسلام وبين أي شيء ثان، سواء كانت ديمقراطية أو أي فكرة أو منهج معين ثان وكان يعتقد أن هذا المنهج يختلف مع الإسلام، فإنه سوف يختار الإسلام، فإذا وضعنا المسلم في موقع الاختيار بين الإسلام والديمقراطية فإنه سيختار الإسلام. فبطبيعة الحال أغلب الناس المسلمين سيختارون الإسلام. المشكلة أن الحركات العلمانوية يصر على الفصل بين الإسلام والديمقراطية، وأن الديمقراطية كفكر وممارسة ليس لها أي علاقة بالإسلام، بل بعضهم يعتقد أن الإسلام يناقض الديمقراطية، فإذا قدمنا الإسلام بهذا الشكل فستكون كارثة على المنطقة، لأن الديمقراطية لن يكتب لها النجاح أبدا. ولكي تنجح الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي لا بد من إقناع الناس، عامة الناس وجمهور العرب والمسلمين، أن الديمقراطية هي على الأقل لا تتناقض مع الإسلام، لأن قيمها لا تتناقض مع قيم الإسلام، والأفضل من هذا والمطلوب في رأيي، أن نقول : إن الديمقراطية ليست فقط لا تتناقض مع الإسلام، بل الديمقراطية مطلوبة، وواجب إسلامي، فهي فريضة إسلامية، فعندنا في الشريعة والفقه الإسلامي قاعدة تقول:''ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب'' فإذا كانت الشورى مثلا واجبا، وإذا كانت العدالة واجبة، وإذا كانت المساواة وكرامة الإنسان ومحاربة الفساد ومحاصرة الظلم والاستبداد واجبات إسلامية منصوص عليها في القرآن والسنة، وإذا كانت هذه لا تتم في القرن الواحد والعشرين ، القرن الذي نعيش فيه، إلا بمؤسسات الديمقراطية، تصبح إذن الديمقراطية واجبة، فهي ليست فقط لا تتناقض مع الإسلام بل هي واجبة. وفي رأيي إذا أردنا للديمقراطية أن تنتشر في العالم العربي والإسلامي، لا بد أن نقوم بهذا العمل وهذا الجهد لإقناع جماهيرنا بوجوب الديمقراطية بمقتضى ديننا الحنيف.
بالضرورة الضغط على الأنظمة يتم عن طريق إقناع الشعب،حينما يقتنع الشعب المغربي أو العربي أو الإسلامي أو التونسي أو المصري بأن الديمقراطية هي واجب ديني، أوجبه عليه الإسلام فسيضغط على الأنظمة في هذا الاتجاه، لأن ذلك سيصبح عنده واجبا دينيا مثل الصلاة والصوم والزكاة، وسيناضل من أجل الديمقراطية، ويضغط بكل الوسائل السلمية من أجل إحداث التحول الديمقراطي في بلده.
بطبيعة الحال اختلاف الآراء حول الإسلام نفسه أمر حاصل، هناك تيارات متنوعة، والعلماء والصحابة أنفسهم اختلفوا فيما بينهم في تفسير بعض النصوص أو في فهم بعض مفاهيم الإسلام، وهذا طبيعي في كل دين، وليس الأمر خاصا بالإسلام، هناك أفهام يختلف بعضها عن بعض، نحن في الحالة الإسلامية أو في العالم الإسلامي، العشر القرون الأولى كان فيها اجتهاد وتنوير، وكان فيها تطور وتكيف مع المتغيرات، هذا هو الذي سمح للأمة الإسلامية أن تنهض، وأن تكون الشاهدة على الأمم والحضارات. الأربع أو خمس القرون الماضية توقف هذا الاجتهاد وتوقف هذا التجديد، وبدأت تخفت روح المرونة. هناك ثوابت ليس فيها مرونة، ولكن هناك كثير من الأشياء التي يعتقد الناس أنها ثوابت من الإسلام، ولكنها في الحقيقة فيها مرونة وفيها اجتهادات وآراء، فهناك قضايا كثيرة اجتهد فيها علماؤنا الأفاضل حسب سياق زمنهم، ولا أرى أنه من الضرورة أن تكون صالحة لمعالجة اختلالات واقعنا، فبعضها يمكن اعتباره صالحا ، وبعضها الآخر قد لا يتناسب مع تطورات عصرنا، فهو بذلك قابل للنقاش والمراجعة. فهذه القضايا تدخل أيضا في صلب الكتاب الذي ألفناه. كيف نفهم الإسلام في القرن الواحد والعشرين؟ كيف نطبق الشورى؟ بل كيف نفهم الشورى؟
إذا كان كل المسلمين يعتقدون فرضيتها، فكيف نطبقها في القرن الواحد والعشرين؟ هذا بالطبع يحتاج إلى اجتهاد. كيف نقيم العدالة؟ كل المسلمين يعتقدون بوجوب تحقيق العدالة، فعشرات الآيات والأحاديث تتحدث عن العدل والقسط، فكيف نقيم هذا النظام العادل فتصبح لدينا عدالة في عالمنا العربي والإسلامي.
للأسف، نحن نفتقد هذه القيمة في عالمنا العربي والإسلامي، الرجل القوي هو الذي يأخذ حقوقه بالقوة وبالعلاقات الزبونية، والرجل الضعيف محروم من حقه في العدل. الإسلام ليس فقط منظومة تعبدية محصورة في الصلاة والصوم والزكاة، الإسلام يدعو إلى نظام عادل وإلى مجتمع مؤسس على العدل والدفاع عن حق المظلوم. السؤال هو كيف نقيم هذه المبادئ في القرن الواحد والعشرين؟
الحقيقة هناك ظاهرة عالمية هي ظاهرة العودة إلى الدين والتدين، والأمر ليس خاصا بالعالم الإسلامي، بل حتى العالم المسيحي واليهودي والبوذي والهندي، هناك عودة قوية إلى الدين. منذ أربعين أو خمسين سنة ظن الناس أنهم قد وصلوا إلى درجة من التقدم العلمي والمعرفي يسمح لهم بالاستغناء عن الدين والاستغناء عن الإيمان بالله. هذا التصور فشل وتراجع. الإنسان يحتاج إلى الدين وإلى العقيدة في الله مهما كان تقدمه المادي والفكري. هناك عودة إلى الدين في كل العالم. في حالة العالم الإسلامي، هذه العودة إلى الدين اشتبكت مع أنظمة قمعية مستبدة، هذا هو الواقع الذي نعيش فيه، يعني الأنظمة تريد ان تقمع الشعوب وتستلب حريتها وتقمع حتى الممارسة الدينية، وحين يرجع المسلم إلى دينه يجد أن من واجباته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد ومحاربة الظلم، يحس أنه مواطن، فهو ليس مجرد ملتزم بالطقوس الدينية، إنه مواطن يقوم بواجباته الدينية من أجل الإصلاح، ولهذا دائما ينبغي أن نميز بين ظاهرة التدين وظاهرة التطرف.
ظاهرة التدين هي ظاهرة صحية وطبيعية جدا، لكن ظاهرة التطرف هي ظاهرة غير صحية، سببها الرئيس هو انسداد الأفق السياسي وانعدام الحريات بحيث إن هذا الجو القاتم يدفع الناس وخاصة الشباب إلى التطرف لأنه لا يجد أي مجال آخر للتعبير عن آرائه وتطلعاته ولا يؤِبه بأفكاره ويرى أنها بعيدة عن المساهمة في تنمية وطنه، ويرى بذلك أنه محروم من أبسط حقوقه السياسية والمدنية. فحالة الانسداد تدفع الشباب إلى التطرف والغلو وإلى اليأس من هذه الحياة، واليأس من إمكانية الإصلاح، وإذن فالإنسان لا يشعر أن هناك إمكانية للإصلاح، ويشعر أنه ليس هناك إمكانية لتحسين الوضع، طبعا ييأس ويعبر عن عدم رضاه عن هذه الحياة، وعن عدم رضاه بوضعه الاجتماعي، فيشعر بمظلوميته، ويشعر بفقدان السبيل للإصلاح، ويشعر بفقدان الأمل في التغيير، فمثل هذه الحالة هي التي تدفع إلى التطرف، فيشعر الشباب بلا جدوى الحياة، فيجد سهولة في التضحية بحياته، فيقرر الانتحار ويقتل معه كثيرا من الناس. فهذه الظاهرة خطيرة جدا، والسبيل لمعالجتها هو الديمقراطية، لأنها توفر الآليات التي تسمح للآراء المختلفة أن تعبر عن ذاتها في إطار قانوني واضح يحترم حقوق الأقليات وحق الاختلاف، ويضمن حق الأغلبية في تقرير المصير.
في بعض البلدان العربية هناك سعي حثيث نحو تأسيس الديمقراطية، ولكن لا زال هناك من يشغل آلية الاستثناء، وبشكل خاص ضد الفاعل السياسي الإسلامي، ولقد نشر ''معهد كارنكي'' دراسة ترى أن مفتاح الإصلاح في الوطن العربي هو إدماج الحركات الإسلامية المعتدلة في المؤسسات السياسية، ما رأيك في هذه القضية؟
أي إنسان يدعو إلى الاستثناء فهو غير ديمقراطي، مهما لبس من عباءة، ومهما ادعى أنه ديمقراطي وأنه يؤمن بالديمقراطية، إذا كنت تؤمن بالديمقراطية، وتريد أن تستثني أي طرف، علمانيا كان او إسلاميا أو شيوعيا، فهذا ليس بديمقراطية.
الديمقراطية تعني عدم الاستثناء، الديمقراطية تعني أن الحرية للجميع وحق الجميع في التعبير وحق الأغلبية في تقرير المصير، مع أنها ينبغي أن تحترم حقوق الأقلية، فليس لها أن تقرر ما تريده من غير حدود فتعتدي على حقوق غيرها من الأقليات. في النظام الديمقراطي وفي الديمقراطية الحقة لا يمكن أن يكون هناك أي استثناء لأي مجموعة كانت ما دامت تعمل في إطار القانون وترفض استعمال العنف. الديمقراطية تعني أن يعبر كل تيار موجود على خريطة الفعل السياسي عن رأيه، وأن يشارك في صناعة مستقبل بلده. وإذا ما أتاحت الديمقراطية للتيار الإسلامي أن يدبر الشأن العام، فينبغي أن نقبل بنتائجها وأن يعمل كل تيار لتجديد وتطوير أسلوب أدائه ليخوض المعركة الانتخابية من جديد. فلا معنى لاستثناء التيار الإسلامي، ولا معنى لاستثناء أي تيار آخر. الديمقراطية ترفض الاستثناء.
نحن نؤمن بأن المشروع الديمقراطي هو خيار ذاتي للأمة، وخيار ينبع من الداخل دون أن يعني ذلك عدم استثمار الضغط الخارجي، فكل ما يسهم في التقليل من قمع الأنظمة وكل ما يسهم في التخفيف من الاحتقان والانسداد السياسي يخدم المشروع الديمقراطي داخل هذه الأمة
Bookmarks