الفصل الأول
نُظُم إِرث المَرأة المُختلفَة
المبحث الأول : نظام الإرث غير الإسلاميالمطلب الأول : نظام الإرث قديما
المطلب الثاني : نظام الإرث حديثا
المبحث الثاني : نظام الإرث الإسلامي
المطلب الأول : تدرج التشريع الإسلامي في الميراث
المطلب الثاني : ميراث المرأة في الفقه الإسلامي
الفَصْلُ الأَوَّل
نُظُم إِرث المَرأة المُختلفَة
المبحث الأول : نظام الإرث غير الإسلامي
كان الميراث عند الأمم القديمة مختلف الأحوال ، مضطرب الأوصال ، لا تراعى فيه الحقوق ، و لا يتلمسون فيه مواضع الحق والعدالة ، ولا يميزون بين القريب و الأقرب ، و البعيد و الأبعد ، والنسيب و الأجنبي ، ومن هو حق بالميراث من سواه.. ، فالميراث عندهم إن كان جاريا بينهم ، و متعارفا فيهم كان على حسب هواهم ، و كان تصرفهم فيه وفق ميولهم ، فيعطونه لمن شاءوا ، ويمنعونه عمن أرادوا ، فيحرمون من يستحقه ، و يأخذه من لا يستحقه .
المطلب الأول : نظام الإرث قديمــــــــــــا
أولا- عند البابليين :
يعتبر قانون حامورابي ( 1728 – 1676 ق.م ) المرأة كالماشية مملوكة لصاحبها محرومة من الميراث . ولا يستفيد من هذا الحق إلا الذكور و في حال عدم وجود أحدهم تؤول التركة إلى أخ المتوفى . هذا طبقا للمواد 170-171-178-180 من قانون حامورابي (12).
ثانيا- عند الهنود :
ورد في مدونة مانو سنة 2000 ق.م أن المرأة ممنوعة من جميع الحقوق بما فيها الميراث باعتبارها كإنسان . بل الأكثر من ذلك أن الهندوس يعتبرون أن الريح السموم و الموت المسموم و الجحيم المحتوم و الأفاعي ليست أسوأ من المرأة . (13)
ثالثا- عند الصينيين :
سميت المرأة عندهم بالمياه المؤلمة و اعتبرتها شرا يستبقيه الرجل و يتخلص منه بالطريقة التي يرتضيها، فأنى لها أن ترث؟.(14)
رابعا- عند المصريين :
كانت الأرض عندهم ملكا للفراعنة ، وكانت طريقة التوريث في عهد بوخاريس سنة 731 ق.م أن يحل أرشد الأسرة محل المتوفى في زراعة الأرض و الانتفاع بها ولا يفرقون بين الذكر والأنثى و يورّثون الأم والأخوات والعمات (15)
خامسا- عند الكلدانين و السريان و الفينيقيين :
يحل البكر من الأولاد محل أبيه و عند عدم وجود البكر يقوم مقامه أرشد الذكور من الأولاد . ثم الإخوة ثم الأعمام و هكذا إلى أن يدخل الأصهار و سائر العشيرة . أما النساء فهن محرومات من الميراث . (16)
سادسا- عند الساسانيين :
الفتاة التي تتزوج لا ترث أباها أو كافلها الأول و إذا قصَّر الأب في تزويجها عند البلوغ يكون لها الحق في أن تبادر إلى زواج غير مشروع ، وليس لها الحق في الميراث ، و تعتبر أحط نوع من النساء(17) .
سابعا- عند اليونان :
يعتبرون المرأة مخلوقا منحطا لا تصلح إلا للإنجاب .محرومة من الميراث ممنوعة من التصرف ورغم تطور القانون اليوناني على يد صولون إلا أنه كان يحرم البنات من الميراث و يحصره في الأبناء الذكور فقط . و عندما منحت مدينة اسبرطا الحق في الميراث للمرأة أعاب أرسطو ذلك و اعتبر أن سبب سقوط هذه المدينة هو منح المرأة بعض الحق في الميراث (18).
ثامنا- عند الرومان :
قانون الألواح يعتبر المرأة مساوية للرقيق و مملوكة مثله لرب الأسرة و ليس لها ذمة مالية مستقلة بل الأكثر من ذلك لزوجها الحق في أن يبيعها و يتم الإرث بموجب تصريح من الموصي الذي يعين الوارث أو الورثة علنا أمام الناس .
و في عصر قسطنطين (سنة 543) تقرّر ميراثها . و في عهد جوستينيان ظلت قاصرة الأهلية. و قد سَوَّى هذا القانون ميراثها بميراث الذكور دون مراعاة للواجبات والتكاليف. (19)
تاسعا- عند اليهود :
اليهود يقدسون المال و يتمسكون به و يمنعون تسربه إلى غير أسرته ( الفروع ) و ( الأصول ) و من أجل ذلك كانوا يحرمون البنت من الميراث إذا كان للميت ولد ذكر كما يمنعون الأم و الزوجة و الأخت من الميراث .
فإذا مات الأب و ترك ذكورا و إناثا كانت التركة من حق الذكور و للبنات حق النفقة حتى الزواج أو سن البلوغ ، فإن لم يوجد يجعلون للبنت حظا ، على أن تتزوج من رجل من بين أفراد الأسرة حتى لا يؤول الميراث إلى أجنبي .
أما الزوجة فلا ترث زوجها و لكن لها الحق في أن تعيش من تركة زوجها . والمرأة التي يموت زوجها تعتبر جزءا من ميراث أخ الزوج يتزوجها و إن كانت كارهة ، وبمعنى أدق لا يعتبر هذا الزواج زواجا بل هو ميراث أو بالأحرى إغتصاب ، فهؤلاء اليهود جعلوها مجرد حيوان يرثه أهل المتوفى و لهم مطلق الحرية في التصرف فيه.و قد ذكر مثل هذا الكلام في سفر العدد : '' و تكلم بنو إسرائيل قائلا : أيما رجل مات و ليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته و إن لم تكن له ابنة تعطوا ملكه إلى اخوته و إن لم يكن له اخوة تعطوا ملكه إلى اخوة أبيه .'' (20) .
عاشرا- عند المسيحيين :
تعتبر المرأة جسما نجسا و خطيئة ملعونة و الابتعاد عنها حسنة و اليد التي تلمسها نجاسة لا تطهر أبدا ، إلا أن الإنجيل لم يتعرض للميراث لذلك اتبعوا نفس النظام المعمول به في شريعة اليهود و ما ورد في الشرائع القديمة (21).
حادي عشر- عند العرب :
كانت محرومة من جل حقوقها و من بينها الميراث ، بل الأكثر من ذلك كانت تعتبر متاعا يورث كما تورث الدابة. عن ابن عباس رضي الله عن قال : '' كان الرجل إذا مات أبوه فهو أحق بامرأته ، إن شاء أمسكها أو حبسها حتى تفتدي بصداقها أو تموت فيذهب بمالها ''.
و قال السدّى : '' إن الرجل في الجاهلية كان يموت أبوه أو أخوه أو ابنه فإذا مات و ترك امرأته فإن سبق وارث الميت فألقى عليها ثوبه فهو أحق بها أن ينكحها بمهر صاحبه أو يُنكِحها فيأخذ مهره و إن سبقته فذهبت إلى أهلها فهي أحق بنفسها'' . بل الأكثر من ذلك كانوا يقتلون البنات و يئدونهن مخافة لحوق العار بهم ، إلا أن هذا الوضع لم يكن سائدا عند كافة قبائل شبه الجزيرة العربية و لم تكن كل النساء تورث ، و أول من ورّث المرأة في الجاهلية للذكر مثل حظ الأنثيين هو عامر بن جشم ابن غنم اليشكري فقد ورّث ماله لأبنائه للذكر مثل حظ الأنثيين فوافق الإسلام في ذلك(22).
المطلب الثاني : نظام الإرث حديثــــــــا
تميز العصر الحديث بظهور مدارس و أنظمة مجحفة فالنظام الاشتراكي الشيوعي في مبادئه وأصوله الأولى التي وضعها " كارل ماركس " يمنع الملكية الفردية وينكر الميراث ويعتبره ظلما يتنافى مع مبادئ العدالة فلا يعطي أبناء الميت أو أقرباءه شيئا ذكورا أو إناثا .
ثم عدل عن هذا واعترف بالحق في الميراث وقد أورد ذلك في الدستور الروسي لسنة 1945 من خلال المادة 10 التي تعتبر أن حق الملكية الشخصية للمواطنين في دخلهم وتوفيرهم وكذلك حقهم في إرث الملكية الشخصية حق مضمون بموجب القانون (23).
أما الرأسمالية فقد أعطت الحرية المطلقة للرجل يتصرف بماله كيف يشاء ، فله أن يحرم أقرباءه من الميراث ويوصي به إلى غريب أو خادم أو حتى حيوان .
والذي يعنينا في هذا كيف نظرت القوانين الغربية الحديثة إلى ميراث المرأة ،'' فالنظام الألماني سوى بين الذكر والأنثى ، والنظام الأنجليزي قدم الذكور على الإناث ، والإبن الأكبر يقدم على الذكور والإناث'' (24).
ونظرا لمحدودية المراجع وقلتها فإننا نعتمد في هذا المجال على القانون الفرنسي باعتباره مصدرا لكثير من القوانين الغربية و العربية ، و قبل ذلك نشير إلى أن المرأة في فرنسا إلى غاية الثورة الفرنسية كانت تعتبر إنسانا بلا روح باستثناء السيدة مريم عليها السلام ، و قد اعتبرها آخرون جسما تقمص روح شيطان بل الأكثر من ذلك منهم من شكك في آدميتها ، واعتبرها حيوانا نجسا و مع قيام الثورة الفرنسية نص القانون الفرنسي على أنها ليست أهلا للتعاقد و استمر هذا الوضع إلى غاية 1931 (25) .
و لعل أهم النصوص التي تعرضت لميراث المرأة في القانون المدني الفرنسي المادة 731 التي جعلت فئات الورثة أربعة :الدرجة الأولى : أولاد المتـوفى ذكـورا أو إناثـا .
و فصلت المادة 745 ق . م فرنسي هذه الفقرة بقولها :
يرث الأولاد و أبناؤهم ، والدهم ووالدتهم ، وجدهم وجداتهم دون أي تمييز بين الوارث الذكر و الوارث الأنثى.
أي أن للذكر مثل حظ الأنثى .الدرجة الثانية : والد الميت ووالدته ، إخوته و أخواته عند عدم وجود أولادله ذكورا أو إناثا .
فإذا توفي المورث تاركا أخا أو أختا ، إخوة أو أخوات أو أبا أو أما فالتركة تقسم إلى قسمين ، فيأخذ الاخوة والأخوات أو هما معا النصف ، و يأخذ الأب الربع و الأم الربع .الدرجة الثالثة : الأعمام و الخالات و أبناء العمومة في حال عدم وجود وارث شرعي غيرهم
و نصت أيضا المادة 754 ق.م فرنسي على توريثهم.الدرجة الرابعة : بقية الأقارب .
و الملاحظ أن القانون المدني الفرنسي منع الزوجة و الزوج من الميراث إلا في حال عدم وجود الفئات السابق ذكرها (26).
حيث نصت المادة 765 ق.م فرنسي على أنه عندما لا يـترك المتوفى أقارب يرثونه تعود التركة إلى الزوج غير المطلق وعلى قيد الحياة أو الذي لم يصدر أي حكم - حائز لقوة الشيئ المقضي به - ضده بالانفصال الجسماني .
ولعل ما يمكن تسجيله على القانون الفرنسي في ميراث المرأة ما يلي :
1- سوى بين الذكور و الإناث . إذ لا فرق بين ذكر و أنثى دون النظر إلى واجبات الذكور المالية .
2- حجب الأصول بالفروع فالبنت تحجب الأم.
3- سوى بين ميراث الأم و الأب.
4- ورث الإخوة و الأخوات مع الأب.
5- سوى في الميراث بين الإخوة الأشقاء أو لأب ذكورا أو إناثا دون مراعاة لقوة القرابة.
6- حرم الزوج من حق ميراث زوجته و حرم الزوجة من ميراث زوجها إلا في غياب الأقارب الوارثين .
المبحث الثاني : نظام الإرث الإسـلامي
جاء الإسلام بعدله وإنصافه وبحكمته الرشيدة ، فناصر النساء اللائي حرمن من الميراث زمانا طويلا ، وكان التشريع الإسلامي على غاية من الحكمة والعقلانية إذ تخلص من الجاهليات السابقة وعاداتها رويدا رويدا ليسهل قبوله والقيام به حينا بعد حين.
المطلب الأول : تدرج التشريع الإسلامي في الميراث
مر تشريع الميراث بمراحل عديدة مراعاة لسنة التدرج المألوفة في الإسلام ، وكانت مراحل تشريعه كالآتي :
المرحلة الأولى : لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة هو وصحبه الكرام ، تركوا أموالهم و أملاكهم في مكة فتلقاهم إخوانهم الأنصار من أهل المدينة فآووهم ونصروهم وقاسموهم أموالهم ، فصار التوريث بالهجرة والتحالف و الأخوة التي آخاها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين و الأنصار ، قال تعالى : [ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ] الأنفال : 72 (27)
المرحلة الثانية : ثم شرع الميراث بالوصية الواجبة للوالدين والباقي للأقربين من الولد وغيره .
قال تعالى : ] كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة : 181(28)
المرحلة الثالثة : ثم نسخ التوارث بالمؤاخاة والتحالف ، بالقرابة والرحم قال تعالى : ] وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الأنفال :75 (29)
المرحلة الرابعة : وفيها شرع الميراث بالقرابة دون تفصيل ، وجعل للنساء حظوظا في ذلك ، قال تعالى : {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} النساء : 7 "...روي أن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها أم كجة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما أبناء عم الميت ووصياه يقال لهما : سويد وعرفجة ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا .وكانوا في الجاهلية لايورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ويقولون : لانعطي إلا من قاتل على ظهور الخيل ، وطاعن بالرمح ، وضارب بالسيف ، وحاز الغنيمة .فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما فقالا : يا رسول الله ولدها لايركب فرسا ولا يحمل كلا ولا ينكأ عدوا فقال : « انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن » فأنزل الله هذه الآية ...
وفي هذه الآية ثلاث فوائد :
إحداها : بيان علة الميراث وهي القرابة .
والثاني : عموم القرابة كيفما تصرفت من قرب أو بعد.
والثالث : إجمال النصيب المفروض ...'' (30)
وقد كانت هذه الآية كالمقدمة ، إذ جاءت مجملة وما تلاها مفصلا لقصد تهيئة النفوس.المرحلة الخامسة : وكان بينها وبين المرحلة السابقة أيام معدودة فقط ، وكان في هذه المرحلة تعيين الورثة وتحديد الأنصبة فنزل قوله تعالى :{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ } النساء :11 ، 12
وروي في سبب نزولها: ''..أن امرأة سعد بن الربيع قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن سعدا هلك وترك ابنتين وأخاه فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد ، وإنما تنكح النساء على أموالهن فلم يجبها في مجلسها ذلك ، ثم جاءته فقالت يا رسول الله ابنتا سعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع لي أخاه فجاءه ، فقال ادفع إلى ابنتيه الثلثين وإلى امرأته الثمن ولك ما بقي ، ونزلت آية الميراث : [ يوصيكم ... ] ..'' (31)
ويستغرق هذا التفصيل آيتين : أولاهما خاصة بالورثة في الأصول والفروع والثانية خاصة بحالات الزوجية والكلالة ، ثم تجئ بقية أحكام الميراث في آخر آية في السورة استكمالا لبعض حالات الكلالة وهي قوله تعالى : {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَااثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} النساء : 176 .
ونلاحظ أن آية الميراث ، أنزلها الله عز وجل إنصافا للمرأة المظلومة ، وأغلب من ذكر فيها من الورثة هم من النساء بل السورة بأكملها سميت سورة النساء ولا توجد في القرآن سورة واحدة تسمى سورة الرجال ، فهل بعد هذا البيان من بيان ؟! ..
وابتدأت الآيات بالتنويه بالوصية وأن الله هو الذي أوصى وليس غيره، وأوصى من؟أوصى الوالدين،أوصاهم بماذا ؟ بأولادهم ! فقال : [ يوصيكم الله في أولادكم ] وقال: '' في أولادكم ولم يقل في أبنائكم لأن لفظ الولادة هو الذي يليق بمسألة الميراث ففي تخصيص هذا اللفظ فقه وتنبيه ، أما الفقه فإن الأبناء من الرضاعة لا يرثون لأنهم ليسوا بأولاد وكذلك الابن المتبنى فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبنى زيدا قبل نسخ التبني فكان يقول أنا ابن محمد ولا يقول أنا ولد محمد ولذلك قال سبحانه :{وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ }النساء: 23 . لأن الولد لا يكون إلا من الصلب أو أن لفظ الأولاد يقع على الذكور و الإناث حقيقة فلذلك عدل عنه إلى لفظ الأبناء في آية التحريم و أما في آية المواريث فجاء بلفظ الأولاد تنبيها على المعنى الذي يتعلق به حكم الميراث وهو التولد فالماء حياة البشر كما أن الماء حياة
الشجر'' (32).
و '' ( في ) هنا للظرفية المجازية ، جعلت الوصية كأنها مظروفة في شأن الأولاد لشدة تعلقها به كاتصال المظروف بالظرف ، وجملة [ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ] بيان لجملة ( يوصيكم ) لأن مضمونها هو معنى مضمون الوصية ... وتقديم الخبر على المبتدأ في هذه الجملة للتنبيه من أول الأمر على أن الذكر صارله شريك في الإرث وهو الأنثى لأنه لم يكن لهم به عهد من قبل ، إذ كان الذكور يأخذون المال الموروث كله ولاحظ للإناث ...
وقوله تعالى: [ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ] جعل حظ الأنثيين هو المقدار الذي يقدر به حظ الذكر ، ولم يكن قد تقدم تعيين حظ الأنثيين حتى يقدر به ، فعلم أن المراد تضعيف حظ الذكر من الأولاد على الأنثى منهم ، وقد كان هذا المراد صالحا لأن يؤدى بنحو : للأنثى نصف حظ ذكر ، أو للأنثى مثل حظ ذكر ، إذ ليس المقصود إلا بيان المضاعفة ، ولكن قد أوثر هذا التعبير لنكتة لطيفة وهي الإيماء إلى أن حظ الأنثى قد صار في اعتبار الشرع أهم من حظ الذكر ، إذ كانت مهضومة الجانب عند أهل الجاهلية فصار الإسلام ينادي بحظها في أول ما يقرع الأسماع'' (33)
وتختم الآيــة بقولـــه تعالى : [ تتِلْكَ حُدُودُ اللّـــهِ وَمَن يُطِـــعِ اللّـــهَ وَرَسُولَـهُ يُدْخِلْهُ جَنَّـــاتٍ تَجْـــرِي مِن تَحْتِهَـــا الأَنْهـــَارُ خَالِــدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفـــَوْزُ الْعَظِيــــمُ وَمَن يَعْصِ اللّــهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ] النساء :13 ، 14 أي تلك الفرائض وتلك التشريعات ، التي شرعها الله لتقسيم التركات ، وفق علمه وحكمته ، ولتنظيم العلاقات العائلية في الأسرة ، والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع .. تلك حدود الله .. حدود الله التي أقامها لتكون هي الفيصل في تلك العلاقات ، ولتكون هي الحكم في التوزيع والتقسيم ، ويترتب على طاعة الله ورسوله فيها الجنة والخلود والفوز العظيم ، كما يترتب على تعديها وعصيان الله ورسوله فيها النار والخلود والعذاب المهين ) .
ويجدر التذكير أيضا بأن " الزوجة " كانت تورث ولما جاء الإسلام أبطل هذه العادة ، '' ..أخرج البخاري عن ابن عباس قال : « كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} النساء : 19 ... وروى الطبري من طريق ابن جريج عن عكرمة أنها نزلت في قصة خاصة قال : نزلت في كبشة بنت معن بن عاصم من الأوس وكانت تحت أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها ، فجنح عليها ابنه ، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي ولا تركت فأنكح فنزلت هذه الآية'' (34)
وهكذا تقرر ميراث الميراث بتدرج وحكمة ، بعد أن كانت المرأة من سقط المتاع صارت وارثة ونصيبهامحدد ومقدر، ومن يتعدى عليها في ذلك فمصيره النار..
المطلب الثاني : ميراث المرأة في الفقه الإسلامي
بداية نشير إلى أن فئة من الوارثات ثبت إرثهن بنصوص القرآن أو السنة أو إجماع الصحابة ، بالإضافة إلى فئة أخرى اجتهد الفقهاء في توريثها في حالات معينة ، وهذه الفئات ترث بثلاث حالات هي : الفرض و التعصيب والرحم . وفيما يلي بيان ذلك :
أولا : ميراث المرأة بالفرض: (35)
الفرض ، لغة : مأخوذ من التقدير : ما فرضتم أي ما قدرتم .
واصطلاحا : هو سهم مقدر شرعا للوارث ، و الأسهم عبارة عن كسور قابلة للتجزئة و المضاعفة .
والفروض الواردة في القرآن ستة :
3/2 ، 3/1 ، 6/1 ، 2/1 ، 4/1 ، 8/1
وهي كما ترى كسور عادية ، فيهـا انتظام وترتيب ، فالثلثــان ضعف الثلث ، والثلث ضعـف السدس . كذلك النصف ضعف الربع ، والربع ضعف الثمن ، فهما إذا مجموعتان ، كل مجموعة منهما تضم فروضــا متساويــة في العدد : ثلاثة فروض ، تشكل فيما بينهما متوالية هندسية.
ومن هذه الفروض فروض فردية كفرض النصف للبنت ، وفروض جماعية كفرض الثلثين للبنات ، فإنهن يأخذن الثلثين سواء كان عددهن اثنتين أو أكثر . فالبنت وحدها تأخذ النصف ، فإذا اجتمعت مع بنت أخرى نزل فرضها إلى الثلث ، وينزل فرضها أكثر كلما كثر عدد البنات . ولو لم يكن الأمر كذلك لأجهزت بنتان فقط على التركة كلها ، إذا أعطيت كل واحدة منهما النصف.
وتتأثر هذه الفروض بالولد ، فتنقص بوجوده وتزداد بغيابه ، فالأم لها الثلث إن لم يكن هناك ولد ، والسدس إن كان هناك ولد .كذلك الزوج له النصف إذا لم يكن هناك ولد ، والربع إذا كان هناك ولد ... الخ
ويلاحظ أن أكثر أصحاب الفروض هم الإناث : بنات ، أخوات ، أمهات ، زوجات.
وأصحاب الفروض يرثون قبل العصبة ، فإذا بقي شيء بعدهم ذهب إلى العصبة .
وقد تأتي الفروض على التركة كلها فلا يبقى منها شيء ، فتسمى الفريضة هنا « عادلة » ، أو تبقى منها شيء فتسمى « رَدّية » أو « قاصرة » ، أو تنوء بهم فتسمى « عائلة » .
واللواتي يرثن بالفروض هن :
1- ميراث الزوجة أو الزوجات :
قال تعالى : ] وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [ النساء : 12.
لقد بينت هذه الآية فرضيين للزوجة :
- فرض الربع ( 4/1 ) إذا لم يكن للزوج فرع وارث.
- فرض الثمن ( 8/1 ) إذا كان للزوج فرع وارث .
وترث الزوجـة المطلقة طلاقا رجعيا من زوجها إذا مات قبل انتهاء عدتها ، بل وترث الزوجة حتى بعد انتهاء عدتها إذا طلقها في مرض الموت فرارا من توريثها معاملة له بنقيض مقصوده (36) .
2- ميراث البنت الصلبية :
قال تعالى : ] يـُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [ النساء : 11 .
بينت هذه الآية أن البنت ترث بفرضين :
- النصف ( 2/1 ) عند الانفراد ، وعدم وجود معصب لها .
- الثلثين ( 3/2 ) عند التعدد و عدم وجود معصب لهن.
3- ميراث بنت الابن :
دليل ميراثها نفس دليل ميراث البنت ، إذا لم يكن للميت بنت صلبية نزلت بنت الابن منزلتها و تحجب بوجود الابن لأنه الأقرب إلى الميت فهي تدخل باسم الأولاد دخولا مجازيا لا حقيقيا . وتأخذ :
- النصف ( 2/1 ) عند الانفراد ، وعدم وجود معصب لها ، وعدم وجود البنت
- الثلثين ( 3/2 ) عند التعدد و عدم وجود معصب لهن. ( أي تأخذ بالفرضين السابقين للبنت الصلبية )
- السدس ( 6/1 ) للواحدة فأكثر مع البنت الصلبية الواحدة تكملة للثلثين ( 3/2 ) مع عدم وجود معصب لها في درجتها .
4- ميراث الأخوات :
و تشمل الأخوات الشقيقات و الأخوات لأب والأخوات لأم .
أ- الأخت الشقيقة :
قال تعالى : ] يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [ النساء :176 .
وقد بينت هذه الآية فرضين لها:
- النصف ( 2/1 ) للواحدة إذا لم يكن معها أصل مذكر و فرع وارث مطلقا ولا إخوة أشقاء ولا جد.
- الثلثين ( 3/2 ) عند التعدد و ليس معهن من يحجبهن .
تكلمت عن فرض الثلثين لاثنين فأكثر .
ب- الأخت لأب:
هي كل أنثى تدلي إلى الميت بجهة الأب ، ودليل ميراثها نفس دليل ميراث الأخت الشقيقة ، وتأخذ:
- النصف ( 2/1 ) للواحدة إذا لم يكن معها أصل مذكر و فرع وارث مطلقا ولا إخوة أوأخوات أشقاء ولا جد.
- الثلثين ( 3/2 ) عند التعدد و ليس معهن من يحجبهن .
- السدس ( 6/1 ) مع الأخت الشقيقة الواحدة تكملة للثلثين ( 3/2 )، ومع عدم وجود معصب لها ( أخ لأب ).
و تسقط بالأخت الشقيقة الواحدة إذا كانت عصبة مع البنت أو بنت الابن لأنها في هذه الحال تقوم مقام الأخ الشقيق ، وسنوضح ذلك لاحقا.
جـ- الأخت أو الأخوات لأم :
و هي التي تدلي إلى الميت بجهة واحدة و هي الأم ، ولاترث إلا كلالة(37) . ودليل ميراثها قوله تعالى :{وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [ النساء : 12 .
و قد بينت هذه الآية فرضين لها :
- السدس(6/1) إن كانت واحدة كلالة.
- الثلث ( 3/1 ) عند التعدد . إذ لا فرق بين الذكور والإناث يقتسمون الثلث بالتساوي .
5- ميراث الأم :
هي كل أنثى لها على المتوفى ولادة مباشرة (38) و لها ثلاث حالات في الميراث :
قال تعالى : { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ } النساء :11 .
بينت هذه الآية فرضين ( حالتين ) هما :
- السدس (6/1) عند عدم وجود الفرع الوارث مطلقا ، أو تعدد الاخوة و الأخوات من أي جهة كانوا ، سواء كانوا وارثين أو محجوبين .
- الثلث ( 3/1 ) وتأخذ ثلث المال كله عند انعدام الفرع الوارث مطلقا أو عدم تعدد الإخوة.
أما الحالة الثالثة : فهي ترث ثلث الباقي من التركة بعد نصيب أحد الزوجين عند اجتماعهما بالأب وهي ماتعرف بمسألة الغراوين ( المسألة العمرية ) (39) .
6- ميراث الجدات :
والمقصود بهن الجدات الوارثات ، الجدة لأم ، والجدة لأب وأمهاتهما ، ودليل توريثهن هو ما رواه الإمام مالك عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال:'' ثم جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال لها أبو بكر مالك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر الصديق ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها فقال لها مالك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضى به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها'' (40) .
ترث الجدة فرض السدس (6/1) للواحدة فأكثر بشرط التساوي في الدرجة . وتحجب بالأم ، وتحجب الجدات الأبويات بالأب ، وتحجب الجدة البعيدة بالقريبة من أي جهة كانت .
ثانيا : ميراث المرأة بالتعصيب: (42)
العاصب و العصبة : هم قرابة الرجل لأبيه و هي مأخوذة من الإحاطة به ، وهم الذين يصرف لهم باقي التركة بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم . والعصبة ثلاثة أنواع :
العصبة بالنفس ولا يرث بها إلا الذكر.
العصبة بالغير ويرث بها الإناث مع الذكور ( الأولاد ، الإخوة الأشقاء أولأب )
العصبة مع الغير ولا يرث بها إلا الإناث ( الأخوات مع البنات )
فالعصبة ورثة أقوياء ، وهم كذلك متفاوتون في القوة ، فالإبن في المقدمة ، وهو أقوى من الأب ، والأب أقوى من الأخ... إلى آخر الترتيب المعروف للعصبات في علم الميراث .
والعاصب قوي ، يشد التركة كلها إليه ، إذا لم يوجد معه أصحاب فروض ، ولا يوجد صاحب فرض واحد يرث أكثر من ربع التركة في حال وجود الولد ، ونصفها في حال عدمه ، مثال : الزوج . فلولا أصحاب الفروض لكانت التركة كلها لأقرب عاصب . ومع وجود أصحاب الفروض تقدم معنا أن العاصب كلما كان أقرب إلى المتوفى كان أقوى وزاد مقدار ميراثه.
لقد أراد الله سبحانـــه ألا ينفـــرد العاصـــب بالإرث ، حتى لو كان قويـــا كالإبن ، بـل أراد أن يرث معه بعض الورثة ، إذا وجدوا : الزوجان ، الأبوان ، لاسيما وأنهم قريبون من المتوفى ، ويتصلون مباشرة ، كالإبن ، بلا واسطة ولهم فضل لا ينكر في تكوين ثروة المتوفى ، فأعطى هؤلاء نسبا محددة ، ليبقى الباقي للعاصب ، مع ملاحظة أن هذه النسب تنقص بوجود الولد ، وتزداد بغيابه ، وذلك كما قلنا لزيادة نصيب العاصب إذا قرب ، وتقليله إذا بَعُدَ .
وجعــل الولد ، برغم قوته الإرثية ، لا يحجب الزوجين ولا الوالدين ، إنما يحجب الإخـــوة . فإرث الـــزوجين والوالدين ، مع الولد ، إرث قوي غير قابل للسقوط ( غير قابل لحجب الحرمان ) ، وإن كان قابلا للنقصان . أما الإخوة فإرثهم ضعيف ( كَلاَلة ) قابل للسقوط ( لحجب الحرمان ) .
بقي أن الأبناء إذا تعددوا توزعوا التركة ، أو نصيبهم منها ( بعد الفروض ) ، على عدد رؤوسهم ، لأنهم متساوون في القوة الإرثية ، وإذا وجد معهم بنات ، فإن الأبناء يشدُّونهن إليهم ، من نظام الإرث بالفرض إلى نظام الإرث بالتعصيب ، وتكون القوة الإرثية للبنات بمقدار نصف القوة الإرثية للبنين ، لأنهم مكلفون بالإنفاق وهن غير مكلفات ، فيرث الذكر مثل حظ الأنثيين . فهذا هو نظام التعصيب بالغير ، وهذا هو قبله نظام التعصيب بالنفس . فالتركة للعاصب ، وتوريث غير العاصب ( مع العاصب ) هو الذي فرض نظام الإرث بالفرض . فهذا الذي اقتضى تعدد النظم ، وهذا الذي اقتضى كل نظام بعينه من هذه النظم.
وعادة لاترث المرأة بهذا النوع إلا لماما، ولذلك فهذا النوع من الميراث-بالنسبة للنساء- يختص بالبنات أو الأخوات الشقيقات أو الأخوات لأب فقط ، على حسب الحالة.
واللواتي يرثن بهذا النوع هن:
1- البنات :
قال تعالى : ] يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [ النساء :11.
تكون البنت عصبة بأخيها و هو الإبن ، و تكون بنت الإبن عصبة بأخيها أو ابن عمها ، ويكون إرثها كما بينت الآية للذكر مثل حظ الأنثيين .
2- الأخوات :
وتكون عصبة بالغير و مع الغير وتشمل الأخوات الشقيقات و الأخوات لأب .
قال تعالى : ] وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْن ِ [النساء :176. فتكون الأخت الشقيقة عصبة بأخيها الشقيق وكذلك الأخت لأب عصبة بأخيها لأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين كما بينت الآية .
و ترث الأخوات الشقيقات أو لأب مع الغير أي مع البنات ، وتصير الأخت في مرتبة الأخ فتحجب ما يحجبه الأخ لذلك نجد أن الأخت الشقيقة تحجب الأخت لأب إذا كانت عصبة مع الغير إلا إذا كان لها أخ يعصبها .
ودليل ميراثها أن : '' أبا موسى سئل عن بنت و بنت ابن و أخت فقال : للبنت النصف وللأخت النصف وأت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود و أخبر بقول أبي موسى فقال : ضللت إذا وما أنا من المهتدين أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم للبنت النصف و لبنت الإبن السدس تكملة للثلثين ، و ما بقي فللأخت ، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم '' (43).
مقارنة بين ميراث المرأة بالفرض وميراثها بالتعصيب :
1- أغلب من يرث بالفرض نساء ، وأغلب من يرث بالتعصيب ذكور
2- في تقسيم التركة يبدأ بأصحاب الفروض قبل أصحاب العصبات .
3- نلاحظ أن المرأة بميراث الفرض لا يتغير فرضها بعكس التعصيب فيتغير زيادة أو نقصا حسب الوارث ( كما إذا كان ابن لوحده يرث كل التركة، أو ابنا مع بنت فإنه يعصبها ويأخذان للذكر مثل حظ الأنثيين أو إذا كان هناك أخ شقيق وبنت فإنه يأخذ ما يبقى بعد أخذ صاحبة الفرض ).
4- صاحب الفرض لا ينقص فرضه إلا في حال ما إذا كانت المسألة عائلة فيدخل النقص على السهم من التركة لاعلى الفرض .
بينما في العصبة ، '' فكلما تباعد العصب ينقــص الباقي من التركة ، فالإبن إذا كان هو العاصب ، ولا توجد بنت ، فإن مقدار إرثه يكون كبيرا نسبيا ، لأن وجوده يؤثر بالنقص على إرث الوالديـــن ، والزوجــين ، كمــــا أوضحنا . وإذا وجد الإبن ، وكانت معــه بنت ، فإنــه لا يـــدعها ترث النصـــــف ، بــل يجعلهـــا تـرث معـــه على توزيــع آخر : سهمين له ، وسهم لها .
وإذا كان الأب هو العاصب ، فإن مقدار ما يرثه تعصيبا يكون أقل نسبيا من الابن ، لأن البنت إذا وجدت مع الأب ، ترث النصف ، وكذلك الزوجان ينقصان بالولد ، ولا ينقصان بالأب ، أي الولد يحجبها حجب نقصان ، ولا يفعل الأب ذلك.
وإذا كان الأخ هو العاصب ، فالزوجان يرثان حظهما الأعلى ( لا الأدنى كما هو الحال مع الولد ) ، والأخ لا يرث إلا إذا غاب الولد والوالد ( وهو معنى الكلالة ) ، فما يصل إذن إلى الأخ بطريق التعصيب سيكون منسجما في المقدار مع شركائه في الإرث . وإذا وجدت معه أخت فإنه سيعصّبها ليرثا معا : سهمين له ، وسهما لها ، كما أوضحنا في مجال الإبن والبنت .
ألا ترى إلى هذا الإعجاز الفني في الميراث ، وإلى هذه الحركة ( الدينامية ) اللافتة في نظام عمل الإرث ؟'' (44).
5- المرأة لا تكون عصبة بالنفس ، بل قد تكون عصبة بالغير كالبنت مع الإبن و الأخت مع الأخ . كما قد تكون عصبة مع الغير( الأخوات مع البنات ). فالذكر قد يرث كل التركة ، أو الباقي منها بعد أصحاب الفروض ، ولا تتمتع الأنثى بهذا المركز . لكن بالمقابل تتمتع الأنثى بمركز أقوى من الذكر ، من حيث أنها من أصحاب الفروض : بنت ، أم زوجة ، أخت شقيقة ، أخت لأب ، أخت لأم . ''
فالعصبات إذا كانوا أقوى من حيث :
- أنهم قد يرثوا كل التركة .
- أو الباقي منها بعد أصحاب الفروض .
إلا أن ذوي الفروض أقوى من العصبات من حيث :
- تقدمهم على العصبات في مراتب الإرث ، فقد يرثون ولا يبقى شيء بعدهم للعصبات .
- عدم سقوطهم من الميراث ، فلا تضيق عنهم التركة ، حتى لو عالت المسألة .
كأن يكون هناك زوج وأختان شقيقتان أو لأب فللزوج ( 2/1 ) و للأختين ( 3/2 ) ، فيكون :
2/1 + 3/2 = 6/3 + 6/4 = 6/7 .فعندئذ توزع التركة على 7 لا على 6 فيدخل النقص على جميع أصحاب الفروض كل بحسب فرضه ، ولا يحرم أي منهم من الميراث '' (45)
يتبع
Bookmarks