الأخ العزيز أتماكا يبدوا أن صاحب تلك الشبه من هواه الضرب العشوانى وأرجو ألا تعجب أخى الكريم من بساطة الرد :
بالنسبة لقوله تعالى : (( الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا . قيما )) لاحظ أخى الكريم أن ثم حكما من أحكام التجويد اسمه السكت أى أنك يجب أن تسكت على كلمة عوجا
قال فى الكشاف :
(( "ولم يجعل له عوجاً" ولم يجعل له شيئاً من العوج قط، والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان، والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه، وخروج شيء منه من الحكمة والإصابة فيه. فإن قلت: بم انتصب "قيماً"? قلت: الأحسن أن ينتصب بمضمر ولا يجعل حالاً من الكتاب، لأن قوله "ولم يجعل" معطوف على أنزل، فهو داخل في حيز الصلة، فجاعله حالاً من الكتاب فاصل بين الحال وذي الدال ببعض الصلة، وتقديره: ولم يجعل له عوجاً جعله قيماً، لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة. فإن قلت: ما فائدة الجمع بين نفي العوج إثبات الاستقامة، وفي أحدهما غنى عن الآخر? قلت: فائدته التأكيد، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح. وقيل: قيماً على سائر الكتب مصدقاً لها، شاهداً بصحتها. وقيل: قيماً بمصالح العباد وما لا بد لهم منه من الشرائع ))
والحاصل من كلامه أن قيما تفيد عدة معان لم تستفد من عوجا أفادت نفى الاعوجاج وتأكيد ذلك النفى بإثبات الاستقامة الكاملة فالنفى وحدة لا يثبت صفة والدليل أن العدم يمكنك أن تنفى عنه أى صفة دون أن يكون فى ذلك إثبات لضدها فالمعنى نفى كل إعوجاج وإثبات كل استقامة مع ما فى كلمة قيما من معنى القيام بمصالح العباد والهيمنة على الكتب السابقة وتصديقها أما لو تقدمت قيما لكان ذلك وصفا بالأدننى بعد الوصف بالأعلى وهذا مخالف للبلاغة كما ولو تأملت فى الآية التى تليها فلو قال ولم يجعل له عوجا لينذر بأسا شديدا لاقترن الاعوجاج فى اللفظ بالإنذار وليس ذلك كاقتران قيما بالإنذار ..
وأما قوله تعالى : ((أرنا الله جهره )) وزعم صاحب الشبهة أن الصواب قالوا جهرة أرنا الله فهذا من قلة عقل صاحب الشبهة فليس فى التقديم والتأخير صواب وخطأ بل هذه معايير جمالية وليست معايير صواب وخطأ على أن قوله تعالى أرنا الله جهرة أى عيانا كقولك رأيته جهارا نهارا أى رأيته بمنتهى الوضوح وهذا هو المعنى الذى يقتضيه السياق مبالغة فى التعنت فهم لا يريدون أى رؤية يمكن أن تؤول بل يؤكدون على أن مرادهم هو الرؤية البصرية كأوضح ما تكون .
يقول صاحب الشبهة :
:"افرايت من اتخذ الهه هواه " والصحيح هو من اتخذ هواه الهه) لأن من اتخذ الهه هواه فهو غير مذموم - ونسأل اي إعجاز في قوله
أشرنا إلى أن كلا التعبرين ليس خطأ فى اللغة بل هو من جهل صاحب الشبهة وقلة عقلة فلو قلت أعطى الغنى الفقير الزكاة أو أعطى الغنى الزكاة الفقير لم يكن أحدهما صوابا والآخر خطأ بل كلا التعبيرين صواب إذ لا يجب ترتيب معين بين المفعولين ..
المهم ما الفرق بين : من اتخذ إلهه هوا وبين من اتخذ هواه إلهه الفرق هنا فى القصر فمن اتخذ إلهه هواه تقصر اتخاذه الألوهية على الهوى أى أنه لم يتخذ إلها آخر غير الهوى والهوى فقط أما التعبير من اتخذ هواه إلهه فلا تمنع أنه يتخذ إلها آخر ولا يتصرف وفق هواه دائما وليس هذا هو المعنى المقصود .
وأما عن السؤال : فضحكت فبشرناها ولماذا لم يقل فبشرناها فضحكت ودعك من كلمة الصواب هذه التى لا تدل إلا على جهل قائلها قال صاحب الكشاف :
"وامرأته قائمة" قيل: كانت قائمة وراء الستر تسمع تحاورهم. وقيل: كانت قائمة على رؤوسهم تخدمهم. وفي مصحف عبد الله: وامرأته قائمة وهو قاعد "فضحكت" سروراً بزوال الخيفة أو بهلاك أهل الخبائث. أو كان ضحكها ضحك إنكار لغفلتهم وقد أظلهم العذاب. وقيل: كانت تقول لإبراهيم: اضمم لوطاً ابن أخيك إليك فإني أعلم أنه ينزل بهؤلاء القوم عذاب، فضحكت سروراً لما أتى الأمر على ما توهمت. وقيل ضحكت فحاضت.
والمشكلة هى فى عقل صاحب الشبهة وهى أنه رأى مناسبة بين البشرى والضحك وهذا ما دفعه لتوهم أن الضحك لا بد وان يكون بعد هذه البشرى وليس هذا مما يستأهل ردا فى الحقيقة .
الضحك والضحاك كما فى لسان العرب هو الحيض بمعنى أنها بعد هذا السن المتقدم أصبحت مهيأة مرة أخرى للإنجاب وهذا وفى الآية إعجاز بالإشارة إلى معنى اسم إسحاق وهو الضاحك وقد تكرر هذا فى آيات أخرى كما فى قوله تعالى (( إن إبراهيم كان أمة )) (( ولقد ارسلنا نوحا إلى قومه فمكث ))..
كل هذه المعانى قد جاءت من كلمة واحدة وقد تركها هذا الجاهل وذهب إلى معنى غير مقصود وأراد حمل القرآن عليه تعسفا وحمقا .
يقول صاحب الشبهة :
لولا كلمة من ربك لكان لزاما وأجل مسمى " والصحيح هو :ولولا كلمة واجل مسمى لكان لزاما
أجل مسمى معطوفة على الضمير فى كان أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل.هذا ولو فرضنا أن المقصود ان يكون معطوفا على كلمة فلا يشترط هذا الترتيب الذى ذكره وإنما هو من قلة العلم وضيق الأفق الذى يتمتع به صاحب الشبهة .
يقول صاحب الشبهة :
وأين الأعجاز في قوله :"فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم و انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا " والصحيح:" لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا , انما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة -
وهذا من أعجب ما قرأت الرجل يدعى معنى فى ذهنه ثم يحمل مراد القرآن عليه ثم يتوهم قاعدة قد خالفها القرآن !! الواقع أن ليس أى فرض من ذلك صحيحا فالعذاب هنا واقع فى الدنيا وكل محب لغير الله تعالى معذب به قال تعالى (( سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب غليظ )) والعذاب يكون فى الحرص عليها وما يعتورها من منغصات تسوؤهم وما يشعرون به عند فراقها ولا بد من هذا الفراق ..فبأى عقل يفكر هؤلاء الحمقى لا شك ان من يتصور مثل تلك المعانى لا بد وأن يكون غارقا فى الدنيا هى مناه وهمه .
هذا فضلا عن سؤاله عن الإعجاز فى الآية ومعلوم أن التحدى لا يكون بالآية والآيتين وإنما بالسورة كما قال تعالى (( وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودهاالنسا والحجارة أعدت للكافرين )) .
ولا معنى لقول لقوله ((غرابة)) حتى لو تصورنا إبهام المعنى فهو أيضا من الأغراض البلاغية ومعلوم أن كل ما لا يخالف قاعدة فلا يمكن الطعن فيه :
فأما عودة الضمير فى الآية إليه يصعد الكلام الطيب , والعمل الصالح يرفعه.فيمكن أن يكون عائدا إلى العمل الصالح أى أقرب مذكور وتكون الآية بمعنى أن العمل الصالح لا بد منه كى يرفع الكلام الطيب ولا قول يقبل من صاحبه مهما كان طيبا إلا بأن يصدقه عمل ، كما يمكن أن يكون عائدا إلى الله تعالى لكونه تعالى يرفع الأعمال وكلا المعنين صحيح والقرآن الكريم يحمل وجوها لا حصر لها من المعانى الصحيحة لأنه ليس من كلام البشر بل هو كلام الله تعالى الذى لا تنقضى فوائده ولا يحيط بعلمه أحد سواه ولو فرضنا تحديد المعنى وترك التعبير بالضمير لضاعت أكثر المعانى فضلا عن ركاكة الأسلوب وضعفه ولو ذكرت كل تلك المعانى كل على حدة وترك الإيجاز لكان القرآن على أضعاف ما هو عليه مما يتنافى مع تيسير حفظه وتلاوته .
أما قول هذا الرجل المسكين غرابات أو حذاذير فكلام تافه يدل على عقول هؤلاء الناس وجهلهم الفاضح وحقدهم الدفين .أما قوله هل جائز فى اللغة والمنطق فلا أجد تعليقا فى الحقيقة .
وأما تعريف الصمد دون أحد فلأن الصمد اسم من أسماء الله تعالى وكل أسمائه تعالى معرفة أما أحد فهى صفة الفرق بينهما كالفرق بين قولك رحيم والرحيم فالأولى تعبر عن صفة من صفات الله تعالى و الثانية هى اسم من أسمائه تعالى وكل أسماء الله تعالى معرفة بأل التى تميزها عن غيرها بخلاف الصفات وهناك معنى آخر وهو أن النكره لها معان الشيوع وهذا غير متوجب فى أحد إذ لا ثانى له فكيف يتطلب ذكر ما يمنع هذا الشيوع ؟
وهناك مشكلة أخرى فى عقل هذا الكائن وهى ان الجائز واجب أو ممتنع !
معنى الجواز أنه لا فرق بين استعمال الجائزين ولا يحتاج الأمر لعلة فضلا عن جودة التنويع وسئامة التكرار هذا فى حد ذاته يعتبر مرجحا فلا أدرى ما الغرابة فى تنويع القرآن بين الجائزات فى اللغة ولماذا يفترض هذا الأحمق أن يستعمل القرآن نمطا واحدا منها ولا يغيره !
والغريب أن هذه الأمور التى يصفها هو بالغرابة لم تدفعه للتأمل إلى ما خلفها من معانى رائعة بل إلى الطعن فالقاعدة عنده تقديم الطعن قبل النظر .. ومن الأمثلة على ذلك اعتباره ما ذكره عن تأنيث السماء وتذكيرها على ان الأمر لا يخلو من فوائد بلاغية فى الاختيارات القرآنية قال القرطبى فى التفسير : ((لم يقل منفطرة؛ لأن مجازها السقف؛ تقول: هذا سماء البيت؛ قال الشاعر: فلو رفع السماء إليه قوما لحقنا بالسماء وبالسحاب
وفي التنزيل: "وجعلنا السماء سقفا محفوظا" [الأنبياء: 32]. وقال الفراء: السماء يذكر ويؤنث.
وقال أبو علي: هو من باب الجراد المنتشر, والشجر الأخضر, و"أعجاز نخل منقعر" [القمر: 20]. وقال أبو علي أيضا: أي السماء ذات انفطار؛ كقولهم: امرأة مرضع, أي ذات إرضاع, فجرى على طريق النسب. "كان وعده" أي بالقيامة والحساب والجزاء "مفعولا" كائنا لا شك فيه ولا خلف. وقال مقاتل: كان وعده بأن يظهر دينه على الدين كله..)) ا. هـ
والأتفه من ذلك تعسفه فى إجراء المعانى فهو مثلا يريد أن يقول الله تعالى قل إن هدى الله هو الهدى دائما ولا يصح أن يقول قل إن الهدى هدى الله وكأن هذا الكائن غفل عن الفرق بين المعنيين فالأول يقصر الهدى على أنه هدى الله والثانى يقصر هدى الله على الهدى بمعنى ان الهداية لا تكون إلا من عند الله والثانى أن ما هدانا الله إليه هو الهداية الحقيقية فكيف تصور هذا الغر أن الجملتين بنفس المعنى أو أن حداهما خطأ والأخرى صواب أو أنه فى أحدهما غنى عن الأخرى ..
ولو تأملت قوله تعالى ((ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ))وقوله تعالى (( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم(( وإياهم )) لوجدت عجبا عندما تقارنها بألآية ألأخرى فالخشية تعنى أن الإملاق والفقر غير متحقق بل هو متوقع مع وجود الأبناء فى المستقبل فكان رزق الله للأبناء الذين يتوقع منهم الفقر هو المقدم أما من إملاق فالإملاق متحقق فكان لا بد ن الإشارة إلى أن الله تعالى سيرزقكمم ويعافيكم مما أنتم فيه من إملاق بقدرته لو توكلتم عليه .. ويرزق من يأتى كذلك ..
لا تقتصر جماليات القرآن الكريم عند حد معين ولكل متأمل نصيب من فضل الله تعالى فاحرص أخى الكريم على تأمل كتاب الله تعالى وتدبره آناء اليل وأطراف النهار
أما قوله تعالى " ادخلوا الباب سجدا وقولوا : حطة " وقوله : " قولوا حطة وادخلوا الباب سجدا " ؟؟
فقد جهل صاحب هذه الشبه _ولا أقول نسى _ أن الواو تفيد مطلق الجمع ولا تفيد ترتيبا بغير قرينة ولا تناقض بين المعنيين فلو قلت جاء زيد وعمرو فهذا لا يختلف من حيث المعنى عن قولك جاء عمرو وزيد فالواو هنا لمطلق الجمع وليس لها معنى الترتيب كالفاء وثم .
وأما مأ أنزل ألينا وما أنزل علينا فلا أدرى ما المشكلة فى ذلك فالقرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل إلى المؤمنين ولم ينزل عليهم وهذا من دقة التعبير القرآنى فعندما يأمر رسوله يقول له (( قل آمنا بالله وما أنزل علينا )) وحين يخاطبهم المؤمنين يقول (( قولوا منا بالله وما أنزل إلينا ..))
المهم أن صاحب هذه الشبه والتخريفات لا نصيب له لا من العلم باللغة ولا بالمنطق الذى يتحدث عنه ولا بالمقصود بمعنى الإعجاز ولا يختلف اثنان لهما أدنى معرفة باللغة فى ان ليس أصحاب مثل هذا الكلام ممن يسعى للمعرفة ويبحث عن اليقين .
التعديل الأخير تم 01-27-2005 الساعة 12:40 AM
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ
Bookmarks