النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: أبو هريرة إمام الرواة وزعيم الحفاظ رغم أنف كل جاهل ومخالف

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,636
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي أبو هريرة إمام الرواة وزعيم الحفاظ رغم أنف كل جاهل ومخالف

    لهج أعداء السنة ومنكروها، أعداء الإسلام، قديماً وحديثاً، وشغفوا بالطعن فى أبى هريرة وتشكيك الناس فى إسلامه، وفى صدقه وروايته، وما إلى ذلك أرادوا! وإنما أرادوا أن يصلوا إلى التشكيك فى راوية السنة الأول، وأحفظ من رواها فى دهره، فأبو هريرة على رأس السبعة المكثرين من الرواية الذين عناهم من أنشد :

    سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا *** من الحديث عن المختار خير مضـر
    أبـو هريـرة، سعـد، جابر، أنـس *** صديقة، وابن عباس، كذا ابن عمـر

    فأبو هريرة هو أكثرهم حديثاً فقد روى (5374) حديثاً، ثم عبد الله بن عمر روى (2630) حديثاً، ثم أنس بن مالك روى (2286) حديثاً، ثم عائشة أم المؤمنين روت (2210) حديثاً، ثم ابن عباس روى (1660) حديثاً، ثم جابر بن عبد الله روى (1540) حديثاً، ثم أبو سعيد الخدرى (سعد بن مالك) روى (1170) حديثاً

    وما اتهم به أبو هريرة ، من أكاذيب وافتراءات من قبل أرباب الأهواء قديماً وحديثاً، سندهم فيه إما روايات مكذوبة أو ضعيفة، وإما روايات صحيحة لم يفهموها على وجهها، بل تأولوها تأويلاً باطلاً يتفق وأهواءهم

    وقد تصدى للرد على تلك الطعون رهط من علماء الإسلام على رأسهم أبى هريرة نفسه، وصدق على دفاعه - على ما سيأتى - كبار الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم من أئمة المسلمين، منهم الحاكم فى المستدرك، وابن عساكر فى تاريخه، وابن كثير فى البداية والنهاية، وابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث، وعبد المنعم صالح العلى فى كتابه دفاع عن أبى هريرة، والدكتور محمد السماحى فى كتابيه "أبو هريرة فى الميزان"، والمنهج الحديث فى علوم الحديث، والدكتور السباعى فى كتابه "السنة ومكانتها فى التشريع، والدكتور عجاج الخطيب فى كتابيه السنة قبل التدوين، وأبو هريرة راوي الإسلام، والشيخ عبد الرحمن المعلمى فى كتابه (الأنوار الكاشفة)، والدكتور أبو زهو فى الحديث والمحدثون، والدكتور أبو شهبة فى دفاع عن السنة، والدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف فى كتابه "المختصر فى علم رجال الأثر" وفى مقدمة كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمى وغيرهم

    ونكتفى هنا بترجمة للصحابى الجليل نتعرف بها على مكانته فى الإسلام، وبراءته مما نسب إليه من أكاذيب وذلك بعد أن نتعرف على أصناف الطاعنين فيه، والذين ذكرهم الإمام ابن خزيمة بقوله : "إنما يتكلم فى أبى هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم فلا يفهمون معانى الأخبار
    1- إما معطل جهمي يسمع أخباره التى يرونها خلاف مذهبهم الذي هو كفر، فيشتمون أبا هريرة، ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه، تمويهاً على الرعاء، والسفل أن أخباره لا تثبت بها الحجة
    2- وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد ، ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام، إذا سمع أخبار أبى هريرة عن النبى خلاف مذهبهم الذى هو ضلال لم يجد حيلة فى دفع أخباره بحجة وبرهان، كان مفزعة الوقيعة فى أبى هريرة.
    3- أو قدري اعتزل الإسلام وأهله، وكفر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التى قدرها الله تعالى، وقضاها قبل كسب العباد لها، إذا نظر إلى أخبار أبى هريرة التى قد رواها عن النبى فى إثبات القدر لم يجد حجة يؤيد صحة مقالته التى هى كفر وشرك، كانت حجته عند نفسه أن أخبار أبى هريرة، لا يجوز الاحتجاج بها
    4- أو جاهل يتعاطى الفقه، ويطلبه من غير مظانة، إذا سمع أخبار أبى هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه، وأخباره تقليداً بلا حجة ولا برهان، تكلم فى أبى هريرة، ودفع أخباره التى تخالف مذهبه، ويحتج بأخباره على مخالفته إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه، وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبى هريرة أخباراً لم يفهموا معناها"
    قلت : والله إن من يتكلم فى أبى هريرة فى عصرنا لا يخرج فى عقيدته، ومذهبه عما ذكرهم الإمام ابن خزيمة - رحمه الله تعالى -
    أبـو هريـرة إسلامـه وصحبتـه :

    قدم أبو هريرة مهاجراً من اليمن إلى المدينة ليالى فتح خيبر فى المحرم سنة سبع من الهجرة، وكان قد أسلم على يد الطفيل بن عمرو فى اليمن، وشهد هذه الغزوة مع رسول الله ، ولازمه إلى آخر حياته يخدمه، ويتلقى العلم عنه ، ويتحدث هو عن ذلك لما سأله مروان بن الحكم قائلاً له: "إن الناس قد قالوا إنك أكثرت على رسول الله الحديث، وإنما قدمت قبل وفاة النبى بيسير، فقال أبو هريرة:نعم! قدمت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر سنة سبع، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات، وأقمت معه حتى توفى، أدور معه فى بيوت نسائه وأخدمه، وأنا والله يومئذ مقل (أى فقير)، وأصلى خلفه، وأحج، وأغزو معه، فكنت والله أعلم الناس بحديثه، قد والله سبقنى قوم بصحبته والهجرة إليه من قريش والأنصار، وكانوا يعرفون لزومى له فيسألونى عن حديثه، منهم عمر، وعثمان، وعلي، وطلحة والزبير، فلا والله ما يخفى على كل حديث كان بالمدينة
    قال:فوالله ما زال مروان يقصر عن أبى هريرة، ويتقيه بعد ذلك ،ويخافه،ويخاف جوابه

    وفيما سبق رد على دعوى الرافضة ومن قال بقولهم : "إن أبا هريرة لم يصاحب النبى إلا سنة وتسعة أشهر، فالمعروف أن أبا هريرة أسلم عام خيبر، وخيبر كانت فى جمادى الأولى سنة سبع وبين خيبر ووفاة النبى أربع سنوات، إلا شهرين تقريباً فإن الوفاة كانت فى ربيع الأول سنة 11هـ

    خلقـه وتقـواه :

    كان ، صادق اللهجة، خفيف الروح محبباً إلى الصحابة، وكان تقياً ورعاً كثير التعبد،شديد الخشية لله تعالى، وكان يقول:"وأيم الله لولا آية فى كتاب الله ما حدثتكم بشئ أبداً، ثم يتلو قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُون}

    وكان صواماً قواماً يتناوب قيام الليل، هو وزوجته، وخادمه، فيما رواه عنه أبو عثمان النهدي قال : "تضيفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته، وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً : يصلى هذا، ثم يوقظ الآخر فيصلى، ثم يوقظ الثالث"
    وقد أرسله النبى صلى الله عليه وسلم مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين لينشر الإسلام، ويفقه المسلمين فى الدين

    كما استعمله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على البحرين فترة ثم عزله، وبعد ذلك دعاه عمر ليوليه فلم يقبل أبو هريرة وقال : "أخشى أن أقول بغير علم، وأقضى بغير حلم، وأن يضرب ظهري وينزع مالي، ويشتم عرضي"

    يقول الإمام الجوينى : "وهذا مما يتمسك به فى أبى هريرة رضي الله عنه فعمر مع تنزهه عن المداراة والمداجاة والمداهنة، اعتمده وولاه فى زمانه أعمالاً جسيمة، وخطوباً عظيمة، وكان يتولى زماناً على الكوفة وكان يبلغه روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلو لم يكن من أهل الرواية، لما كان يقرره عمر رضي الله عنه مع العلم بإكثاره"

    ولم يشترك أبو هريرة فى الفتن التى حدثت بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه بل اعتزلها ولم يفارق الحجاز منذ استعمله عمر على البحرين ثم عزله ولم يزل يسكن المدينة، وبها كانت وفاته

    وفى هذا رد على الرافضة الزنادقة ومن قال بقولهممن اشتراك أبى هريرة فى الفتنة بين علي ومعاوية-رضى الله عنهما-"فكان يأكل مع معاوية فإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي رضي الله تعالى عنه ،فإذا قيل له فى ذلك قال:مضيرة معاوية أدسم،والصلاة خلف عليّ أفضل"
    فهذه القصة التى بنى عليها الرافضى محمود أبو رية تسمية كتابه "شيخ المضيرة أبو هريرة" هذه القصة لا يصدقها عاقل، والأحداث التاريخية تكذبها

    يقول الدكتور محمد أبو شهبة : "كيف يصح هذا فى العقول، وعليّ كان بالعراق، ومعاوية كان بالشام، وأبو هريرة كان بالحجاز، إذ الثابت أنه بعد أن تولى إمارة البحرين فى عهد عمر رضي الله عنه لم يفارق الحجاز"

    وقال الإمام ابن عبد البر : "استعمله عمر على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل، فأبى عليه، ولم يزل يسكن المدينة وبها كانت وفاته"
    وبهذا يتبين لنا كذب ادعاءاتهم، ويظهر لنا مدى حقدهم، اللهم إلا إذا كانت الشيعة ترى أن أبا هريرة أعطى بساط سليمان أو كانت الأرض تطوى له طياً!!!

    وعودة إلى خلقه وتقواه : فقد اشتهر رضي الله تعالى عنه بالتواضع، والمرح، فكان يداعب الأطفال، ويمازح الناس ويلاطفهم، ومن ذلك أنه كان يمر فى السوق، يحمل الحزمة من الحطب على ظهره-وهو يومئذ أمير مروان على المدينة فيقول:أوسعوا الطريق للأمير
    فمعاوية رضي الله تعالى عنه استعمله فى عهده على المدينة ثم عزله وولى عليها مروان، ثم استخلفه مروان عليها حين توجه إلى الحج

    قـوة ذاكرتـه وروايتـه :

    لقد لازم أبو هريرة رسول الله منذ قدم عليه مهاجراً، ينهل من عمله، ويتلقى عنه أحاديثه ويحفظها، واجتهد فى ذلك حتى صار أحفظ أصحابه، وأكثرهم رواية للحديث، فقد روى (5374) خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً نبوياً - كما فى مسند بقى ابن مخلد- اتفق الشيخان البخارى ومسلم على (325) ثلاثمائة وخمسة وعشرين حديثاً منها،وانفرد البخارى بثلاثة وتسعين،ومسلم بمائة وتسعة وثمانين( )،وقيل غير ذلك0
    وهذه الروايات التى زادت على خمسة آلاف هى بالمكرر
    وذكر الدكتور الأعظمى فى كتابه : أبو هريرة فى ضوء مروياته أن أحاديثه فى المسند والكتب والسنة هى 1336 حديثاً فقط، وذلك بعد حذف الأسانيد المكررة وهذا القدر يستطيع طالب عادى أن يحفظه فى أقل من عام، فما بالك بمن كان حفظه من معجزات النبوة"
    ويقول الدكتور أبو شهبة : "وأحب ألا يعزب عن بالنا أن هذه الخمسة آلاف والثلاثمائة والأربعة والسبعون حديثاً، الكثير منها لا يبلغ السطرين أو الثلاثة، ولو جمعتها كلها لما زادت عن جزء" فأي غرابة فى كثرة مروياته مع حداثة صحبته، مع أن السنين الأربع ليست بالزمن القصير فى عمر الصحبة، ولا سيما ما توافر له دون غيره من الصحابة من أمور كانت سبباً في تفوقه فى الرواية وكثرة مروياته منها :

    أسباب كثرة مروياته :

    أولاً : شدة ملازمته للنبى عليه الصلاة والسلام منذ قدم مهاجراً إليه سنة سبع من الهجرة يدور معه فى بيوت نسائه يخدمه، ويصلى خلفه، ويحج، ويغزو معه كما حدث عن نفسه، ومما أعانه على التفرغ لذلك أنه كان فقيراً، ولم تكن له زوجه، ولا أولاد حينئذ - ونحو ذلك مما يشغل، مع شدة حرصه على تلقى الحديث عن النبى ، وشهد له النبى عليه السلام بهذا الحرص ومن الآثار الدالة على ذلك : ما جاء فى الصحيح عنه قال : "يقولون : إن أبا هريرة قد أكثر والله الموعد ويقولون : ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك : إن إخوانى من الأنصار كان يشغلهم عمل أراضيهم وإن إخوانى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله عليه الصلاة والسلام على ملئ بطنى فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، ولقد قال رسول الله يوماً : "أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثى هذا، ثم يجمعه إلى صدره، فإنه لن ينس شيئاً سمعه، فبسطت بردة على حتى فرغ من حديثه، ثم جمعتها إلى صدرى، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئاً حدثنى به ولولا آيتان أنزلهما الله فى كتابه ما حدثت شيئاً أبداً : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ*إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}

    ثانياً : دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالحفظ وعدم النسيان، ومما يدل على ذلك الرواية السابقة، وما رواه الحاكم فى المستدرك عن زيد بن ثابت، أن رجلاً جاء إليه فسأله عن شئ فقال له زيد : عليك بأبى هريرة، فإنه بينما أنا وأبو هريرة فى المسجد وفلان فى المسجد ذات يوم ندعوا الله تعالى، ونذكر ربنا خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا قال : فجلس وسكتـنا فقال عودوا للذى كنتم فيه، قال زيد فدعوت أنا وصاحبى قبل أبى هريرة،وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا قال:ثم دعا أبو هريرة فقال : اللهم إنى أسألك مثل الذى سألك صاحباى هذان وأسألك علماً لا ينسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمين"فقلنا يا رسول الله ونحن نسأل الله علماً لا ينسى فقال:"سبقكما بها الدوسى"

    ثالثاً : إن أبا هريرة تميز بقوة ذاكرته وحفظه وحسن ضبطه، خاصة بعد أن دعا له الرسول بالحفظ وعدم النسيان - كما سبق - فكان حافظاً متقناً ضابطاً لما يرويه

    ويدل على ذلك قصة امتحان مروان له فيما رواه الحاكم عن أبى الزُّعَيْزِعَة كاتب مروان بن الحكم، أن مروان بن الحكم دعا أبا هريرة فأقعدنى خلف السرير، وجعل يسأله وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول، دعا به فأقعده وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك، فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا آخر" وقد نقل هذه القصة الذهبى فى سير أعلام النبلاء، ثم عقب بقوله : "قلت هكذا فليكن الحفظ"

    وهذه القصة نقلها أيضاً ابن حجر فى الإصابة، وابن كثير فى البداية(، وهى تدل على قوة حفظه وإتقانه، كما شهد له بذلك الصحابة، والتابعون فمن بعدهم من أئمة المسلمين إلى يومنا هذا على ما سيأتى بعد قليل

    وكان رضي الله عنه يراجع ما يسمعه من النبى صلى الله عليه وسلم تأكيداً لحفظه، فقد روى عنه أنه قال : "جزأت الليل ثلاثة أجزاء:ثلثاً أصلى،وثلثاً أنام، وثلثاً أذكر فيه حديث رسول الله "

    رابعاً : أدرك أبو هريرة كبار الصحابة، وروى عنهم كثيراً من الأحاديث فتكامل علمه بها واتسع أفقه فيها

    خامساً : امتداد عمره رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث عاش بعده نحو سبعة وأربعين عاماً، واحتياج الناس إليه فكان يحدثهم ويبث بينهم ما يحفظه من أحاديث، وأعانه على ذلك : ابتعاده عن الفتن وغيرها من المشاغل ووجوده فى المدينة، والناس يفدون إليها، وكانت له حلقة فى مسجد الرسول يحدث الناس فيها بالأحاديث النبوية، فساعد ذلك على انتشار مروياته وتداولها، وكثرة أتباعه وتلامذته، حتى بلغوا نحو ثمانمائة من الصحابة والتابعين كلهم يجلونه ويثقون به ويثنون عليه على ما سيأتى بعد قليل.

    قال الإمام البخارى - رحمه الله - : "روى عنه نحواً من ثمانمائة رجل أو أكثر من أهل العلم، من الصحابة والتابعين وغيره" ومن أشهر من روى عنه من الصحابة : زيد ابن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعائشة، وأبو أيوب الأنصارى0 ومن أشهر من روى عنه من التابعين : مروان بن الحكم، والحسن البصرى، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبى، وعروة ابن الزبير، وهمام بن منبه - وقد كتب عنه الصحيفة المشهورة وغيرهم كثير.

    شهادة الرسول والصحابة ومن بعدهم من أهل العلم بقوة حفظه
    وإتقانه وكثرة سماعه وحرصه على الحديث


    1- روى عنه أنه قال ذات يوم : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألنى عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه"
    2- وعن ابن عمر-رضى الله عنهما- أنه مر بأبى هريرة ، وهو يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم: من تبع جنازة فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان أعظم من أحد0 فقال ابن عمر : يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله ، فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق إلى عائشة -رضى الله عنها- فقال لها : يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله يقول : "من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، وإن شهد دفنها فله قيراطان؟ فقالت : اللهم نعم، فقال أبو هريرة : إنه لم يكن يشغلنا عن رسول الله عرس ولا صفق بالأسواق، إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها
    فقال ابن عمر : يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه.
    وكان ابن عمر يترحم عليه فى جنازته ويقول : "كان يحفظ على المسلمين حديث رسول الله"

    وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رجل لابن عمر : إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله فقال ابن عمر : أعيذك بالله أن تكون فى شك مما يجئ به، ولكنه اجترأ وجبنا" ومعنى "اجترأ" هنا أى على سؤال النبى عليه السلام والتعلم منه، فى حين كانوا يهابون سؤال النبى صلى الله عليه وسلم.
    يدل على ذلك ما رواه الحاكم عن أبى بن كعب رضي الله عنه قال : كان أبو هريرة جريئاً على النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياء لا نسأله عنها(

    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : "نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع … الحديث"

    3- وعن مالك بن أبى عامر قال : كنت عند طلحة بن عبيد الله فدخل عليه رجل فقال : يا أبا محمد والله ما ندرى هذا اليماني أعلم برسول الله أم أنتم، تقول على رسول ما لم يقل - يعني أبا هريرة - فقال طلحة : والله ما يشك أنه سمع من رسول الله ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قوماً أغنياء لنا بيوت وأهلون كنا نأتى نبى الله طرفى النهار ثم نرجع، وكان أبو هريرة مسكيناً لا مال له، ولا أهل ولا ولد وإنما كانت يده مع يد النبى صلى الله عليه وسلم وكان يدور معه حيثما دار، ولا نشك أنه قد علم ما لم نعلم، وسمع ما لم نسمع، ولم يتهمه أحد منا، أنه تقول على رسول الله ما لم يقل"
    وهذا الخبر ذكره ابن حجر فى الإصابة وزاد فى قوله طلحة : "قد سمعنا كما سمع، ولكنه حفظ ونسينا"

    4- وقال ابن خزيمة : وقد روى عن أبى هريرة أبو أيوب الأنصارى مع جلالة قدره، ونزول رسول الله عنده، ولما يقبل له : تحدث عن أبى هريرة وأنت صاحب منزلة عند رسول الله ؟ فقال : إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع، وإنى إن أحدث عنه أحب إلىَّ من أن أحدث عن رسول الله يعنى ما لم أسمعه منه.

    5- وعن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى أنه قعد فى مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله ، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبى بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم ثم يحدثهم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه حتى فعل ذلك مراراً قال : فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله .
    6- ولم يكن أبو هريرة من أهل الحفظ فقط وإنما كان من أهل الفقه وشهد له بذلك الصحابى الجليل ابن عباس .

    يقول الحافظ السخاوى:"ولا عبرة برد بعض الحنفية روايات سيدنا أبى هريرة ، وتعليلهم بأنه ليس فقيهاً، فقد عملوا برأيه فى الغسل ثلاثاً من ولوغ الكلب وغيره، وولاه عمر الولايات الجسيمة
    وقال ابن عباس له كما فى مسند الشافعى، وقد سئل عن مسألة "افته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، فأفتى، ووافقه على فتياه"

    7- وعن أبى صالح السمان قال : "كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله ، ولم يكن بأفضلهم"

    وفى هذا رد على من يحاول الربط بين المنزلة فى الدين وكثرة الرواية، فالربط بينهما ليس من التحقيق العلمى فى شئ
    وقال الإمام الشافعي : "أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى دهره"
    وقال الإمام الذهبي : "أبو هريرة إليه المنتهى فى حفظ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأدائه بحروفه"
    وقال أيضاً : "وكان من أوعية العلم،ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة،والعبادة،والتواضع"

    10- وقال شمس الأئمة السرخسي : "إن أبا هريرة ممن لا يشك أحد فى عدالته، وطول صحبته مع رسول الله"

    إن كل هذه النقول وغيرها كثير تبين لنا مدى افتراء الرافضة، والمستشرقين، وضعفاء الإيمان الذين اتهموا أبا هريرة بالكذب، والخيانة، فى رواية الحديث، بسبب كثرة أحاديثه مع قلة صحبته

    وأعتقد أنه ليس هناك ما يدعوا إلى اتهام أبى هريرة بتلك الافتراءات، وقد تهيأت له الأسباب السابقة التى أعانته على هذا التفوق فى الرواية، وشهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة، ومن بعدهم من أئمة المسلمين السابق ذكرهم.

    وأي غرابة فى حفظ أبي هريرة أحاديث لم تبلغ خمسة آلاف وخمسمائة ومعلوم أن العرب قد اشتهروا وامتازوا بقوة حفظهم، ووجد فى الصحابة والتابعين من كان آية عجباً فى قوة الذاكرة، وسرعة الحفظ؛ فالإمام أحمد بن حنبل، والبخارى، وأبو زرعة، وأشباههم، كان كل واحد منهم يحفظ عشرات الألوف من الأحاديث بأسانيدها"

    يقول الدكتور السباعي دفاعاً عن أبي هريرة : "إن صحابياً يظل يحدث الناس سبعاً وأربعين سنة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على مسمع من كبار الصحابة، وأقرب الناس إليه من زوجته وأصحابه، ثم لا يلقى إلا تجلة وإعظاماً، يرجع إليه فى معرفة الأحاديث، ويهرع إليه التابعون من كل جانب … ويبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم … وكلهم يجمعون على جلالته والثقة به … وتمر هذه القرون وكلها شهادات صدق فى أحاديثه وأخباره … ويأتى اليوم من يزعم أن المسلمين جميعاً … لم يعرفوه على حقيقته، وأنه فى الواقع كان يكذب ويفترى، إن موقفاً كهذا يقفه بعض الناس من مثل هذا الصحابي العظيم، لجدير بأن يجلب لأهله والقائلين به الاستخفاف، والازدراء بعلومهم، وعقولهم جميعاً"

    إن حب هذا الصحابي الجليل لعلامة على الإيمان وبغضه لعلامة على النفاق وهذا تصديقاً لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو هريرة بأن يدعو الله له بأن يحببه هو وأمه إلى عباده المؤمنين ويحببهم إليهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم حبب عبيدك هذا -يعنى أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين" يقول أبو هريرة فما خلق الله مؤمناً يسمع بى ولا يرانى إلا أحبني"

    يقول الحافظ ابن كثير:"وهذا الحديث من دلائل النبوة، فإن أبا هريرة محبب إلى جميع الناس، وقد شهر الله ذكره بما قدره أن يكون من روايته من إيراد هذا الخبر عنه على رؤوس الناس فى الجوامع المتعددة فى سائر الأقاليم فى الإنصات يوم الجمعة بين يدى الخطبة، والإمام على المنبر، وهذا من تقدير الله العزيز العليم، ومحبة الناس له"

    يقول فضيلة الأستاذ الدكتور على أحمد السالوس : [هذا أبو هريرة وعاء العلم، فكيف نجد فى عصرنا من ينسب نفسه للإسلام ويعرض عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين، والأئمة الأعلام الهداة المهديين، ويأخذ بقول الضالين المضلين؟!

    هذا المسلك يفسره العلامة المرحوم الشيخ أحمد شاكر فيقول : "وقد لهج أعداء السنة، أعداء الإسلام، فى عصرنا، وشغفوا بالطعن فى أبى هريرة، وتشكيك الناس فى صدقه وفى روايته وما إلى ذلك أرادوا، وإنما أرادوا أن يصلوا –زعموا- إلى تشكيك الناس فى الإسلام، تبعاً لسادتهم المبشرين، وإن تظاهروا بالقصد إلى الاقتصار على الأخذ بالقرآن، أو الأخذ بما صح من الحديث فى رأيهم، وما صح من الحديث فى رأيهم إلا ما وافق أهواءهم، وما يتبعون من شعائر أوروبا وشرائعها ولن يتورع أحدهم عن تأويل القرآن، إلى ما يخرج الكلام عن معنى اللفظ فى اللغة التى نزل بها القرآن، ليوافق تأويلهم هواهم وما إليه يقصدون!!
    وما كانوا بأول من حارب الإسلام من هذا الباب، ولهم فى ذلك سلف من أهل الأهواء قديماً والإسلام يسير فى طريقه قدماً، وهم يصيحون ما شاءوا، لا يكاد الإسلام يسمعهم، بل هو إما يتخطاهم لا يشعر بهم، وإما يدمرهم تدميراً

    ومن عجب أن تجد ما يقول هؤلاء المعاصرون، يكاد يرجع فى أصوله ومعناه إلى ما قال أولئك الأقدمون! بفرق واحد فقط : أن أولئك الأقدمين، زائغين كانوا أم ملحدين، كانوا علماء مطلعين أكثرهم ممن أضله الله على علم!! أما هؤلاء المعاصرون، فليس إلا الجهل والجرأة، وامتضاغ ألفاظ لا يحسنوها، يقلدون فى الكفر، ثم يتعالون على كل من حاول وضعهم على الطريق القويم!!"

    رضي الله عن الحافظ علينا شرائع الدين أبي هريرة الصحابي الجليل العدل والثقة والعظيم ، وجعلنا الله سبحانه وتعالى من محبيه، وجمعنا معه في واسع جنته مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع صحابته الكرام العظام رضي الله تعالى عنهم.
    التعديل الأخير تم 04-23-2007 الساعة 03:26 AM
    {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}

    وكيف يعرف فرق ما بين حق الذمام وثواب الكفاية من لا يعرف طبقات الحق في مراتبه، ولا يفصل بين طبقات الباطل في منازله‏. [ الجاحظ ]

  2. #2

    افتراضي

    جزاك الله خيرا .

    موضوع رائع ومرجع نافع في المنتدى لكل سائل عن أبي هريرة رضي الله عنه وكثرة رواياته .

    وذكر الدكتور الأعظمى فى كتابه : أبو هريرة فى ضوء مروياته أن أحاديثه فى المسند والكتب والسنة هى 1336 حديثاً فقط، وذلك بعد حذف الأسانيد المكررة وهذا القدر يستطيع طالب عادى أن يحفظه فى أقل من عام، فما بالك بمن كان حفظه من معجزات النبوة"
    ويقول الدكتور أبو شهبة : "وأحب ألا يعزب عن بالنا أن هذه الخمسة آلاف والثلاثمائة والأربعة والسبعون حديثاً، الكثير منها لا يبلغ السطرين أو الثلاثة، ولو جمعتها كلها لما زادت عن جزء" فأي غرابة فى كثرة مروياته مع حداثة صحبته، مع أن السنين الأربع ليست بالزمن القصير فى عمر الصحبة، ولا سيما ما توافر له دون غيره من الصحابة من أمور كانت سبباً في تفوقه فى الرواية وكثرة مرويات
    هذا القول وحده كاف في إبطال جميع شبهات المتهوكين .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,636
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    هؤلاء المتهوكون كما أسميتَهم أستاذي الفاضل من أصحاب الحجج الواهية ،، ومعضلتنا في الدول الإسلامية أن هؤلاء من العلمانيين ، ومنكري السنة رغم أقليتهم يسيطرون على الإعلام السمعي البصري ،، ويجدون منابر في الصحافة المكتوبة عبر الجرائد والصحف ،، وعلى الرغم من ذلك سوف يظلون منبوذين في المجتمع ويسبحون ضد التيار الذي سوف تنهكهم السباحة ضده في النهاية.

    وأبو هريرة سوف يظل ذلك الصحابي الشامخ البازخ ،، أراد من أراد وكره من كره .
    {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}

    وكيف يعرف فرق ما بين حق الذمام وثواب الكفاية من لا يعرف طبقات الحق في مراتبه، ولا يفصل بين طبقات الباطل في منازله‏. [ الجاحظ ]

  4. #4

    افتراضي نسف أكاذيب مرتزقة الكونجرس الأمريكي حول أبي هريرة !

    الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فهذا بحث علمي أرد فيه على افتراءات غُلَامٍ حاول الطعن في السُّنَّة النبوية عن طريق الطعن في أهم رواتها وأشهرهم على الإطلاق عند المسلمين، وهو أبو هريرة رضي الله عنه صاحِبُ رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. وقد أقسمتُ بالله جل جلاله لَأُنْسِيَنَّه وَساوِسَ الشيطانِ بهذه الحلقة. وكالعادة سأعرض افتراءاته وَاحِدًا تِلْوَ الآخر، ثم أرد عليه بحول الله وقوته:

    يقول الكذوب: [المنتقدون لأبي هريرة بحثوا في الدفائن الإسلامية وخرجوا بهذه الخُلاصة: أبو هريرة كان يدس الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم]. ——- ولست أدري لماذا وضع لنا الكذوبُ النتيجة قبل طرح الحيثيات!!

    أَوَّلًا: إذا كان أبو هريرة يَدُسُّ الحديثَ على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا ريب أَنَّ الصَّحَابَةُ هُمْ أَوَّلُ مَنْ سيعرف ذلك، لأنهم يعرفون ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم مما لم يقله! لكننا إذا بحثنا في الكتب سنجد الصحابةَ أنفسَهم رضي الله عنهم يشهدون لأبي هريرة بالثقة والصدق والأمانة والديانة. فهذا شيء من شهادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: فعبد الله بن عمر بن الخطاب ؓ يقول له: [يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيثِهِ].([1]) طلحة بن عبيد الله ؓ، سأله رجل فقال له: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَرَأَيْتَ هَذَا اليَمَانِيَّ، يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ، أَهُوَ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ؟! نَسْمَعُ مِنْهُ مَا لاَ نَسْمَعُ مِنْكُمْ، أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ. قَالَ: أَمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ عَنْهُ، وَذَاكَ أَنَّهُ كَانَ مِسْكِينًا لاَ شَيْءَ لَهُ ضَيْفًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدُهُ مَعَ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنَّا نَحْنُ أَهْلَ بُيُوتَاتٍ وَغِنًى، وَكُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، لاَ أَشُكُّ إِلاَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَلاَ تَجِدُ أَحَدًا فِيهِ خَيْرٌ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ].([2]) أما أم المؤمنين عائشة عليها السلام، فَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْلِسُ إِلَى حُجْرَتها، فَيُحَدِّثُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: يَا صَاحِبَةَ الحُجْرَةِ، أَتُنْكِرِيْنَ مِمَّا أَقُوْلُ شَيْئاً؟ فَلَمَّا قَضَتَ صَلاَتَهَا، لَمْ تُنْكِرْ مَا رَوَاهُ، لَكِنْ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ الحَدِيْثَ سَرْدَكُمْ].([3]) وأما أبو أيوب الأنصاري فكان يحدث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَشْعَثَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَتَيْتُ المَدِيْنَةَ، فَإِذَا أَبُو أَيُّوْبَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَمِعَ، وَأَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ].([4]) وحدَّث أبو هريرة بحديث، فنقلوه لابن عمر، فقال: أَكْثَرَ أبو هريرةَ على نَفْسِهِ، قال: فقيلَ لِابْنِ عُمَرَ: هل تُنكِرُ شَيئًا مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجْتَرَأَ وَجَبُنَّا قال: فبلغ ذلك أبا هريرة، قال: فما ذنبي إن كنتُ حَفِظتُ ونَسُوا؟!.([5]) وأما زيد بن ثابت كاتب الوحي، فكان يرسل مَنْ يسأله في الدين إلى أبي هريرة: فعن مُحَمَّد بن قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ: [أَنَّ رَجُلاً أَتَى زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أَنَا وَهُوَ وَفُلاَنٌ فِي المَسْجِدِ، خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَدْعُوْ، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا، فَجَلَسَ إِلَيْنَا، فَسَكَتْنَا. فَقَالَ: (عُوْدُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيْهِ). فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ يُؤَمِّنُ، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ، وَأَسَأَلُكَ عِلْماً لاَ يُنْسَى. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (آمِيْنَ). فَقُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْماً لاَ يُنْسَى. قَالَ: سَبَقَكُمَا الغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ].([6]) بل إن أبا هريرة نفسه كان لا يبدأ الحديث إِلَّا بعد أن يحذر أهل مجلسه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، عن أبيه أنه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَكَانَ يَبْتَدِئُ حَدِيْثَهُ بِأَنْ يَقُوْلَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ”].([7]) سنكمل كلام هذا الشخص، وبعد الرد عليه سيرى المشاهد الكريم تطبيقًا عمليًّا للمثل القائل:

    يقول: [من يكون أبو هريرة؟! الحقيقة الصادمة: لا نعرف من يكون ولا أحد يعرف]. ————–

    الجواب: الكل يعرف أبا هريرة حق المعرفة، الصحابة والتابعون على السواء، لكنَّ المختلَفَ فيه هو اسمه فقط، وأغلب الناس لم يكونوا يعرفون اسمَه لأنه لم يَكُنْ يُنَادَى بِهِ بَينَ النَّاسَ، وَإِنَّمـَا كان يُعْرَف ويُنَادَى بأبي هريرة. فهل الناس فعلًا كانوا لا يعرفون أبا هريرة؟!
    مثال: فرعون هذا لقب عن شخص كان يحكم مصر في فترة من الزمان، يعني فرعون ليس اسْمًـا، وإنما هو لقب، والمؤرخون مختلفون حول اسمه، فهل ننفي وجودَ فرعون لأننا لا نعرف اسمه؟! ما هو الضير أنْ يكونَ اسمُ أبي هريرةَ الحقيقيُّ غَيرَ مَعْرُوف؟! أبو هريرة مشهور بين الصحابة والتابعين وكل علماء الأمة الإسلامية بهذا الاسم أو بهذه الكنية، فهل هذا يطعن في شخصه؟! كيف نجعل الخِلَافَ في اسم أبي هريرة خِلَافًا في شخصه؟! قال الإمام أبو عمر بنُ عبد الْبَرِّ: [وقد غلبت عَلَيْهِ كنيته، فهو كَمَنْ لَا اسْمَ له غيرها].([8]) قال العَلَّامَةُ أحمد شاكر: [وقد اشْتَهَرَ بكنيته (أبو هريرة)، حتى غَلَبَتْ عَلَى اسْمِهِ، فَكَادَ يُنْسَى].([9])

    سؤال: مَنْ مِنَ المسلمين يعرف أبا المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب التكريتي؟!

    أكثر من 99 بالمئة و9 من عشرة من المسلمين وغير المسلمين لا يعرفون هذا الاسم. لكن حينما أقول لقبه “صلاح الدين الأيوبي”، فلا شكَّ أن الكُلَّ يعرفه سواءً كانوا مُسْلِمين أو غيرَ مُسْلِمين، لأنَّ صلاح الدين مشهورٌ عند جميع الناس بهذا اللقب. فهل إذا نَسِيَ الناسُ اسْمَ صلاحِ الدين الحقيقيِّ يجعلنا نشكك في شخصيته أو في وجوده؟! وهل إذا اختلف الناسُ في اسمه يجعلنا هذا نشكك في شخصه؟! طيب ما رأي صاحب المقطع أَنَّ لدينا روايةً صحيحةً تحدد اسْمَ أبي هريرة صَرِيحًا على لِسانه؟!
    قال الحافِظُ ابن حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ
    :
    [وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان اسمي: عَبْدُ شَمْس].([10]) ثم قال ابن حَجَر: [الرواية التي ساقها ابنُ خزيمة أَصَحُّ ما ورد في ذلك، ولا ينبغي أن يُعْدَلَ عنها، لأنَّه رَوَى ذَلِكَ عن الْفَضْلِ بن موسى السيناني عن محمد بن عمرو، وهذا إسناد صحيح متصل، وبقية الأقوال أما ضعيفة السند أو منقطعة].([11]) المشكلة أن الغلام وأمثاله يعتمدون على عدم معرفة الآخرين بما يقولون! ولكن أنا وأمثالي لكم بالمرصاد إن شاء الله. ———–

    ثانيًا: قال المتكلم: [أورد الذهبيُّ أنَّ أبا هريرة كان يدلس]

    قُلْتُ: الذهبي أَوْرَدَ هذه الروايةَ ليبينَ معنى “التدليس” المقصود في الرواية: قال الحافظ الذهبي: [قَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُدَلِّسُ. قُلْتُ: تَدْلِيْسُ الصَّحَابَةِ كَثِيْرٌ، وَلاَ عَيْبَ فِيْهِ، فَإِنَّ تَدْلِيْسَهُمْ عَنْ صَاحِبٍ أَكْبَرَ مِنْهُمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُوْلٌ].([12]) يعني التدليس المقصود ليس هو التدليس بمعناه المشهور في زماننا، وإنما معناه أنَّ أبا هريرة حينما يروي حديثًا نبويًا سمعه مَثَلًا من أبي بكر الصديق؛ فإنه لا يرويه عن أبي بكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وإنما يختصر فيقول: قال رسولُ الله مُبَاشَرَةً، لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يعرف يَقينًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصديقَ ثِقَةٌ صَادِقٌ أَمِينٌ وكذلك غيره من الصحابة، ويستحيل أن يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فما هي المشكلة أَنْ يُسْقِطَ أبو هريرة الصحابيَّ الذي سَمِعَ الروايةَ عن رسول الله منه، ويرويها مباشرةً عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟! والذهبي قال إن هذا التدليس كثير في الصحابة، يعني كثير من الصحابة كانوا يفعلون ذلك! وعليه فأبو هريرة لم ينقلْ لنا ما سمعه عن رسول الله فقط، وإنمَّـا نقل عن صحابةٍ أكبرَ منه!

    قال المتكلِّمُ [الذهبي قال إِنَّ أبا هريرة أورد أحاديثَ غريبةً بالمئات]

    مَعَ أَنَّ في نفس الصفحة أَوْرَدَ الذهبيُّ أَنَّ ابنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ أحاديثِ أبي هريرة، هل ينكر منها شيئًا فقال: لا!! وهذه الصفحة من سير أعلام النبلاء خُصُوصًا كان الذهبي يورد الشبهاتِ التي أُثِيرَتْ حول أبي هريرة، ليردَّ عليها ويجيبَ عنها ويبينَ بُطْلَانَهَا بمنتهى الإنصاف والحياديَّة! لكن هذا المتكلِّم أَخَذَ تلك الشبهاتِ من كتاب الذهبي دون أن يُخْبِرَ مشاهديه أَنَّ الذهبيَّ رحمه الله رد عليها وَنَسَفَهَا نَسْفًا!! وذلك لأنه يعتمد على أن مشاهديه لن يبحثوا خلفه عن تدليسه وكذبه على سيدنا أبي هريرة!! فالمتكلم استخدم كلمة “تدليس” التي قالها شُعْبَة عن أبي هريرة، لِيَفْهَمَهَا بِفَهْمِهِ السقيم المريض، مَعَ أَنَّ المعنى المعروف عند العلماء لكلمة “تدليس” بحسب علم مصطلح الحديث ليس نفس المعنى المشهور اليوم لهذه الكلمة!! فالكلمة اليوم تعني الخداع وإلباس الحق ثوب الباطل! فهل هذا المعنى صدر من أبي هريرة رضي الله عنه؟! ثم تحدث المسكين عن أمية أبي هريرة!! وَكَأَنَّ أُمَّيَّةَ أبي هريرةَ تَعِيبُه؟! الكل يعلم أن أغلب الصحابة كانوا أُمِّيِّينَ، وكانوا يحفظون القرآن والحديث حِفْظًا دون قراءةٍ أو كتابةٍ، فهل إذا فَعَلَ أبو هريرة ذلك يكون مخطئًا!! على الأقل أبو هريرة لم يتحجج بأمِّيَّتِهِ على ترك تعلم الحديث النبوي وعدم حفظه، وإنما كان يسعى دومًا لتحصيل سُنَّةِ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والعمل بها ونَشْرِهَا بين الناس.

    ثالثًا: ثم ذكر المتكلم “مسألة الاعتراض على عدد أحاديث أبي هريرة“:
    وإليك الجواب: مثال: رجل حصل على درجة الدكتوراة في الجراحة، واشتغل بالجراحة لمدة سنتين فقط، وفي هاتينِ السنتين اشتغل هذا الشخص بأعمال أخرى كانت تشغل وقته عن الجِرَاحَةِ حتى مات. رجل آخر على حصل على الدكتوراة في الجراحة واشتغل بالجراحة فقط لمدة 48 عَامًا حتى موته. فمَنْ مِنهما سيكون له النَّصِيبُ الأكبر من عدد العمليات الجراحية؟ أليس الذي اشتغل بالجراحة لمدة 48 عَامًا حتى مات، ولم يشتغل بغيرها؟! أبو بكر الصديق هو أقربُ الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنَّه تَوَلَّى الْخِلَافَةَ مُبَاشَرَةً بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فلم يكن لديه وَقْتٌ لِيَجْلِسَ فَيُحَدِّثَ الناسَ وَيُعَلِّمَهُمْ أحاديثَ الرسول صلى الله عليه وسلم وسُنَّتَهُ الشريفة. ثم إن أبا بكر مات بعد الرسولِ صلى الله عليه وسلَّمَ بسنتينِ وبِضْعَة أشهر، يعني مات سنة 13 هجرية، أما أبو هريرة فعاش إلى سَنَةِ 59 هجرية، مع اشتغال أبي بكر بأمور الأمة السياسية والخلافة والحكم، وَتَفَرُّغِ أبي هريرة للحديث وتعليمِ الناس أمورَ دِينِهِمْ. ونفس حال أبي بكر أو قريب منه حالُ عمر وعثمان وعليٍّ رضي الله عن الجميع، فأبو هريرة منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مشتغلٌ بتعليم المسلمين للحديث والسنة النبوية. فطبيعي جدًا أن يكون أبو هريرة أكثرَ حَدِيثًا من أبي بكر الصديق ومن عمر وعثمان وعليٍّ رضي الله عن الجميع. وهناك صحابة آخرون لهم عددُ أحاديثَ أكثر من الخلفاء الأربعة مثل عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وابن مسعود وعائشة، لأن هؤلاء لم يشغلهم شيء عن تعليم الناس أمورَ دينهم إلا قَلِيلًا. وعلى سبيل المثال ستجد عمرَ بن الخطاب أكثر حديثا من أبي بكر الصديق، وتجد عثمانَ بنَ عفان أكثر حديثًا من الاثنين، وتجد عليَّ بن أبي طالب أكثرَ حديثًا من الثلاثة، وهكذا!! مرة أخرى أعيد وأكرر، مشكلة الجهلة المتسلِّقِينَ على السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وعلى حُصُونِ الإسلام العظيم عُمُومًا أنهم لا يعرفون شَيئًا عن الإسلام العظيم، وليس لديهم تَصَوُّرٌ صحيحٌ عن حَيَاةِ الرسول صلى الله عليه وسلم ولا حياة أصحابه رضي الله عنهم. المضحك في الأمر أن أبا هريرة نفسَه أجاب عن هذه المسائل وهذه الشبهات في حياته، لأن بعض الناس سأل عنها في حياة أبي هريرة نفسه. لكنَّ خصومَ الإسلامِ يعتمدون على أَنَّ أَغْلَبَ المسلمين لا يَعْرِفُونَ عن دينهم إلا أقلَّ القليل!! ثم أقول: من المعلوم أنَّ أبا بكرِ الصديقَ أَسْلَمَ قبل عمر بن الخطاب، فينبغي – بحسب كلام هذا الشخص الذي أرد عليه – أن يكون أبو بكر أكثرَ حديثًا من عمر بن الخطاب! لكن الواقع بخلاف هذا، فعمر بن الخطاب أكثرُ حديثًا من أبي بكر الصديق، لأنه عاش حتى سنة 23 هجرية، فهل نقارن عددَ أحاديثِ عمرَ بنِ الخطاب بعدد أحاديث أبي هريرة الذي عاش حتى سنة 59 هجرية؟!

    ويقول المتكلم في الفيديو: يتساءل المنتقدون من أين أتت كل هذه الأحاديث؟! قلتُ: كأنَّه لا يَعرف أَنَّ هؤلاء المنتقدين جهلة وأن الرد عليهم تَمَّ في زمانهم، وتم إفحامُهُمْ وإثباتُ جهلِهم وكذبِهم وهم أحياء، وأنهم عجزوا عن الرَّدِّ على مَنْ رَدَّ عليهم وأظهرَ جَهْلَهُمْ!! فَكُلُّ شبهاتِ المتكلم في الفيديو مأخوذة من كتابين، وهما:
    • كتاب أضواء على السنة المحمدية.
    • كتاب شيخ المضيرة.

    وكلاهما من تأليف محمود أبي ريَّة([13]) ونقل عنهما “وضاح صائب” كثيرًا من أكاذيبه، وهذان الكتابانِ تم الرَّدُّ على كل حَرْفٍ فيهما بعدة كتب، أذكر منها للقارئ الكريم كتابَ: الأضواء الكاشفة للعلامة المحقق عبد الرحمن بن يَحْيَى الْـمُعَلِّمِيِّ اليماني رحمه الله، وكتابَ: السُّنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله. لكن ليس لدينا مشكلة أن نرد ونبين تلك الأكاذيبَ مرةً أخرى؛ لأنَّ الأمرَ كما قلتُ سابقًا، فكثير من المسلمين لا يعرفون شيئًا عن أبي هريرة، فحينما يسمعون مثلَ هذه الافتراءات عليه يأتون ليسألوا ويبحثوا فيجدون الردود القاطعة على كل ما قيل، فالأمر حقًّا كما قال الشاعر:
    وإذا أَرَادَ اللهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ **** طُوِيَتْ أَتَاحَ لِسَانَ حَسُودِ

    لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورت **** ما كان يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ العُودِ
    فلو لم تكن النار قد اشتعلت في الأشجار طيبةِ الرائحة ما كان الناس حِينَئِذٍ سيعرفون أَنَّ هذه الأشجار طيبة الرائحة.

    ثم ذَكَرَ المتحدث في الفيديو – نقلًا عن “وضاح صائب” – أن عدد أحاديث أبي هريرة أكثر من (5000) حديثًا في دواوين المسلمين!

    قلت: هذا العدد غير صحيح، والصحيح أقلُّ من هذا، وهو بالمكرر، وفيه الصحيح والضعيف. فيقول الْعَلَّامَةُ أحمد شاكر عن أبي هريرة: [روى له الإمامُ أحمد في هذا المسند (3848) حديثًا، من رقم (7119) إلى (10997) وفيها مُكَرُّرٌ كثير، باللفظ أو بالمعنى. كعادة المسند في تكرار الحديث، ويصفو له منها بعد حذف المكرر خير كثير. هو أكثر الصحابة روايةً على كل حال].([14]) والعدد الذي ذكره المتكلِّمُ لأحاديث أبي هريرة يحتوي على الأحاديث الصحيحة والضعيفة والأسانيد المكررة، لأنَّ كُلَّ سَنَدٍ يُسَمَّى حديثًا عند العلماء كما ذكرناه سابقًا.([15]) كما أنَّ عددَ الأحاديثِ التي تَفَرَّدَ بها أبو هريرةَ عن غيره من الصحابة تزيد عن مائة حديث قليلًا. كما أنَّ عدد هذه الأحاديث بالمكررات، وبدون المكرر لا تتجاوز (1500) حديثًا، أي (1375) حديثًا تقريبًا. وهذا العدد يحتوي الصحيح والضعيف، والضعيف لا يصح سنده إلى أبي هريرة، فلا نستطيع أن نحسبه عليه، وقد وافقه وتابعه عليها من الصحابة حوالي (1265) حديثًا.

    وهذا يعني أنَّ أبا هريرة انفرد فقط بـ (110) حديثًا عن بقية الصحابة. فما هي الْغَرَابَةُ في ذلك؟!

    ثم لو افترضنا أَنَّ أبا هريرةَ رضي الله عنه روى (5000) حديث بالفعل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فما هي المشكلة؟ ألم يكن أبو هريرة مُلَازِمًا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يتركه في حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ؟! فلو أَنَّ طالبًا يذهب إلى مدرسته خمس مراتٍ في الأسبوع، فما هو حَجْمُ المعلومات الذي سَيُحَصِّلُهُ؟! فلو فرضنا أنه كان يحفظ وَيُدَوِّن كلَّ يومٍ عشر معلوماتٍ فقط؟! فَسَيُحَصِّلُ في الأسبوع (50) معلومة، وفي الشهر (200) معلومة، وفي السنة (2400) معلومة!! وهذا يعني أَنَّ مُدَّةَ ملازمةِ أبي هريرةَ لرسولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ والتي وَصَلَتْ لأربع سنوات، وتحصيله لهذا العدد من الأحاديث طبيعي جدًا عند العقلاء، لكن أعداء الإسلام يعطلون عقولهم متعمدين لِنَفْيِ الحقائق الواضحة والثوابت الراسخة.

    ثم إن مُقَدِّمَ المقطع اضطر للكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عبد الله بن مسعود، فذكر عن ابن مسعود أنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مِكْثَارًا ولا مِهْذَارًا!!

    وهذا الكلام لم أجده في أي كتاب على الإطلاق!! فتخيل أن الشخص الذي يريد أن يخدع مشاهديه ويوهمهم بأنَّ أبا هريرةَ كان يَدُسُّ الحديثَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نَفْسُهُ يقوم بِدَسِّ الأحاديث على رسول الله في نفس المقطع. وقد حُقَّ للحياء أن ينتحر ولحمرة الخجل أن تتوارى في زمن يتحدث فيه أمثال هؤلاء الكذابين!! ثم إن وضاح صائب كَذَّاب، وناقل الكلام عنه كذاب مثله، فقد ادَّعَى أن أبا هريرة لم يُعَاصِرْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلا سَنَةَ وَنِصْف فقط، وسأدلل على كذبهما بما قاله أحد التابعين: فقد جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: [لَقِيتُ رَجُلًا، قَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ سِنِينَ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَرْبَعَ سِنِينَ].([16]) وهذا يؤكد أن التابعين الذين رأوا أبا هريرة قالوا إنه صَحِبَ الرسول أربع سنوات، فهل وضَّاح والمتكلم في الفيديو أَصْدَقُ أَم الشخصُ الذي رأى أبا هريرة بعينيه وحكى عنه؟! وقد قيل: قد ضَلَّ مَنْ كَانَت الْعِمْيَانُ تَهْدِيهِ!!

    رابعًا: زعم مُقَدِّمُ المقطع أن عمر بن الخطاب قال لأبي هريرة: لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيْثَ، أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ!! وهذه الكلمة لم يقلها عمر بن الخطاب لأبي هريرة، وإنما قالها لكعب.
    ولكن عمر قال لأبي هريرة: لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ دَوْسٍ.
    وتحت الرواية مباشرةً قال الذهبي إن هذا هو مذهب عمر بن الخطاب، وهو إقلال الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وأمر بها عمر بقية الصحابة غير أبي هريرة. قال الحافِظُ الذهبي: [هَكَذَا هُوَ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُوْلُ: أَقِلُّوا الحَدِيْثَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَزَجَرَ – عمر – غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ بَثِّ الحَدِيْثِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ لِعُمَرَ وَلِغَيْرِهِ].([17])
    لكن الأمين المحترم مقدم الفيديو لم يذكر لمشاهديه هذه الحقيقة، فأظهر الأمْرَ كأنَّ عُمَرَ بنَ الخطاب يخاف من أحاديث أبي هريرة أن تكون مدسوسة على الرسول فمنعه من الحديث!!
    وإذًا وبموجب كلام الذهبي فعمر لم يمنع أبا هريرة من الرواية طعنًا في شخص أبي هريرة أو تشكيكًا في صدقه وعدالته، وإنما كان عمر يرى أن الإسلامَ لا يزال جديدًا بين الناس، ويرى أن نَشْرَ القرآن في تلك المرحلة أَوْلَى بالاهتمام من نشر الحديث النبويِّ. ويؤيده ما رواه ابن سعد. روى الإمامُ ابْنُ سَعْدٍ: [عن قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ أَرَدْنَا الْكُوفَةَ فَشَيَّعَنَا عُمَرُ إِلَى صِرَارٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ: تَدْرُونَ لِمَ شَيَّعْتُكُمْ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ. نَحْنُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَأْتُونَ أَهْلَ قَرْيَةٍ لَهُمْ دَوِيٌّ بِالْقُرْآنِ كَدَوِيٍّ النَّحْلِ فَلا تَصُدُّوهُمْ بِالأَحَادِيثِ فَتَشْغَلُوهُمْ. جَرِّدُوا الْقُرْآنَ وَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، امْضُوا وأنا شريككم].([18]) فهؤلاء الصحابة أمرهم عمرُ بنُ الخطاب بنفس الأمر، فالأمْرُ بالفعل مَذْهَبٌ لعمر رضي الله عنه في هذه المسألة كما قال الذهبي، وليس المنع خاصًّا بأبي هريرة رضي الله عنه وحده! والذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ يقول: [وقد كان عمر من وَجَلِهِ أَنْ يُخْطِئَ الصاحِبُ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرهم أن يُقِلُّوا الرواية عن نبيهم، وَلِئَلًّا يتشاغلَ الناسُ بالأحاديث عن حِفْظِ القرآن].([19]) وطالما أَنَّ الذهبيَّ قد بَيَّنَ معنى الرواية وَوَضَّحَ مقصودَ عمرَ بن ِالخطابِ في نفس الصفحة؛ فلماذا لم ينقل المتكلمُ في الفيديو هذا الكلامَ لمشاهديه؟! هل يسعى هذا الشخص لتشويه صورة أبي هريرة بالباطل عن طريق الكذب والتدليس والافتراء؟!
    أقول: وحينما ترك أبو هريرة الروايةَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكلٍ مؤقتٍ، إنما فعل ذلك طَاعَةً لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا شيء طبيعي لِأَنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الصحابةَ بِطَاعَةِ الخلفاء الراشدين كما في حديث العرباض بن سارية: [.. فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ].([20]) وعمر بن الخطاب خليفةٌ رَاشِدٌ مَهْدِيٌّ، فَوَجَبَ على أبي هريرة أن يطيع أَمْرَهُ ولا يَعْصِيَهُ.
    ولكن بعد ذلك سَمَحَ أميرُ المؤمنين وخليفةُ المسلمين عثمانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه لِلصَّحَابَة بالتحديث مرة أخرى، لأنه رأى أنَّ الأمور قد استقرت، وصار حَمَلَةُ القرآن وَحَفَظَتُهُ بِالْآلَافِ. وطالما أن المتكلِّم يستدل بالذهبي، فلماذا لم ينقلْ لنا كلامَ الذهبي عن أبي هريرة؟! قال الحافِظُ الذهبي: [الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ، اليَمَانِيُّ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ الأَثْبَاتِ].([21]) وقال عنه أيضًا: [كان حَافِظًا مُتَثَبِّتًا ذَكِيًّا مُفْتِيًا صاحبَ صيامٍ وقيامٍ].([22])

    خامسًا: تكلم هذا الشخص عن تلقيب أبي هريرة بـ “شيخ المضيرة“، وقال إن أبا هريرة امتنع عن الحديث حتى أعطاه معاوية المال فعاد يتكلم! وزعم أن أبا هريرة تَاجَرَ بالحديث لصالح معاوية؟! وزعم أن أبا هريرة لُقِّبَ بشيخ المضيرة؟! وقال: [كان أبو هريرة يحب أكلة اسمها المضيرة، فيأكلها مع معاوية، وإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي، فإذا قيل له في ذلك قال: مضيرة معاوية أدسم، والصلاة خلف علي أفضل]. سأبدأ بالرد على النقطة الأخيرة حتى يَضْحَكَ القارئ على هذا المتكلم، وأتساءل: أين كان يعيش علي بن أبي طالب وأين كان يعيش معاوية وقت الخصومة بينهما؟! أليس علي كان يعيش في الكوفة بالعراق، بينما كان معاوية يعيش في الشام؟! فكيف كان أبو هريرة يتنقَّل بين الشَّام والعِرَاق في نفس اليوم؟! هل هذا الكلام يصدقه عاقِل؟! أم أن المتكلِّم في الفيديو يعتقد أَنَّ أبا هريرة كان يمتلك طائرة (F16)؟! أم كان لدى أبي هريرة جهاز للانتقال الآني؟! أم كانت لديه القدرة على اختراق الحاجز الزمكاني؟! هل عرض المتكلم هذه التخاريف على عقله قبل أن يتفوه بها؟! سبحان مَنْ وَزَّعَ عقول البشر! المضحك أكثر أَنَّ أبا هريرة لم يكن يعيش لا في الكوفة ولا في الشام، وإنما كان يعيش بالمدينة المنورة، على صاحبها أطيب الصلوات وأزكى التسليمات وأحسن البركات!! قال الإمام أبو عُمَرَ ابنُ عبد الْبَرِّ: [اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بْن الْخَطَّابِ عَلَى البَحْرَيْنِ، ثُمَّ عَزَلَهُ، ثُمَّ أَرَادَهُ عَلَى العَمَلِ فَأَبَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ يَسْكُنُ المَدِينَةَ وَبِهَا كَانَتْ وَفَاتُهُ].([23])
    ثم إن أبا هريرة تُوُفِّيَ سَنَة (59) من الهجرة، والزمخشري مولود سَنَةَ (467) من الهِجْرَة. يعني بين ولادة الزمخشري ووفاة أبي هريرة (408) سنة، فكيف عَلِمَ الزمخشريُّ بهذه القِصَّة؟! والزمخشري لم يذكر سَنَدًا لهذه الرواية أَصْلًا، فكيف اعتمد المتحدثُ على رواية باطلة كهذه؟!! هذه من أوضح الكذبات التي أطلقها هذا الشخص في كلامه عن أبي هريرة بلا دليل!
    ثم هل كان أبو هريرة يتاجر بالحديث لصالح معاوية؟! سأحكي بعض مواقف أبي هريرة مع بني أمية عمومًا لنعرف شخصية أبي هريرة مع الحكام! ففي صحيح مسلم أَنَّ أبا هُرَيْرَةَ دَخَلَ فِي دَارِ مَرْوَانَ بن الحَكَمِ فَرَأَى فِيهَا تَصَاوِيرَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي؟ فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً»].([24]) يعني أبو هريرة لم يُنَافِقْ مروانَ بنَ الحكم- وهو حاكم المدينة آنذاك – أو تَمَلَّقَهُ. وأما قول الله عَزَّ وجلَّ “مَنْ أَظْلَمُ” معناه أن هذا الشخص هو أظلم الناس وأَشَدِّهِمْ ظُلْمًـا. وفي مُصَنَّفِ ابن أبي شَيْبَةَ عَنْ هِلاَلٍ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ لِمَرْوَانَ وَأَبْطَأَ بِالْجُمُعَةِ: تَظَلُّ عِنْدَ بِنْتِ فُلاَنٍ تُرَوِّحُك بِالْمَرَاوِحِ وَتَسْقِيَك الْمَاءَ الْبَارِدَ، وَأَبْنَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يُسْلَقُونَ مِنَ الْحَرِ، لَقَدْ هَمَمْت أَنِّي أَفْعَلُ وَأَفْعَلُ، ثُمَّ قَالَ: اسْمَعُوا لأَمِيرِكُمْ].([25]) فلماذا لم يُنَافِقْ أبو هريرة مروانَ أو يتملَّقْه؟! لماذا وبخه توبيخًا شديدًا على تأخره عن الجُمُعَةِ!! وبما أنَّ المتكلِّمَ لا يفرِّق بين الرواياتِ الصحيحة والضعيفة فلماذا لم تقع عينُهُ على هذه الرواية مع أنها في نفس كتاب الذهبي الذي يستدل منه؟! عَنِ الوَلِيْدِ بنِ رَبَاحٍ، قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ لِمَرْوَانَ حِيْنَما أَرَادُوا دَفْنَ الحَسَنَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نفس المقام النبوي الشريف: [وَاللهِ مَا أَنْتَ وَالٍ، وَإِنَّ الوَالِي لَغَيْرُكَ، فَدَعْهُ، وَلَكِنَّكَ تَدْخُلُ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْكَ، إِنَّمَا تُرِيْدُ بِهَا إِرْضَاءَ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْكَ. يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ].([26]) أبو هريرة يقول لمروان: لماذا تتدخل في مسألة دفن الحسن بن علي؟! أنت تريد إرضاءَ سيدِكَ معاوية، وهو غائب عنك. فكيف يقال إن أبا هريرةَ كان يُتَاجِرُ بالحديث لصالح معاوية؟! ثم ادعى هذا الشخص أن أبا هريرة امتنع عن الحديث حتى أعطاه معاوية المال فعاد يتكلم؟! وهذا ليس معنى الرواية على الإطلاق، بل المراد أن أبا هريرة كان قويًّا في طلب حَقِّهِ من الحكَّام، فإذا أعطوه حقه سَكَـتَ، وإذا منعوا عنه حقه تكلَّمَ فيهم حتى يأخذه منهم، لِأَنَّه كان يتصدق بهذا المال، ولذلك ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ هذا القولَ في سِيَاق الحديثِ عن زُهْدِ أبي هريرة في الدنيا وتصدقه على الفقراء والمساكين، واستعداده للقاء الله، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَعُدْ إلى الصفحة ليقرأها كاملةً. ويؤيد ما ذكرته ما قاله الحافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ، قال: [بَعَثَ مَرْوَانُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ بَعْثَ إِلَيْهِ: إِنِّي غَلِطْتُ وَلَمْ أُرِدْكَ بِهَا، وَإِنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ غَيْرَكَ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَدْ أَخْرَجْتُهَا، فَإِذَا خَرَجَ عَطَائِي فَخُذْهَا مِنْهُ. وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا. وَإِنَّمَا أَرَادَ مَرْوَانُ اخْتِبَارَهُ].([27]) وإنْ كان المقصود من الرواية أَنَّ أَبَا هريرة يأخذ المالَ لِيَخْتَرِعَ الأحاديثَ لِصَالِحِ معاويةَ؛ فهل كان الذهبيُّ سيقول عنه في نفس الكتاب: [وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَثِيْقَ الحِفْظِ، مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي حَدِيْثٍ].([28]) كيف يكون أبو هريرة لم يخطئ في حديث واحد إذا كان يدس الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم إذا كان أبو هريرة يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتخيل سقام العقل والبدن؛ فلماذا لم يتكلم فيه العلماء كما تكلموا في كل الكذابين والوضاعين؟!

    سادسا: زعم المفتري أن أبا هريرة خان أمانة المسلمين وضربه عمر حتى أدماه،
    والرد من عدة أوجه كالتالي: الوجه الأول: المتكلم في هذه المرة لم يَأْتِ بالرواية من كِتاب سير أعلام النبلاء، وإنما أتى بها من كتاب الطبقات الكبرى لابن سَعْدٍ وكتاب فتوح البلدان للبلاذري، مع أنه منذ أول الحلقة وهو يستدل بكتاب الذهبي، فلماذا فعل ذلك؟! الجواب: لأنَّ كتابي الطبقات وفتوح البلدان ذَكَرَا الرواية ناقصةً، وأما الذهبي في سير أعلام النبلاء فذكرها كاملة، وفيها الجزء الخاص ببراءة أبي هريرة من هذا الاتهام، وسأقرأ لكم الرواية من كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي: قال الحافِظُ الذهبي: [مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى البَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الأَمْوَالِ يَا عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: لَسْتُ بَعَدُوِّ اللهِ وَعَدُوِّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟! قُلْتُ: خَيْلٌ نُتِجَتْ، وَغَلَّةُ رَقِيْقٍ لِي، وَأُعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ. فَنَظَرُوا، فَوَجَدُوْهُ كَمَا قَالَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، دَعَاهُ عُمَرُ لِيُوَلِّيَهُ، فَأَبَى. فَقَالَ: تَكْرَهُ العَمَلَ، وَقَدْ طَلَبَ العَمَلَ مَنْ كَانَ خَيْراً مِنْكَ يُوْسُفُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. فَقَالَ: يُوْسُفُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ بنُ أَمَيْمَةَ، وَأَخْشَى ثَلاَثاً وَاثْنَتَيْنِ. قَالَ: فَهَلاَّ قُلْتَ خَمْساً؟ قَالَ: أَخْشَى أَنْ أَقُوْلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَقْضِيَ بِغَيْرِ حِلْمٍ، وَأَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي، وَيُنْتَزَعَ مَالِي، وَيُشْتَمَ عِرْضِي].([29]) فإذا كانت رواية الذهبي تحمل براءة أبي هريرة من هذا الاتهام فلماذا أخفاها المتكلم الأمين؟! أليس قوله: [فَنَظَرُوا، فَوَجَدُوْهُ كَمَا قَالَ] دليلًا على صِدْقِ أبي هريرةَ وبراءته من هذا الاتهام؟! فلماذا أخفيتَها عن المشاهدين أيها المهذَّب الأمين؟!
    الوجه الثاني: إذا كان أبو هريرة قد خان بالفعل أمانة المسلمين؛ فلماذا يدعوه عمر بن الخطاب للولاية مرة أخرى؟!
    الوجه الثالث: الذي نقل لنا هذه الرواية وحدَّثَ بها – بحسب الطبقات الكبرى – هو أبو هريرة رضي الله عنه بنفسه، فلو كانت فيها إدانة له فلماذا كان سيرويها ويحْكِيها لمحمد بن سيرين؟!
    الوجه الرابع: كيف خفي حال أبي هريرة إذا كان سَارِقًا وَخَائِنًا للأمانة على الأمة الإسلامية ولم ينتبه لذلك إلا سفهاء ومعاتيهُ زماننا؟!
    الوجه الخامس: منذ متى وأبو هريرة يسرق ويخون الأمانات؟! وهذه سيرته معروفة ومعلومة لجميع الناس؛ سواء مَنْ عَاصَرَهُ من الصحابة والتابعين، أو مَنْ جاء بعده من العلماء الربانيين؟!
    الوجه السادس: المتكلم قال إِنَّ ابنَ كثير أَكَّدَ الرواية، وابن كثير نقل الرواية كاملة، وفيها النص على براءة أبي هريرة من السرقة، فهل المتكلم لم يقرأ الرواية عند ابن كثير؟! أم قراها وَعَلِمَ براءةَ ابي هريرة، ومع ذلك أخفى ذلك عن مشاهديه؟! لا توجد رواية صحيحة في ضرب عمر لأبي هريرة إلا رواية واحدة، وكانت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عُمَرُ مُخْطِئًا في حق أبي هريرة، وهذه هي الرواية: روى الإمام مسلم: عن أَبي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: [كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا، وَفَزِعْنَا، فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا؟ فَلَمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ – وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ – فَاحْتَفَزْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَبُو هُرَيْرَةَ» فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا، فَفَزِعْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ، وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ، قَالَ: «اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقُلْتُ: هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَخَرَرْتُ لِاسْتِي، فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً، وَرَكِبَنِي عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟» قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لِاسْتِي، قَالَ: ارْجِعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُمَرُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ، وَأُمِّي، أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ، مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَخَلِّهِمْ»].([30]) وهذه الرواية ليس فيها استعمال عمر للدِّرَّةِ، ولم يكن عمر وقتئذٍ أميرًا للمؤمنين. وكل رواية سوى ذلك في ضرب عمر لأبي هريرة لا تصح على الإطلاق! وحتى الرواية التي ذكرها المتكلِّم من الطبقات الكبرى وفتوح البلدان ليس فيها أن عمر ضرب أبا هريرة ولا أدماه، الخلاصة أن المتكلم يمارس الكذب بشكل مفضوح!! ثم نقل المتكلم كلامًا للكذاب وضاح صائب أن روايات ضرب عمر لأبي هريرة مُجْمَعٌ عليها!! فأين هذا الإجماع المزعوم؟!

    سابعًا: طعن عائشة في أبي هريرة، وتكذيبها له: زعم المتكلم أَنَّ أُمَّ المؤمنين عائشةَ عليها السَّلَامُ كَذَّبَتْ أبا هريرة!! وهذا كَذِبٌ صَرِيحٌ، لا يصدقه إِلَّا معتوه! فالرواية التي قال المتكلم إنها في صحيح البخاري ليس فيها الجزء الأخير مما زعمه هذا الكذوب،
    وهذه هي الرواية من صحيح البخاري:
    [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يَتْلُو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى إِلَى قَوْلِهِ الرَّحِيمُ}، إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ].([31]) فأين كلام أم المؤمنين عائشة له؟! بل في الرواية خارج البخاري أنها أذْعَنَتْ وَسَلَّمَتْ لأبي هريرة بحديثه، وهذه هي الرواية من كتاب سير أعلام النبلاء الذي يحب أن ينقل منه الكذوب: قال الحافِظُ الذهبي: [مُحَمَّدُ بنُ كُنَاسَةَ الأَسَدِيُّ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: أَكْثَرْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ. قَالَ: إِيْ وَاللهِ يَا أُمَّاهُ، مَا كَانَتْ تَشْغَلُنِي عَنْهُ المِرْآةُ وَلاَ المُكْحُلَةُ وَلاَ الدُّهْنُ. قَالَتْ: لَعَلَّهُ].([32]) فالرواية تقول إنها أذعنت لما قاله أبو هريرة، وسلمت له، وليس أنها ردت عليه كما زعم المفتري الكذاب!!
    أما الزيادة التي زعمها الكذوب فقد نقلها عن وضاح صائب كالأعمى، فوقع في شر أعماله! فهذه الرواية ليس لها وُجُودٌ نهائيًّا في كتب المسلمين، وهي من اختراع وَضَّاح الْكَذَّاب! وهذا هو حال أعداء الإسلام وأعداء السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ؛ ليس لديهم إلا الكذب والتدليس والغش وتحريف الوقائع وطَمْسِ الحقائق، ثم يتهموننا نحن بما هو لَصِيقٌ بهم، ولا ينفك عنهم!! ثم إن أبا هريرة كان يجلس إلى جوار حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ويتعمد أن يُسْمِعَهَا هذه الأحاديث التي يقولها، ثم يسألها هل تنكرين شيئًا مما أقول: فقالت: لا!
    فكيف يتعمَّد هؤلاء المجرمون تحريف شهادة أُمِّ المؤمنين عَائِشَةَ ويكذبون عليها بهذه الوقاحة؟! ثم من الذي قال إن جواب أبي هريرة على أم المؤمنين كان سَاخِرًا؟! أعوذ بالله من الكذب!! هل لدى هذا الشخص دليل على أن أبا هريرة أجابها بهذا الجواب على سبيل السخرية؟! أم أنه كان حاضِرًا هذا الموقف حِينَئِذٍ، ورأى تعبيراتِ وَجْهِ أبي هريرة؟! لماذا جميع المخالفين لا يفهمون وعقولهم ضعيفة؟! لماذا يدلسون ويحرفون الروايات ويكذبون؟ هل هذا حَقًّا هو مستوى الحاقدين الطاعنين في الإسلام العظيم؟! إذا كان أعداؤنا بهذا المستوى فلا خوفَ أبدًا على المسلمين، فيكفي مقطعٌ واحدٌ لبيان كَذِبِ أَحَدِهِم حتى يسقطَ من عيون محبيه ومشاهديه ومتابعيه قبل أن يسقط من عيون أبنائنا المستهدفين بالتضليل والكذب والتزوير والتدليس. كلمة أخيرة لمن يصدقون هذا الكذوب وأمثاله: إذا كنتم تتبعون في أفكاركم وتقبلون لعقولكم أن يكون هذا الشخص وأمثاله مصدرًا للمعرفة؛ فالعيب فيكم أنتم!!
    إِذَا كَانَ الْغُرَابُ دَلِيلَ قَوْمٍ **** فعَيْبُ القَوْمِ لا عَيْبُ الغُرَابِ
    ورسالتي إلى الكذوب المفضوح: هل أنت سعيد بعدما فضحتُ جَهْلك وكذبك وتدليسك؟! هل تشعر بالسعادة حينما تُفضَحُ؟! وهل الذين يمولونك للطعن في الإسلام سعداء بعد فضائحك بعد كل حلقة؟! وهل تكون سعيدًا ومبتهجًا حينما يعرف مشاهدوك أنك جاهل ومدلس وكذَّاب؟! والله، لست أدري كيف تعيشون هكذا!!

    والحمد لله رب العالمين
    أبو عمر الباحث
    غفر الله له ولوالديه
    https://antishubohat.wordpress.com/2...aqaeq-sademah/

    اللهم ارفع علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والزيغ والشر والفساد والعناد و الإلحاد؛ وانشر رحمتك على العباد.
    قال سيدُنا علي (رضي الله عنه): الناسُ ثلاثة عالمٌ رباني ومتعلمٌ على سبيل نجاة وهمجٌ رَعاعٌ اتباعُ كُلِ ناعقٍ يميلون مع كُل ريح.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 06-13-2011, 11:08 PM
  2. إعلان: كيف يشهد أبو هريرة لأبي هريرة ؟!!
    بواسطة أبو حب الله في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-14-2010, 03:24 PM
  3. قراءة في ( هدهد سليمان ) جنديا مخلصا وزعيم معارضة فذاً / فتحي عوض..
    بواسطة فتحي عوض في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-23-2010, 05:18 AM
  4. كسب أبو هريرة وخسر عمر ..
    بواسطة abu_ameed في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-17-2008, 07:52 PM
  5. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-15-2007, 01:20 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء