يقول المرحوم الشيخ الشعراوى
هناك اسئلة تلح على عقل الانسان بوسوسة الشيطان منها : من خلق الله عز جل ؟
نقول لمن يسأل هذا السؤال : ان الله عز وجل ليس مخلوقا حتى نسأل عن خالقه ..فهو تبارك وتعالى موجود بلا بداية ، و ابدى بلا نهاية ، وهو سبحانه وتعالى بذاته واسمائه وصفاته هو الخالق وما سواه مخلوق له .
والحق سبحانه وتعالى حين حرم التفكير فى ذاته .. فلانه يعلم أن تفكير الانسان يكون وفقا لما يعلم من ذوات الخلق ، ويعلم ان تفكيره محدود بحدود محيطه الكونى ، فى حين أن ما ينطبق علينا من احكام لا ينطبق على الحق جل وعلا ، لانه هو الذى خلق هذه الاحكام والقوانين .. فهو اذن المهيمن عليها.
فأنت حين تسأل عمن خلق الله عز وجل ، فانك تسأل وفقا لقاعدة فى ذهنك ، وهى ( أن لكل مخلوق خالقا ) ..ولكنك نسيت أن الحق سبحانه وتعالى هو الخالق لهذه القاعدة ، وحينما وضعها فى نظامنا العقلى ، فقد وضعها ليلفتنا الى وجوده .
اننا حين ننظر الى الكون بما فيه من مخلوقات ندرك انه لابد ان يكون لها خالق .. ولكن هذه القاعدة لا تنطبق عليه سبحانه ..ولا يصح أن نقول : انه اذا كان لكل مخلوق خالق .. فمن خلق الله عز وجل ؟ لان الحق تبارك وتعالى ليس مخلوقا حتى يكون له خالق.
فصفة الخلق من الصفات الذاتية للحق تبارك وتعالى ،والتى لا يجوز فيها العكس كالعزيز والحى .. اذ لا يصح أن نقول : ان من اسمائه أو صفاته الذليل او الميت أو المخلوق .. فذا انتفى أنه عز وجل مخلوق .. فيكون السؤال من خلق الله عز وجل سؤال احمق !
وكون الانسان لا يستطيع أن يتخيل ويتصور حقيقة أن الله موجود غير مخلوق ، فهذا لا يعنى انتفاء هذه الحقيقة
و يجب علينا أن نميز بين وجود الشىء وبين قدرتنا على ادراك وتصور وجود هذا الشىء ، لان عدم ادراكنا او تصورنا لوجود شىء ما ، لا يعنى أن هذا الشىء غير موجود .
فاذا حدثنا الله عن الملائكة وعن الجنة وعن النار وعن الشياطين ، فلابد أن نصدق ليس بالدليل الايمانى فقط المبنى على ان القائل هو الله عز وجل ، وانما لانه سبحانه وتعالى اعطى الدليل المادى لغير المؤمن به على ان الغيب موجود ، وان لم ندرك او نتصور وجوده ..واعطاه لنا من أحداث هذا الكون وما وقع فيه من ماديات .
فاذا اخذنا مثلا الجراثيم .. تلك المخلوقات الدقيقة التى تهاجم جسد الانسان وتصيبه بالمرض ، هذه الجراثيم التى عاشت مع الانسان عمره كله ..الا اننا فى اول الحياة البشرية وحتى فترة قصيرة لم نكن نعرف عنها شيئا .. ثم تقدم العلم وتوصل العلماء الى الميكروسكوبات الالكترونية التى تكبر حجم الشىء الى ملايين المرات..
فماذا رأينا ؟. رأينا عجبا .. ميكروبات لها شكل ولها حركة .. ولها حياة ولها تناسل وتكاثر .. ولها طريقة لتخترق جسم الانسان وتصل الى الدم ، ولها تفاعلات مع كرات الدم
عالم كبير لم نكن نعرف عنه شيئا ، بل كان غيبا عنا منذ مائة عام ، ومع ذلك ومع كونه غيبا عنا .. فهل هذا العالم لم يكن موجود ؟
لا .. لقد كان موجودا يؤدى مهمته فى الحياة
وهكذا أعطانا الله الدليل المادى على ان ما هو غيب عنا موجود ويؤدى مهمته فى الحياه .. وأن عدم ادراكنا وتصورنا لوجوده لا يعنى عدم هذا الوجود .
فيجب أن تفرق ايها السائل بين حقيقة أن الله موجود غير مخلوق ، وبين كونك لا تستطيع أن تتصور موجودا غير مخلوق ، فالقوانين التى تحكم حياتك ومعادلاتك الرياضية والكيمائية والفيزيائية هى من خلق الله عز وجل ، ولا يمكن أن تنطبق عليه بحال من الاحوال .
رحم الله الشيخ الشعراوى رحمة واسعة وادخله فسيح جناته ونفعنا بعلمه الغزير
Bookmarks