المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غالي
يعتبر موضوع ختم النبوة من أكثر المواضيع التي يهاجم فيها أنصار الفكر التقليدي الجماعة الإسلامية الأحمدية.. وقد وصل ببعضهم الأمر إلى اتهامنا بعدم الأيمان بكون النبي
خاتم النبيين... وسوف نبين لكم بإذن الله في هذا الإدراج المقصود بمعنى خاتم النبوة وتعارض الفكر التقليدي مع معاني هذا الوصف العظيم ومع آيات القرآن الكريم...
المعنى اللغوي لكلمة خاتم:
إن الفعل "ختم" في اللغة العربية يعني أنهى وأغلق... وأيضاً من المعاني الأخرى طبع.. أي ترك طابعه في شيء وأعطاه من طابعه أو أثر فيه... أما كلمة "خاتَم" أو "خاتِم" في اللغة فتعني ما يوضع في الإصبع للزينة.. أو ما يستخدم للختم... أو ما يستعمل للإغلاق أو الختم...
ولغوياً إذا ما أضيف "خاتَم" أو "خاتِم" إلى جمع العقلاء (النبيين) فلا يكون معناه إلا الأفضل والأكمل.. أي الذي جاء بما لم يأت ولن يأتي أحد من قبله أو من بعده بمثل ما جاء به.. كما أنها تعني من جمع أفضل ما كان للسابقين من أعمال وآثار ومحاسن ووضعها في أحسن صورة وترك طابعه فيمن جاء من بعده.. وعلى هذا فقد وصل للكمال حيث لا يصل أحد إلى مرتبته ممن كان قبله أو ممن جاء بعده..
وفي الأمثلة اللغوية فإن صفة الخاتم قد أطلقت على شعراء وأولياء ومحققين وكتاب وغيرهم... إلا أن هذا لا يعني أن أي من هذه الصفات والمراتب قد انتهت...
وعليه فلا بد من فهم "خاتم النبيين" كما هي استعمالاتها في اللغة وآثارها.. وبهذا يكون المعنى أفضلهم وأكملهم أو الذي وصل إلى الكمال في النبوة بحيث لا يصل إلى مرتبته أحد ممن كان قبله أو ممن سيأتي بعده....
ويمكن فهم خصوصية ختم النبوة بناءً على التالي:
1- لقب ختم النبوة أطلقه الله تعالى على الرسول
ما يعني أنه لقب دائم وثابت لا يمكن أن يزول مطلقاً.. كما لا يمكن أن يشاركه فيه أحد لأنه خاتم النبيين مطلقاً... على عكس الألقاب التي تطلق من قبل البشر كخاتم الأولياء أو الشعراء من خلال مقارنة شاعر معين بغيره في زمنه ومحيطه إضافة إلى كونه أمراً محدوداً ونسبياً بسبب العلم المحدود للبشر...
2- وحيث أن خاتمية الرسول
هي خاتمية دائمة ومطلقة فإن هذا يؤكد على أنه لم يكن نبي قبله مثله.. كما لا يمكن أن يأتي من بعده نبي كمثله...
3- وبما أن الرسول
قد بعث بدين الإسلام من الله تعالى فإن هذه الخاتمية تقتضي أن يكون دينه هو الأكمل وشريعته هي الأكمل وأمته هي الأكمل...
4- وباعتبار الإسلام هو الدين الأكمل والقرآن هو الكتاب الكامل والأمة هي الأمة الكاملة فلا يوجد دين بعد الإسلام ولا كتاب إلا القرآن ولا أمة بعد الأمة الإسلامية.. وعليه فلن يأتي نبي بدين جديد ولا بكتاب جديد ولا بأمة جديدة..
5- إن الخاتمية المطلقة للرسول
تفرض أن يخضع كل نبي يأتي من بعده
لدينه وأن يلتزم بكتابه وشريعته.. وأن يكون من أمته.. وأنه لن يظهر نبي مستقل خارج هذا النطاق..
6- إن خاتمية النبوة تفرض أن يكون هنالك من يصلون إلى مقام النبوة في الأمة الإسلامية كدليل على كمال هذه الأمة.. فليس مقبولاً أن يقال أن الأمة ستكون أفضل الأمم وأعلاها بينما لا يصل أفرادها إلى الدرجات العليا التي كان يصلها من كان من قبلهم... فأين هي الأفضلية في أمة انقطعت عنها النبوة؟؟؟
كما أن القرآن الكريم يؤكد أن للنبوة شروط يمكن أن يتحصل عليها اتباع هذه الأمة الصالحين...
يقول تعالى: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا (70) النساء
وإذا ما عدنا للقرآن الكريم فسوف نجد أن كل هذه الاستنتاجات متوافقة معه تماماً...
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) الأحزاب
هذه الآية الكريمة وردت في سياق الحديث عن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من مطلَّقة زيد. وقد اعتُرض على هذا الزواج باعتباره زواجا من مطلقة الابن، فجاءت هذه الآية لتنفي أبوته الجسدية صلى الله عليه وسلم لأحد من الرجال. ولما كان هذا التعبير مما يمكن أن يساء فهمه، وسط محيط يسخر ممن لم يبقَ له أي أبناء ذكور، كان لا بدّ من الاستدراك، فجاءت جملة (رسول الله وخاتم النبيين) بعد (لكن) لتزيل هذا الفهم الذي يتبادر إلى ذهن البعض، ولتقول: إنه أبوكم جميعا روحيا، بل أبو الأنبياء أيضا.
بينما لو فسرناها بمعنى "الآخر"، لما كان لها أي معنى في هذا السياق؛ وإلا فما معنى: إنه ليس أبًا لأحد منكم جسديًّا، ولكنه أبوكم روحيا وآخر نبي؟ أين العلاقة بين ما قبل حرف الاستدراك (لكن) وما بعده؟ وهل الأبوة تتنافى مع النبوة؟ وهل كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين يقتضي ألا يكون أبا لأحد من الرجال؟! ثم إذا كان القرآن الكريم يريد أن يذكر أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو آخر نبي مبعثا، فلماذا يذكره في هذا السياق وبهذه الصورة؟ لماذا لم يعلن القرآن الكريم انقطاع النبوة بشكل واضح وقاطع وفي سياق ملائم؟
إن من يفسر (خاتم النبيين) بأفضلهم وأكملهم وأبيهم روحيا، يكون قد رأى أن الجنس المشترك بين العبارة المنفية قبل (لكن) والعبارة المثبتة بعدها هو الأبوة، فالعبارة الأولى تنفي الأبوة الجسدية، والعبارة الثانية تثبت الأبوة الروحية للمؤمنين وللأنبياء. أما من فسر (خاتم النبيين) بآخرهم اصطفاء، فأنى له أن يجد جنسا مشتركا يجمع بين العبارتين؟
في الإدراجات القادمة سوف نتناول الأحاديث النبوية الشريفة التي تحدث عنها الأخ أبو مريم وسوف نوضح المراد منها ومن غيرها...
يتبع
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
Bookmarks