سراقة يلبس سواري كسرى
من ذلك ما قاله لسراقة بن مالك بن جعشم المدلجيّ: ((كأنّي بك يا سراقة تلبس سواري كسرى)). فقال سراقة متعجّبا: كسرى بن هرمز!! قال: (( نعم )). وقد قال له هذا وهو مطارد في هجرته إلى المدينة يخاف الرصد ولا يكاد يأمن على نفسه غوائل المشركين.
وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يفتح الله على المسلمين بلاد فارس والمدائن ويؤتى بالغنائم إلى المدينة، وكان فيها سوارا كسرى وألبس عمر سراقة سواري كسرى، وتحقّقت نبوءة الرسول ( )، لتكون علامة من علامات نبوّته، وآية من آيات صدقه، وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
فتح بلاد كسرى وهرقل واليمن
ومن ذلك ما أخبر به عليه الصلاة والسلام في غزوة الأحزاب في شوّال من السنة 5هـ أثناء كسره صخرة بيضاء صلدة، وهو يحفر مع المسلمين الخندق: "لقد أضاء الله لي قصور الحيرة ومدائن كسرى، فأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها.. وأضاء لي القصور الحمر من أرض الروم،فأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها.. وأضاء لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها"( ).
لقد أخبر النبيّ بهذه الفتوح والمسلمون في حال من العسر والضيق والخوف، حيث تداعت عليهم الأحزاب المشركة من أقطار الجزيرة، وخذلهم المنافقون وتآمر عليهم اليهود فخانوا عهدهم ونقضوا مواثيقهم، وتحقّق ما أخبر به النبي ففتحت بلاد كسرى وبلاد هرقل واليمن، لتكون هذه الفتوح المباركة شاهد صدق على أنه لا ينطق عن الهوى وأنّ سنّته وحي يوحى.
- وسأل الرسول ذات يوم أبا طريف عديّ بن حاتم الطائيّ [ت68هـ]: ((هل رأيت الحيرة؟)) قال: قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: ((فإن طالت بك حياة لترينّ الظعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدا إلا الله [ قال عديّ: قلت فيما بيني وبين نفسي: أين دعّار طيئ الذين قد سعّروا البلاد!؟]، ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه)).
ويعدّد عديّ ما تحقّق من هذه النبوّات فيقول: " فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ". ثمّ يقول رضي الله عنه جازماً واثقاً من صدق ما سمع من رسول الله: " ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النبي أبو القاسم يخرج ملء كفّه "( ). وقد تحقّق ذلك في عهد خلافة عمر بن عبدالعزيز، فقد أغنى الله الأمة فلم يجد رضي الله عنه من الفقراء والمساكين من يعطيه الزكاة.
المسلمون يركبون البحر للفتح
ومن ذلك ما رواه البخاريّ من حديث أنس بن مالك أنّ خالته أمّ حرام بنت ملحان النجّاريّة الأنصاريّة -وكانت تحت عبادة بن الصامت- سألت النبيّ وقد استيقظ من نومه وهو يضحك: ((ما يضحكك يا رسول الله؟)) قال: ((ناس من أمّتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج البحر[أي وسطه ومعظمه] ملوكا على الأسرّة أو مثل الملوك على الأسرّة)). قالت: يارسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها... فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان [ في فتح قبرص] فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت( ).
يقول ابن حجر معلّقا على الخبر: " فيه إخبار بما سيكون فكان كما أخبر "( ).
- وقد لمّح الرسول لغزو المسلمين في البحر عند رجوعه من غزوة تبوك في رجب من السنة 9هـ حيث اشتكى المسلمون ما برواحلهم من الجهد فدعا لها رسول الله: ((اللّهم احمل عليها في سبيلك، إنّك تحمل على القويّ والضعيف وعلى الرطب واليابس في البرّ والبحر)) فما بلغوا المدينة، حتّى جعلت تنازعهم أزمّتها. فقال فضالة بن عبيد الأنصاريّ راوي الحديث: "هذه دعوة النبيّ على القويّ والضعيف، فما بال الرطب واليابس!؟ فلمّا رأيت السفن في البحر وما يدخل فيها عرفت دعوة النبي "( ).
نقلا عن الدكتور
أبولبابة الطاهر حســين
يتبع
Bookmarks