لو عرفتموه لأحببتموه
وفي هذه الرسالة سوف نحاول عرض وسرد دلائل نبوة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بشكل مختصر وجامع ، وذلك لأن دلائل النبوة لها فوائد كثيرة لعل من أولها الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم والتصديق بخبره والطاعة لأمره، ومن فوائد دلائل النبوة كذلك محبته صلى الله عليه وسلم، حيث يجمع المنصفون من أهل الغرب والشرق أن من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا أحبه، وإن كان يعرفه من قبل فسوف يزداد له حبًا.
وفي قلب كل مسلم توجد بذرة محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه البذرة إذا نمت بالمعرفة والإيمان صارت شجرة تزيد الإيمان قوة وتزيد الإتباع هديًا واقتداء بفعل النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ" فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْآنَ يَا عُمَرُ.
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "جواب عمر أولا كان بحسب الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى فأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله الآن يا عمر أي الآن عرفت فنطقت بما يجب".
فمعرفة شمائل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وفضائله العظيمة تزيد من محبة المسلم لنبيه، فكم يزداد محبة المسلم لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ عن النصوص التي بشرت به في كتب السابقين من الأنبياء والرسل المكرمين، كم تزداد محبتك أخي في الله وأنت تقرأ اعتراف أهل الكتاب في الماضي بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترافات المنصفين في الحاضر بفضله وعظمته، كم تزداد محبتك وأنت ترى الجمادات والمخلوقات تحب نبيك صلى الله عليه وسلم وتقر بنبوته وفضله صلى الله عليه وسلم.
كم تزداد محبة المسلم لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو يعيش معه في طفولته وصباه، وهو يعيش معه وجبريل عليه السلام يحتضنه في غار حراء.
كم تزداد محبة المسلم لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو يراه يضحى بوقته وحياته وأمواله من أجل أن يصل إليه هذا الدين نقيًا، كم اضطهده المشركون، كم عذبه الكافرون، أفلا نحبه؟.
عذراً رسولَ الله لم يعرفوا قـدرَك ** حيـن نـادَوا باسمِك وشوهوا رسمَــكْ
هم لم يفعلوا ما فعـلوا إلا بجهـلٍ ** ولـو عـلموا الحقيقــةَ لقبّلوا قدمَـــكْ
لو علمــوا أنّك المصباحُ المنـيرُ ** لمــا قبلـوا الاستضـاءةَ إلا بضوئـك
لقد وبخ الله عز وجل المشركين لأنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعرفون أخلاقه وصدقه، فقال تعالي: (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) [المؤمنون:69].
يقول البغوي في تفسيره: "(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) محمدًا صلى الله عليه وسلم، (فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) قال ابن عباس: أليس قد عرفوا محمدا صلى الله عليه وسلم صغيرا وكبيرا، وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته ووفاءه بالعهود، وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعدما عرفوه بالصدق والأمانة" .
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف بأخلاقه وأمانته قبل بعثته، وبعد البعثة عضده الله بالمعجزات الباهرة والآيات الدالة على صدقه ونبوته صلى الله عليه وسلم، فمن عرفه بحق وصدق أمن به وأحبه صلى الله عليه وسلم.
إننا في هذا البحث لا نسعى إلا إن نقدم نبذة بسيطة في التعريف برسول الله صلى الله عليه وسلم وبدلائل نبوته وأمارات صدقه وبعثته، وإننا لنعلم أن هذه الدلائل والأمارات كفيلة بترسيخ محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب كل مسلم.
غير أننا نوجه هذا الكتاب أيضًا لغير المسلم فسوف يرى فيه من البشارات التي تحويها الكتب السابقة (التوراة والإنجيل) ما لا يدع مجالاً للشك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النبي الخاتم الذي كان ينتظره بنو إسرائيل كما كانوا ينتظرون المسيح عليه السلام، ومن قرأ بإنصاف وألق عنه تدليس السفهاء وشبهات الغوغاء لأمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبه.
أولاً: البشارات الواضحات من الكتب السابقات:
من أعظم دلائل نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، تبشير الأنبياء السابقين به صلى الله عليه وسلم، ورغم أن البشارات في هذا الشأن تبلغ العشرات بل المئات إلا إن اكتفينا بأمثلة لها قليل، وذلك أنه إذا صحت بشارة واحدة وصدقت دلالتها فإنها كافية بل لازمة للإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، لهذا لم نرد الاستزادة من البشارات بل اكتفينا بتوضيح الأمثلة المختارة.
يتبع:
مدخل إلى البشارات ..
Bookmarks