النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (6)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    476
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (6)

    المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم(6)




    (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ)


    إعداد/ وليد نور




    البشارات برسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنجيل:

    1- الفارقليط أو المعزي:

    ومن البشارات الواضحة لولا عمى القلوب ما جاء في إنجيل يوحنا (14:16-17) على لسان المسيح عليه السلام:"أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم ".

    وجاء في إنجيل يوحنا (14: 25-26): "بهذا كلمتكم وأنا عندكم وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم".

    وفي إنجيل يوحنا (15: 26-27): "ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء".

    وفي يوحنا (16: 7- 11): "لكني أقول لكم الحق، إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضا وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دِين إن لي أمورًا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم".

    إن هذا النص من أهم البشارات برسول الله صلى الله عليه وسلم ولولا ما أصابه من تحريف لرأينا اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحًا فيه كما قال تعالي: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف:6].

    وحتى ندرس هذا النص، فيجب أن نعرف من هو المعزي القادم، أو البارقليط كما في النص الأصلي وليس المعزي كما جاء في الترجمة العربية لهذا النص، ".. يرى النصارى بأن الآتي هو روح القدس الذي نزل على التلاميذ يوم الخمسين ليعزيهم في فقدهم للسيد المسيح، وهناك "صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة، وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا » أعمال الرسل 2/1 - 4.

    ولا تذكر أسفار العهد الجديد شيئاً - سوى ما سبق - عن هذا الذي حصل يوم الخمسين من قيامة المسيح.

    يقول الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل يوحنا: « البارقليط هو روح الله القدوس نفسه المعزي، البارقليط: المعزي » الروح القدس الذي يرسله الأب باسمي "يوحنا 14/26" ، وهو الذي نزل عليهم يوم الخمسين أعمال 2/1 - 4 فامتلأوا به وخرجوا للتبشير، وهو مع الكنيسة وفي المؤمنين، وهو هبة ملازمة للإيمان والعماد ».

    أما المسلمون فيعتقدون أن ما جاء في يوحنا عن المعزي، إنما هو بشارة المسيح بنبينا صلى الله عليه وسلم وذلك يظهر من أمور:

    1- منها لفظة «المعزي» لفظة حديثة استبدلتها التراجم الجديدة للعهد الجديد، فيما كانت التراجم العربية القديمة 1820م، 1831م، 1844م تضع الكلمة اليونانية «البارقليط» كما هي، وهو ما تصنعه كثير من التراجم العالمية.

    2- وفي تفسير كلمة «بارقليط» اليوناني نقول: إن هذا اللفظ اليوناني الأصل، لا يخلو من أحد حالين، الأول أنه «باراكلي توس» . فيكون بمعنى: المعزي والمعين والوكيل.

    والثاني أنه « بيروكلوتوس » ، فيكون قريباً من معنى: محمد وأحمد.

    ويقول أسقف بني سويف الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل يوحنا « إن لفظ بارقليط إذا حرف نطقه قليلاً يصير (بيركليت)، ومعناه: الحمد أو الشكر، وهو قريب من لفظ أحمد ».

    ويسأل عبد الوهاب النجار الدكتور كارلو نيلنو – الحاصل على الدكتوراه في آداب اليهود اليونانية القديمة- عن معنى كلمة «بيركلوتس» فيقول: «الذي له حمد كثير».

    ومما يؤكد خطأ الترجمة أن اللفظة اليونانية «بيركلوتس» اسم لا صفة، فقد كان من عادة اليونان زيادة السين في آخر الأسماء، وهو ما لا يصنعونه في الصفات.

    ويرى عبد الأحد داود أن تفسير الكنيسة للبارقليط بأنه « شخص يدعى للمساعدة أو شفيع أو محام أو وسيط » غير صحيح، فإن كلمة بارقليط اليونانية لا تفيد أياً من هذه المعاني، فالمعزي في اليونانية يدعى «باركالوف أو باريجوريس» ، والمحامي تعريب للفظة «سانجرس»، وأما الوسيط أو الشفيع فتستعمل له لفظة « ميديتيا » ، وعليه فعزوف الكنيسة عن معنى الحمد إلى أي من هذه المعاني إنما هو نوع من التحريف. يقول الدكتور سميسون كما في كتاب «الروح القدس أو قوة في الأعالي»: «الاسم المعزي ليس ترجمة دقيقة جداً».

    ومما سبق يتضح أن ثمة خلافاً بين المسلمين والنصارى في الأصل اليوناني لكلمة « بارقليط » حيث يعتقد المسلمون أن أصلها « بيركلوتوس » وأن ثمة تحريفاً قام به النصارى لإخفاء دلالة الكلمة على اسم النبي صلى الله عليه وسلم أحمد: الذي له حمد كثير.

    ومثل هذا التحريف لا يستغرب وقوعه في كتب القوم، ففيها من الطوام مما يجعل تحريف كلمة «البيرقليط» من السهل الهين.

    كما أن وقوع التصحيف والتغير في الأسماء كثير عند الترجمة بين اللغات وفي الطبعات، فاسم «بارباس» في الترجمة البروتستانتية هو في نسخة الكاثوليك «بارابا»، وكذا «المسيا، ماشيح» و «شيلون، شيلوه» وسوى ذلك، وكلمة «البارقليط» مترجمة عن السريانية لغة المسيح الأصلية فلا يبعد أن يقع مثل هذا التحوير حين الترجمة.

    ولجلاء التحريف في هذه الفقرة فإن أدوين جونس في كتابه « نشأة الديانة المسيحية » يعترف بأن معنى البارقليط: محمد، لكنه يطمس اعترافه بكذبة لا تنطلي على أهل العلم والتحقيق، فيقول بأن المسيحيين أدخلوا هذا الاسم في إنجيل يوحنا جهلاً منهم بعد ظهور الإسلام وتأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين.

    وأياً كان المعنى للبارقليط: أحمد أو المعزي فإن الأوصاف والمقدمات التي ذكرها المسيح للبارقليط تمنع أن يكون المقصود به روح القدس، وتؤكد أنه كائن بشري يعطيه الله النبوة، وذلك واضح من خلال التأمل في نصوص يوحنا عن البارقليط.

    - استعمل يوحنا في حديثه عن البارقليط أفعالاً حسية (الكلام، والسمع، والتوبيخ) في قوله:"كل ما يسمع يتكلم به"، وهذه الصفات لا تنطبق على الألسنة النارية التي هبت على التلاميذ يوم الخمسين، إذ لم ينقل أن الألسنة النارية تكلمت يومذاك بشيء، وأما الروح فغاية ما يصنعه إنما هو الإلهام القلبي، وأما الكلام فهو صفة بشرية، لا روحية.

    - فهم أوائل النصارى قول يوحنا بأنه بشارة بكائن بشري، وادعى مونتنوس في القرن الثاني (187م) أنه البارقليط القادم، ومثله صنع ماني في القرن الرابع فادعى أنه البارقليط، وتشبه بالمسيح فاختار اثنا عشر تلميذاً وسبعون أسقفاً أرسلهم إلى بلاد المشرق، ولو كان فهمهم للبارقليط أنه الأقنوم الثالث لما تجرءوا على هذه الدعوى.

    - "إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي"؛ ومن صفات الآتي أنه يجيء بعد ذهاب المسيح من الدنيا، فالمسيح وذلك الرسول المعزي لا يجتمعان في الدنيا، وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن المعزى لا يمكن أن يكون الروح القدس الذي أيد المسيح طيلة حياته، بينما المعزي لا يأتي الدنيا والمسيح فيها، وروح القدس سابق في الوجود على المسيح، وموجود في التلاميذ من قبل ذهاب المسيح، فقد كان شاهداً عند خلق السماوات والأرض (انظر سفر التكوين 1/2)، وكان مع بني إسرائيل طويلاً "أين الذي جعل في وسطهم روح قدسه" (سفر إشعيا 63/11).

    وكان لروح القدس دور في ولادة عيسى، كما اجتمعا سوياً يوم تعميد المسيح، حين "نزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة" (لوقا 3/22)، فالروح القدس موجود مع المسيح وقبله، وأما المعزي "إن لم أنطلق لا يأتيكم"، فهو ليس الروح القدس، والقادم المنتظر سيد هذا العالم لم يأت بعد، ففي الرهبانية اليسوعية:"لأن سيد هذا العالم آت، وليس له يد علي".

    - ما يدل على بشرية الروح القدس أنه من نفس نوع المسيح، والمسيح كان بشراً، وهو يقول عنه: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر"، وهنا يستخدم النص اليوناني كلمة (allon) وهي تستخدم للدلالة على الآخر من نفس النوع، فيما تستخدم كلمة (hetenos) للدلالة على آخر من نوع مغاير، وإذا قلنا إن المقصود من ذلك رسول آخر أصبح كلامنا معقولاً، ونفتقد هذه المعقولية إذا قلنا: إن المقصود هو روح القدس الآخر، لأن روح القدس واحد وغير متعدد.

    - كما أن الآتي عرضة للتكذيب من قبل اليهود والتلاميذ، لذا فإن المسيح يكثر من الوصية بالإيمان به وأتباعه، فيقول لهم: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي"، ويقول:"قلت لكم قبل أن يكون، حتى إذا كان تؤمنوا"، ويؤكد على صدقه فيقول: "لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به"، وهذه الوصاة لا معنى لها إن كان الآتي هو الروح القدس، حيث نزل على شكل ألسنة نارية، فكان أثرها في نفوسهم معرفتهم للغات مختلفة، فمثل هذا لا يحتاج إلى وصية للإيمان به والتأكيد على صدقه، لأنه يقوم في القلب من غير حاجة لرده أو قدرة على تكذيبه.

    - كما أن الروح القدس أحد أطراف الثالوث، وينبغي وفق عقيدة النصارى أن يكون التلاميذ مؤمنين به، فلم أوصاهم بالإيمان به؟.

    - وروح القدس وفق كلام النصارى إله مساو للآب في ألوهيته، وعليه فهو يقدر أن يتكلم من عند نفسه، وروح الحق الآتي "لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به".

    - ودل نص يوحنا على تأخر زمن إتيان البارقليط، فقد قال المسيح لهم: "إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق"، فثمة أمور يخبر بها هذا النبي لا يستطيع التلاميذ إدراكها، لأن البشرية لم تصل لحالة الرشد التام في فهم هذا الدين الكامل الذي يشمل مناحي الحياة المختلفة، ومن غير المعقول أن تكون إدراكات التلاميذ قد اختلفت خلال عشرة أيام من صعود المسيح إلى السماء، وليس في النصوص ما يدل على مثل هذا التغيير.

    - بل إن النصارى ينقلون عنهم أنهم بعد نزول الروح عليهم قد أسقطوا كثيراً من أحكام الشريعة وأحلوا المحرمات، فسقوط الأحكام عندهم أهون من زيادة ما كانوا ليحتملوها أو يطيقوها زمن المسيح، فالبارقليط يأتي بشريعة ذات أحكام تثقل على المكلفين الضعفاء.

    كما أن المسيح أخبر أنه قبل أن يأتي البارقليط ستقع أحداث هامة وبارزة "سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله"، وهذا الأمر إنما حصل بعد الخمسين، بل بعد قرون من رفع المسيح، فالنص لا يتحدث عن اضطهاد الرومان أو اليهود لأتباع المسيح، وإنما يتحدث عن اضطهاد رجالات الكنيسة لأتباع المسيح الموحدين، وهم - أي رجال الكهنوت - يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعاً، ويقدمون خدمة لله ودينه، فقررت مجامعهم طرد آريوس والموحدين، وأخرجوهم من المجامع الكنسية، وحكموا عليهم بالحرمان والاضطهاد، واستمر الاضطهاد بأتباع المسيح حتى ندر الموحدون قبيل ظهور الإسلام.

    وذكر يوحنا أن المسيح خبّر تلاميذه بأوصاف البارقليط، والتي لم تتمثل بالروح القدس الحال على التلاميذ يوم الخمسين، فهو شاهد تضاف شهادته إلى شهادة التلاميذ في المسيح " فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً"، فأين شهد الروح القدس للمسيح؟ وبم شهد؟، بينما نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد للمسيح عليه السلام بالبراءة من الكفر وادعاء الألوهية والبنوة لله، كما شهد ببراءة أمه مما رماها به اليهود.

    وأخبر المسيح عن تمجيد الآتي له، فقال: "ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" ولم يمجد المسـيح أحد ظهر بعده كما مجده نبي الإسلام، فقد أثنى عليه، وبيّن فضله على سائر العالمين، في حين أنه لم ينقل لنا أي من أسفار العهد الجديد أن روح القدس أثنى على المسيح أو مجده يوم الخمسين، حين نزل على شكل ألسنة نارية.

    وأخبر المسيح أن البارقليط يمكث إلى الأبد، أي دينه وشريعته، بينا نجد أن ما أعطيه التلاميذ من قدرات يوم الخمسين - إن صح - اختفت بوفاتهم، ولم ينقل مثله عن رجالات الكنيسة بعدهم ، وأما رسولنا صلى الله عليه وسلم فيمكث إلى الأبد بهديه ورسالته، إذ لا نبي بعده ولا رسالة.

    كما أن البارقليط "يذكركم بكل ما قلته لكم" وليس من حاجة بعد رفع عيسي عليه السلام بعشرة أيام إلى مثل هذا التذكير، ولم ينقل العهد الجديد أن روح القدس ذكرهم بشيء، بل إنا نجد كتاباتهم ورسائلهم فيها ما يدل على تقادم الزمن ونسيان الكاتب لبعض التفاصيل التي يذكرها غيره، بينما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما غفلت عنه البشرية من أوامر الله التي أنزلها على أنبيائه ومنهم المسيح عليه السلام.

    والمعزي له مهمات لم يقم بها الروح القدس يوم الخمسين فهو "متى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة"، ولم يوبخ الروح القدس أحداً يوم الخمسين، بل هذا هو صنيع رسول الله مع البشرية الكافرة.

    ويرى عبد الأحد داود أن التوبيخ على البر قد فسره المسيح بقوله بعده: "وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني"، ومعناه أنه سيوبخ القائلين بصلبه، المنكرين لنجاته من كيد أعدائه، وقد أخبرهم أنه سيطلبونه ولن يجدوه، لأنه سيصعد إلى السماء، "يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد، ستطلبونني، وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، أقول لكم أنتم الآن" (يوحنا 13/32).

    كما سيوبخ النبي الآتي الشيطان ويدينه بما يبثه من هدي ووحي "وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين".

    وصفة التوبيخ لا تناسب من سمي بالمعزي، وقيل بأنه جاء إلى التلاميذ يعزيهم بفقد سيدهم ونبيهم، ثم العزاء إنما يكون في المصائب، والمسيح كان يبشرهم بذهابه ومجيء الآتي بعده.

    كما أن العزاء إنما يكون حين المصيبة وبعدها بقليل، وليس بعد عشرة أيام (موعد نزول الروح القدس على التلاميذ)، ثم لماذا لم يقدم المعزي القادم العزاء لأم المسيح، فقد كانت أولى به.

    ثم لا يجوز للنصارى أن يعتبروا قتل المسيح على الصليب مصيبة تستوجب العزاء، إذ هو برأيهم سبب الخلاص والسعادة الأبدية للبشرية، فوقوعه فرحة ما بعدها فرحة، وإصرار النصارى على أن التلاميذ احتاجوا لعزاء الروح القدس يبطل عقيدة الفداء والخلاص.

    ومن استعراض ما سبق ثبت بأن روح القدس ليس هو البارقليط، فكل صفات البارقليط صفات لنبي يأتي بعد عيسى، وهو النبي الذي بشر به موسى عليه السلام، فالبارقليط "لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به"، وكذا الذي بشر به موسى "أجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به "، وهو وصف النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم: 3 -5].

    بل كل ما ذكر عن البارقليط له شواهد في القرآن والسنة تقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو صاحب هذه النبوءة، إذ هو الشاهد للمسيح، وهو المخبر بالغيوب، الذي لا نبي بعده، وقد ارتضى الله دينه إلى قيام الساعة ديناً" .

    البشارة الثانية من إنجيل متي:

    ومن البشارات كذلك ما جاء في إنجيل متى (20: 1-16 ): (فإن ملكوت السماواتِ يشبه رجلاً رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكَرْمِه، فاتَّفَقَ مع الفعلة على دينارٍ في اليوم، وأرسلهم إلى كرمه، ثم خرج نحو الساعةِ الثالثة ورأى آخرين قياماً في السوقِ بطالينَ، فقال لهم: اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فأعطيكُم ما يحقُّ لكم، فمضوا، وخرج أيضاً نحوَ الساعة السادسة والتاسعة وفعل ذلك، ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرجَ ووجدَ آخرين قياماً بطالين، فقال لهم: لماذا وقفتم ههنا كلَّ النهار بطالين؟ قالوا له: لأنه لم يستأجِرْنا أحدٌ، قال: اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فتأخذوا ما يحقُّ لكم، فلما كان المساءُ قال صاحبُ الكرم لوكيلِه: ادع الفعلة وأعطِهِم الأجرةَ مبتدئاً من الآخرينَ إلى الأولينَ، فجاء أصحابُ الساعةِ الحاديةَ عشرةَ وأخذوا ديناراً ديناراً، فلما جاء الأولون ظنوا أنهم يأخذون أكثرَ فأخذوا هم أيضاً ديناراً ديناراً، وفيما هم يأخذون، تذمّروا على ربِّ البيتِ قائلين: هؤلاءِ الآخرون عملوا ساعةً واحدةً وقد ساويتَهم بنا نحن الذين احتملنا ثقلَ النهارِ والحر، فأجاب وقال لواحدٍ منهم: يا صاحب ما ظلمتك! أما اتفقت معي على دينار؟ فخذ الذي لكَ واذهبْ، فإني أريدُ أن أعطيَ هذا الأخيرَ مثلَك، أوَ ما يحلُّ لي أن أفعلَ ما أريدُ بمالي؟ أم عينُك شريرةٌ لأني أنا صالحٌ؟ هكذا يكونُ الآخرون أولين والأولون آخرين ، لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون).

    ولن نطيل في دراسة هذا النص، بل نكتفي بمقارنته بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُكم ومثلُ أهلِ الكتابَيْنِ كمثلِ رجلٍ استأجَرَ أُجراءَ فقال: من يعمل لي من غدوةٍ إلى نصفِ النهارِ على قيراطٍ؟ فعمِلَتْ اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصفِ النهارِ إلى صلاةِ العصرِ على قيراطٍ؟، فعملت النصارى، ثم قال: من يعملْ لي من العصرِ إلى أن تغيبَ الشمسِ على قيراطينِ؟ فأنتم هم. فغضبتْ اليهودُ والنصارى فقالوا: ما لَنا أكثرُ عملاً وأقلُّ عطاءً؟ قال: هل نقصتكم من حقِّكم؟ قالوا: لا . قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء ".

    وليس هناك أمةٌ بعدَ اليهودِ والنصارى غيرَ أمَّتِهِ صلى الله عليه وسلم، وليس هناك أمةٌ كانت بطّالةً لم تُستَعْمِلْ غيرَ أمةِ العرَبِ، فإنهم ما أُرسِلَ لهم رسولٌ من عهدِ أبيهم إسماعيلَ عليه السلام الذي هو أصلُ العربِ المستعرِبة، فهذا النص ينطبق بكل وضوح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته وكان اليهود يعلمون ذلك إلا إن الكبر منعهم من قول الحق والإيمان به.

    فهذه ثمان بشارات ست في العهد القديم واثنين في العهد الجديد نكتفي بها حتى لا يطول بحثنا، وإلا فإن البشارات برسول الله صلى الله عليه وسلم تبلغ العشرات برغم ما أصاب الكتب القديمة من تحريف وتزييف عمدًا أو بغير عمد، إلا إن ما أوردناه من بشارات لكافية للإيمان والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لمن صفا قلبه وأبصرت عيناه الحقيقة.

    يتبع ....
    اعتراف أهل الكتاب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

    المصدر:
    http://nosra.islammemo.cc/onenew.aspx?newid=2744
    {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    476
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اعتراف أهل الكتاب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    يقول تعالى في كتابه الكريم محتجًا على المكذبين برسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الشعراء:197].

    أولا: قبل مولده صلى الله عليه وسلم:


    لقد كان أهل الكتاب يعرفون صفة النبي صلى الله عليه وسلم، بل ويعلمون مخرجه وسيرته قبل أن يولد، وعاش بعضهم وهو ينتظر ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد حملت كتب التاريخ قصصًا كثيرة في هذا الشأن، نذكر منها ما يلي:

    1- روى أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة بسنده عن أبي سوية بن خليفة قال: سألت محمد بن عدي بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد فقلت: كيف سماك أبوك محمدا؟ فضحك، ثم قال: أخبرني أبي عدي بن ربيعة، قال: خرجت أنا وسفيان بن مجاشع، ويزيد بن عمر بن ربيعة، وأسامة بن مالك نريد ابن جفنة ، فلما قربنا منه نزلنا إلى شجرات وغدير، فقلنا: لو اغتسلنا وزهينا ثيابنا ههنا من قشف السفر، فجعلنا نتحدث، فأشرف علينا ديراني من قائم له، فقال: إني أسمع لغة قوم ليست بلغة أهل هذه البلاد، قلنا: نحن قوم من مضر، قال: من أي المضريين؟ قلنا: من خندف، قال: (إنه سيبعث وشيكا نبي منكم، فخذوا نصيبكم منه تسعدوا، قلنا: ما اسمه؟ قال: محمد، فأتينا ابن جفنة، فقضينا حاجتنا، ثم انصرفنا، فولد لكل رجل منا ابن فسماه محمدا، يدور على ذلك الاسم" .

    2- ومن ذلك أيضًا إخبار اليهود أهل المدينة بقرب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن إسحاق في السيرة بسنده عن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجالٍ من قومه، قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلام، مع رحمةِ الله تعالى وهُداه لنا، لما كنا نسمَعُ من رجالِ يهود وكنا أهلَ شركٍ أصحابَ أوثانٍ، وكانوا أهل كتاب، عندَهم علمٌ ليس لنا، وكانت لا تزالُ بيننا وبينهم شرورٌ، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرَهون، قالوا لنا: إنه قد تقاربَ زمانُ نبيٍّ يُبعَثُ الآن، نقتلُكم معه قتلَ عادٍ وإِرَمٍ فكنا كثيراً ما نسمع ذلك منهم فلما بعثَ الله رسولَه صلى الله عليه وسلم أجبناه فآمنّا به، وكفروا به. ففينا نزلَ هؤلاءِ الآياتِ من البقرة: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [البقرة: 89] .

    3- ومن ذلك أيضًا، ما رواه ابن إسحاق عن سلمة بن سلامة بن وقش - وكان من أصحابِ بدر - قال: كان لنا جارٌ من يهودٍ في بني عبدِ الأشهَلِ، قال: فخرج علينا يوماً من بيته حتى وقفَ على بني عبدِ الأشهل - قال سلمة: وأنا يومئذٍ من أحدثِ من فيه سناً، على بردةٍ لي، مضطجعٌ فيها بفناءِ أهلي - فذكرَ القيامةَ والبعثَ والحسابَ والميزانَ والجنةَ والنارَ، قال: فقال ذلك لقومٍ أهلِ شركٍ أصحابِ أوثانٍ، لا يرَوْنَ أن بعثاً كائنًا بعد الموتِ، فقالوا له: ويحكَ يا فلانُ أَوَ ترى هذا كائناً، أن الناسَ يُبعَثون بعدَ موتِهم، إلى دارٍ فيها جنةٌ ونارٌ يُجْزَونَ فيها بأعمالهم؟ قال: نعم، والذي يُحلَفُ به ولوَدَّ أن له بحظِّه من تلك النارِ أعظم تَنُّورٍ في الدارِ، يُحمونَه ثم يُدخِلونه إياه فيطينونه عليه، بأن ينجوَ من تلكَ النارِ غداً، فقالوا: ويحك يا فلان ! فما آيةُ ذلك؟ قال: نبيٌّ مبعوثٌ من نحوِ هذه البلادِ، وأشار بيده إلى مكةَ واليمنِ، فقالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظرَ إليَّ وأنا من أحدَثِهم سناً، فقال: إن يستَنْفِدْ هذا الغلامُ عمرَه يُدْرِكْه قال سلمة: فو الله ما ذهب الليلُ والنهارُ حتى بعثَ الله محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو حي بينَ أظهُرِنا، فآمنا به، وكفرَ به بغياً وحسداً قال: فقلْنا له: ويحكَ يا فلانُ، ألستَ الذي قلتَ لنا فيه ما قلتَ؟ قال: بلى، ولكن ليس به.

    4- ومن القصص العجيبة في هذا الشأن، قصة ابن الهيبان؛ فقد ذكر ابن إسحاق عن عاصم بن عمرَ بن قتادة عن شيخٍ من بني قريظةَ قال لي: هل تدري عمَّ كان إسلامُ ثعلبةَ بنِ سعية، وأُسيدِ بنِ سعية، وأسدِ بنِ عُبيد؟ - نفرٌ من بني هدل ، إخوة بني قريظة ، كانوا معهم في جاهليتِهم ، ثم كانوا سادتهم في الإسلام - قال: قلت: لا والله.

    قال: فإن رجلاً من يهود من أهلِ الشامِ يقال له: ابن الهيبان قدم علينا قُبَيل الإسلامِ بسنين فحلَّ بين أظهرِنا، لا والله، ما رأينا رجلاً قطُّ لا يصلي الخمسَ أفضلَ منه، فأقامَ عندنا، فكنا إذا قحطَ عنا المطرُ، قلنا له: اخرج يا ابن الهيبان فاستَسْقِ لنا، فيقول: لا والله، حتى تقدِّموا بين يديْ مخرَجِكم صدقةً، فيقولون له: كم؟ فيقول: صاعاً من تمرٍ أو مُدَّينِ من شعير فنُخرجها، ثم يخرج بنا إلى ظاهرِ حرَّتِنا، فيستسقي اللهَ لنا، فوالله ما يبرَحُ مجلسه حتى يمرَّ السحابُ ونُسْقى قد فعل ذلكَ غيرَ مرَّةٍ ولا مرتينِ ولا ثلاث.

    قال: ثم حضَرَتْه الوفاةُ عندنا، فلما عرفَ أنه ميتٌ، قال: يا معشرَ يهودَ، ما تَرَوْنَه أخرجني من أرضِ الخمرِ والخميرِ إلى أرضِ البؤسِ والجوعِ؟ قال: قلنا: إنك أعلمُ، قال: فإني إنما قدِمْتُ هذه البلدةَ، أتَوَكَّفُ خروجَ نبيٍّ قد أظلَّ زمانُه، وهذه البلدةُ مهاجرُه ، فكنت أرجو أن يُبعَثَ، فأتَّبِعُه، وقد أظلَّكم زمانُه، فلا تُسبَقَنَّ إليه يا معشرَ يهود، فإنه يُبعَثُ بسفكِ الدماءِ، وسَبْيِ الذراري والنساءِ ممن خالفَه، فلا يمنَعُكم ذلك منه، فلما بُعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وحاصرَ بني قريظة، قال هؤلاءِ الفتيةُ - وكانوا شباباً أحداثاً -: يا بني قُريظَةَ، والله إنه للنبيُّ الذي كان عَهِدَ إليكم فيه ابنُ الهيبان، قالوا: ليس به، قالوا: بلى والله إنه لهو بصفَتِه، فنزلوا وأسلَموا، وأحرَزُوا دماءَهم وأموالهَم وأهْليهم .

    فتلك أربع قصص لأشخاص متفرقين كانوا يعلمون بقرب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ينتظرونه، فمنهم من آمن به، ومنهم من منعهم الحسد والكبر عن الإيمان فخسر الدنيا والآخرة، نعوذ بالله من الخذلان .

    يتبع ....
    ثانيًا: من مولده صلى الله عليه وسلم وحتى بعثته ...

    المصدر :
    http://nosra.islammemo.cc/onenew.aspx?newid=2744
    {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    476
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ثانيًا: من مولده صلى الله عليه وسلم وحتى بعثته:

    ومن الوقائع التي تؤكد نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وقع بعد مولده من قصص مماثلة ذكرتها كتب السيرة، والتاريخ.

    1- من ذلك ما حدثَ ليلةَ مولِدِه، من طلوعِ نجمِه الذي يدُلُّ على ولادته صلى الله عليه وسلم، وبه عرفتْ اليهودُ أنه قد وُلِدَ.

    روى ابن إسحاق بسنده عن حسان بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: والله إني لغلامٌ يفعةٌ ، ابنُ سبعِ سنينَ أو ثمانٍ، أعقِلُ كلَّ ما سمعتُ، إذ سمعتُ يهودياً يصرُخُ بأعلى صوته: يا معشرَ يهود، حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلَكَ ، مالَكَ؟ قال: طلعَ نجمُ أحمدَ الذي وُلِدَ به.

    قال ابن إسحاق: فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقلت: ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة؟ فقال: ابن ستين، وقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين.

    2- كانت قصة حسان بن ثابت في المدينة حيث كثر اليهود انتظارًا لخروج النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يعرفون أنه سوف يهاجر إلى المدينة النبوية، أما في مكة المكرمة فقد وقعت حادثة مماثلة، روى البيهقي في دلائل النبوة بسنده عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كان يهوديٌّ قد سَكَنَ مكةَ، يتَّجِرُ بها، فلما كانتْ الليلةُ التي وُلِدَ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلسٍ من قريش: يا معشرَ قُريشٍ، هل وُلِدَ فيكم الليلةَ مولودٌ؟ فقال القوم: والله ما نعلمُه، قال: الله أكبر قال: إذ أخطَأَكم فلا بأسَ، انظروا واحفَظوا ما أقولُ لكم، وُلِدَ فيكم هذه الليلة نبيُّ هذه الأمةِ الأخيرةِ بين كَتِفَيْهِ علامةٌ ، فيها شعراتٌ متواتراتٌ كأنهنَّ عرفُ فَرَسٍ، لا يرضَعُ ليلتينِ، وذلك أن عِفريتاً من الجنِّ أَدْخَلَ إصبَعَه في فمه فمنعه الرضاعَ فتصدَّعَ القومُ من مجلِسهم، وهم يتعجَّبونَ من قولِه وحديثِه، فلما صاروا إلى منازِلهم، أخبَرَ كلُّ إنسانٍ منهم أهلَه، فقالوا: لقد وُلِدَ لعبدِ الله بنِ عبدِ المطلب غلامٌ سَمَّوه محمداً، فالتقى القومُ، فقالوا: هل سمعتُم حديثَ هذا اليهوديِّ؟ بلَغَكُم مولدُ هذا الغلامِ؟ فانطلقوا حتى جاءوا اليهوديَّ فأخبروه الخبرَ، قال: فاذهبوا معي حتى أنظرَ إليه، فخرجوا به حتى أدْخَلُوه على آمنةَ، فقال: أَخرِجي إلينا ابنَكِ، فأخْرَجَتْه، وكشَفوا له عن ظهرِه، فرأى تلك الشامةَ، فوقعَ اليهوديُّ مغْشِياً عليه، فلما أفاقَ، قالوا: ويلَكَ مالَكَ؟ قال: ذهبتْ واللهِ النبوةُ من بني إسرائيلَ، أَفَرِحْتُمْ به يا معشرَ قريش؟ أما والله ليَسْطُوَنَّ بكم سطوةً يخرج خبرُها من المشرقِ والمغربِ.

    وكان في النفرِ الذي قال لهم اليهوديُّ ما قال: هشامٌ ، والوليدُ ، ابنا المغيرة ، ومسافرُ بنُ أبي عمرو ، وعبيدةُ بنُ الحارث ، وعقبةُ بنُ ربيعة - شابٌ فوقَ المحتلم - في نفرٍ من بني عبدِ منافٍ وغيرُهم من قريش.

    3- ومن القصص ذات الشأن في هذا الأمر، قصة بحيرى الراهب وموقفه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رآه صغيرًا مع عمه أبي طالب في رحلته إلى الشام، قال ابن إسحاق: ثم إن أبا طالب خرج في ركب تاجرا إلى الشام، فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون - فرق له أبو طالب وقال والله لأخرجن به معي، ولا يفارقني، ولا أفارقه أبدا، أو كما قال.

    فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام، يقال له بحيرى في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانية ولم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيها فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر.

    فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام، فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة تظله من بين القوم.

    قال ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها.

    فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته ثم أرسل إليهم فقال إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، فأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وعبدكم وحركم فقال له رجل منهم والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم فما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنا نمر بك كثيرا، فما شأنك اليوم؟ قال له بحيرى: صدقت قد كان ما تقول ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما فتأكلوا منه كلكم، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة.

    فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده فقال يا معشر قريش، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي؛ قالوا له يا بحيرى، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سنا، فتخلف في رحالهم فقال لا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم.

    قال فقال رجل من قبحيرى: القوم واللات والعزى، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا، قام إليه بحيرى، فقال له: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسألني باللات والعزى، فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما، فقال له بحيرى: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه فقال له سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده، فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قال له بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا؛ قال: فإنه ابن أخي؛ قال فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به قال صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرًا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده.

    فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام؛ فزعموا فيما روى الناس أن زريرا وتماما ودريسا، وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب فأرادوه فردهم عنه بحيرى، وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه .

    فهذا حديث عظيم يظهر كيف أن أهل الكتاب يهود كانوا أو نصارى كانوا في ترقب وانتظار لخروج النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، منهم من كان ينتظر ليقتله وما كان له ذلك من سبيل، ومنهم من كان ينتظر ليؤمن به فيسعد في الدنيا والآخرة، وقد زعم بعض المستشرقين وأعداء الإسلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم من بحيرى الراهب في هذا اللقاء ما كان السبب فيما بعد في إعلانه النبوة، ورغم تهافت هذه الشبهة وسقوطها، إلا إننا ننقل هنا دحض باحث غربي لهذه الشبهة، ولقد بحث الكاتب الإنكليزي توماس كارليل قضية لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم ببحيرى الراهب، يقول توماس كارليل في كتابه الأبطال: (ولما شب محمد وترعرع، صار يصحب عمه في أسفار تجارية وما أشبه، وفي الثامنة عشر من عمره نراه فارساً مقاتلاً يتبع عمه في الحروب، غير أن أهم أسفاره ربما كان ذاك الذي حدث قبل هذا التاريخ ببضع سنين، رحلة إلى مشارف الشام، إذ وجد الفتى نفسه هنالك في عالم جديد إزاء مسألة أجنبية عظيمة الأهمية جداً في نظره ، أعنى الديانة المسيحية، وإني لست أدري ماذا أقول عن ذلك الراهب سرجياس (بحيرى) الذي يزعم أن أبا طالب ومحمداً سكنا معه في الدار، ولا ماذا عساه أن يتعلمه غلام في هذه السن الصغيرة من أي راهب ما، فإن محمداً لم يكن يتجاوز إذ ذاك الرابعة عشر، ولم يكن يعرف إلا لغته، ولا شك أن كثيراً من أحوال الشام ومشاهدها لم يك في نظره إلا خليطاً مشوشاً من أشياء ينكرها ولا يفهمها ".

    يتبع ....
    ثالثًا: بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ...

    المصدر:
    http://nosra.islammemo.cc/onenew.aspx?newid=2744
    {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    476
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ثالثًا: بعد بعثته صلى الله عليه وسلم:

    بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ووحي الله له، تكثر القصص والوقائع الدالة على تصديق أهل الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن بعضهم كان صادقًا مع نفسه فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقه وآمن به، بينما كان آخرون يطمس الحسد والبغي أعينهم عن رؤية الحق، ومن الوقائع في هذا الأمر، ما نذكره:

    1- قصة ورقة بن نوفل رضي الله عنه:

    هذا ورقة بن نوفل، وكان قد خرج لما كره عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسأل عن الدين، فأعجبه دين النصرانية فتنصر، وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل، وتعلم منهم، فلما قابل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء اللقاء الأول، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داره يقول "زملوني زملوني" من روعة اللقاء الأول، اقترحت عليه الزوجة الرؤوم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد أن يذهبا إلى ورقة بن نوفل فيعرضا عليه الأمر.

    روى البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة أم المؤمنين قالت: ".. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ.

    فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ.

    فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى.

    فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.

    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ.

    قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ.

    هذه هي قصة ورقة بن نوفل رضي الله عنه، ولعل من أعظم فوائدها الدليل على أن علماء أهل الكتاب كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون عناء وجهد في البحث حيث كانت علامات النبوة وأمارات الرسالة ظاهرة واضحة لمن كان على علم وتبصر في شأنه صلى الله عليه وسلم.

    2- إسلام عبد الله بن سلام:

    ومن هذه الوقائع إسلام عالم اليهود وابن عالمهم عبد الله بن سلام رضي الله عنه الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.

    كان عبد الله بن سلام من يهود المدينة الذين يعرفون صفة النبي المنتظر وينتظرون خروجه، ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة النبوية كان عبد الله بن سلام كان فوق نخلة له، فسمع رجة فقال: ما هذا؟، قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قدم، فألقى بنفسه من أعلى النخلة ثم خرج ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبحث عن علامات النبوة.

    يقول عبد الله بن سلام: فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول شيء سمعته يقوله: (أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).

    ثم رجع فقالت له أمه: لله أنت، لو كان موسى بن عمران عليه السلام ما كان بذلك تلقي نفسك من أعلى النخلة، فقال: والله لأنا أشد فرحا بقدوم رسول الله من موسى إذ بعث.

    وفي رواية ابن إسحاق: أنه قال لعمته خالدة: أي عمة، هو والله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه، بعث بما بعث به، فقالت: أي ابن أخي! أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نَفَس الساعة؟ فقلت لها: نعم .

    ثم توجه ابن سلام بعد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأله عن أمور يعلم أنه لا يعرفها إلا نبي، روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ قَالَ مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ.

    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ.

    قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ.

    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا.


    قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ، فَجَاءَتْ الْيَهُودُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَيْتَ.

    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ.

    قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا.

    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ.

    قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: مِثْلَ ذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا ما كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

    وفي رواية: فَخَرَجَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ فَوَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ.



    3- إسلام سلمان الفارسي:

    ومن القصص العجيبة في هذا الشأن، قصة إسلام الصحابي الجليل سلمان الفارسي.

    قال عبد الله بن عباس: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا جَيٌّ وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ أَيْ مُلَازِمَ النَّارِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ وَأَجْهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا لَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً، قَالَ وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا.

    فَقَالَ لِي يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ.

    قَالَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ وَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا فَقُلْتُ لَهُمْ أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ قَالُوا بِالشَّامِ قَالَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ.

    قَالَ فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ أَيْ بُنَيَّ أَيْنَ كُنْتَ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ.

    قَالَ قُلْتُ يَا أَبَتِ مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ فَوَاللَّهِ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ.

    قَالَ: أَيْ بُنَيَّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ.

    قَالَ: قُلْتُ كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا قَالَ فَخَافَنِي فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ.

    قَالَ وَبَعَثَتْ إِلَيَّ النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ.

    قَالَ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى قَالَ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ.

    قَالَ فَقُلْتُ لَهُمْ إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ.

    قَالَ فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ قَالُوا الْأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ.

    قَالَ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ قَالَ فَادْخُلْ فَدَخَلْتُ مَعَهُ.

    قَالَ فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاءَ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ، قَالَ وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ.

    فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا.

    قَالُوا وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ.

    قَالَ قُلْتُ أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ قَالُوا فَدُلَّنَا عَلَيْهِ قَالَ فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ قَالَ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا قَالَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا وَاللَّهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ.

    قَالَ يَقُولُ سَلْمَانُ فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلَا أَرْغَبُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا أَدْأَبُ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ، قَالَ فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ وَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ.

    فَقُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي.

    قَالَ أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلَانٌ فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ بِهِ.

    قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ فَقُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ.

    قَالَ فَقَالَ لِي أَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ.

    قُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا تَرَى فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي.

    قَالَ أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلَّا بِنَصِيبِينَ وَهُوَ فُلَانٌ فَالْحَقْ بِهِ.

    وَقَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ فَجِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي.

    قَالَ فَأَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَلَمَّا حَضَرَ.

    قُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي.

    قَالَ أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلَّا رَجُلًا بِعَمُّورِيَّةَ فَإِنَّهُ بِمِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا.

    قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي.

    فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ قَالَ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ قَالَ ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ فَلَمَّا حَضَرَ.

    قُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ فَأَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ وَأَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي.

    قَالَ أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ.

    قَالَ ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا فَقُلْتُ لَهُمْ تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ قَالُوا نَعَمْ فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا فَكُنْتُ عِنْدَهُ وَرَأَيْتُ النَّخْلَ وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي وَلَمْ يَحِقْ لِي فِي نَفْسِي فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي مِنْهُ فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي فَأَقَمْتُ بِهَا وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ.

    فَقَالَ فُلَانُ قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُمْ الْآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ.

    قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ حَتَّى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي قَالَ وَنَزَلْتُ عَنْ النَّخْلَةِ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ مَاذَا تَقُولُ مَاذَا تَقُولُ قَالَ فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ مَا لَكَ وَلِهَذَا أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ قَالَ قُلْتُ لَا شَيْءَ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَ عَمَّا.

    قَالَ وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالَ فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ.

    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ.

    قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ.

    فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا.

    قَالَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ اثْنَتَانِ.

    ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَالَ وَقَدْ تَبِعَ جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ لَهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَدَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي.

    قَالَ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي.

    فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَوَّلْ فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ.

    قَالَ فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرٌ وَأُحُدٌ.

    قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً.

    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ أَعِينُوا أَخَاكُمْ فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ الرَّجُلُ بِثَلَاثِينَ وَدِيَّةً وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ يَعْنِي الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلَاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ.

    فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعِي إِلَيْهَا فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الْمَغَازِي فَقَالَ مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ قَالَ فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ فَقُلْتُ وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ قَالَ خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ قَالَ فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ وَعُتِقْتُ فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ.


    4- مخيريق خير يهود:

    وهذا يهودي آخر كاد أن تضله نفسه عن طريق الحق إلا إنه أفاق وذكر قومه من أهل الكتاب بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الواردة في التوراة، إنه مخيريق خير يهود كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ذكر ابن هشام في السيرة النبوية عن ابن إسحاق قال: كان من حديث مخيريق، وكان حبرا عالما، وكان رجلا غنيا كثير الأموال من النخل وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد في علمه وغلب عليه إلف دينه فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم أحد يوم السبت من شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، فقال: يا معشر يهود ! والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق.

    قالوا: إن اليوم يوم السبت.

    قال: لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه، فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد صلى الله عليه وسلم يصنع فيها ما شاء.

    فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مخيريق خير يهود).

    5- أجدك مثلك ومثل هيأتك:

    ومن ذلك ما رواه الطبراني في المعجم الكبير عن الفَلْتَانِ بن عَاصِمٍ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَشَخَصَ بَصَرُهُ إِلَى رَجُلٍ يَمْشِي فِي الْمَسْجِدِ.

    فَقَالَ:"يَا فُلانُ"، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَلا يُنَازِعُهُ الْكَلامَ إِلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.

    فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟".

    قَالَ: لا، قَالَ:"أَتَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟"، قَالَ: نَعَمْ، وَالإِنْجِيلَ، قَالَ:"وَالْقُرْآنَ؟".

    قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَشَاءُ لَقَرَأْتُهُ، قَالَ: ثُمَّ نَاشَدَهُ.

    قَالَ:"تَجِدُنِي فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ؟".

    قَالَ: أَجِدُكَ مِثْلَكَ وَمِثْلَ هَيْأَتِكَ وَمِثْلَ مَخْرَجِكَ، وَكُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ مِنَّا، فَلَمَّا خَرَجْتَ تَحَيَّرْنَا أَنْ تَكُونَ أَنْتَ هُوَ فَنَظَرْنَا وَإِذَا لَيْسَ أَنْتَ هُوَ.

    قَالَ:"وَلِمَ ذَلِكَ؟".

    قَالَ: إِنَّ مَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ، وَمَعَكَ نَفَرٌ يَسِيرٌ.

    قَالَ:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنَا هُوَ وَإِنَّهُمْ لأُمَّتِي لأَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ أَلْفً .

    6- إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك:

    ومن الأخبار المماثلة للخبر السابق، ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي صخر العقيلي قال حدثني رجل من الأعراب، قال: جَلَبْتُ جَلُوبَةً إِلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ بَيْعَتِي، قُلْتُ لَأَلْقَيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَلَأَسْمَعَنَّ مِنْهُ، قَالَ فَتَلَقَّانِي بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ فَتَبِعْتُهُمْ فِي أَقْفَائِهِمْ حَتَّى أَتَوْا عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ نَاشِرًا التَّوْرَاةَ يَقْرَؤُهَا يُعَزِّي بِهَا نَفْسَهُ عَلَى ابْنٍ لَهُ فِي الْمَوْتِ كَأَحْسَنِ الْفِتْيَانِ وَأَجْمَلِهِ.

    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ هَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِكَ ذَا صِفَتِي وَمَخْرَجِي.

    فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا أَيْ لَا.

    فَقَالَ ابْنُهُ إِنِّي وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا صِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.

    فَقَالَ أَقِيمُوا الْيَهُودَ عَنْ أَخِيكُمْ ثُمَّ وَلِيَ كَفَنَهُ وَحَنَّطَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ.

    7- أطع أبا القاسم:

    وإذا كان هذا الأب لم يهزه منظر ابنه المحتضر ليدفعه إلى الإسلام والإيمان، فإن يهوديًا آخر نصح ابنه نصيحة ليته عمل بها، روى البخاري في صحيحه عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ.

    وفي الحديث من دلائل نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقين اليهود ببعثة ونبوته صلى الله عليه وسلم، غير أن من أعظم الدلائل التي دل عليها هذا الحديث رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصه على هداية الناس وقد بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك جهده ووقته وحياته وهو ما لا يقوم به إلا خاتم النبيين الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم.

    كما أن فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بهداية هذا الصبي الصغير المقبل على الموت دليل آخر على عظمة هذا النبي الكريم، فما يستفيده رسول الله صلى الله عليه وسلم من صبي صغير مقبل على الموت إلا هداية هذا الصبي إلى طريق الحق.

    8- سيدا بني النضير:

    أما من الأخبار العجيبة التي تؤكد معرفة أهل الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبنائهم وجحدهم لنبوته صلى الله عليه وسلم رغم الدلائل الباهرة والأمارات الظاهرة، فهو قصة سيدا بني النضير "حيي بن أخطب"، وأخوه "أبو ياسر"، تروى لنا هذا الخبر أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها بعد إسلامها؛ جاء في كتب السير عن أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها قالت: كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه.

    فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ونزل قباء في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى ، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغم.

    قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟، قال: نعم، والله.

    قال: أتعرفه، وتثبّتَّه؟.

    قال: نعم.

    قال:فما في نفسك منه؟ قال:عداوته والله!! .

    9- نصارى نجران والطمع في الدنيا:

    ومن أخبار الضلال عن الحق بسبب الطمع في الدنيا والحرص على المكانة، قصة وفد نجران مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يعرفون نبوته ويقرون برسالته، فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إليهم يدعوهم فيه إلى الإسلام، فلما قرأ الأسقف الكتاب فزع به وذعر ذعراً شديدا، ثم دعا أهل الرأي في نجران فأطلعهم على الكتاب، وتشاوروا فيه، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا وفداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاختاروا ستين راكبا، منهم أربعة عشر من أشرافهم، يتزعمهم ثلاثة منهم، وهم: العاقب، وكان أمين القوم، وذو رأيهم وصاحب مشورتهم، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره، واسمه عبد المسيح، والسيد، وكان عالمهم، وصاحب رحلهم ومجتمعهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل ، وكان أسقفهم وحبرهم ، وإمامهم وصاحب مراميهم.

    وكان أبو حارثة قد شرُف فيهم حتى حسن علمه في دينهم، وكانت ملوك الروم من النصرانية قد شرفوه وقبلوه وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من اجتهاده في دينهم، فلما توجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران، جلس أبو حارثة على بغلة له موجها إلى المدينة، وإلى جنبه أخ له يقال له:كرز بن علقمة يُسايره في الطريق، فعثرت بغلة أبي حارثة، فقال كرز: تعس الأبعد - يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال له أبو حارثة:بل أنت تعست!.

    فقال: ولم يا أخ؟.

    قال: والله إنه للنبي الذي كنا ننتظر!!.

    قال له كرز: وما يمنعك وأنت تعلم هذا أن تتبعه؟!!.

    قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم: شرفونا وأمرونا وأكرمونا، وقد أبوا إلا خلافه، ولو قد فعلت نزعوا منا كل ما ترى، فأضمر الإسلام أخوه كرز بن علقمة، وأسلم بعد ذلك.

    ولا ينتهي العجب من نصارى نجران عند هذا الموقف، فقد ذكر ابن إسحاق أن وفد نصارى نَجْران، لما قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة دخلوا عليه مَسْجِدَه حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرَات: جُبَب وأرْدية، يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعُوهم فصلّوا إلى المشرق.

    ثم دار بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حوار دعاهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وأقام عليهم الحجة وأزال الشبهة.

    فلما كلمه الحَبْران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسْلِمَا" قالا قد أسلمنا.

    قال: "إنَّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا فأسْلِما".

    قالا بلى، قد أسلمنا قبلك.

    قال: "كَذَبْتُمَا، يمْنَعُكُمَا مِنَ الإسْلامِ دُعَاؤكُما لله ولدا، وَعِبَادَتُكُمَا الصَّلِيبَ وأكْلُكُمَا الخِنزيرَ".

    قالا: فمن أبوه يا محمد؟ فَصَمَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يجبهما، فأنزل الله في ذلك من قولهم، واختلاف أمرهم، صَدْرَ سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله، والفَصْلُ من القضاء بينه وبينهم، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إنْ رَدّوا ذلك عليه، دعاهم إلى ذلك؛ فقالوا: يا أبا القاسم، دَعْنَا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه، فانصرفوا عنه، ثم خَلَوْا بالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا: يا عبدَ المسيح، ماذا ترى؟.

    فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرَفْتم أن محمدًا لنبيٌّ مرسل، ولقد جاءكم بالفَصْل من خَبَر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعَن قوم نبيًا قط فبقي كبيرهم، ولا نبت صَغيرهم، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعُوا الرجلَ وانصرفوا إلى بلادكم.

    فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا ألا نلاعنك، ونتركك على دينك، ونرجعَ على ديننا، ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضًا .

    10- النجاشي وعمرو بن العاص:

    ومن الأخبار الدالة على صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إسلام النجاشي ملك الحبشة، ودعوته إلى عمرو بن العاص.

    روى الإمام أحمد في مسنده عن عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنْ الْأَحْزَابِ عَنْ الْخَنْدَقِ جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَرَوْنَ مَكَانِي وَيَسْمَعُونَ مِنِّي فَقُلْتُ لَهُمْ تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوًّا كَبِيرًا مُنْكَرًا وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ.

    قَالُوا وَمَا رَأَيْتَ.

    قَالَ رَأَيْتُ أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ فَنَكُونَ عِنْدَهُ فَإِنْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنَّا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَإِنَّا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عُرِفَ فَلَنْ يَأْتِيَنَا مِنْهُمْ إِلَّا خَيْرٌ.

    فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الرَّأْيُ.

    قَالَ فَقُلْتُ لَهُمْ فَاجْمَعُوا لَهُ مَا نُهْدِي لَهُ وَكَانَ أَحَبَّ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمُ .

    فَجَمَعْنَا لَهُ أُدْمًا كَثِيرًا فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعِنْدَهُ إِذْ جَاءَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ.

    قَالَ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَسَأَلْتُهُ إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا حِينَ قَتَلْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ.

    قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَجَدْتُ لَهُ كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ.

    فَقَالَ مَرْحَبًا بِصَدِيقِي أَهْدَيْتَ لِي مِنْ بِلَادِكَ شَيْئًا.

    قَالَ قُلْتُ نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ قَدْ أَهْدَيْتُ لَكَ أُدْمًا كَثِيرًا.

    قَالَ ثُمَّ قَدَّمْتُهُ إِلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوٍّ لَنَا فَأَعْطِنِيهِ لِأَقْتُلَهُ فَإِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا.

    قَالَ فَغَضِبَ ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنْ قَدْ كَسَرَهُ فَلَوْ انْشَقَّتْ لِي الْأَرْضُ لَدَخَلْتُ فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ.

    ثُمَّ قُلْتُ أَيُّهَا الْمَلِكُ وَاللَّهِ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ.

    فَقَالَ لَهُ أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى لِتَقْتُلَهُ.

    قَالَ قُلْتُ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَكَذَاكَ هُوَ.

    فَقَالَ وَيْحَكَ يَا عَمْرُو أَطِعْنِي وَاتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَعَلَى الْحَقِّ وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ.

    قَالَ قُلْتُ فَبَايِعْنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ.

    قَالَ نَعَمْ فَبَسَطَ يَدَهُ وَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إِسْلَامِي ثُمَّ خَرَجْتُ عَامِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسْلِمَ فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ .

    فَقُلْتُ أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ.

    قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ أَذْهَبُ وَاللَّهِ أُسْلِمُ فَحَتَّى مَتَى.

    قَالَ قُلْتُ وَاللَّهِ مَا جِئْتُ إِلَّا لِأُسْلِمَ.

    قَالَ فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ ثُمَّ دَنَوْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَلَا أَذْكُرُ وَمَا تَأَخَّرَ.

    قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَمْرُو بَايِعْ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا قَالَ فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ .

    فهذا النجاشي كان ملكًا متوجًا على الحبشة ولم تمنعه الدنيا من الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علم صدقه رغم ما بينهما من مفاوز وبحار وجبال، إلا إن لقاء النجاشي مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما كان كفيلاً بأن يكون سببًا في هدايته، فرضي الله عنه وأرضاه .

    يتبع ...
    رابعًا: بعد وفاته ...

    المصدر:

    http://nosra.islammemo.cc/onenew.aspx?newid=2744
    {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    476
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    رابعًا: بعد وفاته:

    أما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الاعتراف بنبوة رسول الله يتمثل في إسلام مئات الآلاف من الناس سنويًا، بينهم قساوسة وأساتذة وعلماء، فإن لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادقًا ما أمن به هؤلاء وفيهم من حاز الشهادات الكبرى والمناصب الرفيعة، وإن لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله حقًا لم بقي دينه طوال هذه الفترة أكثر من أربعة عشر قرنًا وهو في تزايد مستمر رغم ما أصاب المسلمين من ضعف وهوان.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولهذا أخبرت الأنبياء المتقدمون أن المتنبئ الكذاب لا يدوم إلا مدة يسيرة وهذه من بعض حجج ملوك النصارى الذين يقال إنهم من ولد قيصر هذا أو غيرهم حيث رأى رجلا يسب النبي صلى الله عليه وسلم من رؤوس النصارى ويرميه بالكذب فجمع علماء النصارى وسألهم عن المتنبئ الكذاب كم تبقى نبوته فأخبروه بما عندهم من النقل عن الأنبياء إن الكذاب المفتري لا يبقى إلا كذا وكذا سنة لمدة قريبة إما ثلاثين سنة أو نحوها فقال لهم هذا دين محمد له أكثر من خمسمائة سنة أو ستمائة سنة وهو ظاهر مقبول متبوع فكيف يكون هذا كذابا ثم ضرب عنق ذلك الرجل" .

    فبقاء هذا الدين وازدهاره وتقدمه، دليل صدق وأمارة ظاهرة على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنكتفي هنا بذكر قصة أو قصتين تدلان على اعتراف أهل الكتاب من بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبوته وبعثته.



    1- إسلام الترجمان:

    من أعجب الأخبار في هذا الباب قصة الإمام أبي محمد عبد الله الترجمان الميورقي المتوفى سنة 832هـ، كان يدعى "انسلم تورميدا" وكان من أكبر قساوسة النصارى في وقته، بل كان مهيئا لأن يصبح البابا الأكبر، ثم أسلم عندما وقع على آية في الإنجيل تبشر بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم.

    وبعد إسلامه ألف الترجمان كتابه الشهير "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب"، وقسمه قسمين؛ القسم الأول: في ذكر قصة إسلامه، والثانية في الردود المفصلة على النصارى، ونختصر هنا قصة انتقاله إلى الإسلام التي أفاض في تفصيلها:

    قال: اعلموا رحمكم الله أن أصلي من مدينة ميورقة، وكان والدي محسوبا من أهل حاضرة ميورقة، ولم يكن له ولد غيري، ولما بلغت ست سنين من عمري أسلمني إلى معلم من القسيسين، قرأت عليه الإنجيل حتى حفظت أكثره في مدة سنتين، ثم أخذت في تعلم لغة الإنجيل وعمل المنطق في ست سنوات، ثم ارتحلت من بلدي إلى مدينة لاردة من أرض القسطلان، وهي مدينة العلم عند النصارى في ذلك القطر، ويجتمع فيها طلبة العلم من النصارى، وينتهون إلى ألف وخمسمائة ولا يحكم فيهم إلا القسيس الذي يقرؤون عليه، فقرأت فيها علم الطبيعيات والنجامة مدة ست سنين، ثم تصدرت فيها أقرأ الإنجيل ولغته ملازما ذلك مدة أربع سنين، ثم ارتحلت إلى مدينة بلونية من أرض الأنبردية، وهي مدينة كبيرة جدا، وهي مدينة علم ويجتمع بها كل عام من الآفاق أزيد من ألفي رجل يطلبون العلوم، ولا يلبسون إلا الملف (الذي هو صباغ الله)، فسكنت في كنيسة لقسيس كبير السن عندهم كبير القدر اسمه: (نقلاو مرتيل)، وكانت منزلته فيهم في العلم والدين والزهد رفيعة جدا، انفرد بها في زمنه عن جميع أهل دين النصرانية، فكانت الأسئلة في دينهم تَرد عليه من الآفاق من جهة الملوك وغيرهم، ويصحب الأسئلة من الهدايا الضخمة ما هو الغاية في بابه، ويرغبون في التبرك به، وفي قبوله لهداياهم، ويتشرفون بذلك.

    فقرأت على هذا القسيس علم أصول النصرانية وأحكامه، ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بكثير من وظائفه حتى صيرني من أخص خواصه، وانتهيت في خدمتي له وتقربي إليه إلى أن دفع إلىَّ مفاتيح مسكنه وخزائن مأكله ومشربه، وصير جميع ذلك على يدي، ولم يستثن من ذلك سوى مفتاح بيت صغير بداخل مسكنه كان يخلو فيه بنفسه، والظاهر أنه بيت خزانة أمواله التي كانت تهدى إليه، والله أعلم.

    فلازمته على ما ذكرت من القراءة عليه والخدمة له عشر سنين، ثم أصابه مرض يوما من الدهر، فتخلف عن حضور مجلس إقرائه، وانتظره أهل المجلس وهم يتذاكرون مسائل من العلوم، إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قول الله عز وجل - على لسان نبيه عيسى عليه السلام في الإنجيل - إنه يأتي من بعده نبي اسمه (البارقليط) ، فبحثوا في تعيين هذا النبي من هو من الأنبياء، وقال كل واحد منهم بحسب علمه، وعظم مقالهم وكثر جدالهم، ثم انصرفوا من غير تحصيل فائدة، فأتيت مسكن القسيس، فقال: ما الذي كان عندكم اليوم من البحث في غيبتي عنكم؟ فأخبرته باختلاف القوم في اسم (البارقليط) وسردت له أجوبتهم، فقال لي: وبماذا أجبت أنت؟ فقلت: بجواب القاضي فلان في تفسيره الإنجيل.

    فقال لي: ما قصرت وقربت، وفلان أخطأ، وكاد فلان أن يقارب، ولكن الحق خلاف هذا كله؛ لأن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا العلماء الراسخون في العلم، وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل، فبادرت قدميه أقبلهما وقلت له: يا سيدي قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد، ولي في خدمتك عشر سنين، حصلت عنك فيها من العلوم جملة لا أحصيها، فلعل من جميل إحسانكم أن تمنوا علي بمعرفة هذا الاسم.

    فبكى الشيخ وقال لي: يا ولدي، والله أنت لتعز علي كثيرا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إليَّ، في معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكني أخاف عليك أن يظهر ذلك عليك، فتقتلك عامة النصارى في الحين.

    فقلت له: يا سيدي، والله العظيم، وحق الإنجيل ومن جاء به، لا أتكلم بشيء مما تسره إلي إلا عن أمرك.

    فقال لي: إذن فاعلم يا ولدي أن البارقليط هو اسم من أسماء نبي المسلمين محمد، وعليه نزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام ، وأخبر أنه نزل هذا الكتاب عليه، وأن دينه هو دين الحق، وملته هي الملة البيضاء المذكورة في الإنجيل.

    فقلت: وما تقول في دين هؤلاء النصارى؟، فقال لي: يا ولدي لو أن النصارى أقاموا على دين عيسى الأول، لكانوا على دين الله؛ لأن عيسى وجميع الأنبياء دينهم دين الله، ولكن بدلوا وكفروا.

    فقلت: يا سيدي وكيف الخلاص من هذا الأمر؟ فقال: يا ولدي بالدخول في دين الإسلام.

    فقلت:وهل ينجو الداخل فيه؟ قال: نعم ينجو في الدنيا والآخرة، فقلت: يا سيدي إن العاقل لا يختار لنفسه إلا أفضل ما يعلم؛ فإذا علمتَ فضل دين الإسلام فما يمنعك منه؟ فقال: يا ولدي إن الله لم يطلعني على حقيقة ما أخبرتك به إلا بعد كبر سني، ووهن جسمي، ولو هداني الله لذلك وأنا في سنك، لتركت كل شيء ودخلت في دين الحق، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، وأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى، من رفعة الجاه والعز، والترف، وكثرة عرض الدنيا، ولو أني ظهر علي شيء من الميل إلى دين الإسلام، لقتلتني العامة في أسرع وقت، وهب أني نجوت منهم وخلصت إلى المسلمين، فأقول لهم: إني جئتكم مسلما، فيقولون لي: قد نفعت نفسك بنفسك بالدخول في دين الحق، فلا تمن علينا بدخولك في دين خلصت فيه نفسك من عذاب الله، فأبقى فيهم شيخا كبيرا فقيرا ابن تسعين، لا أفقه لسانهم، ولا يعرفون حقي.

    فقلت: يا سيدي أفتدلني أن أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل دينهم؟ فقال: إن كنت عاقلا، طالبا للنجاة، فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة، ولكن يا ولدي هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن، فاكتمه بغاية جهدك، وإن ظهر عليك شيء منه قتلتك العامة لحينك، ولا أقدر على نفعك، ولا ينفعك أن تنقله عني، فإني أجحده وقولي مصدق عليك، وقولك غير مصدق علي، وأنا برئ من ذلك إن فهت بشيء، فعاهدته بما يرضيه.

    ثم أخذت في أسباب الرحلة وودعته، فدعا لي عند الوداع بخير، فانصرفت إلى بلدي ميورقة، ثم سافرت إلى جزيرة صقلية، وأقمت فيها خمسة أشهر وأنا انتظر مركبا يتوجه لأرض المسلمين، فحضر مركب يسافر إلى مدينة تونس، فسافرت فيه من صقلية وأقلعنا عنها قرب مغيب الشفق، فوردنا مرسى تونس قبل الزوال، فلما نزلت بديوان تونس، وسمع بي الذين بها من أحبار النصارى أتوا بمركب وحملوني معهم إلى ديارهم، وصحبتهم أيضاً بعضُ التجار الساكنين أيضاً بتونس، فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش أربعة أشهر، وبعد ذلك سألتهم هل بدار السلطان أحد يحفظ لسان النصارى، وكان السلطان آنذاك مولانا أبا العباس أحمد – رحمه الله- فذكر لي النصارى أن بدار السلطان المذكور رجلاً فاضلاً من أكبر خدامه اسمه يوسف الطبيب وكان طبيبه، ومن خواصه، ففرحت بذلك فرحاً شديداً، وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب، فدللت عليه واجتمعت به، وذكرت له شرح حالي، وسبب قدومي للدخول في الإسلام، فسُر الرجل بذلك سروراً عظيماً بأن يكون تمام هذا الخير على يديه، ثم ركب فرسه وحملني معه لدار السلطان، ودخل عليه فأخبره بحديثي، فاستأذنه لي فأذن لي، فمثلت بين يديه، فأول ما سألني السلطان عن عمري، فقلت له:خمسة وثلاثون عاماً، ثم سألني عما قرأت من العلوم فأخبرته، فقال لي: قدمت قدوم خير، فأسلم على بركة الله.

    فقلت للترجمان – وهو الطبيب المذكور-: قل لمولانا السلطان إنه لا يخرج أحد من دين إلا ويكثر أهله القول فيه والطعن فيه، فأرغب من إحسانكم أن تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأحبارهم، وتسألوهم عني وتسمعوا ما يقولون في جنابي، وحينئذ أسلم إن شاء الله تعالى، فقال لي بواسطة الترجمان: أنت طلبت ما طلب "عبد الله بن سلام" من النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم.

    ثم أرسل إلى أحبار النصارى وبعض تجارهم وأدخلني في بيت قريب من مجلسه، فلما دخل النصارى عليه قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب؟ قالوا له: يا مولانا هذا عالم كبير في ديننا، وقالت شيوخنا: إنهم ما رأوا أعلى من درجته في العلم والدين في ديننا، فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟، قالوا: نعوذ بالله من ذلك هو ما يفعل ذلك أبداً.

    فلما سمع ما عند النصارى بعث إليّ، فحضرت بين يديه (وشهدت) شهادتي الحق بمحضر النصارى، فصلّبوا على وجوههم، وقالوا: ما حمله على هذا إلا حب التزويج، فإن القسيس عندنا لا يتزوج، وخرجوا مكروبين محزونين، فرتب لي السلطان - رحمه الله - ربع دينار كل يوم في دار المختص، وزوجني ابنة الحاج محمد الصفار، فلما عزمت على البناء بها، أعطاني مائة دينار ذهباً وكسوة جيدة كاملة، فبنيت بها، وولد لي منها ولد سميته محمد على وجه التبرك باسم نبينا صلى الله عليه وسلم .

    2- وكيل دير المحرق وشهادة الحق:


    ومن القصص المعاصرة في اعتراف أهل الكتاب بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما ذكره الدكتور أحمد حجازي السقا في كتابه "البشارة بنبي الإسلام"، حيث يروي: أنه التقى بـ ( قمص ) نصراني في أحد القطارات، علم أنه نصراني لأنه كان يقرأ في الكتاب المقدس، فدار بينهما حوار حول الأحداث التي يشير إليها الإصحاح الثامن من سفر دانيال النبي – عليه السلام-.

    وبعد نزولهم من القطار سأله حجازي: أمحمد نبي المسلمين لا يشير إليه الكتاب المقدس؟.

    فأجابه القمص: يشير إليه في آيات كثيرة!! ثم سرد له كثيرا من تلك الآيات!!

    ثم عرف أن اسمه (جرجس سلمون فيلمون)، وكان وكيل الدير المحرق في القوصية بأسيوط، وهذا الموقف كان من أسباب كتابة حجازي لكتاب البشارة .

    3- رئيس لجان التنصير يشهد بالحق:

    ومن القصص المعاصرة إسلام القس إسحق هلال مسيحة، والذي كان يعمل في مجال التنصير، بل كان يشغل منصب الرئيس الفخري لجمعيات خلاص النفوس المصرية بأفريقيا وغرب آسيا، يحكى "إسحاق" قصته فيقول: ولدت في محافظة المنيا من والدين نصرانيين أرثوذكس، وحين بدأت أدرس حياة الأنبياء بدأ الصراع الفكري في داخلي وكانت أسئلتي تثير المشاكل في أوساط الطلبة مما جعل البابا شنودة الذي تولّى بعد وفاة البابا كيرلس يصدر قراراً بتعييني قسيساً قبل موعد التنصيب بعامين كاملين لإغرائي وإسكاتي فقد كانوا يشعرون بمناصرتي للإسلام مع أنه كان مقرراً ألا يتم التنصيب إلا بعد مرور 9 سنوات من بداية الدراسة اللاهوتية.

    ثم عيّنت رئيساً لكنيسة المثال المسيحي بسوهاج ورئيساً فخرياً لجمعيّات خلاص النفوس المصريّة (وهي جمعيّة تنصيريّة قويّة جدّاً ولها جذور في كثير من البلدان العربية وبالأخص دول الخليج).

    وكان البابا يغدق عليّ الأموال حتّى لا أعود لمناقشة مثل تلك الأفكار لكنّي مع هذا كنت حريصاً على معرفة حقيقة الإسلام ولم يخبو النور الإسلامي الذي أنار قلبي فرحاً بمنصبي الجديد بل زاد، وبدأت علاقتي مع بعض المسلمين سراً وبدأت أدرس وأقرأ عن الإسلام.

    وطُلب منّي إعداد رسالة الماجستير حول مقارنة الأديان وأشرف على الرسالة أسقف البحث العلمي في مصر سنة 1975، واستغرقت في إعدادها أربع سنوات وكان المشرف يعترض على ما جاء في الرسالة حول صدق نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأميته وتبشير المسيح بمجيئه.

    وأخيراً تمّت مناقشة الرّسالة في الكنيسة الإنكليكيّة بالقاهرة واستغرقت المناقشة تسع ساعات وتركزت حول قضيّة النّبوّة والنّبي صلى الله عليه وسلم علماً بأن الآيات صريحة في الإشارة إلى نبوّته وختم النّبوّة به، وفي النهاية صدر قرار البابا بسحب الرسالة منّي وعدم الاعتراف بها، ووقتها أخذت أفكر في أمر الإسلام تفكيراً عميقاً حتّى تكون هدايتي عن يقين تام ولكن لم أكن أستطيع الحصول على الكتب الإسلامية فقد شدّد البابا الحراسة عليّ وعلى مكتبتي الخاصّة.

    في اليوم السادس من الشهر الثامن من عام 1978م كنت ذاهباً لإحياء مولد العذراء بالإسكندريّة أخذت قطار الساعة الثالثة وعشر دقائق الذي يتحرك من محطة أسيوط متجهاً إلى القاهرة وبعد وصول القطار في حوالي الساعة التاسعة والنصف تقريباً ركبت الحافلة من محطة العتبة رقم 64 المتجهة إلى العباسيّة.

    وأثناء ركوبي في الحافلة بملابسي الكهنوتية وصليب يزن ربع كيلو من الذهب الخالص وعصاي الكرير صعد صبيّ في الحادية عشر من عمره يبيع كتيبات صغيرة فوزعها على كلّ الركّاب ماعدا أنا، وهنا صار في نفسي هاجس لم كل الركاب إلا أنا، فانتظرته حتّى انتهى من التوزيع والجمع فباع ما باع وجمع الباقي.

    قلت له: "يا بنيّ لماذا أعطيت الجميع بالحافلة إلا أنا"، فقال: "لا يا أبونا أنت قسيس"، وهنا شعرت وكأنّني لست أهلاً لحمل هذه الكتيّبات مع صغر حجمها (لا يمسّه إلاّ المطهرون).

    ألححت عليه ليبيعني منهم فقال: "لا دي (هذه) كتب إسلاميّة" ونزل، وبنزول هذا الصّبي من الحافلة شعرت وكأنّني جوعان وفي هذه الكتب شبعي وكأنّني عطشان وفيها شربي، نزلت خلفه فجرى خائفاً منّي فنسيت من أنا وجريت وراءه حتّى حصلت على كتابين.

    عندما وصلت إلى الكنيسة الكبرى بالعبّاسيّة (الكاتدرائيّة المرقسيّة) ودخلت إلى غرفة النّوم المخصّصة بالمدعوّين رسميّاً كنت مرهقاً من السفر، ولكن عندما أخرجت أحد الكتابين وهو (جزء عم) وفتحته وقع بصري على سورة الإخلاص فأيقظت عقلي وهزت كياني، بدأت أرددها حتى حفظتها وكنت أجد في قراءتها راحة نفسية واطمئناناً قلبياً وسعادة روحية، وبينا أنا كذلك إذ دخل عليّ أحد القساوسة وناداني: "أبونا إسحاق"، فخرجت وأنا أصيح في وجهه (قل هو الله أحد) دون شعور منّي.

    بعد ذلك ذهبت إلى الإسكندريّة لإحياء أسبوع مولد العذراء، وفي يوم الأحد أثناء صلاة القداس المعتاد وفي فترة الراحة ذهبت إلى كرسي الاعتراف لكي أسمع اعترافات الشعب الجاهل الذي يؤمن بأن القسيس بيده غفران الخطايا.

    جاءتني امرأة تعض أصابع الندم، قالت: "إني انحرفت ثلاث مرات وأنا أمام قداستك الآن أعترف لك رجاء أن تغفر لي وأعاهدك ألا أعود لذلك أبدا"، ومن العادة المتبعة أن يقوم الكاهن برفع الصليب في وجه المعترف ويغفر له خطاياه.

    وما كدت أرفع الصليب لأغفر لها حتى وقع ذهني على العبارة القرآنية الجميلة (قل هو الله أحد) فعجز لساني عن النطق وبكيت بكاءً حارّاً وقلت: "هذه جاءت لتنال غفران خطاياها منّي فمن يغفر لي خطاياي يوم الحساب والعقاب.

    هنا أدركت أن هناك كبير أكبر من كل كبير، إله واحدٌ لا معبود سواه. ذهبت على الفور للقاء الأسقف وقلت له: "أنا أغفر الخطايا لعامة الناس فمن يغفر لي خطاياي"، فأجاب دون اكتراث: "البابا"، فسألته: "ومن يغفر للبابا"، فانتفض جسمه ووقف صارخاً وقال: "أنت قسيس مجنون واللي أمر بتنصيبك مجنون حتّى وإن كان البابا لأنّنا قلنا له لا تنصّبه لئلاّ يفسد الشعب بإسلاميّاته وفكره المنحل"؛ على إثر ذلك صدر قرار البابا بحبسي في دير (ماري مينا) بوادي النطرون.

    أخذوني معصوب العينين وهناك استقبلني الرهبان استقبالاً عجيباً كادوا لي فيه صنوف العذاب علماً بأنّني حتّى تلك اللحظة لم أسلم، كل منهم يحمل عصا يضربني بها وهو يقول: "هذا ما يصنع ببائع دينه وكنيسته".

    استعملوا معي كل أساليب التعذيب الذي لا تزال آثاره موجودةً على جسدي وهي خير شاهدٍ على صحّة كلامي حتّى أنّه وصلت بهم أخلاقهم اللاإنسانيّة أنهم كانوا يدخلون عصا المقشّة في دبري يوميّاً سبع مرّات في مواقيت صلاة الرهبان لمدّة سبعة وتسعين يوماً، وأمروني بأن أرعى الخنازير.

    وبعد ثلاثة أشهر أخذوني إلى كبير الرهبان لتأديبي دينياً وتقديم النصيحة لي فقال: "يا بنيّ.. إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، اصبر واحتسب، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب"، قلت في نفسي ليس هذا الكلام من الكتاب المقدس ولا من أقوال القديسين، وما زلت في ذهولي بسبب هذا الكلام حتى رأيته يزيدني ذهولاً على ذهول بقوله: "يا بنيّ نصيحتي لك السر والكتمان إلى أن يعلن الحق مهما طال الزمان" تُرى ماذا يعني بهذا الكلام وهو كبير الرهبان.

    ولم يطل بي الوقت حتى فهمت تفسير هذا الكلام المحيّر، فقد دخلت عليه ذات صباح لأوقظه فتأخر في فتح الباب، فدفعته ودخلت وكانت المفاجأة الكبرى التي كانت نوراً لهدايتي لهذا الدين الحق دين الوحدانيّة عندما شاهدت رجلاً كبيراً في السنّ ذا لحية بيضاء وكان في عامه الخامس والستّين وإذا به قائماً يصلي صلاة المسلمين (صلاة الفجر).

    تسمرتُ في مكاني أمام هذا المشهد الذي أراه ولكنّي انتبهت بسرعة عندما خشيت أن يراه أحد من الرهبان فأغلقت الباب، جاءني بعد ذلك وهو يقول: "يا بنيّ استر عليّ ربّنا يستر عليك"، أنا منذ 23 سنة على هذا الحال: غذائي القرآن وأنيس وحدتي توحيد الرحمن ومؤنس وحشتي عبادة الواحد القهّار الحقّ أحقّ أن يتّبع يا بنيّ.

    بعد أيّام صدر أمر البابا برجوعي لكنيستي بعد نقلي من سوهاج إلى أسيوط لكن الأشياء التي حدثت مع سورة الإخلاص وكرسي الاعتراف والراهب المتمسّك بإسلامه تركت في نفسي أثراً كبيراً لكن ماذا أفعل وأنا محاصر من الأهل والأقارب والزوجة وممنوع من الخروج من الكنيسة بأمر شنودة.

    بعد مرور عام جاءني خطاب والمودع بالملف الخاص بإشهار إسلامي بمديرية أمن الشرقيّة، يأمرني فيه بالذهاب كرئيس للّجنة المغادرة إلى السودان في رحلة تنصيريّة فذهبنا إلى السودان في الأوّل من سبتمبر 1979م وجلسنا به ثلاثة شهور وحسب التعليمات البابويّة بأن كلّ من تقوم اللجنة بتنصيره يسلّم مبلغ 35 ألف جنيه مصريّ بخلاف المساعدات العينيّة فكانت حصيلة الذين غرّرت بهم اللجنة تحت ضغط الحاجة والحرمان خمسة وثلاثين سودانيّاً من منطقة واو في جنوب السودان.

    وبعد أن سلّمتُهم أموال المنحة البابويّة اتّصلت بالبابا من مطرانيّة أم درمان فقال: "خذوهم ليروا المقدسات المسيحيّة بمصر (الأديرة)" وتم خروجهم من السودان على أساس عمّال بعقود للعمل بالأديرة لرعي الإبل والغنم والخنازير وتم عمل عقود صوريّة حتّى تتمكّن لجنة التنصير من إخراجهم إلى مصر.

    بعد نهاية الرحلة وأثناء رجوعنا بالباخرة (مارينا) في النّيل قمت أتفقّد المتنصرين الجدد وعندما فتحت باب الكابينة 14 بالمفتاح الخاص بالطاقم العامل على الباخرة فوجئت بأن المتنصر الجديد عبد المسيح (وكان اسمه محمّد آدم) يصلّي صلاة المسلمين.

    تحدّثت إليه فوجدته متمسّكاً بعقيدته الإسلاميّة فلم يغريه المال ولم يؤثّر فيه بريق الدنيا الزائل، خرجت وبعد حوالي الساعة أرسلت له أحد المنصّرين فحضر لي بالجناح رقم 3 وبعد أن خرج المنصّر قلت له: "يا عبد المسيح لماذا تصلّي صلاة المسلمين بعد تنصّرك"، فقال: "بعت لكم جسدي بأموالكم، أمّا قلبي وروحي وعقلي فملك الله الواحد القهّار لا أبيعهم بكنوز الدنيا وأنا أشهد أمامك بأن لا إله إلا الله وأنّ محمّد رسول الله".

    بعد هذه الأحداث التي أنارت لي طريق الإيمان وهدتني لأعتنق الدين الإسلامي وجدت صعوبات كثيرة في إشهار إسلامي نظراً لأنّني قس كبير ورئيس لجنة التنصير في أفريقيا وقد حاولوا منع ذلك بكل الطرق لأنه فضيحة كبيرة لهم، ذهبت لأكثر من مديريّة أمن لأشهر إسلامي وخوفاً على الوحدة الوطنيّة أحضرتْ لي مديريّة الشرقيّة فريقاً من القساوسة والمطارنة للجلوس معي وهو المتّبع بمصر لكل من يريد اعتناق الإسلام.

    هدّدتني اللجنة المكلّفة من 4 قساوسة و 3 مطارنة بأنها ستأخذ كلّ أموالي وممتلكاتي المنقولة والمحمولة والموجودة في البنك الأهلي المصري - فرع سوهاج وأسيوط والتي كانت تقدّر بحوالي 4 مليون جنيه مصريّ وثلاثة محلات ذهب وورشة لتصنيع الذهب بحارة اليهود وعمارة مكوّنة من أحد عشر طابق رقم 499 شارع بور سعيد بالقاهرة فتنازلت لهم عنها كلّها فلا شئ يعدل لحظة الندم التي شعرت بها وأنا على كرسي الاعتراف.

    بعدها كادت لي الكنيسة العداء وأهدرت دمي فتعرضت لثلاث محاولات اغتيال من أخي وأولاد عمّي، فقاما بإطلاق النّار عليّ في القاهرة وأصابوني في كليتي اليسرى وتم استئصالها في 7/1/1987م .



    ثانيُا: المعجزات الباهرة والآيات الظاهرة:

    أرسل الله عز وجل رسله وأنبيائه إلى الأقوام والأمم المختلفة وأيدهم بمعجزات باهرة وآيات ظاهرة فإن كذبهم المعارضون والمخالفون كانت آياتهم ومعجزاتهم دليل صدقهم وإثبات صحة كلامهم، فكان مع كل نبي من المعجزات الكثير التي على مثلها يؤمن من شرح الله صدره للإيمان.

    وإذا كان ذلك في أنبياء الله السابقين وقد أرسلهم الرب تبارك وتعالى إلى أقوامهم وأزمانهم، فإن الشأن أعظم مع نبي الله الخاتم وخير البرية محمد صلى الله عليه وسلم حيث أرسله الله إلى البشر أجمعين، بل وشملت رسالته الجن والإنس، وامتدت دعوته عبر الأزمان والقرون فهو النبي الذي ختمت به رسالة الأنبياء قبله، وقد مده الله عز وجل من دلائل النبوة بالكثير، وهي دلائل من الوضوح والظهور ما لا يحتاج معها من صفا قلبه وخلُصت نيته إلى كثير تفكر وتأمل.

    وقد مهدنا لحديثنا عن هذه المعجزات، بمقدمة تحدثنا فيها عن تعريف المعجزات وعن خصائصه، وعن الفوارق بينها وبين ما قد يأتي به السحرة والكهان من أفعاله يظنه الظان خارقة للعادة، ثم تحدثنا عن هذه المعجزات وعددها كبير غير أن اكتفينا بأن نرد أمثلة على هذه المعجزات، فمعجزة واحدة كافية بإثبات نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجب على العارف بها الإيمان به صلى الله عليه وسلم .

    المصدر:
    http://nosra.islammemo.cc/onenew.aspx?newid=2744
    {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (7) ..
    بواسطة قرآن الفجر في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 30
    آخر مشاركة: 07-24-2019, 04:32 PM
  2. المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (5)
    بواسطة أحمــــد في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 06-08-2007, 02:01 AM
  3. المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (4) ..
    بواسطة قرآن الفجر في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-01-2007, 02:46 AM
  4. المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (2)
    بواسطة قرآن الفجر في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-23-2007, 09:28 PM
  5. المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم (1)
    بواسطة قرآن الفجر في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-30-2007, 01:30 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء