النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: الإسلام والوطنية

  1. افتراضي الإسلام والوطنية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    (1)
    الإسلام والوطنية :
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه إلى يوم الدين وبعد :
    فهذه مقالة عن معنى الوطنية وأقسامها والحكم فيها كما بدا لي بعد التأمل الذي أسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت فيه إلى الصواب , وقد دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع أمران :
    أحدهما : أنني من خلال حواراتي الكثيرة مع الشباب من حملة الفكر المتطرف أو المتعاطفين معهم أو المتسائلين عن فكرهم أجد أن شعور أصحاب هذا الفكر بالتعارض بين الاهتمام بالوطن وحمل الهم الإسلامي يعد من أبرز الدواعي إلى تسرب الفكر الضال الذي يعد الوطن والعناية به من أبعد الأمور عن عناية منظريه بل إن الحديث عن الوطن ومنجزاته يعد لدى معتنقي هذا الفكر أو المتعاطفين معهم إحدى الكبائر الكبار التي تتناقض والاتجاه العام لديهم الذي يزعم أن الهم الوطني يتعارض مع الهم الإسلامي .
    الأمر الآخر : وجدت مما يساعد منظري هذا الفكر على الانقضاض على التفكير الوطني تاريخ الحركات الوطنية في العالم العربي حيث توصف الحركات الوطنية في العالم العربي بأنها حركات علمانية محاربة للإسلام قولا وعملا , وقد قامت بعض هذه الحركات بعد توليها للحكم في بلادها فعلا بمحاربة التوجهات الإسلامية أما الحركات التي فشلت في الوصول إلى السلطة فإنه قد ثبت تاريخيا علاقاتها المشبوهة مع أعداء الأمة
    هذا التصور يستغله كل منظر للحركات الفكرية المتطرفة لدفع الشباب والتغرير بهم للتفكير بعيدا عن مصالح أوطانهم .
    لهذا فإن الحديث عن الجانب الوطني وربطه بالإسلام والوصول إلى قناعة ووعي بضرورة تقديم مصلحة الوطن على أي اعتبار آخر وأن هذا التقديم هو من صميم الدين ولا يتعارض مع كون الإسلام هو المبدأ الأعظم والغاية المثلى التي نحيا ونموت من أجلها ,وأن تعارض مصلحة الدين ومصلحة الوطن من الأمور لمتعذرة إذا قسنا المصلحة بالمقاييس الشرعية , أقول إن كل ذلك يعد ضربة في مقتل للفكر المتطرف الضال , أسأل الله أن أكون قد وصلت فيها إلى ما هو الصواب والحمد لله رب العالمين .


    معنى الوطنية وتاريخ هذا المصطلح :
    الوطن في اللغة : تتوافق كتب اللغة في تعريف الوطن ولا تكاد تخرج عباراتهم في ذلك عمََا لخَصه صاحب كتاب الكليات ج1/ص940 حين قال : (الوطن هو منزل الإقامة والوطن الأصلي
    مولد الإنسان أو البلدة التي تأهل فيها ووطن الإقامة هو البلدة أو القرية التي ليس للمسافر فيها أهل ونوى أن يقيم فيه خمسة عشر
    يوماً فصاعداً ووطن السكنى هو المكان الذي ينوي المسافر أن يقيم فيه أقل من خمسة عشر يوماً. ) ويلحظ أن هذه الكلمة رغم كونها صحيحة النسبة إلى اللغة العربية وأهلها عريقة النسب من حيث أصولها الاشتقاقية إلا أن استخدامها في المعنى اللغوي الذي أشار إليه أهل اللغة كان قليلا فلا تكاد تراها في الشعر الجاهلي أو شعر صدر الإسلام إلا قليلا ’ كقول رؤبة بن العجاج
    أوطنْت وطْنا لم يكن من وطَني
    لو لم تكن عاملها لم أسكن
    ولعل قلة استخدامها عند العرب بهذا المعنى هو السر في التعبير في القرآن عن الوطن بالديار والبيت
    كما في قوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ }البقرة84 وقوله تعالى :{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ }الأنفال5 .ذكر أبو حيان أن المراد ببيته : المدينة , البحر ,4/ 458
    أما الموطن فقد جاء في القرآن مجموعا على مواطن في قوله تعالى : {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ }التوبة25 والمراد بها مقامات الحرب ومواقفها , مأخوذٌ من توطين النفس أي تهيئتها على مثل هذه المواقف كما أفاد أبو حيان في البحر المحيط , 5 / 24
    وفي عصرنا الحاضر : لم يخرج معنى الوطن عن دلالته في أصل اللغة لكنه أصبح أوسع دلالة في عرف الناس , وإن كان علماء اللغة في العصر الحاضر يأبون الاعتراف بهذا المدلول الواسع فنجد واضعي المعجم الوسيط يستمرون في نقل كلام الأوائل في تفسير هذه الكلمة , قالوا : ( الوطن مكان إقامة الإنسان و مقره وإليه انتماؤه ولد به أو لم يولد )
    أما المُتَواضع عليه في عصرنا الحاضر في معنى الوطن فقد أجمله الشيخ محمد عبده بقوله: ( المكان الذي للمرء فيه حقوق وواجبات سياسية ) وذكر الشيخ : أن هذا حده عند الرومان , تاريخ الأستاذ الإمام , 2/194
    ويمكن تعريفه أيضا : بأنه : المكان الذي ينتمي إليه الإنسان في حدوده السياسية , وإن تعددت أقاليمه واختلفت انتماءات أهله العرقية والدينية والمذهبية .
    فهذا التعريف لا يلغي التعريف اللغوي , وهو أوسع منه حيث يجعل كل ما تضمه الحدود السياسية من الأراضي وطنا للإنسان وليس الوطن مقصورا على مكان الولادة أو النشأة أو الإقامة .

    هذا بالنسبة للوطن أما الوطنية : فقد انتقلت من دلالتها على النسبة إلى الوطن أو مؤنث الوطني إلى الدلالة على معنيين متغايرين , الأول : اتجاه سياسي , والآخر : قيمة خلقية , وفي تقديري : أن الخلط بين هاتين الدلالتين وعدم تمييز إحداهما عن الأخرى أدى إلى الخلط أيضا في الحكم عليهما من زاوية دينية .
    فالاتجاه السياسي : نشأ في أوربا مصاحبا للاتجاه القومي هناك وكانت الدعوة في هذا التوجه إلى الثورة على الإمبراطوريات الأوربية التي يجتمع في ظلها عدد من الأقاليم التي لم يك بينها من جامع سوى في انتمائها إلى الدين المسيحي , وبالتالي كانت تلك ثورة على الرابطة الدينية في أوربا .
    وانتقلت هذه الفكرة الاستقلالية من أوربا إلى العالم الإسلامي ولا سيما تركيا حيث عاصمة الخلافة , ومصر التي كانت محط أنظار المثقفين العرب ومنها رفاعة الطهطاوي الذي لعله أول من نقل كلمة الوطن بمفهومها الغربي إلى اللغة العربية وكانت السيادة فيها للعثمانيين ومحمد علي باشا وأبنائه ثم خضعت لحكم ثلاثي غريب , حين تقاسمت الأدوار فيها كل من بريطانيا وأسرة محمد علي والدولة العثمانية .
    أما في تركيا فكان حزب تركيا الفتاة يحمل على الجامعة الإسلامية التي كان ينادي بها السلطان عبد الحميد ويسعى إلى رابطة طورانية تعزل الشعب التركي عن الشعوب الإسلامية التي لا يقترب منها في العنصر, وتتقرب من الشعوب التي تقاربها في الأصول العرقية وإن كانت تُباينها من جهة الديانة كالعرق الجرماني
    يقول عبد العزيز جاويش وهو من أعلام الحركة الوطنية في مصر _1293-1347_ في مقال له عن أصل الفكرة الوطنية ( إن الشعور بالوطنية اصطلاح أفرنكي –أي : إفرنجي – انتقلت بذوره إلى الشرق من مطاوي العلوم العصرية وأصول المدنية الحديثة التي اهتدى إليها الغرب )
    وكان من دعاة الوطنية في مصر من هم شديدوا العداء للرابطة الدينية التي تذكرهم دائما بالاستبداد التركي فقدموا رابطة الوطن على رباط الدين ودعوا إلى مصر مستقلة سياسيا وفكريا عن أي رابطة أخرى بل إن منهم من فضل الاحتلال البريطاني على الرابطة الإسلامية وصرح بعداوة الاتجاه الإسلامي بل تجاوز إلى ربط مصر بتاريخها الفرعوني وعزلها عن التاريخ الإسلامي ومنهم من غازل الاتجاه الإسلامي والرابطة الإسلامية وحاول تصوير الأمر على أنه لا تناقض بين الاتجاه الوطني السياسي وبين الجامعة الإسلامية وكانت تمثلهم صحف المقطم ومجلة المقتطف والجريدة .والتجارة , ومن الأحزاب الحزب الوطني ومصر الفتاة وحزب الأمة .
    وهذا النوع من الوطنية لا يقره الإسلام لعدة اعتبارات
    1- كونها فكرة انفصال سياسي عن وحدة الدولة الإسلامية , والإسلام دين اجتماع وليس دين تفرق , ويَعُد الإسلام الاجتماع مكسبا ولذلك فهو ينبذ أي فكرة انفصالية ,قال تعالى : {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران103 كما جاء الأمر بالالتزام بجماعة المسلمين في أحاديث كثيرة منها :قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ج3/ص1480
    (من أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ على رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أو يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ )
    2- كونها دعوة للتكتل على أساس الإقليم يجعلها دعوة تحجيمية إضعافية مآلها إلى ضعف دائم غير متناه ’ إذ إن كل إقليم لا يُؤمَن أن يطالب أهل كل ناحية منه بالانفصال ولهم الدعوى نفسها التي انفصل بها إقليمهم عن محيطه الكبير , والإسلام دعوة للقوة بكل معاييرها ومن معايير القوة الاجتماع وعدم التفرق .
    3- وأيضا هي دعوة تقدم مصلحة الإقليم والترابط فيه على مصلحة الدين ورابطته , ونحن وإن كنا نوقن بأنه لا يمكن أن تتعارض المصلحتان في الحقيقة , إلا أنه يتصور تعارضهما ظاهرا في أذهان أصحاب هذا الاتجاه ,حيث لا يعدون الدين معيارا لتمييز المصالح والمفاسد , وقد أمرنا الله تعالى بتقديم الدين على الوطن عندما نقع فيهما بين خيارين , قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً }النساء97كما قدم الله تعالى المحبة في الدين والتآخي فيه على جميع العلاقات الإنسانية , قال تعالى : {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }المجادلة22
    .
    الوطنية كقيمة خلقية : تلتقي الوطنية بوصفها قيمة خلقية والوطنية بوصفها توجها سياسيا في أمر واحد لا غير , وهو توجههما إلى الوطن بمفهومه الواسع أي حيث تنتهي الحدود السياسية لا بمفهومه التراثي الضيق .
    أما هذه القيمة وإن اتسع نطاقها من محل الإقامة أو النشأة أو الولادة إلى كل شبر من أراضي الدولة فإنها باقية على ما كانت عليه في سماتها النفسية منذ خلق الله الإنسان .
    ويمكن تعريفها بـ: محبة في القلب لمحل الانتماء يظهر أثرها في مدى غيرة المرء على وطنه وحرصه على الرقي به والحفاظ على مكتسباته ومودة أهله وبغض أعدائه.
    وهذه المحبة مركوزة في الطبائع لا يكاد ينفك عنها قلب امرئ , سوى من كان في نفسه مرض يحرف فطرته عن طبعها السوي , ونحن نعرف الأخلاق الفطرية من أنفسنا ومن سبرنا لمن حولنا ونظرنا في تاريخ الإنسانية , فإذا وجدنا ثَمََ خلقا لا ينفك عن الإنسان أنَا وجد في الزمان والمكان علمنا أنه مما فطر الله الناس عليه ولا تبديل لخلق الله .
    ولسنا لإثبات فطرة من الفطر بحاجة إلى كتاب فلسفي أو نقل عن عالم ما , فما نعلمه من أنفسنا لا نحتاج إلى تعلمه من غيرنا .
    ومن حكمة المولى عز وجل أن غرس هذه الفطرة في النفوس , ليتحقق إعمار الكون الذي أمر الله بعمارته , فسُكنت الصحارى والقفار وأعالي الجبال وأحبها أهلها وتناسلوا فيها آلاف السنين بالقدر نفسه من الحب الذي أفاضه أهل الأودية والأنهار ومنابت الغابات على ديارهم , بل وقاتل أهل القفار وقتلوا دون ديارهم كما قاتل أهل الغابات وقتلوا .
    ودين الله الذي ارتضاه لخلقه لا تُعارض أحكامه ما فطرهم عليه من سجايا وأخلاق , وإلا نكون قد زعمنا في الشرع عدم الحكمة أو التكليف بما لا يطاق , وهذا كما لا يخفى من الممتنع شرعا ولله الحمد والمنة .
    بل جاء الشرع مؤيدا للفطر ومهذبا إياها وحاميا لها بالشريعة من أن تنزلق بها الأهواء إلى مالا تحمد عقباه .
    فمما يُعْرف به تأييد الشرع لمحبة الأوطان : ما جعله الله تعالى
    من الثواب العظيم على هجرتها إليه سبحانه عندما تتوفر شروط الهجرة وموجباتها , ولعله لم يكن للهجرة هذا الفضل لولا ما لمحبتها من التأثير في النفوس السوية , وتمسك الأحرار بأوطانهم وتحملهم في سبيلها مغبات كل شيء .
    قال تعالى : {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء100وقد جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم قرينة للإسلام والحج في تكفيرها لما قبلها من الآثام , كما في صحيح مسلم ج1/ص112( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ ما كان قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كان قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ ما كان قَبْلَهُ )
    وقرن الله تعالى قتل النفس بالإخراج من الوطن في ميثاقه سبحانه على بني إسرائل : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ }ا
    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام سادة من أحبوا أوطانهم , فقد روى ابن حبان في صحيحه ج9/ص23
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلْدَةٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ وَلَوْلا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)
    وكان صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هو وأصحابه يشتكون الشعور بالغربة حتى كان بلا ل ينشد إذا ارتفع عنه الوباء
    ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
    وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل
    فقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري ج2/ص667
    ( اللهم حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أو أَشَدَّ )
    وروى أصحاب السير فيما نقله في الروض الانف ج3/ص25
    حديث أصيل الغفاري حين قدم من مكة فسألته عائشة كيف تركت مكة يا أصيل فقال تركتها حين ابيضت أباطحها وأحْجَنََ ثمامها وأغدق إذخرها وأمشرََ سلمها فاغرورقت عينا رسول الله وقال لا تشوفنا أصيل ويروى أنه قال له دع القلوب تقر .
    ولنا أن نقيس الوطنية على القبلية , فقد جاء الإسلام إلى العرب والقبيلة هي الرابطة الأقوى بينهم , وهي الغاية المثلى التي يعيشون ويموتون من أجلها , بل كانت القبيلة هي مصدر القيم في حياة العربي , وجاء الإسلام و ألغى القبيلة كغاية ومصدر للقيم , لكنه لم يلغها كرابطة بين أهلها يستعملها في ما يحقق للمجتمع الإسلامي منافع في التكافل والنصرة وغير ذلك مما جاءت به السنة النبوية , فليكن شأننا مع الوطنية كشأن الإسلام والقبلية , فما زاد من الشعور الوطني عما قدمته سالفا في تعريف المشروع منها وهو الحب وما يثمره , أمر غير مشروع لإفضائه إلى مفاسد لا يقرها الدين وتتنافى مع مقاصده .

    فإذا كان هذا الحب مشروعا فليكن مشروعا ما يثمره من الغيرة على المحبوب والحرص على الرقي به والحفاظ على مكتسباته ومودة أهله وبغض أعدائه.
    وتكون المشروعية أكثر لزوما بل فرض عين حين يكون الوطن مسلما بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى , فما من رجل أو امرأة إلا وهم دائنون بـ لا إله إلا الله محمد رسول الله وما من مدينة أو قرية إلا وتشهد مآذنها بشهادة الحق وتسير شوارعها بقيم الدين الحنيف ويُتَرَنََم في مدارسها بآيات الذكر الحكيم قراءة وتفهما ويؤمر في أسواقها وجنباتها بالمعروف وينهى عن المنكر ويسعى بين أهلها بالأمن والعدل .
    عندها لا نحكم على محبة الوطن بأنها فطرة أو خلق وحسب لأنها تصير عبادة لا يتم الإسلام إلا بها .
    ولا ضير من اتساع نطاق الشعور بالانتماء من القرية أو المحلة إلى ما تضمنته حدود الدولة , إذ هو كسائر المشاعر النبيلة لا يمنع الإسلام من اتساع نطاقها ,كالمحبة والكرم والعطف , مادام المحبوب والمكرم ممن أبيحت لنا محبته وإكرامه والعطف عليه .
    (2)
    الوطنية والأخوة الإسلامية :
    إن الأخوة في الله سبحانه وتعالى على دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد سواه إحدى المسلمات التي لا يمكن الجدال فيها وتقتضي هذه المسلمة أن يكون بين المسلمين من التواصي والتراحم والتآخي كما بين الإخوة في النسب : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الحجرات10 وفيما جاء في صحيح البخاري ج5/ص2253عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( لَا تَبَاغَضُوا ولا تَحَاسَدُوا ولا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري ج2/ص862
    (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كان في حَاجَةِ أَخِيهِ كان الله في حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عنه كُرْبَةً من كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يوم الْقِيَامَةِ ) وفي صحيح مسلم ج4/ص2000عن النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إن اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى له سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ)
    وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني في المعجم الأوسط ج7/ص270عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم و من لم يصبح ويمس ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم )
    وهذه النصوص الرائعة في ترسيخ مبدأ الأخوة الإسلامية , هي عينها النصوص التي ينبغي أن يترسخ بها مبدأ الشعور الوطني بكل جوانبه .
    ذلك أن المسلمين وإن ثبتت الأخوة لكل منهم أينما كان إلا أنهم لا يمكن أن يكونوا في درجة واحدة من الأولوية في الحقوق كما أننا لا نطالبهم في كل مكان بدرجة واحدة من الواجبات نحونا .
    فالأولية في الاستحقاق من قِبَلِنا هي لمن لنا عليهم الأولية في الواجبات نحونا , وهؤلاء بلا شك هم الأقربون الذين يعولوننا ونعولهم بحكم تساوينا في الاستحقاق من هذا الوطن , كما أن لنا بهم صلات أخر غير الإسلام والمشاركة في الاستحقاق من هذا الوطن ألا وهي صلة النسب والمساكنة في الدار المعتبرتان شرعا .
    والعمل بالأوليات في مجال أخذ الحقوق وإعطائها مبدأ لم تغفله الشريعة , ومن أمثلته: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه كما في صحيح البخاري ج2/ص518عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خَيْرُ الصَّدَقَةِ ما كان عن ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) وفي رواية أبي أمامة رضي الله عنه كما في صحيح مسلم ج2/ص718 قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( يا بن آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لك وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لك ولا تُلَامُ على كَفَافٍ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ من الْيَدِ السُّفْلَى)
    وانظر إلى هذا الحشد من الروايات التي يسوقها البخاري رحمه الله دالة على فقه الأوليات :
    قال رحمه الله صحيح البخاري ج2/ص518
    : بَاب لَا صَدَقَةَ إلا عن ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ تَصَدَّقَ وهو مُحْتَاجٌ أو أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أو عليه دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى من الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وهو رَدٌّ عليه ليس له أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ الناس وقال النبي صلى الله عليه وسلم من أَخَذَ أَمْوَالَ الناس يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ الله إلا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ فَيُؤْثِرَ على نَفْسِهِ وَلَوْ كان بِهِ خَصَاصَةٌ كَفِعْلِ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه حين تَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَكَذَلِكَ آثَرَ الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ وَنَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عن إِضَاعَةِ الْمَالِ فَلَيْسَ له أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ الناس بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ وقال كَعْبُ رضي الله عنه قلت يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ من تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ من مَالِي صَدَقَةً إلى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولهِ صلى الله عليه وسلم قال أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لك قلت فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الذي بِخَيْبَرَ .
    فحق من يجمعك وإياه الدين والمساكنة أوجب عليك من حق من يلزمك بأحدهما . .
    ويقاس على هذه الحقوق سائر أنواع الحقوق من النصرة والحفاظ فمن يشاركك في الوطن أولى بهذه الحقوق ممن يليه .
    وكيف لا يكون كذلك وبينك وإياه شراكة في الكفالة الاجتماعية التي يضمنها لك تساويك معه في الاستحقااق من خير هذا الوطن , فما تأخذه من راتب إن كنت موظفا , هو من أعطاك إياه , وما تجنيه من مكاسب إن كنت غير ذلك , إنما أخذتها منه , وما يصيبك من خير هو أول منتفع به بعدك وما ينزل عليك من ضر هو من يليك في تحمل مشاقه .
    وعلى ذلك فلا يمكن أن تكون نصرتك لأخيك في الإسلام النازح عنك في الوطن طريقها جسد أخيك الأقرب أو ماله أو أمنه ومن اعتقد ذلك فقد قرأ في تعاليم هواه الأعوج ولم يقرأ في تعاليم الإسلام , وشر الهوى ما كان على علم قال تعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }الجاثية23
    وحين نقول : إن مصلحة الوطن لا يمكن أن تتعارض مع مصالح الدين إذا نظرنا إلى قياس المصلحة بمنظور ديني , فإننا نكرر ذلك , في نصرة إخواننا المسلمين , حيث لا يمكن أن تكون نصرتهم بإضعافنا وتفكيك جماعتنا وإنهاك دولتنا , لأن من نزعم نصره لا يريد نصيرا ضعيفا منهكا منشغلا بخلله منكفئا على جراحه , بل يريد مناصرا قويا مجتمعا ملتفتا إلى عدوهما بِكُلِِه لا ببعضه .
    وكيف يكون لنا أن نتفرغ إلى عدو مشترك ونحن نعالج ضعفنا أو نضع يدا في المعركة ويدا نشد بها خواصرنا من الألم ؟ إن ذلك لشيء عجاب .
    إن المسلم النازح إذا وقع في مصيبة فله منا كل شيء إلا شيئا يلحق بنا ضررا لا يرضاه هو لنا ويجزع لنا هو من أن يلم بنا كما ألم به .
    وليس هذا من باب شح النفس في شيء , كما أن إفساد النفس بما لا يصلح به الغير ليس من الإيثار في شيء أيضا
    فالإيثار خلق رائع حين أتحمل المشقة من أجل أن يرتاح أخي , لكنها أبعد ما تكون عن مقاصد الشريعة والعقل والطبع السليم حين أظن أن صلاحه في هلاك نفسي وإفساد أرضي , إذ كيف يكون صلاح غيري في ضياعي وهلاك مكسبي , وقد قال الله في الثناء على المؤثرين {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9, فجعل الله الإيثار في تحمل الخصاصة وهي شدة الحاجة ولم يجعله في تحمل الضرر والفساد في الدين والبدن , كما جعل الإيثار مرتبة عليا ليس مكلفا بها كل أحد , بل ليس مكلفا بها أحد , وإنما هي من عظيم الأعمال التي تبلغ بصاحبها ويبلغ بها مراتب الكما , وقد أشار البخاري رحمه الله في النص المتقدم إلى ذلك , ومن حمل الناس قسرا على نوافل العبادات مما لا يطيقه سوى أصحاب المقامات فقد شرع لهم من الدين ما لم يأذن به الله .
    ومن يريد أن يفسد أرضا من بقاع المسلمين من أجل صلاح أخرى فقد طلب الشفاء بما حرم الله وقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صحيح البخاري ج5/ص2129
    (إِنَّ اللَّهَ لم يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) وقد حرم الله الإفساد في الأرض مطلقا ولم يستثن حالا دون حال {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }الأعراف56 1 - { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } الأعراف85
    { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } الأعراف22
    وجاء التفسير العملي لهذه الآيات من صحابة رسول الله الكرام رضي الله عنهم , حين مشوا لفتح الدنيا وهم يحلون وصية قائدهم انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنوا إن الله يحب المحسنين.
    الوطنية والحدود السياسية :
    الحدود السياسية معروفة مذ كانت الدول , ولكن سلطة هذه الحدود على الأفراد وإلزام الناس بالتابعية للدولة هو من خصائص هذا العصر التي لا يشركه فيها غيره من العصور فيما أحسب , وهذه الحدود هي نقطة الارتكاز لدى كثير ممن رد على الوطنية واعتبرها منافية للإسلام بالكلية , فذكروا أن هذه الحدود قد وضعها العدو للتفريق بين أبناء الأمة الواحدة , ونجح في ذلك حيث أصبح التمايز بين أبناء المسلمين على أساس هذا الشريط الوهمي الذي لم يعدكما كان في السابق حدا لسلطات الحاكم على الأرض بل أصبح أيضا حدا لسلطاته على الأفراد .
    وهذا الكلام صحيح بكليته في الدول التي كانت لبرهة من الزمن في قبضة دول الاستعمار , وصحيح أكثره في تلك الدول التي لم تنشأ في ضل الاستعمار ولم تطأها قدما مستعمر , ولكنه رغم صحته في الجملة لا يصح متعلقا لتحريم الشعور الوطني , إذ إن هذه الحدود موجودة رغما عنا أيا كان القول في سبب وجودها , كما أن القول بتحريمه لن يؤدي إلى محوه من الصدور على وجهه الذي وصفت أولا , بل سيشعر الناس بالتناقض بين مشاعرهم الفطرية التي لا حيلة لهم فيها وبين أحكام دينهم ولا يخفى ما في ذلك من المفسدة على نفس الإنسان وبدنه وعلاقته بمن حوله .
    ولا أطنني أذهب بعيدا إذا قلت إن ما يحدث من بعض شبابنا من إفساد في الأرض باسم الدين إنما هو ردة فعل عنيفة للإحساس بالتناقض بين تعلقهم الفطري ببلادهم وأهلها وبين ما يفتيهم به البعض من كون هذا الإحساس أمر محرم شرعا .
    ثم إن الحدود السياسية وإن قلنا بأن الاستعمار هو من وضعها ليست بعد أن أصبحت واقعا معاشا شرا محضا , وعليه فلا يمكن أن تكون مناطا للتحريم ,بل إن ما نتج عن هذه الحدود من أخطاء يمكن معالجته بغير النهوض على الواقع ومعاندته وتحريم ما لم يأت كتاب ولا سنة بتحريمه , وذلك كما فعلت دول السوق الأوربية حيث وصلت من التقارب بينها إلى ما يمكن أن يعد إلغاء واقعيا لهذه الحدود .
    ونحن نتحدث عن الوطنية باعتبارها قيمة أخلاقية , وبهذا الاعتبار ليست الحدود السياسية أسوارا عالية لا يمكن تجاوزها , كما أنها ليست خطوطا وهمية لا اعتبار لها , بل هي نقاط البداية ونقاط النهاية لجهات من الأرض يضمن فيها الإنسان حقوقا أصيلة على الراعي والرعية يستوجبها انتماؤه لهذه الأرض , بحيث إذا تجاوزها تصبح حقوقه مرتهنة بما يقدمه للبلد المضيف من فروض وواجبات .
    ويمكن لهذه الحدود أن تتسع كما يمكن لها أن تضيق حسب ما يجِد في داخلها وفي محيطها من عوامل الضيق والاتساع التي عرفناها في تاريخ الدول , وتضيق معها حدود الانتماء وتتسع أيضا لكن وفقا للحقوق الأصيلة المصاحبة دوما للحدود السياسية .
    وهذا المفهوم يخالف ما عليه المنادون بالوطنية باعتبارها توجها سياسيا , فالحدود عندهم يمكن أن تضيق ولا يمكن أن تتسع , إذ إن الوطن لديهم مرتبط باسم الإقليم الذي ينتمون إليه لا بالحدود السياسية التي تضمه , لذلك نرى في الدولة الواحدة مطالب انفصالية على أساس وطني ويندر أن نجد مطالب وحدوية إلا على أسس قومية أودينية , ولهذا قدمت أن الوطنية كتوجه سياسي غير مقرة شرعا باعتبارها نزعات انفصالية غير متناهية .
    الوطنية وحقوق الإمام :
    يرى البعض أننا في غير حاجة للقول بالوطنية على أي أساس من الأسس , وذلك أن ما ننشده من الانضباط والطاعة مكفول في الإسلام بإيجاب طاعة الإمام , فإذا أوردنا على المتمرد ما يلزمه من الحقوق لولي الأمر فقد قطعنا عليه الطريق بحكمٍ أصيل في الشرع لا لبس فيه , وصريح العبارة ممتنع على التأويل , وحققنا بذلك ما نرجوا أن نصل إليه دون أن نلجأ إلى تكلف تشريع مصطلح دخيل علينا ثقافة وتاريخا .
    والجواب : أن مسألة الوطنية ليست من المسائل الافتراضية التي تعد مناقشة الفقهاء لها تكلفا أو ترفا فكريا , بل هو مصطلح ينادى به في كل مكان وتقوم على أساسه حركات وتنظيمات وتهراق في سبيله دماء وأموال , وعليه فلا يصح أن يترك دون أن يدرس ويبين الوجه الصحيح فيه .
    ولا شك أن ما ورد في الكتاب والسنة من وجوب الطاعة لولي الأمر والحث على لزوم الجماعة له أبلغ الأثر في كبح كثير من الأنفس الجامحة إلى الفرقة وإثارة الفتن , ولكن ذلك لا يعني بحال أن نجعل طاعة الإمام ملغية لسواها من القيم ا بدل عن أن نتخذهما متضافرتين من أجل تحقيق ما نرومه من الغايات . فإن تضافر الدليلين على مدلول واحد مما يحقق صحته ويؤكد الثقة بثباته .
    كما أن حب الوطن ليس مدرأة للفتن ومجلبة للأمن والاستقرار وحسب كحال طاعة الإمام , فهو حب ,ولا يكون الحب صحيحا حتى تظهر آثاره في تصرفات المحب نحو محبوبه , وإذا صدق القلب في محبة الوطن أثمر رفقا وتهذيبا في تعامل الجوارح مع أجزاء هذا الوطن ومكوناته , كما يثمر إخلاصا وصدقا في العمل من أجل نمائه وتقدمه , وغيرةً على أهله ومكتسباته
    وختاما أسأل الله تعالى : أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

    د / محمد بن إبراهيم بن حسن السعيدي
    رئيس قسم الدراسات الإسلامية في كلية المعلمين بجامعة أم القرى

  2. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وحيثما ذكر اسم اللــه في بلد
    عددت أرجاءه من لب أوطـــــاني
    **قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى** {طه : 135}
    "إن ناسـا في هذا العالم تركوا سذاجـة الحـس لوحــدهـا تتكلم فأخرجت عالما من الجنون يسمـــى:
    [الإلحـــــاد]"

  3. افتراضي

    الأخ محمد أحمد محمود تقول :بسم الله الرحمن الرحيم
    وحيثما ذكر اسم اللــه في بلد
    عددت أرجاءه من لب أوطـــــاني
    حقا لا خلاف بيننا والحمد لله
    __________________

  4. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    بارك الله فيك ووفقك أخي الكريم د.محمد السعيدي أسعدك الله
    **قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى** {طه : 135}
    "إن ناسـا في هذا العالم تركوا سذاجـة الحـس لوحــدهـا تتكلم فأخرجت عالما من الجنون يسمـــى:
    [الإلحـــــاد]"

  5. افتراضي

    حكم الإسلام في القومية والوطنية



    الحمد لله رب العالمين والصلاة والاسلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله ومن تبعه ومن ولاه وسار على دربه وهديه باحسان الى يوم اللدين...........

    حتى نصدر حكما على فكرة ما، يجب علينا أولا أن نفهم معنى هذه الفكرة و واقعها و الغاية التي تهدف إليها ، و بعد ذلك نصدر حكمنا من خلال الاسلام على تلك الفكرة. فما هو معنى فكرتي القومية و الوطنية، و ما هو واقعهما، و ما هي غايتهما؟

    اما القومية، ففي اللغة العربية "قوم الرجل : شيعته و عشيرته" هكذا في لسان العرب لابن منظور. و لكن في الاصطلاح الحديث هي ترجمة لكلمة nationalism المستعملة في اللغات الأوروبية. و هذا الاصطلاح الحديث دخيل على اللغة العربية، و دخيل على فكر المسلمين. و بناء علي اصطلاح الأوروبيين هذا، فهي تعرض على أنها رابطة للمجتمع تربط بين مجموعة من البشر يشتركون بخصائص و صفات مشتركة. فما هي العناصر التي تؤلف تلك الخصائص و الصفات؟ لم يستطع أصحابها أن يتفقوا على مجموعة العناصر التي تشكل "القومية" و لا أن يحددوا مدلولها بشكل منضبط. فمنهم من قال إن مقومات القومية هي الدين، و منهم من قال هي العادات و التقاليد المشتركة، و منهم من قال هي اللون أو العرق البشري، و منهم من قال هي المنطقة الجغرافية، و منهم من جمعها كلها، و منهم من جمع بعضها و رفض البعض الاخر.

    و إذا نظرنا إلى هذه العناصر : اللغة و الرقعة الجغرافية و التاريخ المشترك و المصالح المشتركة... نجد أنها نتائج و ليست سببا. إنها نتائج توجد عند الناس الذين تكون بينهم رابطة تربطهم، و ليست هذه العناصر هي التي تشكل الرابطة. الذي يوجد الرابطة بين الناس هي وحدة أفكارهم، و خاصة الأفكار الأساسية. و لتوضيح ذلط نأخذ المجتمع المكي قبيل بعثة النبي محمد صلى اله عليه و سلم. كانت قبيلة قريش تشكل المجتمع المكي (كان هناك ناس من قبئل أخرى و لكن كانوا تبعا لقريش و يحملون الولاء لها). هذه القبلية كانت ذات لغة واحدة، و تاريخ واحد و رقعة جغرافية واحدة، و عرقية عصبية واحدة، و مصالح مشتركة. و كانت في الوقت نفسه تحمل أفكارا مشتركة.

    جاء الاسلام و لم يتعرض إلى لغتهم و لا تاريخهم و لا عرقيتهم و لا جغرافيتهم و لا مصالحهم ، و إنما تعرض لشيء واحد، هو أفكارهم بدءا بالعقيدة الأساس، مرورا بالعقائد الفرعية وصولا إلى سلوكهم و قيمهم و مقاييسهم و معاملاتهم.

    بعد مدة حصل انشقاق في المجتمع المكي : فريق مسلم و آخر مشرك. و هاجر قسم من المسلمين إلى الحبشة و صبر قسم آخر على الأذى و المقاطعة، ثم هاجروا إلى المدينة. ثم وقعت حروب طاحنة بين الفريقين.
    لماذا حصل الانشقاق، مع أن كل العناصر التي يزعمون أنها تشكل الخصائص و الصفات التي توجد الرابطة موجودة ، ما عدا عنصر الوحدة الفكرية؟
    ثم بعد فتح مكة و دخول قريش إلى الاسلام عادت الوحدة الفكرية إلى المجتمع المكي، و لكن هذه المرة على أساس الاسلام و مفاهيم الاسلام، فعادت اللحمة إلى مجتمع مكة من جديد.
    و هذا المثال الواضح يرينا أن الذي يوجد الرابطة و الوحدة و الاندماج و الانسجام هو وحدة الأفكار. و كلما ازدادت نسبة الأفكار لمتفق عليها في المجتمع قويت الرابطة و اشتدت أواصرها، و كلما ازدادت نسبة الأفكار المختلف عليها تشقق المجتمع و تفكك. و لا نظن أن شخصا عاقلا نزيها يماري في هذا الرأي.

    إن فكرة القومية التي انتشرت في بلادنا هي القومية العربية فلنلق الضوء عليها بشكل خاص. فالقوميون العروبيون يرون أن "العرب" يشكلون "أمة واحدة" مستقلة عن غيرها من الشعوب و ألأمم، فهم "أمة عربية" و ليسوا "أمة اسلامية" و لا جزءا من "أمة اسلامية"، إذ لا وجود "لأمة اسلامية" بنظر هؤلاء. و يرون أن الرابطة التي تجمع هذه "الأمة" هي اللغة العربية بشكل أساسي.

    فما هو الموقف الشرعي من تلك الفكرة؟

    إن النظرة النزيهة إلى التاريخ لا تحتاج إلا إلى قليل من الوعي حتى تدرك أن اللغة العربية لم تكن يوما لتشكل رابطة للمجتمع. فها هي في الجاهلية كانت منتشرة في الجزيرة العربية كلها، فلماذا لم تجمع العرب؟ ألم تكن القبائل العربية متفرقة متناحرة رغم وحدة اللغة؟
    إن العرب لم يتحدوا و يجتمعوا إلا بعد ان نزل الاسلام و انتشر في الجزيرة العربية، و ها هو الله سبحانه و تعالى يذكر المسلمين بالنعمة التي أسبغها عليهم بالإسلام قائلا: و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ، و اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا : و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ..سورة آل عمران - آية 103

    إذن فإن الاسلام بوصفه دينا للبشر كافة و نظاما للحياة و المجتمع هو الذي جمع العرب و ليس اللغة العربية . "و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" سورة الأنفال آية 63

    و هناك من القوميين العروبيين من يقول إن مقومات القومية العربية هي العروبة و الاسلام معا. و يستدل على ذلك بأن القرآن عربي ، فالله تعالى يقول "إنا أنزلناه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون".. سورة يوسف آية 2
    و ينسب بذلك القومية العربية إلى الاسلام.

    فهؤلاء نقول لهم ، إن الله تعالى يقول للرسول صلى الله عليه و سلم: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" .. سورة الأعراف آية 158
    و يقول عز و جل: "و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" سورة الأنبياء آية 107
    و يقول سبحانه و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا ..سورة سبأ آية 28
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة و بعثت إلى كل أحمر و أسود.
    فرسالة الاسلام رسالة عالمية و ليست للعرب وحدهم ، و الأمة تضم المؤمنين من العرب و غيرهم . فقد كان في نص الوثيقة التي كتبها الرسول صلى الله عليه و سلم فور وصوله إلى المدينة و قيام الدولة الاسلامية الأولى أن "المؤمنين و المسلمين من قريش و يثرب و من تبعهم و جاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس" سيرة ابن هشام
    فالأمة الاسلامية حين انتشرت و توسعت ضمت في رحابها من العجم و سائر الشعوب أكثر مما ضمت من العرب. و ها هي الامة الاسلامية اليوم تربو على مليار نسمة, لا يزيد العرب عن ربعهم و الباقون من غير العرب.
    و لنتذكر وصية الرسول صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع: " يا أيها الناس ، ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، و لا لعجمي على عربي, و لا لأسود على أحمر , و لا لأحمر على أسود, إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"

    نعم لقد تمسك المسلمون باللغة العربية ، إلا أنهم لم يتمسكوا بها بدافع قومي أو عنصري، و إنما تمسكا بالاسلام نفسه الذي نزل بلغة العرب ، و هي اللغة التي يحترمها جميع المسلمين عربا و غير عرب، و يسعون إلى تعلمها و إتقانها . و ها نحن نرى أن اللغة العربية انتشرت مع انتشار الاسلام ما بين الخليخ شرقا و المحيط الأطلسي غربا، و تصل إلى حدود الأناضول شمالا، بعد أن كانت حبيسة الجزيرة العربية. فهل كان لتلك اللغة أن تنتشر لولا ظهور الاسلام؟
    لذلك فإن الدعوة إلى القومية هي دعوة إلى عصبية جاهلية جدية، و ليست من الاسلام في شيء. و الداعي إلى القومية مرتكب لمعصية كبيرة و آثم عند الله تعالى.

    و أما الوطنية : فيعرضها أصحابها رابطة تجمع الناس في وطن معين. أما ما هو هذا الوطن؟ فواقع الذين يدعون إلى الوطنية أنهم يعدون الوطن هو ذلك الكيان السياسي الذي تقوم فوقه دولة ذات

    حدود مرسومة على الخريطة بغض النظر عمن رسم تلك الحدود. فيتكلمون عن الوطنية اللبنانية و الوطنية العراقية و الوطنية المصرية و هكذا. فهل هذا حقا هو معنى كلمة "الوطن"؟

    يقول صاحب القاموس المحيط عن المعنى اللغوي لكلمة وطن: "منزل الإقامة و مربط البقر و الغنم، الجمع أوطان، و وطن به يطن و أوطن: أقام". و الإقامة قد تكون في قرية أو مدينة و بذلك تصلح المدينة أو القرية لأن تكون وطنا. إذن فغن أوسع مدلول لكلمة وطن هو القرية أو المدينة التي يعيش فيها الإنسان , أما سائر المدن و القرى فهي كلها بالنسبة له سواء، لا فرق بين مدينة أو قرية ضمن ولايته أو إمارته أو دولته و بين أخرى تقع خارجها، فكلها سواء من حيث إنه لا يستوطنها. فالمقيم في بيروت مثلا قد يتعلق قلبه ببيروت لأنه عاش فيها و استوطنها و اعتاد عليها، إلا أنه لا فرق بالنسبة له بين طرابلس الشام و دمشق أو بين صيدا و الإسكندرية أو بين بعلبك و بغداد، من حيث إنها كلها مدن لا يستوطنها.

    إلا أن أدعياء فكرة "الوطنية" لما أرادوا أن يبتدعوا فكرة يكرسون بها الكائنات التي أقامها الكافر المستعمر في بلادنا بعد أن قسمها إلى دويلات هزيلة، حرفوا كلمة "الوطن" لتصبح دالة على ”لبنان" الذي أسسه غورو سنة 1920 ، و على العرق و الأردن و فلسطين و سوريا و مصر التي أوجدتها معاهدات الغربيين و مؤامراتهم.

    و بذلك تصبح "الوطنية" هي الرابطة التي تجمع الناس الذين يعيشون داخل حدود دولة من هذه الدول، و تفصلهم عن سائر الناس الذين هم خارج تلك الحدود.و بذلك يصبح اللبناني مرتبطا فقط باللبناني و يصبح المصري مرتبطا فقط بالمصري، حتى تنقسم الأمة و تتعدد همومها، و لا تعمل سويا في سبيل قضية واحدة هي قضية الأمة، فما يهم الجزائري لا يهم التونسي... و هكذا . و من أجل تكريس ذلك المفهوم ، بثت بين الناس شعارات مضللة خبيثة مثل "الدين لله و الوطن للجميع" و مثل نحن ننتمي إلى الوطن قبل أن ننتمي إلى الدين" و غيرهما من الشعارات التي تتعارض مع الاسلام من حيث الأساس. فأين الوطنية من قوله صلى الله عليه و سلم : "مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

    و لا يخفى بعد هذا الشرح ما في فكرة "الوطنية" من خطر على كيان الأمة و من تآمر عليها. و ما قلناه في شأن القومية يقال في شأن الوطنية.و علاوة على ذلك، فإن الواقع يثبت أن الأرض لا تجمع الناس و لا تربط بينهم، فهي تقوم ببعض الأحيان كرابطة مؤقتة، و ذلك حين يتعرض الوطن للاعتداء من قبل أجنبي يرفضه جميع المواطنين، فيتكتل الجميع حتى يردوا ذلك العدو المشترك. إلا أنها في حالة السلم - و هي الحالة الطبيعية - فإنها لا تصلح لجمع الناس و لا تقوم رابطة بينهم. و أكبر دليل على ذلك أن الأوطان التي تحوي مزيجا من السكان متناقضا فكريا تبقى دائما في توتر و تسود فيها الحروب، و هي لا تكاد تخرج من حرب حتى تدخل في أخرى. و هذا دليل على أن الوطنية ليست رابطة للمجتمع. فهذا لبنان و هذه قبرص و هذه البوسنة و هذه الجزائر... كل منها تشكل دولة واحدة (وطنا واحدا)، و لكن اختلاف الأفكار جعل المشاعر تختلف و الدولة تتمزق.

    و لكن العجيب في الأمر ، أن تجد أناسا ينسبون فكرة "الوطنية" إلى الاسلام! فيقولون إن الاسلام حض على الوطنية و عزز الشعور الوطني لدى المسلمين، مستدلين على ذلك بان الرسول قال حين خرج من مكة: " أنت أحب بلاد الله إلي و لولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك"، و بأن الاسلام أمر بالدفاع عن الاوطان و اعتبر ذلك جهادا في سبيل الله.
    فأما حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي استدلوا به، فلا شان له بالوطنية لا من قريب و لا من بعيد. فالرسول عليه الصلاة و السلام لم يكن يحب مكة لأنها وطنه، و إنما كان يحبها لأنها البلد الحرام الذي يحتضن الكعبة الشريفة. و الذي يوضح ذلك هو الحديث نفسه الذي يستدلون به غالبا مجتزءا، فقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة و قال: " أنت أحب بلاد الله إلى الله ، و أنت أحب بلاد الله إلي، و لولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك". إذا فالرسول صلى الله عليه و سلم كان يحب مكة لأنها أحب اليلاد إلى الله تعالى.
    و أما قولهم إن الاسلام أمر بالدفاع عن الأوطان و اعتبر ذلك جهادا في سبيل الله، ففيه كثير من التلبيس و التضليل.
    ذلك أن الاسلام لم يأمر بالدفاع عن "الوطن" و إنما أمر بالدفاع عن البلاد الاسلامية بغض النظر عن كونها وطنا للمجاهد أو غير ذلك.

    فعلى هذه الأساس فإن واجب الجهاد لتحرير فلسطين من دولة يهود و تحرير الأندلس من الأوروبيين و الدفاع عن أراضي البوسنة و الهرسك و الشيشانو بلاد كشمير في الهند، لا يناط فقط بأهل تلك البلاد طالما لا يستطيعون رد العدوان وحدهم، و إنما يناط الواجب بكل المسلمين الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يتحقق الفرض. و على هذا الأساس أيضا، لا يجب على المسلم الذي يعيش في غير البلاد الاسلامية كأستراليا و أميركا أن يدافع عن تلك البلاد إذا نشبت حرب بين دولته و دولة أخرى، بل لا يجوز له ذلك، أن هذا قتال في غي سبيل الله، و الرسول صلى الله عليه و سلم يقول: "من قتل تحت راية عمية، يدعو إلى عصبية ، أو ينصر عصبية ، فقتلة جاهلية".

    ثم إن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يتمسك بتراب "وطنه" مكة الذي أخرج منه بغير حق هو و صحابته الكرم، و قد كان في استطاعته ذلك بعد الفتح. لكنه رجع إلى المدينة عاصمة الدولة الاسلامية و أقام فيها ما تبقى من أيام حياته، و و لم يوص المسلمين بدفن جثمانه الطاهر في تراب "الوطن" مكة المكرمة، و هكذا فعل أصحابه رضوان الله عليهم من بعده، فشهداء بدر و أحد دفنوا في البقيع في المدينة و أبو عبيدة دفن في غور الأردن، و أبو أيوب الأنصاري دفن قرب أسوار القسطنطينية، و حفظة القرىن الكريم من الصحابة دفنت أعداد منهم في أطراف الهند و بحر قزوين خلال الفتوحات الاسلامية، و لم يصدر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا عن صحابته الكرام أي اشارة "وطنية" أو حنين للديار ، بل كان همهم الأول و قضيتهم المصيرية إعلاء كلمة الله و نشر الاسلام و إخراج الناس من الظلمات إلى النور.

    لقد وصل الأمر ببعض دعاة "الوطنية " إلى افتراء الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه و سلم كقولهم (حب الوطن من الإيمان) فهذا ليس بحديث و لم يقله صلى الله عليه و سلم ثم إن حب الوطن شيء و "الوطنية" شيء آخر.
    فحب الوطن شيء طبيعي و غريزي لدى الانسان ، ذلك أن قلب الإنسان يتعلق بالمكان الذي اعتاد عليه و ترعرع فيه و كانت له معه ذكريات جميلة، فهو يحن إلى البيت الذي ترعرع فيه و يحب الحي أو القرية أو المدينة التي نشأ فيها أو سكنها فترة من الزمن، إلا أن هذا الحب "الغريزي" لا يتعدى القرية أو المدينة أو المنطقة التي عاش فيه الانسان. أما "الوطنية" التي يروج لها مثقفو البلاط و كتاب السلطة، فهي التي يريدون لها أن تكون رابطة تجمع سكان الدولة الواحدة و تفصلهم عن سائر إخوانهم في سائر العالم الاسلامي.
    لذلك نقول: إن الدعوة إلى القومية أو الوطنية هي ترويج للفكر الغربي الغريب عن الاسلام. و الرسول صلى الله عليه و سلم يقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". فالداعي إليهما آثم عند الله تعالى.
    فالواجب يحتم على المسلمين أن ينبذوا كل الأفكار و الأطروحات الدخيلة ، و يعودوا من جديد إلى إحياء الرابطة الاسلامية لإقامة مجتمعهم على أساس العقيدة الاسلامية ، فتسوده أفكار الاسلام و مشاعره و أنظمته، حتى تستأنف الأمة حياتها الاسلامية من جديد و تعود أرقى أمم العالم.

    و إذا كانت الأمة كلها مخاطبة بهذا الخطاب، فإن المثقفين فيها هم أحرى الناس بالاستجابة، ذلك أنه في بيئتهم تفشت الأفكار الدخيلة و من خلالهم انتشرت، فعلى عاتقهم تقع مسؤولية التغيير.

    يتبع ان شاء الله...........

  6. افتراضي

    ما هي الوطنية؟



    أ- لغة


    الوطنية من " الوطن" وفي لسان العرب " وطن: الوطن المنزل تقيم به وهو موطن الانسان ومحله والجمع اوطان واوطان الغنم والبقر مرباضها واماكنها التي تاوي اليها..

    وفي صفته صلى الله عليه وسلم: كان لا يوطن الاماكن اي لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به اما المواطن فكل مقام قام به الانسان لامر فهو موطن له .

    وفي الحديث انه صلى الله عليه وسلم نهى عن نقرة الغراب وان يوطن الرجل في المكان بالمسجد كما يوطن البعير قيل معناه ان يالف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا ياوي من عطن الا الى مبرك دمث قد اوطنه واتخذه مناخا ومنه الحديث انه صلى الله عليه وسلم نهى عن ايطان المساجد اي اتخاذها وطنا.."

    ب - : مصطلح الوطنية

    - مصطلح الوطنية انما ظهر في المجتمع الاوروبي على اثر تطورات فكرية و سياسية هامة ادت الى اعادة صياغة المجتمعات الاوروبية. وبايجاز نقول ان مفهوم الوطن كونه بلد يربط فيه جماعة من الناس تتفق ان تلتزم بسيادة الوطن واطاعة الحاكم، وما يتبعه من اجهزة حكومية، انما ظهر بعد ان سعى سياسيون وفلاسفة في كسر شوكة الكنيسة والحد من تدخلها في الحياة العامة في المجتمعات الاوربية وذلك على اثر الصراع الدامي الذي دار لعقود من الزمن واستهلك الكثير من الدماء والثروات

    - من هنا تنادى المفكرون الى ضرورة وضع اسس جديدة تربط ببين الناس لا على اساس الدين والمذاهب الدينية التي ادت الى سفك الدماء وانما على الولاء للوطن

    - اي ان تحويل الولاء من الكنيسة ورجالاتها وايضا من رجال الاقطاع الى الحاكم الوطني كان من ابرز التحولات الفكرية السياسية التي عصفت بالمجتمع الاوروبي والتي توجت بتكريس مفهوم "فصل الدين عن الحياة" وهو اساس الفكر العلماني والعقيدة العلمانية التي تقوم على انكار دور الدين والخالق في تصريف شؤون المجتمع وان كانوا تساهلوا بعض الشيء بحيث سمحوا للافراد بالتدين ولكن على ان يتدخل هذا التدين بالشؤون العامة...

    - وبناء على هذه النظرية العلمانية فام المفكرون والفلاسفة من امثال روسو وجون لوك وفولتير ومونتسيكيو بوضع اسس نظرية "العقد الاجتماعي" وهو عبارة عن عقد بين الحاكم والمحكومين بحيث يكون للمواطن حقوق قانونية دستورية على الحاكم ان يحترمها

    - ومن هنا جاءت نظرية الحقوق الغربية ومن ثم حقوق المواطن والخ

    2- كيف وردت الينا الوطنية حيث ان مفهوم الوطنية هو مفهوم حديث لم يرد في كتاب ربنا ولا سنة نبينا حق التساؤل من اين ورد الينا؟؟ وكيف تحول مع الزمن حتى صار من المقدسات التي نسفك دماءنا في سبيلها؟؟

    يرى الدكتور محمد حسين رحمه الله، في كتابه "الاسلام والحضارة الغربية"، ان اول ما وردت لفظة "الوطن" انما جاء من خلال الازهر المتفرنس رفاعة الطهطاوي الذي اشرب حب فرنسا والحضارة الفرنسية حينما اقام فيها في 1826 الى 1832 فلما عاد الى مصر عاد يصدح بالحضارة الفرنسية وجمالها وصار يدندن حول الوطنية ولعله بدا بداية خجولة الا انه في الواقع طرح بذرة الفكرة التي جاء غيره من الضبوعين بحضارة الغرب ليكملوا سقيها ورعايتها ومن هؤلاء بعض نصارى الشام الذين راوا خلاصهم من حكم الاسلام بالعمل على نشرة فكرة القومية والوطنية

    3- ماذا يترتب على الوطنية؟

    يترتب عليها بداية ان يكون الولاء والبراء دائرا حول الحدود الاصطناعية التي رسمها الانسان لما اسماه "وطن" ومن هنا شاع ضمن الناس (خاصة في الشام) مقولة :"الدين لله والوطن للجميع" لا بل حتى سعى بعض الماكرين الى ترويج الوطنية بدس احاديث فمن ذلك قولهم "حب الوطن من الايمان" فانظر رحمك الله مدى خبثهم ومكرهم الذي تزول له الجبال.

    فمفهوم الوطنية يؤدي الى اثارة البغضاء والاحقاد بين الناس والعصبية الوطنية تؤدي الى دمار شامل لا يبقي ولا يذر وكل ذلك في سبيل الوطن كما شهد العالم في الحروب الكثيرة ومن ابرزها الحربين العالميتين في القرن العشرين.

    ويترتب على الوطنية ان يقوم يهود بمجازر تلو المجازر بحق مسلمي فلسطين بينما مسلمو الاردن مشغولون بهموم و طنهم

    ويترتب عليها ان يقوم المجرم مشرف بالتواطؤ مع امريكا لسحق المسلمين في افغاستان بينما قادة الحركات في باكستان يضحكون على الناس ببعض فتات الكلام الذي لا يغني ولا يسمن من جوع وقل مثل ذلك عن العراق وغيره كالشيشان وكشمير

    بناء على ما سبق ما حكم الشرع في الوطنية

    حيث انه قد علم بالضرورة الرابطة الايمانية هي الرابطة الوحيدة التي اعتبرها الشرع ففرق بين الاب وابنه وبين الزوج وزوجته بحسب ايمانهم من كفرهم

    وحيث ان الولاء والبراء في الاسلام انما مداره حول الايمان او الكفر برب الكون

    وحيث ان السلام يقضي بوحدة المؤمنين اينما كانوا وان المسلم اخو المسلم

    وحيث ان الاسلام يوجب على المسلم ان يتلقى دينه وشريعته من رب الكون لا من حثالات البشر من مفكرين وفلاسفة مصيرهم جهنم

    فان الوطنية بقضها وقضيضها حرام بحرام بحرام

    و لا يجوز الدعوة لها ولا السكوت عنها فانها من اكبر المنكرات التي تفرق بين المسلم واخيه وتؤدي الى سفك الدم المسلم بغير وجه حق

    وتؤدي الى جعل الولاء والبراء مبنيان على غير رابطة الايمان

    وتؤدي الى اتخاذ الكافرين اولياء من دون المؤمنين

    ولذا فالواجب الشرعي على كل مسلم ان يتبرا منها ومن اهلها وان يظهر العداوة لها ولمن عمل لها

    واروع ما قيل عن الوطنية:

    " والبشرية إما أن تعيش _ كما يريدها الإسلام _ أناسيّ تتجمع على زاد الروح وسمة القلب وعلامة الشعور .. وإما أن تعيش قطعانا خلف سياج الحدود الأرضية ، أو حدود الجنس واللون .. وكلها حدود مما يقام للماشية في المرعى كي لا يختلط قطيع بقطيع !!! " سيد قطب ،في ظلال القرآن

    واخيراً اتمنى من الاخوة ان يحكموا شرع الله في هذه القضية وان تفكروا فيها تفكيراً مستنيراً

    وسألاً من الله ان يهدينا ويسخر لنا من يفقهنا في ديننا

    ونسأل الله ان يتم نصره للاسلام وان يعز الاسلام والمسلمين ويذل الشرك والمشركين

    واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين...

  7. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محارب الروافض
    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    أخي الكريم كيف حالك؟ مبارك عليك ما تبقى من شهر رمضان الكريم....

    أخي الكريم لدي بعض التساؤلات بودي ان تؤخذ بعين الإعتبار قليلاً نظراً لأهميتها و توضيحاً للناس من بعض التساؤلات حول موضوعك المتعلق بالقومية العربية و الإسلام.....

    الفكرة القومية والتي تحمل معنى ( اجتماع العرب وتوحدهم على أساس أنهم عرب ) لا تتعارض والاسلام ، فالعرب هم أصل الاسلام و هم أفضل من يفهمه وعليهم نزل بداية ، هذا أولا .

    ثانيا : لا أدري لماذا يفتعل التناقض بين القومية والوطنية والاسلام افتعالا ؟ فإذا كان أحدنا لا خير فيه لأبناء وطنه الذين تربى بينهم وأكل من خير بلادهم وهم الأقربون وهم الأولى بالمعروف فكيف سيكون له خير على البعيد ؟
    ثم كيف يتأتى اجتماع المسلمين على كلمة سواء رغم اختلاف ألسنتهم وعاداتهم وبلدانهم ومصالحهم وتاريخهم وجغرافيتهم إذا عجز العرب عن ( اجتماع ما وبأي صورة كانت ) رغم لغتهم المشتركة وعاداتهم المتقاربة وبلدانهم المتجاورة ومصالحهم المتفقة وتاريخهم الواحد وجغرافيتهم المتداخلة بل وزيادة على ذلك دمائهم ونسبهم وصهرهم وقبائلهم المتمازجة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    مثلنا كمثل أسرة من الأسر اختلف أفرادها هل يطلقون على أنفسهم اسم أبيهم أم اسم بلدتهم رغم أنهم أبناء أبيهم وهم من أسس القرية .

    جزاك الله خير و بارك الله فيك و اثابك الله الفردوس الاعلى مع الصديقين و الأنبياء و المرسلين و صحابتهم و المسلمين
    الأخ الحبيب
    هناك فرق بين الانتساب للقوم والعائلة والعشيرة وبين التكتل على أساس الوطن والقوم والعشيرة والتي هي أوهى الروابط، فالانتساب لقوم وعشيرة وعائلة والصلة بينهم هي من الواجبات التي دعى لها الاسلام وحض عليها، أما التكتل على أساس الوطن والقوم فهو أتعس أنواع التكتلات التي رفضها الاسلام في قول الرسول الكريم :
    حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأحمد بن عبدة الضبي وابن أبي عمر واللفظ لابن أبي شيبة قال بن عبدة أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن عيينة قال سمع عمرو جابر بن عبد الله يقول : (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال دعوى الجاهلية قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال دعوها فإنها منتنة فسمعها عبد الله بن أبي فقال قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه).

    رواه مسلم

    أخبرنا أبو يعلى ، قال: حدثنا عمرو بن محمد الناقد ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار : (عن جابر بن عبد الله ، قال: كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار وقال المهاجري: يا للمهاجرين، قال: فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذاك، فقال: (ما بال دعوى الجاهلية)؟! فقالوا: يا رسول الله ، رجل من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار، فقال: (دعوها، فإنها منتنة)، فقال عبد الله بن أبي بن سلول : قد فعلوها، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: (دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه).).

    قال أبو حاتم : قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنّها منتنة) يريد أنّه لاقصاص في هذا، وكذلك قولهم: فإنها ذميمة، وما يشبهها.

    وسيلي لاحقا الجواب بتفصيل أكثر وأشمل، وأرجو أن أوفق في اجابة الأخ محارب الروافض على استفساره وبارك الله فيك
    وعساكم من عواده

    التعديل الأخير تم 10-12-2007 الساعة 10:08 PM

  8. افتراضي

    دراسات إسلامية
    القومية في الميزان

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إهداء
    إلى المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية الذين باعوا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله نهدي هذا الكتاب

    بسم الله الرحمن الرحيم



    بسم الله الرحمن الرحيم
    القومية في الميزان
    مقدمة
    تعيش الشعوب الإسلامية أجواء معركة شاملة ضد التخلف والانهيار وتحاول التحرك سياسيا واجتماعيا ضد سيطرة الاستعمار الغربي الذي بسط نفوذه عليها ما يزيد على قرنين من الزمن وجعلها مسرحا لإمامته الفكرية وقيادته بعد ان نجح في القضاء على الرسالة الأصلية ومنهج الحياة التي كانت الأمة الإسلامية المؤلفة من تلك الشعوب تحمله مصباح هداية ونورا يهدي سائر البشر قرونا متطاولة من الزمن.

    ولكن بالرغم من إحساس الكثير من أبناء هذه الأمة بالواقع الأليم الذي يعيشونه من تقسيم بلادهم وسيطرة أعدائهم عليهم ،وبالرغم من الذلة المخيمة عليهم ووجود الرغبة الأكيدة لديهم في الحياة الكريمة والرغبة في العودة إلى تبوّء مقعد الصدارة بين شعوب الأرض وتولي قيادة الحضارة البشرية مرة أخرى،إلا ان القلائل منهم يدرك المنهج الصحيح أو القواعد الأساسية التي تبنى عليها النهضة الحقيقة ،واقل القليل يدرك الأنظمة السليمة التي يتوصل بها لذلك. وصار أغلبهم يطرح شعارات عامة ومناهج غامضة ويتبنى أهدافا مبهمة مثل :التحرر من الاستعمار،تحرير الأرض ،حقوق الشعب والاستقلال... ألخ،دون تحديد لواقع الاستعمار أو حقيقة حقوق الشعب ودون إدراك لمعنى الاستقلال ومن غير اتخاذ قاعدة فكرية أساسية كمقياس للأفكار والأعمال مما ساعد على استمرار تضليل الأمة وبقاء إرادتها بيد أعدائها .

    ولعل من أبرز الأفكار التي طرحت كعقيدة وقاعدة للنهضة وأساس للتنظيم الاجتماعي في بلاد العرب فكرة القومية التي قام عليها عدد من التكتلات السياسية والاجتماعية وثار حولها الكثير من الجدل والنقاش من غير ان يدرك جمهرة الناس واقعها وحقيقتها .ومن ثم انقسم الناس حولها ما بين مغالٍ في عدواتها حتى يصل إلى حد غمط الشعب العربي وسلبه جميع ما حباه الله به من خصائص جبلية ،وبين آخرين غلب عليهم حب قومهم حتى شط بهم الفكر فصاروا لا يدركون الفرق بين الانتماء إلى الشعب العربي لغة ونسبا وبين القومية كدعوة فكرية ومنهج سياسي .وقد تشعب هؤلاء (القوميون)إلى من يتطرف ويتبنى العلمانية وهو بذلك يعادي الإسلام صراحة ،وإلى من يحتفظ بجوهر الفكرة القومية مع صبغها بالصبغة الإسلامية .وفي هذه المقالة توضيح للأفكار المتعلقة بالقومية حتى يدرك القاريء الكريم الصواب بشان ذلك .ولعل ذلك يعيد من يحمل بعض الأفكار الخاطئة المتعلقة بالقومية إلى الحق خاصة وان في كل إنسان قابلية العودة إلى الرشد بعد الغي والاهتداء بعد الضلال.

    منقول : مجلة التحرير

    يتبع
    التعديل الأخير تم 10-12-2007 الساعة 10:15 PM

  9. افتراضي

    العرب واللغة العربية

    إن المعلوم لكل واحد أن العرب شعب من شعوب الجنس البشري ينحدر من سلالات معينة ويستوطن بلادا يتكلم أغلب أهلها بلسان واحد هو اللسان العربي.وهم بذلك لا يختلفون عن سائر البشر،إلا أنهم يتميزون بخصائص ومزايا جبلية منها المحمود ،كالغيرة والدفاع عن الشرف ونصرة المظلوم الضعيف ورعاية شؤون الغير وتحمل الأذى في سبيل المبدأ وعدم الرضى بالضيم ،ومنها المذموم كسرعة الغضب والأخذ بالثأر والعصبية والهوى ولو على الباطل .وكان العرب يعيشون على الغزو ويألفون الحروب فوُجدت لديهم الخشونة والطبيعة العسكرية.وقد اختارهم الله رب العالمين عند ظهور الإسلام لحمل رسالته إلى الناس والله سبحانه أعلم حيث يجعل رسالته ،فكان في خصائصهم ما أهلهم لحمل الرسالة بطريقتها التي أنزلها الله وهي الجهاد ،أي القتال والتضحية بالأرواح من أجل نشر دعوة الإسلام.ولقد هذب الإسلام نفوسهم وطهرها، فزاد في خصالهم المحمودة وأزال عنهم الاصرار والأغلال التي كانت عليهم وأبدل أخلاق الجاهلية بأخلاق الإسلام فكانوا بذلك خير أمة أخرجت للناس.ولكن هذا مشروط بقبولهم الإسلام وحملهم إياه إلى باقي الأمم يقول تعالى وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ.

    ولا يستطيع عاقل أن يخالف أن اجتباء الله للعرب من دون الناس وإنزال كتابه بلسانهم هو فضل عظيم من الله سبحانه وتعالى لهم ونعمة كبرى أنعمها عليهم .لذلك كان تعلم اللسان العربي لازم لكل مسلم يريد الاجتهاد في فقه دينه لكون كتاب الله سبحانه وسنة نبيه المطهرة بهذه اللغة،وأصبح فرضا على كل مسلم أن يحفظ من كتاب الله ما يلزمه للقيام بفرائض الشرع من صلاة وتلاوة للقرآن الكريم.

    واللغة العربية هي وحدها لغة الإسلام وهي وحدها اللغة التي ينبغي أن تستعملها الدولة التي تقوم على تطبيق أحكام الإسلام وحمل رسالته ،لأن القرآن الكريم أنزل باللغة العربية .فاللغة العربية هي لغة الإسلام لأنها لغة القران .والقران الكريم هو معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم .وإعجازه هو في تعبيره بهذا اللفظ العربي عن المعاني والأحكام ،أي بعربية اللفظ والأسلوب .فالإعجاز واقع في لفظ القران وفي معناه ولا ينفصل أحدهما عن الآخر .ومحل التحدي للبشر هو أن يأتوا بمثل هذا القرآن،أي أن يأتوا بمثل هذه المعاني والأحكام التي جاء بها القرآن وبنفس إعجاز الأسلوب واللفظ العربي .فكون القرآن باللغة العربية هو أصل في الإعجاز وجزء جوهري منه غير قابل للانفصال .ولذلك لا يكون القرآن قرآنا إلا باللغة العربية،فلذلك لا تجوز ترجمته لأنه إذا غُيِّر خرج عن نظمه فلم يكن قرآنا ولا مثله .وإنما تجوز ترجمة معاني القرآن وتفسيراته. وذلك لأن الله تعالى يقول إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ،ومعنى ذلك أنه إذا لم يكن عربيا فليس بقرآن.والمسلم يتعبد بلفظ القرآن ،فلا تصح صلاة بغيرها لقوله تعالى  فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ،فمعنى قراءة القران أي قراءة ألفاظه ،ولذلك فلا تصح صلاة بغيرها ،أي لا يجوز أن يقرأ المسلم القران في صلاته بغير اللغة العربية .واللغة العربية يجب أن تكون لغة دولة الإسلام كذلك ،لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب إلى الملوك بهذه اللغة ولم يترجمها إلى لغاتهم مع إمكانه ذلك ،مما يدل على أنها لغة الدولة التي تقوم على الإسلام.ولهذا كان من الواجب على جميع المسلمين أن يتعلموا هذه اللغة حتى يتمكنوا من القيام بفرائض دينهم وتطبيق أحكامه ،يقول الإمام الشافعي في رسالته الشهيرة في الأصول (إن الله تعالى فرض على جميع الأمم تعلم اللسان العربي بالتبع لمخاطبتهم بالقرآن والتعبد به).واللغة العربية أيضا هي من ضروريات الاجتهاد في الشريعة الإسلامية ،وهو استنباط الأحكام من النصوص الشرعية وهو فرض على المسلمين في كل مكان وزمان .فمن شروط المجتهد معرفته الأدلة السمعية من قرآن وسنة التي هي باللغة العربية ،كذلك يجب عليه أن يعرف دلالة الألفاظ المستخدمة في لسان العرب معرفة البلغاء.وهذا لا يمكن أن يحصل إلا بتعلم اللغة العربية.ولهذا يجب أن تكون اللغة العربية هي لغة المسلمين فلا يجوز أن تحل محلها أي لغة أخرى لا فارسية ولا تركية ولا غيرها.ولذلك أيضا لا يصح للمرء أن يغض من شأن العرب أو من لغتهم لأن ذلك هو غمط للحق ومحاولة لطمس الحقائق الملموسة.إلا أن إدراك ذلك كله بشان الشعب العربي واللغة العربية أمر يختلف تماما عن أمر القومية العربية كدعوة فكرية سياسية وكرابطة بين الناس .فهذه الدعوة تخالف كل ذي عقل ولب سليم، وهي بهذا لا تختلف عن الدعوى لأي قومية أخرى سواء كانت عربية أو فارسية أو تركية أو غيرها،فهي فاسدة ومخفقة عقلا وشرعا وواقعها يشهد بذلك كما سيتضح في هذا البحث .
    يتبع

  10. افتراضي

    القومية في الميزان
    (عقلا وشرعا)

    من المعلوم لدى كل مفكر أن الناس عندما ينحط فكرهم تنشأ بينهم روابط منخفضة وضيعة نابعة عن غريزة البقاء الموجودة لدى جميع المخلوقات.وتأخذ هذه الروابط المظهر العاطفي دائما،فهي بذلك عرضة للتغيير والتبديل .وتوجد هذه الرابطة في الحيوانات والطيور كما هي موجودة في بني الإنسان .وهذه الروابط تكون غالبا مؤقتة تظهر في حالة الدفاع أو الاعتداء ،أما في حالة الاستقرار وهي الحالة الأصلية لبني الإنسان فإن هذه الروابط لا يكون لها أي وجود .وأبرز مثال لهذه الروابط رابطة الوطنية ورابطة القومية .فهذه الروابط لا تجعل للإنسان الذي حباه الله بالعقل إختيارا فيمن يرتبط بهم ولا تصلح لصهر طاقات الشعوب المختلفة في بوتقة واحدة كي يسير المجتمع البشري في طريق النهوض والتقدم.والرابطة القومية بالذات تنشأ عندما يكون فكر المرء ضيقا لا يعدو ما حوله ،حيث يوجد لدى الإنسان مظهر حب السيادة لنفسه وأسرته والذي يتسع حتى يشمل حب السيادة لقومه في وطنه أولا ،حتى إذا تحقق ذلك سعى لسيادة قومه على غيرهم .لذلك تنشأ عن هذه الرابطة المخاصمات والنزاعات من غير هدف سام يسعى لتحقيقه بل لهدف سيادة جنس أو شعب على غيره من البشر دون مبرر ،ويغلب على أهلها العصبية والهوى ونصرة بعضهم على غيرهم بالحق أو بالباطل .وما أصاب العالم من دمار وويلات خلال الحرب العالمية الثانية إنما هو دليل على خطورة هذه الرابطة على البشر ودليل على ضررها البالغ .فالرابطة الصحيحة للبشر هي الرابطة التي يكون لعقل الإنسان فيها إختيار ولا تكون مفروضة عليه فرضا من غير أن يملك لها جلبا أو دفعا ،وذلك لا يكون إلا بالعقيدة التي يتوصل إليها الإنسان بعقله وبالنظم التي تنبثق عن هذه العقيدة.وهذه هي الرابطة التي تليق بالإنسان وترفعه عن مستوى الحيوانات والطيور.فوجود عقيدة نابعة عن الغريزة دون أن يتوصل إليها بالعقل كالعقيدة القومية يجعل الجماعات البشرية تعيش كقطعان البهائم يجمعها مظهر القطيع،وتجعل المرء يندفع إلى من حوله لمجرد كونهم قومه أو بني جنسه دون هدف أو غاية , ولا تجعل له إختيارا فيمن يرتبط بهم أو يحامي عنهم .كما أن عدم وجود نظم تنبثق عن العقيدة يؤدي إلى النزاع والتنافر عند معالجة مشاكل الحياة لاختلاف مصادر النظم.


    فالرابطة القومية فاسدة عقلا لهذه الأسباب ,فهي:

    أولا : غير عقلية وليس للإنسان خيار في قبولها أو رفضها , بل هي مفروضة عليه فرضا,حيث أن الإنسان لم يختر لنفسه نسبه أو جنسه أو شعبه. ولذلك فهي لا تصلح لتوحيد بني البشر المختلفي الأجناس والأوطان والألوان للسير بالجنس البشري في طريق الرقي فهي بذلك لا تعتبر رابطة إنسانية .

    ثانيا: رابطة مؤقتة تظهر عند الاعتداء على القوم والوطن .أما في حالة الاستقرار والطمأنينة فتختفي لانشغال أهلها بالنـزاع والخصومة فيما بينهم كما هو مشاهد .ولذلك فهي عرضة باستمرار للتغيير والتبديل ولا تصلح لربط البشر لأن الرابطة الصحيحة ينبغي أن تكون دائمية لا تنفصم عراها سواء في حالة الاضطراب أو الاستقرار.

    ثالثا: رابطة تؤدي إلى التطاحن بين الجماعات البشرية بهدف سيادة جنس على آخر وجماعة على أخرى بغير سبب وبغير أن توجد إمكانية لتوحيد تلك الأجناس أو الجماعات باعتناقها عقيدة واحدة وإنضوائها تحت لواء واحد كما يحصل في الروابط العقلية التي يعتنقها الإنسان باختياره.

    رابعا:رابطة لا تحمل أنظمة للحياة منبثقة عنها .ولذلك يحصل التطاحن بين أتباعها عند معالجة مشاكل الحياة . فلا يعرفون نظاما يجتمعون عليه في الحكم أو الاقتصاد أو الاجتماع أو غير ذلك .فأنظمة حياتهم كالثوب المرقع بالألوان المختلفة , ويصبح الناس تحت حكم دعاة القومية كحيوانات المعامل تجرى عليهم التجارب المختلفة في كل يوم .والمتأمل لحال بلاد المسلمين منذ أن تولى قيادتهم هؤلاء يجد هذا واضحا , حيث يجد أنظمة مهلهلة متنافرة , فهذا قومي إشتراكي , وهذا رأسمالي وذلك علماني , مع أنهم جميعا يدعون للقومية كرابطة فيما بينهم .

    وأما من الناحية الشرعية فجميع التعاليم الإسلامية تبين أن الرابطة بين المسلمين يجب أن تكون رابطة العقيدة الإسلامية ولا شيء غيرها , وأنه يحرم على المسلم التفاخر على أساس القوم أو اللون أو الجنس.فمن الآيات الدالة على أن رابطة المسلم هي الإسلام ولا شيء سواه قوله تعالى" ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾",وقوله تعالى :" ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء ﴾" ,وقوله تعالى " ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾" . ومن الأحاديث النبوية الشريفة ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله قال:كنا في غزوة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار,فقال الأنصاري:يا للأنصار ,وقال المهاجرين : يا للمهاجرين ,فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"دعوها فإنها منتنة ".فقوله عليه الصلاة والسلام"دعوها"أمر صريح بتركها وبتحريم النداء بهذه الرابطة ودل على أن فاعل ذلك كأنه يتعاطى المنتن, ولا شك أن المنتن خبيث , ولقد كرمنا الله بأن جعل ديننا يحرم الخبائث. وفي صحيح مسلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لهم عند ذلك "ما بال دعوى الجاهلية", وفي رواية أخرى"أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم". فالنداء بالانتساب لقوم من دعوى الجاهلية, وقد قال عليه الصلاة والسلام "ليس منا من دعى بدعوى الجاهلية". وكذلك من الأحاديث التي تنهى عن النداء بنداء القومية والعصبية قوله عليه الصلاة والسلام (لينتهين أقوام عن الفخر بآبائهم أو ليجعلنهم الله أهون عليه من الجعل )،وقوله (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود ،الناس كلهم سواسية كأسنان المشط ،كلكم لآدم وآدم من تراب )،وأخرج أحمد والنسائي وابن حبان قوله عليه السلام (من تعزى عليكم بعزاء الجاهلية فأَعِضوه بِهُنَّ أبيه ولا تكنوا) أي أمر ان يقال للداعي بنداء العصبية:اعضض هن أبيك،أي فرجه ولا يكنى عن ذلك مما يدل على قبح النداء بهذه الرابطة وشدة بغض النبي عليه الصلاة والسلام لها.

    فكل هذه الآيات والأحاديث تدل على أن رابطة القوم أو الجنس لكي يسود شعب أو جنس على غيره من البشر أمر بعيد تماما عن تعاليم الشريعة المطهرة،وذلك للتعارض التام بين دين الإسلام كدعوة للبشر كافة وبين الفكرة القومية الضيقة المحصورة على أفراد الجنس الواحد أو القوم الواحد .ومن العبث أن يحاول أحد التوفيق بين القومية كرابطة وبين الإسلام ،أو أن يصبغ القومية بصبغة إسلامية لكونهما على طرفي نقيض ،فلا يمكن أن يجتمع شرع الله المخاطب به كل البشر والذي ينضوي تحت لوائه كل قوم وجنس والدعوة للقومية الفاسدة الداعية لسيادة جنس من الناس على غيرهم بلا حق .

    فالرابطة الصحيحة لكل إنسان ولجميع البشر هي رابطة الإسلام وهي العقيدة الإسلامية وسائر الأحكام الشرعية المنبثقة عنها.فالعقيدة الإسلامية عقيدة جرى التوصل إليها بالعقل،وذلك بالنظر في آيات الله ومخلوقاته المبثوثة في هذا الكون للوصول إلى الإدراك الجازم بوجود الخالق سبحانه وتعالى،ثم بالنظر في رسالة الإسلام وتعاليمه وإعجاز القرآن الكريم لكي يدرك جزما أن محمدا عليه الصلاة والسلام – الذي جاء بهذه المعجزة- هو رسول للبشر حقا .ومتى التزم الإنسان بهذه الرابطة المبدئية بدخوله في دين الإسلام يصبح كل من قبلها والتزم بها أخا له في السراء والضراء وفي الخير والشر (﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾)،ويصبح كل من نبذ هذه العقيدة وتعاليمها عدوا له ولو كان أقرب قريب (﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾) الآية .فهذه الرابطة تصهر الشعوب المختلفة في أمة واحدة تحمل رسالتها إلى العالم ،وهذا ما حدث في تاريخ الإسلام ،إذ صهرت هذه العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية المنبثقة عنها شعوب العرب والبربر والكُرد والتُرك وأوجدت منهم هذه الأمة المسلمة التي كانت زهرة الدنيا وقبلة الناس مئات السنين .

    منقول : مجلة التحرير
    التعديل الأخير تم 10-12-2007 الساعة 10:17 PM

  11. افتراضي

    بارك الله فيك على هذا المجهود الطيب و جزاك ربي الفردوس الأعلى
    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {112/1} اللَّهُ الصَّمَدُ {112/2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {112/3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ {112/4}

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,604
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    1ا- لا وجود للوطنية في الاسلام لان ما يوجد في الوطنية يوجد في الاسلام افضل منه و ما يوجد في الاسلام لا يوجد في الوطنية ابدا ابدا.
    2- وطن المسلم هو الذي تعلوه احكام الاسلام و لهذا قال العلماء بوجوب الهجرة من دار الاسلام التي تحولت الى دار الكفر اذا اصبح المسلم فيها لا يستطيع ان يقيم دينه كما هاجر الرسول ص من مكة وطنه و كما اجمع علماء الاندلس على وجوب خروج المسلمين من الاندلس بعد محاكم التفتيش .
    3- الوطن فيه المسلم و الكافر و لا يستويان ابدا لا في حقوق و لا في الواجبات و اذا انعدمت المساواة لم يعد هناك معنى للوطن .
    -- قد يصطدم الاسلام مباشرة مع الوطنية و من الامثلة المعاصرة لذلك مسألة العراق فالوحدة الوطنية تعني بدون شك علو الاحكام الكفرية على الوطن و تعني مما تعنيه الوصول الى حلول وسطى مع الشيعة و العلمانيين و الايزيدين و الامريكين و غيرهم بينما التقسيم قد يكون افضل اسلاميا فلو تمكن اهل السنة من من اقامة احكام الاسلام في منطقتهم فمؤكد شرعا و عقلا ان التقسيم افضل من الوطنية و يعجب المرء كيف يجعل بعض الناس لحدود سايكس بيكو من القداسة من لم يأذن به الله.
    4- حب الوطن لا علاقة له بالتعامل مع الوطن فالرسول يحب مكة و لكنه قاتل مكة فحب الارض لا علاقة له بمعاملة أهل الارض و الا فالمحتل للارض اذا مكث فيها زمنا طويلا فهو ايضا من اهل الوطن كما كان حال الفرنسيين في الجزائر فقد مكثوا فيها اجيال و اجيال و كما هو حال اليهود في فلسطين و كما هو حال الصرب في البوسنة و كما هو حال الاسبان في سبتة و مليلية المغربيتين و الامثلة كثيرة.
    5- فلو ان أمريكيا أسلم حقيقة فمؤكد ان علاقته بوطنه و اهله ستتغير جذريا و يصبح الوطن هباء منثورا و ما ينطبق على المسلم الامريكي ينطبق على المسلم العربي فحكم الله واحد و المسلمون سواسية فيما لهم و ما عليهم.
    -7- لو أن دولتان مسلمتان دخلتا في حرب دنيوية من اجل الحدود او النفط او ما شابه ذلك ففي هذه الحال لا معنى للوطنية لان الوطن في امس الحاجة لابناءه للدفاع عنه بينما الاسلام في هذه الحال يقول ان القاتل و المقتول من الطرفين في النار فماذا بقي للوطن او الوطنية اذا ؟؟؟؟؟؟؟؟
    8- و لو ان دولة تحكم بشرع الله قاتلت دولة مسلمة اخرى لا تحكم بشرع الله فالواجب هنا على المسلم ان يكون الدولة الاسلامية بينما الدولة الاخرى تعتبره هنا خائن خيانة عظمى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فأين الوطن و أين الوطنية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تنبيه: موقفنا من المواقع التي تسيء إلى الإسلام ، وبيان طرق نصرة الإسلام
    بواسطة عبد الغفور في المنتدى قسم الاستراحة والمقترحات والإعلانات
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 03-04-2010, 10:44 PM
  2. الرد علي مقالات اللادينيين عن الإسلام(5)(الساعة الملاحم ونهاية الأيام في الإسلام)
    بواسطة حسام الدين حامد في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 12-06-2004, 02:49 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء