الأخ سيف الكلمة
شكرا لملاحظاتك التي بالفعل عالجت نقاطا لم يتناولها الآخرون. بدءا أريد أن ألفت انتباهك إلى طريقة رد الفاروق بعد جوابي على مداخلتك الأخيرة. أنا و الله لم أقصد أن أهين أحد و لو نظرت إلى طريقة جوابي لك في المداخلة السابقة لعلمت ذلك. و لكن بعد رد الفاروق الأخير الذي حشاه حشوا بالتهكم و التلميحات إلى أنني ملحد لم يبق لي خيار إلا أن أجيبه و هو ما سأفعله بعد أن أرد على نقاطك واحدة واحدة.
قلت: " القرآن غير الكتاب المقدس والإسلام غير الكنيسة فشتان بين كلام الله وكلام البشر وشتان بين منهج الله وبين الكنيسة لن تجد تعارض بين القرآن وبين الحقائق العلمية أبدا"
لا تعارض بيننا. و إذا كنت لم أوضح قصدي سابقا: لا تعارض بين العلم و القرآن و إنما بين معظم علماء البيولوجيا حاليا و النظرة القرآنية للخلق و هذه للأسف حقيقة. سببها طبعا انتشار الإلحاد – و الذي يعود بمعظمه إلى التناقضات الصارخة في الإنجيل و الدور السلبي للكنيسة بشكل عام تجاه العلم و الذي هو حاليا يتكرر و هذا ما عنيته بقصدي أن لدى الإسلام فرصة تاريخية.
قلت: "لا نحتاج لفرصة لنقترب بالإسلام من النظرية الناقصة والسيئة السمعة وإن كان لها عشرات الآلاف من المؤيدين الملحدين أو العلمانيين فالنظرية أى نظرية لم تكتمل الحقائق العلمية لتكون قانون علمى ملزم"
النظرية و لا شك ناقصة و أنا برأيي المتواضع أرى أنه حتى لو كان التطور حقيقة فإنه لا يمكن أن يكون عشوائيا أو بطريق صدفة فلا شك أن النظرة الإلحادية خاطئة. أما عن كونها سيئة السمعة فالأمر نسبي حيث أنها أفضل الموجود برأي معظم العلماء بالغرب. و أنت برأيك أنه لا داعي أن نتقرب بالإسلام إليها و أنا أقول لم لا إن ثبت أنه يمكن ذلك و هذا هو موضوع مداخلتي كلها. ألا ترى في ذلك مصلحة محتملة ؟ و إن كان في ذلك قراءة جديدة لآيات القرآن فهذا ليس بجديد حيث أن الآيات الكونية في القرآن تطور تفسيرها بتطور العلم فلا أرى في ذلك ضيرا بحد ذاته.
قلت "ولا بد أن يوجد بها حيز للتفكير الإستقرائى يمكن توجيهه لدعم منطلقات فكرية كالإلحاد أو اللادينية"
و كذلك فيها حيز استقرائي لربطها مع وجود الخالق و هو أقوى و أكبر برأيي من الحيز المتاح للعلمانيين. فإذا كان العلمانيون يستطيعون استغلال هذا الحيز فلم لا نفعل نحن ؟ و هل تظن أن معظم الغربيين ألحدوا من غير سبب إلا غياب البديل الديني الملائم ؟ ثم إن هذا الحيز الاستقرائي الذي يدعم النظريات الإلحادية موجود في معظم النظريات العلمية. فكل قانون طبيعي يمكن النظر إليه أنه من وضع الخالق أو أنه مجرد قانون مادي بحت.
ثم قلت "خلق الله آدم من تراب أو طين أو صلصال ولا يحتاج الله للمكونات الجينية للكائنات الفانية لخلق آدم فهو خالق هذه الكائنات بمكوناتها الجينية وهو قادر على أن يخلق الإنسان بمكونات مشابهة جزئيا أو بغيرها"
الله عز و جل لم يحتج إلى المكونات لخلق الكون فكيف بخلق الإنسان. غير أنه جل جلاله خلقنا من تراب و ما كان ذلك إلا لحكمة و أنا أرى أنه ما أخبرنا بذلك إلا لحكمة. أنا لا أرى في القول أنه كان في التراب مواد عضوية (أو سمها ما شئت) ما ينقص من قدرة الله.
ثم قلت "والتشابه فى الخلق بين كل الكائنات الحية دليل على وحدة الخالق وليست بدليل مؤكد على التطور وإنما هو احتمال فى التفكير لديك"
و أنا أقول ليس التشابه فقط, بل إن الاختلاف في الأنواع مع بقاء التشابه هو دليل أقوى على وجود الخالق. و ساقبل بان كون هذا دليلا على نظرية التطور هو مجرد احتمال لدي .. فيبقى السؤال ... هل يتعارض هذا مع الشرع؟ و سأعطيك هنا مثالا على ما أعنيه: لنفرض أنني غير مسلم و لدي زوجتين .. إذا أردت أن تدعوني للإسلام ما الضير أن تقول لي أن الإسلام سيقبلني على وضعي ؟
ثم إنك استشهدت بالآية الكريمة "الزمر (آية:6): خلقكم من نفس واحده ثم جعل منها زوجها وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج"
بما معناه أن الأنعام أنزلت من السماء إنزالا كما هي. و أنا في الرد على هذا سأذكر ما في تفسير القرطبي: " أَخْبَرَ عَنْ الْأَزْوَاج بِالنُّزُولِ ; لِأَنَّهَا تَكَوَّنَتْ بِالنَّبَاتِ وَالنَّبَات بِالْمَاءِ الْمُنْزَل . وَهَذَا يُسَمَّى التَّدْرِيج ; وَمِثْله قَوْله تَعَالَى : " قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا " [ الْأَعْرَاف : 26 ] الْآيَة . وَقِيلَ : أَنْزَلَ أَنْشَأَ وَجَعَلَ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : خَلَقَ . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ هَذِهِ الْأَنْعَام فِي الْجَنَّة ثُمَّ أَنْزَلَهَا إِلَى الْأَرْض ; كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى : " وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد " [ الْحَدِيد : 25 ] فَإِنَّ آدَم لَمَّا هَبَطَ إِلَى الْأَرْض أُنْزِلَ مَعَهُ الْحَدِيد . وَقِيلَ : " وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام " أَيْ أَعْطَاكُمْ . وَقِيلَ : جَعَلَ الْخَلْق إِنْزَالًا ; لِأَنَّ الْخَلْق إِنَّمَا يَكُون بِأَمْرٍ يَنْزِل مِنْ السَّمَاء . فَالْمَعْنَى : خَلَقَ لَكُمْ كَذَا بِأَمْرِهِ النَّازِل . قَالَ قَتَادَة : مِنْ الْإِبِل اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَر اِثْنَيْنِ وَمِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ كُلّ وَاحِد زَوْج . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا"
يعني في رأي القرطبي (و أظنه من التفاسير المعتمدة) رحمه الله ما يتسع لخلق هذه الأنعام على الأرض فهل في هذا لي لعنق الآيات؟
ثم قلت "وقد يكون الله أنزل غير هذه الأنعام من الكائنات الأخرى فالآييتين تتحدثان عن الأنعام ولم تجاوز الأنعام لباقى الخلق والثابت من القرآن وجود العنب ومختلف الثمار والطير والأنعام بالجنة فخلق الله أعظم مما أنزل فى أرضنا المحدودة الزمن والمحدودة الكائنات وليس فى القرآن ما ينفى أن تكون هناك أصناف من الأنعام خلقها الله من نفس الجنس كأنواع الأنعام الكثيرة العدد من الأزواج الثمانية التى أنزلها الله وكذلك ليس فى القرآن ما يؤيد ذلك فليس هناك تطورا عشوائى وكل شيء بقدر الله فاطر (آية:1): الحمد لله فاطر السماوات والارض جاعل الملائكه رسلا اولي اجنحه مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء ان الله على كل شيء قدير فالزيادة فى الخلق فى قدرة الله وبتقديره فى كل خلقه وليس فى الملائكة فقط"
ليس بيننا خلاف في هذا إلا أنني أضيف أنه ليس هناك ما يمنع أن ينفذ الله مشيئته عن طريق سنن كونية بل إن هذه هي القاعدة العامة. و كمثال سأذكر موضوع كيف يرزق المرأ بولد ذكر أو أنثى و أخال مثالي واضحا لك (مع ربطه بالآية الكريمة).
ثم قلت "كل نظريات الخلق لا نتوقع أن تكون صادرة إلا من كافرين داعيين إلى الكفر ويسعون فى إضلال الناس لقول الله سبحانه وتعالى :الكهف (آية:51): ما اشهدتهم خلق السماوات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ... لاحظ وصف الله سبحانه لهم بالمضلين"
فلا أقبل أن مجرد البحث في طريقة الخلق يعني الضلال و أعتقد أنك هنا حملت الآية معنى لا تتحمله. و إن نظرية الإنفجار الكبير للكون كانت نتيجة أبحاث علمية و قد وافقت القرآن في آية مشهورة و لعلها كانت سببا في هداية البعض فهل ستمد إليها هذا الحكم ؟ إن في مقابل رأيك عن البحث في كيفية الخلق قوله تعالى في سورة العنكبوت: " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
ثم قلت كلاما قد أجبته لك في ما سبق إلى أن وصلت إلى: "وقد يكون مؤشرا على عدم نفى التطور المحدود داخل الجنس الواحد ولكن لم يتوفر نص أيضا يثبت هذا التطور المحدود وهذا غير كاف لإثبات التطور شرعا"
ولكنه أيضا غير كافي لنفيه.
ثم تكلمت في فهمي لآيات قوم عاد فقلت أن المقصود بالتي لم يخلق مثلها في البلاد هي مدينتهم. و ذكرت أنه من أقول العلماء أنهم كانوا قوما طوالا. و انا برأيي أن هذا التفسير أقرب حيث أنه يتوافق أكثر مع المفهوم العام لكلمة خلق و إن الآية يمكن أن تفسر بأكثر من وجه كلها صحيحة. و أنا هنا أسألك: أليس الطول جزءا من الخلق ؟ فهذا يثبت المبدأ العام بأن خلق البشر يمكن أن يتغير. فإذا كانت أطوال البشر تتغير فما المانع –الشرعي- أن يطرأ تغيير على صفاتهم الأخرى مع البقاء ضمن الجنس البشري ؟ ثم إن هذه النظرة تتوافق مع حديث خلق آدم عليه السلام و هو حديث صحيح:
خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا ، ثم قال : اذهب فسلم على أولئك من الملائكة ، فاستمع ما يحيونك ، تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه : ورحمة الله ، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن.
الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم 3326
الخلق ينقص ... أي أنه يتغير. ليس من الضرورة فهم كلمة "تطور" أنه دائما إلى الأحسن أو الأضخم. إنما المبدأ هو القبول بإمكانية التغير.
ثم إنك نبهتني إلى شيء لم أفطن إليه: ما المانع أن يكون هناك أشكالا من البشر مختلفون عنا بشكل جمجمتهم او وجناتهم أو قسماتهم و نحن نجد مثل هذه الفروقات بيننا حاليا ؟ و إن هناك من يقول أن قوم يأجوج و مأجوج من نسل آدم و هم لا شك يختلفون بخلقهم عنا:
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه من لدغة عقرب فقال إنكم تقولون لا عدو وإنكم لن تزالوا تقاتلون حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه صغار العيون صهب الشعاف ومن كل حدب ينسلون كأن وجوههم المجان المطرقة
الراوي: خالة ابن حرملة - خلاصة الدرجة: رجاله رجال الصحيح - المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم 8/
ثم تكلمت في الفروق بين البشر و القردة و هذا كله أتفق معك فيه. بل إنني أقول إن الإعجاز فعلا يكون في هذا التشايه الجيني الكبير ثم كيف يفضل البشر على غيرهم بعقولهم. إن هذا يعني أن في الأمر ما هو وراء موضوع التشابه الجيني.
فهذا ما لدي و حاولت جاهدا أن أرد على كل ما طرحته حتى لا يقال أنني أتهرب فوالله إن فعلت فليست عمدا. و إنني حينما أجبت قال الفاروق أنني "ألتف" فلا حول و لا قوة إلا بالله.
و الآن جاء دور الفاروق ... و بداية أريد أن أشق لك هذه الخراجة التي لم تفتأ تئن منها و هي حكاية الماموث و أقول: يا سيدي اخطأنا ... لست عالما و لم أنكر و أخطأت .. و على كل حال النقطة التي أردت أن أثبتها منها فقد أثبتها أنت بالرابط الذي وضعته فما تريد منها بعد ؟ كفاك تعلقا فيها كالغريق المتعلق بالقشة.
ثم أنتقل إلى المداخلة التي ملأتها تلميحات إلى أنني ملحد و أقول إن كنت تقصد هذا فأبشر فقد باء بها أحدهما و إن كنت لا تقصد هذا فأنت (...) و ينبغي أن تتعلم كيف تخاطب غيرك من المسلمين و أن تتعلم شيئا عن الاختلاف في الرأي يا من تدعي أنك مختص و بحاثة.
ثم أنتقل إلى أسلوبك العام في الحوار ... فمن الواضح أنك تعتبر كل ما تقوله حقائق دامغة لا يمكن النقاش فيها و انت لست مطالبا أبدا بالدليل ... و لست أدري هل هو تقدير الإخوان لك الذي جعلك تصاب بجنون العظمة أم هي أخلاق (...) التي أراك حريصا على الأخذ برأيها حتى في تفسير القرآن !!! (...)
ثم إنني هنا أتحداك أن تثبت عقلا أو نقلا أنه لم يمكن أن يحتوي التراب الذي خلق منه آدم على مكونات عضوية ... و لك علي إن فعلت أن اعتذر منك أمام الكل و أعترف أن كل ما قلته خطأ ... فإن لم تفعل فعليك أن تراجع نفسك و تنظر إلى ما شبهت الله عز و جل به. و لا حول و لا قوة إلا بالله.
و أما عن سؤالك: "وهنا أريد أن أسأله سؤالاً ولاأبتغي جواباً, هل لو كانت الكمية من العضويات الموجودة في تراب آدم عليه السلام كانت أقل من الحد اللازم, أو كان التراب لايحوي أية جراثيم, هل كان الله عز وجل سيوقف الخلق"
فجوابي هو لا ... و لكن الله قرر هذا لحكمة.
و اما عن دليلي فذكرته و هو آيات قرآنية عديدة تقرر أن تراب الأرض إنما هو مكون من أجساد أو جزء منه. و أتيت لك بالدليل التجريبي الذي يدعم ذلك و هو أن الحمض الريبي قد تم عزله من التراب فعلا.
أما ما قلته من "وغني عن التذكير أني لم أسأله عن مصادره تلك, لعلمي بقلة حصيلته ولعدم اخراج الموضوع إلى ساحة البيولوجيا"
و لا أدري كيف ستخرج الموضوع إلى ساحة البيولوجيا و هو عبارة عن قدرة إلهية ... على رأيك ... و لكن يبدو أنه تكتيك فاشل استعملته لتضخم صورتك كعالم ... و يا سيدي أخرجه إلى ساحة البيولوجيا لنرى ما لديك.
و أنا أؤكد لك أنني لا أبكي و بإذن الله لست بمخرف (...). و و الله ما أردت أن أهينك إلا أنك لم تترك لي مجالا إلا لهذا. و إن لم يتم طردي أو حذف مداخلاتي فأنا مستعد لمتابعة الحوار الذي أبيت أنت إلا أن يتحول إلى مهاترات ... فلك ما أردت.
و السلام عليكم
Bookmarks