المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الإلحاد إلى الإيمان رحلة الستين سنة (أنطواني فلو)



محب الرحمن
08-16-2007, 03:27 PM
"نظرًا لأنه من المؤكد أن الناس قد تأثروا بأفكاري فإنني أحاول تصحيح الضرر البالغ الذي قد أكون ألحقته بهم" (أنطواني فلو).

كثيرًا ما تتردَّد في صحف هذه الأيام كلماتٌ يغمرها الأسف وذلك على لسان أنطوني فلو، الذي اشتهر في عصره بكونه فيلسوفًا في الإلحاد، وكان البروفيسور البريطاني في علم الفلسفة فلو- البالغ من العمر واحدًا وثمانين عامًا- قد اختار طريق الإلحاد عندما كان في الخامسة عشرة من العمر، وكان أول ما عُرف به في المجال الأكاديمي مقالٌ نُشر في عام 1950.



واستمر أربعةً وخمسين عامًا بعدها يدافع عن الفكر الإلحادي، وذلك عندما كان يعمل أستاذًا في جامعات أكسفورد وأبيردين وكيلي وريدينج، وفي كثير من الجامعات الأمريكية والكندية التي قام بزيارتها، وذلك من خلال المناظرات والكتب والمقالات وقاعات المحاضرات، إلا أن فلو عاد في الآونة الأخيرة ليعلن أنه قد تراجع عن الخطأ الذي وقع فيه وتخلَّى عن أفكاره الخاطئة، وأنه يعترفُ ويقرُّ بأن العالم مخلوقٌ، له خالق، ولم يوجد من العدم.
وتعتبر الأدلة الواضحة والمحددة والتي كشف العلم النقابَ عنها في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بقضية الخلق هي العامل الحاسم في ذلك التغيير الجذري في موقف فلو، وقد أدرك فلو في مواجهة تعقيدات فكرة الحياة المرتكزة على معلومات معينة أن المنشأ الحقيقي للحياة يكمن في وجود قوة بارعة، وأن الفكر الإلحادي الذي اعتنقه لمدة ستة وستين عامًا ما هو إلا فلسفة عارية من الصحة.

وقد أعلن فلو الأسباب العلمية التي كانت وراء هذا التحوُّل الذي طرأ على معتقداته، وذلك في العبارات التالية:

"لقد أثبتت أبحاث علماء الأحياء في مجال الحمض النووي الوراثي- مع التعقيدات شبه المستحيلة المتعلقة بالترتيبات اللازمة لإيجاد (الحياة)- أنه لا بدَّ حتمًا من وجود قوة خارقة وراءها"(1)

"لقد أصبح من الصعوبة البالغة مجرد البدء في التفكير في إيجاد نظرية تنادي بالمذهب الطبيعي لعملية نمو أو تطور ذلك الكائن الحي المبني على مبدأ التوالد والتكاثر"(2)

"لقد أصبحتُ على قناعة تامة بأنه من البديهي جدًّا أن أول كائن حي قد نشأ من العدم ثم تطوَّر وتحوَّل إلى مخلوق معقَّد الخلق للغاية"(3)

إن الأبحاث الخاصة بالحمض النووي الوراثي التي استشهد بها فلو باعتبارها السبب الرئيسي والأساسي في تغيير رأيه الإلحادي قد كشفت النقاب بالفعل عن حقائق مذهلة متعلقة بعملية الخلق؛ حيث إن كلاًّ من الشكل الحلزوني لجزيئات الحمض النووي (التي تحمل خصائص جينية، والخيوط النووية التي تخص فكرة المصادفة المحضة، والكم الهائل من مخزون المعلومات الشاملة التي تتسع لعمل موسوعة إلى جانب العديد من الاكتشافات المذهلة).. كل ذلك قد كشف النقاب عن حقيقة تركيب ووظائف هذا الجزيء، التي قد نُظمت لإيجاد حياة ذات تصميم خاص، وتجدر الإشارة إلى أن تعليقات العلماء المعنية بأبحاث الحمض النووي تحمل شهاداتٍ تثبت تلك الحقيقة.

فعلى سبيل المثال اعترف فرانسيس كريك- وهو أحد العلماء الذين كشفوا عن الشكل الحلزوني لجزيء الحمض النووي- أمام المكتشفات والنتائج التي توصَّل إليها بالحمض النووي بأن هناك معجزةً وراء حقيقة أصل الحياة.

إن أي شخص أمين مسلَّح بكل ما هو متوفِّر لدينا الآن من فنون المعرفة هو وحده الذي بمقدوره أن يعلن أن أصل الحياة يبدو بشكل أو بآخر في الوقت الحاضر شبه معجزة، وأن هناك الكثير جدًّا من الشروط التي لا بد من الوفاء بها حتى ندفعها الى الاستمرار(4).

واستنادًا إلى النتائج التي توصل إليهما ليد أدلمان من جامعة ساوث كاليفورينا في لوس انجلوس أعلن أدلمان بأن جرامًا واحدًا من الحمض النووي يمكن أن يخزّن من ورائه قدرٌ من المعلومات يكفي لتريليون من الديسكات المضغوطة!!(5) وصرح جين ويرز- وهو عالم عمل موظَّفًا في مشروع التكاثر الإنساني- صرَّح بالتالي في أعقاب ما اطَّلع عليه من ترتيبات إعجازية شاهدها رأي العين:

"إن ما أذهلني حقًّا هو كيفية بناء أو نشأة الحياة، فنظام نشأة الحياة أمرٌ بالغُ التعقيد، فهو مستمرٌّ على ما هو عليه على نحوٍ متواصل، أي أن هناك قوةً خارقةً وراء نشأة هذه الحياة"(6).

إن من أكثر الحقائق الخاصة بالحمض النووي لفتًا للنظر حقيقة أنه لا يمكن مطلقًا شرح كينونة المعلومات الجينية المصاغة في رموز شفرية بعباراتٍ ملموسة أو من خلال قوانين الطاقة والقوانين الطبيعية، وفيما يلي ما صرَّح به الدكتور ويرنر جيت- وهو أستاذ في المعهد الفيدرالي الألماني للفيزياء والتكنولوجيا- في هذا الموضوع:

دائمًا ما يكون النظام الشفري نتيجة لعملية عقلية ولا بد من التأكيد على أن هذا النمط من الأمور غير قادر على صياغة أي رموز شفرية، وتشير جميع التجارب والخبرات إلى أن أي مفكر يمارس طوعًا إرادته الحرة لا بد أن تكون لديه المعرفة والإدراك والإبداع، فليس هناك أيُّ قانون طبيعي معروف يمكن من خلاله أن تتمخَّض الأمور عن ظهور معلومات، وينطبق الأمر نفسه على أي عملية فيزيائية أو أي ظاهرة مادية معروفة(7).

وقد لعب عددٌ من العلماء المبدعين والفلاسفة دورًا مهمًّا في قبول فلو بوجود نموذج ونظام عقلاني، والذي دعم بجميع تلك النتائج والاكتشافات، وقد شارك فلو في الآونة الأخيرة في مناظرات مع عدد من العلماء والفلاسفة من أنصار ومؤيدي قضية الخلق وتبادل معهم الأفكار، وكانت نقطة التحوُّل النهائية في حياته من خلال مناقشة نظامها في معهد تغيّر الأبحاث العلمية في تكساس في مايو 2003م.

وقد شارك فلو مع الكاتب روي إبراهيم فرغيس الفيزيائي اليهودي، والبيولوجي في علم الجزيئات جيرالد سكرود، والفيلسوف الكاثوليكي الروماني جون هالدن، وقد تأثَّر فلو كثيرًا بالأدلة العلمية الكثيرة والمهمة التي تؤيد فكرة الخلق وبالأسلوب المقنع الذي تتَّسم به مناظراتُ ومناقشاتُ معارضيه، ومن ثمَّ فقد تخلَّى عن الفكر الإلحادي في الفترة التي تلت تلك المناقشات، وقد أثنى فلو في خطابٍ كتبَه في المطبعة في العدد الصادر في أغسطس-سبتمبر 2003م من المجلة البريطانية (الفلسفة في الوقت الحاضر) أثنى على كتاب فارقيس (العالم الرائع)(8)

وخلال مقابلة مع أستاذ الفلسفة واللاهوت جاري آر هابرمس، الذي لعب أيضًا دورًا رئيسيًّا في تغيير رأيه(9)، وكذلك في شريط فيديو بعنوان: "هل العلم اكتشف وجود الله؟!" صرَّح فلو علانيةً ببراعة الخلق الإلهي.. "التفكيرالبارع يسود العالم.. وانهيار الفكر الإلحادي".

حيال جميع التطورات العلمية التي تمَّ توضيحها آنفًا فإن قبول وموافقة فلو على وجود قوة خالقة بارعة، وهو الذي اشتهر بدفاعه عن فكرة الإلحاد لسنوات عديدة يعكس مشهدًا نهائيًّا في عملية الانهيار التي مرَّ بها الفكر الإلحادي؛ حيث كشف العلم الحديث النقاب عن وجود "قوة بارعة تسود العالم" وهكذا فقد ثبت بطلان الفكر الإلحادي.

وفي كتابه (الوجه الخفي للإله) كتب أحد العلماء الإبداعيين الذين تأثَّر بهم فلو يقول: "إن العالم يطغى عليه شعورٌ وإدراكٌ واحدٌ وحكمةٌ شاملةٌ" إن الاكتشافات العلمية "خصوصًا تلك التي تبحث في أصغر مقدار من طبيعة الجسيمات الأصغر من الذرة قد دفعتنا إلى شفير نوع من الإدراك المروع.. إن كل هذا الوجود ما هو إلى تعبير عن هذه الحكمة، ففي داخل المعامل والمختبرات نمارس الأمر على أنه مجرد معلومات توضّح فيزيائيًّا على أنها طاقةٌ، ثم يتم تلخيصها وتحويلها لتأخذ شكل حدث، ويبدو أن كل جسيم وكل كائن من الذرة إلى الإنسان يمثِّل مستوى من المعلومات المتعلقة بالحكمة".

إن الأبحاث العلمية التي تناولت كلاًّ من وظيفة الخلية ودقائق الأمور المتعلقة بالجسيمات كشفت النقاب عن تلك الحقيقة بأسلوب لا يقبل الجدل.. إن الحياة والوجود ككل قد خُلق من العدم، وفق إرادة كينونة تمتلك عقلاً وحكمةً فائقةً لا يُعلَى عليها، ومما لا شكَّ فيه أن مالك هذه المعرفة وهذا العقل الذي يسيطر على جميع أنحاء العالم بكل مستوياته هو الله سبحانه وتعالى، وقد أوضح الله- سبحانه وتعالى- هذه الحقيقة في القرآن الكريم: ﴿وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيْمٌ﴾ (البقرة: 115)

كانت هذه المقالة للأستاذ هارون يحيى.