LTNSTH
11-23-2007, 11:36 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا بحث صغير في أهمية العلم الشرعي عاامة وعلم التوحيد خاصة ، وإني أعرف أنكم جميعا تعلمون في هذا الأمر ، لكن لعله من باب " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " ، والمرء بحاجة دائمة للتذكير بالنوايا والفوائد
كما أنا حاولنا أن يكون تناولا كثيفا لهذا الموضوع بحيث يفاد به بإذن الله تعالى
ولا أخبيء أني نفسي أحتاج لمراجعتكم لكتابة هذا الموضوع ونقدكم له ليرى مدى جدوى فائدته للناس.
وأي أخطاء فيه أو ملاحظات . نفعنا الله وإياكم وتقبل منا والله الموفق والمستعان
بسم الله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلى آله وصحبة الأطهار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد
فإن لطلب العلم الشرعي عامة وأهله مكانة لا تحذوها مكانة ، ولمجالسه شرف لا يعلوه شرف ، فيكفي أن المرء يذكر باسمه عند ربه أن فلانا يذكر الله فلانة تتعلم أمور دينها فلان طالب العلم وما أدراك ما طالب العلم إن الكون لينفعل تبجيلا وتوقيرا لطالب العلم فيستغفر له كل شيء حتي الحيتان في البحر ، كما أن الملائكة وهم أطهر خلق الله تحفهم وتلتمس مجالسهم وتضع أجنحتها لهم رضا بصنيعهم .
قال تعالى : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " والاستفهام هنا للنفي فلا يستوي أبدا الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، حتى أن هذه الآيات سبقت يآية تدل على أن العلم هو الطريق لخشية الله فقال تعالى : " أمن هو قانت آناء الليل يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " قلت هاهنا يتضح أن الذين يعلمون هم أشد الناس خوفا من الجليل ورجاء في رحمته فهم أعرف الناس به فعملوا لعلمهم فلما اجتمع العلم والعمل صاروا كالثريا لا يساويه الثرى وصاروا في مكانة وقرب لا يقاربهم فيه أحد من الذين لم يعلموا أو يعملوا.
وقال تعالى : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات "
ودرجات هنا كما نرى نكرة للعموم ، قال الإمام النووي _رحمه الله _ : ولم يعين الله عز وجل الدرجات لأنها بحسب ما مع الإنسان من الإيمان والعلم ، فكلما قوي الإيمان وكثر العلم فانتفع به الإنسان ونفع غيره كان أكثر درجات . أ.ه قلت وفي هذا فليتنافس المتنافسون ، وإن الله تعالى لم يأمر نبيه _ صلي الله عليه وسلم _ من طلب التزود في شيء في الدنيا كلها إلا من العلم فقال تعالى : " وقل رب زدني علما " ، أما أي شيء آخر في الدنيا فقال الله تعالى لنبيه : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى "...
وأحاديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ متواترة متعددة في ذكر فضل العلم وأهله :
فعن معاوية _ رضي الله عنه _ : ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) متفق عليه . فالخير كل الخير بالفقه في دين الله ، ومن وفقه الله بالفقه في دينه أي تعلمه وفهمه فقد أراد به الخير وكيف لا وهو يعرف عن الله ويعرف حدود ما أنزل الله فيتبع حلاله ويجتنب حرامه وذاك طريق الفلاح .
وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) رواه مسلم وقد علق الإمام النووي علي هذا الحديث بكلام طيب مغزاه أن المخصوص هنا بالذكر هو العلم الشرعي ، ولو تأملنا كيف أن سلوك طريق العلم :مادي كان ( يعني طريق مادي) أو معنوي ( يعني من مسائلة شيخ أو غير ذلك ) كيف سلوك هذا الطريق هو طريق الجنة لوجدنا أنه لما كان العلم الشرعي يعرف به أحكام ما أنزل الله ، ويعرف به شريعة الله ، ويعرف به أوامر الله ونواهيه ، فنستدل بذلك علي الطريق الذي يرضي الله عز وجل وبالتالي يوصلك للجنة ، لذا كان الحرص في سلوك الطريق الموصلة للعلم هو ازديادا في طلب الطرق الموصلة للجنة .
قلت ونفاد هاهنا فائدة أن ليس كل علم سلوكه تسهيل لطريق الجنة فأناس قد ذهبوا يدرسون الفلسفة وعلم الكلام فما زادهم ذاك عن رضا الله والجنة إلا بعدا ومن النار إلا قربا فكان طريقا للنار لا للجنة ...إذا نحن نخص هنا العلم الموصل لرضا الله من معرفة الله ومعرفة شريعته وأحكامه . كما أيضا نفاد أنه لو أن أحدا طلب العلم الشرعي هذا لكن لم يرفع به رأسا أي لم يقبله ولم يعمل به فليس هو طريقه إلي الجنة بل نحسبه حجة عليه لا له يحاسب عليها يوم القيامة فمن الأرض أجادب لا تقبل الماء ولا تنبت الكلأ وهذا مثل من لم يرفع رأسا بهدي الله الواصل عن رسوله _ صلي الله عليه وسلم _ ولم يقبله .. كما في الحديث الصحيح ،
إذا فكون سلوك طريق العلم هو طريق موصلة للجنة مشروط بشرطين: أولهما أن يكون العلم مما يعلم به عن الله وشريعته وأحكامه ، وثانيهما قبول هذا العلم وتعليمه والعمل به ، وإلا فما يفيد أن تعرف الطريق ما لم تسلك الطريق كذا يفتح لك طريق الجنة لكن لا تسلكه ..سبحان الله! وهذا نجده في دعاء النبي _ صلي الله عليه وسلم _:(اللهم انفعني بما علمتني ، وعلمني ما ينفعني ، وزدني علما ) رواه ابن ماجة .وهذا فيه 3 أمور : طلب العلم النافع (فمن العلم ما هو ضار فنحن نسأل الله علما نافعا ) ، ثم طلب الانتفاع بالعلم ( فقد يكون العلم النافع موجود لكن لا ينتفع المرء به فيصبح حجة عليه )، ثم طلب الزيادة فيه.
وحديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ : ( فضل العالم على العابد كفضلي علي أدناكم ) والحديث حسن ...فانظر كيف تفضيل العالم حتى عن العابد فلينتبه لذلك أن كثرة العلم عن الله خير من قلته مع كثرة العبادة ..وذلك يتأكد من وجوه للمتأمل
أولهما : أن العالم بالله هو أخشى لله من العابد الذي قد يرى عمله فيحبطه أما العالم ففي قلبه من خشية الله وتعظيمه والذل له ومعرفة عظيم نعم الله مع تقصيره كعبد لله، ويعلم أن مهما عمل فإن ذاك لا يوفي نعمة واحدة لله عليه ، فبهذا الذل وتلك الخشية وتلك المعرفة يصل إلى القرب من الله تعالى فما من طريق أقرب إلي الله من الذل والانكسار والخشية بين يديه عز وجل
وثانيا : أن تلك الخشية تجعل صاحبها في مقام المراقبة والمحاسبة الدائمين فعلمه بصفات الله وكيف أنه السميع البصير العليم فيراقب الله في السر والعلن ويصل إلى مقامات الإحسان، أما قال الله عز وجل : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " وتأمل فإن في الآية قصر الخشية على العالم بالله بلفظة " إنما " ، وتأمل أن ليس كل عالم عمل وخشى الله في لفظة التبعيض " من " فإنما هو المصطفون المخلِصون المخلَصون الذين علموا فقبلوا وعملوا وخشوا الله بعلمهم به .وتأمل مقام العبودية " عباد " وتأمل إضافتهم لجلاله سبحانه " عباده " .. فأي مكانة وأي شرف نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم .
وثالثا : أن العالم بالله هو أعلم من العابد بمدي فضل الله ورحمته مع عزته وقوته وأليم عقابة فهذا وجه آخر للخشية أن لا يستهين بذنب أبدا فهو يعرف في حق من يخطيء " لا تنظر إلي صغر المعصية لكن إلي عظم من تعصي" فلا يركن إلى الرحمة مطلقا وينسى مقام ربه وعذابه وعقابه وعزته وانتقامه ، كما لا يقنط من رحمته لو أخطأ فيسرع بالتوبة والإنابة بين يديه فهو الرحمن الرحيم ، ومن كان أعرف بالله وأسمائه وصفاته كان أفطن في تلك النقطة وأفهم لها ولا سيما علم التوحيد ومعرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته فتأمل ذلك .
ورابعا : أن العالم أعرف بالحلال والحرام من مدارسته لكتاب الله وسنة الرسول _ صلي الله عليه وسلم _ فقد يعبد العابد علي خطأ فيفسد بأخطائه عباداته وإن عذر بجهله لكن هذا نقص في العبادة ، أما العالم فهو يعرف تفاصيل كل عبادة وشروطها وأركانها وسننها ونواقضها فتسلم عبادته وتكون كما يحب ربنا ويرضى .
خامسا : أن العالم أعرف من العابد بتفاضل الأعمال ، فهو يعرف أقصر الطرق الموصلة إلي الله عز وجل ، أما العابد بغير علم قد يضيع عمره كله في عمل هو أقل في الفضل يشغله عما هو أعلى منه وهذا مدخل من مداخل الشيطان فانتبه فإنه إذا لم يجدك تقبل علي ما يوسوس لك من معاصي أو وإسراف في مباح ، انتقل إلي أن يشغلك بما هو أدني من العبادة عما هو أعلى منها .. كأن يجعل المرء يقوم الليل كله ثم ينام عن الفجر ..ومثل ذلك كثير ، ولك في حديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ مع زوجه معتبر:عن ابن عباس عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال التي فارقتك عليها قالت نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلمات) في صحيح مسلم
حيث قال الرسول _ صلي الله عليه وسلم أربع كلمات في دقائق معدودة ساوين ما قالته من الفجر للضحي . فكذا العالم يحقق عظيم العمل في قليل الوقت والعابد قد يقضي سنينا في عمل هو أدني من الأول .
وسادسا : أن العالم أقدر علي جمع النوايا من العابد فعلمه بكتاب ربه وسنة حبيبه _ صلي الله عليه وسلم _ يمكنه من جمع أعدادا من النوايا للعمل الواحد فيزاد في الثواب عليه ، كما أن زيادة علمه عن ربه تجعله أقدر على جلب الإخلاص للأعمال ، وإنما تتفاضل الأعمال بالإخلاص ووضع النوايا لله فيها ، ففي الصحيحين عن عمر _ رضي الله عنه _ قال : سمعت رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ يقول : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوي ...الحديث
وسابعا : أن العالم متعدي النفع إلي غيره أما العابد فيقتصر نفعه على نفسه ، ومن قواعد الشريعة أن تعدي النفع إلي الغير هو أفضل من اقتصار النفع علي الفرد الواحد، بل قد يتعدي نفعه لأجيال وأجيال من بعد زمانه .فتأمل ذلك وكيف أنا مازلنا نتذاكر كتب الأئمة والعلماء من قديم الزمن أوليس ذاك من أفضل الصدقات الجارية لهم " أو علم ينتفع به " .
ثامنا : أن بالعلم يحفظ دين الله، ويرد عنه كيد الكائدين ، وتحريف المبطلين ، وغلو الضالين ..فيسلم الدين خالصا غضا كما جاء به النبي _ صلي الله عليه وسلم ، فلعل هذا كان مما جعل أهل العلم ورثة الأنبياء ، ففي سنن أبي داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي _صلي الله عليه وسلم _ أنه قال : " من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"
، ولا تكاد تجد فتنة في أمة إلا وقيض الله لها من العلماء من يردوا الفتنة ويصدعوا بالحق كأمثال الإمام ابن تيمية والإمام محمد عبد الوهاب والإمام أحمد بن حنبل ، فإن جهادهم ضد الفتن لمن أدل الأمثلة علي أهمية العالم الرباني في رد الناس إلي صحيح الدين ، والخلوص بالدين الخالص من شوائب الجهلة والمنافقين.
وتاسعا : أن العالم أقدر على تدبر القرآن والفهم من الله ، واستشعار لذة العبادة ومغزاها من غيره وهذا موقوف علي إخلاصه وصدقه .
عاشرا: أن الشيطان أعجز في تلبيسه على العالم عن العابد ، فكم من عباد لبس عليهم الشيطان دينهم فأشركوا من حيث لا يدرون ولنا في الصوفية دليل واضح علي ذلك حيث يظنون أنهم أعبد من في الأرض ويأتون بأعمال شركية تجعلهم أبعد من في الأرض عن الله عز وجل سبحان الله !! وقيل العالم أشد على الشيطان من ألف عابد .لأنه أعرف بالدين وأعرف برد الشبهات وبمكائد الشيطان أعاذنا الله وإياكم منه.
هذه عشرة أوجه في تفاضل العلماء عن العباد لكن لينتبه أن ذلك كما نقول موقوف بمدى إخلاص العالم في علمه وصدقه وأن يطلب به وجه الله تعالي والتقرب منه لا ليماري السفهاء أو يجاري العلماء أو يطلب به الدنيا وإن في حديثين لرسول الله لردع لكل من لم يخلص نيته في ذلك وإن قراءتهما لتخلع قلب كل مضطلع بذاك الأمر فأما أولهما فحديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ : ( من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار)بين الحسن والصحيح والحديث الذي ما يرويه أبو هريرة إلا ويغشي عليه حديث أول من تسعر بهم النار فكان منهم : " ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال : فما عملت فيها ؟ قال :تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال : كذبت ، تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قاريء فقد قيل.ثم أمر به فسحب علي وجهه حتي ألقي في النار)صحيح مسلم.
كما ينتبه أن قولنا هذا لا يفهم منه أن العالم ترك العبادة والتزود منها ، لا بل نظنه أحرص عليها من غيره ما سبق ذكره من ازدياد خشيته لله ومراقبته له ومعرفته بقدره، فالعالم هو من أعبد الناس أيضا وإنما اقتطع جزءا من وقته طلبا للعلم ولكن يعوضه الله عز وجل بسلامة عبادته من الخطأ وبعلمه بتفاضل االأعمال وجمع النوايا على العمل كما سبق في أوجه التفاضل .. والله أعلى وأعلم .
يبقي حديث معنا أخير وليس بآخر في ذلك الباب ، قال رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ : ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما ووالاه وعالما أو متعلما ) حسن للترمذي .
فتأمل كيف هي مكانة الدنيا ولعنها إلا من سلم من ذلك وهو ذكر الله وما والاه وأهل العلم تعليما وتعلما .
وقد ذكر الإمام النووي _ رحمه الله _ تعليقا على أحاديث فضل العلم أن المراد بالعلم الذي وردت النصوص في فضله والثواب عليه ورفعة أهله وكونهم ورثة الأنبياء إنما هو علم الشريعة عقيدة وعملا وليس علوما تتعلق بالدنيا كالحساب والهندسة أ.ه قلت نعم وإنك لتجد أن من أولئك ( علماء الدنيا ) من هو أبعد ما يكون عن الدين وعن الله ، بل إن منهم من يخرجه علمه لدائرة الإلحاد والكفر كعلماء الفلسفة وما شابه ذلك ، إلا من اتخذ علمه تدبرا وتفكرا لآيات الله في الكون فازداد بها إيمانه ، أما العلوم الدنيوية بوجه عام فأغلب نفعها دنيوي وهذا لا ننبذه بل هو مطلوب في الأمة كفرض كفاية للنهوض بها ، وأما القصد في فضل هذا الباب ووراثة الأنبياء علماء الشريعة كما ذكر الشيخ رحمه الله .
هذا بحث صغير في أهمية العلم الشرعي عاامة وعلم التوحيد خاصة ، وإني أعرف أنكم جميعا تعلمون في هذا الأمر ، لكن لعله من باب " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " ، والمرء بحاجة دائمة للتذكير بالنوايا والفوائد
كما أنا حاولنا أن يكون تناولا كثيفا لهذا الموضوع بحيث يفاد به بإذن الله تعالى
ولا أخبيء أني نفسي أحتاج لمراجعتكم لكتابة هذا الموضوع ونقدكم له ليرى مدى جدوى فائدته للناس.
وأي أخطاء فيه أو ملاحظات . نفعنا الله وإياكم وتقبل منا والله الموفق والمستعان
بسم الله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلى آله وصحبة الأطهار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد
فإن لطلب العلم الشرعي عامة وأهله مكانة لا تحذوها مكانة ، ولمجالسه شرف لا يعلوه شرف ، فيكفي أن المرء يذكر باسمه عند ربه أن فلانا يذكر الله فلانة تتعلم أمور دينها فلان طالب العلم وما أدراك ما طالب العلم إن الكون لينفعل تبجيلا وتوقيرا لطالب العلم فيستغفر له كل شيء حتي الحيتان في البحر ، كما أن الملائكة وهم أطهر خلق الله تحفهم وتلتمس مجالسهم وتضع أجنحتها لهم رضا بصنيعهم .
قال تعالى : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " والاستفهام هنا للنفي فلا يستوي أبدا الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، حتى أن هذه الآيات سبقت يآية تدل على أن العلم هو الطريق لخشية الله فقال تعالى : " أمن هو قانت آناء الليل يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " قلت هاهنا يتضح أن الذين يعلمون هم أشد الناس خوفا من الجليل ورجاء في رحمته فهم أعرف الناس به فعملوا لعلمهم فلما اجتمع العلم والعمل صاروا كالثريا لا يساويه الثرى وصاروا في مكانة وقرب لا يقاربهم فيه أحد من الذين لم يعلموا أو يعملوا.
وقال تعالى : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات "
ودرجات هنا كما نرى نكرة للعموم ، قال الإمام النووي _رحمه الله _ : ولم يعين الله عز وجل الدرجات لأنها بحسب ما مع الإنسان من الإيمان والعلم ، فكلما قوي الإيمان وكثر العلم فانتفع به الإنسان ونفع غيره كان أكثر درجات . أ.ه قلت وفي هذا فليتنافس المتنافسون ، وإن الله تعالى لم يأمر نبيه _ صلي الله عليه وسلم _ من طلب التزود في شيء في الدنيا كلها إلا من العلم فقال تعالى : " وقل رب زدني علما " ، أما أي شيء آخر في الدنيا فقال الله تعالى لنبيه : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى "...
وأحاديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ متواترة متعددة في ذكر فضل العلم وأهله :
فعن معاوية _ رضي الله عنه _ : ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) متفق عليه . فالخير كل الخير بالفقه في دين الله ، ومن وفقه الله بالفقه في دينه أي تعلمه وفهمه فقد أراد به الخير وكيف لا وهو يعرف عن الله ويعرف حدود ما أنزل الله فيتبع حلاله ويجتنب حرامه وذاك طريق الفلاح .
وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) رواه مسلم وقد علق الإمام النووي علي هذا الحديث بكلام طيب مغزاه أن المخصوص هنا بالذكر هو العلم الشرعي ، ولو تأملنا كيف أن سلوك طريق العلم :مادي كان ( يعني طريق مادي) أو معنوي ( يعني من مسائلة شيخ أو غير ذلك ) كيف سلوك هذا الطريق هو طريق الجنة لوجدنا أنه لما كان العلم الشرعي يعرف به أحكام ما أنزل الله ، ويعرف به شريعة الله ، ويعرف به أوامر الله ونواهيه ، فنستدل بذلك علي الطريق الذي يرضي الله عز وجل وبالتالي يوصلك للجنة ، لذا كان الحرص في سلوك الطريق الموصلة للعلم هو ازديادا في طلب الطرق الموصلة للجنة .
قلت ونفاد هاهنا فائدة أن ليس كل علم سلوكه تسهيل لطريق الجنة فأناس قد ذهبوا يدرسون الفلسفة وعلم الكلام فما زادهم ذاك عن رضا الله والجنة إلا بعدا ومن النار إلا قربا فكان طريقا للنار لا للجنة ...إذا نحن نخص هنا العلم الموصل لرضا الله من معرفة الله ومعرفة شريعته وأحكامه . كما أيضا نفاد أنه لو أن أحدا طلب العلم الشرعي هذا لكن لم يرفع به رأسا أي لم يقبله ولم يعمل به فليس هو طريقه إلي الجنة بل نحسبه حجة عليه لا له يحاسب عليها يوم القيامة فمن الأرض أجادب لا تقبل الماء ولا تنبت الكلأ وهذا مثل من لم يرفع رأسا بهدي الله الواصل عن رسوله _ صلي الله عليه وسلم _ ولم يقبله .. كما في الحديث الصحيح ،
إذا فكون سلوك طريق العلم هو طريق موصلة للجنة مشروط بشرطين: أولهما أن يكون العلم مما يعلم به عن الله وشريعته وأحكامه ، وثانيهما قبول هذا العلم وتعليمه والعمل به ، وإلا فما يفيد أن تعرف الطريق ما لم تسلك الطريق كذا يفتح لك طريق الجنة لكن لا تسلكه ..سبحان الله! وهذا نجده في دعاء النبي _ صلي الله عليه وسلم _:(اللهم انفعني بما علمتني ، وعلمني ما ينفعني ، وزدني علما ) رواه ابن ماجة .وهذا فيه 3 أمور : طلب العلم النافع (فمن العلم ما هو ضار فنحن نسأل الله علما نافعا ) ، ثم طلب الانتفاع بالعلم ( فقد يكون العلم النافع موجود لكن لا ينتفع المرء به فيصبح حجة عليه )، ثم طلب الزيادة فيه.
وحديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ : ( فضل العالم على العابد كفضلي علي أدناكم ) والحديث حسن ...فانظر كيف تفضيل العالم حتى عن العابد فلينتبه لذلك أن كثرة العلم عن الله خير من قلته مع كثرة العبادة ..وذلك يتأكد من وجوه للمتأمل
أولهما : أن العالم بالله هو أخشى لله من العابد الذي قد يرى عمله فيحبطه أما العالم ففي قلبه من خشية الله وتعظيمه والذل له ومعرفة عظيم نعم الله مع تقصيره كعبد لله، ويعلم أن مهما عمل فإن ذاك لا يوفي نعمة واحدة لله عليه ، فبهذا الذل وتلك الخشية وتلك المعرفة يصل إلى القرب من الله تعالى فما من طريق أقرب إلي الله من الذل والانكسار والخشية بين يديه عز وجل
وثانيا : أن تلك الخشية تجعل صاحبها في مقام المراقبة والمحاسبة الدائمين فعلمه بصفات الله وكيف أنه السميع البصير العليم فيراقب الله في السر والعلن ويصل إلى مقامات الإحسان، أما قال الله عز وجل : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " وتأمل فإن في الآية قصر الخشية على العالم بالله بلفظة " إنما " ، وتأمل أن ليس كل عالم عمل وخشى الله في لفظة التبعيض " من " فإنما هو المصطفون المخلِصون المخلَصون الذين علموا فقبلوا وعملوا وخشوا الله بعلمهم به .وتأمل مقام العبودية " عباد " وتأمل إضافتهم لجلاله سبحانه " عباده " .. فأي مكانة وأي شرف نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم .
وثالثا : أن العالم بالله هو أعلم من العابد بمدي فضل الله ورحمته مع عزته وقوته وأليم عقابة فهذا وجه آخر للخشية أن لا يستهين بذنب أبدا فهو يعرف في حق من يخطيء " لا تنظر إلي صغر المعصية لكن إلي عظم من تعصي" فلا يركن إلى الرحمة مطلقا وينسى مقام ربه وعذابه وعقابه وعزته وانتقامه ، كما لا يقنط من رحمته لو أخطأ فيسرع بالتوبة والإنابة بين يديه فهو الرحمن الرحيم ، ومن كان أعرف بالله وأسمائه وصفاته كان أفطن في تلك النقطة وأفهم لها ولا سيما علم التوحيد ومعرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته فتأمل ذلك .
ورابعا : أن العالم أعرف بالحلال والحرام من مدارسته لكتاب الله وسنة الرسول _ صلي الله عليه وسلم _ فقد يعبد العابد علي خطأ فيفسد بأخطائه عباداته وإن عذر بجهله لكن هذا نقص في العبادة ، أما العالم فهو يعرف تفاصيل كل عبادة وشروطها وأركانها وسننها ونواقضها فتسلم عبادته وتكون كما يحب ربنا ويرضى .
خامسا : أن العالم أعرف من العابد بتفاضل الأعمال ، فهو يعرف أقصر الطرق الموصلة إلي الله عز وجل ، أما العابد بغير علم قد يضيع عمره كله في عمل هو أقل في الفضل يشغله عما هو أعلى منه وهذا مدخل من مداخل الشيطان فانتبه فإنه إذا لم يجدك تقبل علي ما يوسوس لك من معاصي أو وإسراف في مباح ، انتقل إلي أن يشغلك بما هو أدني من العبادة عما هو أعلى منها .. كأن يجعل المرء يقوم الليل كله ثم ينام عن الفجر ..ومثل ذلك كثير ، ولك في حديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ مع زوجه معتبر:عن ابن عباس عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال التي فارقتك عليها قالت نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلمات) في صحيح مسلم
حيث قال الرسول _ صلي الله عليه وسلم أربع كلمات في دقائق معدودة ساوين ما قالته من الفجر للضحي . فكذا العالم يحقق عظيم العمل في قليل الوقت والعابد قد يقضي سنينا في عمل هو أدني من الأول .
وسادسا : أن العالم أقدر علي جمع النوايا من العابد فعلمه بكتاب ربه وسنة حبيبه _ صلي الله عليه وسلم _ يمكنه من جمع أعدادا من النوايا للعمل الواحد فيزاد في الثواب عليه ، كما أن زيادة علمه عن ربه تجعله أقدر على جلب الإخلاص للأعمال ، وإنما تتفاضل الأعمال بالإخلاص ووضع النوايا لله فيها ، ففي الصحيحين عن عمر _ رضي الله عنه _ قال : سمعت رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ يقول : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوي ...الحديث
وسابعا : أن العالم متعدي النفع إلي غيره أما العابد فيقتصر نفعه على نفسه ، ومن قواعد الشريعة أن تعدي النفع إلي الغير هو أفضل من اقتصار النفع علي الفرد الواحد، بل قد يتعدي نفعه لأجيال وأجيال من بعد زمانه .فتأمل ذلك وكيف أنا مازلنا نتذاكر كتب الأئمة والعلماء من قديم الزمن أوليس ذاك من أفضل الصدقات الجارية لهم " أو علم ينتفع به " .
ثامنا : أن بالعلم يحفظ دين الله، ويرد عنه كيد الكائدين ، وتحريف المبطلين ، وغلو الضالين ..فيسلم الدين خالصا غضا كما جاء به النبي _ صلي الله عليه وسلم ، فلعل هذا كان مما جعل أهل العلم ورثة الأنبياء ، ففي سنن أبي داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي _صلي الله عليه وسلم _ أنه قال : " من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"
، ولا تكاد تجد فتنة في أمة إلا وقيض الله لها من العلماء من يردوا الفتنة ويصدعوا بالحق كأمثال الإمام ابن تيمية والإمام محمد عبد الوهاب والإمام أحمد بن حنبل ، فإن جهادهم ضد الفتن لمن أدل الأمثلة علي أهمية العالم الرباني في رد الناس إلي صحيح الدين ، والخلوص بالدين الخالص من شوائب الجهلة والمنافقين.
وتاسعا : أن العالم أقدر على تدبر القرآن والفهم من الله ، واستشعار لذة العبادة ومغزاها من غيره وهذا موقوف علي إخلاصه وصدقه .
عاشرا: أن الشيطان أعجز في تلبيسه على العالم عن العابد ، فكم من عباد لبس عليهم الشيطان دينهم فأشركوا من حيث لا يدرون ولنا في الصوفية دليل واضح علي ذلك حيث يظنون أنهم أعبد من في الأرض ويأتون بأعمال شركية تجعلهم أبعد من في الأرض عن الله عز وجل سبحان الله !! وقيل العالم أشد على الشيطان من ألف عابد .لأنه أعرف بالدين وأعرف برد الشبهات وبمكائد الشيطان أعاذنا الله وإياكم منه.
هذه عشرة أوجه في تفاضل العلماء عن العباد لكن لينتبه أن ذلك كما نقول موقوف بمدى إخلاص العالم في علمه وصدقه وأن يطلب به وجه الله تعالي والتقرب منه لا ليماري السفهاء أو يجاري العلماء أو يطلب به الدنيا وإن في حديثين لرسول الله لردع لكل من لم يخلص نيته في ذلك وإن قراءتهما لتخلع قلب كل مضطلع بذاك الأمر فأما أولهما فحديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ : ( من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار)بين الحسن والصحيح والحديث الذي ما يرويه أبو هريرة إلا ويغشي عليه حديث أول من تسعر بهم النار فكان منهم : " ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال : فما عملت فيها ؟ قال :تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال : كذبت ، تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قاريء فقد قيل.ثم أمر به فسحب علي وجهه حتي ألقي في النار)صحيح مسلم.
كما ينتبه أن قولنا هذا لا يفهم منه أن العالم ترك العبادة والتزود منها ، لا بل نظنه أحرص عليها من غيره ما سبق ذكره من ازدياد خشيته لله ومراقبته له ومعرفته بقدره، فالعالم هو من أعبد الناس أيضا وإنما اقتطع جزءا من وقته طلبا للعلم ولكن يعوضه الله عز وجل بسلامة عبادته من الخطأ وبعلمه بتفاضل االأعمال وجمع النوايا على العمل كما سبق في أوجه التفاضل .. والله أعلى وأعلم .
يبقي حديث معنا أخير وليس بآخر في ذلك الباب ، قال رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ : ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما ووالاه وعالما أو متعلما ) حسن للترمذي .
فتأمل كيف هي مكانة الدنيا ولعنها إلا من سلم من ذلك وهو ذكر الله وما والاه وأهل العلم تعليما وتعلما .
وقد ذكر الإمام النووي _ رحمه الله _ تعليقا على أحاديث فضل العلم أن المراد بالعلم الذي وردت النصوص في فضله والثواب عليه ورفعة أهله وكونهم ورثة الأنبياء إنما هو علم الشريعة عقيدة وعملا وليس علوما تتعلق بالدنيا كالحساب والهندسة أ.ه قلت نعم وإنك لتجد أن من أولئك ( علماء الدنيا ) من هو أبعد ما يكون عن الدين وعن الله ، بل إن منهم من يخرجه علمه لدائرة الإلحاد والكفر كعلماء الفلسفة وما شابه ذلك ، إلا من اتخذ علمه تدبرا وتفكرا لآيات الله في الكون فازداد بها إيمانه ، أما العلوم الدنيوية بوجه عام فأغلب نفعها دنيوي وهذا لا ننبذه بل هو مطلوب في الأمة كفرض كفاية للنهوض بها ، وأما القصد في فضل هذا الباب ووراثة الأنبياء علماء الشريعة كما ذكر الشيخ رحمه الله .