المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدرر المنتقاة في أهمية علم "لا إله إلا الله"



LTNSTH
11-23-2007, 11:36 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا بحث صغير في أهمية العلم الشرعي عاامة وعلم التوحيد خاصة ، وإني أعرف أنكم جميعا تعلمون في هذا الأمر ، لكن لعله من باب " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " ، والمرء بحاجة دائمة للتذكير بالنوايا والفوائد
كما أنا حاولنا أن يكون تناولا كثيفا لهذا الموضوع بحيث يفاد به بإذن الله تعالى
ولا أخبيء أني نفسي أحتاج لمراجعتكم لكتابة هذا الموضوع ونقدكم له ليرى مدى جدوى فائدته للناس.
وأي أخطاء فيه أو ملاحظات . نفعنا الله وإياكم وتقبل منا والله الموفق والمستعان


بسم الله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلى آله وصحبة الأطهار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد
فإن لطلب العلم الشرعي عامة وأهله مكانة لا تحذوها مكانة ، ولمجالسه شرف لا يعلوه شرف ، فيكفي أن المرء يذكر باسمه عند ربه أن فلانا يذكر الله فلانة تتعلم أمور دينها فلان طالب العلم وما أدراك ما طالب العلم إن الكون لينفعل تبجيلا وتوقيرا لطالب العلم فيستغفر له كل شيء حتي الحيتان في البحر ، كما أن الملائكة وهم أطهر خلق الله تحفهم وتلتمس مجالسهم وتضع أجنحتها لهم رضا بصنيعهم .

قال تعالى : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " والاستفهام هنا للنفي فلا يستوي أبدا الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، حتى أن هذه الآيات سبقت يآية تدل على أن العلم هو الطريق لخشية الله فقال تعالى : " أمن هو قانت آناء الليل يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " قلت هاهنا يتضح أن الذين يعلمون هم أشد الناس خوفا من الجليل ورجاء في رحمته فهم أعرف الناس به فعملوا لعلمهم فلما اجتمع العلم والعمل صاروا كالثريا لا يساويه الثرى وصاروا في مكانة وقرب لا يقاربهم فيه أحد من الذين لم يعلموا أو يعملوا.
وقال تعالى : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات "
ودرجات هنا كما نرى نكرة للعموم ، قال الإمام النووي _رحمه الله _ : ولم يعين الله عز وجل الدرجات لأنها بحسب ما مع الإنسان من الإيمان والعلم ، فكلما قوي الإيمان وكثر العلم فانتفع به الإنسان ونفع غيره كان أكثر درجات . أ.ه قلت وفي هذا فليتنافس المتنافسون ، وإن الله تعالى لم يأمر نبيه _ صلي الله عليه وسلم _ من طلب التزود في شيء في الدنيا كلها إلا من العلم فقال تعالى : " وقل رب زدني علما " ، أما أي شيء آخر في الدنيا فقال الله تعالى لنبيه : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى "...

وأحاديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ متواترة متعددة في ذكر فضل العلم وأهله :
فعن معاوية _ رضي الله عنه _ : ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) متفق عليه . فالخير كل الخير بالفقه في دين الله ، ومن وفقه الله بالفقه في دينه أي تعلمه وفهمه فقد أراد به الخير وكيف لا وهو يعرف عن الله ويعرف حدود ما أنزل الله فيتبع حلاله ويجتنب حرامه وذاك طريق الفلاح .
وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) رواه مسلم وقد علق الإمام النووي علي هذا الحديث بكلام طيب مغزاه أن المخصوص هنا بالذكر هو العلم الشرعي ، ولو تأملنا كيف أن سلوك طريق العلم :مادي كان ( يعني طريق مادي) أو معنوي ( يعني من مسائلة شيخ أو غير ذلك ) كيف سلوك هذا الطريق هو طريق الجنة لوجدنا أنه لما كان العلم الشرعي يعرف به أحكام ما أنزل الله ، ويعرف به شريعة الله ، ويعرف به أوامر الله ونواهيه ، فنستدل بذلك علي الطريق الذي يرضي الله عز وجل وبالتالي يوصلك للجنة ، لذا كان الحرص في سلوك الطريق الموصلة للعلم هو ازديادا في طلب الطرق الموصلة للجنة .
قلت ونفاد هاهنا فائدة أن ليس كل علم سلوكه تسهيل لطريق الجنة فأناس قد ذهبوا يدرسون الفلسفة وعلم الكلام فما زادهم ذاك عن رضا الله والجنة إلا بعدا ومن النار إلا قربا فكان طريقا للنار لا للجنة ...إذا نحن نخص هنا العلم الموصل لرضا الله من معرفة الله ومعرفة شريعته وأحكامه . كما أيضا نفاد أنه لو أن أحدا طلب العلم الشرعي هذا لكن لم يرفع به رأسا أي لم يقبله ولم يعمل به فليس هو طريقه إلي الجنة بل نحسبه حجة عليه لا له يحاسب عليها يوم القيامة فمن الأرض أجادب لا تقبل الماء ولا تنبت الكلأ وهذا مثل من لم يرفع رأسا بهدي الله الواصل عن رسوله _ صلي الله عليه وسلم _ ولم يقبله .. كما في الحديث الصحيح ،
إذا فكون سلوك طريق العلم هو طريق موصلة للجنة مشروط بشرطين: أولهما أن يكون العلم مما يعلم به عن الله وشريعته وأحكامه ، وثانيهما قبول هذا العلم وتعليمه والعمل به ، وإلا فما يفيد أن تعرف الطريق ما لم تسلك الطريق كذا يفتح لك طريق الجنة لكن لا تسلكه ..سبحان الله! وهذا نجده في دعاء النبي _ صلي الله عليه وسلم _:(اللهم انفعني بما علمتني ، وعلمني ما ينفعني ، وزدني علما ) رواه ابن ماجة .وهذا فيه 3 أمور : طلب العلم النافع (فمن العلم ما هو ضار فنحن نسأل الله علما نافعا ) ، ثم طلب الانتفاع بالعلم ( فقد يكون العلم النافع موجود لكن لا ينتفع المرء به فيصبح حجة عليه )، ثم طلب الزيادة فيه.

وحديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ : ( فضل العالم على العابد كفضلي علي أدناكم ) والحديث حسن ...فانظر كيف تفضيل العالم حتى عن العابد فلينتبه لذلك أن كثرة العلم عن الله خير من قلته مع كثرة العبادة ..وذلك يتأكد من وجوه للمتأمل

أولهما : أن العالم بالله هو أخشى لله من العابد الذي قد يرى عمله فيحبطه أما العالم ففي قلبه من خشية الله وتعظيمه والذل له ومعرفة عظيم نعم الله مع تقصيره كعبد لله، ويعلم أن مهما عمل فإن ذاك لا يوفي نعمة واحدة لله عليه ، فبهذا الذل وتلك الخشية وتلك المعرفة يصل إلى القرب من الله تعالى فما من طريق أقرب إلي الله من الذل والانكسار والخشية بين يديه عز وجل
وثانيا : أن تلك الخشية تجعل صاحبها في مقام المراقبة والمحاسبة الدائمين فعلمه بصفات الله وكيف أنه السميع البصير العليم فيراقب الله في السر والعلن ويصل إلى مقامات الإحسان، أما قال الله عز وجل : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " وتأمل فإن في الآية قصر الخشية على العالم بالله بلفظة " إنما " ، وتأمل أن ليس كل عالم عمل وخشى الله في لفظة التبعيض " من " فإنما هو المصطفون المخلِصون المخلَصون الذين علموا فقبلوا وعملوا وخشوا الله بعلمهم به .وتأمل مقام العبودية " عباد " وتأمل إضافتهم لجلاله سبحانه " عباده " .. فأي مكانة وأي شرف نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم .

وثالثا : أن العالم بالله هو أعلم من العابد بمدي فضل الله ورحمته مع عزته وقوته وأليم عقابة فهذا وجه آخر للخشية أن لا يستهين بذنب أبدا فهو يعرف في حق من يخطيء " لا تنظر إلي صغر المعصية لكن إلي عظم من تعصي" فلا يركن إلى الرحمة مطلقا وينسى مقام ربه وعذابه وعقابه وعزته وانتقامه ، كما لا يقنط من رحمته لو أخطأ فيسرع بالتوبة والإنابة بين يديه فهو الرحمن الرحيم ، ومن كان أعرف بالله وأسمائه وصفاته كان أفطن في تلك النقطة وأفهم لها ولا سيما علم التوحيد ومعرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته فتأمل ذلك .

ورابعا : أن العالم أعرف بالحلال والحرام من مدارسته لكتاب الله وسنة الرسول _ صلي الله عليه وسلم _ فقد يعبد العابد علي خطأ فيفسد بأخطائه عباداته وإن عذر بجهله لكن هذا نقص في العبادة ، أما العالم فهو يعرف تفاصيل كل عبادة وشروطها وأركانها وسننها ونواقضها فتسلم عبادته وتكون كما يحب ربنا ويرضى .

خامسا : أن العالم أعرف من العابد بتفاضل الأعمال ، فهو يعرف أقصر الطرق الموصلة إلي الله عز وجل ، أما العابد بغير علم قد يضيع عمره كله في عمل هو أقل في الفضل يشغله عما هو أعلى منه وهذا مدخل من مداخل الشيطان فانتبه فإنه إذا لم يجدك تقبل علي ما يوسوس لك من معاصي أو وإسراف في مباح ، انتقل إلي أن يشغلك بما هو أدني من العبادة عما هو أعلى منها .. كأن يجعل المرء يقوم الليل كله ثم ينام عن الفجر ..ومثل ذلك كثير ، ولك في حديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ مع زوجه معتبر:‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏عن‏ ‏جويرية أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خرج من عندها ‏ ‏بكرة ‏ ‏حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال التي فارقتك عليها قالت نعم قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لقد ‏ ‏قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ‏ ‏ومداد ‏ ‏كلمات) في صحيح مسلم
حيث قال الرسول _ صلي الله عليه وسلم أربع كلمات في دقائق معدودة ساوين ما قالته من الفجر للضحي . فكذا العالم يحقق عظيم العمل في قليل الوقت والعابد قد يقضي سنينا في عمل هو أدني من الأول .

وسادسا : أن العالم أقدر علي جمع النوايا من العابد فعلمه بكتاب ربه وسنة حبيبه _ صلي الله عليه وسلم _ يمكنه من جمع أعدادا من النوايا للعمل الواحد فيزاد في الثواب عليه ، كما أن زيادة علمه عن ربه تجعله أقدر على جلب الإخلاص للأعمال ، وإنما تتفاضل الأعمال بالإخلاص ووضع النوايا لله فيها ، ففي الصحيحين عن عمر _ رضي الله عنه _ قال : سمعت رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ يقول : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوي ...الحديث

وسابعا : أن العالم متعدي النفع إلي غيره أما العابد فيقتصر نفعه على نفسه ، ومن قواعد الشريعة أن تعدي النفع إلي الغير هو أفضل من اقتصار النفع علي الفرد الواحد، بل قد يتعدي نفعه لأجيال وأجيال من بعد زمانه .فتأمل ذلك وكيف أنا مازلنا نتذاكر كتب الأئمة والعلماء من قديم الزمن أوليس ذاك من أفضل الصدقات الجارية لهم " أو علم ينتفع به " .

ثامنا : أن بالعلم يحفظ دين الله، ويرد عنه كيد الكائدين ، وتحريف المبطلين ، وغلو الضالين ..فيسلم الدين خالصا غضا كما جاء به النبي _ صلي الله عليه وسلم ، فلعل هذا كان مما جعل أهل العلم ورثة الأنبياء ، ففي سنن أبي داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي _صلي الله عليه وسلم _ أنه قال : " من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"
، ولا تكاد تجد فتنة في أمة إلا وقيض الله لها من العلماء من يردوا الفتنة ويصدعوا بالحق كأمثال الإمام ابن تيمية والإمام محمد عبد الوهاب والإمام أحمد بن حنبل ، فإن جهادهم ضد الفتن لمن أدل الأمثلة علي أهمية العالم الرباني في رد الناس إلي صحيح الدين ، والخلوص بالدين الخالص من شوائب الجهلة والمنافقين.

وتاسعا : أن العالم أقدر على تدبر القرآن والفهم من الله ، واستشعار لذة العبادة ومغزاها من غيره وهذا موقوف علي إخلاصه وصدقه .
عاشرا: أن الشيطان أعجز في تلبيسه على العالم عن العابد ، فكم من عباد لبس عليهم الشيطان دينهم فأشركوا من حيث لا يدرون ولنا في الصوفية دليل واضح علي ذلك حيث يظنون أنهم أعبد من في الأرض ويأتون بأعمال شركية تجعلهم أبعد من في الأرض عن الله عز وجل سبحان الله !! وقيل العالم أشد على الشيطان من ألف عابد .لأنه أعرف بالدين وأعرف برد الشبهات وبمكائد الشيطان أعاذنا الله وإياكم منه.

هذه عشرة أوجه في تفاضل العلماء عن العباد لكن لينتبه أن ذلك كما نقول موقوف بمدى إخلاص العالم في علمه وصدقه وأن يطلب به وجه الله تعالي والتقرب منه لا ليماري السفهاء أو يجاري العلماء أو يطلب به الدنيا وإن في حديثين لرسول الله لردع لكل من لم يخلص نيته في ذلك وإن قراءتهما لتخلع قلب كل مضطلع بذاك الأمر فأما أولهما فحديث رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ : ( من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار)بين الحسن والصحيح والحديث الذي ما يرويه أبو هريرة إلا ويغشي عليه حديث أول من تسعر بهم النار فكان منهم : " ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال : فما عملت فيها ؟ قال :تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال : كذبت ، تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قاريء فقد قيل.ثم أمر به فسحب علي وجهه حتي ألقي في النار)صحيح مسلم.
كما ينتبه أن قولنا هذا لا يفهم منه أن العالم ترك العبادة والتزود منها ، لا بل نظنه أحرص عليها من غيره ما سبق ذكره من ازدياد خشيته لله ومراقبته له ومعرفته بقدره، فالعالم هو من أعبد الناس أيضا وإنما اقتطع جزءا من وقته طلبا للعلم ولكن يعوضه الله عز وجل بسلامة عبادته من الخطأ وبعلمه بتفاضل االأعمال وجمع النوايا على العمل كما سبق في أوجه التفاضل .. والله أعلى وأعلم .
يبقي حديث معنا أخير وليس بآخر في ذلك الباب ، قال رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ : ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما ووالاه وعالما أو متعلما ) حسن للترمذي .
فتأمل كيف هي مكانة الدنيا ولعنها إلا من سلم من ذلك وهو ذكر الله وما والاه وأهل العلم تعليما وتعلما .

وقد ذكر الإمام النووي _ رحمه الله _ تعليقا على أحاديث فضل العلم أن المراد بالعلم الذي وردت النصوص في فضله والثواب عليه ورفعة أهله وكونهم ورثة الأنبياء إنما هو علم الشريعة عقيدة وعملا وليس علوما تتعلق بالدنيا كالحساب والهندسة أ.ه قلت نعم وإنك لتجد أن من أولئك ( علماء الدنيا ) من هو أبعد ما يكون عن الدين وعن الله ، بل إن منهم من يخرجه علمه لدائرة الإلحاد والكفر كعلماء الفلسفة وما شابه ذلك ، إلا من اتخذ علمه تدبرا وتفكرا لآيات الله في الكون فازداد بها إيمانه ، أما العلوم الدنيوية بوجه عام فأغلب نفعها دنيوي وهذا لا ننبذه بل هو مطلوب في الأمة كفرض كفاية للنهوض بها ، وأما القصد في فضل هذا الباب ووراثة الأنبياء علماء الشريعة كما ذكر الشيخ رحمه الله .

LTNSTH
11-23-2007, 11:47 PM
وإن كان ذلك فضل العلم الشرعي بوجه عام فإن هناك خصوصية أشرف وأعظم لأحدها فهو لأعظم علم علي وجه الأرض بل في الكون كله ألا وهو وعلم التوحيد علم ( لاإله إلا الله )، فلايختلف اثنان علي فضله وشرفه ، وإن ذلك مدلول عليه بالكتاب والسنة وقد حاولنا جمع ما فيه من الفضل ولا ندعي أنا أوفيناه حقه وإنما جمعنا من الكتب غيض من فيض في فضله شحذا للنفوس والهمم على أخذه والتزود منه :

فأولا : التوحيد هو الغاية التي خلق الله الخلق من أجلها :
لذا وفق شيخنا حافظ بن أحمد الحكمى لما ذكر في أول كتابه مائتي سؤال وجواب في العقيدة بسؤال : ما أول ما يجب علي العباد ؟
فقال : أول ما يجب علي العباد معرفة الامر الذي خلقهم الله له ، وأخذ عليهم الميثاق به ، وأرسل به رسله إليهم وأنزل به كتبه عليهم ، ولأجله خلقت الدنيا والآخرة ، والجنة والنار ، وحقت الحاقة ، ووقعت الواقعة ، وفي شأنه تنصب الموازين ووتتطاير الصحف ، وفيه تكون الشقاوة والسعادة ، وعل حسبه تقسم الأنوار، ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور.
فلما كانت الإجابة معرفة الأمر الذي خلقوا من أجله استطرد بالسؤال الثاني
فما هو هذا الأمر الذي خلق الله الخلق من أجله ؟
فذكر آيات يدلل بها من القرآن علي ذلك
قال تعالى : " وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون"
قال تعالى : " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا " ص
ولعل أوضحها بيانا لذلك قوله تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات
، وفي هذا أسلوب قصر بما وإلا وهو في البلاغة من أساليب التأكيد فهذا تأكيد على الهدف والغاية من الخلق وهو عبادة الله عز وجل .
والعبادة هي : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة والبراءة مما ينافي ذلك ويضاده، قلت وأول ما في العبادة تحقيق التوحيد لله عز وجل . والدليل على هذا التعريف هو قول الله تعالى : " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك به وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " الأنعام162
قال الإمام السعدي _ رحمه الله _ خصص أشرف العبادات ( قلت يقصد الصلاة والذبح ) وذلك لشرف هاتين العبادتبن... ثم ذكر كلاما في ذلك رحمه الله ثم قال : " محياي ومماتي" أي ما آتيه في حياتي وما يجريه الله علي وما يقدر الله علي في مماتي الجميع لله رب العالمين، وذكر القرطبي : أن محياي : ما أعمله في حياتي ، ومماتي : ما أوصي به بعد وفاتي .
و قد ذٌَكر في كتاب ظلال القرآن تعليقا على الآية : إنه التجرد الكامل لله، بكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة، وبالصلاة والاعتكاف وبالمحيا والممات، ووبالشعائر التعبدية وبالحياة الواقعيةوبالممات وما وراءه.
ونفاد من هذا التعريف فائدتين غاليتين :
أولا : بطلان من فصل الدين عن الحياة وقال العبادة صلاة وصيام وزكاة وحج وفقط، الدين في المسجد فإذا خرج نزع عنه الدين وفصله عن الحياة والأخلاق والمعاملات والحكم ، وهذا ما يشبه في بلاد الغرب العلمانية البغيضة حيث الدين عندهم في الكنائس فقط ولا دخل للدين بأمور الحياة والحكم ، وبدأ الناس هاهنا في بلاد المسلمين ينعقون بذلك، لكن المسلم صحيح الإيمان يعلم أن لله حكم في كل صغيرة وكبيرة في حياته ، وأن هذا القرآن وهذا الدين منهاج للحياة ، وفي الحديث لمسلم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قيل لسلمان _ رضي الله عنه _ علمكم نبيكم كل شيء حتي الخراءة قال : أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو وبول ..... الحديث ، والشاهد أن الدين ما ترك شيء في الحياة إلا ودل عليه ولنا في رسول الله أسوة حسنة ، وإنه لموحي إليه من السماء " إن هو إلا وحي يوحي " إذا فهو حكم الله عليك في جميع أمور حياتك دقها وجلها وصانع الصنعة أعلم بما يصلحها كذا لله المثل الأعلي هو من خلق وهو أعلم بما يصلح خلقه وينفعهم في الأحكام والأخلاق والمعاملات وكل أمور الحياة " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" .
ثانيا : نستفيد نصحا لكل من شغله أمر من أمور الحياة الضرورية كرعاية المرأة لزوجها وأولادها أولوالديها ، أو عمل الرجل طلبا للرزق الحلال ،فحين تقضي المرأة هذه الأعمال مثلا فإنها تشتكي قلة الوقت المتبقي للتعبد ، لكنا ننصحها ومثلها أنها أخطأت قليلا في فهم معني العبادة فهي إن راعت زوجها وأولادها فهي ممتثلة لأمر الله عز وجل بذلك فلتستشعر هذا ، فإنها إن استحضرت نيه طاعة الله عز وجل في ذلك فهي عبادة لله تتقرب بها إلى الله عز وجل.والحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :(إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها قيل لها أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)، والمرأة راعية في بيت زوجها وكل مسئول عن رعيته، كما ننصح مع ذلك أن تلازم ذكر الله تعالى فأنه أنفع ما يكون لحياة القلوب " ولذكر الله أكبر لو كانوا يعلمون".

نعود فنقول أن علم التوحيد هو أشرف العلوم لأنه يختص بمعرفتك الغاية التي من أجلها خلقت ، والمرء إذا عرف الغاية والهدف سهل عليه العمل واتضح الطريق وارتقت الهمم ، ومثال ذلك أن لو أنت قررت مثلا أن تذهب غدا للإسكندرية فمعرفتك لهذا الهدف يجعلك في الليلة تحضر حقائبك وتجهز أشيائك ثم تسأل عن الطريق الموصلة لهذا المكان وتتخذ دليلا لك لذلك فإذا اتبعت الدليل وركبت المواصلة وصلت بإذن الله ..فأنت أولا حددت الهدف والغاية ثم تبع ذلك كل ما لحقه من الزاد والدليل والطريق ، فأما إذا غاب الهدف والغاية فهل متوقع تجهز حقائبك هكذا أو تركب أي مواصلة ثم تقرر بعدها أين تسافر ..لا غير ممكن غير معقول ..
كذلك بالمثل إذا أنت عرفت هدف وجودك وغايته من عبادة الله وحده محبة له وتعظيما فهو المستحق للعبادة ،وخوفا من عذابه وطمعا في رضوانه وجناته ورحمته ، تتخذ بعد ذلك زاد الطريق من التقوى والهمة العالية والعزيمة الماضية ، ثم الدليل لطريقك وهو كتاب الله وسنة الرسول _ صلي الله عليه وسلم _ وعلماء الأمة الربانيين ، فيدلوك علي الصراط المستقيم فتسلكه فإذا استقمت عليه وصلت بإذن الله وحوله وفضله إلي المطلوب والغاية والهدف .

لذا تجد الكفار والملحدين في حيرة دائمة وتخبط شديد وشقاء ، يحاول كل منهم ان يتناسي الأسئلة الملحة التي تفرضها الفطرة السليمة والعقل المفكر عليه .من التأمل في خلق الكون ومن خلقه ولم خلق وما الغاية من حياته ؟ وماذا بعد الموت ؟ وعن المحاسبة علي الأعمال ؟ وعلي العدل بين العباد؟ ونهاية الظالم والمظلوم وهل هناك حساب يرد لكل حقه بعد ذلك ؟؟ فيشقي بحيرته وأسئلته وتخبطه فلا يجد سبيلا إلا أن ينغمس في الدنيا ويتخبط فيها ويتناسي كل هذا فلا يزيده ذلك إلا شقاء " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " وبالرغم من توافر كل شيء لديهم لكن غياب إجابات تلك الأسئلة وغياب الهدف والغاية على قول القائل : جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت وأبصرت طريقا فمشيت...كل ذلك يؤدي بهم الي الشقاء والانتحار والاكتئاب في الدنيا مما نجده متفشيا في مثل تلك المجتمعات والخلود في العذاب في الآخرة .فلتحمدوا الله على نعمة الهداية والإيمان .


مسألة :
بعض السفهاء من الملحدين ورأيت بعض كلامهم يتعللون في عدم عبادتهم لله أن الله لا يحتاج عبادتنا . قلت كلمة حق أريد بها باطل فالله حقا غني قدوس لا يحتاج عبادتنا وفي الحديث القدسي : يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا علي أتقي قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا" الحديث ..فالله هو الأحد الصمد مستغن عن مخلوقاته وكل مخلوقاته مفتقرة إليه ...لكن هذا لا يعني أنه ما أمرنا بالعبادة له وحده لا شريك له ، والأمر ليس احتياجا لعبادتنا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا لكن أنت عبد لمصلحتك أنت لاحتياجك أنت لذلك.
وذكر لنا الله تعالى قول يوسف _عليه الصلاة والسلام_ لصاحبي السجن : " ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون" يوسف .. فانظر إلي فطنة يوسف عليه السلام علم أن التوحيد من فضل الله على عبادة بل هي أجل النعم علي بني آدم أن يأمرنا بعبادته وحده عز وجل لا شريك له...لأنك لو تفكرت لتجد أن الله نجاك بهذا من عبادة من هو دونه ، نجاك من الذل للمخلوقات إلى عبادة الخالق وحده وهو وحده المستحق للعبادة ، فذلك لله الواحد إنما هو عز لك فهو الخالق الرازق المتصف بصفات الجمال والجلال والكمال الأحد الصمد ليس كمثله شيء ، وكل ما في الكون دونه. فتأكد إنك إن لم توحد الله بالعبادة له ، فإنك تعبد وتذل لمن هو دونه ولا شك في ذلك فأنت عبد عبد في كل الأحوال ولكنك تنصرف لتكون عبد لمن لا يستحق ولا ينفعك تعبدك له بشيء.
حتى الذي يقول أنه لا يعبد شيئا ، كذب بل هو من صدق فيه قول الله تعالى : " أرءيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا"، فلما كانت العبادة فعل ما يحبه المعبود ويرضاه فلما فعل الإنسان كل ما تحبه نفسه وترضاها عبد هواه ونفسه وألههما عليه وهما الموصوفان بالنقص والجهل والعجز فستلقي نفسه وهواه به إلي التهلكة في الدنياوالآخرة .

أما من عبد الله وحده فهو وحده الموصوف بالكمال والعلم المطلق والقدرة المطلقه، عبادتك له عزا لك وصلاحا لأمرك فلا تذل أبدا لمن لا يستحق الذل له ولكن تذل لله وحده وهو المستحق لها فما يزيدك ذلك بين يديه إلا عزا ..وهو مصلحة لك في الدارين .
وكما ضرب لنا العلماء المثال أن صانع الآلة هو أعرف بها وبوظيفتها وما يصلحها فيضع لها ما يسمي بالتعليمات " الكتالوج " يذكر فيه وظيفتها و (افعل لا تفعل)أي يجب عمل كذا وكذا واجتناب كذا وكذا فإن نحن التزمنا بها في تعاملنا مع الآلة أدت وظيفتها علي أكمل وجه وسلمت من الأعطال، ولله المثل الأعلى الله هو الذي خلقك وهو أعلم بما يصلحك وقد تعبدك بكتاب أنزل فيه أوامر ونواهي فمن التزمها انصلح حاله في الدنيا والآخرة وإلا فكل عطب وفساد في الناس يأتي من مخالفة أوامر الله جل وعلا ، فهو شقاء في الدارين . فتأمل ذلك.وما أحل الله إلا ما ينفع وما حرم إلا ما يضر " أحلت لكم الطيبات وحرمت عليكم الخبائث " فطاعة الله صمام الأمان للعبد وضمان السعادة ليس في الدنيا فقط بل إن الله سبحانه جعل لك على ذلك جزاء عظيما في الآخرة من رضوانه عز وجل وجناته التي فيها ما لاعين رأت ولاأذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

ثانيا: التوحيد هو الغاية الأساسية من إرسال جميع الرسل وإنزال جميع الكتب:
والدليل قوله تعالى في سورة النحل : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"
قال الشيخ السعدي_رحمه الله _ في تفسيره لهذه الآية : أخبر الله أن الحجة قائمة علي جميع الأمم ومامن أمة متقدمة أو متأخرة إلا وبعث الله فيها رسولا كلهم متفقون علي دعوة واحدة ودين واحد عبادة الله وحده لا شريك له.
ولا حظ في الآية أنها لم تذكر : اعبدوا الله فقط ، ذلك أن بعض المشركين يقولون أنا أعبد الله ولست بجاحد له فكيف تجعلونني كالكفار خارج من الملة ؟ ،لكن الجواب أن عبادة الله مقرونة بترك عبادة من سواه وترك صرف أوجه العبادة لغيره ، حتي قولنا " لا إله إلا الله " هو ركنان
لاإله : نفي العبادة عن كل ما هو وسوي الله تعالى ، وإلا الله : إثبات العبادة لله وحده
وهنا في الآيات لم يقل اعبدوا الله فقط لكن مع اجتناب الطاغوت.والطاغوت : هو كل ما عبد من دون الله عز وجل .

آية محكمة أخرى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" الأنبياء
وهاهو أسلوب قصر لتأكيد الهدف والغرض الأساسي والرسالة التي جاءت بها الرسل أجمعون فتأتي كل الرسل والأنبياء مؤيدين بالآيات والكتب ليحملوا رسالة واحدة هي " لا إله إلا الله "
وآيات سورة الأعراف ومثلها آيات سورة هود عن كل نبي :
" لقد أرسلنا نوحا إلي قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"
" وإلي عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"
" وإلي ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره"
وإلي مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"
فتأمل دعوتهم أجمعين المتوحدة علي التوحيد !بجملةواحدة اعبدوا الله مالكم من إله غيره

فرع: الفرق بين الرسول والنبي؟ ولماذا قال الله تعالى خاتم النبيين ؟ ولم تكن المرسلين؟
قال الشيخ عبد الرحمن البراك : الفرق المشهور بين النبي والرسول ، أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه ، ولكن هذا الفرق لا يسلم من إشكال ، فإن النبي مأمور بالدعوة والتبليغ والحكم ولهذا
قال شيخ الإسلام بن تيمية : الصواب أن الرسول هو من أرسل إلى قوم كفار مكذبين ، والنبي من أرسل إلى قوم مؤمنين بشريعة رسول قبله يعلمهم ويحكم بينهم كما قال تعالى : (إنا أرسلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا ) فأنبياء بني اسرائيل يحكمون بالتوراة التي أنزل الله على موسى ، وأما قوله تعالى : ( وخاتم النبيين ) ولم يقل خاتم المرسلين ؟ فلأن ختم الرسالة لا يستلزم ختم النبوة ، واما ختم النبوة فيستلزم ختم الرسالة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " انه لا نبي بعدي " ، ولم يقل لا رسول بعدي ( قلت فالنبوة أعم من الرسالة فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول)
فعُلم أنه صلى الله عليه وسلم لا رسول بعده ولا نبي بل هو خاتم النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
ثالثا: التوحيد هو حق الله على عباده :
ولذا سمي شيخنا الإمام محمد عبد الوهاب كتابا من أعظم كتبه رحمه الله سماه " التوحيد الذي هو حق لله علي العبيد" فالتسمية لم تأت عبثا بل قصدا والدلالة علي ذلك من الكتاب والسنة .
يوجد آيه في سورة النساء سماها العلماء آية الحقوق العشرة ، قال تعالى : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا " في هذه الآية عدد الله سبحانه وتعالى عشرة حقوق علينا فكأن أولها هو إقامة التوحيد حقا لله فقال " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا " وتأمل توافر شقي التوحيد الإثبات ونفي الشرك ، ثم بعد ذلك جاء حق التسعة فئات الأخري المذكورة .
وفي حديث معاذ بن جبل _رضي الله عنه _ قال : كنت رديف النبي_ صلي الله عليه وسلم_ علي دابته، فقال لي : يا معاذ أتدري ما حق الله علي العباد ظ؟ وما حق العباد على الله؟ فقلت : الله ورسوله أعلم، قال حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ووحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا .قلت : يارسول الله _ أفلا أبشر الناس ؟!، قال : لا تبشرهم فيتكلوا. والخبر عند البخاري ومسلم
فقهيات الحديث (فوائد الحديث ):
1- معرفة حق الله على العباد أنه توحيد الله وألا يشرك به شيئا سبحانه ، وحقهم إذا هم أدوا هذا الحق
2- تواضع الرسول_ صلي الله عليه وسلم_ لركوبه الدابة مع معاذ_ رضي الله عنه _
3- يؤخذ منها جواز الإرداف علي الدابة
4-فضيلة معاذ بن جبل رضي الله عنه لأنه أردفه كما خصه بهذا العلم
5- أسلوب التعليم بالسؤال : أتدري ما .... ؟ لك لتنبيه السامع وتكثيف ذهنه وتركيزه وإثاره شغفه وشوقه لمعرفة الإجابة الصحيحة
6- المناداة بالاسم : للتنبيه وتقريب السامع ومودته.
7- قول المسؤول عما لا يعلم : الله ورسوله أعلم، بل إن الشيخ حسن عبد الستير _حفظه الله _ أوضح أن ذلك ليس أن معاذا لم يكن يعلم ولكن هذا من آداب طالب العلم مع شيخه أن لايستكثر من الكلام أمام شيخه حتي يستكثر من معلمه دائما ، فالمرء إذا تكلم كثيرا بين يدي معلمه فإنه يضيع الوقت في ذلك ويضيع علي نفسه خيرا كثيرا ، لكن إن ترك معلمه يتحدث فيستفيد مما يفيض في كلامه من علم فحتى لو كان المرء يشك في علمه بإجابه ما فلا يجيب فيقطع ذلك عليه ما كان ممكن أن يستزيده من معلمه في إجابة السؤال.
8- استحباب بشارة المسلم بما يسره
9- الخوف من الاتكال على رحمة الله وسعتها .
10- جواز كتمان بعض العلم عن بعض الناس في بعض الزمان للمصلحة ، وقد بوب البخاري باب " كتم العلم للمصلحة "
1-جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون البعض الآخر .
إشكال ودفعه :
لا يشكل أحد بين ذلك وبين الآية الكريمة : " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " البقرة...لأن كما قلنا الكتم الذي نقصده هو كتم نسبي بعض العلم عن بعض الناس في بعض الزمان وللمصلحة ، أما الكتم المقصود في الآيات هو كتم مطلق ، وهذا ما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز للجمع بين الأدلة
وكان أبو هريرة يقول : " حفظت عن رسول الله _ صلي الله عليه وسلم _ وعائين من العلم ، فأما الأول فبثثته( يعني علمته ونشرته) ، وأما الثاني لو بثثته لقطع مني هذا الحلقوم. ( يقصد لو نشرته بين الناس ) لكنه لابد قد أخبر بعض الناس عنه.
وكان الإمام أحمد _رحمه الله _ يكره التحدث بالأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلاطين حتى لا يفهمهاالبعض علي ظاهرها فيخرج على السلاطين والحكام..وإلا فقد وجب جمع الباب كله عند الحكم على شيء ما فهناك أحاديث صحيحة دعت إلى عدم الخروج عن السلطان مهما كان وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة ( أهل السنة تعني العاملين بسنة رسول الله _ صلي الله عليه وسله _ والجماعة تعني المجتمعون عليها كما ذكر ذلك شيخنا ابن عثيمين _رحمه الله _ أي هم مبدأ من الصحابة والتابعين لكن من تبعهم بإحسان إلي يوم الدين )
رابعا : التوحيد أول ما أمر الله عز وجل عباده ، وهو وصية الرسول لأمته، ووصية الرسل بعضهم لبعض_ عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم:
فأما كونها أول ما أمر الله به عباده فدليله آيات محكمات من سورة النساء استخلص منها العلماء ثمانية عشر أمرا لله عز وجل وكان أولها التوحيد كماأن هذه الآيات بدأت وختمت بالتحذير من الشرك . قال تعالى : " لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مدحورا " ثم قال عز من قائل : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالولدين إحسانا ...الآيات من سورة النساء ..فكان أول قضاء من الله لعباده ألا يعبدوا إلا هو ولاحظ وجود الشرطين النفي والإثبات لقصر العبادة لله وحده لا شريك له ، ثم ختمت تلك المجموعة من الآيات بقوله تعالى : " ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولاتجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا "
وأما كونها وصية الرسول _صلى الله عليه وسلم_ لأمته فذلك أن ابن مسعود _رضي الله عنه _ قال : من أراد أن ينظر إلى وصية محمد _ صلى الله عليه وسلم_ التي عليها خاتمه، فليقرأ قوله تعالى : " قل تعالوا اتلو ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوادين إحسانا ..الآيات151-153 من سورة الأنعام ، فكان أولها عن التوحيد ثم اختممت الآيات بقوله تعالى : " وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " فضمت هذة الثلاثة آيات المحكمات من سورة الأنعام 151-153 عشر مسائل بدأت بالنهي عن الشرك.وانتهت بأن هذا هو الصراط المستقيم وهو وصية ربنا ثم رسوله إلينا فهلا تمسكنا بها
وأما كونها وصية الرسل بعضهم لبعض : دليله قوله تعالى : " ووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون " وتسطيع أن تستنبط هنا أن الإسلام هو دين الرسل أجمعون فهو اسم لا يختص بتلك الأمة فحسب بل كل من أسلم وجهه لله موحدا غير متخذا شريكا له مستسلما لأوامره ونواهيه فهو مسلم فرسالة الرسل كلهم الإسلام وختمت بهذه الرسالة المهيمنة علي ما قبلها تتمة وبيانا.

خامسا : لاإله إلا الله هو أساس منهج الدعوة إلى الله عز وجل :
فاعلم وفقك الله أن منهاج الدعوة إلى الله أمر توقيفي ، يعني من أراد أن يدعو إلى الله وإلي هذا الدين في أي زمان وجب عليه أن يرى كيف دعي الأنبياء والرسل إلي دين الله عز وجل ،وكيف دعى نبينا محمد _ صلي الله عليه وسلم _ و يتبع النبي في ذلك من غير ابتداع عنه ولا ابتكار فهو من اصطفاه ربه لتبليغ رسالته بالمنهج الذي أراده الله عز وجل بأن يكون أول ما يدعو إليه قضية التوحيد ، فمن دعا بغير ذلك فقد ضل الطريق ..فليس هذا بدعوة إلي الله وإلي دينه فليرتدع وليتبع ...ومن الأدلة
عن ابن عباس _رضي الله عنهما _ أن رسول الله _ صلي الله عليه وسلم_ لما بعث معاذا إلي اليمن قال له : " إنك تأتي أقوام من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله .وفي رواية أن يوحدوا الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فاعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد علي فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. أخرجه الشيخان
*فقهيات الحديث :
1- الدعوة إلي الله تبدأ بالتوحيد وأنه أول واجب على العبد
2- التدرج من الأهم فالمهم التعليم بالتدرج
3- التنبيه على الإخلاص في الدعوة فقال " إياك وكرائم أموالهم "
4- أن من أهل الكتاب من لا يعرف التوحيد أو يعرفه ولا يعمل به
5- اتقاء دعوة المظلوم لأنها لا تحجب.

ودليل آخر مستنبط من سيرة الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ فسيرة الرسول _ صلي الله عليه وسلم _ هدى يتبع وليس قصصا تروى ، فمن سيرة الرسول _ صلي الله عليه وسلم _ أنه ابتدء دعوته وكان منهاجها وأساسها التوحيد فمكث عشر سنين بمكة لا يدعو لأي شيء آخر إلا التوحيد ، فسكب التوحيد الخالص في قلوب أصحابه فغذى به أرواحهم برغائب الإيمان فرسخوا في الدين . وكان القرآن طيلة الفترة الأولي المكية يتحدث عن العقيدة علما وعملا، ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : أول ما نزل من القرآن سورة فيها ذكر الجنة والنار ( تعني سورة المدثر : " فإذا نقر في الناقور ذلك يوم عسير..الآيات " ) حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام. ولو نزل من أول الأمر لاتزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا ، ولا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع شرب الخمر أبدا "
إذا التوحيد والإيمان أولا قبل كل شيء ، ولمّحت كتب السير أنه كان من مقدور الأنبياء البدء مع أقوامهم من غير هذا الطريق الوعر فلماذا لا يبدأوا بتجميع الناس علي أهداف قبلية أو عصبية أو اجتماعية أو أخلاقية فإذا اجتمعوا بلغوهم العقيدة
والإجابة أن هذا تصور البشر الجاهل أما رب السموات والأرض هو أعلم بخلقه وما ينصلحوا به فأراد الله عز وجل أن يبدأ الدعوة بالتوحيد وخلع ما يعبدون من دون الله حتى إذا امتلأت القلوب بمعرفة الله عز وجل وتوحيده والخوف منه جاءت الأوامر والنواهي والأحكام والنظم وقد استعدت النفوس لقبولها وأذعنت لسيدها .
قلت فكذلك كل من حاول من المتأخرين أن يجمع الناس على أهداف قبلية أو قومية أو اجتماعية أو أخلاقية بغير كلمة التوحيد فقد ضل وما هو يدعو إلى الله حقا . فكما يقول علماؤنا كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة . وإن من أحداث التاريخ ما يشهد بذلك فماذا فعل الأفغانستيون لما جمعوا الناس ليسقطوا الحكم بغير تحقيق كلمة التوحيد بينهم . نعم أسقطوا الحكم لكن سقطت الدولة بعدها ثانية لأنهم لم يجتمعوا باديء ذي بدء على كلمة التوحيد والعقيدة السليمة ، كذا ما يحدث في العراق من ضعف وخذلان إنما هو لفساد العقيدة السليمة وعدم اجتماعهم علي العقيدة الصحيحة الخالصة .وغير ذلك من الشواهد كثير .
ولما سؤل عن سبب اعتبار جماعات مثل التبليغ والدعوة والإخوا ن ممن ابتدع في الدين ؟؟ فقيل أنهم أخطأوا منهج وسنة رسول الله في أمور كثيرة ولو لم يكن غير تجاهلهم الدعوة إلي التوحيد وتصحيح العقائد والتحذير من الشرك لتبديع دعوتهم لكفت،وقد ذكر الشاطبي في كتاب الاعتصام أن الجماعة تخرج من السنة بأمرين: 1- أن تخالف أهل السنة في أمور مثل الدعوة للتوحيد ، ، أو اثبات الأسماء والصفات
2- مخالفة أهل السنة في السمع والطاعة لولاة الأمور فإن أهل السنة من قديم قد أقروا ذلك واستقروا أنه لا يجوز الخروج ولو كان الحاكم فاسقا أو وظالما . فلاشك أن من خالف ذلك قد خرج عن منهج أهل السنة ونص على ذلك ابن باز _ رحمه الله _.
سادسا : أن شرف العلم من شرف المعلوم عنه :
فإذا كان المعلوم عنه هو الله عز وجل تباركت اسماءه وتعالت صفاته ، فأساس علم العقيدة معرفة الله عز وجل ومعرفة أسماءه وصفاته ، فإذا ما تعرف العبد إلي ربه ازداد له خشية وازدادت التقوى في قلبه ، وازداد اليقين والإيمان فهنيئا لمن تعلم هذا العلم وعمل به وعلمه.وكيف يعبد الله من لا يعرفه حق معرفته ، فإنما يتفاوت العباد في عبادة رب الأرباب بقدر ما تعرف كل منهم إلى ربه وتقرب منه بالعلم والعمل .
سابعا: أن علم التوحيد هو أقرب العلوم الشرعية لتحقيق الخشية القلبية:
فقول الله تعالى : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " سبق معنا شرحه وإذا كان هذا في العلوم الشرعية عامة فإن أشدها تحقيقا للخشية التوحيد حيث علم العبد عن ربه و أسمائه وصفاته مما يورث قلبه التقوى والخشية والإنابة والتوكل وكل الأعمال القلبية الإيمانية التي تتبع ذلك العلم الجليل ، وارجع إلى شرح الآية و تفاضل العالم عن العابد للاستزاده في هذا الباب.

ثامنا : لا إله إلا الله محمد رسول الله وحدها ( إن صحت بشروطها ) موجبة للجنة ونجاة من الخلود في النار :
الدليل الأول : سبق معنا من حديث معاذ _ رضي الله عنه _ عن حق الله على العباد وحق العباد على الله فكان حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا
الدليل الثاني: عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي _ صلي الله عليه وسلم _ أنه قال : إن الله يستخلص رجلا على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول : أتنكر شيئا من هذا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ ، قال : لا يا رب ، فيقول : ألك عذر ؟ ، فيقول : لا يا رب ، فيقول الله تعالى : فإن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة عليها " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) ، فيقول احضر وزنك، فيقول : يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ ، قال : فإنك لا تظلم .فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات فلا يثقل مع اسم الله شيء) والحديث خلاصة درجته بين الحسن والصحيح.
*فقهيات الحديث :
1- عقيدة أهل السنة والجماعة في وجود سجلات مسطور عليها عمل ابن آدم
2- وجود الكتبة الحافظون ودليله من القرآن " كراما كاتبون يعلمون ما تفعلون " وقوله تعالى : " إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا ولديه رقيب عتيد" ق .
3- وجود الميزان يوم القيامة له كفتان توزن فيه أعمال ابن آدم بكيفية يعلمها الله عز وجل " احضر وزنك"
4- إن الله لا يظلم الناس مثقال ذرة " وما ربك بظلام للعبيد "
5- مساءلة الله للعبد عن ذنبه ليس بينه عز وجل وبين العبد ترجمان ومعاتبته له، ومن علم ذلك فليعد للسؤال جوابا !!
6- فضل الشهادتين وثقل ووزنهما وعظمهما عند رب العالمين وسعة رحمة الله عز وجل .

الدليل الثالث : عن عبادة بن الصامت _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم_ ( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبد الله ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)أخرجه الشيخان
ولهما في حديث عتبان _ رضي الله عنه_ ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)
*فقهيات الحديث :
1- شهادة أن لا إله إلا الله بركنيها النفي والإثبات و" وحده " تأكيدا للإثبات ، و" لاشريك له" تأكيدا للنفى فلا تنفع عبادة أحد لله مالم يكن يوحد الله بها ويترك عبادة من سواه.وأن ذلك سبب دخول الجنة والخروج من النار
2-الجمع بين كون محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام عبدان لله ورسولان له مخالفة للنصارى الذين غلوا في عيسى وأمه لمرتبة التأليه
3-أن عيسي روح من خلق الله عز وجل
4- الإيمان بالجنة والنار من لوازم التوحيد والعقيدة
5- على ماكان من العمل تدل علي سعة رحمة الله فحتى لو كان العمل لايبلغ الجنة حمل ذلك الشهادة بحق فادخلته الشهادة الجنة ولو لم يبلغة عمله وعبادته ، قلت وإن الجنة درجات فيدخل الجنة نعم لكن مكانه فيها يكون بحسب عمله" ولكل درجات مما عملوا وما ربك بظلام للعبيد"
6- فائدة نأخذها من حديث عتبان أن شرط من شروط لا إله إلا الله أن " يبتغي بذلك وجه الله" وهو شرط الإخلاص والصدق
7-إثبات الوجه لله تعالى كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة أن لله وجها تحت قاعدة " ليس كمثله شيء وهو السميع العليم " فالمعني معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب ووالسؤال عنه بدعة
8- سعة فضل الله _ سبحانه وتعالى
9- : مدى فضل ثواب التوحيد عند الله عز وجل

شبهة وردها
كثر إثارة المبشرين من النصارى لشبهات ليلبسوا على المسلمين دينهم وللأسف لقلة العلم يقع المسلمون في شباكهم ناهيك عن الطرق المادية ، لكن الطرق المادية لا تنفع وحدها فهي أقل خطرا بكثير من إثارة الشبهات ، فهم يستغلون جهل العوام وعدم معرفة الناس لعقيدتهم السليمة فيزعزون عقائدهم ، وهنا جاء خطر الشبهات وأهمية دراسة التوحيد والعقيدة
وهنا يوردون شبهة فمن عقائدهم الباطلة الحلولية ، وأن الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ..يقولون أنه يحل في أجساد الناس ثم يقولون للمسلمين هذا موجود عندكم في القرآن ، ويأتون بالآيات والأحاديث التى فيها أن عيسي بن مريم كلمة الله ألقاها إلي مريم وروح منه ..فيقولون روح منه أي أن الله يحل بروحه في جسد عيسى ..سبحان الله وتعالي عما يقولون علوا كبيرا ، وكذلك الله قال في خلق آدم فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فهل أنفسنا التي بين ذواتنا هي جزء من ذات الله سبحانه وتعالي ؟ لا طبعا
، لكن الراسخون في العلم يعرفون رد تلك الشبهة وردها سهل واضح ، فإن الله يضيف خلقه إليه للتشريف ، فإذا نظرنا في القرآن نجد أن الله تعالى أضاف خلقه إليه للتشريف فأخبر عن صالح أنه قال لقومه : هذه ناقة الله لكم آية.. فهل هذا يعني أنها ناقة الله يركبها سبحانه وتعالي عن ذلك ..لا إنما يفهم منها أنها خلق الله أضافها لنفسه سبحانه لبيان شرفها كآية لهم ، فهي ناقة من خلق الله ، كذلك بيت الله الحرام ، ليس بيتا لله يسكنه سبحان ه وتعالى عن ذلك وإنما هو من خلق الله عز وجل وأضافه لنفسه تشريفا له ، كذلك الروح خلق من خلق الله لا يعلم كنهها إلا هو سبحانه وأضافها لنفسه لتشريفها، فمثل روح الله كمثل ناقة الله وبيت الله ، إضافة تشريف . فلا وجه لشبهتهم عليهم من الله ما يستحقوه.

تنبيه : وقد قلنا بأن لا إله إلا الله محمد رسول الله لا ينتفع بها صاحبها هذا الانتفاع العظيم إلا إذا أتاها بشروطها الواجبة والتي استخلصها العلماء بدلالة الكتاب والسنة وهي علي ما يلي بأدلتها :
1- العلم المنافي للجهل :
العلم بمعناها وركنيها نقيا وإثباتا، وهذه أول الشروط فأنى للإنسان أن يقبل شيء أو يعتقده بغير أن يدركه ويعلمه ، ودليل اشتراط العلم قول الله تعتالى : " إلا من شهد بالحق " أي بلاإله إلا الله " وهم يعلمون" (الزخرف: 86) & وقول الله تعالى : فاعلم أنه لا إله إلا الله " & وحديث رسول الله _صلي الله عليه وسلم _ : " من مات وهو يعلم أن لاإله إلا الله دخل الجنة " صحيح مسلم.. فلا يفيد النطق بها فقط دون العلم بمعناها .
2- الإخلاص المنافي للشرك :
وهوشرط قبول كل الأعمال ، فهو شرط قبول هذه الشهادة الحقة أيضا ومعناه أن تكون التوحيد هذا ابتغاء وجه الله وفقط لا لدنيا ولا لرياسة ولا للناس خوفا منهم أو طمعا فيهم قال تعالى : " فاعبد الله مخلصا له الدين " الزمر2 & قال النبي _صلى الله عليه وسلم _ : " أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه"صحيح البخاري & وقوله _صلى الله عليه وسلم _: ( إن الله تعالى حرم النار على من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) صحيح البخاري.
3- الصدق المنافي للكذب والنفاق :
فيكون صادقا في قولها غير كاذب وإلا صار منافقا يظهر ما ليس يبطنه وما تنفعه حينئذ ، قال الله تعالى : " أ لم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" العنكبوت1-3& وقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ ( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله علي النار) صحيح البخاري ومسلم
4- اليقين المنافي للشك :
فيثبت في القلب ويطمئن به ولا يعتريه شك ولا ريب ودليله قول الله تعالى : " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا " & وقول النبي_ صلى الله عليه وسلم _ : " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " صحيح مسلم ، وقوله _صلى الله عليه وسلم _ لأبي هريرة : "من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لاإله إلا الله مستيقنا بها قللبه فبشره بالجنة " صحيح مسلم
5- القبول المنافي للاستنكاف والاستكبار :
فمن شهد الشهادة أسلم نفسه لله وقبل التوحيد وقبل أوامر الله ونواهيه غير مستنكفا ولا مستكبرا عن توحيده وعبادته ، قال تعالى مخبرا عن الظالمين الذين يحشروا إلى جهنم .." إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون " الصافات22
وعن النبي _صلى الله عليه وسلم _ قال : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتتالكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأفذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به ، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به )متفق عليه & وهو من الأحاديث التي فيها روعة ضرب النبي _صلى الله عليه وسلم للمثل ، والشاهد من لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.
6-الانقياد والعمل بمقتضاها :
فمن شهد أنه لا إله إلا الله بحق فبمقتضى ذلك يسلم لله وينقاد لأوامره ونواهيه ومن شهد أن محمدا رسول الله اتبعه وترك حظ الهوى والنفس، وربما الفرق بين القبول والانقياد أن القبول أن يقبله ويقر به ولا يستنكف عنه أما الانقياد فهو يشمل ذلك ويزيد عليه الفعل والعمل بمقتضى ذلك ، فما يكمل إيمان عبد ذهب يعصي الله ليل نهار ، فأين موضع الشهادة من قلبه هذا !!! هناك خلل في شهادته وإيمانه يجب أن يصححه فإما أنه قل علمه أو يقينه أو صدقه أو إخلاصه أو وقبوله فليبحث عن ذلك وليصححه ، ودليل الانقياد قول الله تعالى : " ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى "لقمان22، وروي عن النبي _صلى الله عليه وسلم _ : (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) لكن الحديث ضعيف
7- المحبة لله ولرسوله ولدينه والحب في الله والبغض للكفر والبغض في الله :
فمن يشهد الشهادة يحب الله ورسوله ويحب في الله ولله . قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه" المائدة54 ، وقال النبي : صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) متفق عليه ، وأوضح رسول الله في حديث آخر أن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله
8- الموالاة لله عز وجل والمعاداه لأجله :
قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " إلى قوله : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " إلى آخر آيات سورة المائدة:51-55، وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر علي الإيمان " التوبة23 & قال تعالى : " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوبه" المجادلة22 & وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " الممتحنة1 .
وهكذا يتضح لنا شروط قولك لا إله إلا الله لكي تنتفع بها وتأخذ أجرها وثوابها ، وكما أوضحنا ضمنا أن الإيمان يتفاوت بمدى تحقيق هذه الشروط ، فإذا زاد علم العبد ويقينه بالله زاد عمله وطاعاته فزاد إيمانه ، وكلما زاد إخلاصه وصدقه قبل عمله ورفعت درجته ، وكلما قبل أومر الله ونواهيه وانقاد وعمل بها ارتقى إيمانه وقرب إلي الله أكثر ، وإذا ما حب الله ورسوله ودينه وحب وبغض فيه ووالى وعادى من أجله فإن ذلك أوثق عرى الإيمان وهو علامة الثبات علي دين الله ، والعكس بالعكس فقلما قل العلم واليقين ضعف العمل والمراقبة والمحاسبة فازدادت معاصي العبد وقلت طاعته فقل إيمانه ، وكلما قل صدقه وإخلاصه داخله الرياء والشرك وحبط عمله ، وإذا ما استنكف عن أوامر الله وما أسلم وجهه وما انقاد حق الانقياد تمرد وشقى بذلك وخسر خسرانا مبينا ، وإذا ما والي أعداء الله أو حب وكره للدنيا وللناس فإن ذلك كله علامة الخذلان والبعد ويوشك هذا العبد أن يهلك ... والناس بين هذا وذاك درجات، فانظر لنفسك أين بين الدرجات وضعت قدمك ، وإذا ما رأيت خللا في الطاعات والمعاصي فانظر أي الشروط قصرت فيها وأخللت بها لتكملها فيكمل بها إيمانك فإما أنك لم تعلم عن الله حق العلم فاذهب فتعلم أكثر في العقيدة وأسماء الله وصفاته ، وإما أنه داخلك الرياء فأخلص دينك لله ، وأما أنه داخلك النفاق فتب إلى الله واصدقه يصدقك ، وإما أنه ضعف اليقين فاثبت وابتعد عن الشبهات وتعلم أكثر لردها كما دع وساوس الشيطان واثبت وتيقن ودع الريب ، وإما أنك ما تقبل الأوامر والنواهي وما تعمل بها بالوجه الصحيح فالزم وأسلم ، وإما أنك اختل نظام الحب في قلبك فما قدمت حب الله ورسوله عما سواهما ، أو أحببت وأبغضت للدنيا وللناس فارجع وأصلح ما في قلبك ، أو أنك ما واليت وعاديت في الله فافعل لأن ذلك وسيلة ونتيجة في آن واحد للثبات وللقوة في الإيمان .

جعلنا الله وإياكم من الموحدين الصادقين المخلصين العالمين المتيقنين المسلمين لله وبأمره عاملين ، وجعل حبنا وبغضنا وموالاتنا ومعادتنا في الله . ونسأل الله حبه وحب من يحبه وحب كل عمل يقربنا لحبه ، نسأل الله أن يجعل عملنا خالصا لوجهه وأن لا يجعل لأحد فيها شركا غيره سبحانه ، وأن يحينا علي الشهادة ويميتنا عليها ويبعثنا عليها بشروطها وأركانها وواجباتها غير مخلين بأي منها ولا خزايا ولا مخذولين وجعل الفردوس الأعلي دارنا وجوار الحبيب المصطفي منتهانا .وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدي هديه واستن يسنته إلى يوم الدين .وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

LTNSTH
11-23-2007, 11:49 PM
المراجع المستخدمة :
1- تفسير السعدي _رحمه الله _
2- شرح رياض الصالحين للإمام النووي_رحمه الله _
3- جزء من تفسير القرطبي وكتاب في ظلال القرآن
4-كتاب 200سؤال وجواب في العقيدة الإسلامية للشيخ حافظ أحمد الحكمي_رحمه الله _
5- كتاب التوحيد الذي هو حق لله علي العبيد للإمام محمد عبد الوهاب
6- دروس للشيخ حسن عبد الستير النعماني _ حفظه الله _
7- كتاب سيرة الرسول للشيخ محمود المصري

وماكان من صواب فهو من فضل الله وما كان من خطأ أو نسيان فهو من نفسي والشيطان والله ورسوله وعلماءنا الأفاضل منه براء