المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في تفنيد مقولة الدين أفيون الشعوب



فخر الدين المناظر
11-27-2007, 02:33 AM
كتبه محمد قطب

تلك قولة كارل ماركس …

ودعاة الشيوعية في الشرق الإسلامي يرددونها وراءه. ويريدون تطبيقها كذلك على الإسلام.

وكارل ماركس أو غيره من الدعاة الأولين للشيوعية ربما كانوا معذورين في ثورتهم على الدين ورجاله. بسبب الملابسات الخاصة التي واجهتهم هناك. فقد كان الإقطاع يمثل أبشع أدواره في أوربا، وفي روسيا بوجه خاص، حيث يموت الألوف جوعاً كل عام، ويموت الملايين بالسل وغيره من الأمراض، والصقيع يقضي على عدد مماثل.. كل ذلك والإقطاعيون يلغون في دماء أولئك الكادحين، ويعيشون في ترف فاجر يستمتعون فيه بكل ما يخطر على القلب من ألوان المتاع. فإذا خطر للكادحين أن يرفعوا رؤوسهم، بل إذا خطر لهم أن يحسوا مجرد إحساس بالظلم الذين يعيشون فيه، أسرع رجال الدين يقولون لهم: " من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، ومن أخذ رداءك فاترك له الثوب أيضاً " وذهبوا يخدرونهم عن ثورتهم أو عن إحساسهم بالألم، بما يمنونهم به من نعيم الآخرة الذي أُعد للصابرين على الظلم، والراضين بالشقاء.

فإذا لم تفلح الأماني البعيدة فليفلح التهديد. فمن عصي سيده الإقطاعي فهو عاص لله وللكنيسة ولرجال الدين. ولنذكر أن الكنيسة ذاتها كانت من ذوات الإقطاع، وكان لها ملايين من رقيق الأرض تستعبدهم لحسابها الخاص، فكان طبيعياً أن تقف في صف القيصر والأشراف ضد الشعب المكافح. لأن الملاك جميعاً معسكر واحد ضد المكافحين، ولأن الثورة – يوم تقوم – لن تعفي أحداً من مصاصي الدماء سواء كانوا من الأشراف أو من رجال الدين.

فإذا لم تفلح الأماني والتهديد معاً فلتوقع العقوبات فعلاً على الثائرين، ولتوقع باسم تأديب الخارجين على الدين والملحدين بآيات الله.

ومن هنا كان الدين عدواً حقيقياً للشعب هناك. وكانت قولة في محلها تلك التي قالها كارل ماركس: " الدين أفيون الشعب "..هناك!

ولكن الشيوعيين في الشرق الإسلامي يشيرون إلى مسلك " رجال الدين المحترفين " في استرضاء ذوي السلطان على حساب الكادحين من الشعب، وتمنية هؤلاء بالجنة التي أعدت للصابرين، ليرضوا عما هم فيه من هوان وظلم، ويستمتع المجرمون وهم آمنون. ويستشهدون مثلاً بما كان من بعض رجال الأزهر في عهد فاروق، كانوا يقبّلون يده ويلقبونه بالملك الصالح، ويدعون له، ويؤولون آيات القرآن على مزاجهم، ويزيفون معالم الإسلام ليستخرجوا من هذه وتلك ما يثبّت سلطانه، ويمنع الشعب المكافح من الثورة عليه، وإلا اعتبروا خارجين على أوامر الله التي توجب الطاعة " لأولي الأمر منكم "!

ثم يخلط الشيوعيون بهذه الحقيقة شبهةً مؤداها أن الإسلام ذاته يأمر بهذا الفحش إذ يقول: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض [102] " أو يقول: " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه. ورزق ربك خير وأبقى [103] " فالإسلام إذن ككل دين، أفيون يخدر المكافحين. وهنا الشبهة التي نريد أن نتناولها بالحديث.

نريد أن نبحث هل هذا السلوك الشائن من رجال الدين المحترفين قد أوحى به الدين ذاته، أم هو فسوق منهم عن أمر الدين الصحيح، ومثلهم فيه كمثل كل فاسق من الشعراء و الكتاب والصحفيين الذين عفروا جباههم بالتراب، ومرغوا كرامتهم في الدنس، ليستمتعوا بشيء من المتاع الزائل فضلاً عن أنه متاع حرام.

وأنا مقتنع أشد الاقتناع بأن جريمة رجال الدين هؤلاء أكبر وأفحش من جريمة الفساق من الشعراء والكتاب والصحفيين المرتزقين، لأن في أيديهم كتاب الله، وهم يتلون آياته، ويعرفون حقيقة الدين، وحقيقة موقفهم وهم يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً وما يأكلون في بطونهم إلا النار، ولكني أعود فأكرر أنه ليس في الإسلام رجال دين. وأن كل ما يقولونه ليس حجة على الإسلام. وأن مصيبة هذا الشعب جاءته من الجهل بحقيقة دينه – وليس الجهل من أوامر الإسلام للناس! – وأنه يكفي لدحض تهمة التخدير عن الدين الإسلامي أن الحركة التي ثارت ضد الطاغية هي في حقيقتها الحركة الدينية، التي أحس الملك السابق خطرها على وجوده فقتل داعيتها وفتح المعتقلات لكتم أنفاسها قبل أن تقضي عليه. ولكن الله أراد غير ما كان يريد.

يكفي هذا لدحض الشبهة الجاهلة. كما يكفي كذلك أن نذكر أن جميع الحركات التحريرية في الشرق الإسلامي كانت من وحي الدين. حركة الشعب المصري ضد الاحتلال الفرنسي كانت حركة علماء الدين. والثورة على ظلم محمد علي كان رائدها السيد عمر مكرم الزعيم الديني.

والثورة على الإنجليز في السودان كان زعيمها المهدي الكبير وهو زعيم ديني. والثورة على الطليان في ليبيا، وعلى الفرنسيين في المغرب كلها حركات دينية. وثورة الإندونيسيين على هولندا كانت ثورة باسم الدين وعلى أساس الدين.

في كل مكان ثورة تشهد بأن هذا الدين قوة تحريرية. لا دعوة للاستخذاء والرضى بالظلم والهوان. ولكنا لا نكتفي بهذه الحقيقة الواقعة الواضحة الدلالة، بل نمضي في مناقشة الشبهة الجاهلة التي تتعلق بتخدير الكادحين عن طلب العدالة الاجتماعية والتوزيع الاقتصادي العادل، وهي أهم ما تلوكه ألسنة الشيوعيين.



* * *
يقول المفسرون في آية: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " إنها نزلت بشأن إمرأة قالت: لماذا يختص الرجال بالجهاد في سبيل الله وتحرم من ذلك النساء؟ وقيل إنها نهي عن التمني الفارغ مع القعود عن العمل، لأنه يؤدي إلى الحسد – وهو شعور منحرف – دون إنتاج عملي يفيد منه المجموع. أي أنها دعوة للناس أن يعملوا ما ينالون به الفضل، بدل أن يتمنوا وهم قاعدون.

أمّا الآية الأخرى: " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم.. " فهي دعوة إلى الاستعلاء على القيم المادية، التي قد تدعو إلى إكبار أصحابها في أعين المحرومين منها. والخطاب فيها على الأرجح موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لإصغار شأن الكافرين الذين في أيديهم من متاع الحياة الشيء الكثير، ولكنه هو أعلى منهم بما معه من الحق القوي. فهي في واد آخر غير ما يفهمه منها السطحيون!

ويظهر أن هؤلاء المفسرين في صدر الإسلام كانوا يعلمون أن الشيوعية ستظهر بعد ألف عام، وأن دعاتها سيتهمون الإسلام، فقاموا ينفون عنه التهمة، وينتحلون التفاسير التي تحول الحق عن وجهته، فأبدوا هذه الآراء التي تحمل الرد الكافي على الشيوعيين وغير الشيوعيين!

ومع ذلك فنحن نفترض جدلاً أن هذه الآيات وأشباهها تدعو للرضى بالواقع وعدم التطلع إلى ما في يد الآخرين. فمتى تصح هذه الدعوة؟ ومتى تتعين إطاعتها؟

إن الإسلام ينبغي أن يؤخذ كله، ولا يجعل أجزاء وتفاريق يؤخذ بعضها ويترك البعض الآخر.

وهذه الدعوة للفقراء والمحرومين أن يصبروا ولا يتطلعوا إلى ما عند الأغنياء، هي إحدى كفتي الميزان. وتقابلها من الجانب الآخر دعوة مثلها أو أشد منها إلى الأغنياء ألا يستأثروا بأموالهم، بل ينفقوها في سبيل الله ؛ وتهديد لهم شديد بما ينالهم من العقاب في الآخرة على هذه الأثرة البغيضة.

فإذا نظرنا إلى المسألة على هذا الوضع فالكفتان متوازنتان: إنفاق في جانب واحتفاظ بالكرامة عن ذل التطلع، وبنظافة النفس من الحقد في جانبٍ آخر. وبهذا وذاك يعيش المجتمع في سلامٍ نفسي يتمشى مع السلام الاقتصادي الذي يوزع الثروة على الجميع، فلا يوجد مترف هنا ومحروم هناك. وقد تحدثنا من قبل عن " الإنفاق " وصوره المتعددة التي يمكن أن تنفذ في العصر الحديث بما ينفي عنها صفة الإحسان، ويدخلها في باب التعاون الإنساني الكريم. فلا نحتاج إلى العودة إلى هذه المسألة من جديد، ولكنا نقول: إنه حين يعيش المجتمع على هذه الصورة فلن يكون هناك ظلم يطلب من المظلومين الرضاء به، أو حرمان اقتصادي يؤمرون بالخضوع له.

أما حين ينكل الأغنياء عن واجبهم في الإنفاق، وتحمل تكاليف الخدمة الاجتماعية لمجموع الشعب، فمن ذا الذي يدعو الفقراء والمحرومين إلى الرضى بما هم فيـه من حرمان؟!

الإسلام يصنع ذلك؟

الإسلام الذي يهدد الراضين بالظلم، القاعدين عن مكافحته، بسوء المصير في الدنيا والآخرة؟

" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم: قالوا فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض. قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ؛ فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفواً غفوراً [104] ".

إنها إذن جريمة لا ينفع فيها اعتذار. جريمة أن يرضى الإنسان بالظلم بحجة أنه ضعيف في الأرض. والقرآن يسميهم ظالمي أنفسهم، حين رضوا لها غير الوضع الكريم الذي أراده الله للناس، ودعاهم إلى تحقيقه بكل ما يستطيعون من جهد.

والدعوة إلى الهجرة كانت لمناسبة خاصة وليست هي السبيل الوحيد لمواجهة الظلم. فللجماعات سبل أُخرى سيأتي بيانها. إنما نريد هنا أن نؤكد استفظاع الإسلام للرضى بالظلم، إلى حد أن تكون عقوبته هي جهنم، ولا ينجو منها إلا المستضعفون حقيقة، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. وذلك لكي لا يقعد عن الجهاد أحد يملك ذرة من القدرة على الجهاد.

أما المستضعفون حقيقة فليسوا متروكين لأمرهم، يحتملون الظلم بلا نصير. فالأُمة الإسلامية كلها مدعوة للجهد في سبيلهم ودفع العدوان عنهم: " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها [105] ".

فالظلم لا يقع على طائفة من الناس أو على كثرتهم ثم يسكتون عنه فيرضى الله عنهم ولن يرضى الله عنهم حتى يكافحوا الظلم ويردوه عن المظلومين.

وربما ظن البعض أن هذه الآيات خاصة بالعقيدة فحسب، أي بوجود مسلمين في وسط مشركين يجبرونهم على الشرك بالله وعدم القيام بشعائر العبادة الإسلامية.

ولكن الإسلام لا يفرق بين شعائر العبادة وبين تنفيذ النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتفرعة عن هذه العقيدة. ولا يفرق بين أن يكون الذين يمنعون تنفيذها كفاراً بالاسم والفعل. أو مسلمين بالاسم وكفاراً في واقع الأمر: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " [106].

والإسلام يأمر بألا يكون المال " دولة بين الأغنياء " ويأمر بأن تكفل الدولة رعاياها بكل الطرق الممكنة: إما بإيجاد العمل الكريم لهم، وإما بالإنفاق المباشر عليهم من بيت المال في حالة العجز عن العمل. ويأمر نبي الإسلام بضمانات معينة – ذكرناها من قبل – بالنسبة لموظفي الدولة، وهي تنطبق بالقياس على كل من يؤدي عملاً في مؤسسة خاصة أو عامة.. وكل ذلك جزء من هذا الدين لا يتم إيمان الناس حتى يقرّوا به ويسعوا إلى تنفيذه. وعليه تنطبق الآيات السالفة الذكر التي تذكر الظلم وحكم " ظالمي أنفسهم " الذين يقبلون هذا ولا يكافحونه.

ونفرض أن الناس قد قعدوا عن مكافحة الظلم الاجتماعي إطاعة للمعنى المتوهم من الآيات التي تقول: " ولا تَتَمَنَّوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " أو " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم " فما الذي يحدث عند ذاك؟

يحدث أن تتكدس الأموال في يد فئة خاصة من الناس يتداولونها فيما بينهم ويحرمون منها المجموع " كما يحدث في الإقطاع والرأسمالية " وذلك منكر لأنه مخالف لأمر الله: " كيلا يكون دولة بين الأغنياء ".

ويحدث أن يحبس الأغنياء هذه الأموال، أو ينفقوها على أنفسهم في صورة ترف وملذات. فإن كان الأولى فهي منكر: " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " [107]. ولا عذاب إلا على منكر لا يرضي الله. وإن كانت الثانية فهي منكر كذلك والآيات التي تحرم الترف كثيرة جداً في القرآن، كلها تصم المترفين بالكفر والفسوق: " وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنَّا بما أرسلتم به كافرون [108] " … " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُتْرَفِيهَا ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول فدمرناها تدميراً [109] ".. " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال: في سموم وحميم، وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم، إنهم كانوا قبل ذلك مترفين " [110].

لا يمكن إذن أن ينتج من قعود الناس عن مكافحة الظلم الاجتماعي إلا منكر. فكيف يتهم الإسلام بأنه يدعو الناس إلى الرضا بالمنكر والسكوت عليه ابتغاء مرضاة الله! والله يقول: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون " [111] فيجعل السكوت على المنكر وعدم التناهي عنه علامة من علامات الكفر بالله تستوجب غضبه ولعنته وعقابه؟! والرسول يقول: " من رأى منكم منكراً فليغيره ". ويقول: " أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند إمام جائر ". ولن تحدث هذه المنكرات في المجتمع ويرضى عنها الحاكم أو يتسبب فيها إلا كان إماماً جائرً تجب مقاومته جهاداً في سبيل الله وابتغاء مرضاة الله؟!

أي عقل ذلك الذي يجيز فهم الإسلام على أنه يأمر بالرضى عن الظلم والسكوت على الحرمان، إلا عقل منحرف لا يستطيع أن يفهم ولا يستطيع التخلص من الهوى والشهوات؟

إنما تنصرف الآيات التي أوردناها في أول الفصل إلى النهي عن التمني الفارغ الذي لا يصحبه عمل منتج ؛ وإلى الرضى بما لا يستطيع أحد في الأرض أن يغيره: لا الدولة ولا المجتمع ولا أحد من الناس.

فلنفرض أن إنساناً وهب موهبة حازت له الشهرة وإعجاب الناس، وآخر يتحرق شوقاً إلى مثل هذه الشهرة وهو لا يملك مثل موهبته. فما الذي تصنعه الدولة يا ترى لإرضاء هذا الشوق، ومنعه أن يتحول إلا حقد مريض؟ هل "تصنع" الدولة له موهبة في أحد مصانعها!؟

ولنفرض أن إنسانة جميلة تهفو لها الأفئدة وتتبعها العيون. وأُخرى ليس لها جمالها ولكنها تتلهف إلى الإعجاب وتتطلع إلى الجمال، فما الذي يسع الدولة أن تقدمه إليها لتمنحها " المساواة" التي تنشدها؟

ولنفرض أن زوجين يتمتعان فيما بينهما بالحب، أو ينجبان من الأطفال ما تقر به عينهما وتسعد نفسهما، وآخرين لم يكتب لهما الوفاق، أو لم ينجبا الأطفال رغم محاولات الطب الحديث، فماذا تصنع قوى الأرض كلها لتعويضهما عما يفقدانه في هذا الباب؟

أن هذا وأمثاله كثير جداً في الحياة. ولن تحله الحلول الاقتصادية ولا نشر العدالة الاجتماعية، لأنه يتعلق في جوهره بقيم غير اقتصادية. فمن ذا الذي يحله إذن إلا الدعوة إلى الرضى، والإطمئنان إلى رزق الله الواسع الذي يقدر الناس بمقاييس أخرى غير مقاييس الأرض، ويجزي حرمان الأرض بنعيم السماء؟!

بل في الميدان الاقتصادي والاجتماعي ذاته.. من الذي يقول إن المساواة المطلقة قد أمكن أن تطبق في واقع الأرض؟ في أي بلد من بلاد العالم كله تساوت جميع الأجور أو تساوت جميع المناصب؟ فلنفرض أن عاملاً في الاتحاد السوفييتي شديد الطموح عظيم التوق. فهو تواق لأن يكون مهندساً، ولكن مواهبه العقلية تحول دون ذلك رغم إعطائه جميع الفرص العادلة. أو أن عاملاً لا يجد في جسمه طاقة بعد وحدة العمل الإجبارية الأولى ليقوم بعمل إضافي يأخذ عليه أجراً إضافياً، ولكنه مع ذلك يتحرق شوقاً إلى ما يناله الآخر القوي من أجر زائد ينفقه في متع الحياة. ما الذي تملكه الدولة لهذا وذلك؟ وكيف يستطيع أن يسعد بحياته وهي مشوبة بالقلق المستمر والتطلع الدائم والحقد المرير؟ وكيف – بغير التطلع إلى رحمة الله ونشدان الراحة في رحابها – يستطيع أن يؤدي عمله في كما ينبغي، ليستفيد من جهده المجموع؟ أبالحديد والنار خير، أم بدافع داخلي من الرضا والإقبال؟

هذه هي دعوة الإسلام. العمل لتحقيق الرغبات المشروعة، والرضا بما لا يستطيع تغييره أحد. أما حين يوجد الظلم الذي يمكن تغيره، فلن يرضى الله عن الناس حتى يزيلوا هذا الظلم بالثورة عليه وتحطيمه: " ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً [112] ".

فإذا كان في الدنيا كلها دين يصلح أن يكون أفيوناً للشعب، فلن يكون هذا الدين هو الإسلام، الذي يكافح الظلم بجميع صوره وألوانه، وينذر الذين يقبلون الظلم بشر العقاب.


محمد قطب


--------------------------------------------------------------------------------


[102] سورة النساء: 32.

[103] سورة طه: 131.

[104] سورة النساء: 97-99.

[105] سورة النساء: 75.

[106] سورة المائدة: 44.

[107] سورة التوبه: 24.

[108] سورة سبأ: 34.

[109] سورة الاسراء: 16.

[110] سورة الواقعه: 41-45.

[111] سورة المائدة: 78-79.

[112] سورة النساء: 74.

عمر الأنصاري
11-27-2007, 10:29 AM
جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع القيم
وقد كنت في بداية البحث عن نقض هذه المقولة فجاء موضوعك جامعا نافعا
نفعنا الله بكم دكتورنا الحبيب

يحيى
11-27-2007, 07:31 PM
جزاكم الله خيرا كثيرا و لكن ماركس معه حق لأنه تحدث عن دينه اليهودية و دين المسيحية المحرفين عن رسالة موسى و عيسى -عليهم السلام- الحقيقية.

الواقع الذي عاش فيه, فهو يتحدث عن واقعه أما الاسلام فهو لا يعرفه و هو ألد أعداء الرأسمالية و القارونية.

الحكيم
02-19-2009, 09:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الدين ليس قيداً يكبل الشخص ويصادر له حريته وإنما هو عبارة عن مجموعة من التعليمات التي أمرنا الله تعالى بها لكي تقوم هذه الحياة على أسس صحيحة.... وقد شبه بعض العلماء الدين بالكتلوك الذي يأتيك مع أي أداة كهربائية تشتريها... فهو يتضمن طريقة تشغيل الجهاز وكيفية العمل به ويحوي كل المعلومات عن هذا الجهاز أو هذة الأداة...
فلو أنك ألقيت هذا الكتلوك(المنهج) جانباً و قررت أن تشغل الجهاز من معلوماتك مع أنك لا تعرف كيفية عمل الجهاز..فسيقولون عنك أنك مجنون لأنك تركت المنهج الذي أتاك من قبل الشركة المصنعة وأردت اتباع أهوائك...
وهذا أيضاً مثل الدين ولله المثل الأعلى فقد خلقنا في هذه الحياة وأعطانا الدين(الكتلوك) وأرسل لنا الرسل لكي يدلونا إلى الطريق الصحيح إذا ما حدنا عنه...
والحمد لله تعالى أولاً وآخراً