المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نحو دراسة مؤثرة (العقيدة والتوحيد نموذجا)



ابوالمنذر
12-20-2007, 09:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم



مقدمة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ (سورة آل عمران : 102) .] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [ (سورة النساء : 1 ) .] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [ (سورة الأحزاب : 71 ) .

أما بعد

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وأحسن الهدي هدي محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.



أخي الحبيب...

هذه أبكار أفكار قد نضجت في خدرها ، وودت لو وجدت قلبا خاليا ، خالص الود لهذه الدعوة ، لا يلوى على شيء محددا غايته عارفا سبيله ، غير عابئ بمور الأحداث جواره .

أردت لها أن تجد ذلك النمط من الرجال الذي يحمل هموم الأمة دون كلل ولا ملل ، غير مكترث بطول الطريق أو قصره ، ولا تعتريه وحشة الوحدة فهو جماعة ما دام مع الحق يدور معه حيث دار ،ولا ترعوه تهاويل الطريق وقلة النصير مع كثرة السائرين ، وصدق رسول الله ( ص )( إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً) ([1]) ، ،فهو يستعذب الشهادة ويهوى مواردها في سبيل تحقيق غايته ، وهو لا يكل من ترديد أنشودته { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه/84].

أخي الحبيب....

هذه المدارسة وإن كانت نظرات شخصية أخاف من تعميمها ، غير أن واقع الدعوة فيه من المعوقات أكثر مما ذكرت ، ومع ذلك لا يمنع من تخطئتها لأنها نظرات بشرية قاصرة ، ومحاولة لتصحيح وضع قائم كما أظن!، وغيوم كادت أن تكون قاتمة لولا بارقة أمل في مجموع الأمة، لا أقول أنها تصلح أن تكون نقداً فلست للنقد أهلاً ، ولكن أقول عنها مجرد تحليل واستثارة فكر والتذاكر لإيجاد الحلول حسب الإمكانيات المتاحة.

وقد يتهمها البعض بالتسرع ، والبعض يتهمها بإفشاء ما ينبغي السكوت عليه لأنها في نظره عوراتنا ، والبعض يقول من سبقك في هذا لو رأوها خيراً لسبقوا إليه ، والبعض يقول ربما تؤدى طريقتك في العرض إلى تسرب اليأس والقنوط من الإصلاح!

أخي الحبيب....

ولكن مما فرج عني وعنك أن هذه الأفكار التي كانت في أفلاكها تسبح ، وجدت لها من علماء الأمة سليل ،وفي كلام حكماء الدعوة من خطباء ومحاضرين سبيل ، فجمعت درر كلام أهل العلم في سلك منظوم ، وجوهر المعاني من دوريات الباحثين في وشيها مركوم ،ومن زفرات المنابر وصيحات المحابر في خطها مرسوم ، فأنى لمثلي أن يأتي بما أوتوا وإن كان قلبي مكلوم ، فكانت هذه الكلمات التي بين يديك من حديثهم وكلامهم فهم أولى وكلامهم أجدى وكما قالوا قديما ( ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة ) ، وأمر أخر وهو أنى أردت الكلمات تأت من قلب نقي ولكن أنى هذا لي ، إذ لو كانت بالدعاوى ( لأدعى الخالي حرقة الشجي ) .

أخي الحبيب...

قد تكون هذه الكلمات محذرة حينا ومتخوفة أحيانا أن يصيب الصف نوع وهنٍ أو ثُلمٍ ، فإني خشيت أن يُنسب إلى منهج الصالحين من لا نسب له بينهم ،أو أن يندس في صفوف المصلحين من لنفسه دس ، كل هذه الدواعي دعتني إلى الكتابة في الموضوع ، ليس لكي أكتب ، ولكن أنصح نفسي وأخوتي ، فالسكوت في الوقت الراهن جريمة ،بل وخنجراً في كيان الأمة كيفاً ونوعاً.

لذا كانت هذه المطارحات البسيطة ، والكلمات الدامعة الحروف ، على حال وكيان أهل الحق فأنتم ملح الأرض ، ماذا لو فسد الملح؟!وصدق والله القائل : (يا ملح الأرض لا تفسدوا فإن كل شيء إذا فسد فإنما يداوى بالملح وإن الملح إذا فسد فليس له دواء )([2]).

فهو مِلْحُ الأرضِ ما يُصْلِحُه ... إن بدَا فيه فَسادٌ أو خَلَلْ ؟!

لا أحمل في هذه المصارحة سوي قلب خائف ، وعين دامع ، وكف تحاول أن تميط الأذى عن صاحبها.

وذكر تلكم المصارحة قد يتبعها مرارة وحزن ، ولكنها تنتهي بالسعادة ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى ، وقد لا ينقطع الوسخ إلا بنوع من الخشونة ، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ، ما نحمد معه ذلك التخشين ([3])) .

وهى تحمل سؤالاً واحداً

لماذا دراستنا للعقيدة غير مؤثرة ؟

قد أكون حاولت الإجابة ، ولكن هذا لا يعنى أنى أصبت أو حتى قاربت السداد ، وتبقى محاولة تحتاج إلى إعادة نظر { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }[البقرة: من الآية286] ، أو تفتح لغيري بإذن الله تعالى أن يؤصل ويحلل بإمكانيات ونظرات أعمق فيخرج بنتائج أقرب و أصح { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود: من الآية88].

وكتبه حامداً ربه ومصلياً على نبيه ( ص )

أبو عبد الرحمن سلطان بن علي


------------------------------

([1]) متفق عليه

([2])مختصر تاريخ دمشق - (ج 1 / ص 2718) وقال خلف بن حوشب: قال عيسى u للحواريين: (يا ملح الأرض لا تفسدوا، فإن الشيء إذا فسد لا يصلحه إلا الملح.) حلية الأولياء - (ج 2 / ص 294) .

([3])مجموع الفتاوى (28/53).

ابوالمنذر
12-20-2007, 09:41 AM
تمهيد



بداية لن يكون حديثي عن أهمية علم التوحيد والعقيدة ، فهذا أمر فُرغ منه ،ولسنا في حاجة إلى إعادة الحديث عنه وملأ الصفحات به ، فحديثنا عن الكيفية بماذا وكيف!.

القرآن الكريم والسنة النبوية لها تناولها الخاص في معالجة أصعب القضايا وأكثرها تشابكًا ، فتجد في الآية الواحدة ارتباط بين مجالات متعددة ، أو ما جعلناه نحن متعدداً ، من عقيدة وعبادة وأخلاق ورقائق وسلوك ومعاملة ، الآية الواحدة تحمل التوجيه الأخلاقي مع اعتباره من أجل العبادات وترسيخ مراقبة الله U للعبد بتذيل الآية باسم كريم من أسمائه مثل قوله I { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (النساء:135).

الآية الواحدة تحمل حكماً شرعيًا، وأدبًا ربانيًا وحلاً لمشاكل المجتمع ،وربط كل هذا بتوحيد الله وأسمائه وصفاته {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)} [البقرة/231]

الآية الواحدة تعالج النفس الإنسانية بتربيتها على الأسماء الحسنى وتغير مجري حياة المتلقين بكلمات نورانية أخاذة فتأخذ بوجدان المتلقي وشعوره، فلا فارق بين الحكم الشرعي والقضية العقدية ، ولا فارق بين التوجيه الأخلاقي ومعاملة الخلق ، ولا بينهما والعبادة الخالصة الموجهة لله U ، بل تجمع هذا كله في نسق واحد .

لم يكن هناك ذلكم الفصل الذي جعله المتأخرين لتسهيل دراسة العلوم الشرعية ففصلوا وقسموا مثلاً:

- العقيدة والتوحيد.

- الفقه.

- الرقائق.

- الأخلاق.

لم يكن ذنب العلماء أن سهلوا علينا دراسة العلوم بهذا التقسيم، ولكن نمي بسبب التقسيم القول بالظاهر والباطن عند الصوفية الذي هو ميراث الفرق الباطنية كالقرامطة و الإسماعيلية ومن سار سيرهم .

والقول بأن العقيدة والتوحيد من المسائل النظرية التي لا يُبنى عليها عمل،حتى أغفلت بعض مناهج جماعات الدعوة المسائل الاعتقادية تربية ودعوة ،وتسرب إلى البعض أن العقيدة والتوحيد من المسائل التي تسبب الخلاف وتأجج الصراعات فهؤلاء طرحوا الاهتمام بالعقيدة جانباً،واهتموا بالعمل الدعوى تارة ، والعمل الخيري أخري ، والعمل السياسي،وهكذا دواليك لأن العقيدة تسبب الخلاف وكفى الأمة خلافاً- زعموا-،وإن تكلموا عنها فعلى استحياء - وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وإن كان حديثنا ليس عن هؤلاء ولا لهم، ولكن تسرب إلي بعضنا مثل هذا النظرة من كثرة الانتقادات من المناهج الأخرى ، وهذا قليل والحمد لله.

ولكن هذا التقسيم تسرب إلى نفسية كثير من الدارسين وكأنه مُسَلَّمة التفرق والتنافر، حتى صار التعلم بخلاف التزكية ، والتزكية ليست توحيداً ولا فقهً ،ويطلب الدارس رقة قلبه في رقائق و زهديات، و ربما زهد في العلوم التي تقسي قلبه...زعموا ، أو ينجرف محافظاً على مكانته بين أقرانه فيندفع إلى التفوق في حفظ الأدلة دون تعظيمها ، و إلى سردها دون معايشتها ، وهكذا حدث الانفصال في اللاشعور محركاً إيانا في دوائر الفراغ فحدثت تلكم الهوة السحيقة بين ما نعتقد (أو بين ما ينبغي أن نعتقد) وما نعمل ، بين معاملة الحق ومعاملة الخلق ، بين عبودية القلب وعبودية الجوارح ، بل صارت قلوبنا تشتكى باكية من خواء وتعطيل ([1]).

(والناظر اليوم لحال طلبة العلم يعرف أن أكثرهم قد قست قلوبهم وجمدت عيونهم ، وانصرفوا عن الرقائق وطلب بعضهم وجمدت عيونهم ، وانصرفوا عن الرقائق وطلب بعضهم الدنيا بعلمه ؛ وذلك لأن القلب ليس متوجهًا إلى الله ولا اللسان بمخلص في دعواه ، وهذا من عوامل تأخر النصر ، وقلة التوفيق ، وندرة البركة في الأعمار والأوقات ، والله المستعان([2])).

القرآن يحدد مفهوم التزكية ومصادرها:

كما قال U {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)} [البقرة/151].

بل وجعلها من أعظم المنن { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران/164].

قال ابن الجوزي ’ ([3]): [والكتاب : القرآن . والحكمة: السنة ، قاله ابن عباس . وروي عنه: الحكمة : الفقه والحلال والحرام ، ومواعظ القرآن . وسميت الحكمة حكمة، لأنها تمنع من الجهل .

وفي قوله تعالى: { ويزكيهم } ثلاثة أقوال . أحدها: أن معناه : يأخذ الزكاة منهم فيطهرهم بها ، قاله ابن عباس والفراء . والثاني: يطهرهم من الشرك والكفر ، قاله مقاتل . والثالث: يدعوهم إلى ما يصيرون به أزكياء ]ا.هـ.

قال ابن عاشور’ ([4]): [وقوله { ويعلمكم الكتاب والحكمة } أي يعلمكم الشريعة فالكتاب هنا هو القرآن باعتبار كونه كتاب تشريع لا باعتبار كونه معجزاً ويعلمكم أصولَ الفضائل ، فالحكمة هي التعاليم المانعة من الوقوع في الخطأ والفساد ، وتقدم نظيره في دعوة إبراهيم وسيأتي أيضاً عند قوله تعالى : { يؤتي الحكمة من يشاء } [ البقرة : 269 ] في هذه السورة .

وقدمت جملة: { ويزكيكم}على جملة: {ويعلمكم الكتاب والحكمة }هنا عكس ما في الآية السابقة في حكاية قول إبراهيم: { يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم } [ البقرة: 129 ]، لأن المقام هنا للامتنان على المسلمين فقدم فيها ما يفيد معنى المنفعة الحاصلة من تلاوة الآيات عليهم وهي منفعة تزكية نفوسهم اهتماماً بها وبعثاً لها بالحرص على تحصيل وسائلها وتعجيلاً للبشارة بها. فأما في دعوة إبراهيم فقد رتبت الجمل على حسب ترتيب حصول ما تضمنته في الخارج، مع ما في ذلك التخالف من التفنن.

وقوله: { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } تعميم لكل ما كان غير شريعة ولا حكمة من معرفة أحوال الأمم وأحوال سياسة الدول وأحوال الآخرة وغير ذلك]ا.هـ.

فوائد الخطاب القرآني :

وينصح لنا العلامة القرآني ابن القيم ’ فيقول( تأمل خطاب القرآن تجد ملكا له الملك كله وله الحمد كله أزمة الأمور كلها بيده ومصدرها منه ومرادها إليه مستويا على سرير ملكه لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته عالما بما في نفوس عبيده مطلعا علي أسرارهم وعلانيتهم منفردا بتدبير المملكة يسمع ويرى ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب ويكرم ويهين ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويقدر و يقضي ويدبر الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها وصاعدة إليه لا تتحرك في ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه فتأمل كيف تجده يثني على نفسه ويمجد نفسه ويحمد نفسه وينصح عباده ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم ويرغبهم فيه ويحذرهم مما فيه هلاكهم ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته و يتحبب إليهم بنعمه وآلائه فيذكرهم بنعمه عليهم ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها ويحذرهم من نقمه ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه وما أعد لهم ما العقوبة إن عصوه ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم ويذم أعداءه بسيئ أعمالهم وقبيح صفاتهم ويضرب الأمثال وينوع الأدلة والبراهين ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة ويصدق الصادق ويكذب الكاذب ويقول الحق ويهدي السبيل ويدعو إلى دار السلام ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها ويحذر من دار البوار ويذكر عذابها وقبحها وآلامها ويذكر عباده فقرهم إليه وشدة حاجتهم إليه من كل وجه و أنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين ويذكر غناه عنهم وعن جميع الموجودات وانه الغنى بنفسه عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه بنفسه وانه لا ينال احد ذرة من الخبر فما فوقها إلا بفضله ورحمته ولا ذرة من الشر فما فوقها إلا بعدله وحكمته ويشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب وانه مع ذلك مقيل عثراتهم وغافر زلاتهم ومقيم أعذارهم ومصلح فسادهم والدافع عنهم والمحامي عنهم والناصر لهم والكفيل بمصالحهم والمنجي لهم من كل كرب والموفي لهم بوعده وأنه وليهم الذي لا ولى لهم سواه فهو مولاهم الحق ونصيرهم علي عدوهم فنعم المولى ونعم النصير فإذا شهدت القلوب من القرآن ملكا عظيما رحيما جوادا جميلا هذا شانه فكيف لا تحبه وتنافس في القرب منه وتنفق أنفاسها في التودد إليه ويكون أحب إليها من كل ما سواه ورضاه آثر عندها من رضا كل ما سواه وكيف لا تلهج بذكره ويصير حبه والشوق إليه والأنس به هو غذائها وقوتها ودواؤها بحيث إن فقدت ذلك فسدت وهلكت ولم تنفع بحياتها([5])).

لذا كان هذا التساؤل:





لماذا دراستنا للعقيدة غير مؤثرة ؟





--------------------------

([1])وقد لاحظ أثر هذا التقسيم جمع من العلماء في زمانه كابن الجوزي والغزالي فقال ’ (ولو سُئل فقيه عن معنى من هذه المعاني حتى عن الإخلاص مثلاً أو عن التوكل أو عن وجه الاحتراز عن الرياء لتوقف فيه مع أنه فرض عينه الذي في إهماله هلالكه في الآخرة، ولو سألته عن اللعان والظهار والسبق والرمي لسرد عليك مجلدات من التفريعات الدقيقة التي تنقضي الدهور ولا يحتاج إلى شيء منها، وإن احتيج لم تخل البلد عمن يقوم بها ويكفيه مؤنة التعب فيها، فلا يزال يتعب فيها ليلاً ونهاراً وفي حفظه ودرسه يغفل عما هو مهم في نفسه في الدين، وإذا روجع فيه قال: اشتغلت به لأنه علم الدين وفرض الكفاية ويلبس على نفسه وعلى غيره في تعلمه، والفطن يعلم أنه لو كان غرضه أداء حق الأمر في فرض الكفاية لقدم عليه فرض العين، بل قدم عليه كثيراً من فروض الكفايات؛ فكم من بلدة ليس فيها طبيب إلا من أهل الذمة ولا يجوز قبول شهادتهم فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه، ثم لا نرى أحداً يشتغل به، ويتهاترون على علم الفقه لاسيما الخلافيات والجدليات والبلد مشحون من الفقهاء بمن يشتغل بالفتوى والجواب عن الوقائع؛ فليت شعري كيف يرخص فقهاء الدين في الاشتغال بفرض كفاية قد قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به ؟ هل لهذا سبب إلا أن الطب ليس يتيسر الوصول به إلى تولي الأوقاف والوصايا وحيازة مال الأيتام وتقلد القضاء والحكومة والتقدم به على الأقران والتسلط به على الأعداء؟ هيهات هيهات، قد اندرس علم الدين بتلبيس العلماء السوء؛ فالله تعالى المستعان وإليه الملاذ في أن يعيذنا من هذا الغرور الذي يسخط الرحمن ويضحك الشيطان- على أنا سننقل من سيرة فقهاء السلف ما تعلم به أن الذين انتحلوا مذاهبهم ظلموهم وأنهم من أشد خصمائهم يوم القيامة فإنهم ما قصدوا بالعلم إلا وجه الله تعالى، وقد شوهد من أحوالهم ما هو من علامات علماء الآخرة كما سيأتي بيانه في باب علامات علماء الآخرة، فإنهم ما كانوا متجردين لعلم الفقه، بل كانوا مشتغلين بعلم القلوب ومراقبين لها، ولكن صرفهم عن التدريس والتصنيف فيه ما صرف الصحابة عن التصنيف والتدريس في الفقه، مع أنهم كانوا فقهاء مستقلين بعلم الفتوى والصوارف والدواعي متيقنة، ولا حاجة إلى ذكرها- ونحن الآن نذكر من أحوال فقهاء الإسلام ما تعلم به أن ما ذكرناه ليس طعناً فيهم بل هو طعن فيمن أظهر الإقتداء بهم منتحلاً مذاهبهم وهو مخالف لهم في أعمالهم وسيرهم، فالفقهاء الذين هم زعماء الفقه وقادة الخلق - أعني الذين كثر أتباعهم في المذاهب خمسة: الشافعي، ومالك، وأحمد بن حنبل، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري رحمهم الله تعالى. وكل واحد منهم كان عابداً وزاهداً وعالماً بعلوم الآخرة وفقيهاً في مصالح الخلق في الدنيا ومربداً بفقهه وجه الله تعالى، فهذه خمس خصال اتبعهم فقهاء العصر من جملتها على خصلة واحدة وهي التشمير والمبالغة في تفاريع الفقه، لأن الخصال الأربع لا تصلح إلا للآخرة، وهذه الخصلة الواحدة تصلح الدنيا والآخرة، إن أريد بها الآخرة قل صلاحها للدنيا شمروا لها وادعوا بها مشابهة أولئك الأئمة، وهيهات أن تقاس الملائكة بالحدادين، فلنورد الآن من أحوالهم ما يدل على هذه الخصال الأربع، فإن معرفتهم بالفقه ظاهرة.)( إحياء علوم الدين (جـ1).

([2])د/محمد بن حسن الشريف التنازع والتوازن في حياة المسلم صـ 32.

([3])زاد المسير - (جـ 1 / صـ 125)].

([4]) التنوير والتحرير - (جـ 2 / صـ 44)]

([5]) الفوائد - (صـ 28،29) .

ابوالمنذر
12-20-2007, 09:42 AM
لماذا دراستنا للعقيدة غير مؤثرة ؟



هذا السؤال هو المحك، إذ لا فائدة لعقيدة ليس لها أثر في الحياة، إما بعمل بَناء، أوحركة دائبة، لإقامة حياة طيبة، فإن الفكر المجرد مفتقر إلى من يحوله إلى نموذج عملي قائم، ينبض بالحياة، فإن الفكر محله ذهن المفكر، ولكن العمل عام شامل لمن هو فوقه ومن هو دونه، وكما قيل: ( عمل رجل في ألف رجل، خير من قول ألف رجل لرجل ).

(وقد كان المسلمون عندما يتلقون العقيدة بعباراتها القرآنية الجليلة، يتفاعلون معها تفاعلاً عجيباً؛ إذ يتحولون بسرعة، وبعمق كبير من بشر عاديين، مرتبطين بعلائق التراب إلى بشر ربانيين ينافسون الملائكة في السماء؛ وما هم إلا بشر يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق؛ ولذلك حقق الله بهم المعجزات في الحضارة والتاريخ([1])).

فالكلام إذاً جيد، ولكن الفعل أجود وأنفع، وأثره أبقى، ولكن أن تتحول عقيدتنا وإيماننا إلى أفكار مُفلسة، أو نظريات فوقية تعيش في أبراج عاجية منعزلة عن الواقع العملي، فهذا أمر مرفوض، فإن الناظر إلى مجتمعات المسلمين على اختلاف مشاربهم ومساربهم، يرى منظرًا يهوله، بون شاسع بين ما ينبغي إن يؤمن به وبين ما يؤمن به حقيقةً([2])، بل وبين المنتمين إلى المناهج السلفية تجد إشكالات منها:

1. الاهتمام بالتخلية وإهمال التحلية.

2. الوقوف عند الحدود والضوابط.

3. الاهتمام بدراسة الفرق.

4. الجنوح الفكري:

أ)الاستعلاء الفكري. ب) الرهاب الفكري([3]).

5. إهمال الجانب الإنساني.

6. وقوع بعض الأخطاء في قراءة كتب السلف.

7. تبني ردود الأفعال.





1) الاهتمام بالتخلية وإهمال التحلية:

وأقصد به قصر دراستنا للتوحيد على قضايا التحذير من الشرك يقول الشيخ الفاضل ياسر برهامي حفظه الله ( وما أضيق النظرة إلى التوحيد إذا توقفنا عند النفي، فقلنا كذا من الشرك وكذا من الشرك دون أن يتحقق القلب بالعبودية لله سبحانه، بل مثل هذا مثل من أراد أن يبني قصرًا عظيمًا على قطعة من الأرض، فإذا فيها من القاذورات و النجاسات والموانع التي تمنع البناء فسعى في إزالتها، حتى تم له ذلك جلس فيها وظن أنه قد بنى القصر، و لابد له إن أراد أن يستمتع بقصره أن يقوم ببنائه، حقًا إنه لا يصلح أن يبنى مع الموانع والقاذورات، لكن مجرد إزالتها لا يقيه حر الصيف ولا برد الشتاء حتى يرفع البناء.

واعلم يا أخي:

أنك لن تنال هذه الأعمال القلبية([4]) إلا بفضل الله ومنته ولن تنالها بمجرد الأماني الباطلة دون جهد، بل لابد من دوام الفكر والذكر في الآيات الكونية المرئية، والآيات الشرعية المسموعة، وهى ترشدنا إلي الأولى بأحسن طريق وأوضح سبيل، وكلاهما فيه معرفة الأسماء والصفات ما يوجب للعبد كل العبادات الباطنة من حب وخوف ورجاء وتوكل وتضرع ونحوها مما سبق ذكره، فثق بالله وتوكل عليه وسر فالطريق مفتوح ميسر لمن يسره الله عليه ) ([5]).



2) الوقوف عند الحدود والضوابط :

و هو قصر دراسة العقيدة بدراسة الضوابط والقواعد ، التي تحمى وتحفظ عقيدة أهل السنة والجماعة عن غيرهم ، نعم لابد من الاهتمام بها ، ولكن دون أن تطمس على أصل العقيدة فلو أننا بعد ضبط الأصول والقواعد انطلقنا نبني البناء الإيماني القلبي ، الذي منه انطلاقة أعمالنا وسلوكنا ، لرأينا أثر هذا الإيمان في حياتنا ، في عزة الإيمان ، ورحمة الإخوان ، ورقة المشاعر والوجدان ، فإذ العيون بدمعها هطالة ، والجوارح بعفتها عن الحرام صادقة ، والأركان باستدامة الأعمال ورعاية الأوقات والأحوال نابضة، ولكن الوقوف عند حدود الضوابط أدى إلى ظهور طبقة من المنتسبين إلى المناهج السلفية لا تعرف سوى التبديع و التجريح والوقوع في كثير من العلماء الذين أفادوا الأمة وحموا بيضتها ، ثم تأخذ بعضهم الحمية (حمية الجهل) بالتطاول على بعض العلماء رحمهم الله تعالى لتأويلهم بعض الصفات([6]) ، وليس هذا إلا لقصور علم أولئك وضعف بصرهم وبصيرتهم، وقلة حسهم الإيماني إذ لو عرفوا لهؤلاء العلماء قدرهم لعذروهم والتمسوا لهم المعاذير ، وتأدبوا في تخطئتهم ، اللهم فقهنا وإياهم في دينك ، ونسألك العلم النافع ومعه العمل الصالح يا أرحم الراحمين.

يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله تعالى([7]) : (وأما ما ندرسه نحن في كتب التوحيد خاصة في مصنفات المتأخرين فالحقيقة ليس العقيدة فالغالب في دراستنا هو ضوابط العقيدة، بالذات ما يتعلق بموضوع الأسماء والصفات عدم التأويل وكذا وكذا([8]) هذه كلها تحوم حول ضوابط العقيدة ، لذلك يخطئ من يظن أن الكتب التي تشرح متون العقيدة أنها مستوعبة للعقيدة الإسلامية عمت الكتب التي صنفت في العقيدة أنها جمعت المسائل التي ثار فيها الخلاف بين أهل السنة والجماعة من جهة وبين هذه الفرق النارية الضالة من جهة أخرى ، فهم قد عمدوا إلى المسائل التي اشتهر فيها الخلاف بين هذه الفرق وميزوا موقف أهل السنة والجماعة وضبطوه حتى يمكن التفريق بينه وبين مذاهب أهل البدع ،لذلك نجد دائماًَ تتمحور قضايا العقيدة وعناوينها في كتب متون العقيدة وشروحها حول القضايا التي ثار فيها الخلاف ، أما العقيدة الحقيقة فهي التي تأخذ من القرآن الكريم والسنة النبوية بطريقة مفصلة ، تخاطب القلب والوجدان والعقل والروح والنفس.

بالضبط لو أنك تسير في طريق بين الجبال وهذا الطريق غاية في الخطورة إذا انحرفت يميناً أو شمالاً سقطت من الهاوية وهلكت ،فبتوضع الحواجز الحديدية على الطرفين حتى إذا حصل اصطدام تحفظك من أن تهوى ، فبالنسبة إلى ضوابط العقيدة مثل هذا السور الحديدي ليحفظ الناس من السقوط وليس هو الجوهر ولكن ليس هو المقصود بذاته أو هو كل المقصود ، فالعقيدة بكل أبعادها موجودة بكل تفصيلاتها في القرآن والسنة ، وهذا هو المصدر الحقيقي والواقعي الذي نتلقى منه العقيدة التي تخاطب الوجدان وتخاطب العقل أيضاً ، ولكن كما ذكرت تُعنى كتب التوحيد في الغالب تُعنى بدراسة ضوابط العقيدة زي السور الحديدي من الجهتين ليحميك من الانحراف يمنة ويسرة ، ولكن تبقي العقيدة في الكتاب والسنة بكل تفصيلها ) .



3) الاهتمام بدراسة الفرق :

و هو قصر دراسة العقيدة على دراسة أثر الفرق على عرض عقيدتنا ، يقول الدكتور الأهدل (التدريس الفِرَقِي لأسماء الله وصفاته لا يحقق التزكية الربانية بها وهنا لابد من التنبيه على أمر مهم جدا، وهو أن الواجب على العلماء الذين يقومون بتدريس الإيمان (العقيدة )، وبخاصة أسماء الله وصفاته، أن يجعلوا جل اهتمامهم تربية طلابهم بمعاني هذه الأسماء والصفات، بحيث يغرسون تلك المعاني في نفوسهم، ويفقهونهم فيها، تربية وتفقيها يحدثان في حياتهم آثار تلك المعاني، من محبة الله وطاعته والطمع في ثوابه، ومن إجلاله وجبروته وعظمته والهيبة منه وخشيته والبعد عن معاصيه وتوقي عقابه، ولا ينبغي أن يكون الهدف الأول من تدريس أسماء الله وصفاته، ذكر اختلاف الفرق فيها والمقارنة بين ذلك الاختلاف، من إثبات ونفي، وتأويل وتحريف.

فالأصل في التعرف على الله بأسمائه وصفاته أن يتعبد المتعرف ربه بهذه الأسماء والصفات، ويملأ قلبه بمعانيها ويهتدي بها ليكون صالحا مصلحا في الأرض، محاربا للفساد والإفساد.

أما ذكر مذاهب الفرق في أسماء الله وصفاته فذلك أمر طارئ لا ينبغي أن يكون هو الأساس في تدريسها، لأنه لا يؤدي إلى المقصود من العلم بها والتعرف عليها وهو التعبد بها الذي أمر الله عباده به، كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(الأعراف: من الآية180).

فعلى من يريد التصدي لتدريس الناس أسماء الله وصفاته، أن يهتم هو أولًا فيتفقه فيها ويعلم المقصود من التعرف عليها، ويربي نفسه بمعانيها، حتى تحدث فيه الأثر الذي أراد الله أن تحدثه في النفوس، وبذلك يكون معلمًا ومربيًا ربانيًا وقدوة حسنة يؤثر في طلابه بسلوكه قبل التأثير فيهم بتدريسه، ثم ينقل تلك المعاني التي أثرت فيه إلى طلابه بادئ ذي بدء، ولا يتعرض لمذاهب الفرق فيها إلا بعد أن يشعر بأنه قد غرس تلك المعاني في نفوسهم، وفقههم فيها تفقيهًا قرآنيًا نبويًا، وليس تفقيهًا فرقيًا، فالعلم بها، والإيمان بمقتضاها، والتعبد بها، هي المقصود الأول من دراستها.

ثم يأتي بعد ذلك التنبيه على ما وقع من انحراف في منهج بعض الفرق في أسماء الله وصفاته، فيبين الحق من الباطل بأدلته، حتى يكون الدارس على علم بزلل تلك الفرق وانحرافها، سواء أكان ذلك تشبيهًا، أو تحريفًا، أو تأويلًا، مع بيان الأسباب التي أوجدت تلك الانحرافات، والحجج الدامغة لها.

وإن الطالب الذي يتبع في تدريسه هذا المنهج الرباني للأسماء والصفات، لجدير أن يرفض كل انحراف فرقي فيها، لما وقر في نفسه وقلبه من معانيها العظيمة، ولما أحدثته في حياته من استقامة على صراط الله المستقيم. وتنبيهه بعد ذلك على تلك الانحرافات ما هو إلا تزويده بالحجج والبراهين التي تدحض تلك الانحرافات وشبه أهلها.

أما ما يسير عليه الآن كثير من مدرسي أصول الإيمان (العقيدة) من الاهتمام أولا بمذاهب الفرق في الأسماء والصفات، وعدم إتباع المنهج الرباني الذي سلكه القرآن الكريم وسار عليه الرسول ‘ وأصحابه والتا بعون من علماء السلف الصالح، من التربية الإيمانية بالأسماء والصفات والتعبد بها، فهو منهج فرقي جاف مخالف لذلك المنهج الرباني و ينبغي إعادة النظر فيه، ووضعه في مكانه اللائق به، كما مضى.

وبهذا نعلم السبب وراء الجفاف الروحي الذي يتصف به كثير من الطلاب الدارسين للأسماء والصفات على المنهج الفرقي الجاف، فهو منهج يفقد صاحبه التربية الربانية التي أراد الباري سبحانه من عباده بلوغها من التعبد له بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا([9]).).

ويقول الدكتور فريد الأنصاري:

(إن بعض التقسيمات الكلامية للعقيدة الإسلامية التي أملتها ضرورة حِجاجية حيناً، وضرورة تعليمية حيناً آخر، ليست ذات جدوى في عالم التربية الإيمانية؛ لخلوها من روحها الرباني، وسرها التعبدي الذي لا تجده إلا في كلمات القرآن وأحرفه: «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: «ألم» حرف؛ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»([10]). ثم إن الإخبار عن حقيقة الذات الإلهية لا يكون على كمال صدقه، جلالاً وجمالاً إلا إذا كان بما أخبر الله به عن ذاته ـ سبحانه ـ وصفاته. وما كان للمخلوق المحدود أن يحيط وصفاً وعلماً بالخالق غير المحدود؛ ومن هنا كان التوقيف في مجال التعبير العقدي في الإسلام.).

ويقول أيضاً:

(إن السر الذي تتضمنه عقيدة «لا إله إلا الله» والذي به غيرت مجرى التاريخ مرات ومرات، والذي به صنعت الشخصيات التاريخية العظيمة في الإسلام؛ إنما يكمن في (جمالها)...! الجمال: ذلك الشيء الذي لا يدرك إلا بحاسة القلب. إنه إحساسُ: (كم هو جميل أن يكون المرء مسلماً!).. ودون هذا الإدراك اللطيف للدين إدراكات أخرى من أشكال التدين، لا تغني من الحق شيئاً. لقد ضاع صفاء الدين وجماله السماوي في غبار التأويلات، ورسوم التقسيمات، وقد ذم قومٌ (الكلامَ)، لكنهم لم يدركوا أنهم في خضم الصراع المذهبي، ردوا وقسموا؛ (فتكلموا)؛ وسقط عنهم بذلك بهاء الدين وجماله، وهم لا يشعرون، أو ـ على الأقل ـ لم يترك ذلك في الأتباع لمسات الجمال، وأذواق الصفاء في السلوك الذي يصنفون به على أنهم (مسلمون)؛ فكانت التصورات في وادٍ، والتصرفات في وادٍ آخر.

إن القرآن الكريم والسنَّة النبوية يقولان لنا حقيقة جليلة عظيمة لم يستطع أن يوصلها إلينا علم الكلام: هي أن عقيدتنا جميلة.([11])).




----------------------------

([1]) د. فريد الأنصاري في مقاله جمالية الدين في جمالية التوحيد

([2]) قال مقيده عفا الله عنه وعن والديه : الناظر إلىعموم المنتسبين إلى الإسلام يرى ما أتحدث عنه من اختلاف العقيدة المورثة من البيئة والمجتمع ، وبين ما ورد في الكتاب والسنة ، بل كثير من عقائدنا وتعبداتنا الشعبية ما هي إلا مورث خليط من البدع والأخلاط الفكرية لهذه البلدة أو تلك - إلا ما رحم الله .

([3]) ( الرهاب - الرهبة ) (خوف مرضي سوء كان عضويًا أو نفسي ن وله آثار مرضية بدنية ونفسية)بتصريف من المعجم الوسيط - (ج 1 / ص 782)

([4]) من التوكل والرجاء والخوف وغيرها.

([5]) الشيخ/ياسر برهامى حفظه الله (لا إله إلا الله كلمة النجاة صـ 93،94)

([6]) أنظر الجنوح الفكري بعد صفحات.

([7]) شريط ميثاق المحبة وجمالية التوحيد

([8]) يعنى وعدم التكييف والتمثيل والتعطيل

([9])د / عبد الله الأهدل في كتابه القيم ( الإيمان هو الأساس ).

([10])رواه البخاري في تاريخه، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم. وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6469.

([11]) في مقاله -جمالية الدين في جمالية التوحيد

ابوالمنذر
12-20-2007, 09:45 AM
4) الجنوح الفكري :

وهذا الجنوح والتطرف مذموم في الشرع أيما ذم ، سواء كان المرء غاليّاً فيما يملك ،فيصيبه هذا بالاستعلاء والفوقية والثقة غير المحدودة إلا في الحق المنزل مع الرفق بالخلق والرحمة بهم ، أو أصيب بحالة من الخوف بسبب كثرة المناهج المغيرة لمنهج السلف والدعاية المتأجج لها، وسيطرت عليه نوبة القلق ، بل ومن المنتسب للمنهج لو تحدث بما لا يُعرف ، أو جدد الخطاب والمصطلحات .

أ)الاستعلاء الفكري. ب) الرهاب الفكري.



أ)الاستعلاء الفكري([1]):

ليس استعلاءًا بالمفهوم العقدي المؤسس على عقيدة الولآء والبرآء ، وإن لبس لباسها ، وارتدى قميصها ، ولكنه نقص في التكوين الفكري و ابتسار للمفهوم السلفي الحق ، فيفرح لما لديهم من حق ، ويستقل الحق الذي عند الآخرين ويراه مموه بالباطل ، ويختزل المنهج السلفي إما في شخصه أو في رؤيته أو لما ينتهجوه من أراء، بل و صيروا أنفسهم عليه أوصياء ، ولمنهجه أولياء ، فما يقوله قائلهم فهو الحق المطلق، وإن جاءت ممن خالفهم رأيًا ، أو اختلاف معهم فكراً في قضية خلافية أصلًا، صارت سلفيته فيها دخن ، أو أنه يركن إلى حزبية ، أو هو مؤسس لها ،أو يبغى الفتنة وخلاف السلف ، بل هو رأس بدعية قد دان قطافه - وإنا لله وإنا إليه راجعون.

هذا مع المنتمين إلى المنهج السلفي ولكن اختلفوا في مسألة فيها خلاف سائغ ، فما بالك لو جاءت من غير المنهج .

مع أن المتمرس في الدراسة المنهجية للتربية على الأسماء الحسنى يجد أن أكثر المصنفين والكُتّاب القدامى ،على غير المنهج السلفي بل غلب عليهم التصوف ،أو خالط بين المنهج الصوفي وبين المنهج الفلسفي ، و الكتب بين أيدينا تضج بذلك([2]) ،إلا ما خلصه شيخ الإسلام الثاني العلامة الإمام ابن القيم ’ في كتبه ومصنفاته القيمة ،والعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ’ في كتابته وبحوثه ، أو ما جاء عرضًا عند غيرهما في توضيح معنى لاسم من أسماء الله U أو بيان صفة من صفاته العلا U .



ب)الرهاب الفكري:

الرهاب الفكري خوف مبرر من قِبل صاحبه ، إما على نفسه أو على من ينتمي إليه فيدفعه إلى المغالاة في الرعاية والعناية إلى حد مؤسف عليه من الانغلاق على الذات منهجًا وشخوصًا ، فيرتاب في كل متحدث لا ينتمي إلينا ، و كل خطيب لا ينتهج منهجنا ،وكل كاتب وكل كتاب وهكذا ، وكذلك إلى الطروحات.

ومن يتناول قضية قديمة بالتحليل ، أو بالتقديم لها بمقدمة تفسيرية معاصرة، فضلاً عن نقدها فيُحكم عليه بالتبديع أو التضليل -إلا ما رحم الله- ومن أمثلة ذلك:

§ مسألة تقسيم التوحيد :

- هل التقسيم متفق عليه بين القرون الثلاثة المفضلة ؟

- هل التقسيم مسألة من مسائل الاعتقاد أما من تبسيط العلوم أعني مسألة اصطلاح ؟

- هل التقسيم الثلاثي([3]) هو الصحيح أما التقسيم الثنائي([4])؟

- هل الزيادة على هذا التقسيم بدعة وضلالة لو جعلناه رباعيًا أو أكثر؟([5])

- ومن هذا التشكيك والنظر بعين الريبة لبعض أهل العلم:

بل قد طال الأمر بعض العلماء الذين راموا الحق ولم يألوا جهدًا للوصول إليه فلم يُقدّر لهم التوفيق والسداد ، فينظر لهم بعين الريبة و إنا لله وإنا إليه راجعون.

وأصبح سؤال يدور على ألسنة العامة والخاصة :

هل لدي العالم الفلاني أخطاء منهجية أو أقوال مخالفة للمنهج السلفي أو عنده زلات عقدية؟

ربما يقول قائل هذه ظاهرة صحية بل إن دل على شيء دل على الوعي العقدي لدى العام والخاص ، بل يدل دلالة أكيد على عدم اختراق البدعة أفكارنا،وعدم استساغتها .

ويدل من جهة أخري على عدم وجود روح ناقدة ، وبصيرة نافذة ،وعدم النضج الكافي للمقارعة الفكرية ، والاستقلال الفكري التي من خلالها يستطع تميز الأطياف الفكرية المختلفة ، فضلاً من الانفتاح على معرفة الغير .

وأيضاً أمراً في غاية الأهمية بالنسبة للخاصة وهو عدم تحملنا الدور الريادي المنوط بنا ، فإن الرائد يتحمل الخسارة الفردية (أعنى ما ينفقه من مال ووقت وكذلك فكر في تحليلٍ ونقدٍ ) ، وثم يحولها إلى مكاسب لا يستطيع إحصاؤها محصٍ منها المناعة الفكرية للفرد والمجموع ، النضج الفكري الذي من خلاله يستطيع تميز الأطياف الفكرية المتدرجة أو المندرجة تحت مسمى واحد فلا ينخدع بشعار أو دِثار فكري مهما كان طالما لم يختبره ، ثم تحذير الباقين من هذا الطيف أو ذاك ، وهكذا يتكون لدينا جيل المناعة الرائد.

وهذا السؤال يمكن الاستفادة منه في حالات منها:

- المبتدئين : ويكون للتحذير لأن مرحلة التكوين العقدي تأبي المشاركة([6]).

- المنتهين : ليكون دورهم إتمام البناء ، والعمل من حيث انتهى السابقين([7]) .

والمقترح : أن من أراد أن ينتفع بمورث تراثنا الفكري لابد أن يبث الثقة الفكرية في مناهجه أولاً مؤسسًا، ثم يثني ببيان أن هناك خير كثير في تراثنا فلا يهمل إحياء الغزّالي لصوفيته ، ولا درر السيوطي لقبوريته ،ولا محلى ابن حزم لظاهريته ، و لا المؤلفات الكبار لأشعرية مصنفيها ، أو سكوت البعض عن مسائل الصفات خوف أو ترك لما ظنوا أنه خلاف أو ركون بعضهم إلى التفويض تارة([8]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ’ : ( ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة وحسنات مبرورة وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف لكن لما التبس عليهم هذا لأصل المأخوذ ابتداء عن المعتزلة وهم فضلاء عقلاء احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين وصار الناس بسبب ذلك : منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل وخيار الأمور أوساطها.

وهذا ليس مخصوصاً بهؤلاء بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات ويتجاوز لهم عن السيئات {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر/10]

ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول ‘ وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه تحقيقا للدعاء الذي استجابه الله لنبيه وللمؤمنين حيث قالوا : {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة/286]([9]) ).وقال أيضاً :(ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب ويحب من وجه ويبغض من وجه هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.([10])).

وقال الإمام ابن القيم ’ (... فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة ، وأهدرت محاسنه ، لفسدت العلوم والصناعات وتعطلت معالمه )) وفى كلامه عن المتصوفة وشطحاتهم قال ’ ( وهذه الشطحات أوجبت فتنة على طائفتين من الناس:

إحداهما : حجبت بها عن محاسن هذه الطائفة ولطف نفوسهم وصدق معاملتهم فأهدروها لأجل هذه الشطحات وأنكروها غاية الإنكار وأساءوا الظن بهم مطلقا وهذا عدوان وإسراف فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها.

والطائفة الثانية : حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائمهم وحسن معاملاتهم عن رؤية عيوب شطحاتهم و نقصانها فسحبوا عليها ذيل المحاسن وأجروا عليها حكم القبول والانتصار لها واستظهروا بها في سلوكهم وهؤلاء أيضا معتدون مفرطون.

والطائفة الثالثة: وهم أهل العدل والإنصاف الذين أعطوا كل ذي حق حقه وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح بل قبلوا ما يقبل وردوا ما يرد([11]) )

وصدق الإمام الذهبي ’: (( قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل زلته، ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل. ([12]))).

وقال أيضاً في ترجمته لمحمد بن نصر المروزي ’ : (ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له، قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة.([13])).

وقال في ترجمته لابن عبد البر ’: (فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنفاته، بان له منزلته من سعة العلم، وقوة الفهم، وسيلان الذهن، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله r ، ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده، لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه، ونغطي معارفه، بل نستغفر له، ونعتذر عنه([14])).

وقال ([15]) و أيضاً في ترجمته لأبي محمد بن حزم الأندلسي ’ ( قيل: إنه تفقه أولا للشافعي، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلية، واستصحاب الحال، وصنف في ذلك كتبا كثيرة، وناظر عليه، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج العبارة، وسب وجدع ، فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها، ونفروا منها، وأحرقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء، وفتشوها انتقادا واستفادة، وأخذا ومؤاخذة، ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين، فتارة يطربون، ومرة يعجبون، ومن تفرده يهزؤون.وفي الجملة فالكمال عزيز، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله r.وكان ينهض بعلوم جمة، ويجيد النقل، ويحسن النظم والنثر.وفيه دين وخير، ومقاصده جميلة، ومصنفاته مفيدة، وقد زهد في الرئاسة، ولزم منزله مكبًا على العلم، فلا نغلو فيه، ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار).

وعلق الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم في شريطه (منهج أهل السنة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم) بعد نقولاته عن أهل العلم ومنها: (وقال الإمام ابن القيم ’: (فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها)- فإذا علم هذا؛ والحقيقة أن كثيراً جداً من الشباب يحتاجون إلى التدبر في هذه القاعدة بالذات فمجرد تصيد الأخطاء وتتبع العثرات والبحث عن الهفوات كل ذلك يكون مع التغافل عن الحسنات فهذا دليل على فساد القصد وسوء الطوية وقلة الدين يقول الإمام الشعبي ’: ( لوأصبت تسعاً وتسعين وأخطأت واحدة لأخذوا الواحدة وتركوا التسع والتسعين)- للأسف نلاحظ هذا في كثير من الشباب يعني يكون عالم من الأئمة له فضل عظيم جداً في خدمة الإسلام والسنة والجهاد في سبيل الله وكذا؛فمجرد أنه أخطأ في مسألة أو مسألتين أو قضايا لكن الغالب عليه الخير والإتباع فتجده يشطب تماماً على هذا الإمام ؛يقول الشيخ الفلاني صاحب البدعة الفلانية ويكون أخطأ في هذه المسألة فيحيدون عن هذا الأصل([16])).




------------------------------

([1]) وهذه النقطة نتيجة لما سبق من أسباب ، ولكن نفس الوقت صارت سببًا أصيلاً كأنها آفة لازمة لكل مدعٍ بحق أو بباطل إلا ما رحم الله - وأنظر (فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف) -د. عبد الرحمن بن أحمد علوش المدخلي.

([2]) على سبيل المثال لا الحصر مصنفات أبي حامد الغزاليّ ’( المقصد الأسنى والإحياء وغيرهما) والنورسي ’ وكتاباته كلها يمزج في روعة فائقة ما بين المنهج الصوفي والمنهج الفلسفي.

([3]) تقسيم شيخ الإسلام ابن تيمية ’ انظر مجموع الفتاوى.

([4]) تقسيم تلميذه العلامة ابن القيم انظر مدارج السالكين.

([5])قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ’ في شرحه على عقيدة أهل السنة والجماعة : ( اعلم أن العلماء رحمهم الله قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات فقد قسموه هذا التقسيم بناءً على التتبع والاستقراء ، واستئناسا بقول الله تبارك وتعالى {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}(مر يم :65)فإن هذه الآية تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة فقوله تعالى { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } توحيد الربوبية ، وقوله تعالى { فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ }توحيد الألوهية ، وقوله تعالى { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} توحيد الأسماء والصفات ، لأن معنى قوله تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} أي لا

تعلم له نظيرا ومساويا في أسمائه وصفاته.

وقد قال بعض الناس : إن تقسيم التوحيد إلى هذه الأقسام الثلاثة بدعة ، لأن ذلك لم يرد عن النبي r ، وما كان من أمور الدين لم يرد عن النبي r فإنه بدعة ولكننا نجيب

عن هذا فنقول : إن أشياء كثيرة رتبها العلماء لم تكن مرتبة في عهد الرسسول r ، وهذا لا يعدو أن يكون بيانا توضيحا ، فالذين قسموه إلى ثلاثة أقسام لم يأتوا بزائد،ولم ينكروا ثابتا ، بل أتوا بما جاء به الكتاب والسنة ولكن قسموه ، وتقسيمهم باعتبار اختلاف الناس فيه كما سنبين إنشاء الله .

ولو أننا سلكنا هذا المسلك الذى سلكه هذا الشاذ لقلنا أيضا : إن عدّ شروط الصلاة وأركانها وواجباتها ، وأركان الحج وواجباته ومحظوراته ، وما أشبه ذلك يعد من البدع.

ونحن لا نذكر متعبدين لله به ولكننا نذكر هذا مقربين العلم على طلابه ، فهو إذن وسيلة وليس قصدنا فالصواب بلا شك أن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام وذكر الشروط والأركان والواجبات والمفسدات في العبادات كل هذا جائز لأنه من باب الوسائل والتقريب وحصر الأشياء لطالب العلم ) اهـ صـ15 شرح عقيدة أهل السنة والجماعة - الشيخ محمد بن صالح العثيمين

قال الشيخ علي الخضير في كتابه(الوسيط شرح أول رسالة من مجموعة التوحيد ) [قال المصنف(وهو المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب ’) والتوحيد : ثلاثة أصول ؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الذات ،) والأسماء، والصفات.

الشــــــرح :

هذا هو تقسيم التوحيد المشهور وهو التقسيم الثلاثي ، ومن العلماء من قسمه تقسيما ثنائيا 1- توحيد علمي وأحياناً يضاف عليه خبري أو اعتقادي . 2- توحيد عملي وأحياناً يضاف عليه إيرادي طلبي أو قصدي ،

وهذا التقسيم لابن القيم ووافق المصنف عليه في بعض رسائله وجرى عليه أئمة الدعوة ، ذكره ابن القيم في مدارج السالكين والعلمي الخبري يشمل توحيدين : الربوبية والأسماء والصفات وأما العملي فيقصد به الألوهية .

والمصنف ’ أحيانا يختصر ويقول إن التوحيد ينقسم إلى قسمين : ربوبية وألوهية ، ولا يذكر الأسماء والصفات اختصارا كما في الدرر 1 / 137 والتوحيد نوعان : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية اهـ

وهناك من قسم التوحيد تقسيما ثلاثيا إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد أسماء وصفات وهذا هو المشهور . وأيهم أفضل؟ هذا أجاب عنه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في أول كتاب التفسير :( فقال يجوز هذا ويجوز هذا ا.هـ) أي التقسيم الثنائي أو الثلاثي لأن المعنى صحيح ولا مشاحة في الاصطلاح. وهل يجوز أن تقول أن التوحيد رباعي التقسيم وتضيف توحيد الحاكمية؟

يعنى إفراد الله بالحكم –والاهتمام بتوحيد الحاكمية وإفراده بالذكر لم يوجد إلا في القرون الأخيرة وهو في القرن الثالث عشر الهجري ولم يفرد إفرادا ظاهراً إلا عندما وضعت القوانين الوضعية فجاء من يتكلم به وأن الحكم لله ، وإن كانت بداياته ظهرت في عصر ابن تيمية وابن كثير في ياسق التتار.

نقول هناك من له موقف خاص لمن يتكلم عن توحيد الحاكمية وهو مبنى على انتقاد تيار معين ( تيار الصحوة ) أو بناه على حوادث معينة لم يبنه على أنها مسألة علمية، وقد صدرت فتاوى بتبديع من أحدث توحيد الحاكمية.

والصحيح أنه لا بأس بأن نضيف توحيد الحاكمية ، ولا يقال عنه مبتدع ، والتبديع فيه خطأ ،لأن الذين قسموا التوحيد تقسيماً ثنائيا فجاء من قسمة ثلاثياً فإذاً هو مبتدع على هذا القول !.

وهناك من أهل العلم من قسم التوحيد تقسيماً خماسياً وأضاف توحيد الإتباع فهل هذا مبتدع أيضاً !، والقاعدة أنه لا مشاحة في الاصطلاح إذا كان صحيحاً ، ولو اقتضى الواقع إبراز توحيد معين والاهتمام به وجعله قسماً مستقلاً وإن كان داخلاً في الأقسام قبله فلا مانع وهذا لـه نظائر كثيرة ، والحاكمية داخل في توحيد الأسماء والصفات ومبني على اسم الحكم كما في الحديث ( إن الله هو الحكم واليه الحكم ) ومبني على التصرف وهو من معاني الربوبية أي التصرف في الأمر والنهي ، فأي بدعة في ذلك ؟ وإنما المبدّع إما مجتهد مخطئ ـ وهذا يقال لمن عرف عنه الصدق ـ أو جاهل ضال أو مرقّع للحكام المبدلين وبوق لهم .

ونقول أيضا هناك من أهل العلم من جعل شروط لا إله إلا الله سبعة ، وبعضهم اجتهد وجعلها ثمانية فذكر شرط الكفر بالطاغوت ، مع أنه موجود ضمن الشروط السبعة لكن نظرا لأهميته فصله عن شرط المحبة وجعله مستقلا . فهذا عند بعض هؤلاء مبتدعا ؟ .

ومثل ذلك الإيمان فبعض السلف جعله من كلمتين هو قول وعمل ، فلما أحدث أهل البدع كلاما قال بعضهم هو قول وعمل واعتقاد ، فلما تكلم المرجئة في العمل قال السلف هو اعتقاد وقول وعمل بالأركان فأضافوا كلمة الأركان للتوضيح وبعضهم جعله قول وعمل واعتقاد ونية وبعضهم أضاف وإتباع .

وكل ما سبق صحيح لكن كل ما اقتضى المقام التوضيح أو الأهمية زاد السلف بقدر ذلك ، وهي ليست زيادة مخترعة لكنها موجودة في كلام من سبق وجود إجمال وتداخل . فعلى قاعدة بعض هؤلاء من زاد عن كلمتين في الإيمان فهو مبتدع .

مع أن من الأفضل استقرار الاصطلاحات وان لا يُولّد منها فتكثر وتطول ، واستقرارها على ثلاثة أكمل ( الربوبية الألوهية الأسماء والصفات) وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء والنظر في الآيات والأحاديث فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة فنوّعوا أو أصّلوا التوحيد إلى ثلاثة أصول أو أنواع ، ولا يخرج أي تقسيم عن هذه الثلاثة ، ولا يُفرد ويُلّد نوع إلا قد أُخذ من أحد الثلاثة ، لذا كان أقرب التقسيمات إلى كونه جامعا مانعا دقيقا وافيا بالغرض ، والله أعلم .

لكن من الخطأ تخطئة من قال قولا صحيحا هو ضمن كلام من سبقه بناء على مقررات سابقة ومقاصد فاسدة ، والله أعلم .(من كتاب الوسيط شرح أول رسالة من مجموعة التوحيد – علي بن خضير الخضير- صـ 13،12)

ويقول الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق حفظه الله تعالى في مقاله (أقسام التوحيد، الاصطلاح والمضمون)

المعالجة البيانية التعليمية لقضية واحدة:

ومع أن قضية الإيمان بالله قضية واحدة إلا أنه يندرج تحتها عشرات بل مئات الفروع الداخلة فيها، ولذلك فإن هذه القضية جاءت مجملة ومفصلة.

فمن الإجمال قوله تعالى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة:285) فهذه الآية جمعت الدين كله وأنه إيمان وسمع وطاعة، إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ثم سمع، وهذا يقتضي التصديق بكل ما يخبر الله به، وطاعة، وهذا معناه العمل بما يأمر الله به، ومن الإجمال قول النبي ‘ في جمع الدين كله {قل آمنت بالله ثم استقم}.

فهاتان الكلمتان {قل آمنت بالله ثم استقم} جمعت الدين كله لأن الدين إيمان بالله ثم استقامة على أمره... ويدخل في الإيمان بالله بكل ما يخبر به عن نفسه ورسله وغيبه، ويدخل في الطاعة الإسلام له في كل ما يأمر وينهى عنه.

وهذا الإجمال جاء مفصلاً تفصيلاً دقيقاً في كل صغيرة وكبيرة.

فجاء القرآن ببيان أسماء الله وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، والقرآن كله حديث عن الله سبحانه وتعالى فهو تفصيل لمعنى الإيمان به وطاعة، والسنة كلها تفصيل وبيان للقرآن، وشرح لمعنى الإيمان بالله، وطاعته جل وعلا.

عمل علماء الإسلام في تعليم الدين وبيانه:

ثم جاء علماء الإسلام فقسموا علم الدين إلى علوم كثيرة، وكل علم متفرقة وكل فرع من فروع العلوم إلى أبواب وكل باب إلى فصول ومباحث، ومسائل، فنشأت علوم خاصة بالقرآن الكريم كالقراءات والتفسير وأسباب النزول، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمفصل... الخ

ونشأت علوم خاصة بالسنة كمصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل والكتب الخاصة بالصحيح والكتب الخاصة بالضعيف والموضوع.

ونشأ كذلك علم التوحيد الذي بدأ الردود على المنحرفين في العقائد، ومسائل الإيمان كالخروج، وتحريف أسماء الله وصفاته، والشرك به، ثم أفردت الكتب لجمع مسائل الإيمان الاعتقادية وتبويبها وتصنيفها.

وكذلك سائر العلوم من السيرة والتاريخ والأخلاق والتهذيب.. الخ

وأصبح كل علم من هذه العلوم تقسيماته ومصطلحاته ورجاله وكتبه.

عمل علماء الإسلام في علم التوحيد :

وعلم التوحيد لقي العناية الفائقة من أصحاب النبي ‘، وعلماء الإسلام، والسنة من التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يم الدين لأنه أصل الدين، وعليه تبني جميع الأحكام، ويتوقف على العلم والعمل به الإيمان والكفر فمن ذلك:

(1)الرد بنصوص الكتاب والسنة على أي انحراف فيه كما فعل ابن عمر _ عندما سمع أنه هناك من أهل الإسلام من ينكر القدر فقال لمن أخبره بهذا الخبر: أخبرهم أنني منهم برئ، وأن الله لا يقبل من أحدهم صرفاً ولا عدلاً إلا أن يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى، واستدل على ذلك بحديثه عن أبيه وهو حديث جبريل وفيه: [وأن تؤمن بالقدر خيره شره من الله تعالى]، والشاهد أن ابن عمر رد على من نفى القدر، وأن الله لا يقبل منه عملاً صالحاً، واستدل حديث النبي ‘ في ذلك.

ومن ذلك ردود ابن عباس وعلي بن أبي طالب _ على الخوارج من الكتاب والسنة.

(2)ثم جاء دور التأليف فألف علماء الإسلام عشرات بل مئات الرسائل في الرد على المخالفين في العقائد ككتاب أحمد بن حنبل ’ الذي سماه (الرد على الزنادقة) وهم القائلون بأن الله بذاته في كل مكان، والردود على الجهمية والمعطلة.. الخ

(3)ثم ألفت الكتب في بيان معتقد أهل السنة والجماعة في جميع المسائل التي اختلف فيها أهل الإسلام.

(4)ومن عمل علماء الإسلام في هذا الصدد تحريم قراءة الكتب التي ألفت في العقائد والتي جعلت الأصل في معرفة العقيدة هو العقل، وهي الكتب التي سمت علم التوحيد علم الكلام فقد حرم علماء الإسلام النظر فيها، وتعلم الدين والمعتقد بواسطتها.

(5)وكذلك أبطل علماء الإسلام استعمال مصطلحاتهم في هذا العلم لأنها تتضمن حقاً وباطلاً كالجسم والجوهر، والعرض، والهيولي، وتساهلوا في بعض المصطلحات التي لا تتضمن باطلاً كلفظ القديم بمعنى الأول.

(6)ووضع علماء التوحيد كذلك الحدود والشروط والأركان والواجبات لقضية الإيمان، وكذلك النواقض التي تخرج من الإيمان، والمخالفات التي تخالف الإيمان ولا تنقض أصله، وكل ذلك لضبط هذا العلم، وبيان حدوده كقولهم مثلاً الإيمان قول باللسان، وإقرار بالجنان، وعمل بالجوارح، واختلافهم في العمل هل هو شرط صحة أو شرط وجوب، أو شرط كمال، واختلافهم في العمل المخرج من الملة بذاته، والعمل الذي لا يخرج من الملة إلا إذا اقترن به استحلال.. الخ

كقول بعض أهل السنة إن ترك الصلاة كسلاً ولو دون جحود مخرج من الملة، وكقول بعضهم بل الصلاة شرط وجوب ولا تخرج المسلم من الإسلام لملة الكفر إلا بجحدها.. الخ

أقسام التوحيد :

ومما صنعه بعض علماء السنة المتأخرين مما يدخل في باب التعليم والتقريب، وتقسيم التوحيد إلى قسمين: العلم والعمل، فالتوحيد العلمي معناه تعلم أسماء الله وصفاته ومعاني الإيمان به، وتصديق ذلك بالقلب، وأما توحيد العمل فهو أن يعمل المسلم بمقتضى هذا التصديق فلا يعبد إلا الله ولا يرجو إلا هو، ولا يجب حب عبادة إلا له، ولا يسجد إلا له، لا يحاكم إلا إليه.. الخ

وهذا التقسيم ليس خاصاً بالتوحيد لأن كل أعمال الدين لا بد فيه من العلم والعمل فالصوم لا يكون إلا باعتقاد فرضيته، وتصور تشريعه تصوراً صحيحاً ثم القيام به على النحو الذي أمر العبد به وأن يكون ذلك لله وحده لأنه عبادة خاصة به سبحانه وتعالى وهكذا سائر العبادات.

وتقسيم التوحيد إلى قسمين إنما هو نوع من التعليم حتى يعلم العبد أنه لا يكفي في التوحيد العلم دون العمل ولا العمل دون العلم.

وجاء من أهل العلم من قسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام باعتبار موضوعاته الكبرى فجعل الربوبية قسماً، وعنى بالربوبية بعض معاني الرب من الخلق والتدبير والتصرف والملك، والقهر والغلبة، وجعل الألوهية قسماً وعنى بها المعبود، وجعل جميع أسمائه وصفاته قسماً وسماه توحيد الأسماء والصفات، وسمى كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة توحيداً، وأنه لا يكون موحداً على الحقيقة إلا من أقر بها جميعها.. وأقر بأن الله وحده دون ما سواه هو خالقه وخالق الكون كله، وأنه مالك الملك، والمتصرف فيه وحده، وأقر بأن الله وحده هو إله الناس وإله العالمين والخلق أجمعين، وأنه لا معبود بحق غيره، وأن كل إله غيره باطل، وأن جميع أصناف العبادة لا تصرف إلا له، ومن صرف شيئاً لغيره فهو مشرك، وكذلك جعل توحيد الأسماء والصفات قسماً وهو الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله، وأن صفاته على النحو الذي يليق به.

مقاصد من قسّم التوحيد إلى ثلاثة أقسام :

وكان من مقاصد هذا التقسيم الثلاثي لمعاني التوحيد، وقضية الإيمان بالله، تعليم الناس أنه لا يكون مؤمنا إلا من جمع هذه الأقسام الثلاثة، وأن من آمن ببعض صفات الله وكفر ببعضها فهو كافر، فمن آمن بالله خالقاً ورازقاً ومالكاً، ولم يؤمن به إلهاً ولكنه جحد بعض ما وصف به نفسه كالاستواء، والنزول إلى سماء الدنيا، ورؤية المؤمنين له في الآخرة، أو نفي كلامه، أو رحمته أو غضبه، فهو كافر لأنه جحد بعض ما وصف به نفسه سبحانه وتعالى.

لماذا دعت الحاجة إلى هذا التقسيم الثلاثي :

وهذا التقسيم الثلاثي لم ينص عليه أحد في القرون الثلاثة الأولى فإن التوحيد ومسائل الإيمان بالله كانت معلومة من كتاب الله وسنة رسوله بل كان من ضرورات الدين العلم بأن العبد لا يكون موحداً حقاً إلا إذا آمن بالله رباً وإلهاً وخالقاً ورازقاً وملكاً، وآمن بكل ما أخبر به عن نفسه أو أخبر به رسوله ‘، وإنما دعت الحاجة إلى هذا لتيسير فهم التوحيد، والتعريف بجميع جوانبه فإن تقسيم الأمر المجمل إلى أقسام يسهل فهمه وحفظه.

ولعل أول من ذكر هذا التقسيم بالتفصيل والتعريف هو شيخ الإسلام ابن تيمية ’،[ قال مقيده عفا الله عنه وعن والديه : ومن باب الفائدة حول تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، ذكر الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله ، في كتابه التحذير من مختصرات الصابوني(ص30) ( هذا التقسيم الاستقرائي لدي متقدمي علماء السلف ، أشار إليه ابن منده وابن جرير الطبري وغيرهما ، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، وقرره الزبيدي في تاج العروس وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان في آخرين رحم الله الجميع، وهو استقراء تام لنصوص الشرع ، وهو مطرد لدى أهل كل فن، كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تفه بهذا ، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء) انتهى
وجاء التقسيم عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمه الله، كما في كتاب التوحيد لابن منده (3/304-3069 والحجة للأصبهاني (1/111-113)
قال الإمام ابن بطة في كتابه " الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية": (وذلك أن أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء:
احدها: أن يعتقد العبد ربانيته ليكون بذلك مباينا لأهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعا.

والثاني: أن يعتقد وحدانيته ليكون مباينا بذلك أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.

والثالث: أن يعتقده موصوفا بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفا بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه … ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعوتهم إلى اعتقاد كل واحدة من هذه الثلاث والإيمان بها ) ا.هـ ]
فقد ذكر الأقوال السابقة وفصل في هذا الأمر. وذلك لانتصابه ’ للرد على جميع المخالفين في التوحيد من أهل الكلام والفلسفة، ومن أهل التصوف ووحدة الوجود، ومن القدرية -نفاة القدر- والجبرية، ومن الذين وقعوا في شرك الألوهية فإن كل فريق من هؤلاء أقر بنوع من التوحيد وكذب بالآخر، وكثير منهم تصور التوحيد الذي ينادي به على وجه مغلوط، فانتصب شيخ الإسلام ’ لتفصيل هذا الأمر وإعطائه حدوده وضوابطه ومما قرره في ذلك قوله:

"وبهذا وغيره يعرف ما وقع الغلط في مسمى التوحيد فإن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر: غايتهم أن يجعلوا التوحيد (ثلاثة أنواع).

فيقولون: هو واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا شريك له.

وأشهر الأنواع الثلاثة عندهم هو الثالث، وهم (توحيد الأفعال) وهو خالق العالم واحد، وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب!! وأن هذا هو معنى قولنا لا إله إلا الله، حتى قد يجعلوا معنى الإلهية القدرة على الاختراع.

ومعلوم أن المشركين من العرب الذين بعث إليهم محمد ‘ أولاً: لم يكونوا يخالفونه في هذا، بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء حتى أنهم كانوا يقرون بالقدر أيضاً، وهم مع هذا مشركون.

فقد تبين أن ليس في العالم من ينازع في أصل هذا الشرك، ولكن غاية ما يقال: إن من الناس من جعل بعض الموجودات خلقاً لغير الله كالقدرية وغيرهم، ولكن هؤلاء يقرون بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم، وإن قالوا أنهم خلقوا أفعالهم.

وكذلك أهل الفلسفة والطبع والنجوم، الذين يجعلون أن بعض المخلوقات مبدعة لبعض الأمور، هم مع الإقرار بالصانع يجعلون هذه الفاعلات مصنوعة مخلوقة، لا يقولون إنها غنية عن الخالق مشاركة له في الخلق فأما من أنكر الصانع فذاك جاحد معطل للصانع، كالقول الذي أظهره فرعون.

والكلام الآن مع المشركين بالله، المقرين بوجوده، فإن هذا التوحيد الذي قرروه لا ينازعهم فيه هؤلاء المشركون بل يقرون به مع أنهم مشركون، كما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، وكما علم بالاضطرار من دين الإسلام.

وكذلك (النوع الثاني) وهو قولهم: لا شبيه له في صفاته فإنه ليس في الأمم من أثبت قديماً مماثلاً في ذاته سواء قال أنه يشاركه أو قال: إنه لا فعل له، بل من شبه به شيئاً من مخلوقاته فإنما يشبهه به بعض الأمور.

وقد علم بالعقل امتناع أن يكون له مثل في المخلوقات يشاركه فيما يجب أو يجوز أو يمتنع عليه، فإن ذلك يستلزم الجمع بين النقيضين كما تقدم.

وعلم أيضاً بالعقل أن كل موجودين قائمين بأنفسهما فلا بد بينهما من قدر مشترك كاتفاقهما في مسمى الوجود، والقيام بالنفس، والذات ونحو ذلك فإن نفي ذلك يقتضي التعطيل المحض، وأنه لابد من إثبات خصائص الربوبية وقد تقدم الكلام على ذلك.

ثم إن الجهمية من المعتزلة وغيرهم أدرجوا نفي الصفات في مسمى التوحيد فصار من قال: إن لله علماً أو قدرة، أو أنه يرى في الآخرة، أو أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق يقولون: أنه مشبه ليس بموحد.

وزاد عليهم غلاة الفلاسفة والقرامطة، نفوا أسماءه الحسنى، وقالوا من قال إن الله عليم قدير، عزيز حكيم، فهو مشبه ليس بموحد.

وزاد عليهم غلاة الغلاة قالوا: لا يوصف بالنفي ولا الإثبات لأن في كل منهما تشبيهاً له، وهؤلاء كلهم وقعوا من جنس التشبيه فيما هو شر مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات، والمعدومات، والجمادات فراراً من تشبيههم بزعمهم له بالأحياء.

ومعلوم أن هذه الصفات الثابتة لله لا تثبت على حد ما يثبت لمخلوق أصلاً، وأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فلا فرق بين إثبات الذات وإثبات الصفات، فإذا لم يكن في إثبات الذات إثبات مماثلة للذوات، لم يكن في إثبات الصفات إثبات مماثلة له في ذلك، فصار هؤلاء الجهمية المعطلة يجعلون هذا توحيداً، ويجعلون مقابل ذلك التشبيه ويسمون أنفسهم الموحدين.

وكذلك (النوع الثالث) وهو قولهم: واحد لا قسيم له في ذاته أو لا جزء له، أو لا بعض له لفظ مجمل، فإن الله سبحانه أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فيمتنع عليه أن يفترق، أو يتجزأ أو يكون قد ركب من أجزاء، لكنهم يدرجون في هذا لفظ نفي علوه على عرشه، ومباينته لخلقه، وامتيازه عنهم، ونحو ذلك من المعاني المستلزمة لنفيه وتعطيله، ويجعلون ذلك من التوحيد.

فقد تبين أن ما يسمونه توحيداً: فيه ما هو حق، وفيه ما هو باطل، ولو كان جميع حقاً، فإن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم به في القرآن، وقاتلهم عليه الرسول ‘، بل لا بد أن يعترفوا أنه لا إله إلا الله.

وليس المراد (بالإله) هو القادر على الاختراع كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين، حيث ظن أن الإلهية هي القدرة على الاختراع دون غيره، وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد أن لا إله إلا هو.

فإن المشركين كانوا يقرون هذا الاسم وهم مشركون كما تقدم بيانه، بل الإله الحق هو الذي يستحق بأن يعبد فهو إله بمعنى مألوه، لا إله بمعنى آله، والتوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له، والإشراك أن يجعل مع الله إلهاً آخر.

وإذا تبين أن غاية ما يقرره هؤلاء النظار أهل الإثبات للقدر المنسبون إلى السنة إنما هو توحيد الربوبية، وأن الله رب كل شيء، ومع هذا فالمشركون كانوا مقرين بذلك مع أنهم مشركون.

وكذلك طوائف من أهل التصوف، والمنتسبين إلى المعرفة، والتحقيق والتوحيد، غاية ما عندهم من التوحيد هو شهود هذا التوحيد، وأن يشهد أن الله رب كل شيء، ومليكه وخالقه، لاسيما إذا غاب العارف بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده وبمعروفه عن معرفته، ودخل في فناء توحيد الربوبية بحيث يفني من لم يكن، ويبقى من لم يزل، فهذا عندهم هو الغاية التي لا غاية وراءها.

ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد، ولا يصير الرجل بمجرد هذا التوحيد مسلماً، فضلاً عن أن يكون ولياً لله، أو من سادات الأولياء.

وطائفة من أهل التصوف والمعرفة، يقرون هذا التوحيد مع إثبات الصفات، فيفنون في توحيد الربوبية مع إثبات العالم، المباين لمخلوقاته، وآخرون يضمون هذا إلى نفي الصفات، فيدخلون في التعطيل مع هذا، وهذا شر من حال كثير من المشركين.

وكان جهم ينفي الصفات ويقول بالجبر، فهذا تحقيق قول جهم، لكنه إذا أثبت الأمر والنهي، والثواب والعقاب، فارق المشركين من هذا الوجه لكن جهماً ومن اتبعه يقول بالإرجاء، فيضعف الأمر والنهي، والثواب والعقاب عنده.

والنجارية والضرارية وغيرهم يقربون من جهم في مسائل القدر والإيمان مع مقاربتهم له أيضاً في نفي الصفات.

والكلابية الأشعرية، خير من هؤلاء في باب الصفات فإنهم يثبتون لله الصفات العقلية، وأئمتهم يثبتون الصفات الخبرية في الجملة كما فصلت أقوالهم في غير هذا الموضع.

وأما في باب القدر، ومسائل الأسماء والأحكام فأقوالهم متقاربة.

والكلابية هم أتباع أبي محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب، الذي سلك الأشعري خطته.

وأصحاب ابن كلاب كالحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي ونحوهما خير من الأشعرية في هذا وهذا فلما كان الرجل إلى السلف والأئمة أقرب كان قوله أعلى وأفضل.

والكرامية قولهم في الإيمان قول منكر، لم يسبقهم إليه أحد، حيث جعلوا الإيمان قول اللسان، وإن كان مع عدم تصديق القلب، فيجعلون المنافق مؤمناً، لكنه يخلد في النار فخالفوا الجماعة في الاسم دون الحكم، وأما في الصفات والقدر والوعيد فهم أشبه من أكثر طوائف الكلام التي في أقوالها مخالفة للسنة.

وأما المعتزلة فهم ينفون الصفات، ويقاربون قول جهم، لكنهم ينفون القدر، فهم وإن عظموا الأمر والنهي والوعد والوعيد ورغبوا فيه فهم يكذبون بالقدر، ففيهم نوع من الشرك من هذا الباب، والإقرار بالأمر والوعد والوعيد مع إنكار القدر خير من الإقرار بالقدر مع إنكار الأمر والنهي والوعد والوعيد.

ولهذا لم يكن في زمن الصحابة والتابعين من ينفي الأمر والنهي والوعد والوعيد وكان قد نبغ فيهم القدرية كما نبغ فيهم الخوارج: الحرورية، وإنما يظهر من البدع أولاً ما كان أخفى، وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة.

فهؤلاء المتصوفون الذين يشهدون الحقيقة الكونية مع إعراضهم عن الأمر والنهي شر من القدرية المعتزلة ونحوهم، أولئك يشبهون المجوس وهؤلاء يشبهون المشركين، الذين قالوا {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء} والمشركون شر من المجوس.

فهذا أصل عظيم على المسلم أن يعرفه فإنه أصل الإسلام الذي يتميز به أهل الإيمان من أهل الكفر، وهو الإيمان بالوحدانية والرسالة، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. انتهى (مجموع الفتاوى 97-105). قلت: انتصاب شيخ الإسلام للرد على هذه الفرق ومخالفتها للدين الحق هو الذي حتم تقسيم التوحيد على هذا النحو الذي قسمه ليبين للمخالفين أن ما أقروا به من التوحيد والإيمان لا يكفي للعبد ليكون موحداً.





([6])عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ _ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ _ أَتَى النَّبِيَّ r (بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى r كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي )(رواه أحمد وحسنه الألباني) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : (يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ فَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)(رواه البخاري).

([7])عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: (كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ الْآيَةَ)(رواه البخاري .

قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ t : ( أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ r فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَ يَهُودَ وَقَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي فَتَعَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَمُرَّ بِي إِلَّا نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِذَا كَتَبَ وَأَقْرَأُ لَهُ إِذَا كُتِبَ إِلَيْهِ)(رواه أبو داود والترمذي حسنه الألباني)

([8]) راجع كلمة الدكتور المحمود في نهاية الرسالة من محاضرة (طالب العلم والعقيدة ) .

([9]) درء التعارض - (ج 1 / ص 283)

([10]) منهاج السنة النبوية - (ج 4 / ص 543).

([11]) بل والتمس لهم المعاذير فقال ’ (هذا ونحوه من الشطحات التي ترجى مغفرتها بكثرة الحسنات ويستغرقها كمال الصدق وصحة المعاملة وقوة الإخلاص وتجريد التوحيد ولم تضمن العصمة لبشر بعد رسول الله ‘ ..ثم قال بعد ما نقله بالمتن وهذه الشطحات ونحوها هي التي حذر منها سادات القوم وذموا عاقبتها وتبرؤا منها حتى ذكر أبو القاسم القشيرى فى رسالته : أن أبا سليمان الداراني رؤى بعد موته فقيل له : ما فعل الله بك فقال : غفر لي وما كان شيء أضر علي من إشارات القوم ،وقال أبو القاسم : سمعت أبا سعيد الشحام يقول : رأيت أبا سهل الصعلوكي في المنام فقلت له : أيها الشيخ فقال : دع التشييخ فقلت : وتلك الأحوال فقال : لم تغن عنا شيئا فقلت : ما فعل الله بك قال : غفر لي بمسائل كانت تسأل عنها العجائز ، وذكر عن الجريري : أنه رأى الجنيد في المنام بعد موته فقال : كيف حالك يا أبا القاسم فقال : طاحت تلك الإشارات وفنيت تلك العبارات وما نفعنا إلا تسبيحات كنا نقولها بالغدوات.

وقال أبو سليمان الداراني : تعرض علي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل : الكتاب والسنة وقال الجنيد : مذهبنا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب حديث لا يقتدي به في طريقنا هذا إلى غير ذلك من الأقوال التي وردت عنهم رضي الله عنهم . [مدارج السالكين - (ج 2 / ص 39- ص 40)]

([12]) سير أعلام النبلاء - (ج 20 / ص 88).

([13]) سير أعلام النبلاء - (ج 14 / ص 40).

([14]) سير أعلام النبلاء (ج 18 / ص 157).

([15]) سير أعلام النبلاء - (ج 18 / ص 186،187).

([16]) الأصل الخامس الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات

ابوالمنذر
12-20-2007, 09:48 AM
فتاوى معاصرة

واليك بعض الفتاوى في بعض العلماء الذين لم يُوفقوا في بعض مسائل الصفات:

1- فضيلة الشيخ بالنسبة للعلماء الذين وقعوا في بعض الأخطاء في العقيدة؛ كالأسماء، والصفات، وغيرها، تمر علينا أسماؤهم في الجامعة حال الدراسة، فما حكم الترحُّم عليهم؟ الشيخ: مثل مَن؟ السائل: مثل: الزمخشري ، و الزركشي ، وغيرهما. السائل: الزمخشري ، و الزركشي . الشيخ: الزركشي في ماذا؟ السائل: في باب الأسماء والصفات!

الجواب: على كل حال هناك أناس ينتسبون لطائفة معينة شعارها البدعة؛ كالمعتزلة مثلاً، ومنهم الزمخشري ، فالزمخشري مُعتزلي، ويصف المثْبِتِين للصفات بأنهم: حَشَوِية، مُجَسِّمة ويُضَلِّلهم فهو معتزلي، ولهذا يجب على مَن طالع كتابه الكشاف في تفسير القرآن أن يحترز من كلامه في باب الصفات؛ لكنه من حيث البلاغة والدلالات البلاغية اللغوية جيد، يُنْتَفع بكتابه كثيراً، إلا أنه خَطَرٌ على الإنسان الذي لا يعرف في باب الأسماء والصفات شيئاً. لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع؛ لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع؛ مثل ابن حجر العسقلاني و النووي رحمهما الله فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تاماً مطلقاً من كل وجه، حتى قيل لي: إن بعض الناس يقول: يجب أن يُحْرَقَ فتح الباري ؛ لأن ابن حجر أشعري، وهذا غير صحيح. فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحداً قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه، ويدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته -ولا أَتَأَلَّى على الله- قد قبلها، ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس؛ لدى طلبة العلم، بل حتى عند العامة، فالآن كتاب رياض الصالحين يُقرأ في كل مجلس, ويقرأ في كل مسجد، وينتفع الناس به انتفاعاً عظيماً، وأتمنى أن يجعل الله لي كتاباً مثل هذا الكتاب، كلٌّ ينتفع به في بيته وفي مسجده. فكيف يقال عن هذين: إنهما مبتِدعان ضالان، لا يجوز الترحُّم عليهما، ولا يجوز القراءة في كتبهما! ويجب إحراق فتح الباري ، و شرح صحيح مسلم ؟! سبحان الله! فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال وبلسان المقال:

أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا

من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان، إلا أن يشاء الله. فأنا أقول: غفر الله للنووي ، ولابن حجر العسقلاني ، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين. وأمِّنوا على ذلك([1]).

2- لقد ظهر بين طلاب العلم اختلاف في تعريف المبتدع . . فقال بعضهم : هو من قال أو فعل البدعة، ولو لم تقع عليه الحجة، ومنهم من قال لابد من إقامة الحجة عليه، ومنهم من فرَّق بين العالم المجتهد وغيره من الذين أصلوا أصولهم المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وظهر من بعض هذه الأقوال تبديع ابن حجر والنووي، وعدم الترحم عليهم . . نطلب من فضيلتكم تجلية هذه المسألة التي كثر الخوض فيها . . جزاكم الله خيرًا ؟

أولاً : لا ينبغي للطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع و التفسيق؛ لأن ذلك أمر خطير وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع، وأيضًا هذا يحدث العداوة والبغضاء بينهم، فالواجب عليهم الاشتغال بطلب العلم وكف ألسنتهم عما لا فائدة فيه، بل فيه مضرة عليهم وعلى غيرهم .

ثانيًا : البدعة : ما أحدث في الدين مما ليس منه لقوله r : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/167 ) من حديث عائشة ~] ، وإذا فعل الشيء المخالف جاهلاً فإنه يعذر بجهله ولا يحكم عليه بأنه مبتدع، لكن ما عمله يعتبر بدعة .

ثالثًا : من كان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره كابن حجر والنووي، وما قد يقع منهما من تأويل بعض الصفات لا يحكم عليه بأنه مبتدع، ولكن يُقال : هذا الذي حصل منهما خطأ ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمة لسنة رسول الله r، فهما إمامان جليلان موثوقان عند أهل العلم ([2]).




--------------------------

([1]) ( الشيخ العثيمين - لقاءات الباب المفتوح - (ج 43 / ص 15)

([2]) ( المنتقى من فتاوى الفوزان).

ابوالمنذر
12-20-2007, 09:50 AM
(كل مجتهد استفرغ وسعه للوصول إلى الحق استحق الثواب وإن أخطأ سواء في المسائل العلمية والعملية([1]))



قال شيخ الإسلام ’ :( وَالْخَطَأُ الْمَغْفُورُ فِي الِاجْتِهَادِ هُوَ فِي نَوْعَيْ الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَمَنْ اعْتَقَدَ ثُبُوتَ شَيْءٍ لِدَلَالَةِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ وَكَانَ لِذَلِكَ مَا يُعَارِضُهُ وَيُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ مِثْلَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الذَّبِيحَ إسْحَاقُ لِحَدِيثِ اعْتَقَدَ ثُبُوتَهُ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى ؛ لِقَوْلِهِ : { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } وَلِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } كَمَا احْتَجَّتْ عَائِشَةُ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى انْتِفَاءِ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ ‘ وَإِنَّمَا يَدُلَّانِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ . وَكَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى وَفَسَّرُوا قَوْلَهُ : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } { إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } بِأَنَّهَا تَنْتَظِرُ ثَوَابَ رَبِّهَا كَمَا نُقِلَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي صَالِحٍ . أَوْ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ قَوْلَهُ : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَأَنَّ ذَلِكَ يُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ الرَّاوِي لِأَنَّ السَّمْعَ يَغْلَطُ كَمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ طَائِفَة مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ . أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَسْمَعُ خِطَابَ الْحَيِّ ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ قَوْلَهُ : { إنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ . أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ كَمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ شريح ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْعَجَبَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جَهْلِ السَّبَبِ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْجَهْلِ........ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ مَنْ جَسَّ لِلْعَدُوِّ وَأَعْلَمَهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ ‘ فَهُوَ مُنَافِقٌ : كَمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ عُمَرُ فِي حَاطِبٍ وَقَالَ : دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ مَنْ غَضِبَ لِبَعْضِ الْمُنَافِقِينَ غَضْبَةً فَهُوَ مُنَافِقٌ ؛ كَمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ أسيد بْنُ حضير فِي سَعْدِ بْنِ عبادة وَقَالَ : إنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ . أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ أَوْ الْآيَاتِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ بِالنَّقْلِ الثَّابِتِ كَمَا نُقِلَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَلْفَاظًا مِنْ الْقُرْآنِ كَإِنْكَارِ بَعْضِهِمْ : { وَقَضَى رَبُّكَ } وَقَالَ : إنَّمَا هِيَ وَوَصَّى رَبُّك . وَإِنْكَارِ بَعْضِهِمْ قَوْلَهُ : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ } وَقَالَ : إنَّمَا هُوَ مِيثَاقُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ . وَإِنْكَارِ بَعْضِهِمْ { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا } إنَّمَا هِيَ أَوَلَمْ يَتَبَيَّنْ الَّذِينَ آمَنُوا . وَكَمَا أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَى هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ لَمَّا رَآهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأَهَا . وَكَمَا أَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ عَلَى بَعْضِ الْقُرَّاءِ بِحُرُوفِ لَمْ يَعْرِفُوهَا حَتَّى جَمَعَهُمْ عُثْمَانُ عَلَى الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ . وَكَمَا أَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ الْمَعَاصِيَ ؛ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيَرْضَاهُ وَيَأْمُرُ بِهِ . وَأَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ الْمَعَاصِيَ ؛ لِكَوْنِهِمْ ظَنُّوا أَنَّ الْإِرَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ لِخَلْقِهَا وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ؛ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَالْقُرْآنُ قَدْ جَاءَ بِلَفْظِ الْإِرَادَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَبِهَذَا الْمَعْنَى لَكِنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ عَرَفَتْ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ وَأَنْكَرَتْ الْآخَرَ . وَكَاَلَّذِي قَالَ لِأَهْلِهِ : إذَا أَنَا مُتّ فَأَحْرِقُونِي : ثُمَّ ذَرُونِي فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ . وَكَمَا قَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ : { أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } وَفِي قَوْلِ الْحَوَارِيِّينَ : { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ } وَكَالصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ ‘ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ ؛ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ ؛ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ كَذِبٌ وَغَلَطٌ ([2]).

وقال الحاكم: سمعت محمد بن صالح بن هانئ، سمعت ابن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر حلال الدم، وكان ماله فيئا.

علق الذهبي ’ على عبارة إمام الأئمة ابن خزيمة قائلاً: من أقر بذلك تصديقا لكتاب الله، ولأحاديث رسول الله ‘، وآمن به مفوضا معناه إلى الله ورسوله، ولم يخض في التأويل ولا عمق، فهو المسلم المتبع، ومن أنكر ذلك، فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصر، والله يعفو عنه، إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك، ومن أنكر ذلك بعد العلم، وقفا غير سبيل السلف الصالح، وتمعقل على النص، فأمره إلى الله، نعوذ بالله من الضلال والهوى.

وكلام ابن خزيمة هذا وإن كان حقا فهو فج، لا تحتمله نفوس كثير من متأخري العلماء ([3]).

وقال شيخ الاسلام ’ ( وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ مَنْ بَلَغَتْهُ رِسَالَةُ النَّبِيِّ ‘ فَلَمْ يُؤْمِنُ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الِاعْتِذَارُ بِالِاجْتِهَادِ لِظُهُورِ أَدِلَّةِ الرِّسَالَةِ وَأَعْلَامِ النُّبُوَّةِ ؛ وَلِأَنَّ الْعُذْرَ بِالْخَطَأِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَكَمَا أَنَّ الذُّنُوبَ تَنْقَسِمُ إلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ وَالْوَاجِبَاتُ تَنْقَسِمُ إلَى أَرْكَانٍ وَوَاجِبَاتٍ لَيْسَتْ أَرْكَانًا : فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ يَنْقَسِمُ إلَى مَغْفُورٍ وَغَيْرِ مَغْفُورٍ وَالنُّصُوصُ إنَّمَا أَوْجَبَتْ رَفْعَ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطَأِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُخْطِئُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ : إمَّا أَنْ يَلْحَقَ بِالْكُفَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ مُبَايَنَتِهِ لَهُمْ فِي عَامَّةِ أُصُولِ الْإِيمَانِ . وَإِمَّا أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُخْطِئِينَ فِي مَسَائِلِ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ مَعَ أَنَّهَا أَيْضًا مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ . فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِوُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ ؛ : هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الْإِيمَانِ وَقَوَاعِدِ الدِّينِ وَالْجَاحِدُ لَهَا كَافِرٌ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي بَعْضِهَا لَيْسَ بِكَافِرِ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ خَطَئِهِ . وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إلْحَاقِهِ بِأَحَدِ الصِّنْفَيْنِ : فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُخْطِئِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ أَشَدُّ شَبَهًا مِنْهُ بِالْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ وَعَلَى هَذَا مَضَى عَمَلُ الْأُمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي أَنَّ عَامَّةَ الْمُخْطِئِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى غَيْرِهِمْ هَذَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ مُنَافِقُونَ النِّفَاقَ الْأَكْبَرَ.......([4]))

وقال العلامة القرآني الشنقيطي ’ : ( ونحن نرجو أن يغفر الله للذين ماتوا على هذا الاعتقاد ، لأنهم لا يقصدون تشبيه الله بخلقه ، وإنما يحاولون تنزيهه عن مشابهة خلقه .

فقصدهم حسن ولكن طريقهم إلى ذلك القصد سيئة .وإنما نشأ لهم ذلك السوء بسبب أنهم ظنوا لفظ الصفة التي مدح الله بها نفسه يدل ظاهره على مشابهة صفة الخلق فنفوا الصفة التي ظنوا أنها لا تليق قصداً منهم لتنزيه الله ، وأولوها بمعنى آخر يقتضي التنزيه في ظنهم فهم كما قال الشافعي ’ :

رام نفعاً فضر من غير قصد ... ومن البر ما يكون عقوقا

ونحن نرجو أن يغفر الله لهم خطأهم ، وأن يكونوا داخلين في قوله تعالى : { وليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } [ الأحزاب : 5 ] ).

وقال أيضاً:( ثم بعد هذا كله فإننا نكرر أن الأئمة رحمهم الله لا يلحقهم نقص ولا عيب فيما أخذ عليهم ، لأنهم رحمهم الله بذلوا وسعهم في تعلم ما جاء عن الله على لسان رسوله ‘ ثم اجتهدوا بحسب طاقتهم ، فالمصيب منهم له أجر اجتهاده وإصابته ، والمخطىء منهم مأجور في اجتهاده معذور في خطئه ، ولا يسعنا هنا مناقشة الأدلة فيما أخذ عليهم رحمهم الله ، وإنما قصدنا مع الاعتراف بعظم منزلتهم أن نبين أن كتاب الله وسنة رسوله ‘ يجب تقديمهما على أقوالهم ، لأنهم غير معصومين من الخطأ ، وأن مذاهبهم المدونة لا يصح ولا يجوز الاستغناء بها عن كتاب الله وسنة رسوله ‘ ، وأن على كل مسلم قادر على التعليم أن يتعلم الكتاب والسنة ، ومعرفة مذاهب الأئمة تعينه على ذلك ، والنظر فيما استدل به كل منهم يعينه على معرفة أرجح الأقوال وأقربها إلي رضا الله .

وكذلك الشافعي وأحمد رحمهما الله ، فإن كل واحد منهما لا يخلو من شيء قد أخذ عليه ، ومرادنا هنا لتمثيل لذلك ، وأن الوحي مقدم على أقوالهم جميعاً ، وليس قصدنا الإكثار من ذلك ([5]).).



1) إهمال الجانب الإنساني:

هذه المسألة لها بُعد أصيل في دراسة التوحيد والعقائد لأن عدم الاهتمام بها يؤدي إلى تهميش الذات الإنسانية ، و في نظري السقيم أن دراسة التوحيد والعقائد هو انتظام دراسة عالمي الغيب والشهادة وتأثيراهما على الذات الإنسانية موضع و موضوع الابتلاء.

فعدم إعطاء هذا الجانب حقه في الدراسة ،أدى إلى عدم معرفة غوائل النفس ومكدرات الشعور ومفسدات القلوب (أمراض القلوب مكدراتها وغيرها)،وأدى إلى تعطيل القدرات الإنسانية الكامنة وعدم استثارة مواضع الجمال والقيم والأخلاق فيها.

قد يقول قائل هذا موضوعه كتب الرقائق والسلوك أو ما يُسمى علم التصوف ، لذا كثر حديثهم عن أسماء الله U وإن جانبوا الصواب ، والناظر إلى كتابات العلامة ابن القيم ’ يجد ما قلت من اهتمامه بالنفس الإنسانية مثلًا إغاثة اللهفان و طريق الهجرتين وموسوعة مدارج السالكين التي ربط فيها بين الأسماء الحسنى وآثارها على النفس الإنسانية ، وكذلك كتابات العلامة ابن رجب الحنبلي ’ في شروحاته على الأحاديث النبوية ، وقبلهما الغزاليّ ’ في إحيائه ، و الحارث المحاسبي ’ في كتاباته، وشذرات في كتابات غيرهم .

لماذا نؤكد على دراسة الجانب الإنساني في مجال التوحيد والعقيدة؟

لأن التوحيد والاعتقاد عمل إنساني ،فالتوحيد عمل الإنسان فيصر به موحدًا ،والشرك عمل الإنسان فيصير به مشركًا .

من الخطأ تعريف التوحيد أنه جعل المتعدد واحدًا ، والصيرورة إلى الواحد ، بل هو تفعيل للنسبة كالتصديق نسبة الصدق إلى المتكلم أو الكلام في نفس المصدق ( السامع ) ، وكذا التكذيب فهو نسبة الكذب إلى المتكلم أو الكلام في نفس المكذب ( السامع ).

فالتوحيد نسبة الوحدانية إلى الله U ، فينتج عنه نسبة الفاعل أي الشخص إلى الواحد فيكون هو الموحد أي فاعل التوحيد في قلبه وكونه.

والشرك فعل إنساني مجرد ( سوء بإضلال شياطين الإنس أو الجن ) ، والمشرك الشخص الفاعل للشرك في قلبه وكونه.

قد يسأل لماذا جاء التوحيد على تفعيل النسبة بينما جاء الشرك بالمصدرية( الاسم )؟

لأن التوحيد كما سبق عمل العبد ، وهو قلبي كوني ، والناس فيه متفاوتون في تحقيقه ، فهناك من حققه على الوجه الأمثل كالمصطفين من عباده الله U كالأنبياء والرسل u ، وهم على طبقات فالرسل u أخص من الأنبياء u ، وفي الرسل u طبقة خاصة هي طبقة أولى العزم منهم وهم خمسة فقط ، ومن الخمسة خُص اثنين منهم بالخلة ، ومن الاثنين خُص عبد واحد فقط بالمقام المحمود ‘ .

قد يقول قائل هذه منازلهم و قدرهم عند الله U ، فنقول له إن منازلهم بقدر منزلته U في قلوبهم و أعمالهم ، فمن حقق كمال العبودية و أتمها ، كانت له المرتبة العليا ومنزلتها.

وكذلك كلما نزلت في المقامات فالصديقية أعلى المراتب بعد النبوة ، ثم الشهادة ، ثم الصالحين ، وهكذا دواليك إلى الأدنى منزلة من أهل التوحيد .

لذا يأتي على النسبة وكل بحسب نسبة التوحيد وتحقيقه في قلبه ، ونسبته هو للواحد U فكلما ازداد له عبودية وطاعة كان أولى باسم العبد الموحد من غيره، وكلما قل زادت معاصيه وسيئاته وبالعكس.

أما الشرك فإنه السيئة التي تبطل الحسنات ، فقطرة واحدة منه تفسد أعذب المحيطات والأنهار ، لذا كل من وقع في قليله و كثيره سيان ، إذ ما أسكر كثيره فقليله حرام ، لذا جاء بالمصدر الذي يفيد الصدور عن الفعل وملابسته و إحاطته بفاعله .

وأيضا من أسباب الاهتمام بهذا الجانب هو ما ينتج عن المعرفة من عمل ، وهي أعمال متنوعة قلبية و قولية وبدنية ، فلابد من دراسة كيفية استقامة القلب على التوحيد والإتيان بأعماله ، وأثر تزكيته بالعقيدة والتوحيد في مناحيه كاملة ،في كيفية تلقيه ، واستجابته ، وما المعوقات التي تمنع التلقي واستجابة سواء كانت داخلية أو خارجية ،من أنواع القلوب وأمراضها ،ودراسة النفوس وتفسيرها كيفًا ونوعًا ، وارتباط الروح بالبدن ، والقلب بالفكر والتدبر ، و مقام الخلافة الإنسانية ،....وغيرها.

فتفسير النفس الإنسانية ركن ركين لدراسة التوحيد والعقيدة ،إذ لو أُهمل تصبح الدراسة مبتورة ، غير واضحة الملامح ، فضلاً من أن تكون عميقة الأثر .



6- وقوع بعض الأخطاء في قراءة كتب السلف:

وينعى الدكتور فريد الأنصاري قرأته القديمة لنفسه ولقرائه فيقول(أي عمى هذا الذي ركضت وراءه في نقع الخصومات والجدالات التي لا تغني ولا تسمن من جوع؟ وهذا قلبي ظل فارغاً من عبادة الحب وأذواق التعبد. أليس ذلك هو الضلال المبين؟ لقد أسأت زمناً طويلاً في فهم عقيدة السلف الصالح.

لقد رسخ في ذهني ـ بعد المشاهدة والمعاينة للآثار السلبية التي ترتبت عن التكوين العقدي القائم على نفسية ردود الأفعال المتشنجة، وعقلية التفتيش المذهبي ـ أننا في حاجة ماسة ومستعجلة؛ لإعادة قراءة عقيدة السلف الصالح من مصادرها الأولى، وإلى إعادة قراءة أعلامها الكبار الذين تميزوا في التاريخ الإسلامي بالريادة والقيادة، وأسهموا في بناء صرح الأمة وتجديد حياتها،كالأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل، ومن جاء بعدهم من المتميزين في هذا السياق، مثل حافظ المغرب أبي يوسف عمر بن عبد البر، ومجدد زمانه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم... إلخ.

هؤلاء وأضرابهم جميعاً، وقع خطأ منهجي كبير في قراءتهم. لقد كان الفكر السلفي المعاصر ـ في بعض تجلياته ـ إذ يقرأ تراثهم إنما يقرؤه ـ في كثير من الأحيان ـ بمنهج تجزيئي إسقاطي.

فأما كونه تجزيئياً؛ فلأنه كان يقرؤه بعين واحدة، فلا يرى من حقيقته إلا ما تتيحه له تلك الرؤية الجزئية المحدودة؛ فلا يتصور حقيقته في شموليته الكلية.

فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً، لا تصوره كثير من المصنفات المعاصرة إلا شخصاً مقاتلا محارباً متخصصاً في تفصيل في مذاهب أهل النار؛ دون مذاهب أهل الجنة؛ فكل من أراد أن يَصِمَ شخصاً بصك الجحيم، فما عليه إلا أن يُخرج عليه سيف المقولة المشهورة. (قال شيخ الإسلام ابن تيمية) وكأن ابن تيمية ’ ما خلقه الله إلا للاستشهاد به على أهل الضلال وحسب؛ وكأنما تحولت نصوصه وفتاواه إلى مجـرد صكــوك اتهــام، تقــرأ على الضحــية عنــد تنفيذ حكم الإعـدام.

أين ابن تيمية الداعية إلى الله؟ أين ابن تيمية المربي؟ وأين ابن تيمية السالك إلى مولاه عبر منازل الخوف والرجاء؟ والشوق والمحبة؟ وأين ابن تيمية صاحب الأذواق الإيمانية والأحوال السنية؟.. ولقد حفلت كتبه وفتاواه بمعاني (الجمالية)، ومقاصد (الربانية) في الدعوة والتربية والتعليم؛ مما يصعب ـ لغزارته ـ حصره واستقصاؤه! كما أن تلميذه الإمام الرباني ابن القيم ـ رحمه الله ـ قد حكى عنه من ذلك الشيء الكثير! فأين ضاع ذلك كله؟

وأما كونه إسقاطيا؛ فلأنه تم استعمال ابن تيمية للتعبير عن مشكلات العصر النفسية والسياسية بصورة حرفية! ففُسِّرت نصوصُه بما تقتضيه حــالة رد الفعــل النفــسي والاجتماعــي ـ بصورة غير متوازنة ـ عن ظروف الظلم السياسي، ومظاهر الخلاف العقدي والمذهبي، بين طوائف وجماعات، ودول وتحالفات! وتم إسقاط زماننا على زمانه رحمه الله، وإلباس أحوالنا لأحواله دون مراعاة الفروق بين الثوابت والمتغيرات، سواء منها ما تعلق بالنصوص أو بتحقيق المناطات؛ وفي ذلك ما فيه من الشطط العلمي والانحراف المنهجي.

ولذلك فقد تمت عملية (إخراج) سيئة لشخص ابن تيمية ـ لدى بعضهم ـ على أنه شخص لا ذوق له ولا وجدان؛ وإنما هو السب والشتم واللعان؛ وما أبعد شيخ الإسلام ’ عن ذلك وأبرأه ([6])).





---------------------------

([1]) الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام - د/محمد بن إسماعيل المقدم صـ 374:378 بتصرف

([2]) مجموع الفتاوى جـ 20/صـ36:33

([3]) سير أعلام النبلاء - (ج 14 / ص 373)

([4]) مجموع الفتاوى جـ12/صـ496،497

([5]) أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن - (ج 7 / ص 369)(ج 7 / ص 433)

([6]) المقال السابق الذكر جمالية الدين في جمالية التوحيد

ابوالمنذر
12-20-2007, 09:54 AM
ب- على المستوى الجماعي:

- عدم وضوح الرؤية والمنهج عند كثير من المنسبين إلى المناهج:

قد يتعلل البعض بالكثرة واتساع القاعدة والانتشار ولكن كلامى ليس عن عموم المنتسبين إلى المناهج ولكن ما يطلق عليهم أهل الخصوص من دعاة وأمثالهم يقول الشيخ ياسر برهامي حفظه الله (أكثر الملتزمين من أبناء الصحوة عموماً بكلمة العمل الإسلامي أكتفوا بأنهم يعملون من أجل الإسلام وأنهم التزموا بالإسلام واكتفوا بالعنوان وزاد البعض اهتماما وتفصيلاً فقالوا نفهم الإسلام ونطبقه كما فهمه سلف الأمة ومع ذلك أصبحت العناوين بالتأكيد لا تكفى ولن يكون العلاج بمزيد من التقسيمات والتسميات لا شك أننا يلزمنا أن نلتزم بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة لكن هناك معالم معينه لهذا المنهج ، المنهج أصبح الآن تتنازعه أطراف عديدة بحمد الله تبارك وتعالى عصمنا الله U في الأغلب في بلدنا في الإسكندرية من تعدد المناهج المطروحة باسم السلفية مثلاً ولكن الأمر خطير الاستيراد وارد وليس هناك حواجز البلاد مفتوحة على بعضها والأفكار والعالم كله كقرية واحده إذا كان لا يوجد حواجز تمنع من انتشار الكفر والضلال فبالتأكيد إن المناهج المتعددة نتيجة عدم وضوح المنهج لدى أبناء المنهج وعدم وضوح المعالم المحددة التي تحدد الطريق تفصيلياً كما ذكرت في جانب العلم أكرره هنا ثانية في قضيه المنهج لابد أن يكون هناك معرفه تفصيلية بمعالم هذا المنهج لا يكفى مجرد الإعلان لا يكفى مجرد العنوان لا يكفى أن تقرأ فهرس للكتاب لكي تدخل الامتحان لابد أن تكون على علم بالتفاصيل لابد ولو كانت مختصره ولو كنت تذاكر قبل الامتحان مختصر من المختصرات لكن لابد أن تمر على الموضوعات المختلفة لابد([1]).) .

- البحث عن أعمال كبيرة الإنجاز ، أقصد واضحة الإنجاز بين الناس([2]).

- انتشار المظهرية ، بأمراضها وأشكالها المختلفة:

يقول الشيخ ياسر برهامي (يصبح الشخص ملتزماً بالحصول عليها في أن الأخ يلتحي ويرتدى القميص ويذهب إلى مساجد الأخوة ، الأخت أن تتنقب وأن تتواجد في بعض الدروس وأكثر ذلك لمجرد مجالسه أخواتها والسمر معهن وعدم الإلتفات إلى الدرس في الأغلب إلا من رحم الله سبحانه وتعالى ) ([3]).

- ظاهرة التعلق بالأشخاص([4]):

ويتسأل د / محمد العبدة ([5]) : (هل صحيح أن كثيراً من المسلمين تخلوا عن نزعة التعلق بالأشخاص ؟ وهل تخلوا عن شغفهم بأن يكونوا مريدين لشيخ ؟ .

نعم ، تخلوا عن ذلك ظاهرياً وذهبت هذه النزعة نظريًّا على الأوراق في الكتب والمقالات ، ولكن الحقيقة التي في داخلهم تقول .

لا ، فهم أبداً يمارسون هذا الدور ويحبون ممارسته ، فهو مرض عضال ، لقد تخلوا عن الشيخ بالمعنى الصوفي ، ولكن تعلقوا بالزعيم والقائد والحزب ولافتات وأسماء حلت محل الشيخ في القداسة والعصمة ، فهم يحنون إلى هذا الشيخ الجديد كما يحن الفصيل إلى أمه ، فتجدهم ينتظرون الكلمة والإشارة من فمه ، فكل ما ينطق به صواب ، ويتناقلون كلامه وخطبه وأحاديثه أينما ذهبوا وحيثما حلوا ، لاشك أنك ترى عجباً من الأمر ، وتحاول أن تردهم عن هذا ولكنهم يرجعون إليه بأساليب وأشكال أخرى ، كأنهم أطفال يلوذون بأمهم ، لا يستطيعون التصرف وحدهم ، نعم إنهم أطفال كبار ! .

- وتسألني عن الدواء ؟ الدواء هي التفكر فيما جنته هذه التربية العقيمة على المسلمين قديمًا وحديثًا ، الدواء هو استعادة الماضى القريب ، ولا أقول البعيد لنرى ما جرّ هذا المرض على الشباب ، من كوارث وأخطاء ، الشباب الذي يفغرون أفواههم دهشة وغباء وإعجاباً عندما يسمعون خطبة رنانة من دعي على العلم والدعوة ، لا يفرقون بين العالم ، ومن يدعي أنه عالم ، ولا بين المخلص والمنافق ، ويستغلهم هؤلاء للوصول إلى مآربهم الدنيوية ، ويقولون للآخرين : انظروا هذه الجموع التي تسير خلفنا ، ويفهم الآخرون هذه الإشارة فيعطونهم بعض المكاسب الرخيصة ، وإلى أجل أيضاً .

ونحن نتكلم هنا عن التعلق المرَضي بالأشخاص ، الذي لا يستقيم معه حال ، ولا يرجى له مآل ، لأن هذا التعلق إنما هو مؤشر على مستوى للتفكير ، وعلى مرحلة من مراحل التدرج بالإنسان ، فقد يكون الإنسان ذكياً أو كبيرًا في السن ولكن عمره الاجتماعي لا يزال في مرحلة الطفولة .

ولا يعني هذا عدم المتابعة والمحبة للعلماء العاملين والدعاة المخلصين والاستفادة من تجربتهم واحترامهم وتوقيرهم ، فهذا لا بد منه ، فالحق وإن كان قوياً بذاته لكن لابد من أشخاص يحملونه .

وإذا سألتني : كيف نعرف هؤلاء من أولئك ، حتى نستفيد من الدعاة العاملين ؟ فأقول : من ثمراتهم تعرفهم .)ا.هـ

يقول الشيخ محمد حسين يعقوب([6]) :(وقد تصيح – أيها الأخ الشاب الكريم المِفضال – وترفع عقيرتك سائلًا: أين المربي؟ أين المربي؟ .. وأنا أقول لك : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق/2، 3].

إنك - أيها الطيب - تبحث عن المشاهير الأعلام وتظن أنه لا يصلح لتربيتك إلا هؤلاء .. وهذا هو الغرور والسفه ؛ فالمشاهير من الدعاة والعلماء والأركان وطلبة العلم ن يدفعون ضريبة الشهرة؛فلا وقت عندهم لأحد تكفيهم همومهم ومشاغلهم..وهم معذورون – غفر الله لنا ولهم. ).



- ظهور طبقة من المنتفعين:

فمع الغثائية العددية ، نشز في كيان الأمة غثائية كتابية ، أو إسهال مطبعي ، فلا الناشر يهمه منهجية الموضوع بقدر جماهيرية المطبوع ، وصار لدينا فئة غثائية من الكتّاب أقصد فئة من المقمشين لكل غث وسمين- إلا ما رحم الله-، و فئة غثائية من محققي الكتب التراثية فلا النص خدموا ولا للحديث حققوا وشكر الله لمبرمجي الحاسوب سعيهم لتسهيلهم مهمة مثل هؤلاء ، وصار إثقال الهوامش بالنقل من كتاب العلماء المحققين دليل على إجادة هذا المحقق أو ذاك - إلا ما رحم الله-.

فصار هَمّ أولئك الناشرين و المقمشين والمحققين همًا واحداً وهو إغراق شباب الدعوة في متاهات ما ينشرونه ،فتجد كتابًا له طبعات كثيرة ولكن الذي تغير شكل الغلاف واسم السيد المحقق وبالطبع دار النشر، وتجد كتاباً هاماً الجميع في أمس الحاجة إلي إعادة طبعه ، أو تحسين نشره وخدمته والكل عازف عنه لأنه لا يعرفه إلا الخاصة .



- كثرة الكلام أو (ظاهرة الكلامولوجيا):

- كلام عن الحلول ، ( ومنها التربية و المربين وإعدادهم وغير ذلك([7]))، حتى صار الحل هو الوقوف على الكلام أو إلقاء اللوم على غير المؤهلين العاملين، والوقوف عند التشخيص دون اقتحام ميدان الحلول والتنفيذ.

- أو مناقشة مناقش - أو رد على قائل أو متقول........ وغير ذلك كثير مما هو ملموس في واقع الدعوة ويعلق على هذا كله د/ محمد العبدة حفظه الله بقوله : ( تغص الساحة الإعلامية أحياناً بالمناقشات ، والأخذ والرد ، وليست الغاية من وراء ذلك الوصول لنتائج ، ثم وضعها موضع التنفيذ ، فهذا ينحاز لمذهب معين في الأدب ، وهذا يخالفه ، وذاك ينحاز لمدرسة فكرية معينة ، وآخر يرد عليه ، وتسود الصفحات في المجلات والكتب ، وتبدأ المعارك ، ويرتاح البعض ظناً منهم أن هناك حركة ، وأن الدنيا بخير والحمد لله ، وينام قرير العين ملء جفونه ، وبعضهم يحب هذه المعارك ، كأنه يشاهد لعبة مصارعة يقضي معها وقتاً ممتعاً !...

وإنني أخشى أن يكون كل هذا من قبيل تفريغ الطاقة وإرضاء النفس ، أو الهروب من الواقع ؛ لأننا بهذا نشعر أننا نتحرك ، ولكنها حركة في المكان ، بل أخشى أن يتحول هذا إلى مرض (الكلامولوجيا) .

هل تُقضى الأعمار ونحن نتساجل في مواضيع تحتاج لدراسات من متخصصين أذكياء ، متى - إذن - نؤسس مدرسة تربي الأجيال على الخلق القويم والعلم المفيد ، وتنقذهم من طرق التعليم التي تستهلك طاقاتهم بحفظ معلومات ثم صبها في نهاية العام على أوراق الامتحان ، ثم تنسى ، والشباب ثروة لا تقدر ؟ فأين استغلال طاقاتهم ؟ .

نعم ، لابد من الردود والمناقشات - ولكن بقدر - كرد على مبتدع أو طالب علم أخطأ في أمور علمية ونشرها بين الناس ، أو رجل مستهتر بأخلاق الأمة وآدابها ، كما أن المناقشة العلمية الهادفة التي نصل فيها لنتائج محققة - هي شيء طيب ومقبول ، وقل مثل ذلك في الحوار الهادف ، إذا حسنت النيات واستُخدمت

الأساليب المعقولة ، ولم يتحول إلى جدل عقيم ، القصد منه المغالبة وتسجيل الأهداف .

هذا هو المنهج الذي جاء به القرآن الكريم ، فلم يدخل في جدل عقيم مع النصارى ، بل قال : ] تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ [ [آل عمران : 64] ، وهذا ما فهمه الإمام مالك بن أنس ’ حين رفض مناظرة أبي يوسف بحضور الخليفة هارون الرشيد ؛ لأنه ليس من منهج الإسلام أن يتحول الدين لمناظرات ،والمتفرجون يشاهدون : مَن يغلب ؟ . فالأصل هو البناء.([8])).

- توجيه الشباب إلى الأعمال البدنية أو دعوية([9]).



1- الفراغ الوجداني :

نقصد به عدم ارتباط أعمال الأبدان بأعمال القلوب ، أو هو خواء النفس من استشعار أثر الإيمان بالله U ذاتًا وأسماءاً و صفاتًا في الأكوان والنفوس.

لأن عرض العقيدة ودراستها إما عرض هجومي أو دفاعي ، فلو كان حديثنا عن التصوف لاحت في الأفاق الحرب على القبورية ، وإن كان حديثنا عن العلمانيين فدفاع عن فكرة دولة الخلفاء الراشدين ، وهجوم على إلحادهم وإلحاقهم بالدهرية ، وإن كان حديثنا إلى الإسلاميين الليبراليين فهجوم في عدم معرفتهم بأوليات الاعتقاد ،وعدم ضبطها وفضيحتهم بانقطاع صلتهم بالسلف وتمييعهم قضية الدين وإلحاقهم بالمدرسة العقلية أو الانهزامية ، ومن ثم نقف في زهو الفاتحين ، و غلبة المناظرين .

فتارة نفقد معه أعز ما نمتلك من عز العبودية بالذل بين يدي الرب وإظهار الافتقار بين يديه U ، وتارة نفقد معه التواضع بين البرية لإظهار الحق ودعايتهم إليه مع أنه المراد الرباني و المطلب الشرعي ، وتتحول مادة الإشعاع الإيماني إلى مادة تخريب عضوي ونفسي- عياذًا بالله -، فلا ما أردنا من بناء عقيدتنا وإيماننا الدافع إلى الخوف على الخلق حافظنا عليه ، و لا اثنائهم عن أفكارهم نلنا، مع الأخذ في الاعتبار أن أغلب الذين تدور معهم حربنا الكلامية ما زالوا بالإسلام متسربلين ،بل وبعضهم عن حياضه ذادين ، وعن بيضته ذابـين ، فهم لم يُعْرض عليهم إلا هذا الأفكار السقيمة ، ولم يختاروها بعناية ، بل هذا أفضل ما عُرِض عليهم لذا اختاروه([10]).

ونحن لم نعطِ قلوبنا فرصة لحديث القلوب ، فلا هي له استمعت ولا أسمعت غيرها، نعم حديث القلوب لأن الإيمان لا يسكن إلا في القلوب ألم تقرأ قوله U { أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ }(المجادلة: من الآية22)، وقال U { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ }(الفتح: من الآية18)،وقال عن مدعى الإيمان { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (الحجرات:14).

ويقول الدكتور فريد الأنصاري([11]) (فمثلاً هذا كتاب (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ـ وهو خلاصة للعقيدة السلفية ـ قد خضت به معارك ضد أهلي وعشيرتي زمناً؛ وأنا أقرب إلى المراهقة يومئذ مني إلى الشباب؛ ولقد ظللت أحارب به البدع والضلالات والمنكرات، في الاعتقاد والعبادات، اقتداء بشيخ شيوخنا العلاَّمة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله؛ إني لا أتهم الكتاب المذكور، ولكني أتهم نفسي ومنهجي في القراءة والاستعمال. لقد كانت العقيدة السلفية عندي عصا من خشب أصم أضرب بها غيري.. ولم أدرك أنما هي تربية ورحمة للعالمين. وإني لأعجب كيف لم أنظر إلى هذا المعنى من قبلُ في الكتاب المذكور؟)

المقترح : لابد أن تتسم دراستنا للقضية التوحيد على الصفات الإلهية المقربة للعبد من ربه ، واستثارة مشاعره ، بل إيضاح أن كيانه الإنساني مهم وأن الله U يحب له الخير ، فأرسل له الرسل و أنزل عليهم الكتب ، ووضح السبيل ، لكي يؤمن بالله U ، ثم شفقة الأنبياء والرسل u وأتباعهم على هداية الخلق.

فـ(التعبد بالأسماء والصفات حقيقة التوحيد :

وذلك بأن يمتلئ القلب بأجّل المعارف باستحضار معاني الأسماء الحسنى والصفات العُلى ، ويتأثر القلب بآثارها و مقتضياتها ويدعو الله بها فمثلاً:

*) أسماء ( العظيم والكبير والمتعال والمجيد والجليل ) تملأ القلب تعظيماً وإجلالا له.

*) وأسماء ( البر والكريم والجواد والمنّان والرحيم والجميل والودود ) تملأ القلب حباً له وشوقاً إليه وحمداً له وشكراً.

*) وأسماء ( العزيز وشديد العقاب والجبار والقدير ) تملأ القلب خضوعاً وانكساراً و ذلاً وخوفاً ورهبة منه سبحانه.

*) وأسماء ( العليم والخبير و السميع والبصير والشهيد والرقيب والحسيب ) تملأ القلب مراقبة لله في الحركات و السكنات وتؤدي بالعبد إلي أن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فأنه يراه .

*) وأسماء ( الغني و الغفور والتواب والمجيب واللطيف ) تملأ القلب افتقاراً إلي فضله ورجاء رحمته ورغبة في منته .

نسأل الله أن يفتح لنا وللمسلمين أبواب هذا الخير الذي لا يُوصف ، والسعادة التي لا تُقارن فإن ذلك لا يُنال إلا بفضله الله ورحمته )([12]).



- إذاً : قضية التوحيد والإيمان ذات بُعدين أصيلين :

1- الـبُعد العقلي .

2- الـبُعد العاطفي .

فالبـُعد العقلي يشبع عقلية الباحث عن الحق بين ركام ما يقدم له من أباطيل وخرافات باسم الدين حينًا وموروث العادات والتقاليد أحيانًا .

وطريقه النظر إلى الآيات الربانية الأفقية والنفسية وإعمال الفكر فيها والربط بينها وبين الآيات المسطرة بين دفتي الكتاب العزيز فبذا يجد الباحث بغيته المنشودة ، فيذعن لما وقف عليه من حقائق ،ويسلم له فيما بقي من دقائق ، فيورث القلب الطمأنينة واليقين .

والبـُعد العاطفي يشبع وجدان الباحث فلا يؤله عقل لما وصل إليه من نتائج ، ولا يصير مجرد الأحاسيس يتعامل معها كتعامله مع النتائج المعملية المنظورة ، و لا يعث في الأرض فسادًا مدعيًا العلم والمعرفة .

بل هو كتلة من المشاعر عاقلة متزنة ، فلا يغلب جانبًا على جانب ، فلا يرفع ما ينبغي أن يخفض وتنزل ، ولا يبكي على من يجب عليه أن يقسو ويحزم .

وكذلك هي بالبعدين السابقين للداعية الذي يعرض قضية التوحيد ، فهو يعرض الحق بأدلته الشرعية والقاعدة (صحيح المنقول لا يخالف أبداً صريح المعقول)، وفى قرارة نفسه يود لو آمن كل من في الأرض وما بقى على ظهرها كافر { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً}(الرعد: من الآية31).

لذا لا يستغربن أحدٌ كلامي هذا إن القضية ليس رأسها إقامة الحجة دون توضيح السبيل ،والحرص على هداية الناس ،إذ رأس مالك أن يفتح الله U لك قلوب أعدائك ، وآذانهم لسمع الحق ، و يؤمنوا ويعملوا به .

و(كثير من الناس يتكلم في العقيدة اليوم ولكن قليلا منهم يتفاعل معها؛ لأن العلم الجدلي ما كان له أن يؤتي ثمارا قلبية، وهو قد أنتج أساسا لإشباع رغبات العقل المماري، لا لإشباع حاجات القلب الساري. وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يخاطب بالعقيدة الإيمانية العقول، خطابا ينفذ من خلالها إلى القلوب، حيث تستقر بذرة، تنبت جنات وأشجارا([13])).

أين نحن من رسول الله r وهو يدعو إلى الله أقوامًا مشركين كافرين وكل همه ‘ أن ينقذهم من النار وأن يؤمنوا بالله فأنزل الله U قوله{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} (الكهف:6) ، وقال U { بسم الله الرحمن الرحيم طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)} [الشعراء/1-5] وقال U { فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر/8] قول تعالى مسليًا رسوله ‘ في حزنه على المشركين، لتركهم الإيمان وبعدهم عنه، كما قال تعالى: { فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر:8]، وقال { وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [النحل:127]، وقال { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [الشعراء:3] ،باخع: أي مهلك نفسك بحزنك عليهم؛ ولهذا قال { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ } يعني: القرآن { أَسَفًا } يقول: لا تهلك نفسك أسفًا.

قال قتادة: قَاتِل نَفْسَكَ غضبًا وحزنًا عليهم. وقال مجاهد: جزعًا. والمعنى متقارب، أي: لا تأسف عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات([14]).

2- المباينة بين العلم والعمل :

المنهج السلفي من أكثر المنهج تمسكاً بالعلم الشرعي ولكن مع طول الأمد برز صنفين من أبنائه :

- صنف علم حقيقة العلم وفضله فسعى له خير سعي وحقق في ذلك خطوات ومراحل يحمد عليه وبرز الاهتمام بالكتب ، والتعلم وهذه ظاهرة محمودة ، ولكن تخلف عنه مراده من العلم فبعد أخذه منه بحظ وافر إذا به لا يحقق هدفه المنشود بتطبيق ما يتعلمه بل وظهرت تباين كبير بين المقروء والمنظور([15]) .

- وصنف رفع شعار العلم ولكن دون علم ، فلم يسع له حق سعيه ، بل وفقد العلم اللازم أحياناً والعمل دون دارية ولا روية( كم منا يتعامل بمعاملات لا تمت إلى الالتزام بصله عندما يتعامل مع غيره أمثله قد ضربناها كثيراً ولكنها ما زالت تتكرر حتى لا يستطيع الإنسان أن يسكت عنها إلى متى نظل على هذا إلى متى نظل على خلاف الوعد كم من إنسان أقترض من أخر ثم وفاه في موعده لا يكاد هذا الأمر يقع أو إذا كان معسراً في وقت إيفاءه للدين يذهب إليه ويقول أنا معسر فأنظرني وأنت الآن موعدك أن أعطيك هذا الحق ولكن أنا عاجز عن أداءه فسامحني في ذلك ويبين له عذره فيقبل منه عذره ويقبل منه ذلك كم من إنسان دفع ماله إلى أخ وضربه وأنا أقول يوميا من نوعية هذه المشاكل يدفع ماله إلى أخر ليضارب له به فلا يتفقان على طريقه توزيع الربح وإنما يقول أعطيك مبلغ كذا حتى أناس من الملتزمين وهم يحضرون دروس وخطب الأخوة ونحو ذلك ومع ذلك ما ابسط أن يقع ذلك ولا يمكن أن يقبل في ذلك خسارة ولو وقعت خسارة تجد من يأتي ليقترض يقول لا أستطيع أن أقول له قد خسرنا لا أستطيع أن أقول له أن مالك لن يرجع إلا كذا وكذا منه مثلا لابد وهناك من يدفع له ربحاً كاذباً كم يقع ذلك أنا أقول هذا على سبيل المثال كم من مشاكل تقع بين الزوجين والخير المختلفة ولكن عند جوانب معينه لا يحصل إلا الخلل كم من مشاكل تقع بين الأخوة لا نجد أدنى درجه من درجات الالتزام بما نؤمر به ونعلمه أو نتعلمه لأن الأمر غريب جداً كيف يقول ذلك مثال بسيط و الأمثلة كثيرة ربما وقع شقاق بين الزوجين مثلاً وطلقت المرأة فأول شيء تفعله المرأة ماذا إذا طلقت أنا عندما وجدت هذا في مسألة واحده وقعت مره واحده في كل المشاكل التي عرضت على ووقع فيها انفصال عندما عرضت هذا الحل قبله الحاضرون ولكن في عشرات المرات ما قبلوها بدون مبالغه عشرات المرات فعلاً على حسب ربما بلغ أكثر من ذلك هي أن المرأة إذا طلقت لزمت بيتها وهذا في كتاب الله U والله يقول{ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ }(الطلاق: من الآية1) وهذا عرضته على ناس من العوام المحبين كما نسميهم نحن العوام ولكنهم في الحقيقة كانوا إخوة في الالتزام أفضل من كثير من إخواننا الذين ربما يظهرون أنهم ملتزمون بالهيئة الإسلامية والشكل الإسلامي أنهم قبلوا قالوا هذا حكم الشرع أن البنت ترجع إلى المنزل وقد طلقت قلت لهم هذا حكم الله والله يقول في القرآن كذلك لابد أن ترجع إلى المنزل وهو يخرج من إلى أن تنتهي العدة تبقى العدة في منزلها والآن قبل الانفصال تذهب إلى بيت أبيها بمجرد أي غضب هل هذا من الحق الذي أحقه الله عز وجل أما إذا طلقت فنجد هناك من يقول ألا يوجد مخرج لكي نتجنب هذه المسألة صعبه جداً أبحث لنا عن مخرج حتى تترك المنزل وتذهب إلى بيت أبيها وكما ذكرت هذا أمر عجيب الشأن لماذا الناس غريب عليهم ذلك أنها تبقى في فترة العدة في منزل الزوجية وأنها لا تخرج من هذا المنزل إلا أن تكون قد أتت بفاحشة ومعظم المشاكل التي تقع بين الأخوة والأخوات بحمد الله ليست في قضية الفاحشة وإنما هي مشاكل عدم التفاهم هذا جانب من الجوانب أنا ضربت أمثله من أمور العلم اللازم تحقيق التوازن في العلم وأن هذا فرض عين على من تعامل به ([16])).

يقول الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله([17]):

(أود التنبيه على شيء قد نغفل عنه عند دراسة العقيدة . يقول ابن القيم رحمه الله : " كل علم وعمل لا يزيد الإيمان واليقين قوة فمدخول ، وكل إيمان لا يبعث على العمل فمدخول " ([18]) ، يعني دخله شيء ، إما رياء ، أو إرادة الدنيا ، أو نحو ذلك . فلا يُنتفع به ، ولا يبارك فيه .

ولهذا فإن حسن النية في دراسة العقيدة ، ودراسة أمور الدين عموماً أمر لا بد منه . فعندما يتعلم العبد العقيدة لا يدرسها من أجل زيادة الإطلاع وكثرة المعرفة ، وإنما عليه أن يتعلمها لأنها دين الله الذي أمر به عباده ، ودعاهم إليه ، وخلقهم لأجله ، وأوجدهم لتحقيقه . فيجتهد في فهم أدلتها، ويتقرب إلى الله U باعتقادها والإيمان بها ، ويرسخها في قلبه ، ويُمكِّن لها في فؤاده .فإذا درس العقيدة بهذه النية أثمرت فيه ثمرات عظيمة ، وأثرت في سلوكه وأعماله وأخلاقه ، وفي حياته كلها . أما إذا كانت دراسته للعقيدة مجرد جدل ونقاش ، ولم يعتن بجانب تزكية القلب بالإيمان والثقة والاطمئنان بهذا الاعتقاد الذي أمر الله U به عباده لم تكن مؤثرة .

ومن الأمثلة على ذلك ـ فيما يتعلق بالإيمان برؤية الله ـ : قول النبي r: " إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ، لا تُضامُون ـ وفي رواية :"لا تُضارُّون"، وفي رواية :"لا تَضَّامون"ـ في رؤيته ، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ، ثم قرأ : {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} الآية 130 من سورة طه . " ([19]) . يعني صلاة الفجر وصلاة العصر .

لاحظ الارتباط بين العقيدة والعمل ، ذكر لهم العقيدة التي هي الإيمان برؤية الله ، ثم ذكر لهم العمل الذي هو ثمرة هذا الاعتقاد الصحيح ، فقال لهم :""فإن استطعتم ألا تغلبوا ..." فلو أن شخصاً درس أحاديث الرؤية ، وتتبع طرقها وأسانيدها ، وناقش المتكلمين في شبهاتهم حولها ، ثم إنه مع ذلك أخذ يفضل السهر في الليل ، ويضيع صلاة الفجر ، بل قد لا يكون لهذه الصلاة وزن عنده ، ينادي المؤذن الصلاة خير من النوم وهو بلسان حاله وفعله النوم عنده خير من الصلاة ، فأي أثر لهذا الاعتقاد عليه . نسأل الله العافية .

إن مثل هذا يحتاج إلى تصحيح نيته ومقصده في دراسة العقيدة حتى تثمر الثمرة المرجوة ، وتحقق الآثار المباركة على صاحبها . فالمسلم يتعلم العقيدة لأنها عقيدته ، ودينه الذي أمره الله U به ، ويجتهد في أن تكون لها أثر عليه ، وعلى عبادته وتقربه إلى الله عز وجل . قال ابن القيم ’: " والأسماء الحسنى والصفات العلا مقتضية لآثارها من العبودية والأمر اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين ، فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها ، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على العلم والجوارح . فعلم العبد بتفرد الرب بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً . وعلمه بسمعه تعالى وبصره وعلمه وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، وأنه يعلم السر وأخفى ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور : يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله ، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطناً ، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح . ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته توجب له سعة الرجاء وتثمر له من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه . وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعاً من العبودية هي موجباتها . وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلا يوجب له محبة خاصة بمنزلة أنواع العبودية . فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات وارتبطت بها ارتباط الخلق بها " ([20]).



3- التدني الأخلاقي :

أصبحنا اليوم نبحث عن الذوق والأريحية ولكن دون جدوى ، بل تجد كثير منا إما رافع شعار الجفاء بوجهه العبوس ،الذي لا يهيش ولا يبش في وجه أحد حتى زوجه وأولاده ، فكيف بالله عليك يكون في وسط الدعوة بين أناس نتمنى أن يفتح الله مغاليق قلوبهم وأن يهيئ لهم سبيل الرشاد ، من أين ؟

فهو لا يعرف من الحديث إلا (كثر الضحك تميت القلب) ، وأن الضحك والابتسام يسقط المكانة ،ويخرم المروءة ،فهو صارم أصرم مع القاصى والداني.أضرب لذلك مثلا ذكره الشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله فقال ( رجل من عموم المسلمين يتوضأ وأحد الإخوة بجواره فلما انتهى قال له الرجل : من زمزم. قال الأخ : ما ورد تش، فلما قاما يصليان وفرغا من الصلاة قال له الرجل : حرماً . قال الأخ : ما ورد تش . فقال الرجل العامي / من زمزم ما ورد تش وحرماً ما ورد تش قلة الذوق و كسفتي هي اللي وردت ([21]))!؟

وهناك من يتحلى بخلق دمث ، فهو طيب الخصال هش بش على عكس الخلق السابق ولكن ليس لصيد القلوب ، إنما لصيد الجيوب ، فهو منهمك لأكل مال هذا أو تغفيل هذا .

وهناك من يظهر بمظهر الملتزمين فقد طالت منه اللحية بل وشابت ، وقصر قميصه ، واستطال سواكه ، ومازال على عهد القديم من خلف العهد وتضييع المواقيت والمواعيد ، ولا تنس قاعدة الاستثناء وبإطلاق المشيئة تعليقاً وليس تحقيقاً ، حتى ارتاب كثير من الناس في الاستثناء ،وضجوا منها حتى قال قائلهم عندما يأخذ ميعاد من أحداهم يقول: لو سمحت من غير إن شاء الله ([22]).

ويقول الدكتور فريد الأنصاري([23]) معللا ذلك بغياب فهم العقيدة(ولكم هو مؤسف حقاً أن يضيع هذا المعنى(جمال العقيدة والتوحيد وكذا التعبير عنهما فى الكتاب والسنة) من تدين كثير من المسلمين اليوم، فلا يرون في الدين إلا خشونة وحزونة([24]) {وَإن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} (المنافقون: 4)؛ هذا التخشب في الأقوال والفعال، الذي سيطر على تدين كثير من الناس اليوم إنما كان لأسباب سياسية واجتماعية مختلفة، ليس هذا مجال بيانها، ولا يجوز أبداً أن تكون مسوِّغاً للانحراف عن بهاء الدين وجماله، وإنما أنزله الله ليكون جميلاً، تتذوقه القلوب، وتتعلق به الأنفس؛ فلا تستطيع منه فكاكاً؛ فتُسْلِمُ ـ بجذبه الخفي وإغرائه البهي ـ لله رب العالمين.).

وهذه السلوكيات تؤدى إلى الطعن في المنهج لذا يقول د/ محمد السيد الجلنيد حفظه الله تعالى ( وهناك فريق ممن يدعى الانتماء للسلفية فيلوح في وجوه الناس بإحدى يديه بما يعرفه من بعض قضاياها ويضرب بيده الأخرى ما يجهله من بقية القضايا . فيهدم بإحدى يديه ما بنته اليد الأخرى . وكثيراً ما أصيب الموقف السلفي جراء هؤلاء بجهلهم تارة ، وبتعصبهم المذموم تارات .

ثم يجلى سبب ذلك الموقف بقوله ( فإن أتباعه وإن كانوا يدعون الولاء للسلف إلا أن مسلكهم في الدعوة يحمل معه عوامل التنفير والترهيب أكثر مما يحمل من عوامل الترغيب والتقريب.يضاف إلى ذلك أن القدر الذي معهم من المعرفة بموقف السلف ينم عن تعصبهم لجزئيات وفروع وتساهلهم في كليات وأصول وهذا مدعاة للطعن في الموقف بكامله([25]) )

هذا النماذج التي تصلح للنشر و إلا هناك نماذج أخرى استحي من الحديث فيها وهى كثيرة وإنا لله وإنا إليه راجعون([26]).




---------------------

([1]) ( الالتزام الأجوف (ص 15)

([2]) إن كان للشخص فهذا يكون عامل للمظهرية ، وإن كان توجيه للشباب فهو كسابقه.

([3]) (محاضرة الالتزام الأجوف (ص 8)

([4]) انظر دراسات تربوية - التعلق بالأشخاص لا بالمنهج !-سالم أحمد البطاطي -(( مجلة البيان ـ العدد [‌ 157 ] صــ ‌ 36 رمضان 1421 ـ ديسمبر 2000 )).

([5]) خواطر في الدعوة صـ47- ظاهرة التعلق بالأشخاص -(( مجلة البيان ـ العدد [‌ 18 ] صــ ‌ 22 شوال 1409 ـ مايو 1989 ))

([6]) أصول الوصول إلى الله تعالى صـ22،23.

([7])كلمة التربية كلمة حق ولكن بعض الأحيان يراد به باطل ، فإن هلامية مفهومها ، وسعة نواحيها ، وكثرة تداولها ، أدى إلى بُعد منالها ، واكتنفها كثير من الغموض ، مع شدة الحاجة إليها ، وصعوبة معرفة مداها فإلى الله وحده المشتكى.

([8]) خواطر في الدعوة- حديث في البناء- محمد العبدة -(( مجلة البيان ـ العدد [‌ 20 ] صــ ‌ 16 المحرم 1410 ـ أغسطس 1989 ))

([9]) لإشغالهم فحسب وضمان انتمائهم دون مراعاة العامل التربوي.

([10]) [ويُسئل الدكتور / إبراهيم الزعفراني هذا السؤال س/هل اشتركت في أي جماعة أخرى قبل التحاقك بالإخوان؟ فأجاب قائلاً:فلقد اشتركت مع جماعة الدعوة والتبليغ وأنا لا أزل طالبا بالثانوية وكان شيخنا في الإسكندرية هو الأستاذ / إبراهيم حسين وكان مديرا بمديرية الشئون الاجتماعية وكان رجلا متعبدا خلقا هادئ ودودا وكنت من ابرز تلاميذه وحفظت من كلماته التي قالها لي في إحدى الليالي التي كنا نقيم ليلها بمسجد عمر بن الخطاب وأنا اسأله عن مكانة جماعة الدعوة والتبليغ وسط باقي الجماعات فرد قائلا : " يا إبراهيم يا ابني جماعة الدعوة والتبليغ تمثل مدرسة المرحلة الابتدائية – والجمعية الشرعية يمثلون المرحلة الإعدادية – وأنصار السنة يمثلون مدرسة المرحلة الثانوية أما الإخوان المسلمون فيمثلون مدرسة المرحلة الجامعية للطلاب " فالدعوة والتبليغ يدعون الناس لدخول المسجد والجمعية الشرعية يعلمونهم سنن ومظاهر الإسلام وأنصار السنة يعلمون المسلمين مسائل العقيدة والإخوان المسلمون يعلمونهم الحركة والعمل الجماعي في ميادين متعددة ومتنوعة ثم تفاعلت مع الجمعية الشرعية في مظهرهم والتمسك بالسنة خاصة الظاهرة منها ولكنى لم أكن أميل إلى أنصار السنة لإحساسي بجفافهم العاطفي وجراءتهم على الفتوى وتكفير بعض المسلمين بسبب أخطاء بعض الدعاة أو لعلاقتهم بالأضرحة أو الأولياء وكلا من الجماعتين الجمعية الشرعية وأنصار السنة جمعيات رسمية مسجلة في وزارة الشئون الاجتماعية.أما جماعة الدعوة والتبليغ فهي جماعه نشأت في باكستان ثم انتقلت إلى الدول العربية– ومثلت هذه الجماعات الثلاث العمل الدعوى المحدود في نطاقه الديني والبعيد كل البعد عن الجانب السياسي .) (مسيرة الدكتور / إبراهيم الزعفراني)].

([11]) مصدر سابق

([12]) الشيخ/ياسر برهامى حفظه الله منة الرحمن في نصيحة الإخوان ص 23:20.

([13]) د. فريد الأنصاري - رئيس قسم الدراسات الإسلامية، بجامعة السلطان المولى إسماعيل، المغرب. في مقاله -جمالية الدين في جمالية التوحيد

([14]) تفسير ابن كثير

([15]) وظهر في هؤلاء طائفة أخذت بظاهر القول والحديث السائر ومسائل الخلاف المشهور وضيعوا أعمارهم فيها ،بل الواحد فيهم يبحث عن كتاب ليس لمدارسته وإنما لما فيه أو عليه من تعقيبات وأخذ ورد وهو حتى لم يتم ختم كتب المنهج قراءة ودراسة الذي يدافع عنه ويناظر عليه ، وأرفف الكتب قد علاها التراب ، ولا يعرف منها سوى اسمائها إن أحسن .

([16]) الشيخ ياسر برهامي حفظه الله محاضرة الالتزام الأجوف(صـ6،7)

([17]) تذكرة المؤتسي شرح عقـيدة الحافـظ عبـد الغني المقـدسي تأليف: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

([18]) الفوائد ص 86

([19]) متفق عليه ، أخرجه البخاري رقم 554 ، ومسلم رقم 1432 قال الحافظ ابن حجر في الفتح 1/41 : " تضامون بضم أوله مخففاً أي لا يحصل لكم ضيم حينئذ ، وروي بفتح أوله والتشديد من الضم ، والمراد : نفي الازدحام " .

([20]) مفتاح دار السعادة ص90

([21]) هكذا باللغة العامية ، وما ورد تش أي لم ترد في الشرع.

([22]) يقول بلغة عامية :(بلاش إن شاء الله بتاعت المشايخ ، قول جي ولا مش جي).

([23]) مصدر سابق

([24]) الحَزن: الوعر الصعب.

([25]) د/ محمد السيد الجلنيد (تأملات حول منهج القرآن في تأسيس اليقين)(صـ66،67بتصريف)

([26]) انظر( الالتزام الأجوف - للشيخ ياسر برهامي حفظه الله) - و (قصة الالتزام ورواسب الجاهلية - للشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله).

ابوالمنذر
12-20-2007, 09:57 AM
4- التنطع في مسائل سكت عنها السلف:

ظهرت أسئلة ومحاورات وصلت الاختلاف في مسائل نهى الرسول r عن مثلها فمنها هذه الأسئلة:

السؤال

هل يصح إثبات صفة الشم لله تعالى؟ فقد قال عليه الصلاة والسلام(لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)

الجواب

أما عن إثبات صفة الشم لله تعالى فقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية([1])أن بعض الطوائف أثبتوها ومنهم من نفاه عن الله تعالى، ولم ينقل شيخ الإسلام عن جمهور السلف الصالح إثبات لذلك.

ونوصي السائل بالحرص على ما ينفع، وترك التكلف والبحث عما أمسك عن سلفنا الصالح، لاسيما وأن في التفقه والتعبد بأسماء الله تعالى وصفاته الثابتة في نصوص الوحيين ما يكفى ويشفي والله أعلم([2]).

السؤال

هل لله I أجنحة؟

هل من صفاته I الطيران والإنشاد؟ أم أنها صفات نقص تنزه الله جل وعلا عنها.

وهل لله تعالى أصابع يدين وقدمين؟

وما توجيهكم لمن يسأل هذه الأسئلة؟


الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لا طريق لعلمنا بصفات الله إلا الخبر الصحيح الصادق الوارد عن الله عز وجل، الذي بلغنا إياه رسول الله r، وثبت النقل فيه عنه r. لأننا لم نره –I- فنستطيع وصفه كمن رأى. ولا نظير له –تعالى- فنقيسه على نظيره كمن رأى النظير.

فلم يبق إلا الوقوف عند الخبر والسمع لما ورد فيه.

وليس في الخبر (كتاباً ولا سنة) أن لله تعالى أجنحة، ولا أنه سبحانه يطير. بل الوارد في الخبر كتاباً وسنة أنه سبحانه استوى على عرشه، وينزل إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الأخير وذلك كل ليلة. وأنه يأتي لخلقه يوم القيامة سبحانه.

وليس في الخبر كتاباً ولا سنة أن الله من صفاته الإنشاد، بل الوارد في الخبر كتاباً وسنة أنه سبحانه يكلم وينادى ويناجى جل وعلا.

وليس في الخبر كتاباً ولا سنة أن ليدي الله وقدمه أصابع، بل الوارد في الخبر في صحيح السنة أن لله أصابع لم تضف في الخبر ليدي الله ولا لقدمه.

هذا ما ورد في الخبر وهو معلوم لفظه ومعناه، ولكن لا نعلم كيفيته وحقيقته؛ لأننا لم نر الله فنرى حقائق صفاته و كيفياتها، ولا نظير له سبحانه فنقيس عليه حقائق صفاته. ولم يذكر لنا الخبر الحقائق، بل قال فيها قولاً مجملاً: "ليس كمثله شيء" [الشورى:11]. و "لا يحيطون به علماً" [طه:110]. و "له المثل الأعلى" [النحل:60].

وعلى المؤمن أن يقف في صفات الله عند الخبر. ولا يكون من المؤمن أن يتتبع تصوراته ومظنوناته فيسلطها على الرب ويحتملها في صفاته، ويسأل عنها هل هي من صفاته أم لا. ليس هذا من منهج المسلم. ولم يعرف عن الصحابة والتابعين وصالحي الأمة، وإنما عرف من منهج المبتدعة وأهل الضلال.

والمؤمن إذا عرف لله صفة في كتابه وعلى لسان رسول الله r عبده بها وسبحه جل وعلا. فالذي يكون من العبد من اجتهاده وفعله التعبد لله وتعظيمه، لا اقتراح الصفات له سبحانه، والتندر بالسؤال عن مقترحاته. هدى الله الجميع لما أوجبه عليهم([3]).



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ))وفي رواية (( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ))وفي رِّوَايَة : (( فَلْيَقُلْ : آمَنْت بِاَللَّهِ وَرُسُله )) عَنْه t قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r : (( لَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَنِي نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا اللَّهُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ قَالَ فَأَخَذَ حَصًى بِكَفِّهِ فَرَمَاهُمْ ثُمَّ قَالَ قُومُوا قُومُوا صَدَقَ خَلِيلِي )) وفي رواية ((لَا يَزَالُ النَّاسُ يَسْأَلُونَكُمْ عَنْ الْعِلْمِ حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ قَالَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَدْ سَأَلَنِي اثْنَانِ وَهَذَا الثَّالِثُ أَوْ قَالَ سَأَلَنِي وَاحِدٌ وَهَذَا الثَّانِي ))([4])

قال النووي ’ :

- َأَمَّا قَوْله r : ( فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ : آمَنْت بِاَللَّهِ )

وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) فَمَعْنَاهُ الْإِعْرَاض عَنْ هَذَا الْخَاطِر الْبَاطِل وَالِالْتِجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي إِذْهَابه . قَالَ الْإِمَام الْمَازِرِيُّ ’ : ظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الْخَوَاطِر بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا ، وَالرَّدّ لَهَا مِنْ غَيْر اِسْتِدْلَال وَلَا نَظَر فِي إِبْطَالهَا . قَالَ : وَاَلَّذِي يُقَال فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْخَوَاطِر عَلَى قِسْمَيْنِ : فَأَمَّا الَّتِي لَيْسَتْ بِمُسْتَقِرَّةٍ وَلَا اِجْتَلَبَتْهَا شُبْهَة طَرَأَتْ فَهِيَ الَّتِي تُدْفَع بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَل الْحَدِيث ، وَعَلَى مِثْلهَا يَنْطَلِق اِسْم الْوَسْوَسَة ؛ فَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرًا طَارِئًا بِغَيْرِ أَصْل دُفِعَ بِغَيْرِ نَظَر فِي دَلِيل إِذْ لَا أَصْل لَهُ يُنْظَر فِيهِ . وَأَمَّا الْخَوَاطِر الْمُسْتَقِرَّة الَّتِي أَوْجَبَتْهَا الشُّبْهَة فَإِنَّهَا لَا تُدْفَع إِلَّا بِالِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَر فِي إِبْطَالهَا . وَاَللَّه أَعْلَم .

-أَمَّا قَوْله r : ( فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ )

فَمَعْنَاهُ : إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ ، وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان ، وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَاَللَّه أَعْلَم([5]).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :(( تَفَكَّرُوا فِي آلاءِ اللَّهِ ، وَلا تَتَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ U.([6])))



5- البحث والتشقق في مسائل سابقة وترك البوائق الحالية:

تحت هذا عنوان ( إلى أقسام العقيدة ) يبث أحزانه فضيلة الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي حفظه الله U فيقول (هذا رأي موجه إلى زملائي وزميلاتي في أقسام العقيدة في الجامعات، شاكراً جهدهم المبارك فيما قدموه من أبحاث ودراسات، ومثمناً - في الوقت نفسه- ما بذلوه من جهود في تعلم العقيدة الإسلامية وتعليمها، وأود أن أضيف بان هذه الجهود يجب أن تصقل بجهود أخرى لها أهمية كبيرة في نظري واقترح ما يلي:

1- العناية بالانحرافات الاعتقادية والفكرية التي شاعت و طمت في هذا الزمان، واجتاحت بعض أبناء المسلمين بشبهات ليست من جنس كلام الجهمية ولا القدرية ولا غيرها من الفرق.

2- البقاء في الصراع العقدي التاريخي والانحصار فيه، دليل إفلاس وجمود، وبرهان قوي على ضعف التصور وانكماش الثقافة، على أنه يمكن الاستفادة من بعض آليات ذلك الصراع للدخول في غابات الأفكار والعقائد الجديدة التي بدأت تنتشر في الناس كالتلوث في الهواء.

3- تحقيق المخطوطات القديمة عمل جيد، وأجود منه تحقيق معاني الإيمان ومقتضياته وأسبابه وروافده ومحفزاته ومثبتاته في واقع تجرفه رياح المادية وتتلاعب بعقول الناس وقلوبهم.

4- استخراج عظام الفرق (المندثرة) وإقامتها على حلبة الصراع مؤشر عجز وجبن، وعوز ثقافي ومعرفي يؤذن بالانقراض السريع لأصحابه، ويجعل أهل الباطل والشر يستطيلون ويتمادون.

5- سيبقى في كل فئة وقسم وجامعة من يقاوم التطور ويحارب التجديد وهذا أمر طبيعي، ولكن غير الطبيعي أن يقبض هؤلاء على زمام التأثير والتحكم، ويقاومون الأبحاث الحديثة والمقترحات الجديدة التي تبقي هذه الأقسام بعيداً عن مدار الفاعلية والتأثير، ولو أن ابن تيمية رحمه الله انحصر في مشاكل عصر الإمام أحمد لما كان له شأن يذكر!!

6- هناك من لا يدرك التغيرات الاجتماعية والفكرية، وربما لا يعلم بوجودها، وهناك من يدري بها على وجه الإجمال، ولكنه يدعي أنها لا تؤثر وليس لها صفة التحرك والاستمرار،وهؤلاء يعيشون حالات جدب شديدة يحتاجون معه إلى غيث علمي يرفع عنهم الجفاف والتصحر، ولا يصح شرعاً ولا عقلاً أن يتسلم هؤلاء –مع فضلهم وصلاحهم- دفة قيادة هذه الأقسام لأنهم بتصوراتهم هذه يحولونها إلى متاحف مزينة بالغبار ومزدهرة بالتثاؤب، ومن براهين ذلك أن تجد بعضهم ينطلق حين الحديث عن السالمية والخطابية المنقرضة، ويصمت حين يسأل عن العصرانية والتنوير، أو البرجماتية أو الليبرالية وهي تدق أسوار جامعته وتسلب عقول أبناء بلده!!

7- يجب أن تحدد الأقسام أولوياتها في مجال التربية والبناء العقدي، وفي مجال الوقاية والحماية الاعتقادية.

فالتشكيك في الدين وفي الربوبية لا يكفي فيه مجرد النفي -الوارد في كتب الأوائل- بأنه لا يوجد أحد يجحد الربوبية، بل لا بد من تعزيز معاني الإيمان بالبرهان والأسلوب المناسب للعصر، ثم إن إقامة حرب مستمرة مع بعض الفرق الإسلامية الحية منها والمنقرضة ليس لازماً بالضرورة في هذا العصر الذي سادت فيه العقيدة العلمانية ودست أنفها في كل شيء، معتمدة على زعزعة المحكمات وتدنيس المقدس، والتشكيك في القضايا العقدية والشرعية.

استيقظي أيتها الأقسام الموقرة فالأمر أسرع وأشرس مما يتصوره بعض الأعضاء الفضلاء.).

هذا على الحديث وإن كان عن المؤسسات فهو يندرج تحته رجال الدعوة من الدارسين والدعاة ومن يقبل على دعوتهم من باب أولى.

وصدق الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الصويان حفظه الله في قوله : (ففي مجال الدراسات العقدية ، قلَ أن تجد دراسات متخصصة لمناقشة الفلسفات الغربية المعاصرة ، التي ملأت الساحة بضجيجها ، وقلَ أن تجد دراسات متخصصة للرد على دعاة التغريب والحداثة ، وما بعد الحداثة ، ونحوها .

ومما يلزم ذكره أنّ أئمتنا وأسلافنا رضي الله عنهم كانوا يعالجون القضايا التي احتاجت إليها عصورهم ، فقضية الإمام الشافعي ، تختلف عن قضية الإمام أحمد بن حنبل ، وتختلف عن قضية الإمام ابن تيمية ، وإن كانت كلها تجتمع في إطار واحد أما نحن فقد وقفنا عند قضايا المتقدمين ، ولم نهتم الاهتمام اللازم بقضايا عصرنا التي تحيط بنا من كل مكان ، فعصرنا الذي نعيش فيه وإن كانت قضاياه تشارك بعض قضايا هؤلاء الأئمة في بعض المسائل إلا أنّه قد استجدت فيه مسائل وأحوال كثيرة تحتاج إلى اجتهادات جديدة ومعالجات علمية مستفيضة ينهض بها علماء الأمة ومجتهدوها .([7])).



6- الاستغلال الوظيفي لبعض القضايا.

وهذه القضية ربما يستغرب البعض منها ولا داعي للغرابة سأذكر لك بعض الأمثلة منها :

- قضية (الحكم بغير ما أنزل الله U ).

تلكم القضية من المسائل الشائكة التي عمل على استغلالها بعض الجماعات وكذلك بعض المناهج المنتسبة للسلفية ، و الناس فيها على صنفين :

-متكلم. - مُحْجِم (ساكت).

- فالمتكلم ثلاثة:

- متكلم بعلم وحق: وهو الذي للدليل الشرعي متبع ، وبالحق صدح يعرف المصالح والمفاسد ويقدر لكل منها قدرها، و يعلم ما يحيط بالأمة من مصاعب ومؤامرات، فلا يتكلم إلا بعلم ويسكت إلا بعلم ، ولا ينفرد عن علماء الأمة الثقات الذين يريدون نصحها وخيرها.

- متكلم بحماسة وتهور : وهو الذي يتكلم من واقع ما علم من مصاعب ومؤامرات تحيط بالأمة ، في غمرة هذه المصاعب والنوازل التي تنزلت بالأمة ، غفل عن الدليل الشرعي ، ومعرفة مقاصد الشرع ، وأن الله يتعبد العباد في الضراء والبأساء بعبودية الصبر ، وفى وقت السراء عبودية الشكر والله يستخرج من الأمة ما يصلحها وينفعها ، ويدبر لها وهو وليها U.

- متكلم بكلفة وتكلف : وهو يتكلم بحق ولكنه يوهم فيه ، فيحمّل الأدلة ما لم تحتمل فيجادل عن من ينبغي أن يحجه ويخاصمه ، والعجيب أنه من شدة الخوف من المفسدة التي شوهدت من أهل الحماسة والتهور تسامح هؤلاء تسامحًا غير محمود العاقبة ، غير محمود النظر ، بل من الأعاجيب إنكارهم على من خالفهم في هذا وغيره ، وإنا لله وإنا إليه راجعون([8]).

- الساكت نسكتوا عنه فقد ترك القرآن بيان حال الساكتين في قوله U { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)} [الأعراف/164، 165].

والمقصود أن هناك قضايا يتم إبرازها على حساب قضايا أخرى ، فنُفْقِد عقيدة أهل السنة والجماعة شموليتها ووسطيتها، فالمطلوب ألا نرفع قضية على حساب قضايا أخرى ويكون عليها مفرق الولاء و البراء ، و إنما ينزل كل منزله في الشرع دون مغالاة أو مجافاة .




------------------

([1]) أنظر مجموع الفتاوى 6/135.

([2]) فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 2 / ص 142) - المجيب د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف -عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

([3]) فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - المجيب د. محمد بن عبد الرحمن الجهني - عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية.

([4]) الروايات كلها في مسلم

([5]) شرح النووي على مسلم - (جـ 1 / صـ 253،254).

([6]) رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب و اللالكائي في السنة وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1788.

([7]) في دائرة الضوء الكتاب الإسلامي : وقفات نقدية ودعوة للارتقاء نحو الأفضل(( مجلة البيان ـ العدد [‌ 80 ] صــ ‌ 96 ربيع الآخر 1415 ـ سبتمبر 1994 )).

([8]) فمن تكلم بعلم أحكام الحكام مستند إلى الدليل وبيان قول أهل العلم السلفيين قديماً وحديثاً صار خارجياً عندهم ، ومن عذر بالجهل أهل الجهل من عوام المسلمين في مسألة الأضراحة والمشاهد ، أو عدم تكفير تارك الصلاة تكاسلاً صار مرجئاً عندهم فإلى الله وحده المشتكى.

ابوالمنذر
12-20-2007, 09:58 AM
كيف أقرأ الكتب في باب العقيدة؟



يقول الشيخ عبد الرحمن المحمود([1])حفظه الله تعالى في محاضرته (طالب العلم والعقيدة ) :

((مسألة ثانية وهي مسألة قراءة الكتب في باب العقيدة وهذه المسألة بالنسبة لطالب العلم تُعتبر أساسية وخاصةً في الأزمنة المتأخرة لما كثرت الكتب قديماً كان الكتاب لا يَصل إليهم إلا مخطوطاً ولا ينتشر إلا قليلاً بمعنى أن القرية مثلاً يأتي لها الكتاب الواحد أو النسخة الواحدة من الكتاب فتجدها عند فلان من الناس ولا يكاد الآخرون يحصلون عليها إلا بشق الأنفس وأحياناً يصلون إليها عن طريق القراءة على الشيخ يعني بمعنى أن هذه النسخة من المخطوطة تجد الطلاب يأتون يقرأون يعني لا توجد نُسخ لا يوجد إلا ما يسمعونه من خلال هذا الدرس الآن تغيرت الصورة وتغيرت الأحوال وكثرت الكتب وتنوعت وصار الحصول عليها عند الكثيرين سهلاً ولو بنسبٍ متفاوتة فيأتي السؤال طالب العلم وكتب العقيدة كيف يتعامل معها ؟

هناك ملحوظتان مهمتان :
إحداهما : أن كثرت الكتب وخاصةً في الفن الواحد قد تُربك طالب العلم فتجعله يتنقل من كتاب إلى كتاب دُون انضباط وبلا تأصيل .

الملحوظة الثانية : هي أن هذه الكتب ينقل بعضها عن بعض وربما يُغني بعضها عن بعض فقد تُشغل وقت طالب العلم بمعنى أنه يُحب أن يقرأ فتجده يقرأ في هذا الكتاب ويُمضي فيه زمناً وينتقل إلى كتابٍ آخر ويُمضي فيه زمناً والكتاب الثاني هو الأول أو شبيه به أو الزيادات عليه إنما هي زيادات قليلة فربما مضى على الإنسان وقت وأوقات كثيرةٌ جداً وهو يُراوح مكانه في طلب العلم.

إذا انتبهنا إلى هاتين الملحوظتين نأتي إلى بعض القواعد المتعلقة بتعامل طالب مع الكتاب :

أول هذه القواعد : هي أن يختار الإنسان الكتب المؤصلة ويُحددها سواء كانت كتباً عامة أو في فنٍ من فنون العلم يعني مثلاً إذا هو يأخذ كتاب في العقيدة فيأخذ كتاباً كافياً يختار وإذا كان سيأخذ في فن من فنون العقيدة سواء هذا الفن يتعلق بركن من أركان الإيمان أو قضية من قضايا العقيدة أو فرقة من الفرق فأيضاً لابد أن يختار كتاباً مُحدداً ويكون اختياره عن طريق الاستشارة أو عن طريق انتشار الأمر بين أهل العلم وهذا والحمد لله جيد ونافع لطلاب العلم يعني مثلاً حينما يشتهر عند طلاب العلم مثلاً أنه والله الواسطية وشروحها أصل هذا أنا أعتبره من الأمور النافعة جداً بدل أن طالب العلم يتردد هنا وهناك تجده يختار مثل هذا الكتاب ويؤصل فيه تعلمه وقراءته ودراسته مثلاً لما نقول شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي هذا الشرح أطبق عليه طلاب العلم ونفع الله به الأمة فصار مرجعاً يعني مرجعاً مُتفقاً عليه وهذا نافع بالنسبة لاختيار طالب العلم حين يختار بالنسبة للكتب التي يحتاج فيها إلى أن يختار منها ما يكون أصلاً في بابه.

الأمر الثاني : فيما يتعلق بتعامل طالب العلم مع الكتاب وهو أمرٌ مهم جداً أن يتعامل مع الكتاب بكليته أي ليحذر من الانقطاع ليحذر من السأم ينبغي للإنسان أن يحذر من هذه الأشياء وأنا أقول أن هذه من العيوب الكبرى التي وللأسف الشديد قد خيمت على كثير من طلاب العلم وهو الانقطاع يعني الإنسان إذا اختار كتاباً فعليه أن يتعامل معه بكليته فيقرأ الكتاب أو يدرس الكتاب أو المتن أو غيره من أوله إلى آخره وليحذر من الانقطاع هذا الانقطاع يُولد عند الإنسان تشويشاً وعدم ثبات ومما يُؤسف له أن يتنقل الإنسان من كتاب على كتاب إلى كتاب وتكون في النهاية النتيجة فاشلة يا أيها الإخوة تأصيل طلب العلم يحتاج منك إلى إرادة عازمة قوية بدون هذه الإرادة التي تتغذى بغذاء الهمة والصبر والنظر إلى لذة الوصول ما لم تكن كذلك و إلا سيتنقل الإنسان بدون أن يؤصل نفسه التأصيل الصحيح في العلوم عموماً وفي قضية التأصيل خصوصاً.

الأمر الثالث : المتعلق بقواعد التعامل مع كتب العقيدة وهو أيضاً أمر يعني ربما يقع فيه الخلط أحياناً هو أن كتب العقيدة التي كثرت في هذه الفترة الأخيرة وانتشرت وصارت يعني تُعد بالعشرات والمئات ونحو ذلك يستطيع فيها الإنسان أن يأخذ فيها مساراً منضبطاً يصل فيه إلى العلم على وجهٍ صحيح .

ما هي المشكلة أيها الإخوة بالنسب لي القراءة المتعلقة بهذه النقطة بالذات ؟

المشكلة هي القفز في مسائل العلم بمعنى أن الإنسان يقفز إلى مسائل أُخرى دون أن يؤصل ما دونها فإذا جاءت القضية ليقرأ فيها تجده مرتبكاً فيها إذا أراد أن ينتهي فيها إلى نهايات تطمئن إليها نفسه تجده لا يصل إلى هذه النهايات السبب ما هو ؟

السبب هو أنه يقفز على مسائل العلم وهذه لا تختص بقضية كتب العقيدة وإنما حتى في العلوم الأخرى كما قد سبقت الإشارة إلى ذلك ، أنا أقول لكم بعض الطلاب أحياناً يسألني سؤال في قضية أنا متأكد أنه لم يفهمها لكن هو سمع بها في مجلس سمع في حديث معين فعلقت في ذهنه فيريد الجواب لكن لم يفهم الجواب حولها مهما أديت له الجواب فلن يستطيع استيعاب الجواب السبب ما هو ؟

السبب هو القفز يعني هو دخل في قضية من هذه القضايا دون أن يعرف أُصولها ومداخلها وكثير من الخلط في فهم المسائل والانتهاء فيها أحياناً إلى آراء وإلى أحكام ونحو ذلك هي ناتجة من هذا الخلط ، الشيء المتفق عليه أن العلم الصحيح والاستدلال الصحيح يؤدي إلى فهم صحيح وإلى علم صحيح ، انتبهوا معي السبيل الصحيح الطريق الصحيح المستقيم لابد يوصل صاحبه إلى الحق لكن المشكلة إذا كانت البداية غير صحيحة أو إذا جاءت البدايات عرضاً ولم تأتي بطريقة مؤصلة وصحيحة ، مسائل العلم يا أيها الإخوة في القراءة ينبغي أن يرتقي فيها الإنسان ولا يقفز على بعض المسائل دون أن يستوعبها يعني أعطيكم مثال على ذلك قبل الإنسان مثلاً يُناقش في مسألةٍ ما من مسائل العقيدة لكن لها علاقة بأقوال فرقة من الفرق كالصوفية مثلاً أو النصرانية تجد هذه المسألة عنده لم يبنها على تأصيل صحيح في فهمه لمنهج أهل السنة والجماعة فيُناقش أحياناً في هذه القضية وربما ناقش هذه الفرقة لكن دُون تأصيلٍ صحيح والسبب هو أنه أتى إليها لوحدها دُون أن يبنيها على أُصولٍ صحيحة، ولهذا لما نُركز في قضايا طلب العلم وخاصة في جانب العقيدة على التدرج لأجل هذا الغرض ـ جزء من الشريط مقطوع عند الدقيقة 22 ـ ، فمسائل العلم مُرتبط بعضها ببعض ومن ثَمَّ فليحذر كل الحذر من أن يأتي إلى مسائل كُبرى دُون أن يُتقن أُصولها ومداخلها .
قضية أيضاً رابعة تتعلق بتعامل طالب العلم مع كتب العقيدة وهي قضية كتب الأصول في العقيدة وكتب التحقيق هذه أيضاً يكثر الخلط فيها، ماذا نعني بكتب الأصول وكتب التحقيق ؟
نعني بكتب الأصول مصادر أهل السنة سواء كانت في كتب السنة كبعض أبواب البخاري أو مسلم أو حتى أبو داود أو غيرهم وكذلك أيضاً كتب السنة المُسندة كالسنة لابن أبي عاصم، اللالكائي، الإبانة لابن بطة، الشريعة للآجري، وغيرهم .
ونعني بكتب التحقيق كتب الأئمة الذين حققوا المسائل ونظروا في كتب السلف ونظروا في الأدلة وعالجوا بعض هذه المسائل فحققوها .

الواقع أيها الإخوة أن هاتين القضيتين المتعلقتين بمصدرية طالب العلم بالنسبة لكتب العقيدة ليس هناك انضباط بالنسبة لطالب العلم أو لطلاب العلم معها، كيف يا أيها الشباب يعني الإشكال هنا هو أن بعض طلاب العلم يريد أن يقرأ الكتب القديمة يقول يا أخي أنا أُريد أن أُؤصل نفسي لأقرأ هذه الكتب، يقرأ فيها لكن المشكلة هو يقرأ فيها على خلفية يحتاج فيها ومعها إلى التحقيق ونعني بالتحقيق تحقيق هذه المسائل، يعني ورد عن السلف رحمهم الله تعالى آثار في كذا وكذا وكذا لكن ثم ماذا ؟
كيف تجمع بينها ؟ كيف نصل إلى هذه النتيجة في هذه القضية العقدية ؟

إن أخذها من مصادرها ولم يكن مُتمكناً في طلب العلم ستصبح عنده ربكة لا يستطيع التعامل معها، هذا القول لهذا الإمام هل هو موافق لما يقوله المحققون أو غير موافق، ما جواب الإشكال المتعلق به الخ، وهذه هي الإشكالية التي نراها في ظاهرة عدم الاستفادة من كتب السلف القديمة إلا كمصادر، السبب هو هذا، هو أنه يريد أن يأخذ هذه الكتب مع أنه بحاجة ماسة إلى كتب التحقيق يعني نعني بها كتب التحقيق الكتب التي رجعت إلى تلك الكتب وحققت في المسائل التي وقع فيها الخلاف وقع فيها الإشكال تنازع فيها الناس صار فيها نقاش طويل عريض تحتاج المسألة فيها إلى تحقيق دقيق، فالواجب بالنسبة لطالب العلم هو ما يلي بالنسبة لهذه القضية سأذكر فيها نقطتين مهمتين :
أما النقطة الأولى : فهي أنا أُرجح أن يبتدأ طالب العلم بتحقيق المسائل يعني الكتب العقدية التي حققت المسائل مثل ما كتبه الأئمة رحمهم الله تعالى كابن قدامة أو شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض رسائله ونحو ذلك، فنقول إن كتب هؤلاء تُعتبر كتب تحقيق يعني أنها جاءت بعد استقراء للأدلة والأقوال وأقوال الأئمة ونحو ذلك فينطلق منها ثم بعد التحقيق لا بأس أن يقرأ في كتب السلف رحمهم الله تعالى، فيبتدأ بالكتب التي حققت حتى يُصبح لديه شيء من الفهم الصحيح للمسائل، وتُشبه هذه القضية تماماً قضية أخذ الأحكام الشرعية لو أراد إنسان أن يأخذ الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة بدون قواعد في أُصول الفقه وبدون قواعد الفقهاء ونحو ذلك فممكن يستفيد لكن سيجد إشكالات سيجد أن هناك قضايا ربما تتعارض عنده من ناحية الدلالة لا يستطيع لوحده أن يجد لها جواباً، لكن كون طالب العلم يعتمد الكتاب والسنة أصلاً ولكن يستفيد من كتب المحققين في هذه المسائل فتكون عنده خلفية أصولية يعرف فيها مراتب الأدلة ونحو ذلك، تكون عنده خلفية أيضاً فقهية يعرف فيها منطلقات الفقهاء رحمهم الله تعالى، هنا ستكون استفادته من كتب السنة استفادة يعتمد فيها على الدليل يُرجح فيها دون أن يقع في خلل في أصل عظيم، كذلك أيضاً فيما يتعلق بمسائل العقيدة كما ذكرت لكم قبل قليل.

ننتقل بعد هذا إلى فقرة أُخرى وهي قراءة الكتب المخالفة للعقيدة، هل يقرأ طالب العلم كتب المخالفين أو لا يقرأها ؟
مسألة يعني ما بين من يقول لا ينبغي للإنسان أن يقرأ كتب المخالفين لأنها تُثير الشُبه الخ، وبين من يقول لا، يجب أن يكون الإنسان حرٌ في طريقة أن يقرأ لأنه متمكن من عقيدته ودينه ونحو ذلك، وفي الفترة الأخيرة للأسف الشديد يعني كثر تداول أن طالب العلم ينبغي أن يفتح نفسه على المذاهب الأخرى وكتب الآخرين ويكون مُنفتحاً عليها تمام الانفتاح الخ وهي مبنية على مسألة سبقت قد أشرنا إليها قبل قليل تتعلق بالحريات وسماع الرأي الآخر.

حقيقة انتبهوا معي إلى هذه المسألة القراءة في كتب المذاهب الأخرى طبعاً لها أحوال ويختلف أمامها طلاب العلم أحياناً تكون قراءة واجبة ليجد الرد على هذه الفتنة أو هذه المقالة التي هجمت على المسلمين وتؤثر على دينهم وعقيدتهم فتحتاج الأمة إلى من يُدافع ومن يصدها ومن يردها وهذه لا تتم إلا بالقراءة والمناقشة، وأحياناً تكون هذه الديانة بعيدة جداً عن المسلمين لا أثر لها عليهم فلا حاجة إلى إقحام المسلمين بها ولا حاجة إلى القراءة، وكم من ديانات تُعد بالمئات موجودة اليوم والله لا حاجة للمسلم في أن يقرأ عنها شيئاً إلا من باب الثقافة أن الديانة الفلانية فيها كذا وكذا لكن أن يقرأ في كتبها أو أن يقرأ في عقائدها ونحو ذلك لا حاجة إلى ذلك، وهناك أشياء بين بين، وخاصةً مع العولمة والإنترنت والمحطات الفضائية وغيرها فإنه كثر وللأسف الشديد تداخل الأفكار والمقالات والمذاهب ونحو ذلك وهنا يأتي القضية التي أُريد أن أتحدث عنها وهي:
هل يقرأ الإنسان في كتب المخالفين أو لا يقرأ ؟
هذه سأبنيها على قاعدتين :
القاعدة الأولى : هي أن الإنسان لا يقرأ في كتب المخالفين إلا إذا كان مؤصلاً وعند الحاجة إلى ذلك، شرطان :
الشرط الأول : أن يكون مؤصلاً .
الشرط الثاني : أن تكون هناك حاجة ماسة إلى ذلك .
إذا لم يكن مؤصلاً فمن سلامته وهو واجب عليه أن يحمي نفسه أن يبتعد عن هذه الكتب وهذا معنى كون السلف الصالح رحمهم الله تعالى حذروا من قراءة هذه الكتب وحذروا من نشرها بين العامة الخ ما ثبت عنهم وتواتر وكثر .
الأمر الثاني أن تكون هناك حاجة إلى ذلك، يعني أن يكون مؤصلاً هو نفسه في العقيدة وأن تكون هناك حاجة إلى القراءة في هذه الكتب، هذه هي القاعدة الأولى .
القاعدة الثانية : هي أن يقرأ الإنسان هذه الكتب قراءة الواثق مما عنده بحيث يجعل بينه وبينها مسافة، انتبهوا لهذه المسألة لأني أعتبرها زُبدة هذا الدرس إذا خرجتم من هذا الدرس بهذه الفائدة أنا أعتبرها فائدة كبيرة جداً، كيف ؟
ينبغي إذا قرأت للمخالف وأنت واثق مما عندك أن تجعل بينك وبين المخالف مسافة هذه المسافة هي الروح النقدية التي تجعلك تُقوم ما تقرأ وتنقد ما تقرأ ولا تتأثر بما تقرأ، يؤسفنا أن هناك أُناس يقرأون للمخالفين لكن بلا انضباط والذي يحدث وللأسف الشديد لاحظ معي أن الخصم أو صاحب الرأي الآخر أحياناً يجذب القارئ وربما بلعه وأدخله في جواره، كيف ذلك ؟
أحياناً الإنسان يقرأ لكن يقرأ بتبسط وبدون فهم فيما عنده وقناعة وبدون قراءة ناقدة فكما يُقال يفترسه الخصم، الخصم قد يكون صاحب لغة جيدة قد يكون صاحب حِجَاج ونحن نعلم أن الخصوم لهم حِجَاج، صاحب حِجَاج وصاحب أدلة قد يكون صاحب فلسفة مُعينة يلف ويدور فالقارئ البسيط الذي لا يفهم أو لا يدرك أبعاد ما يقرأ أحياناً يُصبح أمام ما يقرأه ضعيفاً والنتيجة هي أحياناً أنه قد يجذبه إليه وربما بلعه ـ ومعنى بلعه يا أيها الإخوة هو أنه صار الإنسان كما يُقال صار عبداً ذليلاً لهذا الكاتب يُفكر كما يفكر ويسير معه حيث سار ويؤيده في نظرياته وهذا هو السقوط في الفخ الذي يُريده كل إنسان يعني حقيقة وهو يُجادل خصومه، هو يسعى للغاية الانتصار كما تعلمون أن تُقيم الحجة على الخصم هذه ثمرة وغاية، كونه فيه خلاف بين شخصين ثم أحدهما يرد على الآخر ويفلجه في الخصومة ويُسكته هذه غاية فما بالك فيما إذا تجاوز هذه الغاية وبلع الخصم خلاه مُتذبذباً و أيش تصير النتيجة ؟
النتيجة معناها أنه انتصار ليس بعده انتصار .
بعض القراء في الفترة الأخيرة صاروا يقرأون لبعض أرباب الفكر الغربي أو الفكر المستغرب أو لبعض كتابات الحداثيين أو العلمانيين أو غيرهم فصار يقرأ بدون ثقة مما عنده من منهج أهل السنة والجماعة، صار يقرأ بإعجاب في هذا الكاتب هذه القراءة في هذه اللحظات التي يَنِدْ فيها الذهن عن موطن المعركة وحقيقة المعركة يجد نفسه وقد حشر نفسه في زمرة هذا الخصم وربما انتقل بعد ذلك إلى أن يكون أحد تلاميذه ومُريديه هذه من أخطر الأشياء و يؤسفنا أنه وقع فيها البعض وقد يقع فيها البعض وقديماً قال أبو بكر ابن العربي صاحب أحكام القرآن وصاحب عارضة الأحوذي شرح الترمذي أبو بكر ابن العربي المالكي صاحب العواصم من القواصم أيش قال عن شيخه أبي حامد لأنه هو من بلاد المغرب وزار بلاد المشرق ويُقال أنه قابل أبا حامد الغزالي وأبو حامد الغزالي معروف في تنقله له إمامه مهمة جداً أن يُنتبه لها يقول فيها (شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة وأراد أن يخرج فلم يستطع ) أيش معناه بلعوه يعني الفلاسفة بلعوه ومعنى هذا أن الإنسان في هذه الحالة حينما يبلعه الكاتب أو المفكر يتحول إلى تلميذ له غايته أن يفهم ما يقول هذا المفكر غايته أن يقرأ كتبه غايته أن يفكر كما يُفكر وهذا من أخطر ما يمر به القارئ على مدار الأزمان لكن في هذه الفترة الأخيرة أن أعتبرها من أخطر الأشياء التي تمر بطلاب العلم وبالشباب، إعجاب بكاتب معين صاحب فكر صاحب اجتهادات صاحب رأي صاحب الخ وإذا بهذا الإنسان يقرأ له هذه القراءة له خطيرة جداً لأنه قد يبلعه الكتاب لأنه أكبر منك وكما قلنا عنده حجج عنده أسلوب عنده طريقة عنده وعنده وعنده فإذا كنت أنت تنطلق من منطلق غير واثق فلربما لحقت به وتبعته بل وربما صرت أحد تلاميذه الصغار وأنت تظن أنك تُعرج بنفسك إلى ميادين الفكر الحر والنظر المفتوح والرأي الخ وتأتي إلى زملائك القدامى وتُناقشهم وتُغفلهم وأحياناً تسخر منهم وتظن أنك أنت العملاق وما دريت أنك قد وضعت في القيد أو أدخلك الكاتب في بطنه فصرت كالحمل في بطن أُمه لا يستطيع أن يتغذى ولا أن يتنفس إلا عن طريق أُمه، طيب ما هو العلاج لهذه القضية ؟
العلاج لها هو أن لا نقرأ أن نُغلق أنفسنا!
نحن بينا قبل قليل أن هذه القراءة يجب أن تكون من مؤصل وعند الحاجة لكن هل يكفي هذا ؟
نقول لا، لا يكفي، الإنسان قد يحتاج إلى القراءة قد يضطر إلى السماع سماع الحوارات والمناظرات وغيرها قد ..الخ، نحن لا نستطيع في ظل العولمة والإنترنت وغيرها أن نقفل الباب، إذا كان كذلك فعند القراءة لمثل هؤلاء أو ما نُسميها نحن في هذه الفقرة القراءة في كتب المخالفين أو نحو ذلك ما هو المنهج الصحيح ؟
أقول أيها الإخوة المنهج الصحيح يقوم على أساسين أحدهما ذكرته قبل قليل وهو أن تنطلق من مُنطلق الواثق من ما عندك أي ريب وأي شك مما عندك تراه مشكلة، انتبهوا يا شباب إذا نحن في شك من مصادر أهل السنة ومن عقيدة أهل السنة فهذه مشكلة فينا قبل أن ننتقد للآخرين، يجب أن يكون لدينا الثقة التامة بأن هذه العقيدة على منهاج السلف الصالح هي الحق وكلمة هي الحق ليست دعوى وإنما هي الحق لأنها هي القائمة على الدليل الصحيح إن كان عندك هذه الثقة التامة بأن منهاج السلف الصالح هو المنهاج الوسط هو المدلل كل ما خالفه من إفراط أو تفريط أو نحو ذلك فهو على بدعة وضلالة، مُدلل بالأدلة الصحيحة هذا هو الشرط الأول الأساس، ولهذا لا أرى للإنسان أن يقرأ في كتب المخالفين دون أن يكون مؤصلا وواثقاً من تأصيله لأنه في هذه الحالة سيرى نفسه في موطن الخصم .
الأمر الثاني في القراءة : وهو مهم جداً أن تقرأ قراءة الناقد وأُسميها بمسمىً آخر أقول أن تجعل بينك وبين القول الآخر مسافة تماماً مثل أي إنسان يتعامل مع وباء صح ولا لا ؟
يعني كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يحذرون من كتب البدع يحذرون من نشرها يأمرون بإحراقها الكتب البدعية الخالصة، ليه، لأنها كلها يعني ضلالة وغواية يعني فعلاً يجب أن تبتعد عنها فكذلك أيضاً بالنسبة للقراءة أو نحو ذلك يجب أن تجعل بينك وبينها مسافة لأنه هذا الذي أمامك يعني ليس هو حق بحيث إنك تقول والله لا أنا أُريد هذا الحق نقول لو كان حقاً لما قلنا إنه قول مخالف لكن هذا الذي أمامك فيه خطر فيه إشكال، كيف تعرف أنه فيه إشكال ؟

لما تكون مؤصلاً تُصبح لديك حاسة دقيقة جداً تعرف بها الأقوال والمقالات والانحرافات تقومها بسهولة فإذا ما قرأت فاجعل بينك وبين ما تقرأه مسافة هذه المسافة للتفكير للنقد للتأمل لعدم الاستجابة لفكرة صاحب هذا الرأي الآخر بعدم التأثر بحججه ومقالاته ونحو ذلك بحيث أنك تستطيع أن تُحافظ على نفسك وعلى روحك النقدية لما تقرأ وهذا الذي كان عليه السلف الصالح رحمهم الله تعالى، كانوا يقرأون لكن قراءة الناقد وهذه القراءة يا أيها الإخوة يعني إذا احتاج الإنسان إليها أو مرت عليه وهي قراءة الناقد لا تضر بل أحياناً تنفعه وتزيده رسوخاً فيما عنده، أرجو أن تكون القضية فهمت وأرجو من الجميع أن يستوعبها جيداً لأن الإشكال الواقع في الخلل في هذه المسالة أوقع كثيرين نسأل الله لنا ولهم الهداية والثبات على الدين أوقعهم في ورطات ابتلعهم الفكر المخالف الرأي الآخر القول الآخر وصاروا يخوضون ويموجون ولن يصلوا إلى الحق لأنه إذا لم يكن أخذ الحق من دليله فلا .

طيب فإن قال قائل وكيف أدري مع كثرة الكتب أنه هذا من الرأي الحق أو من الرأي المخالف ؟
فنقول إن الوصول إليها عن طريق الفهم الصحيح والسؤال وأيضاً الروح الناقدة إن صح التعبير، نحن انتبهوا معي جيداً أمام هذه القضية التي نتحدث عنها نحن أمامنا تتفاوت المراجع والكتب وكلما كان المرجع أصلاً أو قريباً من الأصل فأنت لا نقول فقط اقرأه وإنما أدخله في قلبك وروحك أعطيكم مثال :
الكتاب والسنة لا نقول تعامل وإنما نقول تعامل معها أدخلها يعني إذا كان الآخرون قد يجدون الحق في قول فلان أو فلسفة فلان أو غير ذلك فنحن كأمة عندنا الكتاب والسنة مصدران عظيمان صحيحان والحمد لله هذان المصدران بالنسبة لنا نتعامل معهما مهما تعاملنا معهما واختلطت أرواحنا وقلوبنا ودمائنا بهما فلن يكون في ذلك إلا خير ولهذا مهما ازددت من إدخال كتاب الله U وسنة النبي r في جوفك وعقلك فأنت تكون أقوى ما تكون فهماً وعلماً وعبادةً وصفاءً إذا ما أخلصت الأمر لله U ثم كل ما كان الكتاب إلى السنة أقرب فأنت تقبله أكثر وكل ما كان العالم مؤصلاً كلما كنت تتقبله كذا .

وهذا معنى أن الإنسان يقرأ لكتب أئمة السنة وهو مرتاح النفس قال لك ليش ؟ قال لأني عرفت أنه أيش منبعهم صافي ففي هذه الحالة والحمد لله أنا أقرأ لشيخ الإسلام ابن تيمية أو لابن القيم أو لبعض أئمة الإسلام أقرأ وأنا مرتاح قد تقول لي ليش تقرأ لهذا الرجل ألا يمكن أن يكون مُعرضاً للخطأ ؟

نقول نعم ما عندنا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن من خلال الاستقراء تبين لي أن هذا العالم يأخذ منهجه في الاستدلال من خلال الأدلة الصحيحة ولذلك لا عيب إذا أنا قرأت له وقرأت له وقرأت له وهذا هو الأساس الذي انطلقوا منه في منهج الإسلام ومنهج أيضاً في أهل السنة والجماعة في قضية التتلمذ، أنت لا تتلمذ على إمام لأنه معصوم لأنه لا معصوم إلا الرسول r لكن تتلمذ على إمام ترى أن أُصوله ومنهجه قائمة على منهج صحيح وهذا أصل يُحدد لنا طريقتنا في القراءة يعني إذا قال لي المكتبة واسعة كيف أقرأ ؟

نقول أمامك هذا الأصل، أمامك كتب أهل السنة سواء كانت أُصولاً أو تحقيق، طيب وما خالفها ما عارضها نقول هذه هي الفئة الثانية التي يجب أن تتعامل معها بحذر، ولهذا نحن في كل يوم نتعرض لهذه الطريقة في كل يوم ندخل المكتبة ونجد عشرة عشرين كتاب مؤلفة من جديد ماذا نصنع بها ؟ أمامي كتاب جديد لا أعرفه لا أعرف المؤلف لا أعرف طريقته ؟
هذا الكتاب الذي مثلاً طُبع ودخلت في المكتبة ورأيته لأول مرة خلاص خلنا نشوف والله الكتاب للإمام فلان ـ كلمة لم أفهمها عند الدقيقة 51 و15 ثانية ـ إذاً هو لإمام من أئمة أهل السنة انتهى عندي خلاص أدخلته ضمن قائمة الكتب، هل يعني أن هذا الكتاب معصوم مئة بالمائة، لا ، لكن تحدد لدي أن هذا الكتاب له منهج معين أن أرتاح له، بالعكس أحياناً هذا الكتاب لإمام من أئمة البدع رأساً أقف منه موقف حتى لو أني اشتريته أو أبقيته عندي لكن عندي فيه نظرة أميز أنه والله هذا الكتاب عليه ملحوظات قائم على مذهب معتزلي على مذهب رافضي على مذهب أشعري الخ فأنا أعرف هذا الكتاب .
أحياناً لا الكتاب لا أدري هل هو هنا أو هناك ؟ ما أدري مؤلف معاصر جمع فيه معلومات وضع عنوان الخ ؟
هنا أدخل في تقويم الكتاب، والدخول في تقويم الكتاب أيها الإخوة يتحدد لدى طالب العلم المتمكن من خلال نظرات معينة يعني أحياناً الإنسان يستطيع أن يحكم على الكتاب تقريباً ما هو مئة بالمائة لكن يحكم على الكتاب خلال عشر دقائق ينظر في فهرس الكتاب ينظر في مقدمة الكتاب ينظر في بعض المسائل، بعض المسائل تعرض لها المؤلف انظر فيها، تنظر فيها تجده أبداً أحياناً تقرأ نصف صفحة في الكتاب يتبين لك أن هذا الكاتب منهجه يوافق أهل السنة والجماعة أو منهجه يُخالف منهج أهل السنة والجماعة، فكيف الإنسان إذا كان لا والله يريد يَطلع على الكتاب نصف ساعة أو ساعة، هذا أنا أقول إذا كان لديه منهج مؤصل في معرفة هذه الأشياء فإنه ينتهي به إلى معرفة يعني قيمة الكتاب وأثر الكتاب ويقومه ويتعامل معه بعد ذلك، ومن الخطأ أن يقرأ الإنسان الكتاب دون أن يدري ما منهج الكاتب، من الخطأ، تقرأ الكتاب لا تدري هل هو على منهج أهل السنة هل هو مخالف أهل السنة هل هو متذبذب في المنهج هل هو لا تدري عن ذلك كله هذا غلط، بل يجب أن تقرأ كما قلنا قراءة الناقد ويجب قبل ذلك أيضاً أن تعرف منهج المؤلف ومن ثَمَّ فأنت تقرأ من خلال إدراك هذه الأشياء.))




----------------------------

([1])الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

ابوالمنذر
12-20-2007, 10:04 AM
حمل على ملف ورد ( نحو دراسة مؤثرة التوحيد والعقيدة نموذجا)

خادم السنة
06-12-2010, 11:17 PM
جزاااااااااااك الله خيرا عظيما هااااااااااااااااااااااااام جدااااااااا