المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرد الفذ على من قال بأن من ترك أقوال الرجال



محارب الروافض
12-27-2007, 10:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الرد الفذ على من قال بأن من ترك أقوال الرجال
و اتبع سنة النبي فقد شذ.
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومَن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾.
﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ﴾.
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾.
أما بعد:
فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور مُحدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار.
قد اطلعت مؤخرا و أنا أبحث في ملتقى أهل الحديث عن مقالات في موضوع التكبير أيام التشريق على مقال نشره الأخ بن خميس وهو لأبي عبد الباري عبد الحميد العربي و لعله هو.
يزعم فيه دفاعه عن الشيخ الألباني رحمه الله ممن يشوهون سمعته وهم أناس يحسبون أنفسهم من أهل الحديث الخلص لهم فقه مطروح طائحون في بطحاء منهج الظاهرية البدعية.نعوذ بالله من البدعة و الابتداع.
و التشويه الذي رآه الأخ الفاضل هو في أخذ من وصفهم بما وصف بكلام الشيخ الألباني في مسائل خالف فيها الشيخ جمهور العلماء حتى إذا رأى العامة إتباعهم لهذه الأقوال و سألوهم عن صنيعهم قالوا إنه مذهب الشيخ الألباني ازدروا أي هؤلاء العوام الشيخ الألباني بسبب تصرفات هؤلاء الظاهرية الجدد كما وصفهم صاحب المقال المذكور.
بل و كان أخذهم بما شذ فيه الشيخ الألباني عن جمهور العلماء نعوذ بالله من الشذوذ عن الحق سببا في منع السلطات دخول كتب الشيخ رحمه الله إلى الجزائر.كما منعوا كتب شيخ الإسلام وتلميذه.نسأل الله لنا و لهم الهداية و التوفيق لما يحبه و يرضاه.
و ذكر صاحب المقال أن همَّ من ذكر هو الإعلان بما خالف فيه الألباني الجماهير على المنابر و ذكر
أمثلة لهذه المخالفات, ثم استدرك فقال أنهم شوهوا سمعة الشيخ و لكن دون قصد.وأنهم بصنيعهم قد أظهروه في صورة العالم المتفرد عن العلماء، المخالف للإجماع، والبعيد عن الفقه وأصول الاستنباط.
بل بجريرتهم كتب أحد الكتاب قائلا أن مذهب الشيخ الألباني مذهب خامس.
ثم أضاف أن هذا الصنف من الطلاب، وأئمة المساجد لم يخدم العلامة الألباني رحمه الله، ولم يبرز مناقبه العظيمة، ولم ينشر علمه الصافي، وجهوده في تقرير معتقد السلف، ومحاربة الأفكار المنحرفة والمناهج الضالة كمنهج الخوارج، والإخوان، والتبليغ، والأحزاب الإسلامية المنحرفة، ومن سبح في حوضهم الآجن.
ثم صدَّر جوابه على مسألة التكبير المقيد بموجز في ذم الشذوذ و الفتيا بالمهجور مبتدأً بالرد على ما أسماه مدرسةَ الطُّبُوليات التي يترأسها بعض الطلبة المتصدرين والمتسرعين في الأحكام، ومن سار على شكيكته و سكيكته من الظاهرية الجُدد، ولَّدت في عقول كثيرٍ من الشّباب المبتدئين في الطلب الاستخفاف بما كان عليه الأسلاف من العلم والفهم، بل وأشعرتهم أنّ العلم لا يكون إلا برواية الغرائب، والشّاذ من الأقوال، وهذا حتماً خطأ وانحراف مُباين لما كان عليه الأوائل من الأسلاف رحمهم الله.
ثم انتهى بوصف أحد طلاب العلم بأنه طالب علم مغرور، و داعية جاهل بأصول التوحيد، وحق الله على العبيد، له حمل بعير من الانحرافات، يجري وراء الفتات، يلتقط ما تخلفه الجمعيات الخيرية الحزبية من القوات، فداعية هذا حاله ينتقل من دولة إلى دولة من أجل درهم أو دينار، لا يقود الشباب إلاّ إلى أرض موات، أو مفازة بلا نبات.
قال المقري: ما هالني في مقال الأخ الكريم اتهامه المتمسكين بالكتاب و السنة الذين لا يقدمون قول كائن من كان عليهما بالشذوذ و أن تمسكهم بالسنة يضر مصلحة الدعوة و أنه يشوه صورة علماء السنة الذين ذهبوا إلى ما ذهب إليه من صب عليهم صاحب المقال جام غضبه.
و قد كنا نسمع قديما من العقليين الهوائيين نسبة أتباع السنن إلى الشذوذ و أن الفتاوى التي ياخذون بها هي فتاوى وافدة كتعجيل الفطر و صلاة تحية المسجد في وقت النهي و عدم رفع اليدين في الدعاء بعد المكتوبة و بدعية درس الجمعة و غيرها من السنن التي أحياها الشيخ الألباني وغيره من علماء السنة و البدع التي حاربها هو و غيره أو انفرد بحربها وحده.حتى أصبحنا اليوم نسمع ذلك ممن ينتسب إلى منهج السلف الصالح فالله المستعان.
بل و يجعل قول أحد الكتاب و أظنه يعني البوطي و ما كتبه في كتابه عن السلفية وأنها مذهب خامس و إن لم يكن هو من ألمح إليه , فسيكون هذا الكاتب أحد الناعقين بما ينعق به البوطي المتشربين من فكر الإخوان المغرقين في الرأي و المتعصبين للمذاهب.نعم لقد جعل هذا جناية سببها أتباع الحديث القائلون به المبتعدون عن التقليد الضاربون بالآراء التي لا يشهد لها الكتاب و السنة عرض الحائط.
قال المقري: كلامي مع صاحب المقال لن يكون في تبيين بدعية التكبير المقيد لأنها واضحة لكل منصف و أكبر الأدلة على ذلك أنه لا نص في ذلك عن نبي الأمة عليه السلام و أنه ما مات عليه
السلام إلا و قد بين ما يشرع مما لا يشرع وقال من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
و أن دعوى الإجماع دعوى مردودة كما قال الإمام أحمد رضي الله عنه من ادعى الإجماع فقد كذب و ما يدريه لعل الناس قد اختلفوا.
و أن الذين قالوا بمشروعية التكبير المقيد بعض الصحابة و هذا أمر لا يستطيع إنكاره و أن الرواية
عنهم ليست صريحة في أنهم كانوا يكبرون عقب الصلوات.
و حتى لو جاء عن بعضهم رضي الله عنهم و جعلنا على منهجهم في إتباع سنة النبي صلى الله عليه و سلم و نبذ التقليد و القول بالرأي و الظنون في دين الله تعالى.فما جاء عنهم معارَض بالثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم من أنه كان يستغفر بعد الفراغ من صلاته ثلاثا و كان يواظب على أذكار محصورة نقلها لنا الصحابة رضوان الله عليهم من قوله و فعله.و هو ما كان يواظب عليه جميعهم يقينا لا ظنا.
و أنه كما جاء عن ابن عباس لم يكن يعلم انقضاء الصلاة إلا بتكبير النبي عليه السلام و صحابته في جميع الأيام لا في أيام التشريق فقط.
و أن من أعظم الأدلة على ما ذهب إليه ناصر السنة و قامع البدعة الشيخ الألباني رحمه الله من بدعية هذا التكبير هو اختلاف أصحاب المذاهب في وقته و صفته و متى يبتدأ و متى ينتهي
و في مسائل فرعوها انطلاقا مما ذهبوا إليه كمسألة من نسي التكبير فهل يقضيه و متى يمكنه ذلك أقبل خروجه من المسجد أم بعد اجتيازه للصفوف و هل يتجه الإمام حين تكبيره إلى القبلة أم يقبل بوجهه على المأمومين و هل يقضي المسبوق التكبير بعد الإتمام أم قبله و غيرها مما جاء في كتب الفروع رحم الله علماء أهل السنة من المتقدمين و المتأخرين و جزاهم عن الإسلام و عنا كل خير
و هم مأجورون إن شاء الله تعالى فيما أخطئوا فيه أجرا واحدا و أجرين فيما أصابوا فيه السنة.
و أما ما استدلوا به من المرفوع فهما حديثين ضعيفين لا تقوم بهما حجة زيفهما النقاد كالزيلعي
و الحافظ ابن حجر و الشيخ الألباني رحمه الله.
و هكذا تهاوى ما جَيَّشوا من الحجج و لم يبق إلى مطلق التكبير غير مقيد بوقت و هو ما ذهب إليه محدث العصر رحمه الله.
قال المقري:و لكن وقفتي مع صاحب المقال ستكون في زعمه أن الشذوذ هو مخالفة الجمهور حتى ولو كان النص في جانبك و حديث النبي ناصرك و أنه لا يمكن لجمهور العلماء أن يخالفوا السنة
و يصيبها أحدهم.
و أن معنى إتباع السلف هو تقليدهم في ما ذهبوا إليه من اجتهاد حتى ولو كان مخالفا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فأقول له اعلم يا أخي أنك جئت بدعوى لم تقم عليها البينات و الدعوى إن لم يقم عليها البينات فأبنائها أدعياء.
و لقد ذم الله أقواما قالوا بأنهم على الحق و الناس على باطل و طالبهم بالبرهان فقال قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
فمقالك أي أخيي خال من الآيات و الأحاديث و هما بإجماع الأمة أصل كل برهان إلا ما جئت به في خطبة الحاجة و هي سنة أحياها الشيخ الألباني رحمه الله خالف فيها جمهور العلماء.حتى أنه قال في خاتمة الرسالة:
"أقول هذا مع احترامي للائمة و إتباعي إياهم على هداهم بل أعتبر أن تصريحي هذا هو من الإتباع لهم لأنهم رحمه الله هم الذين علمونا حرية الرأي والصراحة في القول حتى عن تقليدهم لأنهم كما قال الإمام مالك رحمه الله : " ما منا من أحد إلا رد أو رد عليه إلا صاحب هذا القبر " فجزاهم الله تعالى عنا خيرا.
أقول : إن القصد من جمع هذه الرسالة هو نشر هذه السنة التي كاد الناس أن يطبقوا على تركها فألفت أنظار الخطباء والوعاظ والمدرسين وغيرهم إلى ضرورة حفظهم لها وافتتاحهم خطبهم ومقالاتهم ودروسهم بها عسى الله تعالى أن يحقق أغراضهم بسببها وقد قال صلى الله عليه وسلم
[من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء] رواه مسلم في " صحيحه " ( 8 / 61 ) من حديث جرير ابن عبد الله رضي الله عنه."اه

ثم أقول له إن الشذوذ المذموم هو الخروج عن الحق و إن الجماعة هي ما كان عليه محمد عليه السلام و لو كنت وحدك كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.و أن من الصحابة من خالف جميعهم و كان هو المحق و كانوا هم المخطئون.
و أنه لا عبرة بالكثرة و أن لكل العلماء من أصحاب المذاهب المتبعة و غيرها مسائل خالفوا فيها جمهور العلماء و قد يكون الحق في جانبهم و أن المعول عليه عند التنازع هو الكتاب و السنة كما أمرنا الله تعالى.
قال أبو محمد علي ابن حزم قامع البدعة و محيي السنة مجدد القرن الخامس في كتابه الإحكام الذي لا ينكر قدره إلا متعصب لأقوال الرجال سابح في ظلمات الآراء الكاسدة و الأقيسة الفاسدة:
الباب السابع والعشرون في الشذوذ
قال أبو محمد: الشذوذ في اللغة - التي خوطبنا بها - هو الخروج عن الجملة، وهذه اللفظة في الشريعة موضوعة باتفاق على معنى ما، واختلف الناس في ذلك المعنى.
فقالت طائفة: الشذوذ هو مفارقة الواحد من العلماء سائرهم، وهذا قول قد بينا بطلانه في باب الكلام في الإجماع من كتابنا هذا، والحمد لله رب العالمين، وذلك أن الواحد إذا خالف الجمهور إلى حق فهو محمود ممدوح، والشذوذ مذموم بإجماع، فمحال أن يكون المرء محمودا مذموما من وجه واحد، في وقت واحد، وممتنع أن يوجب شيء واحد الحمد والذم معا في وقت واحد، من وجه واحد، وهذا برهان ضروري، وقد خالف جميع الصحابة رضي الله عنهم أبا بكر في حرب أهل الردة، فكانوا في حين خلافهم مخطئين كلهم، فكان هو وحده المصيب، فبطل القول المذكور.
وقالت طائفة: الشذوذ هو أن يجمع العلماء على أمر ما، ثم يخرج رجل منهم عن ذلك القول الذي جامعهم عليه، وهذا قول أبي سليمان وجمهور أصحابنا، وهذا المعنى لو وجد نوع من أنواع الشذوذ، وليس حدا للشذوذ ولا رسما له، وهذا الذي ذكروا - لو وجد - شذوذ وكفر معا لما قد بينا في باب الكلام في الإجماع، أن من فارق الإجماع وهو يوقن أنه إجماع فقد كفر، مع دخول ما ذكر في الامتناع والمحال، وليت شعري متى تيقنا إجماع جميع العلماء كلهم في مجلس واحد فيتفقون، ثم يخالفهم واحد منهم، والذي نقول به - وبالله تعالى التوفيق: إن حد الشذوذ هو مخالفة الحق، فكل من خالف الصواب في مسألة ما فهو فيها شاذ، وسواء كانوا أهل الأرض كلهم بأسرهم أو بعضهم، والجماعة والجملة هم أهل الحق، ولو لم يكن في الأرض منهم إلا واحد فهو الجماعة وهو الجملة، وقد أسلم أبو بكر وخديجة رضي الله عنهما فقط، فكانا هم الجماعة، وكان سائر أهل الأرض- غيرهما وغير رسول الله (ص) - أهل الشذوذ، وفرقة وهذا الذي قلنا، لا خلاف فيه بين العلماء، وكل من خالف فهو راجع إليه ومقربه شاء أو أبى، والحق هو الأصل الذي قامت السموات والأرض به قال الله تعالى: * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) * فإذا كان الحق هو الأصل فالباطل خروج عنه، وشذوذ منه فلما لم يجز أن يكون الحق شذوذا.
وليس إلا حق أو باطل صح أن الشذوذ هو الباطل، وهذا تقسيم أوله ضروري وبرهان قاطع كاف ولله الحمد.
ويسأل من قال: إن الشذوذ هو مفارقة الواحد للجماعة: ما تقول في خلاف الاثنين للجماعة ؟ فإن قال: هو شذوذ، سئل عن خلاف الثلاثة للجماعة، ثم يزاد واحدا هكذا أبدا، فلا بد له من أحد أمرين: إما أن يجد عددا ما بأنه شذوذ، وإن ما زاد عليه ليس شذوذا، فيأتي بكلام فاسد لا دليل عليه، فيصير شاذا على الحقيقة، أو يتمادى حتى يخرج عن المعقول وعن إجماع الأمة فيصير شاذا على الحقيقة أيضا، ولا بد له من ذلك، وبالله تعالى التوفيق.
فكل من أداه البرهان من النص أو الإجماع المتيقن إلى قول ما، ولم يعرف أحد قبله قال بذلك القول، ففرض عليه القول بما أدى إليه البرهان، ومن خالفه فقد خالف الحق، ومن خالف الحق فقد عصى الله تعالى، قال تعالى: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * ولم يشترط تعالى في ذلك أن يقول به قائل قبل القائل به، بل أنكر تعالى ذلك على من قاله، إذ يقول عز وجل حاكيا عن الكفار منكرا عليهم أنهم قالوا: * (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) *.
قال أبو محمد: ومن خالف هذا فقد أنكر على جميع التابعين، وجميع الفقهاء بعدهم، لان المسائل التي تكلم فيها الصحابة رضي الله عنهم من الاعتقاد أو الفتيا فكلها محصور مضبوط، معروف عند أهل النقل من ثقات المحدثين وعلمائهم، فكل مسألة لم يرو فيها قول عن صاحب، لكن عن تابع فمن بعده، فإن ذلك التابع قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله بلا شك، وكذلك كل مسألة لم يحفظ فيها قول عن صاحب ولا تابع، وتكلم فيها الفقهاء بعدهم فإن ذلك الفقيه قد قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله، ومن ثقف هذا الباب فإنه يجد لأبي حنيفة ومالك والشافعي أزيد من عشرة آلاف مسألة لم يقل فيها أحد قبلهم بما قالوه، فكيف يسوغ هؤلاء الجهال للتابعين، ثم لمن بعدهم أن يقولوا قولا لم يقله أحد قبلهم، ويحرم ذلك على من بعدهم إلينا، ثم إلى يوم القيامة فهذا من قائله دعوى بلا برهان و تخرص في الدين، وخلاف الإجماع على جواز ذلك لمن ذكرنا، فالأمر كما ذكرنا، فمن أراد الوقوف على ما ذكرنا فليضبط كل مسألة جاءت عن أحد من الصحابة، فهم أول هذه الأمة، ثم ليضرب بيده إلى كل مسألة خرجت عن تلك المسائل، فإن المفتي فيها قائل بقول لم يقله أحد قبله، إلا أن بيننا نحن وبين غيرنا فرقا، وهو أننا لا نقول في مسألة قولا أصلا إلا وقد قاله تعالى في القرآن أو رسوله عليه السلام فيما صح عنه، وكفى بذلك أنسا وحقا.
وأما من خالفنا فإن أكثر كلامه فيما لم يسبق إليه، فمن رأيه، وكفى بهذا وحشة.
والحمد لله رب العالمين كثيرا وصلى الله على محمد خاتم النبيين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم قال رادا على أقوام شنعوا عليه في رسالتين بعثوا بهما إليه :
ثم قالوا: " ففي الخروج عن الثقات وعن الجماعة إلى رأي واحد إن كان ذلك الواحد من جملة الجماعة لا مزية له عليه، فهو والله شذوذ، وخطأ لا يحل " ، وهذه صفتهم في خروجهم عن أقوال جميع الصحابة والتابعين، وسائر الفقهاء لهم إلى رأي مالك وحده، إن كان ذلك الواحد هو الذي أجازه الله تعالى برسالته، و استصفاه لوحيه وعصمه، وافترض طاعته على الجن والأنس، فقد وفق من خالف بأهل الأرض كلهم له، فكيف وجميع الصحابة والتابعين مجموعون على وجوب ترك قول كل قائل لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه طريقتنا، والحمد لله رب العالمين كثيراً. فانظروا الآن من الزائر منا ومنهم، ومن الشاذ نحن أم هم وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل.
وقال أبو محمد في رسالته الرد على الهاتف من بعد:
قال: " فلم تقنع بهذا المقدار في من هو في عصرنا، ومن كان قبل ذلك من علماء المسلمين، حتى تخطيت إلى أصحاب نبيك محمد، صلى الله عليه وسلم، وقلت إنهم ابتدعوا من الرأي ما لم يأذن به الله تعالى لهم، وأحدثوا بعد موت نبيهم صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز " .
قال علي: فاعلم أيها السافل أنك قد كذبت، وما يعجز أحد عن الكذب إذا لم يردعه عن ذلك دين أو حياء. معاذ الله من أن ننسب إلى الصحابة شيئاً مما ذكرت، فكيف هذا ونحن نحمد الله تعالى على ما من به علينا من الجري على سنتهم: من ترك التقليد ورفض القياس و اتباع القرآن والسنن، وإنما الواصف لهم بما ذكرت من راء أن أقوالهم لا ينبغي أن تكتب، وفتاويهم لا يجب أن تطلب، وانهم كلهم أخطأوا إلا فيما وافق تقليده فقط، فهذا هو الذي لا يقدر أحد على إنكاره من فعلكم لشدة اشتهاره، والحمد لله رب العالمين.
ثم قال: " فليت شعري إذا كان ذلك كذلك عندك، فسنن النبي، صلى الله عليه وسلم: نقل من تقبل فيها ".قال علي: فقد قلنا لك إنك تكذب فيما نسبت إلينا، ونحن نقبل ديننا عن الصحابة، رضي الله عنهم، وهم حجتنا فيما نقلوه إلينا، وفيما أجمعوا عليه وإن لم ينقلوه مسنداً، ثم عن التابعين، وأفاضل الرواة، وهكذا عمن بعدهم من المحدثين، فعن هؤلاء نأخذ ديننا، ونقبل سنتنا. ولكن، أيها الجاهل، أما أنت و ضرباؤك فقد استغنيتم عن القرآن، واكتفيتم بالتقليد عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما تتعنون في نقل سنة، ولا تشتغلون بحكم آية، وهذا أمر لا تقدرون على جحوده؛ فليت شعري، من إمامكم في هذه الطامة وعن من بلغكم انه قال: استغنوا بالرأي عن القرآن، ومعاذ الله أن يقول هذا أحد من المسلمين لا سالف ولا خالف؛ وأما نحن فلا نفني ليلنا ونهارنا، ولا نقطع أعمارنا ولله الحمد كثيراً، إلا بتقييد أحكام القرآن، وضبط آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة أقوال الصحابة، رضي الله عنهم، والتباعين والفقهاء من بعدهم - رحمة الله على جميعهم - لا تقدر على إنكار ذلك، وإن رغم انفك، ونضجت كبدك غيظاً. وطريقتنا هذه هي طريقة علماء الأمة دون خلاف من أحد منهم.
ثم قال: " وأما ضعف عقلك، فلما ظننته بنفسك من انك قمت بإظهار الحق وبيانه، وأنه قد صح لك منه ما لم يصح لصحابة نبيك، صلى الله عليه وسلم، ولا اهتدوا إليه " .
قال علي: فلو علم هذا المجنون الفاسق، أن هذه صفته وصفة أمثاله لأعول على نفسه. فأول ذلك كذبه علينا أننا ندعي انه قد صح لنا من الحق ما [لم] يصح لصحابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا اهتدوا إليه. وكيف هذا ولا نقول بغير السنن التي نقلوها إلينا، وعرفوا بها، ولا نتعداها. فكيف يصح لنا ما لم يصح لهم وليس عندنا شيء من الدين إلا من قبلهم ونقلهم فقد صح كذبه جهاراً. وأما الصفة التي ذكر فصفته لأنه سلك تقليد مالك، ولا يختلف اثنان أنه لم يكن قط في أصحابه، رضي الله عنهم، مقلد لأحد، ولا موافق لجميع قول مالك حتى لا يحل عنه خلاف لشيء منها، فقد صح يقيناً أن هذا الجاهل، كاتب تلك الصحيفة، هو الذي يظن نفسه انه وقع من التقليد على علم غاب عن جميع الأمة، فهو العديم العقل حقاً، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله الهدى والتوفيق.
ثم قال: " وأما ضعف تمييزك وتحصيلك فظاهر في تناقضك. وذلك أنك تنهى عن تقليد الصحابة فمن دونهم وتحث أتباعك على تقليدك، والتعويل على تواليفك، وتذم القول بالرأي، وأنت تفتي في دين الله عز وجل، بما لم يرد بيانه في كتاب الله، ولا على لسان رسول الله، صلى الله عليه وسلم" .
قال علي: فليعلم هذا الجاهل أنه كاذب في أكثر ما ذكر: أما نهينا عن تقليد الصحابة فمن دونهم، فأمر لا ننكره، ونحن في ذلك موافقون لجميعهم في نهيم عن ذلك بلا خلاف. أينكر هذا السائل أمراً قد صح به إجماع الأمة كلها وهلا أنكر هذا على مالك إذ لا يختلف أحد أن قوله: لا يقلد لا صاحب ولا من دونه وأما قوله إننا نحض أتباعنا على تقليدنا فقد كذب صراحاً بواحاً ، وما نحض أصحابنا وغيرهم، ولا نملأ كتبنا إلا بالأمر بإتباع القرآن وسنن النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، ومطالعة أقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من العلماء، وعرضها على كلام الله عز وجل، وكلام نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فلأيها شهدا قلناه.وأما دعواه بأننا نفتي في كتبنا بما ليس في القرآن والسنة، فقد كذب جهاراً علانية، وكتبنا حاضرة ومشهورة، ظاهرة منشورة،
ما فيها كلمة مما يقول، والحمد لله رب العاملين كثيراً. ولو تفكر هذا الجاهل فيمن هو المفتي
بما ذكر لسخنت عينه، ولعظمت مصيبته، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم قال: فانتبه أيها الجاهل، واعرف منزلتك، فإنك جاهل بمقدار نفسك.
قال علي: فلو أوصى نفسه بهذه الوصاة أو قبلها لوفق، فهي والله صفته يقيناً."اه
قال المقري:لو أوصوا أنفسهم بما يروجونه اليوم لوفقوا.و لكن الطامة ليست في وجود العيب في الإنسان لأنه أمر لا يخلوا منه أحد إلا من عصمه الله و لكنها في اعتقاد المرء أن عيوبه خصال حميدة ينافح عنها و يدعوا إليها ومن يضلل الله فما له من هاد.
قال المقري :إن تعليم الناس السنة و حملهم عليها بالحكمة و الموعظة الحسنة هو من مصلحة الدعوة بل هي دعوة الحق و أما تركهم على الباطل فغش لهم.و من غشنا فليس منا.
على أننا ندعوا من سئل عن صنيعه الذي أوصله إليه البرهان أن يأتي بالدليل لا أن يقول هو مذهب فلان أو فلان بدون حجة.
هذا و الله نسأل أن يهدينا لما يحبه و يرضاه إنه ولي ذلك و القادر عليه و أن يجعلنا من المحاربين للبدعة الداعين للسنة الصالحين إذا فسد الناس و طوبى للغرباء.
قال تعالى:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا *فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * النساء:61-65

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ. المائدة 104

و سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.



و كتبها أبو تراب محمد المقري العبدلي في ذي الحجة من عام 1427 للهجرة بحاضرة
تلمسان المحروسة.