هل إلحاد البوذية دليل على بشرية الأديان

[عمر الأنصاري]

إن الحقيقة التي أجمع عليها مؤرخو الأديان هي أنه ليست هناك جماعة إنسانية بل أمة كبيرة ظهرت و عاشت ثم مضت دون أن تفكر في مبدأ الإنسان و مصيره و في تعليل ظواهر الكون و أحداثه و دون أن تتخذ لها في هذه المسألة رأيا معينا حقا أو باطلا يقينا أو ظنا ، و تصور به القوة التي تخضع لها الظواهر في نشأتها و المآل الذي تصير إليه الكائنات بعد موتها. و هذه الأديان مثل البوذية و غيرها لم تشد عن هذه القاعدة قط ، فهي من جهة تؤمن بمصدر الحوادث المتمثل في وجود الآلهة الهندية المسمات أندرا و أجني و ثارونا الخ و من جهة مصير الانسان لم تنس تلك النظرية الهندية القديمة في الحياة و آلامها و في أن التعلق بملاذها ومتعها هو السبب في عودة الحياة إلى الجسم في صورة ما بعد الموت ،

نعم قد يشكل علينا أن مؤرخي البوذية يقولون إن الآلهة الهندية التي سرى الاعتقاد بها إلى البوذية القديمة لم يكن لها في نظر البوذيين سلطان إلا على العالم المادي الذي يريد أن يهرب البوذي منه ، فهو لذلك لا يعبدها و لا يرجو خيرها بل يريد أن يهرب من سلطانها بالموت الأابدي ثم هو لا يعتمد عليها في شؤونه بل يعتمد على مجهوده العقلي و الأخلاقي


ووجه الإشكال أننا سواء أقلنا إن البوذية القديمة لا تعرف آلهة البتة أو قلنا إنها تعترف بآلهة لا تعبد فالنتيجة واحدة : و هي أن تكون هناك ديانات خالة من فكرة العبادة و ذلك إما لخلوها من كل عنصر نظري اعتقادي قي مصدر الكائنات و إما لأنها مركبة تركيب ضم لا امتزاج فيه من عنصرين متدابرين لا يلوي بعضهما على بعض بحيث يكون شطرها النظري مثبتا لقوى عظيمة ذات سلطان على الوجود ولكنها لا شأن لها باعمالنا و شطرها العملي مبينا لطريق السلوك الذي يخلص النفس من آلام الحياة من غير توجه إلى تلك القوى


محمد عبد الله دراز - كتاب الدين

يتبع ........