محب الرحمن
01-06-2008, 11:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الإخوة القائمين على هذا الموقع
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
إليكم هذه الكتب من مؤلفات الدكتور خالد كبير علال ، من عنده شخصيا
لاستفادة الفردية في الموقع و خارجه ،و لا يجوز استغلالها للأغراض التجارية ، و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
دراسات نقدية هادفة عن مواقف الصحابة
بعد وفاة الرسول الكريم –ص –
الصحابة المعتزلون للفتنة الكبرى
-مواقفهم منها ، و دورهم في الحد منها –
الدكتور خالد كبير علال
-دكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي من جامعة الجزائر-
دار البلاغ الطبعة الأولى
-الجزائر- -1424ه/2003م -
الإهداء
إلى ابنتي إكرام
أهدي هذا الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على الرسول الكريم ، و بعد : هذا هو البحث السابع من سلسلة دراسات نقدية هادفة عن مواقف الصحابة بعد وفاة الرسول-عليه الصلاة و السلام- . و قد خصصته لدراسة مواقف الصحابة المعتزلين للفتنة ، لما لها من أهمية بالغة في نظرتنا للفتنة و حوادثها ، و في التعرّف على مواقف و أدلة كبار الصحابة المعتزلين لها من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار ، لتكون لدينا نظرة متزنة و شاملة و صحيحة ، لكل من المعتزلين للفتنة و الخائضين فيها ، من الصحابة الكرام ، رضوان الله عليهم أجمعين .
و قد اتبعت في بحثي هذا منهجا علميا موضوعيا ، جمع بين نقد الأسانيد و متونها حسب منهج أهل الحديث ، و قد اجتهدت في الالتزام به قدر المستطاع ، و حسب ما تسمح به طبيعة الروايات التاريخية التي لاتصل في ضبطها و تدوينها ما وصلت إليه الأحاديث النبوية ، من عناية فائقة تدوينا و ضبطا ، على مستوى الأسانيد و المتون .
(1/1)
و بحثي هذا هو محاولة لإعادة كتابة حوادث الفتنة الكبرى ، وفق منهج علمي صحيح ، لتنقيتها من الأباطيل ،و وضعها في مسارها التاريخي الصحيح .و أرجو أن يجد قبولا لدى المختصين و المثقفين على حد سواء . و أن يفتح أفاقا للبحث العلمي الموضوعي في تاريخ صدر الإسلام و قضاياه . و الله تعالى أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ،و أن ينفع به قارئه و كل من سعى في إخراجه و توزيعه ،و أن يوفقني لإتمام إصدار باقي بحوث السلسلة ، إنه تعالى سميع مجيب ،و على كل شيء قدير ،و بالإجابة جدير .
خالد كبير علال
-أستاذ جامعي-
الفصل الأول
الصحابة المعتزلون للقتال في الفتنة
تباين مواقف الصحابة من القتال في الفتنة :
لما قتل الخليفة عثمان بن عفان –رضي الله عنه – اختلف الصحابة في أمر قتلته ، فطائفة طالبت الخليفة الجديد : علي بن أبي طالب-رضي الله عنه – بالإسراع في الاقتصاص من هؤلاء القتلة ،و طائفة ثانية طالبت عليا بالاقتصاص من القتلة و جعلته شرطا لمبايعته ، و طائفة ثالثة وافقت هؤلاء في ضرورة الاقتصاص من قتلة الخليفة الشهيد ، لكنها كانت ترى ضرورة تأخيره حتى تتهيأ الظروف لتنفيذه (1) .
فالطائفة الأولى مثّلها الصحابيان : طلحة بن عبيد الله ،و الزبير بن العوام –رضي الله عنهما – و كانا قد طلبا من علي أن يعينهما واليين ليجمعان له العساكر فلما لم يستجب لهما ، التحقا بمكة المكرمة و بها استنفرا الناس و جمعوهم للمطالبة بدم الخليفة الشهيد المقتول ظلما و عدوانا(2) .
__________
(1) ابن كثير : البداية و النهاية ، ط3 بيروت ، مكتبة المعارف ، 1981 ،ج 7 ص: 228، 229 .و ابن تيمية : منهاج السنة النبوية ، بيروت المكتبة العلمية ، ج 3 ص: 1،2 .و الطبري: تاريخ الأمم و الملوك ، بيروت المكتبة العلمية ، 1991 ، ج2 ص: 702-703.
(2) الطبري: المصدر السابق ج 2 ص: 703 .و ابن كثير: المصدر السابق ج 7 ص: 228 ، 229 230 و ما بعدها .
(1/2)
و الطائفة الثانية هي أهل الشام ،و في مقدمتها : معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و النعمان بن بشير –رضي الله عنهم-(1) .
و أما الطائفة الثالثة فمثّلها الخليفة علي بن أبي طالب، و من معه كابن عباس ،و عمار بن ياسر ،و الحسن و الحسين،-رضي الله عنهم – و بما أن عليا هو الخليفة فإنه أصر على موقفه في تأجيل القصاص ،و عزم على استخدام القوة تجاه من خالفه و لم يبايعه من الطائفتين السابقتين ،و أعلن لجنده أن قراره هذا هو مجرد اجتهاد شخصي و رأي رآه أنه يحقق الطاعة و وحدة الجماعة ، و لم يدع أن معه نصوصا سمعها من رسول الله – -عليه الصلاة و السلام-(2) .
فهذا التباين في وجهات النظر ،و الإصرار على المواقف هما اللذان جرا الطوائف الثلاث إلى الاقتتال ، مما أدى إلى ظهور طائفة رابعة اعتزلت الجميع و نأت بنفسها بعيدا عن القتال ،و عدتّه فتنة ،و دعت الناس إلى عدم المشاركة فيه . فمن مثّل هذه الطائفة ؟ و ما هي مبرراتها و أدلتها التي اعتمدت عليها في اعتزالها للفتنة ؟ .
أشهر الصحابة المعتزلين للقتال في الفتنة :
__________
(1) الذهبي : الخلفاء الراشدون ، حققه حسام الدين القدسي، بيروت دار الجيل ، 1992،ص: 331 .و سيّر أعلام النبلاء ، حققه محمد البجاوي، مصر دار المعارف د ت، ج2 ص: 334 .و ط بيروت ، مؤسسة الرسالة، 1985 ج 3 ص: 91 .
(2) الذهبي: الخلفاء الراشدون ص: 329، 388، 389، 390 .و ابن كثير : المصدر السابق ج7 ص: 228، 229،230 .و ابن تيمية : المصدر السابق ج 3ص: 156، 220، 221 ،و ج4ص: 121 .
(1/3)
اعتزل أكثر الصحابة القتال(1) في موقعتي الجمل و صفين في سنتي: 36-37ه ، و أبوا أن يخوضوا في دماء المسلمين ، فمنهم من اعتزل الفتنة عزلة مطلقة ،و منهم من اعتزلها و اجتهد في دعوة الناس إلى اعتزالها ، و منهم من انتسب إلى إحدى الطائفتين المتنازعتين ثم انسحب كلية من الفتنة ، و منهم من اعتزلها في الجمل و صفين ثم انظم إلى علي في حربه للخوارج ، و منهم من حمد الله تعالى على ذهاب بصره قبل أن يراها .
__________
(1) عن عددهم ،و عن الخائضين في الفتنة ، أنظر الفصل الثاني .
(1/4)
فمن الذين اعتزلوا الفتنة مطلقا : سعد بن أبي وقاص ، و عبد الله بن عمر ،و محمد بن مسلمة الأنصاري ،و سلمة بن الأكوع ،و سعيد بن زيد(1) ،و صهيب بن سنان الرومي ،و أسامة بن زيد ،و أبو هريرة، و هبيب بن مغفل ،و المغيرة بن شعبة(2) ، و عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و سعيد بن العاص ، و معاوية بن حديج الأمير، و زيد بن ثابت ، و كعب بن عجرة (3) ،و سليمان بن ثمامة بن شراحيل ،و عبد الله بن مغفل ،و عبد الله بن سلام ،و أهبان بن صيفي ،و الحكم بن عمرو الغفاري(4)- رضي الله عنهم - .
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء ، ج3 ص: 128 .و ابن حجر : فتح الباري ، حققه محب الدين الخطيب ، بيروت ، دار المعرفة ، 1379ه ، ج13ص: 42 .
(2) الذهبي : نفس المصدر ج 2 ص: 18، 504 .و ابن تيمية : المصدر السابق حققه محمد رشاد سالم ، ط1، د م ، مؤسسة قرطبة ، ج 8 ص: 146 .و ابن حجر : الاصابة في معرفة الصحابة، ج6 ص: 198، 529 . و تعجيل المنفعة ، ط1، بيروت ، دار الكتب العلمية ، د ت ، ج 1 ص: 429 .
(3) الذهبي : المصدر السابق ج 3ص: 445 .و تذكرة الحفاظ حققه حمدي السلفي ، ط1 الرياض ، دار الصميعي ، 1415ه ج 1ص: 30 .و ابن عبد البر: الاستيعاب ، ط1، بيروت دار الجيل 1412 ج 2ص: 537 .و النووي: تهذيب الأسماء ط1 بيروت، دار الفكر ، 1996 ج1 ص: 254 .
(4) ابن حجر: الإصابة ، ج3ص: 137 ،و ج4 ص: 119 . ابن كثير: المصدر السابق ج 7 ص: 234 .و محمد أمحزون : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ، ط3 الرياض، دار طيبة الرياض ، 1420ه ، ج2 ص: 170 .و ابن ماجة :السنن بيروت دار الفكر ،دت ج 2ص: 1309 .و الذهبي : المصدر السابق ج 2 ص: 474 .
(1/5)
و من مواقفهم في اعتزال الفتنة : موقف الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص ، فقد جاء في خبر صحيح الإسناد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر بن راشد ، عن أيوب السختياني ،و عن محمد بن سيرين ، أنه قيل لسعد : ألا تقاتل ، فانك من أهل الشورى ،و انت أحق بهذا الأمر من غيرك ؟ قال : (( لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ،و لسان و شفتان ، يعرف الكافر من المؤمن ،و قد جاهدت و أنا أعرف الجهاد ،و لا أبخع نفسي إن كان رجل خيرا مني ))(1)
و ورد في رواية أخرى أن أحد أبناء سعد بن أبي وقاص ، قال لوالده : نزلت في إبلك و غنمك و تركت الناس يتنازعون الملك ، فضرب سعد صدر ولده عمر و قال له : (( اسكت سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم-يقول :إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي ))(2) . و في رواية لأحمد بن حنبل أن سعدا قال لابنه عمر : (( أي بني أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأسا ، لا و الله حتى أعطي سيفا إن ضربت به مؤمنا نبا عنه ،و إن ضربت به كافرا قتلته ،و قد سمعت رسول الله –صلى الله عليه و سلم- يقول : ((إن الله عز وجل يحب الغني الخفي التقي )) (3) .
و جاء رجل إلى سعد بن أبي وقاص ،و قصّ عليه مناما رآه عن الفتنة ، ثم قال له : مع أي الطائفتين أنت ؟ فقال سعد : ما أنا مع واحدة منهما ، فقال الرجل : فما تأمرني ؟ قال : هل لك من غنم ؟ قال : لا ، فقال له سعد : فاشتر غنما ، فكن فيها حتى تنجلي الفتنة (4)
__________
(1) معمر بن راشد : الجامع ، ط2 بيروت المكتب الإسلامي، ج11 ص: 357 .
(2) مسلم : صحيح مسلم ، بيروت دار إحياء التراث العربي د ت، ج4 ص: 2277
(3) أحمد بن حنبل : المسند ، مصر مؤسسة قرطبة ، د ت ج 1 ص: 177 .
(4) إسناد هذا الخبر صحيح على ما ذكره المحقق . الذهبي : سير أعلام النبلاء ج 1 ص: 120 .
(1/6)
و روى المؤرخ شمس الدين الذهبي –بلا إسناد- أن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- كان يغبط سعد بن أبي وقاص ،و عبد الله بن عمر –رضي الله عنهم – و يقول : (( لله منزل نزله سعد و ابن عمر ، لئن كان ذنبا لصغير ،و لئن كان حسنا إنه لعظيم ))(1) . و قوله هذا صحيح المعنى و جدير بالتنويه و الاعتبار ، لأن الفتنة جرّت على المسلمين مصائب كثيرة ،و أورثتهم الفرقة و العداوة ،و البغضاء و الاقتتال ،و لم ينج منها إلا الذين اعتزلوها .
و أما محمد بن مسلمة الأنصاري –رضي الله عنه – فقد اعتزل موقعتي الجمل و صفين و اتخذ سيفا من خشب ، و خرج من المدينة إلى بادية الرّبذة و أقام بها ، و كان ذلك بأمر نبوي ، على ما ذكره الحافظ الذهبي .و هو من نجباء الصحابة ، شهد بدرا و المشاهد الأخرى (2) . و هو الذي قال فيه رسول الله –صلى الله عليه و سلم-: (( لا تضرّه الفتنة )) و في رواية (( لا تضرّك الفتنة ))(3) .
__________
(1) الذهبي : تذكرة الحفاظ ج 1 ص: 22 .و نفس المصدر ج 1 ص: 122 .
(2) الذهبي:السيرج2 ص: 266، 369 .و الكاشف ، حققه محمد عوامة ، ط1 جدة، دار الثقافة الإسلامية ، 1413 ج 2 ص: 222 .
(3) رواه الحاكم و صححه . المستدرك على الصحيحين ، حققه عبد القادر عطا ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1990 ، ج 3 ص: 492 .و رواه أيضا أبو داود ،و صححه الألباني ، سنن أبي داود ،بيروت دار الفكر دت ، القرص المضغوط ،: مكتبة البيت المسلم الشاملة ، مؤسسة الخطيب للبرمجيات ، الأردن .
(1/7)
و في رواية(1) للتابعي أبي بردة بن أبي موسى (ت104ه) أنه مر-أيام الفتنة- بمحمد بن مسلمة بالربذة ، فقال له : لو خرجت إلى الناس فأمرت و نهيت ، فقال له : قال لي النبي –عليه الصلاة و السلام- (( يا محمد ستكون فرقة و فتنة و اختلاف ، فاكسر سيفك ،و اقطع وترك ،و اجلس في بيتك )) ففعلت ما أمرني(2) . و هناك أربعة أحاديث أخرى متشابهة المتون ، فيها أمر نبوي صريح ، لمحمد بن مسلمة باعتزال الفتنة و عدم الخوض فيها ، أولها أن الرسول –صلى الله عليه و سلم – قال له : (( إذا رأيت الناس يقتتلون على الدنيا فاعمد بسيفك على أعظم صخرة في الحرة ، فاضربه بها ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة ، أو منية قاضية )) ، ثم قال محمد بن مسلمة : ففعلت ما أمرني به رسول الله –صلى الله عليه و سلم ))(3) .
و الحديث الثاني ، فيه أن رسول الله –صلى الله عليه و سلم- أعطى سيفا لمحمد بن مسلمة ، -رضي الله عنه – و قال له : (( جاهد بهذا ، في سبيل الله ، فإذا اختلفت أعناق الناس ، فاضرب به الحجر ، ثم ادخل بيتك ، فكن حلسا ملقى ، حتى تأتيك يد خاطئة ، أو منية قاضية ))(4) .
__________
(1) رواتها كلهم ثقات ما عدا : علي بن زيد بن جدعان ، ففيه ليّن و ليس بالثبت .الذهبي : الكاشف ج1ص: 178، 313،ج2ص: 40 .و ابن حجر : تقريب التهذيب ، حققه محمد عوامة ، ط1 سوريا ، دار الرشيد ، 1986 .
(2) أحمد بن حنبل : المصدر السابق ، ج 3ص: 493 .و الذهبي :السير، ج2 ص: 371 .و البخاري : التاريخ الكبير ، ج1 ص : 11 .
(3) الحديث رواه الطبراني في المعجم الأوسط ، و رجاله ثقات . علي بن أبي بكر الهيثمي : مجمع الزوائد ، القاهرة دار الريان للتراث ، 1407 ، ج 7 ص: 301 .
(4) رواه الطبراني في المعجم الكبير ، و رجاله ثقات . نفسه ج 7 ص: 301 .
(1/8)
و في الحديث الثالث ، أن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- جاء –أيام الفتنة-إلى محمد بن مسلمة ، و قال له : (( ما خلفك عن هذا الأمر ؟ فقال له : دفع إلي ابن عمك –يعني الرسول – سيفا و قال لي : قاتل به ما قوتل العدو ، فإذا رأيت الناس يقتل بعضهم بعضا ، فاعمد به إلى صخرة فاضربه بها ، ثم ألزم بيتك حتى تأتيك منية قاضية ، أو يد خاطئة )) فقال علي خلّو عنه (1) .
و آخرها –أي الحديث الرابع- فيه أن رسول الله –عليه الصلاة و السلام – قال لمحمد بن مسلمة: (( إنها ستكون فتنة و فرقة و اختلاف ، فإذا كان كذلك فأت بسيفك أُحدا فاضربه حتى ينقطع ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة ، أو منية قاضية )) ، ثم قال محمد بن مسلمة –أيام الفتنة- : فقد فعلت ما قاله لي رسول الله –عليه الصلاة و السلام -(2) .
__________
(1) أحمد بن حنبل : المصدر السابق ج 4 ص: 225 .
(2) رواه الطبراني في المعجم الأوسط ،و رجاله ثقات . الهيثمي : المصدر السابق ج 7 ص: 301 .و رواه أيضا ابن ماجة ،و صححه الألباني ، سنن ابن ماجة ، القرص المضغوط : مكتبة البيت المسلم الشاملة ، مؤسسة الخطيب للبرمجيات ، الأردن .
(1/9)
و منهم –أيضا- أسامة بن زيد –رضي الله عنه- فإنه عندما أرسل مولاه حرملة إلى علي بن أبي طالب زمن الفتنة ، قال لمولاه عن علي ، إنه يسألك عن تخلفي عنه ، فقل له يقول لك : (( لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ، لكن هذا الأمر لم أره ))(1) .و في رواية أخرى عن معمر بن راشد عن الشهاب الزهري ، أن عليا لقي أسامة –رضي الله عنهما – فقال له : ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة ، فلم لا تدخل معنا –أي في القتال- فقال له : يا أبا حسن ، إنك و الله لو أخذت بمشفر –أي الشفة- الأسد لأخذت بمشفره الآخر معك حتى نهلك جميعا ، أو نحيا جميعا ، و أما هذا الأمر الذي أنت فيه ، فو الله لا أدخل فيه ))(2) .
و أما الصحابي سلمة بن الأكوع ، - رضي الله عنه- فإنه لما استشهد عثمان –رضي الله عنه- و حدثت الفتنة اعتزل الناس ،و خرج من المدينة إلى بادية الرّبذة و سكنها ، و تأهل بها و لم يلابس شيئا من الفتنة . و عندما قيل له : لماذا تعرّبت –أي أصبح أعرابيا- قال : إن رسول الله –صلى الله عليه و سلم- أذن لي في التعرّب و سكن البادية (3) .
__________
(1) البخاري : صحيح البخاري ط3 بيروت، دار ابن كثير ج 6 ص : 2602 .
(2) الذهبي : سير أعلام النبلاء ج 2 ص: 504 .
(3) البخاري : المصدر السابق ج 8 ص : 2597 . و ابن حجر : فتح الباري ، ج 13 ص: 42 .
(1/10)
و منهم الصحابي الجليل : أبو هريرة -رضي الله عنه- فقد اعتزل الفتنة و لم يلابسها (1) ،و يبدوا أنه اتخذ هذا الموقف تمسكا بالحديث المشهور عن اعتزال الفتنة ، لأنه هو أحد رواته ، فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة ، أن رسول الله –صلى الله عليه و سلم- قال : (( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ،و القائم فيها خير من الماشي ، و الماشي فيها خير من الساعي ،و من تشرّف لها تستشرفه ، فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذبه ))(2) .
و منهم –أيضا- الصحابي أهبان بن صيفي البصري –رضي الله عنه- فإنه عندما اعتزل الفتنة ، جاءه علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- و طلب منه أن يلتحق به ، فقال له : نعم ثم دعا جارية له بأن تأتيه بسيفه ، فأخرجته فإذا هو من خشب ، و قال لعلي : (( إن خليلي ابن عمك -صلى الله عليه و سلم-عهد إلي إذا كانت الفتنة بين المسلمين ، فاتخذ سيفا من خشب ، فإن شئت خرجت معك ، قال علي : لا حاجة لي فيك و لا في سيفك (3) .
__________
(1) ابن تيمية : منهاج السنة ط رشاد سالم ج 8 ص: 146
(2) صحيح البخاري ، ج6 ص: 2594 .
(3) روى الخبر احمد بن حنبل : المسند ج 5ص: 69، و ج6 ص: 393 .و ابن ماجة ،و الترمذي ، و صححه الألباني . سنن ابن ماجة كتاب الفتن ج 2 ص: 1309 .و سنن الترمذي ، كتاب الفتن ج4 ص: 490 ، القرص المضغوط : مكتبة البيت المسلم الشاملة ، مؤسسة الخطيب للبرمجيات ، الأردن .
(1/11)
و منهم الصحابي عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- ، فقد حرص على ألا يقترب من الفتنة أبدا ،و لا يكون سببا في قتل أحد ، و كان يقول : من قال حي على الصلاة أجبته ، و من قال : حي على قتل أخيك المسلم و أخذ ماله ، فلا (1) .و عندما كلّفه علي بن أبي طالب-بعدما بايعه الناس- بالذهاب إلى الشام ليتولى إمارته ، اعتذر له و ترجاه بأن يعفيه ، فلم يقبل منه ، فظل ابن عمر يبحث عن المعاذير ، و استعان عليه بأخته حفصة أم المؤمنين –رضي الله عنها- ثم خرج ليلا إلى مكة فارا دون علم من علي ، فلما سمع بأمره سكن(2) .
و آخرهم الصحابي عبد الله بن سعد بن أبي سرح –رضي الله عنه- ، كان واليا لعثمان بن عفان- رضي الله عنه- على مصر ، فلما سمع باستشهاده سنة 35ه اعتزل الفتنة ،و التحق بفلسطين فرارا من منها - أي الفتنة- فبقي بها إلى أن وافته المنية ، و هو في الصلاة ، سنة 36ه (3) .
و من مظاهر الاعتزال الجماعي للفتنة ، أنه روي أن علي بن أبي طالب عندما ندب أهل المدينة للخروج معه للقتال لم يوافقوه ،و أبوا الخروج معه ، فكلّم عبد الله بن عمر شخصيا للخروج معه ، فقال له : أنا رجل من المدينة . ثم كرر عليهم دعوته للسير معه عندما سمع بخروج أهل مكة إلى البصرة ، فتثاقل عنه أكثرهم ،و استجاب له ما بين : 4-7 من البدريين(4) .
__________
(1) إسناد هذا الخبر حسن ،قاله المحقق . .الذهبي: السير، ج 3 ص: 228 .
(2) رجال هذا الخبر ثقات ، و هم : ابن عيينة ،و عمر بن نافع ، عن أبي ، عن ابن عمر . نفس المصدر ج 3 ص: 224 .
(3) البخاري : التاريخ الكبير ، ج5 ص: 29 .و النووي : تهذيب الأسماء ، ج1 ص: 254 .
(4) ابن كثير : المصدر السابق ج 7 ص: 231 ، 234 .
(1/12)
و أما الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة ،و كان لهم فيها نشاط بارز في دعوة الناس إلى اعتزالها ، فأولهم أبو موسى الأشعري –رضي الله عنه – فكان يجمع الناس في الكوفة ،و يحذرهم من المشاركة في الفتنة ،و يذكّرهم بما سمعه من رسول الله –صلى الله عليه و سلم- في دعوته لاعتزال الفتن . فمن ذلك أنه كان يقول لهم : يا أيها الناس إن هذه الفتنة ، فتنة باقرة كداء البطن ، لا ندري أنى تؤتى ، تأتيكم من مأمنكم ،و تدع الحليم كأنه ابن أمس ، قطّعوا أرحامكم ، و انتصلوا رماحكم(1) .
__________
(1) روى هذا الخبر ابن أبي شيبة ، عن غندر محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عاصم بن سليمان ، عن أبي وائل شقيق بن أبي مسلمة . ( ابن أبي شيبة: المصنف ، حققه كمال الحوت ، ط1 الرياض ، مكتبة الرشد ، 140-9 ه ، ج7 ص: 524 .) و هؤلاء الرواة ثقات . الذهبي : السير ج 9 ص: 99، 100 ،101 ،و ج4ص: 161 .و تذكرة الحفاظ ، حققه حمدي السلفي ، ط1 الرياض ، دار الصميعي ، 1415ه ، ج 1ص: 149-150 .و رواه أيضا نعيم بن حماد بإسناد رجاله ثقات . كتاب الفتن ، حققه سمير الزهيري ، ط1 القاهرة ، مكتبة التوحيد ، 1412 ه ، ج1ص: 66 .و الذهبي : تذكرة الحفاظ ، ج 1 ص: 294 .و ميزان الاعتدال ، حققه علي معوطي ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1995 ، ج3ص: 315 .و ابن حبان : الثقات ، حققه السيد شرف الدين أحمد ، ط1 بيروت ، دار الفكر ، 1975 ، ج 7 ص: 441-442 .
(1/13)
و عندما حل عمار بن ياسر –رضي الله عنه – بالكوفة و شرع في استنفار الناس ليلتحقوا بجيش علي ، أنكر عليه أبو موسى الأشعري ، و أبو مسعود البدري –رضي الله عنهما – فعله ، و قالا له : ما رأينا منك أمرا منذ أسلمت أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر . فقال عمار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر(1) .
__________
(1) روى ذلك الحاكم في المستدرة ،ج3 ص: 127 . و ابن أبي شيبة عن غندر محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي وائل ، و رجاله ثقات . ابن أبي شيبة : المصدر السابق ج 7ص: 546 .و الذهبي : تذكرة الحفاظ ج1ص: 121 .و سير أعلام النبلاء ، ج4 ص: 161 ،و ج9 ص: 101 .
(1/14)
و من الأحاديث النبوية التي رواها أبو موسى الأشعري في صده للناس عن الفتنة ثلاثة أحاديث ، أولها أن رسول الله –صلى الله عليه و سلم- قال عن أيام الفتنة : (( كسّروا قسيّكم ،و قطّعوا أوتاركم ،و ألزموا أجواف البيوت ، و كونوا فيها كالخيّر من بني آدم ))(1) . و ثانيها أن أبا موسى الأشعري خطب في الناس زمن الفتنة ، فكان مما قاله لهم : (( قال رسول الله –صلى الله عليه و سلم- إن من بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا و يمسي كافرا ، و يمسي مؤمنا و يصبح كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ،و القائم فيها خير من الماشي ، و الماشي فيها خير من الساعي ))(2) . و ثالثها قوله عليه الصلاة و السلام : (( إذا التقى المسلمان بسيفهما ، فالقاتل و المقتول في النار )) ، فقيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : (( إنه كان حريصا على قتل أخيه ))(3) .
__________
(1) رواه أحمد في المسند ج 4ص: 408 .و الترمذي ،و صححه الألباني . سنن الترمذي ج4 ص: 490 .
(2) روي هذا الحديث من عدة طرق ، منها رواية أحمد : المسند ج 4 ص: 408 .و ورواية البخاري عن أبي هريرة ، و هي قريبة من رواية أبي موسى،و قد ذكرت .
(3) رواه ابن ماجة و صححه الألباني . السنن ، كتاب الفتن ج 2ص: 1311 .و رواه عن أبي بكرة البخاري ،و مسلم ، و أحمد ، و أبو داود ، و النسائي . العجلوني : كشف الخفاء ،بيروت ،مؤسسة الرسالة 1405ه،ج1ص: 86 .
(1/15)
و رُوي أن عليا و أصحابه كانوا منزعجين من نشاط أبي موسى الأشعري ، في دعوته للناس باعتزال الطائفتين المؤمنتين المتقاتلتين ، لأن عمله هذا كان يصد الناس عن الالتحاق بهم . فمن ذلك خبران ، أولهما ما رواه الطبري بقوله : حدثنا عمر بن شبّة ، حدثنا أبو الحسن-المديني- حدثنا بشير بن عاصم عن ابن أبي ليلى ، عن أبيه أنه قال : لما سمع علي بن أبي طالب بأن واليه على الكوفة أبا موسى الأشعري يدعوا الناس إلى اعتزال الفتنة ، بعث إليه كتابا مع هاشم ابن عتبة ، يخبره فيه أنه أرسل إليه هاشم بن عتبة ليحرّض أهل الكوفة على الالتحاق به ، ثم قال لأبي موسى : (( فإني لم أولك الذي أنت فيه إلا لتكون من أعواني على الحق )) ، فلما وصل الكتاب إلى أبي موسى لم يستجب لعلي فيما أمره به من تجميع الناس و الوقوف معه . فكتب هاشم بن عتبة إلى علي يقول له عن أبي موسى : (( إني قد قدمت على رجل غال ظاهر الغل و الشنآن ))- أي البغض- فأرسل إليه علي بن أبي طالب ، ابنه الحسن و عمار بن ياسر –رضي الله عنهم- ليستنفرا له الناس ، و بعث قرظة بن كعب الأنصاري أميرا على الكوفة خلفا لأبي موسى و كتب إليه يقول : (( إلى أبي موسى ، أما بعد فقد كنت أرى أن بعدك عن هذا الأمر ، الذي لم يجعل لك منه نصيبا ، سيمنعك من رد أمري . . . فاعتزل عملنا مذموما مدحورا ،و فإن لم تفعل فإني قد أمرته –أي قرظة بن كعب- أن ينابذك(1) ، فإن نابذته فظفر بك أن يقطّعك آرابا )) ، فلما وصل الكتاب إلى أبي موسى اعتزل الإمارة (2) .
__________
(1) المنابذة هي المفارقة عن خلاف و بغض ، و من معانيها أيضا المجاهرة بالحرب . علي بن هادية و آخران : القاموس الجديد ، الجزائر ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، 1991 ، ص: 1180 .
(2) الطبري : المصدر السابق ج 3 ص: 35 .
(1/16)
فهذه الرواية صريحة في أن أبا موسى الأشعري كان يعمل على عكس سياسة علي بن أبي طالب ، مما جعله ينزعج منه و يذمه ،و يهدده باستخدام القوة ضده ، إن هو لم يعتزل إمارة الكوفة . و أن أبا موسى قد أزعج عليا و أصحابه عندما حث الناس على اعتزال الفتنة ،و عدم القتال مع أي طائفة من الطائفتين المتنازعتين . لكنني مع ذلك استبعد هذه الرواية ،و اعتقد أنها غير صحيحة في كثير مما ذكرته ، و ذلك لأمرين ، أولهما أن في إسنادها : ابن أبي ليلى عن أبيه ، و هو ليس بالقوي ،و مضطرب الحديث ،و لم يسمع من والده شيئا ، لأنه لم يدركه ، فقد توفي والده و هو طفل صغير(1) . و هذا يعني أن إسناد الرواية ضعيف ، فيه انقطاع و إرسال .
و الثاني أن متن الرواية فيه ما ينكر و يستهجن و يستبعد ، فهي زعمت أن أبا موسى الأشعري –رضي الله عنه- كان ظاهر الغل و البغض لعلي و أصحابه ، و هذا غير صحيح ، لأن أبا موسى سبق و أن ذكرنا أنه لم يكن يذم أحدا من المسلمين ، و إنما كان يحذّرهم من الفتنة ،و يثبّطهم عن المشاركة فيها شفقة عليهم .
كما أن في جواب علي لأبي موسى –رضي الله عنهما- شدة و مبالغة في الذم و التهديد و التوعّد بعزله و محاربته و تقطيعه إربا إربا إن هو أصر على بقائه أميرا على الكوفة . و هذا التصرّف-في اعتقادي- لا مبرر له و بعيد أن يصدر عن صحابي جليل كعلي بن أبي طالب ، تجاه صحابي جليل مسالم يدعوا إلى حقن دماء المسلمين .
__________
(1) الذهبي : تذكرة الحفاظ ، ج1 ص: 171 .و أبو سعيد العلائي : جامع التحصيل ، ط2 بيروت ، عالم الكتب 1986 ، ص: 266 .
(1/17)
و الرواية الثانية هي الأخرى للطبري ،و فيها أن نصر بن مزاحم قال : حدثنا عمر بن سعيد ، قال حدثني رجل عن نعيم ، عن أبي مريم الثقفي ، قال : عندما كان عمار بن ياسر و أبو موسى الأشعري يتجادلان في مسجد الكوفة دخل غلمان لأبي موسى المسجد و هم يصرخون ،و يقولون أن الأشتر النخعي(1) دخل قصر الإمارة و ضربهم و أخرجهم ، فخرج أبو موسى من المسجد و دخل قصر الإمارة ، فصاح عليه الأشتر قائلا : اخرج من قصرنا ، لا أم لك ، أخرج الله نفسك ، فو الله إنك لمن المنافقين قديما )) ، فقال له أبو موسى : اجلني هذه العشية ، فقال : هي لك ،و لا تبيتن في القصر الليلة . ثم دخل الناس القصر ينتهبون متاع أبي موسى ، فمنعهم الأشتر و أخرجهم من القصر ،و قال : إني قد أخرجته ، فكف الناس عنه (2) .
هذه الرواية هي الأخرى فيها تصوير ، لما كان يقوم به أبو موسى الأشعري في التصدي للفتنة و دعوة الناس إلى اعتزالها ،و رد فعل بعض أصحاب علي تجاه ما يقوم به ضد سياستهم ؛ لكنها –أي الرواية- لا تصح ، لأن في إسنادها : نصر بن مزاحم ، وهو كذاب متروك ، واهي الحديث رافضي جلد(3) . و في الإسناد – أيضا- مجهول ، قال عنه عمر بن سعيد : حدثني رجل عن نعيم . فمن هو هذا الرجل ؟ فهو إذن مجهول العين و الحال .
__________
(1) هو أحد كبار رؤوس الفتنة الذين قادوا الثورة على عثمان بن عفان ، و هو أيضا أحد كبار قادة جيش علي بن أبي طالب .
(2) الطبري : المصدر السابق ، ج3 ص : 28 .
(3) الذهبي : ميزان الاعتدال ، مصر دار المعارف ، ج 4 ص: 253-254 .
(1/18)
و من نشاط أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- في تسكين الفتنة بين الطائفتين المؤمنتين المتقاتلتين ، إنه قبل أن يكون أحد الحكمين في قضية التحكيم بعد معركة صفين ، فمثّل أهل العراق في اجتماعه بممثل أهل الشام عمرو بن العاص –رضي الله عنه- فقام الاثنان بدورهما كاملا ،و اتفقا على و ثيقة عمل لوضع حد للفتنة(1) .
__________
(1) ما يحكى عن أبي موسى أنه كان مغفلا ،و أن ابن العاص كان داهية مكارا ، و أنهما تسابا و افترقا عليه ، و غيرها من المزاعم هي أخبار لا تثبت أمام التحقيق و النقد العلميين ، و للتوسع في هذا الموضوع أنظر لكاتب هذه السطور كتاب : قضية التحكيم قي موقعة صفين ، ط1 الجزائر ، دار البلاغ ، 1423 ه/2002م، ص: 30 و ما بعدها .
(1/19)
إلى الإخوة القائمين على هذا الموقع
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
إليكم هذه الكتب من مؤلفات الدكتور خالد كبير علال ، من عنده شخصيا
لاستفادة الفردية في الموقع و خارجه ،و لا يجوز استغلالها للأغراض التجارية ، و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
دراسات نقدية هادفة عن مواقف الصحابة
بعد وفاة الرسول الكريم –ص –
الصحابة المعتزلون للفتنة الكبرى
-مواقفهم منها ، و دورهم في الحد منها –
الدكتور خالد كبير علال
-دكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي من جامعة الجزائر-
دار البلاغ الطبعة الأولى
-الجزائر- -1424ه/2003م -
الإهداء
إلى ابنتي إكرام
أهدي هذا الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على الرسول الكريم ، و بعد : هذا هو البحث السابع من سلسلة دراسات نقدية هادفة عن مواقف الصحابة بعد وفاة الرسول-عليه الصلاة و السلام- . و قد خصصته لدراسة مواقف الصحابة المعتزلين للفتنة ، لما لها من أهمية بالغة في نظرتنا للفتنة و حوادثها ، و في التعرّف على مواقف و أدلة كبار الصحابة المعتزلين لها من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار ، لتكون لدينا نظرة متزنة و شاملة و صحيحة ، لكل من المعتزلين للفتنة و الخائضين فيها ، من الصحابة الكرام ، رضوان الله عليهم أجمعين .
و قد اتبعت في بحثي هذا منهجا علميا موضوعيا ، جمع بين نقد الأسانيد و متونها حسب منهج أهل الحديث ، و قد اجتهدت في الالتزام به قدر المستطاع ، و حسب ما تسمح به طبيعة الروايات التاريخية التي لاتصل في ضبطها و تدوينها ما وصلت إليه الأحاديث النبوية ، من عناية فائقة تدوينا و ضبطا ، على مستوى الأسانيد و المتون .
(1/1)
و بحثي هذا هو محاولة لإعادة كتابة حوادث الفتنة الكبرى ، وفق منهج علمي صحيح ، لتنقيتها من الأباطيل ،و وضعها في مسارها التاريخي الصحيح .و أرجو أن يجد قبولا لدى المختصين و المثقفين على حد سواء . و أن يفتح أفاقا للبحث العلمي الموضوعي في تاريخ صدر الإسلام و قضاياه . و الله تعالى أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ،و أن ينفع به قارئه و كل من سعى في إخراجه و توزيعه ،و أن يوفقني لإتمام إصدار باقي بحوث السلسلة ، إنه تعالى سميع مجيب ،و على كل شيء قدير ،و بالإجابة جدير .
خالد كبير علال
-أستاذ جامعي-
الفصل الأول
الصحابة المعتزلون للقتال في الفتنة
تباين مواقف الصحابة من القتال في الفتنة :
لما قتل الخليفة عثمان بن عفان –رضي الله عنه – اختلف الصحابة في أمر قتلته ، فطائفة طالبت الخليفة الجديد : علي بن أبي طالب-رضي الله عنه – بالإسراع في الاقتصاص من هؤلاء القتلة ،و طائفة ثانية طالبت عليا بالاقتصاص من القتلة و جعلته شرطا لمبايعته ، و طائفة ثالثة وافقت هؤلاء في ضرورة الاقتصاص من قتلة الخليفة الشهيد ، لكنها كانت ترى ضرورة تأخيره حتى تتهيأ الظروف لتنفيذه (1) .
فالطائفة الأولى مثّلها الصحابيان : طلحة بن عبيد الله ،و الزبير بن العوام –رضي الله عنهما – و كانا قد طلبا من علي أن يعينهما واليين ليجمعان له العساكر فلما لم يستجب لهما ، التحقا بمكة المكرمة و بها استنفرا الناس و جمعوهم للمطالبة بدم الخليفة الشهيد المقتول ظلما و عدوانا(2) .
__________
(1) ابن كثير : البداية و النهاية ، ط3 بيروت ، مكتبة المعارف ، 1981 ،ج 7 ص: 228، 229 .و ابن تيمية : منهاج السنة النبوية ، بيروت المكتبة العلمية ، ج 3 ص: 1،2 .و الطبري: تاريخ الأمم و الملوك ، بيروت المكتبة العلمية ، 1991 ، ج2 ص: 702-703.
(2) الطبري: المصدر السابق ج 2 ص: 703 .و ابن كثير: المصدر السابق ج 7 ص: 228 ، 229 230 و ما بعدها .
(1/2)
و الطائفة الثانية هي أهل الشام ،و في مقدمتها : معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و النعمان بن بشير –رضي الله عنهم-(1) .
و أما الطائفة الثالثة فمثّلها الخليفة علي بن أبي طالب، و من معه كابن عباس ،و عمار بن ياسر ،و الحسن و الحسين،-رضي الله عنهم – و بما أن عليا هو الخليفة فإنه أصر على موقفه في تأجيل القصاص ،و عزم على استخدام القوة تجاه من خالفه و لم يبايعه من الطائفتين السابقتين ،و أعلن لجنده أن قراره هذا هو مجرد اجتهاد شخصي و رأي رآه أنه يحقق الطاعة و وحدة الجماعة ، و لم يدع أن معه نصوصا سمعها من رسول الله – -عليه الصلاة و السلام-(2) .
فهذا التباين في وجهات النظر ،و الإصرار على المواقف هما اللذان جرا الطوائف الثلاث إلى الاقتتال ، مما أدى إلى ظهور طائفة رابعة اعتزلت الجميع و نأت بنفسها بعيدا عن القتال ،و عدتّه فتنة ،و دعت الناس إلى عدم المشاركة فيه . فمن مثّل هذه الطائفة ؟ و ما هي مبرراتها و أدلتها التي اعتمدت عليها في اعتزالها للفتنة ؟ .
أشهر الصحابة المعتزلين للقتال في الفتنة :
__________
(1) الذهبي : الخلفاء الراشدون ، حققه حسام الدين القدسي، بيروت دار الجيل ، 1992،ص: 331 .و سيّر أعلام النبلاء ، حققه محمد البجاوي، مصر دار المعارف د ت، ج2 ص: 334 .و ط بيروت ، مؤسسة الرسالة، 1985 ج 3 ص: 91 .
(2) الذهبي: الخلفاء الراشدون ص: 329، 388، 389، 390 .و ابن كثير : المصدر السابق ج7 ص: 228، 229،230 .و ابن تيمية : المصدر السابق ج 3ص: 156، 220، 221 ،و ج4ص: 121 .
(1/3)
اعتزل أكثر الصحابة القتال(1) في موقعتي الجمل و صفين في سنتي: 36-37ه ، و أبوا أن يخوضوا في دماء المسلمين ، فمنهم من اعتزل الفتنة عزلة مطلقة ،و منهم من اعتزلها و اجتهد في دعوة الناس إلى اعتزالها ، و منهم من انتسب إلى إحدى الطائفتين المتنازعتين ثم انسحب كلية من الفتنة ، و منهم من اعتزلها في الجمل و صفين ثم انظم إلى علي في حربه للخوارج ، و منهم من حمد الله تعالى على ذهاب بصره قبل أن يراها .
__________
(1) عن عددهم ،و عن الخائضين في الفتنة ، أنظر الفصل الثاني .
(1/4)
فمن الذين اعتزلوا الفتنة مطلقا : سعد بن أبي وقاص ، و عبد الله بن عمر ،و محمد بن مسلمة الأنصاري ،و سلمة بن الأكوع ،و سعيد بن زيد(1) ،و صهيب بن سنان الرومي ،و أسامة بن زيد ،و أبو هريرة، و هبيب بن مغفل ،و المغيرة بن شعبة(2) ، و عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و سعيد بن العاص ، و معاوية بن حديج الأمير، و زيد بن ثابت ، و كعب بن عجرة (3) ،و سليمان بن ثمامة بن شراحيل ،و عبد الله بن مغفل ،و عبد الله بن سلام ،و أهبان بن صيفي ،و الحكم بن عمرو الغفاري(4)- رضي الله عنهم - .
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء ، ج3 ص: 128 .و ابن حجر : فتح الباري ، حققه محب الدين الخطيب ، بيروت ، دار المعرفة ، 1379ه ، ج13ص: 42 .
(2) الذهبي : نفس المصدر ج 2 ص: 18، 504 .و ابن تيمية : المصدر السابق حققه محمد رشاد سالم ، ط1، د م ، مؤسسة قرطبة ، ج 8 ص: 146 .و ابن حجر : الاصابة في معرفة الصحابة، ج6 ص: 198، 529 . و تعجيل المنفعة ، ط1، بيروت ، دار الكتب العلمية ، د ت ، ج 1 ص: 429 .
(3) الذهبي : المصدر السابق ج 3ص: 445 .و تذكرة الحفاظ حققه حمدي السلفي ، ط1 الرياض ، دار الصميعي ، 1415ه ج 1ص: 30 .و ابن عبد البر: الاستيعاب ، ط1، بيروت دار الجيل 1412 ج 2ص: 537 .و النووي: تهذيب الأسماء ط1 بيروت، دار الفكر ، 1996 ج1 ص: 254 .
(4) ابن حجر: الإصابة ، ج3ص: 137 ،و ج4 ص: 119 . ابن كثير: المصدر السابق ج 7 ص: 234 .و محمد أمحزون : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ، ط3 الرياض، دار طيبة الرياض ، 1420ه ، ج2 ص: 170 .و ابن ماجة :السنن بيروت دار الفكر ،دت ج 2ص: 1309 .و الذهبي : المصدر السابق ج 2 ص: 474 .
(1/5)
و من مواقفهم في اعتزال الفتنة : موقف الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص ، فقد جاء في خبر صحيح الإسناد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر بن راشد ، عن أيوب السختياني ،و عن محمد بن سيرين ، أنه قيل لسعد : ألا تقاتل ، فانك من أهل الشورى ،و انت أحق بهذا الأمر من غيرك ؟ قال : (( لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ،و لسان و شفتان ، يعرف الكافر من المؤمن ،و قد جاهدت و أنا أعرف الجهاد ،و لا أبخع نفسي إن كان رجل خيرا مني ))(1)
و ورد في رواية أخرى أن أحد أبناء سعد بن أبي وقاص ، قال لوالده : نزلت في إبلك و غنمك و تركت الناس يتنازعون الملك ، فضرب سعد صدر ولده عمر و قال له : (( اسكت سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم-يقول :إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي ))(2) . و في رواية لأحمد بن حنبل أن سعدا قال لابنه عمر : (( أي بني أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأسا ، لا و الله حتى أعطي سيفا إن ضربت به مؤمنا نبا عنه ،و إن ضربت به كافرا قتلته ،و قد سمعت رسول الله –صلى الله عليه و سلم- يقول : ((إن الله عز وجل يحب الغني الخفي التقي )) (3) .
و جاء رجل إلى سعد بن أبي وقاص ،و قصّ عليه مناما رآه عن الفتنة ، ثم قال له : مع أي الطائفتين أنت ؟ فقال سعد : ما أنا مع واحدة منهما ، فقال الرجل : فما تأمرني ؟ قال : هل لك من غنم ؟ قال : لا ، فقال له سعد : فاشتر غنما ، فكن فيها حتى تنجلي الفتنة (4)
__________
(1) معمر بن راشد : الجامع ، ط2 بيروت المكتب الإسلامي، ج11 ص: 357 .
(2) مسلم : صحيح مسلم ، بيروت دار إحياء التراث العربي د ت، ج4 ص: 2277
(3) أحمد بن حنبل : المسند ، مصر مؤسسة قرطبة ، د ت ج 1 ص: 177 .
(4) إسناد هذا الخبر صحيح على ما ذكره المحقق . الذهبي : سير أعلام النبلاء ج 1 ص: 120 .
(1/6)
و روى المؤرخ شمس الدين الذهبي –بلا إسناد- أن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- كان يغبط سعد بن أبي وقاص ،و عبد الله بن عمر –رضي الله عنهم – و يقول : (( لله منزل نزله سعد و ابن عمر ، لئن كان ذنبا لصغير ،و لئن كان حسنا إنه لعظيم ))(1) . و قوله هذا صحيح المعنى و جدير بالتنويه و الاعتبار ، لأن الفتنة جرّت على المسلمين مصائب كثيرة ،و أورثتهم الفرقة و العداوة ،و البغضاء و الاقتتال ،و لم ينج منها إلا الذين اعتزلوها .
و أما محمد بن مسلمة الأنصاري –رضي الله عنه – فقد اعتزل موقعتي الجمل و صفين و اتخذ سيفا من خشب ، و خرج من المدينة إلى بادية الرّبذة و أقام بها ، و كان ذلك بأمر نبوي ، على ما ذكره الحافظ الذهبي .و هو من نجباء الصحابة ، شهد بدرا و المشاهد الأخرى (2) . و هو الذي قال فيه رسول الله –صلى الله عليه و سلم-: (( لا تضرّه الفتنة )) و في رواية (( لا تضرّك الفتنة ))(3) .
__________
(1) الذهبي : تذكرة الحفاظ ج 1 ص: 22 .و نفس المصدر ج 1 ص: 122 .
(2) الذهبي:السيرج2 ص: 266، 369 .و الكاشف ، حققه محمد عوامة ، ط1 جدة، دار الثقافة الإسلامية ، 1413 ج 2 ص: 222 .
(3) رواه الحاكم و صححه . المستدرك على الصحيحين ، حققه عبد القادر عطا ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1990 ، ج 3 ص: 492 .و رواه أيضا أبو داود ،و صححه الألباني ، سنن أبي داود ،بيروت دار الفكر دت ، القرص المضغوط ،: مكتبة البيت المسلم الشاملة ، مؤسسة الخطيب للبرمجيات ، الأردن .
(1/7)
و في رواية(1) للتابعي أبي بردة بن أبي موسى (ت104ه) أنه مر-أيام الفتنة- بمحمد بن مسلمة بالربذة ، فقال له : لو خرجت إلى الناس فأمرت و نهيت ، فقال له : قال لي النبي –عليه الصلاة و السلام- (( يا محمد ستكون فرقة و فتنة و اختلاف ، فاكسر سيفك ،و اقطع وترك ،و اجلس في بيتك )) ففعلت ما أمرني(2) . و هناك أربعة أحاديث أخرى متشابهة المتون ، فيها أمر نبوي صريح ، لمحمد بن مسلمة باعتزال الفتنة و عدم الخوض فيها ، أولها أن الرسول –صلى الله عليه و سلم – قال له : (( إذا رأيت الناس يقتتلون على الدنيا فاعمد بسيفك على أعظم صخرة في الحرة ، فاضربه بها ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة ، أو منية قاضية )) ، ثم قال محمد بن مسلمة : ففعلت ما أمرني به رسول الله –صلى الله عليه و سلم ))(3) .
و الحديث الثاني ، فيه أن رسول الله –صلى الله عليه و سلم- أعطى سيفا لمحمد بن مسلمة ، -رضي الله عنه – و قال له : (( جاهد بهذا ، في سبيل الله ، فإذا اختلفت أعناق الناس ، فاضرب به الحجر ، ثم ادخل بيتك ، فكن حلسا ملقى ، حتى تأتيك يد خاطئة ، أو منية قاضية ))(4) .
__________
(1) رواتها كلهم ثقات ما عدا : علي بن زيد بن جدعان ، ففيه ليّن و ليس بالثبت .الذهبي : الكاشف ج1ص: 178، 313،ج2ص: 40 .و ابن حجر : تقريب التهذيب ، حققه محمد عوامة ، ط1 سوريا ، دار الرشيد ، 1986 .
(2) أحمد بن حنبل : المصدر السابق ، ج 3ص: 493 .و الذهبي :السير، ج2 ص: 371 .و البخاري : التاريخ الكبير ، ج1 ص : 11 .
(3) الحديث رواه الطبراني في المعجم الأوسط ، و رجاله ثقات . علي بن أبي بكر الهيثمي : مجمع الزوائد ، القاهرة دار الريان للتراث ، 1407 ، ج 7 ص: 301 .
(4) رواه الطبراني في المعجم الكبير ، و رجاله ثقات . نفسه ج 7 ص: 301 .
(1/8)
و في الحديث الثالث ، أن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- جاء –أيام الفتنة-إلى محمد بن مسلمة ، و قال له : (( ما خلفك عن هذا الأمر ؟ فقال له : دفع إلي ابن عمك –يعني الرسول – سيفا و قال لي : قاتل به ما قوتل العدو ، فإذا رأيت الناس يقتل بعضهم بعضا ، فاعمد به إلى صخرة فاضربه بها ، ثم ألزم بيتك حتى تأتيك منية قاضية ، أو يد خاطئة )) فقال علي خلّو عنه (1) .
و آخرها –أي الحديث الرابع- فيه أن رسول الله –عليه الصلاة و السلام – قال لمحمد بن مسلمة: (( إنها ستكون فتنة و فرقة و اختلاف ، فإذا كان كذلك فأت بسيفك أُحدا فاضربه حتى ينقطع ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة ، أو منية قاضية )) ، ثم قال محمد بن مسلمة –أيام الفتنة- : فقد فعلت ما قاله لي رسول الله –عليه الصلاة و السلام -(2) .
__________
(1) أحمد بن حنبل : المصدر السابق ج 4 ص: 225 .
(2) رواه الطبراني في المعجم الأوسط ،و رجاله ثقات . الهيثمي : المصدر السابق ج 7 ص: 301 .و رواه أيضا ابن ماجة ،و صححه الألباني ، سنن ابن ماجة ، القرص المضغوط : مكتبة البيت المسلم الشاملة ، مؤسسة الخطيب للبرمجيات ، الأردن .
(1/9)
و منهم –أيضا- أسامة بن زيد –رضي الله عنه- فإنه عندما أرسل مولاه حرملة إلى علي بن أبي طالب زمن الفتنة ، قال لمولاه عن علي ، إنه يسألك عن تخلفي عنه ، فقل له يقول لك : (( لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ، لكن هذا الأمر لم أره ))(1) .و في رواية أخرى عن معمر بن راشد عن الشهاب الزهري ، أن عليا لقي أسامة –رضي الله عنهما – فقال له : ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة ، فلم لا تدخل معنا –أي في القتال- فقال له : يا أبا حسن ، إنك و الله لو أخذت بمشفر –أي الشفة- الأسد لأخذت بمشفره الآخر معك حتى نهلك جميعا ، أو نحيا جميعا ، و أما هذا الأمر الذي أنت فيه ، فو الله لا أدخل فيه ))(2) .
و أما الصحابي سلمة بن الأكوع ، - رضي الله عنه- فإنه لما استشهد عثمان –رضي الله عنه- و حدثت الفتنة اعتزل الناس ،و خرج من المدينة إلى بادية الرّبذة و سكنها ، و تأهل بها و لم يلابس شيئا من الفتنة . و عندما قيل له : لماذا تعرّبت –أي أصبح أعرابيا- قال : إن رسول الله –صلى الله عليه و سلم- أذن لي في التعرّب و سكن البادية (3) .
__________
(1) البخاري : صحيح البخاري ط3 بيروت، دار ابن كثير ج 6 ص : 2602 .
(2) الذهبي : سير أعلام النبلاء ج 2 ص: 504 .
(3) البخاري : المصدر السابق ج 8 ص : 2597 . و ابن حجر : فتح الباري ، ج 13 ص: 42 .
(1/10)
و منهم الصحابي الجليل : أبو هريرة -رضي الله عنه- فقد اعتزل الفتنة و لم يلابسها (1) ،و يبدوا أنه اتخذ هذا الموقف تمسكا بالحديث المشهور عن اعتزال الفتنة ، لأنه هو أحد رواته ، فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة ، أن رسول الله –صلى الله عليه و سلم- قال : (( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ،و القائم فيها خير من الماشي ، و الماشي فيها خير من الساعي ،و من تشرّف لها تستشرفه ، فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذبه ))(2) .
و منهم –أيضا- الصحابي أهبان بن صيفي البصري –رضي الله عنه- فإنه عندما اعتزل الفتنة ، جاءه علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- و طلب منه أن يلتحق به ، فقال له : نعم ثم دعا جارية له بأن تأتيه بسيفه ، فأخرجته فإذا هو من خشب ، و قال لعلي : (( إن خليلي ابن عمك -صلى الله عليه و سلم-عهد إلي إذا كانت الفتنة بين المسلمين ، فاتخذ سيفا من خشب ، فإن شئت خرجت معك ، قال علي : لا حاجة لي فيك و لا في سيفك (3) .
__________
(1) ابن تيمية : منهاج السنة ط رشاد سالم ج 8 ص: 146
(2) صحيح البخاري ، ج6 ص: 2594 .
(3) روى الخبر احمد بن حنبل : المسند ج 5ص: 69، و ج6 ص: 393 .و ابن ماجة ،و الترمذي ، و صححه الألباني . سنن ابن ماجة كتاب الفتن ج 2 ص: 1309 .و سنن الترمذي ، كتاب الفتن ج4 ص: 490 ، القرص المضغوط : مكتبة البيت المسلم الشاملة ، مؤسسة الخطيب للبرمجيات ، الأردن .
(1/11)
و منهم الصحابي عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- ، فقد حرص على ألا يقترب من الفتنة أبدا ،و لا يكون سببا في قتل أحد ، و كان يقول : من قال حي على الصلاة أجبته ، و من قال : حي على قتل أخيك المسلم و أخذ ماله ، فلا (1) .و عندما كلّفه علي بن أبي طالب-بعدما بايعه الناس- بالذهاب إلى الشام ليتولى إمارته ، اعتذر له و ترجاه بأن يعفيه ، فلم يقبل منه ، فظل ابن عمر يبحث عن المعاذير ، و استعان عليه بأخته حفصة أم المؤمنين –رضي الله عنها- ثم خرج ليلا إلى مكة فارا دون علم من علي ، فلما سمع بأمره سكن(2) .
و آخرهم الصحابي عبد الله بن سعد بن أبي سرح –رضي الله عنه- ، كان واليا لعثمان بن عفان- رضي الله عنه- على مصر ، فلما سمع باستشهاده سنة 35ه اعتزل الفتنة ،و التحق بفلسطين فرارا من منها - أي الفتنة- فبقي بها إلى أن وافته المنية ، و هو في الصلاة ، سنة 36ه (3) .
و من مظاهر الاعتزال الجماعي للفتنة ، أنه روي أن علي بن أبي طالب عندما ندب أهل المدينة للخروج معه للقتال لم يوافقوه ،و أبوا الخروج معه ، فكلّم عبد الله بن عمر شخصيا للخروج معه ، فقال له : أنا رجل من المدينة . ثم كرر عليهم دعوته للسير معه عندما سمع بخروج أهل مكة إلى البصرة ، فتثاقل عنه أكثرهم ،و استجاب له ما بين : 4-7 من البدريين(4) .
__________
(1) إسناد هذا الخبر حسن ،قاله المحقق . .الذهبي: السير، ج 3 ص: 228 .
(2) رجال هذا الخبر ثقات ، و هم : ابن عيينة ،و عمر بن نافع ، عن أبي ، عن ابن عمر . نفس المصدر ج 3 ص: 224 .
(3) البخاري : التاريخ الكبير ، ج5 ص: 29 .و النووي : تهذيب الأسماء ، ج1 ص: 254 .
(4) ابن كثير : المصدر السابق ج 7 ص: 231 ، 234 .
(1/12)
و أما الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة ،و كان لهم فيها نشاط بارز في دعوة الناس إلى اعتزالها ، فأولهم أبو موسى الأشعري –رضي الله عنه – فكان يجمع الناس في الكوفة ،و يحذرهم من المشاركة في الفتنة ،و يذكّرهم بما سمعه من رسول الله –صلى الله عليه و سلم- في دعوته لاعتزال الفتن . فمن ذلك أنه كان يقول لهم : يا أيها الناس إن هذه الفتنة ، فتنة باقرة كداء البطن ، لا ندري أنى تؤتى ، تأتيكم من مأمنكم ،و تدع الحليم كأنه ابن أمس ، قطّعوا أرحامكم ، و انتصلوا رماحكم(1) .
__________
(1) روى هذا الخبر ابن أبي شيبة ، عن غندر محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عاصم بن سليمان ، عن أبي وائل شقيق بن أبي مسلمة . ( ابن أبي شيبة: المصنف ، حققه كمال الحوت ، ط1 الرياض ، مكتبة الرشد ، 140-9 ه ، ج7 ص: 524 .) و هؤلاء الرواة ثقات . الذهبي : السير ج 9 ص: 99، 100 ،101 ،و ج4ص: 161 .و تذكرة الحفاظ ، حققه حمدي السلفي ، ط1 الرياض ، دار الصميعي ، 1415ه ، ج 1ص: 149-150 .و رواه أيضا نعيم بن حماد بإسناد رجاله ثقات . كتاب الفتن ، حققه سمير الزهيري ، ط1 القاهرة ، مكتبة التوحيد ، 1412 ه ، ج1ص: 66 .و الذهبي : تذكرة الحفاظ ، ج 1 ص: 294 .و ميزان الاعتدال ، حققه علي معوطي ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1995 ، ج3ص: 315 .و ابن حبان : الثقات ، حققه السيد شرف الدين أحمد ، ط1 بيروت ، دار الفكر ، 1975 ، ج 7 ص: 441-442 .
(1/13)
و عندما حل عمار بن ياسر –رضي الله عنه – بالكوفة و شرع في استنفار الناس ليلتحقوا بجيش علي ، أنكر عليه أبو موسى الأشعري ، و أبو مسعود البدري –رضي الله عنهما – فعله ، و قالا له : ما رأينا منك أمرا منذ أسلمت أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر . فقال عمار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر(1) .
__________
(1) روى ذلك الحاكم في المستدرة ،ج3 ص: 127 . و ابن أبي شيبة عن غندر محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي وائل ، و رجاله ثقات . ابن أبي شيبة : المصدر السابق ج 7ص: 546 .و الذهبي : تذكرة الحفاظ ج1ص: 121 .و سير أعلام النبلاء ، ج4 ص: 161 ،و ج9 ص: 101 .
(1/14)
و من الأحاديث النبوية التي رواها أبو موسى الأشعري في صده للناس عن الفتنة ثلاثة أحاديث ، أولها أن رسول الله –صلى الله عليه و سلم- قال عن أيام الفتنة : (( كسّروا قسيّكم ،و قطّعوا أوتاركم ،و ألزموا أجواف البيوت ، و كونوا فيها كالخيّر من بني آدم ))(1) . و ثانيها أن أبا موسى الأشعري خطب في الناس زمن الفتنة ، فكان مما قاله لهم : (( قال رسول الله –صلى الله عليه و سلم- إن من بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا و يمسي كافرا ، و يمسي مؤمنا و يصبح كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ،و القائم فيها خير من الماشي ، و الماشي فيها خير من الساعي ))(2) . و ثالثها قوله عليه الصلاة و السلام : (( إذا التقى المسلمان بسيفهما ، فالقاتل و المقتول في النار )) ، فقيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : (( إنه كان حريصا على قتل أخيه ))(3) .
__________
(1) رواه أحمد في المسند ج 4ص: 408 .و الترمذي ،و صححه الألباني . سنن الترمذي ج4 ص: 490 .
(2) روي هذا الحديث من عدة طرق ، منها رواية أحمد : المسند ج 4 ص: 408 .و ورواية البخاري عن أبي هريرة ، و هي قريبة من رواية أبي موسى،و قد ذكرت .
(3) رواه ابن ماجة و صححه الألباني . السنن ، كتاب الفتن ج 2ص: 1311 .و رواه عن أبي بكرة البخاري ،و مسلم ، و أحمد ، و أبو داود ، و النسائي . العجلوني : كشف الخفاء ،بيروت ،مؤسسة الرسالة 1405ه،ج1ص: 86 .
(1/15)
و رُوي أن عليا و أصحابه كانوا منزعجين من نشاط أبي موسى الأشعري ، في دعوته للناس باعتزال الطائفتين المؤمنتين المتقاتلتين ، لأن عمله هذا كان يصد الناس عن الالتحاق بهم . فمن ذلك خبران ، أولهما ما رواه الطبري بقوله : حدثنا عمر بن شبّة ، حدثنا أبو الحسن-المديني- حدثنا بشير بن عاصم عن ابن أبي ليلى ، عن أبيه أنه قال : لما سمع علي بن أبي طالب بأن واليه على الكوفة أبا موسى الأشعري يدعوا الناس إلى اعتزال الفتنة ، بعث إليه كتابا مع هاشم ابن عتبة ، يخبره فيه أنه أرسل إليه هاشم بن عتبة ليحرّض أهل الكوفة على الالتحاق به ، ثم قال لأبي موسى : (( فإني لم أولك الذي أنت فيه إلا لتكون من أعواني على الحق )) ، فلما وصل الكتاب إلى أبي موسى لم يستجب لعلي فيما أمره به من تجميع الناس و الوقوف معه . فكتب هاشم بن عتبة إلى علي يقول له عن أبي موسى : (( إني قد قدمت على رجل غال ظاهر الغل و الشنآن ))- أي البغض- فأرسل إليه علي بن أبي طالب ، ابنه الحسن و عمار بن ياسر –رضي الله عنهم- ليستنفرا له الناس ، و بعث قرظة بن كعب الأنصاري أميرا على الكوفة خلفا لأبي موسى و كتب إليه يقول : (( إلى أبي موسى ، أما بعد فقد كنت أرى أن بعدك عن هذا الأمر ، الذي لم يجعل لك منه نصيبا ، سيمنعك من رد أمري . . . فاعتزل عملنا مذموما مدحورا ،و فإن لم تفعل فإني قد أمرته –أي قرظة بن كعب- أن ينابذك(1) ، فإن نابذته فظفر بك أن يقطّعك آرابا )) ، فلما وصل الكتاب إلى أبي موسى اعتزل الإمارة (2) .
__________
(1) المنابذة هي المفارقة عن خلاف و بغض ، و من معانيها أيضا المجاهرة بالحرب . علي بن هادية و آخران : القاموس الجديد ، الجزائر ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، 1991 ، ص: 1180 .
(2) الطبري : المصدر السابق ج 3 ص: 35 .
(1/16)
فهذه الرواية صريحة في أن أبا موسى الأشعري كان يعمل على عكس سياسة علي بن أبي طالب ، مما جعله ينزعج منه و يذمه ،و يهدده باستخدام القوة ضده ، إن هو لم يعتزل إمارة الكوفة . و أن أبا موسى قد أزعج عليا و أصحابه عندما حث الناس على اعتزال الفتنة ،و عدم القتال مع أي طائفة من الطائفتين المتنازعتين . لكنني مع ذلك استبعد هذه الرواية ،و اعتقد أنها غير صحيحة في كثير مما ذكرته ، و ذلك لأمرين ، أولهما أن في إسنادها : ابن أبي ليلى عن أبيه ، و هو ليس بالقوي ،و مضطرب الحديث ،و لم يسمع من والده شيئا ، لأنه لم يدركه ، فقد توفي والده و هو طفل صغير(1) . و هذا يعني أن إسناد الرواية ضعيف ، فيه انقطاع و إرسال .
و الثاني أن متن الرواية فيه ما ينكر و يستهجن و يستبعد ، فهي زعمت أن أبا موسى الأشعري –رضي الله عنه- كان ظاهر الغل و البغض لعلي و أصحابه ، و هذا غير صحيح ، لأن أبا موسى سبق و أن ذكرنا أنه لم يكن يذم أحدا من المسلمين ، و إنما كان يحذّرهم من الفتنة ،و يثبّطهم عن المشاركة فيها شفقة عليهم .
كما أن في جواب علي لأبي موسى –رضي الله عنهما- شدة و مبالغة في الذم و التهديد و التوعّد بعزله و محاربته و تقطيعه إربا إربا إن هو أصر على بقائه أميرا على الكوفة . و هذا التصرّف-في اعتقادي- لا مبرر له و بعيد أن يصدر عن صحابي جليل كعلي بن أبي طالب ، تجاه صحابي جليل مسالم يدعوا إلى حقن دماء المسلمين .
__________
(1) الذهبي : تذكرة الحفاظ ، ج1 ص: 171 .و أبو سعيد العلائي : جامع التحصيل ، ط2 بيروت ، عالم الكتب 1986 ، ص: 266 .
(1/17)
و الرواية الثانية هي الأخرى للطبري ،و فيها أن نصر بن مزاحم قال : حدثنا عمر بن سعيد ، قال حدثني رجل عن نعيم ، عن أبي مريم الثقفي ، قال : عندما كان عمار بن ياسر و أبو موسى الأشعري يتجادلان في مسجد الكوفة دخل غلمان لأبي موسى المسجد و هم يصرخون ،و يقولون أن الأشتر النخعي(1) دخل قصر الإمارة و ضربهم و أخرجهم ، فخرج أبو موسى من المسجد و دخل قصر الإمارة ، فصاح عليه الأشتر قائلا : اخرج من قصرنا ، لا أم لك ، أخرج الله نفسك ، فو الله إنك لمن المنافقين قديما )) ، فقال له أبو موسى : اجلني هذه العشية ، فقال : هي لك ،و لا تبيتن في القصر الليلة . ثم دخل الناس القصر ينتهبون متاع أبي موسى ، فمنعهم الأشتر و أخرجهم من القصر ،و قال : إني قد أخرجته ، فكف الناس عنه (2) .
هذه الرواية هي الأخرى فيها تصوير ، لما كان يقوم به أبو موسى الأشعري في التصدي للفتنة و دعوة الناس إلى اعتزالها ،و رد فعل بعض أصحاب علي تجاه ما يقوم به ضد سياستهم ؛ لكنها –أي الرواية- لا تصح ، لأن في إسنادها : نصر بن مزاحم ، وهو كذاب متروك ، واهي الحديث رافضي جلد(3) . و في الإسناد – أيضا- مجهول ، قال عنه عمر بن سعيد : حدثني رجل عن نعيم . فمن هو هذا الرجل ؟ فهو إذن مجهول العين و الحال .
__________
(1) هو أحد كبار رؤوس الفتنة الذين قادوا الثورة على عثمان بن عفان ، و هو أيضا أحد كبار قادة جيش علي بن أبي طالب .
(2) الطبري : المصدر السابق ، ج3 ص : 28 .
(3) الذهبي : ميزان الاعتدال ، مصر دار المعارف ، ج 4 ص: 253-254 .
(1/18)
و من نشاط أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- في تسكين الفتنة بين الطائفتين المؤمنتين المتقاتلتين ، إنه قبل أن يكون أحد الحكمين في قضية التحكيم بعد معركة صفين ، فمثّل أهل العراق في اجتماعه بممثل أهل الشام عمرو بن العاص –رضي الله عنه- فقام الاثنان بدورهما كاملا ،و اتفقا على و ثيقة عمل لوضع حد للفتنة(1) .
__________
(1) ما يحكى عن أبي موسى أنه كان مغفلا ،و أن ابن العاص كان داهية مكارا ، و أنهما تسابا و افترقا عليه ، و غيرها من المزاعم هي أخبار لا تثبت أمام التحقيق و النقد العلميين ، و للتوسع في هذا الموضوع أنظر لكاتب هذه السطور كتاب : قضية التحكيم قي موقعة صفين ، ط1 الجزائر ، دار البلاغ ، 1423 ه/2002م، ص: 30 و ما بعدها .
(1/19)