المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المنهج لا الأشخاص(موضوع مهم جدا)أرجو التثبيت



صهيب
01-09-2008, 08:54 AM
المنهج لا الأشخاص

د. علي بن عمر بادحدح

لم يكن بين هارون عليه السلام وسحرة فرعون مناقشة ولا حوار، ولا ألقى لهم عصى ولا أخرج لهم يداً بيضاء، ومع ذلك قالوا {آمنا برب هارون وموسى } وسبب ذلك أنهم أرادوا الإعلان أن إيمانهم بالمبدأ والمنهج لا بالشخص والمعجزة فقط، وكأنهم يقولون آمنا برب هارون الذي لم يحاورنا ولم يبطل سحرنا تماماً كما آمنا برب موسى عليه السلام .

ويوم حلَّ الحدث العظيم والخطب الجسيم بوفاة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ذهلت عقول الصحابة، وانعقدت ألسنتهم، ولم يصدق بعضهم الأمر لأنهم فجعوا فيمن تعلقت به قلوبهم محبةً وتقديراً، وارتبطت به حياتهم قدوةً وتعليماً ،وهنا قام أبو بكر الصديق - رضي الله عنه- معلناً أن الارتباط بالمنهج أساس الاستمرار فقال: "من كان يعبد محمداً فإن محمد قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " .

وهذا يدل على أن المحبة والوفاء للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - وحسن الفهم والتعلم منه هو الارتباط بمنهجه والتمسك بسنته ورفع رأيته دونضعف ولا خور، وهكذا فعل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه- في خلافته.

ومن هنا لابد للداعية أن يعرف أن " الارتباط بالمنهج لا بالأشخاص " مبدأ أصيل في الدعوة ، لابد أن يلقنه للناس ويوصله لهم من خلال كلماته وكتاباته ، وأن يطبعه في نفوس المدعوين من خلال مواقفه وأحواله ، وذلك يعود عليه وعلى الناس بالفائدة ويحميهم من الزيغ والانحراف.

فالداعية يعرف بهذا المنهج نفسه ويقدرها قدرها فلا يغرّه ثناء الناس ومبالغتهم في وصفه بما ليس فيه بل يكون حذراً من مثل هذا بحيث لا يقبل المبالغة في الاقتداء به والمدح له وإن رأى غلواً فيه ردد مقولة أبي بكر رضي الله عنه " اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالا يعلمون " واستمع إلى نصيحة عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو يقول : " لا يغلبن جهل الناس بك علمك بنفسك " فالداعية يتعلم التواضع ويدرك أن الفضل والمنّة لله أولاً وآخراً ، ويستحضر قوله تعالى : { ولا تمنن تستكثر } ويتأسى بقول ميمون بن مهران لما قال له رجل : " يا أبا أيوب ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم " فلم يفرح بذلك وينتفخ تعاظماً وكبرياءً بل قال : " على شأنك ما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم " و مع ما سبق يدرك الداعية أيضاً أن الله ناصر دينه به أو بغيره ، فالشرف و الفائدة له إنه هو بذل واجتهد،وإنه تخلى ونكص فالركب ماضٍ والدعوة سائرة وهو الخاسر الأكبر ، ولن تتوقف المسيرة بوقوفه { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم } .

فأنت أيها الداعية مهما بلغت و بذلت عبد ضعيف فخذ العبرة من الداعية المجاهد نور الدين محمود قال له قائل: بالله لا تخاطر بنفسك فإن أصبت في معركة لا يبقى من المسلمين أحد إلا أخذه السيف فقال محمود : " ومن محمود حتى يقال هذا ؟حفظ الله الإسلام قبلي، لا إله إلا هو".

والناس يستفيدون من هذا المنهج استقلال شخصياتهم ، ويعلمون أنهم متعبدون بالكتاب والسنة ، وأن العالم والداعية له فضل وقدر لكنهم ليسوا إمّعات يتبعونه في كل شئ وإن كان خطأً ! بل كما أوصاهم المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساءوا أن تجتنبواإساءتهم ) .

ثم هم يعصمون من الانحراف في تقديس الأشخاص أو الخطأ في المفاهيم والتصورات وهذا ما قصده عمر - رضي الله عنه- عندما قال: " لأنزعن خالداً حتى يُعلَمأن الله إنما ينصر دينه" يعني بغير خالد، وهذا كله لا يطغى على أهمية القدوة أويلغي أثرها ولكنه يضع الأمور في نصابها .

__________________