الأسمر
01-24-2008, 09:35 PM
جراحات غزة .. ,
:
حلّ الظلام واكتست بثوب أسودٍ كاحل , لا ملامح له , فبعد أن كنت تمشي فيها لترى زحمة المباني , والطرقات الضيقة التي تحرمك المشي بسلام ,
فالطريق لا يتسع للمركبات وأنت معاً !
و ترى جدرانها الحزينة التي تحمل وجوه أبطالٍ قد غادروها ورحلوا , أو ترى بضع كلماتٍ أسفل كلّ صورة تحكي لك قصة حزن من نوع آخر , تقف أمامها حائراً ...
إنها غزة السجينة ,التي حوصرت - وهي المحاصرة منذ نصف قرن وأكثر - من كل شيء
" الكهرباء "من منكم يستغني عنها دقيقة ! و أي جهاز في بيتك يعمل بلا كهرباء - و أنت في القرن الحادي والعشرين !-
اليوم وبعد أن أجبر الاحتلال أهل غزة على الحياة بلا كهرباء , بلا وقود و بلا شيء !
أصبح نهار غزة كليلها ... نهار بارد كئيب وليل أبرد وأكثر كئابة ..
شلل تام للحركة وللحياة ! فلا مركبات تقلـّك لعملك أو جامعتك أو أي مكان ,
وحال المواد الغذائية أكثر سوءاً , فبالكاد تجد في السوق أساسيّات بيتك , والخبز - إن وجدته في الفرن_ , فستضطر لتقف في طابور طويل ,
تحتاج لساعات كي يصل دورك ..
والمحال التجارية التي باتت تغلق أبوبها باكراً جداً فلا بضائع فيها , ولا كهرباء لإنارتها ..
البيوت والشوارع تعبق برائحة الدخان المتصاعد من إشعال الحطب والأخشاب فهذه هي وسيلة التدفئة هنا ! تكاد تختنق من دخانها حيث الأكسجين شارف على الانتهاء
هذا الأكسجين الطبيعي .. فما بالك بالصناعي ؟ إن من يعيش على الأكسجين الصناعي والأجهزة الاصطناعية مهدد بالموت كل لحظة .. و قد مات منهم فعلاً ,
ومن مات فلا ثلاجة موتى تأويه ولا كفناً يحميه ! إننا سنبكي يوماً لن نكرّم فيه حتى عند موتنا !
أما الأطفال فلهم حكايات أخرى ..
تجدهم أكثر المهتمين بمتابعة أخبار الاجتياح و حصي أعداد الشهداء , و معرفة أماكن القصف , يريدون معرفة الأخبار كآبائهم وأمهاتهم تماماً ! فقنواتهم الطفولية قد شُفّرت من قِبَل الاحتلال
إن حدثتكم عن أطفال بنايتي التي أسكن فيها - ربما - تستغربون , فكل يوم يجتمعون نهاراً ويفترقون مساءً عند الظلام , في النهار يعتلون سطح المبنى ليراقبوا الطيران في الجو و يخبروك ما إذا الطائرة اقتربت وتستعد للقصف !
فعن خبرتهم في هذا الموضوع حدث ولا حرج !
وإن راقبتهم لوجدت كل منهم قد صوّب بندقية ذات رصاصات " كاذبة " على الطائرات في الجو , كي تحطمها حتى آخر قطعة ..
وإن راقبت حديثهم , لسمعت كل منهم يروى حلمه للآخر " أنا نفسي ييجوا اليهود في شارعنا عشان أموّتهم في بارودتي "ويسترسل في تصوير نفسه البطل الذي سيقضى على كل الصهاينة .
فتبتسم لتلك الخيالات الواسعة , وتبكي على حلمه الذي يفتقد لبراءة الطفولة .
فأطفالنا هنا لا يربطهم بمعنى الطفولة إلا الاسم , أما أعمارهم العقلية فيصعب عليك تقديرها !
إن أهل غزة -كباراً وصغاراً - يبذلون جهداً لجبر نفسياتهم المحطمة , وكم يجاهدون للصبر والثبات , و مظاهراتهم التي تهز بقاع الأرض وتزلزلها , والتجائهم إلى الله في قيام الليل , و في الدموع الحارقة والملتهبة التي تستغيث وتتوسل الرحمة ..
, و عليك الرفق ثم الرفق بمرضى السكر والضغط لتحافظ على هدوئهم -الظاهري فقط - فالكل من داخله نار تشتعل , و لسان حالهم يقول " إلى متى " !
فــآهٍ و ألف آهٍ على جروحك يا غزة , صورتكِ لم تكتمل فأنتِ ما زلتِ تخبّـئين جروحاً أخرى لا نهاية لها ,
اعذريني .. فسأكتب باقيها على الرمال علـّها تُمحى مع الأيام ...
بقلم رهام ن - قطاع غزة
:
حلّ الظلام واكتست بثوب أسودٍ كاحل , لا ملامح له , فبعد أن كنت تمشي فيها لترى زحمة المباني , والطرقات الضيقة التي تحرمك المشي بسلام ,
فالطريق لا يتسع للمركبات وأنت معاً !
و ترى جدرانها الحزينة التي تحمل وجوه أبطالٍ قد غادروها ورحلوا , أو ترى بضع كلماتٍ أسفل كلّ صورة تحكي لك قصة حزن من نوع آخر , تقف أمامها حائراً ...
إنها غزة السجينة ,التي حوصرت - وهي المحاصرة منذ نصف قرن وأكثر - من كل شيء
" الكهرباء "من منكم يستغني عنها دقيقة ! و أي جهاز في بيتك يعمل بلا كهرباء - و أنت في القرن الحادي والعشرين !-
اليوم وبعد أن أجبر الاحتلال أهل غزة على الحياة بلا كهرباء , بلا وقود و بلا شيء !
أصبح نهار غزة كليلها ... نهار بارد كئيب وليل أبرد وأكثر كئابة ..
شلل تام للحركة وللحياة ! فلا مركبات تقلـّك لعملك أو جامعتك أو أي مكان ,
وحال المواد الغذائية أكثر سوءاً , فبالكاد تجد في السوق أساسيّات بيتك , والخبز - إن وجدته في الفرن_ , فستضطر لتقف في طابور طويل ,
تحتاج لساعات كي يصل دورك ..
والمحال التجارية التي باتت تغلق أبوبها باكراً جداً فلا بضائع فيها , ولا كهرباء لإنارتها ..
البيوت والشوارع تعبق برائحة الدخان المتصاعد من إشعال الحطب والأخشاب فهذه هي وسيلة التدفئة هنا ! تكاد تختنق من دخانها حيث الأكسجين شارف على الانتهاء
هذا الأكسجين الطبيعي .. فما بالك بالصناعي ؟ إن من يعيش على الأكسجين الصناعي والأجهزة الاصطناعية مهدد بالموت كل لحظة .. و قد مات منهم فعلاً ,
ومن مات فلا ثلاجة موتى تأويه ولا كفناً يحميه ! إننا سنبكي يوماً لن نكرّم فيه حتى عند موتنا !
أما الأطفال فلهم حكايات أخرى ..
تجدهم أكثر المهتمين بمتابعة أخبار الاجتياح و حصي أعداد الشهداء , و معرفة أماكن القصف , يريدون معرفة الأخبار كآبائهم وأمهاتهم تماماً ! فقنواتهم الطفولية قد شُفّرت من قِبَل الاحتلال
إن حدثتكم عن أطفال بنايتي التي أسكن فيها - ربما - تستغربون , فكل يوم يجتمعون نهاراً ويفترقون مساءً عند الظلام , في النهار يعتلون سطح المبنى ليراقبوا الطيران في الجو و يخبروك ما إذا الطائرة اقتربت وتستعد للقصف !
فعن خبرتهم في هذا الموضوع حدث ولا حرج !
وإن راقبتهم لوجدت كل منهم قد صوّب بندقية ذات رصاصات " كاذبة " على الطائرات في الجو , كي تحطمها حتى آخر قطعة ..
وإن راقبت حديثهم , لسمعت كل منهم يروى حلمه للآخر " أنا نفسي ييجوا اليهود في شارعنا عشان أموّتهم في بارودتي "ويسترسل في تصوير نفسه البطل الذي سيقضى على كل الصهاينة .
فتبتسم لتلك الخيالات الواسعة , وتبكي على حلمه الذي يفتقد لبراءة الطفولة .
فأطفالنا هنا لا يربطهم بمعنى الطفولة إلا الاسم , أما أعمارهم العقلية فيصعب عليك تقديرها !
إن أهل غزة -كباراً وصغاراً - يبذلون جهداً لجبر نفسياتهم المحطمة , وكم يجاهدون للصبر والثبات , و مظاهراتهم التي تهز بقاع الأرض وتزلزلها , والتجائهم إلى الله في قيام الليل , و في الدموع الحارقة والملتهبة التي تستغيث وتتوسل الرحمة ..
, و عليك الرفق ثم الرفق بمرضى السكر والضغط لتحافظ على هدوئهم -الظاهري فقط - فالكل من داخله نار تشتعل , و لسان حالهم يقول " إلى متى " !
فــآهٍ و ألف آهٍ على جروحك يا غزة , صورتكِ لم تكتمل فأنتِ ما زلتِ تخبّـئين جروحاً أخرى لا نهاية لها ,
اعذريني .. فسأكتب باقيها على الرمال علـّها تُمحى مع الأيام ...
بقلم رهام ن - قطاع غزة