المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رياض النعيم (اضافة مقال جديد) (5)



ابوالمنذر
02-20-2005, 11:10 AM
5)إثبات ما دل عليه الاسمين من الصفات ( صفة الرحمة ) والرد على من أنكرها



الرحمة صفة من صفات الله عزوجل ثابتة بالكتاب الكريم والسنة النبوية الصحيحة ،فقد نطق بثبوتها آي الذكر الحكيم اسماً و وصفاً و فعلاً وكذا السنة المطهرة.( 1)
قال عزوجل مسمياً نفسه :
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة:1) وقال عزوجل ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة:3) وقال عزوجل( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) (الإسراء:110)
وسماه به رسوله صلى الله عليه وسلم ونقل ذلك عنه أصحابه رضى الله عنهم ،ونقل عنهم من بعدهم رضى الله عنهم :
· عن أبى هريرة رضى الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قال الله عزوجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل ،فإذا قال العبد { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قال الله: حمدني عبدي ،وإذا قال العبد { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قال الله : أثنى علي عبدي ....) الحديث (2 ).
عن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ،أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قَالَ اللَّهُ أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِىَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا اسْماً مِنَ اسْمِي مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ) (3 ) .

وقال عزوجل وصفاً نفسه بالرحمة:
( قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:12)
( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُور ٌرَحِيمٌ) (الأنعام:54)
ونسبها إلى ذاته الكريمة:
فقال عزوجل ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (الأنعام:133)
وقال عزوجل ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) (الكهف:58)
وقال عزوجل ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:156)
وقال عزوجل ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (العنكبوت:23)
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغيث بها إذا حزبنا أمر:
فكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرا ًيقول: « يَا حيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ »( 4)
بل وأوصى بالتوسل والاستغاثة بها صباحاً ومساءاً: فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضى الله عنها:
( ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)( 5))
ونرتجيها حال الكرب فقال r:
( دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ).(6 )
وأخبر عزوجل عن نفسه أنه يرحم و أن الرحمة فعله :
فعلى لسان نوح عليه السلام ( قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ )(هود: من الآية43)
وقال عن نفسه عزوجل ( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود:119)
وقال عزوجل (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71)
وقال عزوجل ( رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (الإسراء:54)
وأما الحديث:
فَقد قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ » ( 7)
وقال صلى الله عليه وسلم « لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ » (8 ).
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ،ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ » .( 9).
صفة الرحمة الثابتة لله عزوجل من الصفات الفعلية الذاتية ،ونقصد بذلك أن" الصفات الفعليَّة من حيث قيامها بالذات تسمى صفات ذات ، ومن حيث تعلقها بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال تسمى صفات أفعال ، ومن أمثلة ذلك صفة الكلام ؛ فكلام الله عَزَّ وجَلَّ باعتبار أصله ونوعه صفة ذات ، وباعتبار آحاد الكلام وأفراده صفة فعل( 10)".

قال عزوجل ( رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (الإسراء:54) وقال عزوجل( يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) (العنكبوت:21) وقال عزوجل ( وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ )(الشورى: من الآية8)وقال عزوجل ( لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ)(الفتح: من الآية25) وقال عزوجل (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (الإنسان :31).

لذا فقد أثنى عليه بها الملائكة المقربون ، فقال عز وجل على لسان ملائكته المادحين ( 11) (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ - رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ - وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ( غافر9:7 )
ورجاها الأنبياء والمرسلون عليهم السلام،فقال عزوجل على ألسنتهم الذاكرة الطاهرة (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) (الإسراء:57)
فقد سألها الأبوان عليهما السلام ( قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف:23) وسألها خير أبنائهما من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام فقال عزوجل حاكياً عن نوح عليه السلام (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ و َإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (هود:47) وقال عزوجل حاكياً عن موسى عليه السلام( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأعراف:151) وعن سليمان عليه السلام ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل:19) وبها توسل يعقوب عليه السلام ( قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف:64) وابنه يوسف عليه السلام ( قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف:92)
وأيوب عليه السلام (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأنبياء:83) وأمر خليله محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعوه ويتوسل إليه بها فقال عزوجل آمراً إياه( وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (المؤمنون:118) عن أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « لَنْ يُدْخِلَ أَحَداً عَمَلُهُ الْجَنَّةَ » . قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « لاَ ، وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ )(12 ).

وتوسل إليه بها الصالحون من أتباع الأنبياء فها هو موسى عليه السلام و أمته( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) (الأعراف:155) ، وكذلك كافة الصالحين ( إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (المؤمنون:109) ، ورسول اللهصلى الله عليه وسلم وأمته ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة:286) وقال عزوجل )أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:9)

وتشبث بها- أمثالي- من المقصرين ما لا عمل لهم إلا تمنى رحمة أرحم الراحمين كيف لا وقد دعانا إليها ربنا عزوجل فقال ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53) وقال عزوجل ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ )(الأعراف: من الآية156) وقال عزوجل على لسان خليله إبراهيم u ( قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر:56).
إذاً فـ ( قد دل على ثبوت رحمة الله تعالى: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل:
فأما الكتاب، فجاء به إثبات الرحمة على وجوه متنوعة، تارة بالاسم، كقوله: ]وهو الغفور الرحيم[ [يونس: 107]، وتارة بالصفة، قوله: ]وربك الغفور ذو الرحمة[ [الكهف: 58]، وتارة بالفعل، كقوله: ]يعذب من يشاء ويرحم من يشاء[ [العنكبوت: 21]، وتارة باسم التفضيل، كقوله: ]وهو أرحم الراحمين[ [يوسف: 92].
وبمثل هذه الوجوه.. جاءت السنة.
وأما الأدلة العقلية على ثبوت الرحمة لله تعالى، فمنها ما نرى من الخيرات الكثيرة التي تحصل بأمر الله عز وجل، ومنها ما نرى من النقم الكثيرة التي تندفع بأمر الله، كله دال على إثبات الرحمة عقلاً.
فالناس في جدب وفي قحط، الأرض مجدبة، والسماء قاحطة، لا مطر، ولا نبات، فينزل الله المطر، وتنبت الأرض، وتشبع الأنعام، ويسقي الناس.. حتى العامي الذي لم يدرس، لو سألته وقلت: هذا من أي شيء؟ فسيقول: هذا من رحمة الله ولا يشك أحد في هذا أبداً.
فرحمة الله عز وجل ثابتة بالدليل السمعي والدليل العقلي.
و أنكر الأشاعرة وغيرهم من أهل التعطيل أن يكون الله تعالى متصفاً بالرحمة، قالوا: لأن العقل لم يدل عليها. وثانياً: لأن الرحمة رقة وضعف وتطامن للمرحوم، وهذا لا يليق بالله عز وجل، لأن الله أعظم من أن يرحم بالمعنى الذي هو الرحمة، ولا يمكن أن يكون لله رحمة!! وقالوا: المراد بالرحمة: إرادة الإحسان، أو: الإحسان نفسه، أي: إما النعم، أو إرادة النعم.
فتأمل الآن كيف سلبوا هذه الصفة العظيمة، التي كل مؤمن يرجوها ويؤملها، كل إنسان لو سألته: ماذا تريد؟ قال: أريد رحمة الله ] إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [ [الأعراف: 56]. أنكروا هذا، قالوا: لا يمكن أن يوصف الله بالرحمة!! ( 13))
فالذين نفوا صفات الله عزوجل من الجهمية فعبدوا اله لا يسمع ولا يبصر ولا يرحم فما عبدوا سوى عدم ، والمعتزلة الذين أثبتوا أسماءاً لا حقيقة لها ولا معنى فقالوا : عليم بلا علم ،فما معني عليم ؟! قالوا يعلم بذاته، ورحمن ورحيم بلا رحمة فكيف يرحم ؟! قالوا بذاته.....وهكذا عطلوا الأسماء عن معانيها ...............!!!!!
والذين أولوا ما دلت عليه الأسماء من وصف ، وقالوا بالمجاز فإنما هو بقاء لأثر الاعتزال وما تلقفوه إلا من أهله لما حاولوا كسرهم بعقولهم فألجئوهم إلي نفي الصفات ولو اعتصموا بكلام السلف t لما أصابهم ما أصابهم فلله الأمر من قبل ومن بعد ، فها هم هؤلاء الذين لُقبوا بـ ( متكلمة الإسلام ) و نسبوا زوراً إلى (السنة والجماعة )، وأهل السنة و الجماعة أبعد ما يكون مما يقول هؤلاء ، لأنهم عطلوا الصفة بلوازم ما أنزل الله بها من سلطان فقالوا : ما (الرحمة) إلا رقة القلب وانعطاف وتحرق وانفعال نفساني ( 14) ، وهذا ربما يصح في وصف المخلوقين ولكن كيف برب العالمين ؟!

فالرحمة رحمة لا تحتاج إلى تحكم رأي فاسد ، أو تسلط فكر آسن ، هي ما يستشعره العبد ويجده في قلبه و وجدانه ، يحس بها تحوطه وترعاه فما من رحمة في الأرض أو السماء إلا أثر من أثار رحمة أرحم الراحمين ، بل كل ما تري من رحمات ما هو إلا جزء من مائة جزء ادخرها الله عزوجل إلي يوم لقاءه كما قال صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَجَعَلَ مِنْهَا فِى الأَرْضِ رَحْمَةً فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَابِهَذِهِ الرَّحْمَةِ ) ( 15).

إليك أخي الكريم كلام أهل العلم رحمهم في نقض هذه الفرية ، ودحض هذه الشبه وإثبات ما أثبته الله عزوجل لنفسه في كتابه الكريم وعلي لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، إيماناً به وتصديقاً .

ابن القيم رحمه الله:
(المثال الثاني)
مما ادعوا أنه مجاز اسمه سبحانه (الرحمن) وقالوا وصفه بالرحمة مجاز ،قالوا : لأن الرأفة والرحمة هي رقة تعتري القلب،وهي من الكيفيات النفسية، والله منزه عنها، وهذا باطل من وجوه:
( أحدها ) أنهم جحدوا حقيقة الرحمة فقالوا إن نسبتها إلى الله تعالى محال ، وأنه ليس برحيم بعباده على الحقيقة ، وقد سبقهم إلى هذا النفي مشتركو العرب الذين قال الله فيهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً) (الفرقان:60) فأنكروا حقيقة اسمه أن يسمى بذلك ، ولم يكونوا ينكرون ذاته وربوبيته ،ولا ما يجعله المعطلة معنى اسم الرحمن من الإحسان ، فإن احداً لم ينكروا إحسان الله إلى خلقه .
فإن قيل : فلو كان هذا ما ذكرتم لأنكروا اسم الرحيم لأن المعنى واحد .
قيل : إنما لم ينكروا الرحيم لا ورود الرحمن في أسمائه أكثر من ورود الرحمن .
ولهذا قال U ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) / ) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ )(الفرقان: من الآية59)/ ( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) (مريم:45) /( )رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ ) (النبأ:37) / (الرَّحْمَنُ - عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (الرحمن 2،1)

وإنما جاء الرحيم مقيداً كقوله ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً)(الأحزاب: من الآية43)) وقوله : ( إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(التوبة: من الآية117) ) ومقروناً باسم الرحمن كما في الفاتحة أو باسم آخر نحو ( الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الشعراء:175 وغيرها)
وأيضاَ فالرحمن جاء على بناء فعلان الدال على الصفة الثابتة اللازمة الكاملة كما يشعر به هذا البناء نحو غضبان وندمان وحيران ، فالرحمن من صفته الرحمة ، والرحيم من يرحم بالفعل ، وأيضاً فلا يخلو إنكارهم لهذا الاسم إما أن تكون دلالته على حقيقة الرحمة أو لا ، فإن كان الأول فمن أنكر أن يكون حقيقة فقد وافقهم ، وإن لم يكن كذلك فمن المعلوم أن موضوع الاسم وحقيقته صفة الرحمة القائمة بموصوفها ، فلو كانت حقيقة الاسم منتفية في نفس الأمر لكان طعنهم أقوى ، وكان ذلك بمنزلة وصفه بالأكل والشرب والنوم والجور ونحوها مما لا يليق به- وبالجملة فالذي أنكر أن يكون الله رحماناً على الحقيقة هو ( جهم بن صفوان ) وشيعته قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف:180) .
ومن أعظم الإلحاد في أسمائه إنكار حقائقها ومعانيها والتصريح بأنها مجازات وهو أنواع هذا أحدها.
( الثاني ) جحدها وإنكارها بالكلية
( الثالث ) تشبيه فيها بصفات المخلوقين ومعاني أسمائه ، وأن الثابت له منها مماثل للثابت لخلقه ، وهذا كتب المقالات بين أظهرنا لا نعلم ذلك مقالة لطائفة من الطوائف البتة ، وإنما المعطلة الجهمية يسمون كل من أثبت صفات الكمال لله تعالى مشبهاً ومماثلاً ، ويجعلون لازم قولهم ، ويجعلون لازم المذهب مذهباً ويسرعون في الرد عليهم وتكفيرهم .
والمقصود أن هؤلاء المعطلة الملحدين في أسماء الرب تعالى هم المشبهون في الحقيقة ؛ لا من أثبت ألفاظها وحقائقها من غير تمثيل ولا تشبيه ، ولهذا لا يأتي الرد في القرآن على هذه الفرقة التي انتصب لها هؤلاء ، فإنها فرقة مقدرة في الأذهان ولا وجود لها في الأعيان ، وإنما القرآن مملوء من الرد على من شبه المخلوق بالخالق في الصفات الإلهية حتى عبده من دونه ، لأنه هو الواقع من بني آدم يشبهون أوثانهم و معبودهم بالخالق في الإلهية قال تعالى : ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)(مريم: من الآية65) ) أي من يساميه ويماثله وقال تعالى :( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (الإخلاص:4) وقال :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء)(الشورى: من الآية11) ) فنفى عن المخلوق مماثلته ومكافأته ومشابهته ومساماته الذي هو أصل شرك بني آدم فضرب المتكلمون عن ذلك صفحاً وأخذوا في المبالغة في الرد على من شبه الله بخلقه ، ولا نعلم فرقة من فوق بني آدم استقلت بهذه النحلة وجعلتها مذهباً تذهب إليه حتى و لا المجسمة المحضة الذين حكى أرباب المقالات مذاهبهم كالهاشمية والكرامية الذين قالوا إن الله جسم لم يقولوا إنه مماثل للأجسام بل صرحوا بأن معنى كونه جسماً أنه قائم بنفسه موصوف بالصفات ، ومثبتوا الصفات لا ينازعوهم في المعنى و إن نازعوهم في بعض المواقع .

الوجه الثاني : إن الإلحاد إما أن يكون بإنكار لفظ الاسم أو بإنكار معناه فإن كان الإنكار لفظه إلحاد فمن ادعى أن الرحمن مجاز لا حقيقة فإنه يجوز إطلاق القول بنفيها فلا يستنكف أن يقول ليس بالرحمن ولا الرحيم كما يصح أن يقال للرجل الشجاع ليس بأسد على الحقيقة وإن قالوا نتأدب في إطلاق هذا النفي فالأدب لا يمنع صحة الإطلاق وإن كان الإلحاد هو إنكار معاني اسمائه وحقائقها فقد أنكرتم معانيها التي تدل عليها بإطلاقها وما صرفتموه إليه من المجاز فنقيض معناها أو لازم من لوازم معناها ، وليس هو الحقيقة ، ولهذا يصرح غلاتهم بإنكار معانيها بالكلية ، ويقولون هي ألفاظ لا معاني لها .

الوجه الثالث : إن هذا الحامل لكم على دعوى المجاز في اسم (الرحمن ) هو بعينه موجود في اسم العليم ، القدير، السميع ، البصير ، وسائر الأسماء فإن المعقول من العلم صفة عرضية تقوم بالقلب إما ضرورية وإما نظرية والمعقول من الإرادة حركة النفس الناطقة لجلب ما ينفعها ودفع ما يضرها أو ينفع غيرها أو يضره ، والمعقول من القدرة القوة القائمة بجسم تتأتى به الأفعال الاختيارية فهل تجعلون إطلاق هذه الأسماء والأسماء والصفات على الله حقيقة أم مجازاً ؟ فإن قلتم حقيقة تناقضتم أقبح التناقض إذ عمدتم إلى صفاته سبحانه فجعلتم بعضها حقيقة وبعضها مجازاً مع وجود المحذور فيما جعلتموه حقيقة ، وإن قلتم لا يستلزم ذلك محذوراً فمن أين استلزم اسم الرحمن المحذور ، وإن قلتم الكل مجاز لم تتمكنوا بعد ذلك من إثبات حقيقة الله البتة لا في أسمائه ولا في الاخبار عنه بأفعاله وصفاته ، وهذا انسلاخ من العقل والإنسانية .

الوجه الرابع : أن نفاة الصفات يلزمهم نفي الأسماء من جهة أخرى ، فإن العليم والقدير والسميع والبصير ، أسماء تتضمن ثبوت الصفات في اللغة فيمن وصف بها فاستعمالها لغير من وصف بها استعمال الاسم في غير ما وضع له ، فكما انتفت عنه حقائقها فإنه تنتفي عنه أسماؤها ، فإن الاسم المشتق تابع للمشتق منه في النفي والإثبات ، فإذا انتفت حقيقة الرحمة والعلم والقدرة والسمع والبصر ، انتفت الأسماء منها عقلاً ولغة ، فيلزم من نفى الحقيقة أن تنفي الصفات و الاسم جميعا ، فالمعتزلة لا تقر بأن الأسماء الحقيقة تستلزم الصفات ثم ينفون الصفات ويثبتون الأسماء بطريق الحقيقة كما قالوا في المتكلم والمريد ، وبعض الجهمية يساعد على أن الاسم يستلزم الصفة ، ثم ينفي الصفة وينفي حقيقة الاسم ويقول هذا مجاز ، فهو شر من المعتزلة من هذا الوجه وهم خير منهم من وجه آخر ، وهو أنه يتناقض فيثبت بعض الصفات وحقائق الأسماء وينفي نظيرها و ما يدل عليها من حقيقة الاسم ، وأهل السنة يثبتون الصفات وحقائق الأسماء ، فالأسماء عندهم حقائق وهي متضمنة الصفات .

الوجه الخامس : إنه كيف يكون أظهر الأسماء التي افتتح الله بها كتابه في أم القرآن وهي من أظهر شعار التوحيد ، والكلمة الجارية على ألسنة أهل الإسلام وهى (بسم الله الرحمن الرحيم ) التي هي مفتاح الطهور ة والصلاة وجميع الأفعال ، كيف يكون مجازاً ؟ هذا من أشنع الأقوال ، فهذان الاسمان اللذان افتتح الله بهما أم القرآن ، و جعلهما عنوان ما أنزله من الهدى والبيان . وضمنهما الكلمة التي لا يثبت لها الشيطان ، وافتتح كتابه نبي الله سليمان ، كان جبرائيل ينزل على النبيr عند افتتاح كل سورة من القرآن.

الوجه السادس: قولهم :(الرحمة رقة القلب ) تريدون رحمة المخلوق أم رحمه الخالق أم كل ما سمي رحمه شاهدا أو غائبا فإن كنتم بالأول صدقتم ولم ينفعكم ذلك شيئا و إن قلتم بالثاني و الثالث كنتم قائلين غير الحق فإن الرحمة صفة الرحيم و هي في كل موصوف بحسبه فإن كان الموصوف حيوانا له قلب فرحمته من جنسه رقة قائمه بقلبه و إن كان ملكا فرحمته تناسب ذاته فإذا اتصف أرحم الراحمين بالرحمة حقيقة لم يلزم إن تكون رحمته من جنس المخلوق لمخلوق و هذا يطّرد في سائر الصفات كالعلم و القدرة والسمع والبصر و الحياة و الإرادة إلزاما واجبا، فكيف يكون رحمة أرحم الراحمين مجازا دون السميع العليم ؟

الوجه السابع : إن اسم الرحمة استعمل في صفة الخالق و صفة المخلوق فإما أن يكون حقيقة في الموصوفين أو حقيقة في الخالق مجازا في المخلوق أو عكسه فإذا كانت حقيقة فيها فإما حقيقة واحدة وهو التواطؤ أو حقيقتان وهو الاشتراك ومحال أن تكون مشتركة لأن معناها يفهم عند الإطلاق ويجمعها معنى واحد ويصح تقسيمها وخواص المشترك منفية عنها ولأنها لم يشتق لها وضع في حق المخلوق ثم استعيرت من المخلوق للخالق تعالى الله عما يقول أهل الزيغ والضلال فبقى قسمان :
(أحداهما ) أن تكون حقيقة في الخالق ومجازا في المخلوق
و( الثاني ) أن تكون حقيقة متواطئة أو مشتركة وعلى التقديرين فبطل أن يكون إطلاقها على الله سبحانه مجازا .

الوجه الثامن: إنه من أعظم المحال أن تكون الرحمة أرحم الراحمين التي وسعت كل شيء مجازاً، و رحمة العبد الضعيفة القاصرة المخلوقة المستعارة من ربه التي هي من آثار رحمته حقيقة و هل في قلب الحقائق أكثر من هذا فالعباد إنما حصلت لهم هذه الصفات التي هي كمال في حقه من آثار صفات الرب تعالى فكيف تكون لهم حقيقة و له مجاز يوضحه :

الوجه التاسع : وهو ما رواه أهل السنن عن النبي rانه قال: يقول تعالي (أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِىَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا اسْماً مِنَ اسْمِي مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ( 16)) فهذا صريح في أن أسم الرحمة مشتق من اسمه الرحمن تعالى فدل على أن رحمته لما كانت هي الأصل في المعني كانت هي الأصل في اللفظ.
و مثل هذا قول حسان رضى الله عنه في النبي صلى الله عليه وسلم .
فشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
فإذا كانت أسماء الخلق المحمودة مشتقة من أسماء الله الحسنى كانت أسماؤه يقينا سابقة فيجب أن تكون حقيقة لأنها لو كانت مجازا لكانت الحقيقة سابقة لها، فان المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له فيكون اللفظ قد سمي المخلوق ثم نقل إلى الخالق و هذا باطل قطعا.
الوجه العاشر : ما في الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (« لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ في كِتَابِهِ ، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِى)وفى رواية(إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَاباً قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِى . فَهْوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ) و قال تعالي (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )(الأنعام: من الآية54) ) فوصف نفسه سبحانه بالرحمة و تسمى بالرحمن قد أن يكون بنو ادم فإدعاء المدعي إن وصفه بالرحمن مجاز من أبطل الباطل .
الوجه الحادي عشر : إن أسماء الرب قديمة لم يستحدثها من جهة خلقه بل لم يزل موصوفا بها و المجاز مسبوق بالحقيقة وضعا واستعمالا ومرتبة ، و ذلك كله ممتنع بالنسبة إلي أسماء الله تعالي.
فان قيل بل بعضها مستعار من بعض و فيها المجاز مجازها مستعار من حقائقها كالرحمن مستعار من اسم المحسن و ذلك لا محذور فيه بوجه من الوجوه .
قيل :هذا لا يصح لأن الحقيقة والمجاز من عوارض الوضع والاستعمال ، وهما وأياً ما كان لم تصح دعوى المجاز فيه بوجه من الوجوه.

الوجه الثاني عشر : انه من المعلوم أن المعنى المستعار يكون في المستعار منه أكمل منه في المستعار له ، إن المعني الذي دل عليه اللفظ بالحقيقة أكمل من المعنى الذي دل عليه بالمجاز و إنما يستعار لتكميل المعني المجازي تشبيهه بالحقيقي كما يستعار الشمس و القمر و البحر للرجل الشجاع و الجميل و الجواد فإﺫا جعل الرحمن و الرحيم و الودود و غيرها من أسماؤه سبحانه حقيقية في العبد مجازا في الرب لزم أن تكون هذه الصفات في العبد أكمل منها في الرب تعالي .
الوجه الثالث عشر : إن وصفه تعالي بكونه رحمانا رحيما حقيقة أولي من وصفه بالإرادة و ﺫلك إن من اسمائه الحسني الرحمن الرحيم والمتكلمون يقولون مريد لبيان إثبات الصفة و إلا فليس من أسمائه الحسني المريد لأن الإرادة تناول ما يحسن إرادته و ما لا يحسن فلم يوصف بالاسم المطلق منها، كما ليس في أسمائه الحسنى الفاعل و لا المتكلم و إن كان فعالا مريدا متكلما بالصدق والعدل فليس الوصف بمطلق الكلام ومطلق الإرادة و مطلق الفعل يقتضي مدحا و حمدا حتى يكون ﺫلك متعلقا بما يحسن تعلقه به بخلاف العليم القدير و العدل و المحسن و الرحمن الرحيم فإن هذه كمالات في أنفسها لا تكون نقصا ولا مستلزمه لنقص البتة فهذا قيا انه مريد حقيقة و هو موصوف بالرحمة حقيقة و من أسمائه الرحمن الرحيم أولى أحرى
الوجه الرابع عشر : إن الرحمة مقرونة في حق العبد بلوازم المخلوق من الحدوث و النقص و الضعف و غيره و هذه اللوازم ممتنعة علي الله تعالي ، فإما أن تكون الرحمة إسما للقدر الممدوح فقط أو الممدوح و ما يلزمه من النقص فإن كانت إسما للقدر الكامل الذي لا يستلزم نقصا، و ذلك ثابت للرب تعالي كانت حقيقة في حقه قطعا و إن كانت أسماء للمجموع فالثابت للرب تعالى هو القدر الذي لا نقص ، و غاية ذلك أن يكون قد استعمل لفظها في بعض مدلوله كالعام إذا استعمل في الخصوص و الأمر إذا استعمل في الندب و ﺫلك لا يخرج اللفظ عن حقيقته عند جمهور الناس قيل هذه حقيقة عندهم فإن اللفظ يستعمل في المجموع عند إطلاقه و في البعض عند تقييده و المطلق موضوع و المقيد موضوع كما تقدم لاسيما أكثر الناس يقولون إن بعض الشيء وصفته ليس غيرا له كما أجاب مثبتو الصفات لنفاتها و حينئذ فلا يكون اللفظ مستعملا في غير موضعه فلا يكون مجازا

الوجه الخامس عشر : إن هذا النقص اللازم للصفة ليس هو من موضوعها و لا مسمي لفظها و إنما هو من خصوص الإضافة فالقدر الممدوح الذي هو موضوع الصفة و النقص اللازم غير داخل في موضوعها و ﮐﺫﻟك لا دلالة في لفظها على العدم ، والوجود غاية الكمال الذي لا كمال فوقه و إنما ذلك من لوازم إضافتها و نسبتها إلي الرب سبحانه فإذا موضوع لفظها مطلق المعنى الممدوح وخصوص الإضافة غير داخل في اللفظ المطلق . وعلي هذا فإذا استعملت في حق الرب تعالى كانت حقيقة . وإذا استعملت للعبد كانت حقيقة .
فتدبر هذا فإنه فصل الخطاب فيما يطلق علي الرب والعبد، واعتبر هذا فيما يطلق علي هذا المخلوق نفسه فإنه حقيقة مع دلالته علي غاية المدح في المحل و غاية الذم في محل آخر.
(مثاله) قولك هذا كلام رسول الله r و هديه و سمته و هذا كلام الصديق . وهذا كلام المفتري . فهذا حقيقة وهذا حقيقة وهما في غاية التضاد و الاختلاف و هذا التعريف بالإضافة نظير التعريف باللام ينصرف إلى كل محل بحسبه{ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) (المزمل:16) } هو موسي عليه السلام { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ ) (النور:63)
} هو محمد صلى الله عليه وسلم فرسول دال علي القدر المشترك واللام تدل علي تعريفه وتعينه وكل من الموضوعين حقيقة هذا مع إن اللفظ يستعمل مجردا عن التعريف كثيرا .
و إما لفظ الرحمن و السمع و البصر و اليد و الوجه والكلام فلا تكاد تستعمل إلي مضافة إلي محلها فلزوم الإضافة فيها نحو لزومها في الأسماء و ألأعلام ولاسيما المضافة إلي الرب كقوله ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء)(الأعراف: من الآية156) / ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ) (الرحمن:27)/ ( إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى) (الليل:20) / ) يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(المائدة: من الآية64) / ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )(صّ: من الآية75)) فهذه الأضافه تمنع أن يدخل في اسم الصفة شيء من خصائص المخلوقين بوجه من الوجوه فالمحذوف الذي أوجب لهم دعوى المجاز فيها منتف بالإضافة قطعا فلا وجه لدعوى المجاز فيها البتة وهذا ظاهر جدا فإنها بإضافتنا الخاصة دلت علي ما لا تسعه العبارة من الكمال الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه .

الوجه السادس عشر : أن يقال لمن اثبت شيئاً من الصفات بالعقل فلا بد أن يأتي في الدلالة علي ذلك بقياس شمولي أو قياس تخيلي فتقول في الشمولي : كل فعل متقن محكم فإنه يدل علي علم فاعله و قدرته و إرادته . و هذه المخلوقات كذلك فهي داله علي علم الرب تعالي و قدرته و مشيئته، و نقول في التمثيل :الفعل المحكم المتقن يدل علي علم فاعله و قدرته في الشاهد فكان دليلا في الغائب و الدلالة العقلية لا تختلف شاهدا أو غائبا فلا يمكنك أن تثبت له سبحانه بالعقل صفة أو فعلا إلا بالقياس المتضمن قضية كليه إما لفظا كما في قياس الشمول و إما معني كما في قياس التمثيل.
فإذا كنت لا يمكنك إثبات الصانع و لا صفاته إلا بالقياس الذي لابد فيه من إثبات قدر مشترك بين المقيس و المقيس عليه و بين أفراد القضية ولم يكن هذا عنك تشبيها ممتنعاً، فكيف تنكر معاني ما وصف الله به نفسه ووصفه به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم و حقائقه بزعمك أنه يتضمن تشبيهاً و هذا من انفع الأشياء لمن فهم فأن الله أخبر في كتابه بما هو عليه من أسمائه و صفاته و لابد من الأسماء المشتقة المتواطئة من معنى مشترك بين أفرادها فجحد المعطلة حقائقها لما زعموا فيها من التشبيه الذي فروا منه لا في جانب النفي و لا في جانب الإثبات فهم منكرون ما جاءت به الرسل بما هو من نوعه أو دونه ، و هذا غاية الضلال فليتأمل ذلك.

الوجه السابع عشر : إن من ادعي أن رحمة الله مجازا أو اسمه الرحمن الرحيم إما أن يثبت لهذا اللفظ معني أو لا، و الثاني يقر المنازع ببطلانه، وإذا كان لابد من إثبات معنى لهذا اللفظ فإما إن يتضمن محذورا أو لا فإن تضمن محذورا لم يجز إثباته و إن لم يتضمن محذورا لم يمكن إثباته إخراج اللفظ عن حقيقته أولي من بقاء اللفظ علي حقيقته و إثبات معناه الأصلي إذ انتفاء المحذور عن الحقيقة و المجاز واحد و تسلم الحقيقة و هي الأصل عن حقيقته لأمر لا يتخلص به في المجاز ولا محذور منه في الحقيقة ولا في المجاز فلا معني له بل هو خطأ محض.

الوجه الثامن عشر : إن الله سبحانه و تعالي فرق بين رحمته و رضوانه و ثوابه منفصل فقال تعالي ( يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ) (التوبة:21 ) فالرحمة و الرضوان صفته و الجنة ثوابه و هذا يبطل قول من جعل الرحمة والرضوان ثواب منفصلا مخلوقا و قول من قال هي إرادته الإحسان فان إرادته الإحسان هي من لوازم الرحمة فانه يلزم من الرحمة أن يريد الإحسان إلي المرحوم فإذا انتفت حقيقة الرحمة انتقى لازمها و هو إرادة الإحسان و كذلك لفظ اللعنة و الغضب و المقت هي أمور مستلزمة للعقوبة فإﺬا انتفت حقائق تلك الصفات انتفي لازمها فان الثبوت لازم حقيقة مع انتفائها ممتنع فالحقيقة لا توجد منفكة عن لوازمها .

الوجه التاسع عشر : إن ظهور آثار هذه الصفة في الوجود كظهور اثر صفة الروبية والملك و القدرة فان ما لله عل خلقه من الإحسان و الأنعام شاهد برحمه تامة و سعت كل شئ كما أن الموجودات كلها شاهدة له بالربوبية التامة الكاملة وما في العالم من آثار التدبير و التصريف الإلهي شاهد بملكه سبحانه فجعل صفة الرحمة و أسم الرحمة مجازا لجعل صفة الملك و الربوبية مجازا و لا فرق بينهما في شرع ولا عقل ولا لغة ..........ثم تكلم رحمه الله عن آثار رحمة الله عزوجل ثم قال:
وأنت لو تأملت العلم بعين البصيرة لرأيته ممتلئاً بهذه الرحمة الواحدة كامتلأ البحر بمائه والجو بهوائه ، وما في خلاله من ضد ذلك فهو مقتضى قوله ( سبقت رحمتي غضبي ) فالمسبوق لابد لاحق وإن أبطأ ، وفيه حكمة لا تناقضا الرحمة فهو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين فسبحان من أعنى بصيرة من زعم أن رحمة الله مجاز .

الوجه العشرون : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقسم قسماً صادقاً باراً (إن الله أرحم من الوالدة بولدها )( 17) وفى هذا إثبات كمال الرحمة ، وإنها حقيقة لا مجازية ( ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة في السبي وكانت كلما مرت بطفل أرضعته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ قالوا : لا يا رسول الله وهي قادرة على أن لا تطرحه ، فقال صلى الله عليه وسلم " الله أرحم بعباده من هذه بولدها " )( 18) فإن كانت رحمة الوالدة حقيقة ، فرحمة الله أولى بأن تكون حقيقة منها ، وإن كانت رحمة الله مجازا فرحمة الوالدة لا حقيقة لها .إ.هـ ( 19)

قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن على بن المرتضى اليماني- رحمه الله -:
الأمر الثاني: وهو النقص في الدين، برد النصوص والظواهر، ورد حقائقها إلى المجاز، من غير حجة قاطعة، تدل على ثبوت الموجب للتأويل، إلا مجرد التقليد لبعض أهل الكلام في قواعد لم يتفقوا عليها، وأفحش ذلك مذهب القرامطة الباطنية في تأويل الأسماء الحسنى كلها، وفيها عن الله-تعالى-، على سبيل التنزيه له عنها، وتحقيق التوحيد بذلك، ودعوى أن إطلاقها يقتضي التشبيه، حتى قالوا: لا يقال" إنه موجود، ولا معدوم............ ثم تكلم ’ عن اختلاف أصحاب العلوم فيما بينهم لاختلفوا ما بين أيديهم منها فالمحدِّث معظم لما بين يديه من الآثار والمتكلم لما بين يديه من النظر ......... حتى قال رحمه الله:
كذلك المتكلم في بعض أسماء الله الحسنى كالسميع والبصير والحكيم والرحمن والرحيم فإنها من الأسماء الحسنى المعلوم ورودها في كتاب الله على سبيل التمدح بها والثناء العظيم ونص الله تعالى ورسوله على أنها ثناء على الله تعالى في حديث( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي وفيه فإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى علي عبدي)( 20)
مع تكريرها في عهد النبوة والصحابة والتابعين لم يشعر أحد منهم في تلك الأعصار كلها بتقبيح شيء من ظواهرها ألا ترى أن الرحمن الرحيم ثابتان في السبع المثاني المعظمة متلوان في جميع الصلوات الخمس مجهور بهما في أكثرها في محافل المسلمين مجمعين على أنهما من أحسن الثناء على الله تعالى وأجمله وأفضله متقربين إلى الله بمدحه بذلك مظهر من أنه أحب الحمد إليه ولذلك كرر تكرارا كثيرا في كتاب الله سبحانه وفي بسم الله الرحمن الرحيم المكرر في أول كل سورة المتبرك به في أول كل عبادة وجمعا معا ومرجعهما إلى معنى واحد ولم يجمع اسمان في معنى واحد في موضع واحد قط كالغفار الغفور ونحو ذلك بخلاف الرحمن الرحيم فتأمل ذلك فهما الغرة والمقدمة في ممادح رب العزة في خطب المسلمين وجمعهم وجماعتهم وحوائجهم ومجامعهم ورسائلهم ومكاتباتهم و تصانيفهم وتصرفاتهم وكل أمر ذي بال كان منهم في مصادرهم ومواردهم وتضرعهم إلى ربهم ودعائهم وعند رقتهم وخضوعهم وجدهم واجتهادهم يلقنها سلف المسلمين خلفهم و يتلقنهما خلفهم عن سلفهم ويعلمهما الآباء أبناءهم ويتعلمهما الأبناء من آبائهم ويتردد التشفي( 21) بذكرهما بين أصاغرهم وأكابرهم وبدوهم وحضرهم وخاصتهم وعامتهم وذكرانهم وإناثهم وبلدائهم وأذكيائهم فأي معلوم من الدين أبين من كونهما من ممادح الله تعالى وأشهر وأوضح وأظهر وأكثر استفاضة وشهرة وتواترا وعظمت الشناعة في إنكار حقيقتهما ومدحتهما حين وافق ذلك مذهب القرامطة ومذهب أسلافهم من المشركين في إنكارهم الرحمن ونص القرآن على الرد عليهم في ذلك والصدع بالحق فيه حيث حكى عنهم قولهم وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا فقال عز من قائل ( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) (الفرقان:59)
وحيث قال ( وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ)(الرعد: من الآية30) وحيث قال( وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ) (الانبياء:36)
وعظم الله تعالى هذا الاسم الشريف وبالغ في تعظيمه حيث قال(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)(الاسراء: من الآية110) وقال حاكيا عن خيار عباده (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا )(الملك: من الآية29)
وجاءت الصوادع القرآنية مادحة لله تعالى بأعظم صيغ المبالغات في هذه الصفة الشريفة الحميدة بأن الله عز وجل خير الراحمين وأرحم الراحمين وكرر هذه المبالغة في مواضع من كتابه الكريم الذي قال فيه (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3)
وجاءت في كلام موسى وأيوب ويعقوب ويوسف عليه السلام .
وكرر الله تعالى التمدح بالرحمة مرارا جمة أكثر من خمسمائة مرة من كتابه الكريم منها باسمه الرحمن أكثر من مائة وستين مرة وباسمه الرحيم أكثر من مائتي مرة وجمعهما للتأكيد مائة وست عشرة مرة وأكد الرحيم فجمعه مرارا مع التواب ومرارا مع الرؤوف والرأفة أشد الرحمة ومرارا مع الغفور وهي أكثر عرفت منها سبعة وستين موضعا .
وأخبر أنه كتب على نفسه الرحمة مرتين وأنه لا عاصم من أمره إلا من رحم وأن من لم يرحمه يكن من الخاسرين ولا يزالون مختلفين إلا من رحم وإن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم وأنه ذو رحمة واسعة إلى غير ذلك من صيغ المبالغات القاضية بأن ذلك من أحب الثناء والممادح والمحامد إليه عزوجل.
وبالغت الملائكة الكرام في ممادح الرب سبحانه بذلك فأوردت أبلغ صيغ المبالغات فقالت (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) (غافر:7)
ومدح الله ذاته الكريمة بهذه الصيغة البليغة فقال ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ )(لأعراف: من الآية156)
وحكى الله نحو ذلك في كتابه الكريم عن إبراهيم ويعقوب وموسى وأيوب وصالح وعيسى ابن مريم عليهم السلام للدلالة على اتفاق الأديان النبوية الأولى والآخرة على مدح الله تعالى بذلك وخاطب الأنبياء عليهم السلام بذلك الجفاة الأجلاف من المشركين ونحوهم ممن لا يفهم دقائق الكلام الصارفة إلى مقاصد أهله فقال الخليل عليه السلام في خطاب أبيه(يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً) (مريم:44)
وقال هارون عليه السلام لعباد العجل ما ذكره الله عنه ومدحه به حيث قال( وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) (طـه:90)
وكتب ذلك سليمان إلى بلقيس وقومها وأمر الله تعالى في كتابه الكريم بالفرح برحمته والفرح بها فرع التصديق بها فقال تعالى ()قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58) وفي عطفها على فضله دلالة على المغايرة بينهما وذلك خلاف ما يقول من تأولها

وفي الصحاح من ذلك الكثير الطيب وما لا تتسع له هذه التذكرة المختصرة منه حديث سلمان وأبي هريرة وجندب وابن عباس وعبادة وأبي سعيد الخدري وابن حيدة وخلاس والحسن وابن سيرين t في المائة الرحمة التي لله تعالى وإنها وسعت الخلائق منها رحمة واحدة وأن هذه الرحمة التي يتراحم بها الخلائق والسباع والدواب البرية والبحرية هي جزء من مائة جزء من رحمة الله(22 )
وظهرت محبة الله تعالى للثناء عليه بهذه الصفة وما يشتق له منها من الأسماء الشريفة حتى كان أحب الأسماء إليه عبد الله وعبد الرحمن كما ثبت في الصحيح .
فكيف يقال أن ظاهرها نقص وذم وكفر وتشبيه وسب للملك الحميد المجيد الذي لا أحد أحب إليه الحمد والمدح منه ولا أعرف بما يليق بجلاله منه ثم من رسله ولا يحصى عليه ثناء هو كما أثنى على نفسه لأهليته لذلك ولذلك مدح نفسه وعلمنا مدحه ودعانا إليه وأثابنا عليه فكيف يفتتح كتبه الكريمة ويشحنها بما ظاهره السب والذم والكفر والتشبيه وبما نسبته إليه كنسبة الإرادة إلى الجدار والجناح إلى الذل بل أشد بعدا من ذلك فان الجدار لا يذم بالإرادة والذل لا يذم بالجناح فصار لا يوجد لذلك مثال لأنه يستلزم استعارة اسم الذم لا ارادة المدح كما لو مدحت بالظلم الملك العادل وبالنقص الرجل الكامل مجازا ونحو ذلك مما لا يحسن في البلاغة بل لا يصح في اللغة ولا يوجد في كلام العامة والعجم وقد أجمع المسلمون على حسن إطلاق الرحمة على الله من غير قرينة تشعر بالتأويل ولا توقف على عبارة التنزيل ولو كان ظاهرها القبح والذم والانتقاص لله عز وجل لم يحسن ذلك من العباد وان ورد في كلام الله أقر في موضعه على قواعد علماء الكلام على أن فطر العقول تعرف رحمة الله تعالى وسعة علمه وكمال قدرته فان العلم بضعف العباد مع تمام القدرة و الممادح و المحامد وعدم المعارض يستلزم الرحمة عقلا أيضا فهي من المحكمات لا من المتشابهات.
على أن الله سبحانه أعلم وأحكم وأجل وأعظم وأعز في كبريائه عن أن يتخير ما ظاهره الانتقاص والذم غرة شادخة لأسمائه الحسنى مقدمة في مثاني كتابه العظمى وهو الذي بلغ كلامه أعلى درجات الإعجاز في البلاغة التي هي البلوغ إلى المراد المقصود بأوضح العبارات وأجزلها وأبينها وأجملها .
وأيضا فقد ثبت أن الرحمن مختص بالله تعالى وحده ويحرم إطلاقه على غيره ولو كانت الرحمة له مجازا ولغيره حقيقة كان العكس أوجب وأولى وما المانع للمسلم من إثباتها صفة حمد ومدح وثناء كما علمنا ربنا مع نفي صفات النقص المتعلقة برحمة المخلوقين عنه تعالى كما أثبتنا له اسم الحي العليم الخبير المريد مع نفي نقائص المخلوقين في حياتهم المستمرة لجواز التألم بأنواع الآلام ثم للموت الذي لابد منه لجميع الأحياء من الأنام وكذلك ينزه سبحانه عما في علمهم الناقص بدخول الكسب والنظر في مباديه والاستدلال والاضطرار في منتهاه الذي يستلزم الجسمية والبينة المخصوصة والحدوث ويعرض له التغير والنسيان والخطأ والشغل ببعض المعلومات عن بعض وكذلك تنزه إرادته عما في إرادتنا من استلزام الحاجة إلى جلب المنافع ودفع المضار ونحو ذلك وكذلك كل صفة يوصف بها الرب سبحانه ويوصف بها العبد وان الرب يوصف بها على أتم الوصف مجردة عن جميع النقائص والعبد يوصف بها محفوفة بالنقص وبهذا فسر أهل السنة نفي التشبيه ولم يفسروه بنفي الصفات وتعطيلها كما صنعت الباطنية الملاحدة .......... ثم قال رحمه الله ما مختصره: ومما يدل على بطلان التأويل: كون المعتزلة يسخرون من تأويل الأشعرية للحكيم، والأشعرية تسخر من تأويل بعض المعتزلة للسميع البصير، وأهل السنة يسخرون من تأويل الفريقين للرحمن الرحيم، وما أشبههما، والكل يسخر من تأويل القرامطة. فيجب إثبات ما وصف الله به ذاته الكريمة، من غير تأويل، ولا تعطيل.
ولا يجوز القول بأن ظاهر هذه الأسماء كفر، وضلال، وأن الصحابة والسلف الصالح لم يفهموا ذلك، أو أنهم فهموه ولم يقوموا بالواجب من نصح المسلمين وبيان التأويل الحق؛ لأمرين:
الأول: قاطع ضروري، وهو أن العادة توجب أن ما كان كذلك أن يظهر التحذير منه، من رسول الله-صلى الله عليه وسلم – ومن أصحابه، ويتواتر أعظم من تحذيرهم من الدجال الكذاب، ولا يجوز-مع كمال عقولهم وأديانهم- أن يتركوا صبيانهم ونساءهم وعامتهم يسمعون ما ظاهره كفر، منسوباً إلى الله- تعالى- ورسوله ويسكتون عليه، مع بلادة الأكثرين.
ولو تركوا بيان ذلك، ثقة بنظر العقول الدقيق، لتركوا التحذير من فتنة الدجال، فإن بطلان ربوبيته أظهر في العقول من ذلك، ألا ترى أن المتكلمين لما اعتقدوا قبح هذه الظواهر، تواتر عنهم التحذير عنها، وتأويلها، فصنفوا في ذلك، وأيقظوا الغافلين، وعلموا الجاهلين، وكفروا المخالفين، وأشاعوا ذلك بين المسلمين، بل بين العالمين، فكان أحق منهم بذلك سيد المرسلين وقدماء السابقين، وأنصار الدين، لو كان ذلك حقاً.
الثاني: أنه ثبت تحريم الزيادة في الدين، فلا يصح سكوت الشرع عن النص على ما يحتاج إليه، من مهمات الدين، فالإسلام متبع، لا مخترع، ولذلك كفر من أنكر شيئاً من أركان الدين؛ لأنها معلومة ضرورة، فأولى وأحرى أن لا يجيء الشرع بالباطل منطوقاً متكرراً من غير تنبيه على ذلك، لاسيما إذا كان ما سموه باطلاً، هو المعروف في جميع كتب الله، ولم يأت ما يعارضه من طريق شرعي، ولا عقلي، حتى يجب التأويل.
وكثير منهم يزعم أنه ما جاء التصريح بالحق في آية واحدة تكون هي المحكمة التي رد إليها جميع المتشابه، والله-تعالى- ذكر أنه أنزل في كتابه آيات محكمات، ترد إليها المتشابهات، ولم يذكر أن جميع كتابه متشابه، فبطل ما يقولون.
وقد اعترف الرازي- في كتابه "الأربعين"( 23)- وهو من أكبر خصوم أهل السنة- أن جميع الكتب السماوية جاءت بصفات الله –تعالى- ولم ينص الله-تعالى- في آية واحدة على أنه منزه عن الوصف بالرحمة والحلم والحكمة، وما أشبه ذلك. والأمر ظاهر وإن لم يعترف به، وهذه الكتب السماوية موجودة.
وهبك تقول: هذا الصبح ليل أيعمى العالمون عن الضياء" إ.هـ (24 )

قول الألوسي رحمه الله :

* وأما ثالثا فلأن كون الرحمة في اللغة رقة القلب إنما هو فينا وذا لا يستلزم ارتكاب التجوز عند إثباتها لله تعالى لأنها حينئذ صفة لائقة بكمال ذاته كسائر صفاته ومعاذ الله تعالى أن تقاس بصفات المخلوقين وأين التراب من رب الأرباب ولو أوجب كون الرحمة فينا رقة القلب ارتكاب المجاز في الرحمة الثابتة له تعالى لاستحالة اتصافه بما نتصف به فليوجب كون الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر ما نعلمه منها فينا ارتكاب المجاز أيضا فيها إذا أثبتت لله تعالى وما سمعنا أحدا قال بذلك وما ندري ما الفرق بين هذه وتلك ولكها بمعانيها القائمة فينا يستحيل وصف الله تعالى بها فأما أن يقال بارتكاب المجاز فيها كلها إذا نسبت إليه عز شأنه أو بتركه كذلك وإثباتها له حقيقة بالمعنى اللائق بشأنه تعالى شأنه والجهل بحقيقة تلك الحقيقة كالجهل بحقيقة ذاته مما لا يعود منه نقص إليه سبحانه بل ذلك من عزة كماله وكمال عزته والعجز عن درك الإدراك إدراك فالقول بالمجاز في بعض والحقيقة في آخر لا أراه في الحقيقة إلا تحكما بحتا.
بل قد نطق الإمام السكوتي في كتابه( التمييز لما للزمخشري من الإعتزال في تفسير كتاب الله العزيز) بأن جعل الرحمة مجازا نزغة إعتزالية قد حفظ الله تعالى منها سلف المسلمين وأئمة الدين فإنهم أقروا ما ورد على ما ورد وأثبتوا لله تعالى ماأثبته له نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم من غير تصرف فيه بكناية أو مجاز وقالوا لسنا أغير على الله من رسوله لكنهم نزهوا مولاهم عن مشابهة المحدثات ثم فوضوا إليه سبحانه تعيين ما أراده هو أو نبيه من الصفات المتشابهات لمسلمون وتلك اثنتا عشرة فقرأها ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وحفص بفتح .

و الأشعري إمام أهل السنة ذهب في النهاية إلى ما ذهبوا إليه وعول في الإبانة على ما عولوا عليه فقد قال في أول كتاب الإبانة الذي هو آخر مصنفاته :
( أما بعد فإن كثيرا من الزائغين عن الحق من المعتزلة وأهل القدر مالت بهم أهواؤهم إلى التقليد لرؤسائهم ومن مضى من أسلافهم فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلا لم ينزل الله به سلطانا ولا أوضح به برهانا ولا نقلوه عن رسول رب العالمين صلى الله تعالى عليه وسلم ولا عن السلف المتقدمين وساق الكلام إلى أن قال فإن قال لنا قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية و الحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولمن خالف قوله مجانبون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي ابان الله تعالى به الحق عند ظهور الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وكبير معظم مفخم وعلى جميع أئمة المسلمين ثم سرد الكلام في بيان عقيدته مصرحا بإجراء ما ورد من الصفات على حالها بلا كيف غير متعرض لتأويل ولا ملتفت إلى قال وقيل فما نقل عنه من تأويل صفة الرحمة إما غير ثاتب أو مرجوع عنه والأعمال بالخواتيم وكذا يقال في حق غيره من القائلين به من أهل السنة على أنه إذا سلم الرأس كفى ومن ادعى ورود ذلك عن سلف المسلمين فليأت ببرهان مبين فما كل من قال يسمع ولا كل من ترأس يتبع أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائهم والعجب من علماء أعلام ومحققين فخام كيف غفلوا عما قلناه وناموا عما حققناه ولا أظنك في مرية منه وإن قل ناقلوه وكثر منكروه و( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)(25 )

قول الشيخ الغنيمان حفظه الله( 26):
قول البخاري رحمه الله :
"باب قوله –تعالى-: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} (27 )".
قلت: يظهر لي أن مقصود البخاري-رحمه الله- بالترجمة بهذه الآية، بيان اختصاص الله-تبارك وتعالى- بالأسماء الحسنى، وأن أسماءه كاملة المعاني، لا يلحقها نقص، أو عيب، وأن اتصاف المخلوق ببعض ما يتصف الرب تعالى به من المعاني، لا يلزم منه نقص أو عيب في أسمائه وصفاته-تعالى- لأنها حسنى كاملة تناسب عظمته، فلا يتوهم أن في ذلك تشبيهاً كما يتزعمه أهل البدع الذين ظنوا أن مجرد المشاركة في الاسم أو المعاني يفيد التشبيه، فنفوا صفات الله-تعالى- من أجل ذلك.
وأما المخلوق فأسماؤه وصفاته ليست حسنى، ولا كاملة، فهي تناسب ضعفه وعجزه، والذي يوضح مراد البخاري بذلك الحديثان اللذان ذكرهما"لا يرحم من لا يرحم الناس"، وفي الآخر "إنما يرحم الله من عباده الرحماء"، فإذا كان المخلوق يرحم، ويسمى رحيماً، والله-تعالى- يرحم ويسمى رحيماً، فليس ما يخص الله- تعالى- من هذا الاسم أو الفعل مماثلاً أو مقارباً لما يخص المخلوق، فلا يجوز تأويل أو نفي رحمة الله-تعالى- وغيرها من صفاته، من أجل توهم أن مجرد المشاركة في المعنى يلزم منها التشبيه، والله أعلم.
وقد علم من دين الرسل، وكتب الله تعالى، أن الله متصف بالرحمة، وليست رحمته ثوابه وجزاءه، كما يقوله أهل التحريف والمؤولة، من الأشعرية وغيرهم.
وقد قال الله-تعالى-: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} ( 28).فعطف الرحمة على الفضل يدل على المغايرة، وفضل الله-تعالى- الذي هو الثواب والجزاء-مخلوق، ليس من صفات الله – تعالى- القائمة به، وإن كان الفضل في الآية غير متعين إرادة الثواب به، بل يجوز أن يراد به التفضل الذي هو فعل الله –تعالى-.
وإذا كان الإجماع حاصلاً بين الأمة، بأن الله - تبارك وتعالى- ليس كمثله شيء في ذاته المقدسة، فيجب أن تكون صفاته كصفات خلقه؛ لأن الصفة تتبع الموصوف، فصفات الله-تعالى- من الرحمة، والرضا، والغضب، وغير ذلك، تليق بعظمته، وتناسبه، وصفة المخلوق من ذلك وغيره تليق بضعفه، وعجزه وفقره.
و إن من الضلال، والبعد عن كتاب الله، وهدي رسوله، وسبيل المؤمنين حقاً، نفي صفات الله –تعالى- وتعطيله منها اعتلالاً بأنها تفيد التشبيه؛ لأن المخلوق يوصف بتلك الصفات، وهل هذا إلا مثل من يقول: أنا لا أقر بوجود الله- تعالى- لأن المخلوق موجود؟
وقد تقدمت الإشارة إلى أن مجرد الاشتراك في الاسم أو في المعاني العامة لا يقتضي تشبيهاً.
و قوله "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده"( 29)
وذلك أن القدر المشترك بين أسماء الله –تعالى- وصفاته، وبين أسماء المخلوقين وصفاتهم في اللفظ والمعنى لا يقتضي المشابهة؛ لأن أسماء الله –تعالى- حسنى، لا يلحقها نقص، ولا عيب، بخلاف أسماء المخلوقين-و إن كان منها الحسن- فليست بحسنى، ولأن الصفات تابعة للموصوف، وكذلك الأسماء، فالرحمة اسمه-تعالى-، والرحمة صفته، والمخلوق يتصف بالرحمة التي يرحم بها، وهي تابعة له في الخلق والمعنى، فهي مخلوقة فيه؛ لأنه مخلوق فصفاته مخلوقة، وهو ضعيف فقير محتاج، وصفاته تناسبه في ذلك مع أنه يسمى "رحيماً" و"راحماً" والله-تعالى موصوف بالرحمة ويسمى "رحيماً"، ولا يكون في ذلك تشبيه؛ لأن المخلوق اسمه وصفته يختص به، والله-تعالى- اسمه وصفته يختصان به، فرحمة الله صفه له عليا، صفة الكمال، وسالمة من كل نقص أو عيب يمكن أن يلحق المخلوق، فليست رحمته-تعالى- عن ضعف أو عجز، بل عن كمال فضله وإحسانه، ولا يجوز أن تؤول بالثواب أو العطاء، أو إرادة ذلك، وما أشبهه مما يقوله أهل التأويل، كما ذكر الحافظ ابن حجر عن شراح البخاري وغيرهم، كقول ابن بطال:"إن المراد برحمته: إرادته تقع لمن سبق في علمه أنه ينفعه، وأما الرحمة التي جعلها في قلوب عباده، فهي من صفات الفعل( 30 )
وصفها بأنه خلقها في قلوب عباده، وهي رقة على المرحوم، وهو سبحانه منزه عن الوصف بذلك، فتتأول بما يليق به"( 31).
وذكر من هذا النوع أشياء تخالف نصوص كتاب الله، ونصوص سنة رسوله،صلى الله عليه وسلم – كما هي عادته؛ لأنه- عفا الله عنا وعنه- على المذهب الأشعري الذي يعتمد على تأويل صفات رب العالمين، وإن كان أحياناً يذكر مذهب السلف فيما ينقله، ولكنه لا يتبناه، بل يخلط بينه وبين ما يخالفه.
وهذا المذهب- أعني مذهب الأشعرية الذي عليه أكثر المتأخرين- مخالف لما عليه رسل الله صلى الله عليهم وسلم، ومخالف لكتبه، ولما عليه أتباع الرسل، كما أعترف بذلك بعض كبار علماء هذا المذهب، كالفخر الرازي، والجويني، والغزالي، والشهرستاني، وغيرهم، كما يأتي ذكر ذلك، إن شاء الله-تعالى-.
وهكذا تبرر الأشعرية تأويل صفات رب العالمين بما تعرفه من صفات المخلوقين، فكأنهم لم يعرفوا من الرحمة إلا أنها العطف والرقة على المرحوم، ولا من الغضب إلا أنه غليان دم القلب ثم طلب الانتقام، وما أشبه ذلك، ولهذا لجـأوا إلى التحريف الذي يسمونه تأويلاً، وجعلوه واجباً ضرورياً، حتى لا يلزم التشبيه، فيسلم المسلم من التشبيه والتجسيم على ما زعموا.
هذا مع أنهم ينكرون على الفلاسفة تأويلهم نصوص المعاد، وعلى الباطنية تأويلهم الشرائع أشد الإنكار، فما الذي سوغ لهم تأويل نصوص الصفات مع كثرتها ووضوحها؟ وما ادعوه أن العقل يوجب ذلك، بإمكان كل مبطل أن يدعيه.
فليس هناك عاصم من الضلال، إلا الوقوف مع نصوص كتاب الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم -، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المقدمة.
.............. ثم ساق بعض عبارات ابن الوزير الذي سقناه بطوله ثم قال :
قلت: دعوى المجاز في اسمه –تعالى- "الرحمن" وغيره من الأسماء الحسنى، من أبطل الدعاوى؛ لأن ذلك يتضمن إنكار حقيقة صفة الرحمة، وهو أعظم من إنكار الكفار لاسمه تعالى "الرحمن"، كما ذكر الله –تعالى- عنهم ذلك، قال –تعالى-: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} ( 32).
وقال –تعالى-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} (33).
فهؤلاء الذين كفروا بالرحمن، وأنكروه، لم يكفروا بذاته-تعالى- وربوبيته، ولم ينكروا ما يدعيه المؤولة أن معنى اسمه الرحمن هو الإحسان والإنعام إلى خلقه، وإنما أنكروا اسمه-تعالى- "الرحمن" أن يسمى به.
وإنكار صفة الرحمة أعظم من إنكار الاسم، وهو من أعظم الإلحاد في أسمائه –تعالى-؛ لأن وضع الاسم مقصود به الدلالة على المعنى المراد منه، وهو الرحمة، كما هو معلوم في جميع أسمائه تعالى.
وتعليلهم لنفي الرحمة عن الله-تعالى- بأنها رقة القلب التي تحمل الميل إلى المرحوم.
جوابه: أن هذه رحمة المخلوق، ووصفه، وأما رب العالمين، فليس كمثله شيء في ذاته وصفاته، فليست رحمته-تعالى- من جنس رحمة خلقه-جل وعلا-.
ومما يعجب منه أن أهل التأويل(34 ) يجعلون الرحمة بالنسبة للمخلوق حقيقة، وبالنسبة لله-تعالى- مجازاً، فكيف تكون رحمة أرحم الراحمين التي وسعت كل شيء مجازاً، ورحمة المخلوق الضعيف حقيقة؟
وكل العقلاء يدركون آثار رحمة الله –تعالى- في الخلق، كما يدركون آثار ربوبيته أو أعظم، وهذا من أظهر الأشياء وأوضحها.
ومعلوم أن الأسماء التي تسمى الرب –تعالى- بها –وهي كلها حسنى- لها معان يستدل بها عليها؛ لأنها مشتقة من تلك المعاني، وهذه المعاني هي الصفات، وليست أسماؤه تعالى مجرد أعلام، فالرحمن يدل على الرحمة، والعليم يدل على العلم، والحكيم يدل على الحكمة، وهكذا جميع أسمائه تعالى.إ.هـ ببعض التصريف.

قول العلامة العثيمين رحمه الله(35 )
فرحمة الله عز وجل ثابتة بالدليل السمعي والدليل العقلي.
وأنكر الأشاعرة وغيرهم من أهل التعطيل أن يكون الله تعالى متصفاً بالرحمة، قالوا: لأن العقل لم يدل عليها. وثانياً: لأن الرحمة رقة وضعف وتطامن للمرحوم، وهذا لا يليق بالله عز وجل، لأن الله أعظم من أن يرحم بالمعنى الذي هو الرحمة، ولا يمكن أن يكون لله رحمة!! وقالوا: المراد بالرحمة: إرادة الإحسان، أو: الإحسان نفسه، أي: إما النعم، أو إرادة النعم.
فتأمل الآن كيف سلبوا هذه الصفة العظيمة، التي كل مؤمن يرجوها ويؤملها، كل إنسان لو سألته: ماذا تريد؟ قال: أريد رحمة الله ]إن رجعت الله قريب من المحسنين[ [الأعراف: 56]. أنكروا هذا، قالوا: لا يمكن أن يوصف الله بالرحمة!!
ونحن نرد عليهم قولهم من وجهين: بالتسليم، والمنع:
التسليم أن نقول: هب أن العقل لا يدل عليها، ولكن السمع دل عليها، فثبتت بدليل آخر، والقاعدة العامة عند جميع العقلاء: أن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، لأنه قد يثبت بدليل آخر. فهب أن الرحمة لم تثبت بالعقل، لكن ثبتت بالسمع، وكم من أشياء ثبتت بأدلة كثيرة.
أما المنع، فنقول: إن قولكم: إن العقل لا يدل على الرحمة: قول باطل، بل العقل يدل على الرحمة، فهذه النعم المشهودة والمسموعة، وهذه النقم المدفوعة، ما سببها؟ إن سببها الرحمة بلا شك، ولو كان الله لا يرحم العباد، ما أعطاهم النعم، ولا دفع عنهم النقم!
ونختم هذا المبحث بهذه الكلمة الجامعة لبقية السلف العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي ’:
أولا: اعلموا أن كثرة الخوض والتعمق في البحث في آيات الصفات وكثرة الأسئلة في ذلك الموضوع من البدع التي يكرهها السلف.
اعلموا أن مبحث آيات الصفات دل القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاثة أسس من جاء بها كلها فقد وافق الصواب وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه والسلف الصالح، ومن أخل بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد ضل.
وكل هذه الأسس الثلاثة يدل عليها قرآن عظيم :
أحد هذه الأسس الثلاثة هو تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيثا من صفات المخلوقين. وهذا الأصل يدل عليه قوله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11) ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (الاخلاص:4) ،(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:74) .
الثاني: من هذه الأسس: هو الإيمان بما وصف الله به نفسه، لأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ )(البقرة: من الآية140)). والإيمان بما وصفه به رسوله r لأنه لا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال في حقه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم4،3) ، فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم وينزه الله جل وعلا عن أن تشبه صفته صفة الخلق. وحيث أخل بأحد هذين الأصلين وقع في هوة ضلال، لأن من تنطع بين يدى رب السموات والأرض وتجرأ على الله بهذه الجرأة العظيمة ونفي عن ربه وصفا أثبته لنفسه فهذا مجنون فالله جل وعلا يثبت لنفسه صفات كمال وجلال فكيف يليق لمسكين جاهل أن يتقدم بين يدي رب السموات والأرض ويقول هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك ويلزمه من النقص كذا وكذا، فأنا أؤوله وألغيه وآتى ببدله من تلقاء نفسي من غير استناد إلى كتاب أو سنة. سبحانك هذا بهتان عظيم! ومن ظن أن صفة خالق السموات والأرض تشبه شيئا من صفات الخلق فهذا مجنون جاهل، ملحد ضال، ومن آمن بصفات ربه جل وعلا منزها ربه عن تشبيه صفاته بصفات الخلق فهو مؤمن منزه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل. وهذا التحقيق هو مضمون: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11)) فهده الآية فيها تعليم عظيم يحل جميع الإشكالات ويجيب عن جميع الأسئلة حول الموضوع. ذلك لأن الله قال: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11)) ) بعد قوله ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ). ومعلوم أن السمع والبصر من حيث هما سمع وبصر يتصف بهما جميع الحيوانات، فكأن الله يشير للخلق ألا ينفوا عنه صفة سمعه وبصره بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر وأن ذلك تشبيه بل عليهم أن يثبتوا له صفة سمعه وبصره على أساس ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). فالله جل وعلا له صفات لائقة بكماله وجلاله والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم وكل هذا حق ثابت لا شك فيه.
إلا أن صفة رب السموات والأرض أعلى وأكل من أن تشبه صفات المخلوقين، فمن نفي عن الله وصفا أثبته لنفسه فقد جعل نفسه أعلم؟ دثه بن الله سبحانك هذا بهتان عظيم،. من ظن أن صفة ربه تشبه شيثا من صفة الخلق فهذا مجنون ضال ملحد لا عقل له يدخل في قوله: (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين). ومن يسوى رب العالمين بغيره فهو مجنون.
ثم اعلموا أن المتكلمين الذين خاضوا في الكلام بأدلة يسمونها أدلة عقلية ركبوها في أقيسة منطقية، قسموا صفات الله جل وعلا إلى ستة أقسام. قالوا: هناك صفة نفسية وصفة معنى. وصفة معنوية وصفة فعلية وصفة سلبية وصفة جامعة. أما الصفات الإضافية فقد جعلوها أمورا إعتبارية لا وجود لها في الخارج وسببوا بذلك إشكالات عظيمة وضلالا مبينا.
ثم إنا نبين لكم على تقسيم المتكلمين ما جاء في القران العظيم من وصف الخالق جل وعلا بتلك الصفات ووصف المخلوقين بتلك الصفات وبيان القران العظيم لأن صفة خالق السموات والأرض حق وأن صفة المخلوقين حق، وأنه لا مناسبة بين صفة الخالق وبين صفة المخلوق فصفة الخالق لائقة بذاته وصفة المخلوق مناسبة لعجزه وافتقاره وبين الصفة والصفة من المخالفة كمثل ما ببن الذات والذات.
أما هذا الكلام الذي يدرس في أقطار الدنيا اليوم في المسلمين فإن أغلب الذين يدرسونه إنما يثبتون من الصفات التي يسمونها صفات المعاني سبع صفات فقط وينكرون سواها من المعاني ويؤولونها، وصفة المعنى عندهم في الاصطلاح ضابطها أنها ما دل على معنى وجودي قائم بالذات، والذي اعترفوا به منها سبع صفات، هي: القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام.
ونفوا غير هذه الصفات من صفات المعاني التي سنبينها ونبين أدلتها من كتاب الله. وأنكر هذه المعاني السبعة المعتزلة وأثبتوا أحكامها فقالوا:
هو قادر بذاته سميع بذاته عليم بذاته حي بذاته، ولم يثبتوا قدرة ولا علما ولا حياة ولا سمعا ولا بصرا، فرارا منهم من تعدد القديم وهو مذهبٌ كلُ العقلاء يعرفون ضلاله وتناقضه " وأنه إذا لم يقم بالذات علم استحال أن تقول هي عالمة بلا علم وهو تناقض واضح بأوائل العقول.
..........ثم فند قول الأشاعرة بإثباتهم الصفات السبعة التي أطلقوا عليها (صفات المعاني).......... تم قال ’:
ثم إننا نتكلم على الصفات التي اختلف فيها المتكلمون. هل هي صفات فعل أو صفات معنى والتحقيق: أنها صفات معان قائمة بذات الله جل وعلا. كالرأفة والرحمة والحلم. فنجده جل وعلا وصف نفسه بأنه رؤوف رحيم قال: (إن ربكم لرؤوف رحيم) ووصف بعض المخلوقين بذلك قال في وصف نبينا صلوات الله وسلامه عليه: (قد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).
ووصف نفسه بالحلم قال: (ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم) (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم) (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم) ووصف بعض المخلوقين بالحلم قال: (فبشرناه بغلام حليم) (إن إبراهيم لأواه حليم).
ووصف نفسه بالمغفرة قال: (إن الله غفور رحيم) (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء). ووصف بعض المخلوقين بالمغفرة قال: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) (قول معروف ومغفرة) الآية. ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله).
ولاشك أن ما وصف به خالق السموات والأرض من هذه الصفات أنه حق لائق بكماله وجلاله لا يجوز أن ينفى خوفا من التشبيه بالخلق. وان ما وصف به الخلق من هذه الصفات حق مناسب لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقار هم.
وعلى كل حال فلا يجوز للإنسان أن يتنطع إلى وصف أثبته الله جل وعلا لنفسه فينفي هذا الوصف عن الله متهجما على رب السموات والأرض مدعيا عليه أن هذا الوصف الذي تمدح به أنه لا يليق به وأنه هو ينفيه عنه ويأتيه بالكمال من كيسه الخاص فهذا جنون وهوس ولا يذهب إليه إلا من طمس الله بصائرهم. ............إلي أن قال ’:
لا يقدر الله حق قدره ولا يعظم الله حق عظمته حيث يسبق إلى ذهنه أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق فيكون فيها أولا نجس القلب متقذره بأقذار التشبيه فيدعو شؤم هذا التشبيه إلى أن ينفي صفة الخالق جل وعلا عنه بادعاء أنها تشبه صفات المخلوق فيكون فيها أولا مشبها وثانيا معطلا ضالا ابتداء وانتهاء متهجما على رب العالمين ينفي صفاته عنه بادعاء أن تلك الصفة لا تليق. واعلموا أن هنا قاعدة أصولية أطبق عليها من يعتد به من أهل العلم وهى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة ولاسيما في العقائد ولاسيما لو مشينا على فرضهم الباطل "أن ظاهر آيات الصفات الكفر" فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤول الاستواء (بالاستيلاء) ولم يؤول شيئا من هذه التأويلات ولو كان المراد بها هذه التأويلات لبادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيانها لأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة فالحاصل أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد هذا الاعتقاد الذي يحل جميع الشبه ويجيب عن جميع الأسئلة وهو: أن الإنسان إذا سمع وصفا وصف به خالق السموات والأرض نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم امتلأ صدره من التعظيم فيجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة، بينه وبين صفات المخلوقين فيكون القلب منزها معظما له جل وعلا غير متنجس بأقذار التشبيه فتكون أرض قلبه قابلة للإيمان والتصديق بصفات الله التي تمدح بها أو أثنى عليه بها نبيه صلى الله عليه وسلم على غرار (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). والشر كل الشر في عدم تعظيم الله وأن يسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق فيضطر المسكين أن ينفي صفة الخالق بهذه الدعوى الكاذبة.
ولأبد في هذا المقام من نقط يتنبه إليها طالب العلم:
أولا: أن يعلم طالب العلم أن جميع الصفات من باب واحد إذ لا فرق بينها البتة لان الموصوف
بها واحد وهو جل وعلا لا يشبه الخلق في شيء من صفاتهم البتة، فكما أنكم أثبتم له سمعا وبصرا لائقين بجلاله لا يشبهان شيئا من أسماع الحوادث وأبصارهم فكذلك يلزم أن تجروا هذا بعينه في صفة الاستواء والنزول والمجيء إلى غير ذلك من صفات الجلال والكمال التي أثنى الله بها كل نفسه.
واعلموا أن رب السموات والأرض يستحيل عقلا أن يصف نفسه بما يلزمه محذور أو يلزمه محال أو يؤدى إلى نقص. كل ذلك مستحيل عقلا. فإن الله لا يصف نفسه إلا بوصف بالغ من الشرف والعلو والكمال ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين على حد قوله (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
الثاني: أن يعلموا أن الصفات والذات من باب واحد فكما أننا نثبت ذات الله جل وعلا إثبات وجود وإيمان لا إثبات كيفية مكيفة فكذلك نثبت لهذه الذات الكريمة المقدسة صفات إثبات إيمان ووجود لا إثبات كيفية وتحديد.
واعلموا أن آيات الصفات كثير من الناس يطلق عليها اسم المتشابه
وهذا من جهة غلط ومن جهة قد يسوغ كما يثبته الإمام مالك في أنس. أما المعاني فهي معروفة عند العرب كما قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله الاستواء غير مجهـول، والكيف غير معقول والسؤال عنه بدعة.
كذلك يقال في النزول: النزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة. واطرده في جميع الصفات لأن هذه الصفات معروفة عند العرب، إلا أن ما وصف به خالق السموات والأرض منها أكمل وأجل وأعظم من أن يشبه شيئا من صفات المخلوقين كما أن ذات الخالق جل وعلا حق والمخلوقون لهم ذوات وذات الخالق جل وعلا أكمل وأنزه وأجل من أن تشبه شيئا من ذوات المخلوقين.
فعلى كل حال. الشر كل الشر في تشبيه الخالق بالمخلوق وتنجيس القلب بقذر التشبيه فالإنسان المسلم إذا سمع صفة وصف بها الله أول ما يجب عليه أن يعتقد أن تلك الصفة بالغة من الجلال والكمال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينها وبين صفات المخلوقين فيكون أرض قلبه طيبة طاهرة قابلة للإيمان بالصفات على أساس التنزيه على نحو (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11) ).
وختاما يا إخواني نوصيكم وأنفسنا بتقوى الله وأن تتمسكوا بهذه الكلمات الثلاث:
(1 أن تنزهوا ربكم عن مشابهة صفات الخلق.
(2أن تؤمنوا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، إيمانا مبنيا على أساس التنزيه على نحو ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11) ).
(3وتقطعوا الطمع في إدراك الكيفية لأن الله يقول: ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طـه: من الآية110)).
ونريد أن نختم هذه المقالة بنقطتين:
إحداهما: أنه ينبغي للمؤولين أن ينظروا في وقوله تعالى لليهود: ( وَقُولُوا حِطَّةٌ)(البقرة: من الآية58)) فإنهم زادوا في هذا اللفظ المنزل نونا فقالوا: حنطة
فسمي الله هذه الزيادة تبديلا فقال في البقرة: ( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (البقرة:59) ، وقال في الأعراف: ( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ) (الأعراف:162)

الثانية: أنه ينبغي للمؤولين أن يتأملوا آية من سورة الفرقان وهى قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً)(الفرقان: من الآية59)).
ويتأملوا معها قوله تعالى في سورة فاطر: ( وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)(فاطر: من الآية14)).
فإن قوله في الفرقان: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ) بعد قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ )
يدل دلالة واضحة أن الله الذي وصف نفسه بالاستواء خبير بما يصف به نفسه لا تخفي علبه الصفة اللائقة من غيرها ويفهم منه أن الذي ينفي عنه صفة الاستواء ليس بخبير، نعم هو والله ليس بخبير. وصلى الله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.( 36)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
( 1) قال الشيخ العثيمين ’:إذا قال قائل: ما هو الطريق لإثبات الصفة مادمنا نقول: إن الصفات توقيفية؟
فنقول: هناك عدة طرق لإثبات الصفة:
الطريق الأول: دلالة الأسماء عليها، لأن كل اسم، فهو متضمن لصفة ولهذا قلنا فيما سبق: إن كل اسم من أسماء الله دال على ذاته وعلى الصفة التي اشتق منها.
الطريق الثاني: أن ينص على الصفة، مثل الوجه، واليدين، والعينين.. وما أشبه ذلك،
الطريق الثالث: أن تؤخذ من الفعل، مثل: المتكلم، فأخذها من (وكلم الله موسى تكليماً (النساء: 164( هذه هي الطرق التي تثبت بها الصفة وبناء على ذلك نقول: الصفات أعم من الأسماء، لأن كل اسم متضمن لصفة، وليس كل صفة متضمنة لاسم.(شرح الواسطية صـ93) بتصريف بسيط- وقال ’: وقد دل على ثبوت رحمة الله تعالى: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل:فأما الكتاب، فجاء به إثبات الرحمة على وجوه متنوعة، تارة بالاسم، كقوله: ]وهو الغفور الرحيم[ [يونس: 107]، وتارة بالصفة، قوله: ]وربك الغفور ذو الرحمة[ [الكهف: 58]، وتارة بالفعل، كقوله: ]يعذب من يشاء ويرحم من يشاء[ [العنكبوت: 21]، وتارة باسم التفضيل، كقوله: ]وهو أرحم الراحمين[ [يوسف: 92].وبمثل هذه الوجوه.. جاءت السنة(صـ166،165 )،فسبحان الله قد ثبتت صفة الرحمة لله U بالطرق الثلاثة فكيف أنكرها من أنكر؟ وكيف أوّل من تأوّل؟
( 2) رواه الستة إلا البخاري ومالك واحمد
( 3) رواه الترمذي وأبو داود وأحمد من حديث أبى هريرة والحاكم والبيهقى
( 4) رواه الترمذي وحسنه الألباني ـ سبحان الله ـ كيف خفي على من أنكر وصفه U بالرحمة ومن أوّلها أو قال إنها من المجازات استغاثة نبي الرحمة r بها ؟ أكان يستغيث بالنعمة المخلوقة ؟ أما بالثواب والأجر ؟ أما بماذا كان يستغيث؟ أليست رحمة الله U التي هي صفته Y
( 5) رواه النسائي والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال صحيح على شرطهما وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 661
( 6) رواه أحمد و أبو داود البخاري في الأدب وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 3388
( 7) متفق عليه
( 8) متفق عليه
( 9) رواه أبو داود والترمذي و قَالَ:هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه الألباني
( 10) صفات الله صـ31،30للشيخ علوي السقاف حفظه الله
( 11) لو تأمل المتأمل في ثنائهم (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً)ألا يدل على صفتي الرحمة والعلم ، والعلم صفة ذاتية وهنا الرحمة كذلك كونها متعلقة بذاته الرحمية،وتأمل تضرعهم ودعائهم (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ألا يدل على الرحمة المتعلقة بأعماله وأفعاله الرحيمة
( 12) متفق عليه
( 13) الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين شرح العقيدة الواسطية صـ166
( 14) ممن ذكر هذا الغزالي في المقصد و الرازي في اللوامع و القرطبي في الاسنى وابن بطال وابن التين كما نقل الحافظ وتبعهم على ذلك من اتي بعدهم من المتمشعرة ممن نابذ قول السلف وجعله وراءه ظهريا – و( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(البقرة: من الآية156)
( 15) رواه الامام احمد ومسلم عن سلمان t ولاحمد عن أبي هريرة عن رسول الله r ( لِلَّهِ مِائَةُ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى أَوْلاَدِهَا وَأَخَّرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ )والبيهقي عن أبي سعيد t 1767 صحيح الجامع
( 16) رواه الترمذى وأبو داود وأحمد من حديث أبى هريرة والحاكم والبيهقى
( 17) أخرجه أبو داود ويشهد له الذي بعده
( 18) متفق عليه من عمر بن الخطاب t
( 19) مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة جـ2 صـ451:341/ جزاه الله خيرا وأجزل مثوبته وجعله في ميزان حسناته لقد أطال النَّفس في دحض شبهات الموؤلين ،و تفند أوهامهم، تراني قد أطال عليك في نقل كلامه ’ النفيس ؟ ما أظنك مللت من هذه الدرر، وإن كانت الأخرى فإني أطلب منك المعذرة !
( 20) قد سبق
( 21) لعله الإستشفاء وهو طلب الشفاء
( 22) قد سبق
( 23)كتاب "الأربعين في أصول الدين في علم الكلام" .
( 24)" إيثار الحق على الخلق"، بتلخيص وتصرف (ص129-139).
( 25) البقرة 249(روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني جـ1 الألوسي)
( 26)شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري ج1 ص67:ص79
( 27)الآية110من سورة الإسراء.
( 28)الآية 58من سورة يونس.
( 29) جزء من حديث الباب عند البخاري ’ عن أسامة بن زيد، قال: كنا عند النبي –صلى الله عليه وسلم – إذ جاءه رسول إحدى بناته تدعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم -: "ارجع فأخبرها، أن لله أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر، ولتحتسب".
فأعادت إليه الرسول، أنها أقسمت لتأتينها، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم – وقام معه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، فدفع الصبي إليه، ونفسه تقعقع كأنها في شن، ففاضت عيناه، فقال له سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء".
( 30)صفات الفعل عند الأشعرية: ما فعله-تعالى- منفصلاً عنه- يعني مخلوقاته التي وجدت بصفة الخلق-وليس هناك اشتباه بين ما يسميه ابن بطال صفات فعل، وبين صفات الله، حتى يلزم ما ذكره.
( 31)"الفتح" (13/358).
( 32)الآية 30 من سورة الرعد.
( 33)الآية 60 من سورة الفرقان.
( 34)أقصد الذين يؤولون الصفات كما هي طريقة أكثر الأشعرية.
( 35) شرح العقيدة الواسطية ص163:ص165 وتفسير الفاتحة ص23:ص24
( 36) منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات




يتبع إن شاء الله إن كان فى العمر بقية