المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يومٌ عاديٌ .. إلا من الأحـــزان !



الأسمر
01-28-2008, 10:13 AM
يومٌ عاديٌ .. إلا من الأحـــزان !


أكثرُ من سبع سنواتٍ انقضت على انتفاضتنا المباركة ..سبعُ سنوات و أيّامي تكاد تشبه بعضها .. إلا يومي هذا كان مختلفاً بعض الشيء..


كعادتي توجهت لجامعتي دون أن أعرف ما هي الأجواء في الخارج .. أو ماذا حدث ..فقد كنت في منطقة مظلمة ونائية ..

فلم أسمع اليوم أنغام المذياع التي تطربنا كل صباح بأخبار الدماء بدل من أنغام فيروزكم !

فنحن يا سادتي لم ننعم بعد باختراع اسمه الكهرباء " الدائمة " فهي من مظاهر الرقي والحياة .. أما هنا فلا رقي ولا حياة !!



توجهت لجامعتي وفي طريقي شاهدت بيت عزاء يبدو أنه لشهيد وسمعت أنّات المآذن تنعي أبطالاً ..

أيقنت أننا أفقنا اليوم على مجزرة جديدة ..وأن المأساة تتجدد ..


وصلت للجامعة .. انتهيت من امتحاني .. و بدل أن نتناقش عن امتحاننا , أو على الأقل نسأل كيف كان , بدأنا على الفور في استكمال متابعة الأحداث ,

فالقصف يزداد وأعداد الشهداء تزداد ..

حتى الآن هم سبعة عشر ..

تتوالى التفاصيل , أحد الشهداء حفل زفافه بعد خمسة أيام !

لا بد أن الجنة اشتاقت وتاقت لـِلقياه , فآثـر الزفاف إلى الحور العين , فهنيئاً له ..

الكل يستمع للتطورات أكثر ولا تعليق , فعلى ماذا نعلّق و ماذا نقول؟

اضطررت أن أترك اجتماعنا الصامت هذا .. و أقصد مكاناً ما لشراء بعض الحاجيات الضرورية , فذهبت و صديقتي قاصدين أحد الأماكن ,

وهناك لاحظنا إجراءات غير طبيعية في حركة السير ..

قلنا : من المؤكد أن مظاهرة تنديد بالمجزرة ستخرج الآن ( التحليل لا يحتاج لذكاء .. فهذا ما اعتدنا عليه ! )

و بينما نحن في طريقنا كنا نقترب من أصواتٍ تعلو شيئاً فشيئاً .. آه .. إنه المسجد العمري الكبير .. يحتضن اليوم شهداءه ليُصلَّـى عليهم فيه ..

يا إلهي ! ما أحلى صوت الشجن وسط السكينة ..!

توقفنا عن المسير .. والكل توقف بخشوع !

لقد أحضروا شهيداً جديداً للمسجد ..- لم أشاهد هذا المشهد "حياً " طوال السنوات السبع الماضية إلا قليلاً - ..

اليوم بيني وبين الشهيد ومن يحملونه ثلاثة أمتارٍ فقط !

نظرت لصديقتي ونظَرت إليّ وكأننا نخاطب بعضنا بصمت و نسأل أسئلة صامتة .. لا إجابة لها !

قلوبنا تمزقت وخارت قوانا .. إنه موقف عظيم .. والله إنه لعظيم !!

أأبكي عليك يا حبيب الله ..؟ أم أبكي على نفسي !! أم أنحني خجلاً منك ..!!


حملوه رفاقه للمسجد ..وتركونا في أماكننا... الأجواء من حولي تشبه كل شيءِ إلا الاستقرار ..


الكل يتمتم " إنا لله وإنا إليه راجعون " .. " الله يصبر أمه ويعينها " .." الله يعين أهله "

وما هي إلا لحظة فإذا بهتافات من جديد تخترق السكينة ..إنه شهيد ثانٍ ..وثالث ورابع ..

لقد مر من أمامنا سبعة ..

على الأكتاف يُحمَلون .. ورفقاهم يهتفون " لا إله إلا الله , والشهيد حبيب الله "

اقشعرت أبداننا .. الجو بارد جداً .. ولكن تلك المشاهد جعلته وهجاً حارقاً !

ارتجّت أجسادنا في مكانها و احترقت قلوبنا قهراً .. وتفجرت براكين وبراكين ..

تسابق الكل لرؤيتهم , فذاك يريد أن يرى وجه الشهيد وذاك يريد المشاركة في حمله ولمس نعشه الطاهر ..

أما أنا فأزاحمهم بنظراتي لتصل إلى كل بطل منهم.. و أرمقهم بنظرات الامتنان و الشكر , فها هي أرواحهم قد فدتنا لنبقى - و من يقف معي -

بكرامة نحيا على أرضنا , فاستُشهدوا بعزّة كي نحيا بعزة ..

استكملتُ مخاطبتهم بنظراتي لأبث لهم حزناً يجتاحنا على فراقهم , وغبطة لاصطفائهم من الرحمن شهداء ..

إنهم رحلوا ...

أما نحن فبقينا في أماكننا نسترجع ذلك الشريط السريع , وما زلنا نقف , أشعر أن من أتي لحاجة يقضيها قد عزف عن أمره !

و عزفت أنا أيضاً عنه , نسيت حاجياتي و نسيت امتحاني ونسيت كل شيء ..

و ظلت مشاعرنا و أفكارنا تتصارع من سيُحمل على الأكتاف من بعدهم , وكم زهرة ستُقطف من بستانك فلسطين !

إنها زهورك المتفتحة .. منتصبة القامة , تنتظر أن تـُقطف في ريعان العمر لتلقَ باريها ..

الآن هممنا بتوديع المكان , ودعنا الشهداء من بعيد و نحن نبثّ لهم و عوداً بالسير على خطاهم , فهنيئاً لكم يا أحباب الله و ملتقانا الجنة بإذنه تعالى ...

بقلم رهام ن