المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة كشف الشخصيات (2) : رفاعة الطهطاوي



حازم
03-22-2005, 08:52 PM
بقلم سليمان بن صالح الخراشى

أُطْلِق عليه «رائد التنوير في العصر الحديث» نجد فيما كتبه من آراءَ جديدةٍ، تُعْتَبَر هي البُذُور الأولى، لما يُسَمَّى «بالفكر المُسْتَنِير» والذي كان مصدر التَّلَقِّي له ما شاهده في الحياة الأوربية، وما قرَأَه مِن تَرْجَمةٍ من الكتب الفرنسية.

يقول عن «حُب الوطن»: (فجميع ما يجب على المؤمن لأخيه المؤمن منها يجب على أعضاء الوطن، من حقوق بعضهم على بعض، لما بينهم من الأُخُوَّة الوطنية فضْلاً عن الأُخُوَّة الدِّينية. فيجب أدَباً لمن يجمعهم وطن واحد، التعاون على تحسين الوطن وتكميل نظامه، فيما يخص شرف الوطن وغِناه وثروته، لأن الغِنَي إنما يتحصَّل من انتظام المعاملات وتحصيل المنافع العمومية، وهي تكون بين أهل الوطن على السَّوِية، لانتفاعهم جميعاً بِمَزِيَّة النَّخْوَة الوطنية) ([1]).

ويُعَلِّق الدكتور محمد محمد حسين على هذا الكلام فيقول:(هذا الاتجاه هو أثرٌ من آثار الحضارة الغربية وتَصَوُّرها للوطن الجامع لمصالح ساكِنِيه على اختلاف أديانهم وأجناسهم، واقتباس من المجتمع الفرنسي بعد الثورة، الذي قَضَى على الرابطة الدينية، وأقام مكانها رابطة المصلحة الوطنية، أو ما سمَّاه الطهطاوي «المنافع العمومية» التي تقوم على الحرية والإخاء والمساواة بين أبناء الوطن الواحد».([2])

ويَظْهَر تأثر الطهطاوي وإعجابه بفكرة الحرية في مجتمع الثورة الفرنسية، حيث نجده عقد لها فصلاً في كتاب «المُرْشِد الأمين للبنات والبنين» وتكلم فيه عن الحرية والمساواة([3]) وهما شعاران ضمن ثلاث شعارات للثورة الفرنسية.

وكما يقول الدكتور محمد محمد حسين ناقداً له: (بأنه لم يستطع أن يدرك الأغوار البعيدة والجوانب المتعددة لكلمة الحرية، ولم يستطع أن يدرك أنَّ نَقْل هذه الآراء إلى المجتمع الإسلامي يمكن أن ينتهي إلى النتيجة نفسها: نَبْذِ الدِّين، وتَسْفِيه رجاله، والخروج على حدوده. لم يدرك ذلك ولم يلاحظ إلا الجانب البرَّاق الذي يأخذ نظر المحروم من الحرية، حين تمارس في مختلف صورها وألوانها، وفي أوسع حدودها، فكان كالجائع المحروم الذي بَهَرَتْه مائدةٌ حافِلةٌ بألوان الأطعمة، فيها ما يلائمه وما لا يلائمه، ولكنه لم ينظر إليها بعين حِرْمانِه، ولم يرَها إلا صورةً من النعيم الذي يتُوقُ إليه ويَشْتهِيه) ([4]).

ومما يُصَوِّر لنا التَّغَيُّر الفكري لَدَيْه، ما حدث له تحت تأثير إقامته في باريس، ومشاهدته لحال المرأة فيها، حيث أظهر إعجابه بما هي عليه، ونَفَى أنْ يكون الاختلاط والتبُّرج هناك داعياً إلى الفساد، أو دليلاً على التساهُل في العِرْض، وامْتَدح مُراقَصَة الرجال للنساء، ووَصَفَه بأنه فنٌّ مِن الفُنون (ولا يُشَمُّ منه رائحةُ العُهْر أَبَداً، وكل إنسانٍ يعْزِم امرأةً يَرْقُصُ معها، فإذا فَرَغ الرَّقْص عَزَمَها آخَرُ للرَّقصةِ الثانية وهكذا)([5]).

كما يُظْهِر إعجابه بالقوانين العقلية، والشرائع الوضعية في المجتمع الفرنسي في قوله: (والقانون الذي يمشي عليه الفرنساوية الآن، ويتخذونه أساساً لسياستهم هو القانون الذي ألَّفَه لهم ملكُهُم المُسَمَّى لِوِيز الثامن عشر. ولا زال مُتَّبَعاً عندهم ومُرْضِياً لهم، وفيه أمورٌ لا يُنْكِر ذَوُو العقول أنها من باب العدل... وإن كان غالب ما فيه ليس من كتاب الله تعالى ولا من سُنَّة رَسُول الله- ×- لِتَعْرِفَ كيف حَكَمَتْ عقولهم بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير المَمَالِك وراحة العباد) ([6]).

( المرجع : الاتجاه العقلاني عن المفكرين الاسلاميين المعاصرين ، سعيد الزهراني ، 1/204-205) .

-------------------------------------------------------------------

([1]) مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية لرفاعة الطهطاوي (1/319) دراسة وتحقيق محمد عمارة المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، الطبعة الأولى، 1973م.

([2]) الإسلام والحضارة الغربية ، محمد محمد حسين ص 21.

([3]) انظر المرشدالأمين للبنات والبنين. رفاعة الطهطاوي (2/473-477) ضمن الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي. للدكتور محمد عمارة.

([4]) الإسلام والحضارة الغربية صـ24-25.

([5]) تخليص الابريز. الطهطاوي (2/122).

([6]) المصدر السابق صـ(2/95).

حازم
10-08-2005, 03:54 PM
من كتاب واقعنا المعاصر لمحمد قطب :

لقد كان رفاعة رافع الطهطاوى واحدا من أولئك الأئمة " العظام ".. أو هكذا كان يوم ذهب إلى فرنسا.. ولكه عاد وهو واحد من أئمة التغريب.
استقبله أهله بالفرح يوم عاد من فرنسا بعد غيبة سنين.. فأشاح عنهم فى ازدراء، ووسمهم بأنهم " فلاحون" لا يستحقون شرف استقباله.
ثم ألف كتابه الذى تحدث فيه عن أخبار " باريز " ودعا فيه إلى " تحرير " المرأة أى إلى السفور، وإلا الاختلاط، وأزال عن الرقص المختلط وصمة الدنس، فقال إنه حركات رياضية موقعة على أنغام الموسيقى، فلا ينبغى النظر إليه على انه عمل مذموم.
ولم يكن يتوقع بطبيعة الحال أن تستجيب الأمة الإسلامية فى مصر إلى هذه الدعوى الطهطاوية فى حينها، فقد كانت بقية الإسلام فى نفوس المسلمين، كما كانت سيطرة التقاليد الإسلامية على كل جوانب الحياة، تبلغان من القوة إلى الحد الذى يجعل مثل تلك الدعوى فى ذلك الوقت مثارا للسخرية ومثارا للاستنكار الشديد.
ولكن رأس الحربة كان يشير إلى الاتجاه.. الاتجاه إلى التغريب.
لقد كان العمل الذى قام به رفاعة الطهطاوى _ ومن ورائه محمد على _ هو على وجه التحديد على النحو التالى:
كانت فى حياة المسلمين _ فى مصر وفى غيرها من بلاد العالم الإسلامى _ نقطة ارتكاز واحدة، هى الإسلام – بصرف النظر مؤقتا عن كل ما أصابهم من تخلف عن حقيقة هذا الدين – فجاء رفاعة الطهطاوى فوضع إلى جانب نقطة الارتكاز الضخمة القائمة، نقطة ضئيلة غاية الضآلة هى " الحضارة الغربية " دعا المسلمين إلى الانتقال إليها والارتكاز عليها. ورويدا رويدا فى حياة المسلمين أخذت تلك النقطة الضئيلة تكبر وتتضخم، وتصبح نقطة ارتكاز ثانية فى حياة المسلمين إلى جانب الإسلام، مع التضاؤل التدريجى فى نقطة الارتكاز الأولى بمقدر ما تتضخم النقطة الثانية.. حتى يأتى وقت تصبح تلط النقطة الضئيلة هى نقط الارتكاز الرئيسية، وتصبح نقطة الارتكاز الضخمة السابقة نقطة جانبية ضئيلة تكاد تنمحى من الوجود