مالك مناع
03-23-2005, 10:53 AM
يقول الشيخ سليم الهلالي حفظه الله:
قسَم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – في وصيته للكُميل بن زياد- الناس ثلاثة أقسام: " الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق".
وهو تقسيم في غاية الصحة ونهاية السداد، لأنه يرجع في نفس الأمر إلى قسمين: أهل العلم وطلابه، وهمج رعاع، فأما أهل العلم وطلابه، فلم تزلَ بهم قدم، ولم تتعثر بهم خطوة، ولم ينْقُضُوا غَزْلهم من بعد قوة أنكاثاً، لأنهم استنــــاروا بنور العلم، فلجؤوا إلى ركن ركين، وحمى متين، وحصن حصين.
وأما الهمج الرعاع، فهم مُـﺫبـﺫبُون، كالشاة العائرة بين الصفين، يتبعون كل ناعق، ويصيحون مع كل مارق، ولو سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبَثوا خلالها إلا يسيراً، فهم حطبها.
وهـﺫا يؤدي إلى فهم سامق، ومعنى رائق، ومغنى فائق، وهو: أن العلم حصانة لأهله وطلابه، ولـﺫلك سمى الله كتابه نوراً، ودينه نوراً، ورسوله نوراً، ووصف نفسه بأنه نور السماوات والأرض، وكـﺫلك الإيمان نور، ولـﺫلك أقول: ما من كلمة أصدق، ولا تعبير أدق، ولا فهم أعمق من الإخبار عن حقيقة العلم والإيمان بأنها نور، وعن واقع الجهل والبدعة والكفر والنفاق بأنه ظلمات، كما في قوله- تعالى-: (( الله ولي الـﺫين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والـﺫين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ))/البقرة:257
فالعالم يجد حلاوته في قلبه، ويتـﺫوق طعمها في كيانه، ويجني ثمارها في جميع مفردات حياته: في رؤيته للواقع، وتقديره للأشخاص والجماعات والمجتمعات، وتقييمه للأحداث، وتقويمه للأشياء .. ويجدها في قلبه نوراً، فيجد الوضوح في كل شأن وأمر، وحدث، ويلمس اليقين في نفسه، ونواياه، وخواطره، وخطته، وحركته.
ثم أن العلم نور يشرق به كيان المؤمن، وتشف به روحه، ويسمو به عقله، وتصفو به حياته، فتغشى السكينة باله، وحاله، ومقاله، ومــآله ... كل ﺫلك بغير غبش، ولا لبس، ولا اضطراب.
وأما الهمج الرعاع فيعيشون في ظلمات متنوعة ومتعددة.. ولكنها كلها ظلمات.. ظلمة الشهوات، وظلمة النزعات، وظلمة الشبهات، وظلمة التيه والشرود والانقطاع في بيداء الأهواء التي يعصف بها اضطراب الموازين، وتخلخل الأحكام، وتحلل القيم، فهو يتقلب في شك وقلق وحيرة ووحشة، لأنه انقطع عن حمى الجناب الآمن والركن المطمئن، فينقدح ﺫلك في قلبه بأول عارض من شبهة، فتؤثر فيه البداآت، وتقلقله أوائل الأمور، فيتعجل أمره قبل استحكامه، ويركب أعناق العجلة والطيش، بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه الشبه والفتن مثل أمواج البحر ما أزالت يقينه، بل زادته ثباتاً ورشداً، فقلبه باشر حقيقة العلم، وعَقِل عقله كُنه الأناة والحلم.
وأما المسترشد على سبيل النجاة، فهو يرد الأمر إلى الـﺫين يستنبطونه، ويقف عند نصحهم، وهـﺫا طوق النجاة وحبل الحياة وتأمل بثاقب فكرك وصية شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميـﺫه ابن قيم الجوزية: " وقال لي شيخ الاسلام-رضي الله عنه- وقد جعلت أُوردُ عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل: السفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المُصْمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإﺫا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات. فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بـﺫلك".
قلت: صدق، فإن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة، ولـﺫلك، فإن أقماع العقول تخطفهم الشكوك والريب حيث يُصرون على ما فعلوا وهو يعلمون ...، ولـﺫلك كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة في الرشد"./صحيح-أخرجه الترمـﺫي وأحمد والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..،
قسَم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – في وصيته للكُميل بن زياد- الناس ثلاثة أقسام: " الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق".
وهو تقسيم في غاية الصحة ونهاية السداد، لأنه يرجع في نفس الأمر إلى قسمين: أهل العلم وطلابه، وهمج رعاع، فأما أهل العلم وطلابه، فلم تزلَ بهم قدم، ولم تتعثر بهم خطوة، ولم ينْقُضُوا غَزْلهم من بعد قوة أنكاثاً، لأنهم استنــــاروا بنور العلم، فلجؤوا إلى ركن ركين، وحمى متين، وحصن حصين.
وأما الهمج الرعاع، فهم مُـﺫبـﺫبُون، كالشاة العائرة بين الصفين، يتبعون كل ناعق، ويصيحون مع كل مارق، ولو سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبَثوا خلالها إلا يسيراً، فهم حطبها.
وهـﺫا يؤدي إلى فهم سامق، ومعنى رائق، ومغنى فائق، وهو: أن العلم حصانة لأهله وطلابه، ولـﺫلك سمى الله كتابه نوراً، ودينه نوراً، ورسوله نوراً، ووصف نفسه بأنه نور السماوات والأرض، وكـﺫلك الإيمان نور، ولـﺫلك أقول: ما من كلمة أصدق، ولا تعبير أدق، ولا فهم أعمق من الإخبار عن حقيقة العلم والإيمان بأنها نور، وعن واقع الجهل والبدعة والكفر والنفاق بأنه ظلمات، كما في قوله- تعالى-: (( الله ولي الـﺫين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والـﺫين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ))/البقرة:257
فالعالم يجد حلاوته في قلبه، ويتـﺫوق طعمها في كيانه، ويجني ثمارها في جميع مفردات حياته: في رؤيته للواقع، وتقديره للأشخاص والجماعات والمجتمعات، وتقييمه للأحداث، وتقويمه للأشياء .. ويجدها في قلبه نوراً، فيجد الوضوح في كل شأن وأمر، وحدث، ويلمس اليقين في نفسه، ونواياه، وخواطره، وخطته، وحركته.
ثم أن العلم نور يشرق به كيان المؤمن، وتشف به روحه، ويسمو به عقله، وتصفو به حياته، فتغشى السكينة باله، وحاله، ومقاله، ومــآله ... كل ﺫلك بغير غبش، ولا لبس، ولا اضطراب.
وأما الهمج الرعاع فيعيشون في ظلمات متنوعة ومتعددة.. ولكنها كلها ظلمات.. ظلمة الشهوات، وظلمة النزعات، وظلمة الشبهات، وظلمة التيه والشرود والانقطاع في بيداء الأهواء التي يعصف بها اضطراب الموازين، وتخلخل الأحكام، وتحلل القيم، فهو يتقلب في شك وقلق وحيرة ووحشة، لأنه انقطع عن حمى الجناب الآمن والركن المطمئن، فينقدح ﺫلك في قلبه بأول عارض من شبهة، فتؤثر فيه البداآت، وتقلقله أوائل الأمور، فيتعجل أمره قبل استحكامه، ويركب أعناق العجلة والطيش، بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه الشبه والفتن مثل أمواج البحر ما أزالت يقينه، بل زادته ثباتاً ورشداً، فقلبه باشر حقيقة العلم، وعَقِل عقله كُنه الأناة والحلم.
وأما المسترشد على سبيل النجاة، فهو يرد الأمر إلى الـﺫين يستنبطونه، ويقف عند نصحهم، وهـﺫا طوق النجاة وحبل الحياة وتأمل بثاقب فكرك وصية شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميـﺫه ابن قيم الجوزية: " وقال لي شيخ الاسلام-رضي الله عنه- وقد جعلت أُوردُ عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل: السفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المُصْمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإﺫا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات. فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بـﺫلك".
قلت: صدق، فإن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة، ولـﺫلك، فإن أقماع العقول تخطفهم الشكوك والريب حيث يُصرون على ما فعلوا وهو يعلمون ...، ولـﺫلك كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة في الرشد"./صحيح-أخرجه الترمـﺫي وأحمد والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..،