الفارس مفروس
02-23-2008, 09:51 AM
حين نتحدث عن "الإسلام" كـ "دين" يسعى فى كل جوانبه لتهيئة المجتمع نحو قبول ملزم لأحكامه ، فإننا نفترض فى المتلقى مطلباً عقدياً يؤمن بحتمية تفعيل مثل هذه الأحكام وضرورة تصدرها كمنهج شامل لحياته وصلاح مجتمعه ، حتى وإن تعارضت بعض تلك الأحكام مع حجم المعلومات المتاحة لتفسيرها ، أو لخفاء الحكمة الظاهرة لتشريعها ، فإننا مطالبون بتحويلها لمنهج شامل للحياة ، لأن المحور الأساسى للديانة هو تحقيق العبودية التامة للشارع الحكيم والإنقياد الخالص لأحكام الدين ، دون مصادرة لحتمية التجديد والمواكبة لمستجدات الأمور من منظور واقعى ، لكننا مكلفون فى النهاية بتحقيق الهدف من تطبيق أحكام الإسلام الدينية فى كافة المناحى ، على أساس الإرتباط الوثيق بين العمل الدنيوى والجزاء الآخروى ، والإسلام بهذا المفهوم قد يتوافق مع بعض القوانين الإنسانية للحكم فى مفهوم "الإلزام" و "تحقيق المصلحة" ، لكنه بكل تأكيد لا يتقاطع مع تلك المناهج الوضعية الحاكمة فى جزئية هامة ، وهى قابلية التمحيص العقلى أو النقد الفكرى ، ولا يمكننا أن نمرر عليه مقصلة العقل البشرى لتقييم كلياته وأصوله ، كما لا يمكننا كذلك أن نخضعه لمبدأ : القبول السلمى للأحكام التى يجيزها العقل والرفض العملى لما خرج عن حيز الإستيعاب !
الإشكالية تبدو واضحة حين تتحول مبادئ الحكم فى الإسلام إلى منهج براجماتى نفعى قائم على مفهوم شاذ على تعاليمه وهو مفهوم : تحقيق المصلحة بمفهومها الشامل دون تقييد ، وذلك حين أفرط الكثيرون فى مفهوم "المصلحة" فقيدوا بها أحكام الدين ، وحولوا تلك المصلحة إلى أصل من أصول التشريع يدور مع تفاصيل أحكامه حيثما دارت ، تابعاً لها لا متبوعاً ، حتى روج البعض لمقولة مغلوطة تقول : أنه حيثما وُجدت المصلحة فثم حكم الله ! والحقيقة أن المصلحة تكمن فى تطبيق الحكم حتى وإن بدا ذلك معارضاً لمصلحة الناس وأهوائهم وما تهواه أنفسهم ، وكم من أحكام التشريع تدخل تحت طائلة القاعدة العامة : وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم !
والمتدبر لهذا المفهوم الغريب يجد أنه سياق جديد مستحدث ، أراد القائلون به أن يقدموا المصلحة كشرط على وجود الأحكام وحكمة تشريعها ، والتأكيد على تبعيتها المطلقة لشرط حصول المنفعة المحسوسة ، وربما بالغوا فى التقييد فجعلوا التعلق بالمنفعة العاجلة تحديداً وغض الطرف عن الآجل منها واعتباره خارج الحسابات ، والأخطر من ذلك فى حملة التصعيد المنهجى التى ارتقت منابر الوعظ وتصدرت عناوين الإعلام الإسلامى هو تبديل الأحكام فى مجموعها لتصبح -اصطلاحياً- مجرد سلة من المصالح ، وتحويل العلاقة بين الشارع الخالق والعبد المخلوق إلى علاقة نفعية بحتة ، قائمة على مصلحة العبد الدنيوية وما تتطلبه من معايير متغيرة ترتبط بحاجة العبد وأحواله ، فلا يمكن تطبيقها ابتداءً إلا من بعد أن تحدد فيها عين المصلحة وحجمها ، فإن تبدلت المنافع وتغيرت المصالح فإن من توابع ذلك -من خلال المفهوم البراجماتى- أن يتبدل التشريع ويتغير ، أو يصل فى أحسن حالاته إلى تأويل باهت لا يبقى على أصل التشريع ولا يجعل له أثراً فى المجتمع.
ولذلك نرى ونسمع عن مناهج جديدة للدعاة والمتصدرين لواجهة العمل الإسلامى يقررونها فى رؤوس الناس بكثرة التكرار ، ويتنطعون فى تلقينها لعامة المسلمين باختراع جملة من المنافع والمصالح التى ستترتب على إلتزام العبد بها ، فيرتبط الذهن بالنفع والمصلحة وينفصل عن حقيقة أن محض تحقيق الحكم هو عين الهدف المراد ! وكثيراً ما نرى أن "الإختراع" بات وسيلة مناسبة لتسويق بعض التعاليم والأحكام الشرعية ، إذ تُخترع للأحكام بعض المنافع ، وكأن كل فصل من فصول التشريع صار معطلاً إلا إن صاحَبه تأويل براجماتى يعود بالنفع الدنيوى قبل الآخروى على العبد.
ولأن المنهج البراجماتى يقوم على صنعة التسويق ، فقد وقع الكثيرون من الدعاة والمتصدرون لدعوة الإسلام فى هذه الفخاخ المنهجية ، وبات كل منهم يسوق للحكم الإسلامى من خلال هذا السياق النفعى ولكن من منطلقات متعددة ، فمنهم الغافل الذى قد يخفى عليه مثل هذا الخلل الأصولى ، إما بسذاجة مفرطة أو بسبب الحرص الزائد على دعوة المسلمين لأحكام الشريعة ، وقد يصدر هذا الأمر من بعض المنظرين الإسلاميين بمنهجية منظمة تهدف إلى تغيير الصورة النمطية للإسلام كمصدر للحكم والتشريع فى المجتمع ، واخراجه من التابو التقليدى المترسخ فى أذهان الكثيرين من الرافضين لمرجعية الدين فى المجتمعات الإسلامية ، من أنه سلطة إلهية دينية اقصائية لا مجال فيها لتعدد الآراء وتلزم الناس بما لا يفهموه ، حرصاً من نفسه على "تلميع" الإسلام وتحويله لسلعة تلقى القبول ، فيقوم بربطه بالمنافع والمصالح التى هى لغة العصر ولا يفهم العالم سواها ، وهى الأساس الوحيد الذى تقوم عليه صناعات العالم الحر فى مجالات الحكم المدنى والإقتصاد والسياسة.
وقد يروج بعضهم للإسلام البراجماتى النفعى من منظور مؤامراتى بهدف تفريغه من محتواه وتحويله لنظام حاكم غير ملزم لا يحظى بالشمولية فى تناوله لكل قضايا المجتمع ، وبعد تفريغه من صبغته الدينية لا تعترف السلطة المجتمعية بالجزاء الآخروى كوسيلة من وسائل الإلزام وتقييد الناس بأحكامه ، فيصبح المنهج الإسلامى مجرد "إيديولوجية" من جملة الإيديولوجيات التى تعج بها أسواق العالم ومعارضه المفتوحة أرضاً وسماءً ، لانتقاء الأمثل والأجدر بتطبيقه كنظام حاكم للمجتمعات.
بكل أسف نحن لازلنا نقف عند عتبة متأخرة فى طريق العودة إلى الحكم الإسلامى الصحيح ، فالدعوة إلى تطبيق الشريعة قد تم ربطها من خلال حرفية إعلامية مزورة بمجموعة من السلبيات والتجارب الفاشلة فى القديم والحديث ، ارتبطت نفسياً وذهنياً بصورة نمطية عن الحكم الإسلامى ، لا تدعو إلا للقمع والترويع والمصادرة ، قد تقلصت فيها السلطات المدنية لحساب الإستبداد. ويعمد المنتقدون للحكم الدينى الإسلامى إلى سلة التاريخ فيستعيدون بانتقائية متطرفة بعض المواقف والأحداث الخاطئة يدلون بها على "فشل" الإسلام كنظام حاكم ، متناسين بجهل أو تزوير متعمد أن تلك الحوادث طرأت على نظام شامل متقن ولم تكن أصلاً ، وأنها تحسب فى عمومها وتفاصيلها على أهواء الأفراد وتقصير الشخوص ، ولا يمكن ربطها تحت أى منهجية علمية محايدة إلى أصل لاتشريع ولا إلى آلية تطبيقه النزيهة !
الحقيقة تشهد أننا لازلنا ندعو للإسلام بين أظهر المسلمين ! وهى حالة لم يشهد لها التاريخ الإسلامى مثيلاً ، إذ أن تاريخ المسلمين قد تلازمت حوادثه وأحواله مع شوكة قوية للإسلام وأهله ، لم ير الناسُ فيه الإسلام على مقصلة الأعداء والمنافقين ينحرونه ويبترون أطرافه بحسب الأهواء ، وإنما كان الإسلام عزيزاً فعزت سلطاته ، وسما فوق الأهواء فاتسعت رقعة حكمه. نحن بحاجة للترويج للحكم الإسلامى فى ديار المسلمين على أساسه الدينى المحكم ، والذى يعطيه التميز والتفرد فى استخلاص الأحكام وارتباطها بالجزاء الآخروى وآلية تطبيقها على أرض الواقع بحيادية و داعٍ أعلى لشيوع العدل بين الخلائق ، ويلازم ذلك ضرورة التخلص من التأثير السلبى -الذى صار منهجياً- لمفاهيم المنفعة والتسويق والتلميع لأحكام الإسلام ، لأن من شأن ذلك الأسلوب أن يمسخ الصورة العامة للحكم الدينى ويحولها لمجرد مجموعة من المنافع والمصالح تحكمها العادة والقبول وقد يرفضها الهوى والذائقة الشخصية.
مفروس
الإشكالية تبدو واضحة حين تتحول مبادئ الحكم فى الإسلام إلى منهج براجماتى نفعى قائم على مفهوم شاذ على تعاليمه وهو مفهوم : تحقيق المصلحة بمفهومها الشامل دون تقييد ، وذلك حين أفرط الكثيرون فى مفهوم "المصلحة" فقيدوا بها أحكام الدين ، وحولوا تلك المصلحة إلى أصل من أصول التشريع يدور مع تفاصيل أحكامه حيثما دارت ، تابعاً لها لا متبوعاً ، حتى روج البعض لمقولة مغلوطة تقول : أنه حيثما وُجدت المصلحة فثم حكم الله ! والحقيقة أن المصلحة تكمن فى تطبيق الحكم حتى وإن بدا ذلك معارضاً لمصلحة الناس وأهوائهم وما تهواه أنفسهم ، وكم من أحكام التشريع تدخل تحت طائلة القاعدة العامة : وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم !
والمتدبر لهذا المفهوم الغريب يجد أنه سياق جديد مستحدث ، أراد القائلون به أن يقدموا المصلحة كشرط على وجود الأحكام وحكمة تشريعها ، والتأكيد على تبعيتها المطلقة لشرط حصول المنفعة المحسوسة ، وربما بالغوا فى التقييد فجعلوا التعلق بالمنفعة العاجلة تحديداً وغض الطرف عن الآجل منها واعتباره خارج الحسابات ، والأخطر من ذلك فى حملة التصعيد المنهجى التى ارتقت منابر الوعظ وتصدرت عناوين الإعلام الإسلامى هو تبديل الأحكام فى مجموعها لتصبح -اصطلاحياً- مجرد سلة من المصالح ، وتحويل العلاقة بين الشارع الخالق والعبد المخلوق إلى علاقة نفعية بحتة ، قائمة على مصلحة العبد الدنيوية وما تتطلبه من معايير متغيرة ترتبط بحاجة العبد وأحواله ، فلا يمكن تطبيقها ابتداءً إلا من بعد أن تحدد فيها عين المصلحة وحجمها ، فإن تبدلت المنافع وتغيرت المصالح فإن من توابع ذلك -من خلال المفهوم البراجماتى- أن يتبدل التشريع ويتغير ، أو يصل فى أحسن حالاته إلى تأويل باهت لا يبقى على أصل التشريع ولا يجعل له أثراً فى المجتمع.
ولذلك نرى ونسمع عن مناهج جديدة للدعاة والمتصدرين لواجهة العمل الإسلامى يقررونها فى رؤوس الناس بكثرة التكرار ، ويتنطعون فى تلقينها لعامة المسلمين باختراع جملة من المنافع والمصالح التى ستترتب على إلتزام العبد بها ، فيرتبط الذهن بالنفع والمصلحة وينفصل عن حقيقة أن محض تحقيق الحكم هو عين الهدف المراد ! وكثيراً ما نرى أن "الإختراع" بات وسيلة مناسبة لتسويق بعض التعاليم والأحكام الشرعية ، إذ تُخترع للأحكام بعض المنافع ، وكأن كل فصل من فصول التشريع صار معطلاً إلا إن صاحَبه تأويل براجماتى يعود بالنفع الدنيوى قبل الآخروى على العبد.
ولأن المنهج البراجماتى يقوم على صنعة التسويق ، فقد وقع الكثيرون من الدعاة والمتصدرون لدعوة الإسلام فى هذه الفخاخ المنهجية ، وبات كل منهم يسوق للحكم الإسلامى من خلال هذا السياق النفعى ولكن من منطلقات متعددة ، فمنهم الغافل الذى قد يخفى عليه مثل هذا الخلل الأصولى ، إما بسذاجة مفرطة أو بسبب الحرص الزائد على دعوة المسلمين لأحكام الشريعة ، وقد يصدر هذا الأمر من بعض المنظرين الإسلاميين بمنهجية منظمة تهدف إلى تغيير الصورة النمطية للإسلام كمصدر للحكم والتشريع فى المجتمع ، واخراجه من التابو التقليدى المترسخ فى أذهان الكثيرين من الرافضين لمرجعية الدين فى المجتمعات الإسلامية ، من أنه سلطة إلهية دينية اقصائية لا مجال فيها لتعدد الآراء وتلزم الناس بما لا يفهموه ، حرصاً من نفسه على "تلميع" الإسلام وتحويله لسلعة تلقى القبول ، فيقوم بربطه بالمنافع والمصالح التى هى لغة العصر ولا يفهم العالم سواها ، وهى الأساس الوحيد الذى تقوم عليه صناعات العالم الحر فى مجالات الحكم المدنى والإقتصاد والسياسة.
وقد يروج بعضهم للإسلام البراجماتى النفعى من منظور مؤامراتى بهدف تفريغه من محتواه وتحويله لنظام حاكم غير ملزم لا يحظى بالشمولية فى تناوله لكل قضايا المجتمع ، وبعد تفريغه من صبغته الدينية لا تعترف السلطة المجتمعية بالجزاء الآخروى كوسيلة من وسائل الإلزام وتقييد الناس بأحكامه ، فيصبح المنهج الإسلامى مجرد "إيديولوجية" من جملة الإيديولوجيات التى تعج بها أسواق العالم ومعارضه المفتوحة أرضاً وسماءً ، لانتقاء الأمثل والأجدر بتطبيقه كنظام حاكم للمجتمعات.
بكل أسف نحن لازلنا نقف عند عتبة متأخرة فى طريق العودة إلى الحكم الإسلامى الصحيح ، فالدعوة إلى تطبيق الشريعة قد تم ربطها من خلال حرفية إعلامية مزورة بمجموعة من السلبيات والتجارب الفاشلة فى القديم والحديث ، ارتبطت نفسياً وذهنياً بصورة نمطية عن الحكم الإسلامى ، لا تدعو إلا للقمع والترويع والمصادرة ، قد تقلصت فيها السلطات المدنية لحساب الإستبداد. ويعمد المنتقدون للحكم الدينى الإسلامى إلى سلة التاريخ فيستعيدون بانتقائية متطرفة بعض المواقف والأحداث الخاطئة يدلون بها على "فشل" الإسلام كنظام حاكم ، متناسين بجهل أو تزوير متعمد أن تلك الحوادث طرأت على نظام شامل متقن ولم تكن أصلاً ، وأنها تحسب فى عمومها وتفاصيلها على أهواء الأفراد وتقصير الشخوص ، ولا يمكن ربطها تحت أى منهجية علمية محايدة إلى أصل لاتشريع ولا إلى آلية تطبيقه النزيهة !
الحقيقة تشهد أننا لازلنا ندعو للإسلام بين أظهر المسلمين ! وهى حالة لم يشهد لها التاريخ الإسلامى مثيلاً ، إذ أن تاريخ المسلمين قد تلازمت حوادثه وأحواله مع شوكة قوية للإسلام وأهله ، لم ير الناسُ فيه الإسلام على مقصلة الأعداء والمنافقين ينحرونه ويبترون أطرافه بحسب الأهواء ، وإنما كان الإسلام عزيزاً فعزت سلطاته ، وسما فوق الأهواء فاتسعت رقعة حكمه. نحن بحاجة للترويج للحكم الإسلامى فى ديار المسلمين على أساسه الدينى المحكم ، والذى يعطيه التميز والتفرد فى استخلاص الأحكام وارتباطها بالجزاء الآخروى وآلية تطبيقها على أرض الواقع بحيادية و داعٍ أعلى لشيوع العدل بين الخلائق ، ويلازم ذلك ضرورة التخلص من التأثير السلبى -الذى صار منهجياً- لمفاهيم المنفعة والتسويق والتلميع لأحكام الإسلام ، لأن من شأن ذلك الأسلوب أن يمسخ الصورة العامة للحكم الدينى ويحولها لمجرد مجموعة من المنافع والمصالح تحكمها العادة والقبول وقد يرفضها الهوى والذائقة الشخصية.
مفروس