المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طرق التأثير الإسلامي على أوربا



عمر الأنصاري
03-01-2008, 11:53 AM
طرق التأثير العربي على أوروبا
لقد فاضت علوم المسلمين على من جاورهم، وجاء جل التأثير الحضاري الاسلامي في أوروبا عقب فتح المسلمون لإسبانيا وصقلية.


وحين قام الحكم الإسلامي في إسبانيا وصقلية تبنى سكان هذه البلاد تدريجياً مظاهر الحضارة الاسلامية بصورة طبيعية.

وقد أصبح تأثير العرب والمسلمين على الغرب ممكناً في المقام الأول نتيجة الفتوح العربية في شبه الجزيرة الإيبرية وجنوب إيطاليا.. وترك الوجود العربي في الأندلس علامات لا تمحى على الأرض الإيبرية وعلى الفنون والعلوم واللغات، وبالرغم من أن فترة حكم ا لعرب في صقلية وأجزاء من جنوب إيطاليا كانت قصيرة، فإن هذا التأثير لم يكن في جملته أقل شدة مما كان عليه في شبه الجزيرة الإيبرية .. ولم يتوقف الإتصال مع أوروبا حتى بعد رحيلهم عن غرب أوروبا.. وفي الوقت نفسه تمكن المسلمون من الوصول الى اسوار فيينا من الشرق عن طريق البلقان.

وكثيراً ما كان يظن حتى اليوم أن الحروب الصليبية لعبت دوراً هاماً في العلاقات الثقافية الإسلامية الأوروبية، لكن الحقيقة أن الاتصالات الحاسمة في هذا الشأن تمت في وقت سابق على تلك الحروب في الجزء الغربي من البحرالأبيض المتوسط، وحتى مدة السبعين عاماً التي عاشتها مملكة بيت المقدس كان لها دوراً ثانوي في هذا المجال.

ويقول د. فؤاد سزكين: إنه من العجائب التاريخية أن احد التجار العرب الجزائريين قد لعب دوراً كبيراً في انتقال كتب الطب العربية إلى العالم اللاتيني، وهو المعروف والمسمى بقسطنطين الإفريقي، ولا نعرف عنه ما إذا كان نصرانياً أو أنه تنصر بعد أن ترجم بمساعدة الرهبان ما يقرب من سبعين كتاباًً طبياً إلى اللاتينية.

وكما كان بلاط هارون الرشيد والمأمون في بغداد ديواناً للترجمة إلى العربية كان بلاط الفونسو (حكم 1252-1284م) في طليطلة ديواناً للترجمة من العربية إلى اللاتينية والإسبانية.
وكما قرّب الخلفاء المسلمون العلماء من غيرالمسلمين كان مجلس الملك روجار الثاني في باليرمو مؤلفاً من مسلمين عرب، وكان الملك نفسه يتكلم ويكتب بالعربية، وأسست في هذه المدينة أكاديمية علمية من أعضائها الإدريسي.
وكان فردريك ملك صقلية (سيسليا) عربياً في كل شيء خلا النسب، وكان يقرأ ويكتب بالعربية وكانت حياة قصره عربية، وعندما أسس أول جامعة في أوروبا وهي جامعة نابولي كانت الأفواج الأولى من المدرسين فيها عرباً ومسلمين.

وقد كثرت مؤلفات الأطباء العرب والمسلمين في المحافظة على الصحة واتقاء الأمراض مع التركيز على أهمية الغذاء في ذلك، ومع كل الاحتياطات لحفظ الصحة فإذا اصيب المرء بمرض ما ينتقل الطبيب الى مرحلة أخرى في تطبيق علمه وهو الطب العلاجي.
وقد اهتم الأطباء العرب والمسلمون بتشخيص المرض ومعرفة أعراضه وطرق علاجه، وكان الطبيب يستفسر من مريضه عن مأكله ومشربه ومسكنه وأسرته وحالته، وكل ما يتصل بما سمي (الأسباب والعلامات)، وكانوا يدونّون علامات الأمراض ومشاهداتهم بدقة.
وأخذ الأطباء الأوروبيون عن نظرائّهم العرب والمسلمين وسائل التشخيص هذه، بالإضافة إلى علم البول أو علم (القارورة) كما سماه الأطباء العرب والذين حذقوا به، فقد كان النظر في القارورة أهم الوسائل التي يبني عليها الطبيب تشخيصه وعلاجه للحالة المرضية، وقد رويت عدة قصص عن مهارة الأطباء في تفسير لون ورائحة .

كما اهتم الطبيب العربي بجس النبض من حيث سرعته وبطئه وعلوه وانخفاضه، وفي مؤلفاتهم وصفوا النبض كأنهم يرسمون تخطيطاً للقلب في العصر الحاضر.

كما وضعوا أسس التفريق بين الأمراض المتشابهة، ففرّقوا بين الجُدَري والحصبة، وميّزوا بين الالتهاب الرئوي والتهاب السحايا الحاد، وبين المغص المعوي والمغص الكلوي، وبين حصاة المثانة وحصانة الكلية وغير ذلك.

وعرّف الأطباء العرب الطب: بأنه حفظ الصحة ورد المرض عن المريض، أي أن الطب الوقائي عندهم أسبق من الطب العلاجي وأجلّ، وقد شاعت هذه النظرية عندهم.

كما برع الأطباء العرب والمسلمون في العلاج النفسي فعندما قدّموا الأدوية لبعض المرضى ولم يتم الشفاء احتالوا بكل حيلة لشفائهم، ورويت عدة نوادر من هذا القبيل، ومنها عندما ساءت نفس زوجة أحد الأمراء وصحتها، وأصيبت بالفالج وهي في ميعة الصبا، فعصى النطق لسانها وشلّت يداها ورجلاها، وبعد أن جرّب الأطباء طرائقهم ولم تنفع، عرف شيخ الاطباء أن مرضها غير عضوي، فطلب من الأمير أن يقوم معاون الطبيب وهو شاب جميل حلو الحديث بأمر العناية بها، وعلى مضض قبل الأمير بذلك، فأخذ المعاون بدلكها بالأدهان دلكاً يدعو لسوء الظن فهالها ما رأت واستجمعت قواها ولطمت الشاب وأخذت تصيح وتركض هاربة.
ولما شفيت - كما مر معنا - تبيّن أن الشاب ما هو إلا إبنة الطبيب استخدمها عن قصد لشفائها.

إن الناظر الى المؤلفات الطبية للأطباء العرب والمسلمين يجد كيف أنهم اقتربوا من تحقيق منهج علمي في علمهم، فقد قصروا دراسة الوقائع الحسية الجزئية للوصول منها إلى وضع قواعد عامة.

وللننظر إلى الحالة التي كانت تعيشها أروبا أنذاك ، فقد كانت تعتبر المرض مسا شيطانيا أو عقابا من الله وبالتالي تحرم التداوي و العلاج و تكفر و تزندق كل من حاول علاج الامراض و اختراع الأدوية

ويقول المؤرخ الأمريكي المشهور جورج سارتون : «أنه عند نهاية القرن الثالث عشر الميلادي استعدت عقول بعض من أعاظم حكماء العالم النصراني - ومنهم ألبرت الكبير وروجر باكون وريمون لال - إلى الاعتراف بتفوق الحضارة العربية، ثم بدأ انتقال مركز العلم العالمي إلى الغرب.

ويقول أيضا: «لنذكر دائماً وبكثير من الشكر وما نحن مدينون به للشرق - معنويات السامعون والقاعدة الذهبية (أن تفعل للناس ما تريد أن يفعل الناس لك) وإنه لدين فادح ولست أعلم لماذا سوف لا نستطيع رده».
في المستشفيات:

إن الإنفاق على المستشفيات في الغالب يكون من بيت المال أو من الأوقاف التي تحبس لها.
و المستشفيات العربية والإسلامية في العصور الوسطى كانت أشبه بالمستشفيات الحديثة، بل ونستطيع الجرأة في القول: أن في تلك المستشفيات امتيازات لا توجد حالياً في أي مستشفى في العالم، ومنها أنه كان يصرف للمريض بعد خروجه من المستشفى مبلغاً من المال لينفق منه على نفسه وعياله أثناء فترة نقاهته، وذلك بعد اعطائه كسوة من الملابس بعد خروجه من المستشفى، أما من كان يتوفى فقد كان يتم صرف مبلغ لتكفينه مع أجرة حافر القبر، وأحياناً صرف مبلغ من المال لعائلته.
وقبل ان تتعرف أوروبا بالطب العربي كان المرضى فيها يزجّون في بيوت مزرية، حيث يعانون الآلام في انتظار الموت، ولا يجدون فيها من الرعاية سوى بعض العطف من الراهبات، ولم يحرك الغرب تفكيره الا اقتداءً بالعرب عندما تعرف فرسان الحروب الصليبية على المستشفيات في الشرق التي شيدت في وقت مبكر.
واقتداءً بالعرب عمدوا في أوروبا إلى معالجة المصابين بالأمراض العقلية ووضعوهم تحت إشراف الأطباء بعدما كانوا في السابق يسجنون مقيدين بالسلاسل في بيوت معزولة، كما تم لأول مرة في أوروبا عزل المصابين بأمراض معدية عن المرضى الآخرين، بعدما كانوا يوضعون جميعاً في مكان واحد.

وفي الوقت الذي كانت أوروبا تعتقد أن الأوبئة هي غضب من الله لا دواء لها الا الصلاة، عرف المسلمون أن هذه الأوبئة تنتقل بالعدوى، وقال أحد الأطباء العرب:« بأن بعض الأمراض تسببها أجسام صغيرة جداً تسبح في الماء والهواء.

للمقارنة بين مستشفيات أوروبا والمستشفيات العربية نورد وصفاً لمستشفى (وتيل ديو» في باريس (HOtel Dieu) أكبر مستشفيات أوروبا 1536م في ذلك العصر» يحتوي المستشفى على (1200) سرير وكانت الردهات عفنة كثيرة ورطوبة لا منافذ تهوية فيها، وترى أطفالاً بجانب شيوخ، امرأة في المخاض مع طفل في حالة تشنج، البناية حافلة بالحشرات الدنيئة، وهواء الحجرات لا يطاق حتى إن الخدم والممرضين لم يكونوا يجرؤون على الدخول إلا بعد وضع إسفنجة مبللة بالخل على أنوفهم.. وتترك جثث الموتى 42 ساعة على الأقل قبل رفعها من السرير».

منقول بتصرف