المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسلمة الدار ومسلمة الاختيار



عبد الوهَّاب آل غظيف
03-06-2008, 08:09 PM
يحق لكل مسلم أن يشك في إسلامه حينما يسمع أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يخشى على نفسه النفاق ويسأل حذيفة : أستحلفك بالله هل عدني رسول الله من المنافقين ؟

إنَّ النفاق يعني الاقتصار على إظهار الإسلام وعدم تمكينه باطناً ، فيشمل من أبطن الكفر قاصداً ، ومن لم يقصد إبطانه ممن هو مسلم لا إرادياً .

المسلم اللاإرادي هو ذلك الذي تلقى إسلامه من مجتمع الناس الذين حوله ، ولم يتعمق في فهم الإسلام وأصوله ، بل لو كان مولوداً عند يهود لكان يهودياً ، ولو ولد بين هندوس لأصبح هندوسيا ، فالدين عنده موروث ، وَجَد آباءه على أمة فقال : إني على آثارهم مقتدٍ .

إنَّ التعليم اللاإرادي واجب الحصول ، لا يمكن لإنسان أن لا يتقبله أو أن لا يخضع له ، إلا أن يعيش وحيداً ، ولكن الممكن و الواجب تمييز الدين بطريقة الدليل وليس بطريقة الفرض الاجتماعي .

والواجب أيضاً : أن لا يسلم المرء لذلك التعليم ، بل يميزه بالآلة التي تكمن مسؤوليته فيها ، عقله الذي سيُسأل عنه ولن يُسأل عن عقول الناس .

لقد كانت الرقابة الاجتماعية آفة خطيرة ، وداء عضال ، لا يكاد يسلم منها بشر ، وهي عندما تتعلق بأمر الدين أكثر خطراً ، وأعظم ضرراً ، بل وأخوف ما خافه نبي الإسلام ، وخير الأنام ، على صحبه الكرام ، حينما قال لهم - صلوات ربي وسلامه عليه - : ( ألا أنبئكم بما هو أخوف عليكم من المسيح الدجال ؟ الرياء ) أو كما قال .

إنَّ عملية ( الدين بالوراثة ) عملية تذهب قيمة الدين ، بل وتهدمه مع مرور الزمن ، وهي عملية ثابتة الحدوث بالنصوص الشرعية ، وأقوال سلف الأمة .

في ظلها يختلط أمر الدين بإحداث المحدثين ، وشرك المشركين ، وكفر الكافرين ، فلا يزال الله يبعث على رأس كل مائة سنة للأمة من يجدد دينها ، ولا يزال في كل خلف مَن يحمل العلم مِن عدوله ، ينفون عنه تأويل المتأولين ، وانتحال المبطلين ، وتحريف الغالين .

فرقُ مابين التدين بالعقل والدليل ، والتدين بالإرث والتأثير فرق السماء عن الأرض !

إنَّ مُسلمَ الدار ( وهو المتدين بتأثير المجتمع ) قد لا تنقصه حمية لدينه ، ولا إخلاص لعقيدته ، ولا استعداد لسفك دمه في سبيلها ، ولكنه لا يعلم كيف كانت ؟ ولا يدري كيف صحت ؟ ولا يمتلك الدليل عليها ، وليس مستعداً للتخلي عن ما ثبت عنده مما ليس منها ، فترى كثيراً من المنتسبين للإسلام ، لا يتركون بدعهم التي ورثوها على أنها من الدين وليست منه في شيء ، ولا يسلمون لما يصح من الأدلة مما يعارض ما ألفوه ، بل يعملون التأويل على أشده ، ويشتغلون بالتحريف ، ويختلط عندهم كلام الله ورسوله بكلام الأحبار والرهبان الذين اتخذوهم أرباباً من دون الله .

بخلاف مُسلم الاختيار ( وهو الذي بنى إسلامه على الدليل والبرهان ) فهو لا يألوا جهداً في نكير البدعة ، ولا يدخر قوة في حرب الزيادة و النقص في دين الله ، بل ويفهم دينه وفق مراد الله ، و يستلهم ذلك من عقله الذي وهبه الله له ، ولا يرى لغير الله ورسوله عصمة ، ولا يعطي لغيرهما تسليماً وانقياداً .

إنَّ الأول يجتمع فيه من سوء الخلق ما هو نتاج لعقيدته التي لا يدري كيف اعتقدها ، والثاني حسن الأخلاق نتيجة العقيدة السليمة المبنية على التبصر ، وكما قال الغزالي : ( الأخلاق رشح المعارف )

وكما قال صلى الله عليه وسلم : ( أربع من كانت فيه إحداهن كانت فيه خصلة من نفاق ومن كن فيه كان منافقاً خالصاً : إذا حدَّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر ) أو كما قال .

لقد كانت عبادة التفكر - التي هي السبيل للاعتقاد الاختياري - من أجلِّ العبادات وأعظمها ، ولقد كثر خطاب الله تعالى في القرآن المنادي بها بما يدل على أهميتها ، تفكرٌ في الآيات الكونية ونظام العالم البديع ، وعجائبه الكثيرة ، و المخلوقات العظيمة ، والجمال ، والدقة ، كل ذلك يدلك على أمرين : وجود الموجد لها ، ويدلك على صفاته من :
القوة التي انتجت هذا الملكوت وحوته وسيطرت عليه وخضع لها ، والقدرة الكاملة ، والقيومية ، و العلم ، والإحاطة ، و الحكمة ، والعظمة ، وكمال الخبرة .. الخ ، و تفكرٌ في الآيات الشرعية : وهذا التفكر يفيدك الاستفادة من مقاصدها ، ويعطيك اليقين بها مما تراه من جمالها و كمالها ما لا يُرى إلا بالتفكر !

قال ابن أبي العزّ في شرح العقيدة الطحاوية :

" وهذه حال كثير من الناس من الذين وُلدوا على الإسلام ، يتّبع أحدهم أباه فيما كان عليه من اعتقاد ومذهب ، وإن كان خطأ ليس هو فيه على بصيرة ، بل هو من مسلمة الدار ، لا مسلمة الاختيار ، وهذا إذا قيل له في قبره : من ربك ؟ قال : هاه هاه ، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته .
فليتأمل اللبيب هذا المحل ، ولينصح لنفسه ، وليقم لله ، ولينظر من أي الفريقين هو ، والله الموفق " ج/ 1 صـ : 379

أقسم - غير حانث - أنه لا يكاد يسلم من هذا الخطر أحد منا ، فمقل ومستكثر ، وليس تشكيكاً في دينكم ، إن هي إلا دعوة لتدبر الدين وتأمل العقيدة .

ناصر الشريعة
03-07-2008, 07:02 PM
لكن ينبغي التنبه إلى أن الدار المسلمة معروضة فيها أدلة الإسلام ظاهرة براهينه في أصل الدين وإن خفيت بعض السنة فيها أو كثير منها لغلبة البدع ، فلا يكون حالهم كحال من كان في دار الكفر في التقليد وعدم الدليل، ودار الإسلام قد تكون دار سنة أو دار بدعة بحسب غلبة الحق فيها .

فلا بد من مراعاة مثل هذه الفروق .

عبد الوهَّاب آل غظيف
04-09-2008, 02:32 PM
أخي ناصر الشريعة .
جزاك الله خيراً