mohyideen
09-26-2004, 10:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه رسالة كتبتها منذ 5 سنوات تقريباً لأحد المتذبذبين اسمه "أشرف"، أرجو أن يكون فيها الفائدة، والتعليق للإفادة
أخ أشرف
تحية طيبة وبعد ..
في الحقيقية أنا لا أعرف عمرك أو مستواك العلمي، فإذا كانت هناك أمور غير واضحة فلا مانع عندي من إعادة شرحها.
إن مشكلة الإيمان لهي من أشد الأمور أهمية للإنسان، لأنها في الحقيقة محور حياته، وهي التي ستؤثر على تصرفاته سلباً أو إيجاباً، فأنت لو كنت جاحداً بوجود الخالق مثلاً ولا تؤمن بحساب بعد الموت، فأنت يمكنك أن تتصرف تصرفات كثيرة ولا تلقي لها بالاً، فتكذب على من تشاء، وتغش من تشاء، ولما الخوف .. فليس هناك من سيحاسبني ..
وأما إن كنت تؤمن بالخالق والحساب بعد الموت فإن تصرفك سيكون مغايراً للتصرف الأول، فإذا كان هناك حساب فعلي أن أستعد له، فأنا لو غششت فلاناً في شيء ما ولم يعرف به فهو لن يحاسبني ولن يقاضيني، فأنجو في الدنيا، ولكن عندما أؤمن بإله، وأن هذا الإله مطلع علي وهو سيحاسبني على هذا الغش ولو بعد حين، فإن هذا سيؤثر على تصرفني، وسيمنعني من الغش بقدر قوة إيماني بهذا الإله.
إذاً فالناس من حيث اعتقادهم بهذا الوجود تنقسم إلى فرقتين في الأصل، فرقة تعتقد بموجد لهذا الكون (على اختلافهم بمن هو الموجد وصفاته)، وفرقة تنفي وجود موجد وتدعي أن هذا الكون وُجِدَ بنفسه وأن الكائنات تطور بعضها من بعض إلخ …
ومسألة الاعتقاد مسألة خطيرة، يتحتم عليها مصير الإنسان، فأنت عندما تعتقد بأمر فأنت تكفر بضده، أي إذا كان الإنسان يعتقد أنه هناك إله، فإنه يكفر ـ أي ينكر ـ دين ملحدين، وعندما تؤمن بعدم وجود إله فإنك تكفر بدين من يؤمن بالإله، فالإنسان في الوقت نفسه مؤمن وكافر، مؤمن بما يعتقده وكافر بما يعتقده الآخرين، فالمسألة مسألة نسبية. مثال على ذلك قول الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
فأنت مهما كنت فيلسوفاً أو عالماً أو شيخاً أو راهباً أو ملحداً فأنت مؤمنٌ بشيء وكافرٌ بضده.
والإنسان كما قلت ابن بيئته، يتأثر بها ويؤثر فيها، فأنا إن ولدت في المدينة تكون عاداتي وتقاليدي غير الذي ولد بالريف أو الصعيد .. ولكن هذا مظهر عام وليس بقاعدة..
ألا ترى أن النبي محمد صلى الله عبيه وسلم خرج من صلب بيئة مشركة وثنية قد خلت فيها الرسالة منذ أيام سيدنا إسماعيل، وهو قبل رسالته لم يعبد الأوثان؟
ألا ترى أن السيد المسيح خرج من صلب بيئة يهودية مشركة منحلة فدعاها إلى الوحدانية؟؟
ألم ترى إلى أهالي أندونيسيا وماليزيا كيف أسلموا من دون حرب، ولكن فقط لمعرفتهم الإسلام عن طريق التجار المسلمين؟
ألم ترَ إلى سفير ألمانيا كيف أسلم وكتب كتاب "الإسلام بيت الشرق والغرب".
ألم ترَ إلى السفير الإيطالي في السعودية كيف أسلم؟؟
ألم ترَ إلى كاتس ستيفن المطرب البريطاني المشهور كيف أسلم وغير اسمه إلى "يوسف إسلام".
نعم أنا أوافقك أن الإنسان ابن بيئته، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل انسان يولد على الفطرة، فأهله إما يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه" أو كما قال.
ولكن هذه البيئة ليست هي الحكم النهائي عل الإنسان، فالإنسان يتلقى ـ في البدء ـ كل شيء بالتلقي والوراثة، ولكن بعد هذا لن يبقى الإنسان أسير هذا التقليد، فإن العقل ـ هذا المخلوق العجيب الذي يدل على عظيم قدرة الله ـ يبقى هو الموجه الأساسي في اعتقاد الإنسان. ويدل على ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" أي أولي العقول.
والآن أنتقل إلى لب الموضوع، بماذا أعتقد، ولماذا ما أعتقده أنا صحيحاً، واعتقاد غيري باطلاً.
إن طرق المعرفة عند الإنسان هي إحدى ثلاث: العقل، النقل، الحواس.
فأنا يمكنني أن أعرف الحار من البارد بواسطة الحواس، ويمكنني أن أدرك أن الأب أكبر من ابنه بواسطة العقل، فيستحيل أن يكون الابن قبل أبيه، فالأب لابد أن يكبر ابنه ولو بثانية، وأما النقل كمعرفتي أنا اليوم بأميركا، فأنا لم أذهب إليه قط، ولكني مؤمن بوجودها لتواتر الأخبار عن وجودها.
والناس في اعتقادهم بالأمور لا يخرجون عن هذه القواعد الثالث، فمنهم من يكتفي بواحدة منها وينكر الباقية، ومنهم من يعتمد على اثنين ويعطل الثالثة، ومنهم من يعتمد الثلاثة معاً.
فالماديون مثلاً لا يؤمنون إلى بما يمكن أن يخضع للتجربة والحس، وينكرون ما دون ذلك، ولا شك أن هذا مذهب باطل، فكم من أشياء هي موجودة أمامنا ولا يمكننا أن نقيسها أو نحسّها، فالمحسوسات التي نعرفها لها مقاييس معينة: الطول العرض الارتفاع الكثافة الحجم … ولكن هل كل شيء في هذا الوجود يخضع لهذه القوانين .. ما هي الروح، كم وزنها .. أين هي موقعها من الجسم .. العقل كم حجمه، ما هي سعته، العواطف بماذا أقيسها: بالديسبل أم بالواط أم بالكيلوفولط ..
إن الأشياء غير المادية موجودة، بل لها تأثير على المادة، ألا ترى أن الشعور بالخوف يجعل شعر الجسم يقف! هل الخوف شيء محسوس؟ لا .. ولكنه موجود.
إذاً الاعتماد على الحس فقط ليس صواباً.
ولذلك أنكر الوجوديون وجود خالق أو إله، فهو ليس من المحسوسات، وهم يذهبون إلى أن هذا الكون موجود بلا خالق.
ومذهبهم هذا باطل. والدليل على ذلك.
إن إنكار وجود خالق لهذا الكون يترتب عليه أحد أمرين، إما أن يكون أوجد نفسه بنفسه، أو أن يكون هو بحد ذاته أزلياً لا بداية لوجوده.
فإذا ذهبنا إلى المذهب الأول، أي أنه أوجد نفسه بنفسه، فلا غرو أن هذا تفكير من لا فكر له، فكما هو معروف فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يمكن للكون ـ إذا لم يكن موجوداً هو في الأصل ـ لأن يوجد نفسه؟؟؟
هذا بالنسبة للمذهب الأول، أما بالنسبة للمذهب الثاني، أي القول أن هذا الكون أزلي، فهذا أيضاً باطل بالقياس العلمي، فالكون ـ كما يقول العلماء ـ يفقد حرارته، بمعنى آخر هناك في الكون أجسام حارة وأجسام باردة، والأجسام الحارة تفقد حرارتها باستمرار لصالح الأجسام الباردة، وبالتالي سيكون هناك وقت تتعادل فيه الحرارة في هذا الكون وتكون صفر مئوي، فلو كان الكون أزلي لتحقق هذا التعادل منذ ملايين السنين، كما أنه من المعلوم أن النجوم إنما تشع نتيجة لحرقها المواد الموجودة في داخلها، فلو كان الوجود أزلياً لكانت هذه النجوم استهلكت كل المواد التي بداخلها منذ مليارات السنين ولما كنا رأينا أي نجم مضيء في يومنا هذا. ولكننا ما زلنا نرى نجوماً، وبالتالي هذا الكون ليس أزلياً. بل لا بد له من موجد كلي القدرة قادر على إيجاد هذا الكون البديع.
لننتقل إلى العقل: هل يصلح أن يكون العقل فقط هو المقياس، به فقط نستطيع أن الخطأ من الصواب، بالطبع لا، فالعقل ليس معزول عن محيطه، فهو بالرغم أنه مقياس لكثير من الأشياء، ولكنه ليس مقياساً لكل شيء، فعقول الناس تختلف من حيث القوة والضعف، بقدر ما يفتح الله على هذه العقول، فترى إنسان تبدو عليه بوادر النبوغ من نعومة أظفاره، وترى آخر تبدو عليه البلاهة منذ ولادته. والعقل ليس شيئا ًمطلقاً ولكنه ينمو ويتغذى، وغذاءه العلم والمعرفة، ولكن بما أن العلوم محدودة فإن العقل محدود، وله حدود لا يمكن تخطيها.
فلا يمكن للعقل وحده أن يخط مصير الإنسان، فهو أساس، ولكنه ليس كل شيء.
أما الفرقة الثالثة من الناس فهي التي تعتمد على النقل فقط، دون أن يكون للعقل أو التفكير مكان، ودون أن تتأكد من صحة هذا النقل، هل هو صحيح أم لا، هل كان صحيحاً فحرف أم هو جاء كما أخبر به الأولون .. فتعتمد على ما نقله آباءهم عن أجدادهم دون أي مجال للمناقشة أو المسائلة، وهذا ما يسمى بالإيمان التقليدي.
وهذا ما نراه عند النصارى، فهم يؤمنون بما جاء في أناجيلهم من دون تحقق في صحة نسبة هذه الأناجيل إلى أصحابها في الأصل، فالإنجيل الفلاني كتبه فلان أو فلان في سنة كذا أو كذا أو كذا .. والسفر الفلاني كتبه فلان أو فلان .. إلخ كله ظن بظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً.
وقد وصل إليهم .. بواسطة النقل .. أن المسيح هو إنسان وهو إله في الوقت نفسه .. وأن الله الواحد ولكنه ليس واحداً بمعنى الواحد ولكنه ثلاثة بواحد أو واحد في ثالثة .. هو له ذات واحدة ولكنه في ثلاثة أقانيم .. ما معنى الذات وما معنى الأقنوم .. الله أعلم .. لقد ناقشت أحدهم يوماً في هذا الموضوع فقال لي ثلاثة أقانيم يعني ثلاثة شخوص .. فقلت له ما الفرق بين الأقنوم والذات والشخص فلم يعرف .. إنها أفكار ابتدعوها ليس لها أساس من الصحة ولا حتى في أصول دينهم.
سوف أستفيض قليلاً في الحديث عن النصارى ـ طالما الموقع الذي تعارفنا به نصراني ـ .
يتلخص مفهوم النصارى للوجود أن الله عزَّ وجلَّ خلق هذا الكون في ستة أيام، وبعد أن تعب؟؟ استراح في اليوم السابع (يوم السبت). وخلق آدم وحواء، وقد كانا في الجنة، ولقد كان في الجنة شجرتان، شجرة المعرفة وشجرة الحياة في وسط الجنة ، فأغوى الشيطان آدم وحواء ليأكلا من شجرة المعرفة، فلما أكلاها أصبحا يعرفان الخير من الشر، وخاف الإله ؟!! أنه إذا أكل من شجرة الحياة فهو لن يموت أبداً ـ وبالتالي فهو سيزاحم الإله في ألوهيته فهو سيصير عالماً ولا يموت أبداً تصوّر ؟؟؟ ـ وبالتالي فقد عاقبه الله تعالى وجعل حياته على الأرض كداً وتعبة، وأن هذه الخطية الكبرى حملها هو وأولاده (بالوراثة؟؟؟)، وبعد فترة نسي الإنسان ربه، لإولكن الله أراد أن يتوب على الإنسان، ولكنه لإنه عادل فلابد أن يكون هناك عقوبة مقابل الإثم، وبما أن خطية الإنسان عظيمة فهو لن يستطيع أن يدفع (فاتورتها)، فأراد الله أن يقضي هذا الدين عن الإنسان، فأرسل إليهم ابنه الوحيد لكي يتحمل عنهم جميع خطاياهم، وخصوصاً تلك الخطية الأولى، فصلبوه وقتلوه، وبالتالي غفر الله لهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فوالله لو كان لدى النصراني قليل من إدراك لعلم أن قتل الإنسان (لابن الله) كما يزعمون أشد من أن يأكل تفاحة في الجنة، فلربما لكي يكفر الله عن هذه الخطية ـ قياساً على مذهبهم ـ لربما كان عليهم أن يصلبوه هو أيضاً. أعوذ بالله من الشرك وأهله.
ونظرية الفداء هذه باطلة نقلاً وعقلاً، ففي العهد القديم (وهي جميع اسفار الكتاب المقدس التي هي قبل الاناجيل الأربعة وأعمال الرسل ورؤيا يوحنا) مكتوب أنه لا يوجد إنسان يحمل خطية إنسان، وهذا هو العدل، فلماذا أنا أتحمل ذنب غيري؟؟
وأما من ناحية العقل فقد ناقشت هذا الموضوع مع نصراني فقلت له، أنتم تقولون أن خطية آدم خطية عظيمة، ولا يمكن للإنسان أن يتحملها، ولذلك أرسل الله ابنه الوحيد فمات هو من أجل رفع هذه الخطية، فلكي تكون التضحية عظيمة يجب أن يكون المضحى به (على قياسهم) عظيم. ألا وهو ابن الله الحي.
هذا الذي ما زالوا يكررونه لكل من يناقشهم: "إن الله افتداك بابنه الوحيد، لقد حمل الله عنك الخطية فلا تهتم".
ولكن بعد الخوض شيئاً فشيئاً تبين أن الله لم يضحي بابنه الإله (كما يزعمون) بل ضحى بالجسد الإنساني ليسوع المسيح (وهذا يناقض مفهوم الفداء العظيم).
ولشرح هذا لا بد الخوض قليلاً في موضوع التجسد، وهو موضوع عندما تدخل فيه فلا بد أن تضع عقلك جانباً، لأنه لا هو يستطيع أن يشرح لك ولا أنت تستطيع أن تفهم عليه، ولكن عليك أن تسمع فقط وأن تؤمن بما سمعت، فهذا هو سر الإيمان ؟!!!
التجسد عندهم هو أن لاهوت الأبن (الكلمة) اتحد مع ناسوت المسيح (الجسد) وكان نتيجة هذا الاتحاد (يسوع المسيح)؟؟ ولكن هذا الاتحاد صار دون تمازج أو اختلاط فبقي الإنسان إنساناً والإله إلهاً، وهذا الاتحاد كان اتحاد كامل أي ليس هناك انفصال بعده (احفظ هذه النقطة). وأنه عندما صلب على صليب ومات لم يمت الإله ولكن مات الجسد واستودعت الروح عند الآب.
وهنا صارت الإشكالية؟؟
فالنصارى يقولون أن الله ضحى بابنه، لأن الإنسان لا يستطيع أن يدفع فاتورة خطيته، وإذ بنا في النهاية نرى أن الذي يدفع خطية الإنسان هو إنسان آخر، ألا وهو جسد المسيح.
وهنا صار ثالوث النصارى خاموس (إذا صح التعبير): الآب، لاهوت الابن، جسد المسيح الذي اتحد مع الابن، روح المسيح البشرية التي هي كانت أيضاً نتيجة اتحاد الناسوت بالاهوت، وختاماً روح القدس.
فهكذا ترى أن أساس عقيدتهم إن كان من حيث التثليث أو من حيث مفهوم الفداء باطل للوجوه التي ذكرتها.
ولعل أهم موضوع، ألا وهو الإنسان والخطية، فموقفهم منه على طرفي نقيض، فمنهم من يقول أنك لو آمنت بالمسيح غفرت لك ذنوبك وأنك لن تحمل شيئاً مهما كثرت ذنوبك، فافعل ما شئت فأنت مغفور الذنب. وطائفة منهم تقول أنك إن مت ولم تتب من خطيئتك هذه فأنت مثلك مثل أي إنسان آخر (غير مسيحي) مخلد في جهنم. وبالتالي فهم ما بين مفرط ومقنط.
فأنت إما أن تغرق في بحر الخطايا والذنوب ولا تبالي، وإما عليك أن تبقى قديساً مدى حياتك، وإذا زللت يوماً دون أن تتوب فأنت في نار جهنم خالداً مخلداً فيها.
إذاً ففي النصرانية: دع عقلك جانباً، وآمن بكل ما جاءك من النصوص حتى لو لم يكن هناك سند لم يقولنه لك.
وقد صدق فيهم قول الله عزَّ وجلّ: إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون.
إذاً فكيف الخلاص، هل أتبع عقلي، كيف يمكن لعقلي أن يدرك ما لا يمكنه أن يحيط به، فأنا أستطيع أن أصل بالتحليل العقلي إلى أن هناك موجد لهذا الكون الكون، وأن هذا الخالق نظَّمَ الكون بدقة، وأنت ترى هذه الدقة في النجوم والكواكب في البحر والنبات والحيوانات والحشرات. ففي الحشرات ملكات وجنود وعاملات إلخ .. وكل مخلوق في هذا الوجود له وظيفة محددة لو تركها لاختل النظام الكوني كله. فهل يعقل أن يهدي الله كل هذه المخلوقات كيف تعيش ولا يهدينا نحن البشر، أعقل المخلوقات على وجه هذه البسيطة.
فالناظر في هذا الكون بصدق وإخلاص لا يمكن إلا أن يخلص إلى نتيجة أن الله لن يدع هذا الإنسان دون أن يعرف من خالقه، وماذا يريد منه هذا الخالق.
أريدك أن تتخيل معي شيئاً. تصور أنك فجأة وجدت نفسك جالس على كرسي خلف مكتب في مؤسسة منظمة ضخمة ومشهورة، وحولك موظفون يروحون ويجيئون كل منهم يعمل بعمله، وكل شيء مجهز لك في هذا المكتب، جهاز كومبيوتر وطابعة وأوراق وأقلام .. هل تتصور أن وجودك على هذا المكتب هو عبث، أم أنك ستبدأ وتفكر: لماذا أنا هنا، ما هي وظيفتي، كيف لي أن أعرف ما هو مطلوب منّي…
وهل يعقل أن يتركك صاحب العمل، ما دام نظم هذه المؤسسة على هذه الدرجة العالية، دون أن يرشدك إلى عملك، هذا مستحيل، لذلك لا بد أن يرسل لك من يعلمك ماذا تفعل.
لو جاء إنسان وقال لك، لا تخف لا تعمل شيء، فهل ستصدقه، أيمكن أن أكون بهذا الموقع ولا يكون لي عمل، بل يجب أن يكون هناك عمل لي ويجب علي أن أعرف ما هو.
ببساطة هذا مثال بسيط عن حال الإنسان في هذه الدنيا، فإن الله تعالى قد سهل جميع أسباب الحياة، وقد رعاه الله تعالى وتولاه منذ أن كان خلية في بطن أمه إلا أن صار إنساناً كاملاً، فجعل الله الماء عذباً فراتاً، وخلق لنا من النباتات والخضار ما لا يستطيع الإنسان حصره، وذلل لنا الأنعام لنأكل من لحمها ونشرب من لبنها، وجعل لنا الشمس لتدفئنا وتمدنا بالحرارة، وجعل لنا القمر لنعلم عدد السنين والحساب، وجعل لنا الرئتين لنتنفس والقلب ليضخ لنا الدم في جسدنا، وهذان العضوان لا إراديان، أي إن الإنسان لا يتحكم بهما، فمن يتحكم بهما إذاً؟؟؟
لماذا كل هذه النعم، لماذا كل هذه التسهيلات، هل لكي نولد فقط ونأكل ونشرب ثم نعود إلى التراب مرّة أخرى هكذا للاشيء؟!!
حاشا لإله عظيم خلق الكون أن يكون خلق الإنسان عبثاً.
إذاً فالإنسان العاقل يفهم أن له وظيفة في هذا الوجود، ما هي هذه الوظيفة، وظيفتك أيها الإنسان في هذه الحياة هي قسمان، القسم الأول والأهم هو أن تؤمن بالذي خلقك حق الإيمان وتتبع أوامره وتنتهي عما نهاك عنه، والقسم الثاني عمارة الأرض بما يصلح البشرية.
ولذلك أرسل الله الرسل لكي يعرفوا الناس بخالقهم، ويبلغوهم بماذا يأمرهم، وعما نهاهم.
فأنت في أي بلد كنت وتحت أي نظام، لا بد لك أن تعرف ما هي المباحات أو المحظورات في هذا البلد أو في هذا النظام حتى لا تخالفه وتتعرض للعقوبة.
ومن باب أولى أن تعرف ما الذي يريده إلهك منك، وعن ماذا يناهك؟؟
هذه ببساطة وظيفة الأنبياء، فقد بعث الله الأنبياء للبشر على فترات طويلة وكان آخرهم النبي محمد .
والناس الذين عاشروا الأنبياء كان هناك أمامهم الطرق الثلاثة للمعرفة: الحس، والنقل والعقل. ومن حيث المنطق الجدلي أنا لا يمكنني أن أحدثك عن المعجزات قبل أن أتحدث عن النقل، ولكنني سأسبِّق قليلاً، فالناس في عهد الأنبياء شاهدوا الأنبياء ومعجزاتهم معاينة، وكانوا بعقولهم يستطيعون أن يميزوا إذا كانوا صادقين أم لا، وإذا صدقت نبوتهم فلا يكون هناك مشكلة فيما ينقلون لهم من إخبار عن الله أو عن الغيبيات.
أما بالنسبة لنا نحن الآن، فلا يوجد أنبياء حتى نرى معجزاتهم التي تعتبر من أقوى الأدلة على صدق النبي أو على كذبه. ولكن بقي لنا أمران: النقل والعقل.
فنحن كي نؤمن بما ينقل إلينا، فيجب أن يكون هناك قواعد لهذا النقل لكي نعرف أن ما وصلنا هو حقاً كما نقل إلينا من غير تبديل أو تحريف.
ويبقى المقياس الثاني، ألا وهو العقل، وبه نميز أن الذي نقل إلينا هو منطقي وغير متناقض.
أما بالنسبة للنصارى واليهودي، فلا يوجد لديهم أي قواعد لضبط منقولاتهم وأخبارهم. فأنت إذا جئت بإنجيل "متَّى" مثلاً فتقول كيف وصلني هذا يقولون لك عن النسخة الأصلية التي في المتحف الفلاني، وإذا سألت عن هذه النسخة يقولون لك وجدت في المكان الفلاني، وإذا راجعت تاريخها فيقولون لك أنها تعود للقرن الثالث الميلادي الثالث أو الرابع وهي بالاتينية، وإذا قلت لهم أين النسخة العبرية، يقولون لك أنها ليست موجودة، وإذا قلت لهم متى كتب هذا الإنجيل، يقولون لك في سنة 50 أو 60 أو سبعين ميلادية، وإذا قلت لهم من كتبه، يقولون فلان أوفلان .. وإذا قلت ما الذي يضمن أن النسخة اللاتينية هي نفسها العبرية ومن الذي نسخها .. الله أعلم.
هذا هو سندهم .. لا شيء
وإذا جئت لهذه الأناجيل لتجدها تختلف أشد الاختلاف (آتيك بالأمثلة لاحقاً إذا كان الموضوع يهمك).
فهذا النقل غير ثابت، وبالعقل تجدها مختلفة، وترى فيها من الأمور ما لا يمكن تصوره.
تصور أن الأنبياء عندهم والذين وظيفتهم تبليغ الناس أوامر الله ونواهييه يكذبون، وأنهم ينهون الناس عن الزنا ويزنون، وانهم يأمرون الناس بالإخلاص ويغشون، وأن النبي يمكن أن يغلب الله عزَّ وجلَّ، وأن الله تعب من خلق السموات والأرض …
فإذا لم يكن عندهم سند لما يقولون، وحتى لو صح الكلام الذين يقولونه فإنه لا يمكن الأخذ به لأن الأنبياء عندهم يكذبون، فما الذي يمنع إذاً ـ قياساً على مذهبهم ـ أن المسيح يكذب عليهم وأنه لا خلاص لهم يوم القيامة …
إن العقل السليم يقول لك: إن من ينهاك عن الكذب يجب أن يكون صادقاً، وإن الذي ينهاك عن الزنا والغش يجب أن لا يزني ولا يغش، ويجب عليه أن يكون صادقاً أميناً، فإذا كنت لا تستطيع أن تصدقه في الأمور المشاهدة فكيف يمكن أن تصدقه في الغيبيات؟؟
وهذا هو اعتقاد المسلمين بالأنبياء: أنهم صادقين أمناء ممتنعون عن الفواحش بعكس النصارى واليهود.
وأهم شيء موجود عند المسلمين وهو ليس عند غيرهم: الإسناد. فلولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. والإسناد من الدين ولولا الإسناد لذهب الدين.
والإسناد هو سلسلة الرجال الذين رووا الخبر المنقول إليك.
فأنت لو ذهبت إلى طالب في علم الحديث تقول له: عن من أخذ الحديث الفلاني فيقول لك: أخذته عن شيخه عن شيخه عن شيخه …… عن البخراي مثلاً عن فلان عن فلان عن تابع التابعي عن التابعي عن الصحابي الفلاني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ..
وهكذا لكل رواية لها رجال.
ومن رجال الرواية تستطيع أن تعرف قوة الحديث أو ضعفه، فليس كل ما نقل عن رسول الله هو عن رسول الله، فقد يكون هناك أناس كذابون أو أناس يخلطون الأمور والأسماء. وقد الذي يسمع الرواية ذاكرته ضعيفة.
ولذلك اجتهد علماء الأمة على مسألة الرواة وظهر علم "الجرح والتعديل" فأنت لا ترى راوية في حديث إلا وهناك من كتب عنه جرحاً أو تعديلاً. هل الراوي عندما روى روايته كان صغيراً أم كبيراً، هل خرف في آخر عمره أم كان يقظاً دائماً، هل هو أهل ليحدث أم لا، بمعنى أن السكير لا يمكنك أن تعتبر روايته صحيحة، فهو لم يؤدِ حق الله، فكيف تضمن أن يؤدي حق التبليغ ألا وهو الصدق في الرواية.
إذاً فمن حيث الإسناد لا يوجد مشكلة عن المسلمين.
ويبقى الموضوع الآخر، فلو صح السند إلى قائله، ما الذي يضمن أن الذي يقوله هو حق؟؟
هنا لا بد أن يأخذ العقل دوره ويمحص ما نقل إليه من الأخبار، فإن ثبت له بالنقل والعقل أن قائل هذا الكلام هو نبي عندئذٍ لابد أن نؤمن بكل ما يقوله من أمور غيبية عن الله تعالى وعن الآخرة وعن الثواب والعقاب ..
وبالنسبة لنا كمسلمين فإن القرآن هو معجزة الله الباقية، هذا القرآن الذي تحدى به الله العرب على أن يأتوا بمثله، ولن يأتوا بمثله أبداً ..[/size][/size]
هذه رسالة كتبتها منذ 5 سنوات تقريباً لأحد المتذبذبين اسمه "أشرف"، أرجو أن يكون فيها الفائدة، والتعليق للإفادة
أخ أشرف
تحية طيبة وبعد ..
في الحقيقية أنا لا أعرف عمرك أو مستواك العلمي، فإذا كانت هناك أمور غير واضحة فلا مانع عندي من إعادة شرحها.
إن مشكلة الإيمان لهي من أشد الأمور أهمية للإنسان، لأنها في الحقيقة محور حياته، وهي التي ستؤثر على تصرفاته سلباً أو إيجاباً، فأنت لو كنت جاحداً بوجود الخالق مثلاً ولا تؤمن بحساب بعد الموت، فأنت يمكنك أن تتصرف تصرفات كثيرة ولا تلقي لها بالاً، فتكذب على من تشاء، وتغش من تشاء، ولما الخوف .. فليس هناك من سيحاسبني ..
وأما إن كنت تؤمن بالخالق والحساب بعد الموت فإن تصرفك سيكون مغايراً للتصرف الأول، فإذا كان هناك حساب فعلي أن أستعد له، فأنا لو غششت فلاناً في شيء ما ولم يعرف به فهو لن يحاسبني ولن يقاضيني، فأنجو في الدنيا، ولكن عندما أؤمن بإله، وأن هذا الإله مطلع علي وهو سيحاسبني على هذا الغش ولو بعد حين، فإن هذا سيؤثر على تصرفني، وسيمنعني من الغش بقدر قوة إيماني بهذا الإله.
إذاً فالناس من حيث اعتقادهم بهذا الوجود تنقسم إلى فرقتين في الأصل، فرقة تعتقد بموجد لهذا الكون (على اختلافهم بمن هو الموجد وصفاته)، وفرقة تنفي وجود موجد وتدعي أن هذا الكون وُجِدَ بنفسه وأن الكائنات تطور بعضها من بعض إلخ …
ومسألة الاعتقاد مسألة خطيرة، يتحتم عليها مصير الإنسان، فأنت عندما تعتقد بأمر فأنت تكفر بضده، أي إذا كان الإنسان يعتقد أنه هناك إله، فإنه يكفر ـ أي ينكر ـ دين ملحدين، وعندما تؤمن بعدم وجود إله فإنك تكفر بدين من يؤمن بالإله، فالإنسان في الوقت نفسه مؤمن وكافر، مؤمن بما يعتقده وكافر بما يعتقده الآخرين، فالمسألة مسألة نسبية. مثال على ذلك قول الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
فأنت مهما كنت فيلسوفاً أو عالماً أو شيخاً أو راهباً أو ملحداً فأنت مؤمنٌ بشيء وكافرٌ بضده.
والإنسان كما قلت ابن بيئته، يتأثر بها ويؤثر فيها، فأنا إن ولدت في المدينة تكون عاداتي وتقاليدي غير الذي ولد بالريف أو الصعيد .. ولكن هذا مظهر عام وليس بقاعدة..
ألا ترى أن النبي محمد صلى الله عبيه وسلم خرج من صلب بيئة مشركة وثنية قد خلت فيها الرسالة منذ أيام سيدنا إسماعيل، وهو قبل رسالته لم يعبد الأوثان؟
ألا ترى أن السيد المسيح خرج من صلب بيئة يهودية مشركة منحلة فدعاها إلى الوحدانية؟؟
ألم ترى إلى أهالي أندونيسيا وماليزيا كيف أسلموا من دون حرب، ولكن فقط لمعرفتهم الإسلام عن طريق التجار المسلمين؟
ألم ترَ إلى سفير ألمانيا كيف أسلم وكتب كتاب "الإسلام بيت الشرق والغرب".
ألم ترَ إلى السفير الإيطالي في السعودية كيف أسلم؟؟
ألم ترَ إلى كاتس ستيفن المطرب البريطاني المشهور كيف أسلم وغير اسمه إلى "يوسف إسلام".
نعم أنا أوافقك أن الإنسان ابن بيئته، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل انسان يولد على الفطرة، فأهله إما يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه" أو كما قال.
ولكن هذه البيئة ليست هي الحكم النهائي عل الإنسان، فالإنسان يتلقى ـ في البدء ـ كل شيء بالتلقي والوراثة، ولكن بعد هذا لن يبقى الإنسان أسير هذا التقليد، فإن العقل ـ هذا المخلوق العجيب الذي يدل على عظيم قدرة الله ـ يبقى هو الموجه الأساسي في اعتقاد الإنسان. ويدل على ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" أي أولي العقول.
والآن أنتقل إلى لب الموضوع، بماذا أعتقد، ولماذا ما أعتقده أنا صحيحاً، واعتقاد غيري باطلاً.
إن طرق المعرفة عند الإنسان هي إحدى ثلاث: العقل، النقل، الحواس.
فأنا يمكنني أن أعرف الحار من البارد بواسطة الحواس، ويمكنني أن أدرك أن الأب أكبر من ابنه بواسطة العقل، فيستحيل أن يكون الابن قبل أبيه، فالأب لابد أن يكبر ابنه ولو بثانية، وأما النقل كمعرفتي أنا اليوم بأميركا، فأنا لم أذهب إليه قط، ولكني مؤمن بوجودها لتواتر الأخبار عن وجودها.
والناس في اعتقادهم بالأمور لا يخرجون عن هذه القواعد الثالث، فمنهم من يكتفي بواحدة منها وينكر الباقية، ومنهم من يعتمد على اثنين ويعطل الثالثة، ومنهم من يعتمد الثلاثة معاً.
فالماديون مثلاً لا يؤمنون إلى بما يمكن أن يخضع للتجربة والحس، وينكرون ما دون ذلك، ولا شك أن هذا مذهب باطل، فكم من أشياء هي موجودة أمامنا ولا يمكننا أن نقيسها أو نحسّها، فالمحسوسات التي نعرفها لها مقاييس معينة: الطول العرض الارتفاع الكثافة الحجم … ولكن هل كل شيء في هذا الوجود يخضع لهذه القوانين .. ما هي الروح، كم وزنها .. أين هي موقعها من الجسم .. العقل كم حجمه، ما هي سعته، العواطف بماذا أقيسها: بالديسبل أم بالواط أم بالكيلوفولط ..
إن الأشياء غير المادية موجودة، بل لها تأثير على المادة، ألا ترى أن الشعور بالخوف يجعل شعر الجسم يقف! هل الخوف شيء محسوس؟ لا .. ولكنه موجود.
إذاً الاعتماد على الحس فقط ليس صواباً.
ولذلك أنكر الوجوديون وجود خالق أو إله، فهو ليس من المحسوسات، وهم يذهبون إلى أن هذا الكون موجود بلا خالق.
ومذهبهم هذا باطل. والدليل على ذلك.
إن إنكار وجود خالق لهذا الكون يترتب عليه أحد أمرين، إما أن يكون أوجد نفسه بنفسه، أو أن يكون هو بحد ذاته أزلياً لا بداية لوجوده.
فإذا ذهبنا إلى المذهب الأول، أي أنه أوجد نفسه بنفسه، فلا غرو أن هذا تفكير من لا فكر له، فكما هو معروف فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يمكن للكون ـ إذا لم يكن موجوداً هو في الأصل ـ لأن يوجد نفسه؟؟؟
هذا بالنسبة للمذهب الأول، أما بالنسبة للمذهب الثاني، أي القول أن هذا الكون أزلي، فهذا أيضاً باطل بالقياس العلمي، فالكون ـ كما يقول العلماء ـ يفقد حرارته، بمعنى آخر هناك في الكون أجسام حارة وأجسام باردة، والأجسام الحارة تفقد حرارتها باستمرار لصالح الأجسام الباردة، وبالتالي سيكون هناك وقت تتعادل فيه الحرارة في هذا الكون وتكون صفر مئوي، فلو كان الكون أزلي لتحقق هذا التعادل منذ ملايين السنين، كما أنه من المعلوم أن النجوم إنما تشع نتيجة لحرقها المواد الموجودة في داخلها، فلو كان الوجود أزلياً لكانت هذه النجوم استهلكت كل المواد التي بداخلها منذ مليارات السنين ولما كنا رأينا أي نجم مضيء في يومنا هذا. ولكننا ما زلنا نرى نجوماً، وبالتالي هذا الكون ليس أزلياً. بل لا بد له من موجد كلي القدرة قادر على إيجاد هذا الكون البديع.
لننتقل إلى العقل: هل يصلح أن يكون العقل فقط هو المقياس، به فقط نستطيع أن الخطأ من الصواب، بالطبع لا، فالعقل ليس معزول عن محيطه، فهو بالرغم أنه مقياس لكثير من الأشياء، ولكنه ليس مقياساً لكل شيء، فعقول الناس تختلف من حيث القوة والضعف، بقدر ما يفتح الله على هذه العقول، فترى إنسان تبدو عليه بوادر النبوغ من نعومة أظفاره، وترى آخر تبدو عليه البلاهة منذ ولادته. والعقل ليس شيئا ًمطلقاً ولكنه ينمو ويتغذى، وغذاءه العلم والمعرفة، ولكن بما أن العلوم محدودة فإن العقل محدود، وله حدود لا يمكن تخطيها.
فلا يمكن للعقل وحده أن يخط مصير الإنسان، فهو أساس، ولكنه ليس كل شيء.
أما الفرقة الثالثة من الناس فهي التي تعتمد على النقل فقط، دون أن يكون للعقل أو التفكير مكان، ودون أن تتأكد من صحة هذا النقل، هل هو صحيح أم لا، هل كان صحيحاً فحرف أم هو جاء كما أخبر به الأولون .. فتعتمد على ما نقله آباءهم عن أجدادهم دون أي مجال للمناقشة أو المسائلة، وهذا ما يسمى بالإيمان التقليدي.
وهذا ما نراه عند النصارى، فهم يؤمنون بما جاء في أناجيلهم من دون تحقق في صحة نسبة هذه الأناجيل إلى أصحابها في الأصل، فالإنجيل الفلاني كتبه فلان أو فلان في سنة كذا أو كذا أو كذا .. والسفر الفلاني كتبه فلان أو فلان .. إلخ كله ظن بظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً.
وقد وصل إليهم .. بواسطة النقل .. أن المسيح هو إنسان وهو إله في الوقت نفسه .. وأن الله الواحد ولكنه ليس واحداً بمعنى الواحد ولكنه ثلاثة بواحد أو واحد في ثالثة .. هو له ذات واحدة ولكنه في ثلاثة أقانيم .. ما معنى الذات وما معنى الأقنوم .. الله أعلم .. لقد ناقشت أحدهم يوماً في هذا الموضوع فقال لي ثلاثة أقانيم يعني ثلاثة شخوص .. فقلت له ما الفرق بين الأقنوم والذات والشخص فلم يعرف .. إنها أفكار ابتدعوها ليس لها أساس من الصحة ولا حتى في أصول دينهم.
سوف أستفيض قليلاً في الحديث عن النصارى ـ طالما الموقع الذي تعارفنا به نصراني ـ .
يتلخص مفهوم النصارى للوجود أن الله عزَّ وجلَّ خلق هذا الكون في ستة أيام، وبعد أن تعب؟؟ استراح في اليوم السابع (يوم السبت). وخلق آدم وحواء، وقد كانا في الجنة، ولقد كان في الجنة شجرتان، شجرة المعرفة وشجرة الحياة في وسط الجنة ، فأغوى الشيطان آدم وحواء ليأكلا من شجرة المعرفة، فلما أكلاها أصبحا يعرفان الخير من الشر، وخاف الإله ؟!! أنه إذا أكل من شجرة الحياة فهو لن يموت أبداً ـ وبالتالي فهو سيزاحم الإله في ألوهيته فهو سيصير عالماً ولا يموت أبداً تصوّر ؟؟؟ ـ وبالتالي فقد عاقبه الله تعالى وجعل حياته على الأرض كداً وتعبة، وأن هذه الخطية الكبرى حملها هو وأولاده (بالوراثة؟؟؟)، وبعد فترة نسي الإنسان ربه، لإولكن الله أراد أن يتوب على الإنسان، ولكنه لإنه عادل فلابد أن يكون هناك عقوبة مقابل الإثم، وبما أن خطية الإنسان عظيمة فهو لن يستطيع أن يدفع (فاتورتها)، فأراد الله أن يقضي هذا الدين عن الإنسان، فأرسل إليهم ابنه الوحيد لكي يتحمل عنهم جميع خطاياهم، وخصوصاً تلك الخطية الأولى، فصلبوه وقتلوه، وبالتالي غفر الله لهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فوالله لو كان لدى النصراني قليل من إدراك لعلم أن قتل الإنسان (لابن الله) كما يزعمون أشد من أن يأكل تفاحة في الجنة، فلربما لكي يكفر الله عن هذه الخطية ـ قياساً على مذهبهم ـ لربما كان عليهم أن يصلبوه هو أيضاً. أعوذ بالله من الشرك وأهله.
ونظرية الفداء هذه باطلة نقلاً وعقلاً، ففي العهد القديم (وهي جميع اسفار الكتاب المقدس التي هي قبل الاناجيل الأربعة وأعمال الرسل ورؤيا يوحنا) مكتوب أنه لا يوجد إنسان يحمل خطية إنسان، وهذا هو العدل، فلماذا أنا أتحمل ذنب غيري؟؟
وأما من ناحية العقل فقد ناقشت هذا الموضوع مع نصراني فقلت له، أنتم تقولون أن خطية آدم خطية عظيمة، ولا يمكن للإنسان أن يتحملها، ولذلك أرسل الله ابنه الوحيد فمات هو من أجل رفع هذه الخطية، فلكي تكون التضحية عظيمة يجب أن يكون المضحى به (على قياسهم) عظيم. ألا وهو ابن الله الحي.
هذا الذي ما زالوا يكررونه لكل من يناقشهم: "إن الله افتداك بابنه الوحيد، لقد حمل الله عنك الخطية فلا تهتم".
ولكن بعد الخوض شيئاً فشيئاً تبين أن الله لم يضحي بابنه الإله (كما يزعمون) بل ضحى بالجسد الإنساني ليسوع المسيح (وهذا يناقض مفهوم الفداء العظيم).
ولشرح هذا لا بد الخوض قليلاً في موضوع التجسد، وهو موضوع عندما تدخل فيه فلا بد أن تضع عقلك جانباً، لأنه لا هو يستطيع أن يشرح لك ولا أنت تستطيع أن تفهم عليه، ولكن عليك أن تسمع فقط وأن تؤمن بما سمعت، فهذا هو سر الإيمان ؟!!!
التجسد عندهم هو أن لاهوت الأبن (الكلمة) اتحد مع ناسوت المسيح (الجسد) وكان نتيجة هذا الاتحاد (يسوع المسيح)؟؟ ولكن هذا الاتحاد صار دون تمازج أو اختلاط فبقي الإنسان إنساناً والإله إلهاً، وهذا الاتحاد كان اتحاد كامل أي ليس هناك انفصال بعده (احفظ هذه النقطة). وأنه عندما صلب على صليب ومات لم يمت الإله ولكن مات الجسد واستودعت الروح عند الآب.
وهنا صارت الإشكالية؟؟
فالنصارى يقولون أن الله ضحى بابنه، لأن الإنسان لا يستطيع أن يدفع فاتورة خطيته، وإذ بنا في النهاية نرى أن الذي يدفع خطية الإنسان هو إنسان آخر، ألا وهو جسد المسيح.
وهنا صار ثالوث النصارى خاموس (إذا صح التعبير): الآب، لاهوت الابن، جسد المسيح الذي اتحد مع الابن، روح المسيح البشرية التي هي كانت أيضاً نتيجة اتحاد الناسوت بالاهوت، وختاماً روح القدس.
فهكذا ترى أن أساس عقيدتهم إن كان من حيث التثليث أو من حيث مفهوم الفداء باطل للوجوه التي ذكرتها.
ولعل أهم موضوع، ألا وهو الإنسان والخطية، فموقفهم منه على طرفي نقيض، فمنهم من يقول أنك لو آمنت بالمسيح غفرت لك ذنوبك وأنك لن تحمل شيئاً مهما كثرت ذنوبك، فافعل ما شئت فأنت مغفور الذنب. وطائفة منهم تقول أنك إن مت ولم تتب من خطيئتك هذه فأنت مثلك مثل أي إنسان آخر (غير مسيحي) مخلد في جهنم. وبالتالي فهم ما بين مفرط ومقنط.
فأنت إما أن تغرق في بحر الخطايا والذنوب ولا تبالي، وإما عليك أن تبقى قديساً مدى حياتك، وإذا زللت يوماً دون أن تتوب فأنت في نار جهنم خالداً مخلداً فيها.
إذاً ففي النصرانية: دع عقلك جانباً، وآمن بكل ما جاءك من النصوص حتى لو لم يكن هناك سند لم يقولنه لك.
وقد صدق فيهم قول الله عزَّ وجلّ: إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون.
إذاً فكيف الخلاص، هل أتبع عقلي، كيف يمكن لعقلي أن يدرك ما لا يمكنه أن يحيط به، فأنا أستطيع أن أصل بالتحليل العقلي إلى أن هناك موجد لهذا الكون الكون، وأن هذا الخالق نظَّمَ الكون بدقة، وأنت ترى هذه الدقة في النجوم والكواكب في البحر والنبات والحيوانات والحشرات. ففي الحشرات ملكات وجنود وعاملات إلخ .. وكل مخلوق في هذا الوجود له وظيفة محددة لو تركها لاختل النظام الكوني كله. فهل يعقل أن يهدي الله كل هذه المخلوقات كيف تعيش ولا يهدينا نحن البشر، أعقل المخلوقات على وجه هذه البسيطة.
فالناظر في هذا الكون بصدق وإخلاص لا يمكن إلا أن يخلص إلى نتيجة أن الله لن يدع هذا الإنسان دون أن يعرف من خالقه، وماذا يريد منه هذا الخالق.
أريدك أن تتخيل معي شيئاً. تصور أنك فجأة وجدت نفسك جالس على كرسي خلف مكتب في مؤسسة منظمة ضخمة ومشهورة، وحولك موظفون يروحون ويجيئون كل منهم يعمل بعمله، وكل شيء مجهز لك في هذا المكتب، جهاز كومبيوتر وطابعة وأوراق وأقلام .. هل تتصور أن وجودك على هذا المكتب هو عبث، أم أنك ستبدأ وتفكر: لماذا أنا هنا، ما هي وظيفتي، كيف لي أن أعرف ما هو مطلوب منّي…
وهل يعقل أن يتركك صاحب العمل، ما دام نظم هذه المؤسسة على هذه الدرجة العالية، دون أن يرشدك إلى عملك، هذا مستحيل، لذلك لا بد أن يرسل لك من يعلمك ماذا تفعل.
لو جاء إنسان وقال لك، لا تخف لا تعمل شيء، فهل ستصدقه، أيمكن أن أكون بهذا الموقع ولا يكون لي عمل، بل يجب أن يكون هناك عمل لي ويجب علي أن أعرف ما هو.
ببساطة هذا مثال بسيط عن حال الإنسان في هذه الدنيا، فإن الله تعالى قد سهل جميع أسباب الحياة، وقد رعاه الله تعالى وتولاه منذ أن كان خلية في بطن أمه إلا أن صار إنساناً كاملاً، فجعل الله الماء عذباً فراتاً، وخلق لنا من النباتات والخضار ما لا يستطيع الإنسان حصره، وذلل لنا الأنعام لنأكل من لحمها ونشرب من لبنها، وجعل لنا الشمس لتدفئنا وتمدنا بالحرارة، وجعل لنا القمر لنعلم عدد السنين والحساب، وجعل لنا الرئتين لنتنفس والقلب ليضخ لنا الدم في جسدنا، وهذان العضوان لا إراديان، أي إن الإنسان لا يتحكم بهما، فمن يتحكم بهما إذاً؟؟؟
لماذا كل هذه النعم، لماذا كل هذه التسهيلات، هل لكي نولد فقط ونأكل ونشرب ثم نعود إلى التراب مرّة أخرى هكذا للاشيء؟!!
حاشا لإله عظيم خلق الكون أن يكون خلق الإنسان عبثاً.
إذاً فالإنسان العاقل يفهم أن له وظيفة في هذا الوجود، ما هي هذه الوظيفة، وظيفتك أيها الإنسان في هذه الحياة هي قسمان، القسم الأول والأهم هو أن تؤمن بالذي خلقك حق الإيمان وتتبع أوامره وتنتهي عما نهاك عنه، والقسم الثاني عمارة الأرض بما يصلح البشرية.
ولذلك أرسل الله الرسل لكي يعرفوا الناس بخالقهم، ويبلغوهم بماذا يأمرهم، وعما نهاهم.
فأنت في أي بلد كنت وتحت أي نظام، لا بد لك أن تعرف ما هي المباحات أو المحظورات في هذا البلد أو في هذا النظام حتى لا تخالفه وتتعرض للعقوبة.
ومن باب أولى أن تعرف ما الذي يريده إلهك منك، وعن ماذا يناهك؟؟
هذه ببساطة وظيفة الأنبياء، فقد بعث الله الأنبياء للبشر على فترات طويلة وكان آخرهم النبي محمد .
والناس الذين عاشروا الأنبياء كان هناك أمامهم الطرق الثلاثة للمعرفة: الحس، والنقل والعقل. ومن حيث المنطق الجدلي أنا لا يمكنني أن أحدثك عن المعجزات قبل أن أتحدث عن النقل، ولكنني سأسبِّق قليلاً، فالناس في عهد الأنبياء شاهدوا الأنبياء ومعجزاتهم معاينة، وكانوا بعقولهم يستطيعون أن يميزوا إذا كانوا صادقين أم لا، وإذا صدقت نبوتهم فلا يكون هناك مشكلة فيما ينقلون لهم من إخبار عن الله أو عن الغيبيات.
أما بالنسبة لنا نحن الآن، فلا يوجد أنبياء حتى نرى معجزاتهم التي تعتبر من أقوى الأدلة على صدق النبي أو على كذبه. ولكن بقي لنا أمران: النقل والعقل.
فنحن كي نؤمن بما ينقل إلينا، فيجب أن يكون هناك قواعد لهذا النقل لكي نعرف أن ما وصلنا هو حقاً كما نقل إلينا من غير تبديل أو تحريف.
ويبقى المقياس الثاني، ألا وهو العقل، وبه نميز أن الذي نقل إلينا هو منطقي وغير متناقض.
أما بالنسبة للنصارى واليهودي، فلا يوجد لديهم أي قواعد لضبط منقولاتهم وأخبارهم. فأنت إذا جئت بإنجيل "متَّى" مثلاً فتقول كيف وصلني هذا يقولون لك عن النسخة الأصلية التي في المتحف الفلاني، وإذا سألت عن هذه النسخة يقولون لك وجدت في المكان الفلاني، وإذا راجعت تاريخها فيقولون لك أنها تعود للقرن الثالث الميلادي الثالث أو الرابع وهي بالاتينية، وإذا قلت لهم أين النسخة العبرية، يقولون لك أنها ليست موجودة، وإذا قلت لهم متى كتب هذا الإنجيل، يقولون لك في سنة 50 أو 60 أو سبعين ميلادية، وإذا قلت لهم من كتبه، يقولون فلان أوفلان .. وإذا قلت ما الذي يضمن أن النسخة اللاتينية هي نفسها العبرية ومن الذي نسخها .. الله أعلم.
هذا هو سندهم .. لا شيء
وإذا جئت لهذه الأناجيل لتجدها تختلف أشد الاختلاف (آتيك بالأمثلة لاحقاً إذا كان الموضوع يهمك).
فهذا النقل غير ثابت، وبالعقل تجدها مختلفة، وترى فيها من الأمور ما لا يمكن تصوره.
تصور أن الأنبياء عندهم والذين وظيفتهم تبليغ الناس أوامر الله ونواهييه يكذبون، وأنهم ينهون الناس عن الزنا ويزنون، وانهم يأمرون الناس بالإخلاص ويغشون، وأن النبي يمكن أن يغلب الله عزَّ وجلَّ، وأن الله تعب من خلق السموات والأرض …
فإذا لم يكن عندهم سند لما يقولون، وحتى لو صح الكلام الذين يقولونه فإنه لا يمكن الأخذ به لأن الأنبياء عندهم يكذبون، فما الذي يمنع إذاً ـ قياساً على مذهبهم ـ أن المسيح يكذب عليهم وأنه لا خلاص لهم يوم القيامة …
إن العقل السليم يقول لك: إن من ينهاك عن الكذب يجب أن يكون صادقاً، وإن الذي ينهاك عن الزنا والغش يجب أن لا يزني ولا يغش، ويجب عليه أن يكون صادقاً أميناً، فإذا كنت لا تستطيع أن تصدقه في الأمور المشاهدة فكيف يمكن أن تصدقه في الغيبيات؟؟
وهذا هو اعتقاد المسلمين بالأنبياء: أنهم صادقين أمناء ممتنعون عن الفواحش بعكس النصارى واليهود.
وأهم شيء موجود عند المسلمين وهو ليس عند غيرهم: الإسناد. فلولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. والإسناد من الدين ولولا الإسناد لذهب الدين.
والإسناد هو سلسلة الرجال الذين رووا الخبر المنقول إليك.
فأنت لو ذهبت إلى طالب في علم الحديث تقول له: عن من أخذ الحديث الفلاني فيقول لك: أخذته عن شيخه عن شيخه عن شيخه …… عن البخراي مثلاً عن فلان عن فلان عن تابع التابعي عن التابعي عن الصحابي الفلاني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ..
وهكذا لكل رواية لها رجال.
ومن رجال الرواية تستطيع أن تعرف قوة الحديث أو ضعفه، فليس كل ما نقل عن رسول الله هو عن رسول الله، فقد يكون هناك أناس كذابون أو أناس يخلطون الأمور والأسماء. وقد الذي يسمع الرواية ذاكرته ضعيفة.
ولذلك اجتهد علماء الأمة على مسألة الرواة وظهر علم "الجرح والتعديل" فأنت لا ترى راوية في حديث إلا وهناك من كتب عنه جرحاً أو تعديلاً. هل الراوي عندما روى روايته كان صغيراً أم كبيراً، هل خرف في آخر عمره أم كان يقظاً دائماً، هل هو أهل ليحدث أم لا، بمعنى أن السكير لا يمكنك أن تعتبر روايته صحيحة، فهو لم يؤدِ حق الله، فكيف تضمن أن يؤدي حق التبليغ ألا وهو الصدق في الرواية.
إذاً فمن حيث الإسناد لا يوجد مشكلة عن المسلمين.
ويبقى الموضوع الآخر، فلو صح السند إلى قائله، ما الذي يضمن أن الذي يقوله هو حق؟؟
هنا لا بد أن يأخذ العقل دوره ويمحص ما نقل إليه من الأخبار، فإن ثبت له بالنقل والعقل أن قائل هذا الكلام هو نبي عندئذٍ لابد أن نؤمن بكل ما يقوله من أمور غيبية عن الله تعالى وعن الآخرة وعن الثواب والعقاب ..
وبالنسبة لنا كمسلمين فإن القرآن هو معجزة الله الباقية، هذا القرآن الذي تحدى به الله العرب على أن يأتوا بمثله، ولن يأتوا بمثله أبداً ..[/size][/size]