قتيبة
03-09-2008, 04:23 AM
التنكيل بما في مقالات منكري الحديث من الأباطيل
د. فضل بن عبدالله مراد >
2- 1
صدر الكاتب مقاله بآية «فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم..»، وهو من عدم التوفيق في البحث لأن الآية تنسف بحثه وأكبر حججه وهي أن السنة لم تكتب وسبب عدم كتابتها عدم حفظها.. مع أن هذه الآية نص في أن الكتابة لا تستلزم الحفظ لأن أهل الكتاب كتبوا ولم تحفظ شريعتهم فلا علاقة للكتابة بالحفظ كما سيأتي بالبسط.. وهو ما تدل عليه لغة العرب في قواميسها، في مادة (ح-ف-ظ) أن الحفظ لايلزم له الكتابة. بل هو الذكر كما في المحيط وهو ضد النسيان، وضد الغفلة.. وقال الخليل بن أحمد: الحفظ هو التعاهد، وهكذا في القاموس واللسان والمقايس والتهذيب وغير ذلك من مراجع اللغة.
ثم بين الكاتب في المقدمة أنه صرف في هذا الحديث والبحث أنفس الأيام شغل بها عن تحقيق أحلامه... وبعد سطرين نقض هذا الكلام وقال: إنه لم يعط هذا المبحث إلا فضول الوقت.. وهكذا تبدأ مسيرة التناقضات التي ستراها أيها القارىء ثم بدأ مقام الشتم والقذف وقد جمعنا الشتائم آخر الكلام لأنه لا يليق أن تفتتح البحوث بالشتائم والقذف والتجهيل ودعوى أن الأمة انقلبت عن الإسلام اشركوا بالحديث متجاوزاً الباطنية التي اقتصرت على ردة الصحابة والطعن فيهم بخلاف الكاتب، هذا مع اخفاء الحقائق، وادعاء الاستقراء، ودعوى أن هذا البحث له وليس كذلك ، بل هو أصلاً لليهودي جولد شيهر ولفيف من المستشرقين وهو ما سنتبينه إن شاء الله في الأيام القادمة أما الآن فإلى الموضوع.
إبطال أهم ما ظن أنها حجج لإبطال سنة رسول الله قوله وفعله وتقريراته وتتلخص في أمور:
أولاً: دعواه أن السنة في لغة العرب هي السنة العملية: وهذا في حقيقة الأمر خطأ على لغة العرب وتزييف للحقائق إذ إن جميع علماء اللغة من أهل القواميس عرف السنة بأنها الطريقة، والطريقة من المعلوم أنها شاملة للأقوال والأفعال لأنها مجموع المنهج الذي يسير عليه الشخص في تصرفاته القولية والعقلية بل صرح ابن منظور في لسان العرب والزبيدي في تابع العروس مايدل دلالة صريحة على أن السنة هي الحديث قائلاً: والكتاب والسنة: أي القرآن والحديث، فمن نصدق الآن النقل من أئمة اللغة أم النقل من كتيبات المستشرقين.
ثانياً: دعواه أن أول من جاء بالسنة بمعنى شامل للأقوال والأفعال هو الشافعي، وليت الكاتب اقتصر على هذا بل بسط لسانه بالهمز واللمز للشافعي زاعماً أنه عمل «خلطة الحروي» فماذا نقول: «إنَّ الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا» «ويل لكل همزة لمزة»، وأريد أن أوضح هنا أن مصطلح اطلاق السنة على الأقوال قديم جداً من عصر الصحابة، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثاً» قال أنس لما سئل عن هذا قال: من السنة فانظر كيف سمى السنة على قول رسول الله.
وهكذا سمى ابن عباس قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة من السنة وهي قول، وهكذا قال تميم الداري لرسول الله ما السنة إذا اسلم على يد أحدنا رجل قال رسول الله هو أولى به في حياته ومماته، صحيح ابن ماجة ، والأولان في البخاري ومسلم وغيرهما، فانظر كيف سماها سنة سائلاً رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهكذا قال الأوزاعي أمام جماعات من التابعين.. إنهم كانوا يثبتون الصفات الواردة في السنة.. ومعلوم أن جميع أحادث الصفات أقوال، ذكره الذهبي في العلو وقال الحافظ جيد السند، وهكذا قال علي بن أبي طالب: السنة لا يقتل مسلم بكافر كما في المصنف، فسمى قوله صلى الله عليه وسلم «لا يقتل مسلم بكافر سماه سنة» وهو قول.
وقال سعيد بن المسيب: مضت السنة «أن اليمين على المدعى عليه» يشير إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» فسماها سنة.. وقالت عائشة: السنة عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة، وهذا هو قول رسول الله سمته سنة:
وقال الأوزاعي: «في الحرائر مضت السنة فيهن أن امرت بالعدة» أخرجه الترمذي.. وقال عبدالله بن عمر: «السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا» فسمى قوله صلى الله عليه وسلم «المتبايعين بالخيار مالم يتفرقا» سماه سنة فاعتبروا يا أولي الأبصار وقال سهل ابن سعد في ولد الملاعنة «جرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها» وهذا قول عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله إنما أمر به المتلاعنين.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي تيمم وصلى ثم وجد الماء ولم يعد الصلاة «أصليت السنة»، وهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل أن الإقرار سنة ثم ما هي السنة التي أصابها الصحابة.
السنة هي أخلاق القرآن «فلم تجدوا ماءً فتيمموا» ولم يفصل أن من وجد ماءً في الوقت أن يعيد، فالسنة هنا هي قوله تعالى: «فلم تجدوا ماءً فتيمموا»، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاتزال هذه الأمة بخير ما عجلوا الإفطار» قال إبراهيم من السنة تعجيل الإفطار فسمى قوله صلى الله عليه وسلم سنة.
وقال مكحول في زكاة الحلي من الذهب والفضة من السنة، وهو قول وأمر رسول الله بتسمية القبور سماها أبو مجلز من السنة.
وقال علي بن أبي طالب في رجل استفتاه أنه تزوج امرأة على أن عليها الصداق وبيدها الفرقة والجماع، فقال علي: «خالفت السنة ووليت الأمر غير أهله، عليك الصداق وبيدك الجماع والفرقة وذلك السنة».
وهذه السنن قولية بالنص.. وسالم أو نافع حينما سئل عن سكوت ابن عباس في الدعاء ماذا كان يقول أما من السنة فلا فسمى القول سنة
وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في «من أعتق شركاً له في عبده» الحديث قال السنة، وقال ابن المسيب في حديث رسول الله «لايرث القاتل» مضت السنة أن القاتل لايرث.
وسمى عمرو أبو سعيد في محضر من الصحابة قوله صلى الله عليه وسلم «يستأذن أحدكم ثلاثاً فإن أذن له وإلا رجع»، سموها جميعاً سنة وهو حديث قولي: صحيح أخرجه الأئمة..
وقال عبدالله بن مسعود في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلق الرجل المرأة طاهراً في غير جماع، قال طلاق السنة وهذا قول.
وهكذا حمل الجنازة بجوانب السرير كلها أمر به صلى الله عليه وسلم قولاً فقال ابن مسعود من السنة .
وقال الزهري السنة «بأن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية»، وهذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد.
وخطب ابن الزبير على المنبر فيمن أدرك الإمام راكعاً أنه يركع إنها السنة فسماها سنة مع أنها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقريره لأنه أمر بذلك، وأقر، ولم يفعله.
أخرجه الحاكم على شرط النسختين وصححه الألباني.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسول مسيلمة «لولا أنك رسول لقتلتك» ، فقال ابن مسعود راوي الحديث «جرت السنة يومئذ ألاَّ يقتل رسول» حاكم صحيح فسمى قول رسول الله سنة، وتركه سنة.
قلت: وممن استعمل هذا المصطلح أعني السنة على الأقوال والأفعال مالك وملأ بذلك الموطأ وهو قبل الشافعي وسنجد أن في القرآن الكريم أن الله تعالى سمى حكمه القولي سنة وهو قوله تعالى: «ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له».. فهذا حكم قولي عام ينهي الأنبياء عن التحرج ثم يخبر الله أن هذا الحكم ليس مقتصراً على النبي ولم يفرض على النبي وحده بل أمر بذلك من سبق حتى صار قوله تعالى «ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له» سنة ولذلك قال بعدها سنة الله.
إذاً فسنة الله هي قوله المتقدم الذي أصبح قاعدة مطردة، وكذلك ذكر الله استهزاء المستهزئين بالرسل ونبه رسوله حتى لا يتعجب أن هذا الاستهزاء سنة الأولين.
والاستهزاء هو بالأقوال أكثر منه بالأفعال بل لا يتبادر إلاّ بالقول،
إذاً نستفيد مما سبق أن السنة في استعمال العرب من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وتابعيهم هي الأقوال والتعريفات، كما أنها الأفعال بل هي لغة القرآن ونص علماء اللغة.
وما نقلناه من الأقوال في ذلك هو البعض وبقي كثير جداً ونكتفي بما تقدم لبلوغه حد التواتر المستفيض الذي لا ينكره من له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد، فإن أنكره منكر فخطابنا بعد مع العقلاء لا مع أهل الأخذ.
ثالثاً: دعواه أن في الصحابة منافقين، وأن هؤلاء الصحابة رووا عن المنافقين أحاديث دسوها في دين الله، والمنافقون لا يعلمهم إلاّ الله لقوله «لاتعلمهم نحن نعلمهم».
قلت: وما أكبر هذه الفرية على دين الله في عقل صاحبها وردها للعاقل:
1 - إن علم الله بالمنافقين معناه أنه سيحرس منهم الدين ولا يمكن أن يتلاعبوا به، فهذا هو ما تدل عليه الآية فالآية حجة عليه ولكن لا يفقهون.
2 - ولو أكمل الآية سيتبين أن الله أحاط بهم فعذبهم ونكل بهم ولم يمهلهم أن يدسوا في الدين «سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم».
3 - إن الله عرف أعمالهم وأقوالهم لرسوله والمؤمنين فقال: «ولتعرفنهم في لحن القول» فعرف الله لرسوله والمؤمنين جميع أقوال أهل النفاق بل حتى لحن القول وهو أخفى من القول كشفه الله تعالى فكيف يستطيعون الدس وهم مكشوفون!! وأقوالهم مكشوفة.
4 - إن الله ذكر بعد هذه الآية بآية واحدة أنه أحبط جميع الأعمال والمؤامرات التي يقوم بها أهل النفاق بلفظ المضارع «إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم» 32 محمد.
وهذا السياق كله في أهل النفاق لأنهم شاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى فحكم الله عليكم بأمرين:
1 - لن يضروا الله شيئاً ومعناه قطعاً ضرر دينه لأنه لايضره أحد ذاتاً.
2 - الحكم الثاني، وسيحبط أعمالهم، يعني كل مؤامراتهم الآتية والمعبر عنها بالسين التي تدل على المستقبل كل أعمالهم ومن ضمنها مؤامراتهم على الدين سيحبطها.
5 - إن الله قال بعد الآية «ولتعرفنهم في لحن القول» «ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين» ونبلو أخباركم، وهذا التمحيص والابتلاء هو للفضح وبيان المؤمن وفضح المنافق ونبلو أخباركم يعني يكشف خبركم في الأقوال والأعمال فلا يبقى منافق إلا كشف الله أخباره للناس.
6 - إن الله ذكر المنافقين في سورة النساء وأنهم سيهزمون ويخوضون في مجالسهم فأمر المؤمنين بعدم مجالستهم وتركهم ثم بيّن تربصهم بالمؤمنين الذين يتربصون بكم.. ثم طمأن المؤمنين في آخر الآية بقوله «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا».
فهؤلاء المنافقون والكافرون لا يمكن أن يجعل الله لهم على أهل الإيمان سبيلاً، ومنه تحريف الدين وإدخال ما ليس منه.
7 - قوله تعالى عن المنافقين «يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون».
فجميع دسائس المنافقين وضياع المؤمنين ديناً ودنيا فاشل يعود على أنفسهم بالضرر لا على الدين فلا يضرون دين الله ولا يخدعون أي مؤمن.. إذاً هذه الآية أمان من الله للمؤمنين أن الله يدافع عنهم بأي خداع يخدعهم المنافقون.
8 - «أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم».
هذا نص على أن جميع ما يبطنه المنافقون من خداع كله مفضوح يخرجه الله ويكشفه.
9 - وقال عن المنافقين: «قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون».
وما يحذر من المنافقون هو كل دسيسة في الدين أو فعل منكر فوعد الله أنه يخرج هذه الدسائس ويفضحها.
10 - «إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم»، معنى يخادعون الله أي ما يظهرون من الإيمان ويدسون في الدين من الكفر الله خادعهم ولا يمكن أن يخدعوه بذلك.
11 - قوله تعالى بعد صفحات من ذكر أنواع المنافقين «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».
فهذا إذاً كشف واضح أمام أعين الجميع.
12 - قوله تعالى «إن الله لا يصلح عمل المفسدين» فهذا نص في أن كل عمل إفسادي من المنافقين أو المشركين أو مرض القلوب الرامية إلى إفساد الدين باطلة.
وبعد هذه الأدلة الدامغة من القرآن هل سيتوب هؤلاء عن جناياتهم أم أنهم سيلبسون لباس الكبر فتحق عليهم سنة الله في كل من أعرض عن آياته.،
وأختم هذا الاستدلال الوافر المتكاثر بدليل العقل هو أن بني إسرائيل عرفوا البقرة بصفات معدودة.
- صفراء فاقع لونها تسر الناظرين.
- متوسطة العمر.
- مسلمة لا شية فيها.
قالوا بعد هذا «قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها».
وقد جئتك أيها القارىء باثني عشر دليلاً وواحد آتي من القرآن تبين قطعاً أن الله لايمكن أن يترك دسائس أهل النفاق ومؤامراتهم تشوه الدين وتخلط الحق بالباطل.
فإن كان أصحاب هذه الشبهة من اليهود والنصارى المستشرقين كما هي الحقيقة، فنطالبهم أن يقولوا كما قال أجدادهم «الآن جئت بالحق»، وإن كانت الشبهة من قراء كتبهم من إخواننا الطيبين المغرورين بهم فقبولهم الحق أولى، هدانا الله وإياهم، وأزيدهم فأقول: إن وصف الله للمنافقين في أقوالهم وأعمالهم بلغ عشرات الأوصاف فهل يبقى عامي ساذج لا يعرفهم إلا إذا كان متخلفاً عقلياً فضلاً عن صحابة رسول الله أهل الرضوان والقيادة للأمة. إذاً فاطمئنوا ياشباب الإسلام على دينكم: وإذا كنت أنا وأنت لايمكن أن نصدق من عرفنا عنه الكذب فكيف بالصحابة أن ينطلي عليهم من اجتمع فيهم الكذب، والخيانة، والغدر، والتخلف عن الصلاة، والتآمر، والاستهزاء بالدين، وموالاة الكافرين، ودس الدسائس والتعاون مع الأعداء، والرياء، والاستهزاء بالمتطوعين من المؤمنين، والاستهزاء بالرسول، والاستهزاء بحملة القرآن، والاعتذار عن القتال، وتشكيكه في وعد الله والتحاكم إلى الطاغوت، والشماتة إذا أصاب المسلمين مصيبة والاستياء إذا أصابتهم حسنة، وأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف، وكل هذه الصفات وأكثر في سورة واحدة هي الفاضحة «براءة»، هذا وقد قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا».. فهل المنافقون الفسقة بعد هذا الفضح يمكن أن ينطلي دسهم على الصحابة؟
إن الذي يقول: نعم .. أظن أنه في عالم غير العقلاء، أو أنه يدعي أن الصحابة جميعاً متخلفون عقلياً سذج ولم ينقذهم الله بهذا الكاتب ليعالجهم!! أو أنه عدو للإسلام والمسلمين تلميذ لليهود والنصارى والباطنية، أو جاهل.. نسأل الله أن يعلمنا وإياه الحق.
رابعاً: حول كتابة السنة:
قالوا النهي عن كتابة الحديث دليل على أنه لم يحفظ، وما لم يحفظ ليس بحجة.
قلت: هاتان مقدمتان قياسيتان:
- لم يكتب، وكل ما لم يكتب فليس بحجة، إذاً الحديث غير حجة.
- لم يحفظ وكل ما لم يحفظ فليس بحجة، إذاً الحديث ليس بحجة.
أما الأولى: فمعارضة بمثلها: أمروا بالكتابة، وكل ما كتب حجة، إذاً الحديث حجة وكذلك الثانية.
لأنها دعاوى نزاعية وليست مسلمات والمقدمات المنطقية يجب أن تكون مسلمة بين المتنازعين.
ثم كيف يجعل محل النزاع دليلاً، وهذا مردود في المناظرات ويسمى المصادرة ووجه آخر لإبطالها.
هل الحجة لا تكون حجة إلا بالكتابة؟ هذه دعوى مخالفة لمنطق العقل ووقائع الحال وشواهد الشريعة.
فمثلاً: «شهادة الشهود، وإقرار المقر على نفسه» هي الحجج بإجماع سواء كتبت أو لا، كذلك القياسات المنطقية والعقلية مثل «الجزء أصغر من الكل»، والعالم حادث وكثير جداً حجج سواء كتبت أم لا.
وقد أرسل الله رسلاً إلى أقوامهم بدون كتب أصلاً وبلا معجزات ، كما أخبرنا في القرآن كنوح عليه السلام، وهود، ولوط، وغيرهم وكانوا حججاً على أقوامهم «لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل»، ولو كانت الحجة بحاجة إلى كتاب لأنزل عليهم ذلك.
- ومن الأدلة على أن الكتابة لا تؤثر في الحجية ولا في الحفظ، أن التوراة والإنجيل مكتوبة بنص القرآن ولكن مع هذا التوثيق بالكتابة فلم تحفظ بل حرفت وبدلت فهذا دليل على أنه يمكن أن يكتب الشيء ولا يحفظ.
بل الكتابة قد يصيبها أحياناً التحريف لذلك احتجنا إلى استدعاء الشهود عند إرداة التوثق ولذلك لما أمر الله بكتابة الدين ختم الآيات بقوله: «فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته».
فمدار الحفظ على عدالة الشاهد، وأمانته، لذلك أمر الله الشهود إذا دعوا ألاّ يتخلفوا مع أنه مكتوب، فقال بعد ذكر كتابة الدين «ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولاتسأموا أن تكتبوه»، فلماذا يستدعى الشهود مع وجود الكتابة، إلاّ للتوثيق؟.. فإذا حصل التوثيق بين المتداينين بأمانة بعضهم، فلا حاجة لشهود ولا لرهون إلا كتابات.
ولذلك صرح علماء الحديث أنه هو نص عالم إمام حافظ على أن فلان لم يسمع من فلان ولم يخالفه غيره في ذلك ثم وجدنا نسخة فيها التصريح بالسماع بينهما فنجزم على أنه تصحيف لتصريح الأئمة بذلك، لذلك لم يعتمد العلماء قط على نخسة إلا مقابلة على أصول معتمدة.
بل إن أول طرق التلقي العلمي والتوثيق السماع والمشاهدة، والحفظ في القلب «ولاتقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا»، وهذه أشعار العرب ودواوينها لم تزل حجة في لغة العرب ولم تدون إلى وقت قريب، وقد يستدل أحد بقوله تعالى: «قل فأتوا بكتاب من عند الله... الآية.
قلت: قال تعالى: «الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب» معنى لفظ القرآن لأن الله لم ينزل مصحفاً، ولذلك أشار الله إلى أن العبرة ليست بالقراطيس المكتوبة حتى تقوم الحجة: «ولو نزلنا عليكم كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلاّ سحر مبين»، إذاً فالحجج هي إرسال النبيين «لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل».
إذاً الكتابة وسيلة من وسائل التوثيق لا أنه لايحفظ إلا بها ولا تعد الحجة حجة إلا بالكتابة، فهذا لا يقوله عاقل.
خامساً: أما حديث النهي «لاتكتبوا» فيعارضه حديث «اكتبوا» والأخير في البخاري والأول في مسلم وعند التعارض، إما الجمع، وإما معرفة التاريخ، وإما الترجيح، وإما تساقط الحجج.
فان لم نسلم بالجمع، ولا أن الثاني قيل في حجة الوداع في آخر خطبه الجمهورية، والأول عند قدومه المدينة فهو ناسخ، ولا أن الثاني في البخاري فهو مقدم، ولم يختلف في رفعه بخلاف حديث أبي سعيد فقد اختلف في رفعه ووقفه.
إن لم نسمع جميع هذه الوجوه فتتساقط الحجج وتبقى الإباحة الأصلية لأن الأصل في الأشياء الإباحة وهي هنا جواز الكتابة.
سادساً: أما حكاية عمر في حبس الصحابة، فهذه رواها أحد الكذابين كما نبه على ذلك البخاري وغيره.
سابعاً: أما قول شعبة «تسعة أعشار الحديث كذب» فلا أصل بسند صحيح ولا ضعيف ولا باطل فهو من اختراعات أهل الأهواء والبدع، من الذين لا أمانة علمية عندهم.
ثامناً: أما حكاية عمر في استشارته الصحابة في الكتابة للحديث فأشاروا عليه بذلك، فهذا دليل على ناقله، لأن الصحابة اتفقوا على جواز جمعه وكتابته، ولو كانت الكتابة غير جائزة ومعلوم عندهم عدم جوازها لما افتى جمعهم بالجواز ولما استشارهم عمر، وإنما لم يقدم عمر على ذلك كما لم يقدم على كتابة وجمع المصحف مع إشارة الصحابة عليه وتردد في ذلك.
فتردد الواحد من المجتهدين من الصحابة لعلمه لا يعد مرجحاً لها على فتوى غيره المتفق عليها، لأن ما عده علة عنده هي عند غيره ليست بعلة، لأن تردد المفتي لا يقضي على فتوى الجازم.
كيف إذا كان الجازم هم جميع الصحابة:
وسبب وقوع الكتاب المعادين لحديث رسول الله في هذه الاستدلالات هو قلة التأمل في مناطات الاستدلال، ونقلها من الغير على عواهنها وأخطائها.
تاسعاً: أما الاستدلال بحديث البخاري «آتوني اكتب لكم كتاباً لاتضلوا بعده .. الحديث» فالكاتب جعل قول عمر حجة ولم يجعل قول رسول الله حجة مع أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان الكتابة منهياً عنها ومعصية فكيف يهم رسول الله بها!!
ثم كلام عمر عارضه انكار ابن عباس وهو فقيه الصحابة فقد قال: «إن الرزية كل الرزية ما منع رسول الله من أن يكتب كتابا» ولكن حذف هذا لقلة الأمانة العلمية.
عاشراً: أما حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهم يكتبون الحديث فقال... الخ.
قلت هذا موضوع منكر من طريق عبدالرحمن بن أسلم وهو مجمع على انكار حديثه بل قال الحاكم وغيره وضع أحاديث عن أبيه، ثم لو كانت هناك عقول لما استدل الكاتب لأن أبا هريرة لا يكتب حتى إنه قال أن عبدالله بن عمر يكتب ولا أكتب. ففات الكاتب هذا نظراً لعدم التمحيص لا العقلي ولا الحديثي. هدانا الله وإياه.
الحادي عشر: أما ماجاء عن عمر أنه أرسل قرضة بن كعب فالرواية الصحيحة هي أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم صححها الحافظ.
أما الرواية التي أوردها الكاتب فهي محرفة اللفظ.
ففي رواية الكاتب التي نقلها لا من مصدر أصلى «فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم ، جودوا القرآن».
هكذا تحرفت على الكاتب بخلاف ما في المستدرك وصححها ووافقه الذهبي : «فلا تبدؤوهم بالأحاديث فيشغلونكم جودوا القرآن» يعني لأنهم كثيرو الجدل، فانظر إلى هذا التحريف الخطير.
ورواية المعجم الأوسط للطبراني بدون ذكر هذا، فيه فقط أقلوا الرواية في مواضع متعددة في الأوسط.
وأخرجه ابن ماجة بلفظ أقلوا الرواية ولم يذكر الزيادة.
وصحح الحافظ هذه الرواية من سنن سعيد بن منصور بدون ما ذكره الكاتب، ولذلك ضعف ابن حزم الرواية التي أوردها الكاتب وحكم عليها بالضعف.
قلت: ورواها الرامهرمزي ولم يذكر الزيادة التي ذكرها الكاتب فهذه الرواية بهذا اللفظ الذي أوردناه عن الحاكم وغيره هو الثابت:
أما ما حرفه الكاتب أو نقله محرفاً بلا جمع للطرق والروايات فهو منكر ولذلك أخرج الدارقطني في العلل وبين أن الحديث في أكثر طرقه مضطرب.
قلت: وأخرجه كذلك الطبري عن ابن الحصين عن عمر بغير زيادة «فتصدوهم» التي ذكرها الكاتب.
قلت: ومما يؤكد هذا التحريف أن ابن وهب رواها عن سفيان عن بيان عن عامر بدون هذا ما يقيس رواية الحاكم وهكذا في جميع المصادر.
ومن نفس الطريق تحرفت في رواية ابن سعد عن سفيان وابن وهب ومن وافقه من الثقات أنقل واحفظ.. فدل على أن رواية من رواها «فتصدوهم» منكرة شاذة بل حتى الشافعي في الام ذكره بلا ذكر لهذه الرواية ونقل ذلك عن ابي يوسف وفي جامع معمر بن راشد وفي فضائل القرآن لابن سلام وعبدالرزاق الصنعاني في المصنف، كل هؤلاء اتفقوا على عدم ذكر «فتصدوهم».. فلو خالفهم أحد لكانت شاذة فأين الأمانة العلمية أم هو تحريف للكلم عن مواضعه لهوى في النفس نعوذ بالله من ذلك.
الثاني عشر: أما ما نقله الكاتب عن عمر أنه كتب إلى الأمصار «من كان عنده شيء من الروايات فليمحه».
فهي من طريق منقطع يحيى بن جعدة لم يروها عن عمر بالمباشرة بل هي منقطعة والمنقطع ضعيف ثم هي مخالفة للروايات التي سبق تخريجها عن عمر وهذا شذوذ والشاذ من أشد الأحاديث علة وضعفاً.. وجميع ما روي عنه من إحراق الروايات فلم تثبت من طرق صحيحة.
الثالث عشر: وكذا حبسه لمجموعة من الصحابة مع أنه لم يكن بالمدينة حبس أصلاً وهذه القصة موضوعة على عمر كما تقدم.
الرابع عشر: وما روي عن أبي بكر فهو كذب عليه كما بينه ابن حزم وغيره.
الخامس عشر: أما الحكاية عن علي بن ابي طالب في امره بمحو الأحاديث فان الكاتب لم يتنبه لشيء خطير جداً وهو أن الرواية من طريق جابر الجعفي رافضي كذاب.
وزاد الكاتب الطين بلة حين لم يتنبه إلى الاسم فجعله جابر بن عبدالله بن يسار بدل جابر الجعفي وهذا من العيوب الفادحة، فان من لايعرف تحريفات الاسماء والروايات كيف يتصدى ويتصدر؟!
السادس عشر: أما ما روي عن عبدالله بن مسعود أنه أحرق صحيفة فيها أحاديث فهذا من تحريف الكاتب أو من نقل عنه فان القصة أنه جيء له بواسطة بعض طلابه بصحف من أهل الكتاب وجدوها من الشأن فحرقها لأنها إسرائيليات فحرف الكاتب القصة، ولم يتتبعها أو نقلها من المستشرقين الدجاجلة، فلا حول ولا قوة إلا بالله كما أن الرواية من أصلها ضعيفة.
السابع عشر: أما أثر معاوية فهو من طريق كثير بن زيد منهم من ضعفه ومنهم من حكم عليه «بالصدوق»، ومن هذا حاله من الاختلاف فيتوقف في رواياته حتى نجد لها متابعاً وأين هو؟
الثامن عشر: أخفى الكاتب للرواية المبسوطة عن ابن عباس أو أنه نقلها ممن أخفاها وهي رواية «أما اليوم فقد تركنا الحديث».
وأشار الكاتب إلى أنها في مسلم.
قلت: هذه الرواية في مقدمة مسلم لا في أصل الكتاب وما في المقدمة ليس على شرط مسلم عند أهل الفن فكان عليه أن يقول مسلم في المقدمة حتى يكون أكثر أمانة في النقل.
ثم إنه انتقى الرواية المختصرة ولم يذكر الرواية الأخرى التي توضح معنى هذه الرواية لأن مقصود ابن عباس تركنا الحديث عن رسول الله بواسطتكم أيها المجروحون. كما توضحه الرواية الأخرى.
التاسع عشر: تجنيه على عائشة رضي الله عنها ودعواه أنها أمرت بترك الحديث والاكتفاء بالقرآن كما فهم هو من كلامها، فجعل عائشة من طائفة القرآنيين من الخوارج والباطنية وهي من المكثرين في رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روت فوق الألف كما أنها لم تعن ترك الحديث البتة: وإنما قالت لعل ابن عمر أخطأ لعله نسي إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في يهودية كان يبكي عليها أهلها فقال: «إنها لتعذب وإنهم ليبكون عليها» فانظر كيف استدلت بالحديث.. ولكن الكاتب يمعن في نسبة الأقوال والمذاهب إلى من هو منها بريء: وهذا ما حذر الله منه في القرآن بقوله: «ومن يعمل خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا».. ويكفيه هذه الآية إن كان عنده لب.. ومن باب الشيء بالشيء يذكر، فقد نسب الكاتب إلى فتوى في قضية إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبى صلى الله عليبه وسلم وكتب في بعض الصحف أني تبينت القول بردتهم وهذا كذب وزور فأنا كنت ضد هذه الفتوى معللاً ذلك أن جهلهم بالحكم يسقط عنهم تهمة الردة إلا أن عقوبة الردة مدفوعة بشبهة القصد الحسن وهو الدفاع والإنكار، وكذلك الجهل بالحكم وجمعت الفتوى من الفريقين وبينت أن الحق في المسألة التفصيل فلا يقال إنهم مرتدون ولا يقال إنهم ليسوا مخطئين. ولكن نظراً لأن الكاتب يشرب من «نهر الجنون» على حد تعبيره، ويعيش في «كهف التخلف» على حد قوله. فقد أخذ يأتيه الخبر بالإيحاء النفسي... هدانا الله وإياه .. آمين.
استاذ مقاصد الشريعة
وأصول الفقه وقواعده بجامعة الإيمان
الجمهورية / اليمن
http://www.algomhoriah.net/atach.php?id=9588
د. فضل بن عبدالله مراد >
2- 1
صدر الكاتب مقاله بآية «فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم..»، وهو من عدم التوفيق في البحث لأن الآية تنسف بحثه وأكبر حججه وهي أن السنة لم تكتب وسبب عدم كتابتها عدم حفظها.. مع أن هذه الآية نص في أن الكتابة لا تستلزم الحفظ لأن أهل الكتاب كتبوا ولم تحفظ شريعتهم فلا علاقة للكتابة بالحفظ كما سيأتي بالبسط.. وهو ما تدل عليه لغة العرب في قواميسها، في مادة (ح-ف-ظ) أن الحفظ لايلزم له الكتابة. بل هو الذكر كما في المحيط وهو ضد النسيان، وضد الغفلة.. وقال الخليل بن أحمد: الحفظ هو التعاهد، وهكذا في القاموس واللسان والمقايس والتهذيب وغير ذلك من مراجع اللغة.
ثم بين الكاتب في المقدمة أنه صرف في هذا الحديث والبحث أنفس الأيام شغل بها عن تحقيق أحلامه... وبعد سطرين نقض هذا الكلام وقال: إنه لم يعط هذا المبحث إلا فضول الوقت.. وهكذا تبدأ مسيرة التناقضات التي ستراها أيها القارىء ثم بدأ مقام الشتم والقذف وقد جمعنا الشتائم آخر الكلام لأنه لا يليق أن تفتتح البحوث بالشتائم والقذف والتجهيل ودعوى أن الأمة انقلبت عن الإسلام اشركوا بالحديث متجاوزاً الباطنية التي اقتصرت على ردة الصحابة والطعن فيهم بخلاف الكاتب، هذا مع اخفاء الحقائق، وادعاء الاستقراء، ودعوى أن هذا البحث له وليس كذلك ، بل هو أصلاً لليهودي جولد شيهر ولفيف من المستشرقين وهو ما سنتبينه إن شاء الله في الأيام القادمة أما الآن فإلى الموضوع.
إبطال أهم ما ظن أنها حجج لإبطال سنة رسول الله قوله وفعله وتقريراته وتتلخص في أمور:
أولاً: دعواه أن السنة في لغة العرب هي السنة العملية: وهذا في حقيقة الأمر خطأ على لغة العرب وتزييف للحقائق إذ إن جميع علماء اللغة من أهل القواميس عرف السنة بأنها الطريقة، والطريقة من المعلوم أنها شاملة للأقوال والأفعال لأنها مجموع المنهج الذي يسير عليه الشخص في تصرفاته القولية والعقلية بل صرح ابن منظور في لسان العرب والزبيدي في تابع العروس مايدل دلالة صريحة على أن السنة هي الحديث قائلاً: والكتاب والسنة: أي القرآن والحديث، فمن نصدق الآن النقل من أئمة اللغة أم النقل من كتيبات المستشرقين.
ثانياً: دعواه أن أول من جاء بالسنة بمعنى شامل للأقوال والأفعال هو الشافعي، وليت الكاتب اقتصر على هذا بل بسط لسانه بالهمز واللمز للشافعي زاعماً أنه عمل «خلطة الحروي» فماذا نقول: «إنَّ الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا» «ويل لكل همزة لمزة»، وأريد أن أوضح هنا أن مصطلح اطلاق السنة على الأقوال قديم جداً من عصر الصحابة، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثاً» قال أنس لما سئل عن هذا قال: من السنة فانظر كيف سمى السنة على قول رسول الله.
وهكذا سمى ابن عباس قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة من السنة وهي قول، وهكذا قال تميم الداري لرسول الله ما السنة إذا اسلم على يد أحدنا رجل قال رسول الله هو أولى به في حياته ومماته، صحيح ابن ماجة ، والأولان في البخاري ومسلم وغيرهما، فانظر كيف سماها سنة سائلاً رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهكذا قال الأوزاعي أمام جماعات من التابعين.. إنهم كانوا يثبتون الصفات الواردة في السنة.. ومعلوم أن جميع أحادث الصفات أقوال، ذكره الذهبي في العلو وقال الحافظ جيد السند، وهكذا قال علي بن أبي طالب: السنة لا يقتل مسلم بكافر كما في المصنف، فسمى قوله صلى الله عليه وسلم «لا يقتل مسلم بكافر سماه سنة» وهو قول.
وقال سعيد بن المسيب: مضت السنة «أن اليمين على المدعى عليه» يشير إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» فسماها سنة.. وقالت عائشة: السنة عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة، وهذا هو قول رسول الله سمته سنة:
وقال الأوزاعي: «في الحرائر مضت السنة فيهن أن امرت بالعدة» أخرجه الترمذي.. وقال عبدالله بن عمر: «السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا» فسمى قوله صلى الله عليه وسلم «المتبايعين بالخيار مالم يتفرقا» سماه سنة فاعتبروا يا أولي الأبصار وقال سهل ابن سعد في ولد الملاعنة «جرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها» وهذا قول عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله إنما أمر به المتلاعنين.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي تيمم وصلى ثم وجد الماء ولم يعد الصلاة «أصليت السنة»، وهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل أن الإقرار سنة ثم ما هي السنة التي أصابها الصحابة.
السنة هي أخلاق القرآن «فلم تجدوا ماءً فتيمموا» ولم يفصل أن من وجد ماءً في الوقت أن يعيد، فالسنة هنا هي قوله تعالى: «فلم تجدوا ماءً فتيمموا»، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاتزال هذه الأمة بخير ما عجلوا الإفطار» قال إبراهيم من السنة تعجيل الإفطار فسمى قوله صلى الله عليه وسلم سنة.
وقال مكحول في زكاة الحلي من الذهب والفضة من السنة، وهو قول وأمر رسول الله بتسمية القبور سماها أبو مجلز من السنة.
وقال علي بن أبي طالب في رجل استفتاه أنه تزوج امرأة على أن عليها الصداق وبيدها الفرقة والجماع، فقال علي: «خالفت السنة ووليت الأمر غير أهله، عليك الصداق وبيدك الجماع والفرقة وذلك السنة».
وهذه السنن قولية بالنص.. وسالم أو نافع حينما سئل عن سكوت ابن عباس في الدعاء ماذا كان يقول أما من السنة فلا فسمى القول سنة
وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في «من أعتق شركاً له في عبده» الحديث قال السنة، وقال ابن المسيب في حديث رسول الله «لايرث القاتل» مضت السنة أن القاتل لايرث.
وسمى عمرو أبو سعيد في محضر من الصحابة قوله صلى الله عليه وسلم «يستأذن أحدكم ثلاثاً فإن أذن له وإلا رجع»، سموها جميعاً سنة وهو حديث قولي: صحيح أخرجه الأئمة..
وقال عبدالله بن مسعود في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلق الرجل المرأة طاهراً في غير جماع، قال طلاق السنة وهذا قول.
وهكذا حمل الجنازة بجوانب السرير كلها أمر به صلى الله عليه وسلم قولاً فقال ابن مسعود من السنة .
وقال الزهري السنة «بأن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية»، وهذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد.
وخطب ابن الزبير على المنبر فيمن أدرك الإمام راكعاً أنه يركع إنها السنة فسماها سنة مع أنها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقريره لأنه أمر بذلك، وأقر، ولم يفعله.
أخرجه الحاكم على شرط النسختين وصححه الألباني.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسول مسيلمة «لولا أنك رسول لقتلتك» ، فقال ابن مسعود راوي الحديث «جرت السنة يومئذ ألاَّ يقتل رسول» حاكم صحيح فسمى قول رسول الله سنة، وتركه سنة.
قلت: وممن استعمل هذا المصطلح أعني السنة على الأقوال والأفعال مالك وملأ بذلك الموطأ وهو قبل الشافعي وسنجد أن في القرآن الكريم أن الله تعالى سمى حكمه القولي سنة وهو قوله تعالى: «ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له».. فهذا حكم قولي عام ينهي الأنبياء عن التحرج ثم يخبر الله أن هذا الحكم ليس مقتصراً على النبي ولم يفرض على النبي وحده بل أمر بذلك من سبق حتى صار قوله تعالى «ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له» سنة ولذلك قال بعدها سنة الله.
إذاً فسنة الله هي قوله المتقدم الذي أصبح قاعدة مطردة، وكذلك ذكر الله استهزاء المستهزئين بالرسل ونبه رسوله حتى لا يتعجب أن هذا الاستهزاء سنة الأولين.
والاستهزاء هو بالأقوال أكثر منه بالأفعال بل لا يتبادر إلاّ بالقول،
إذاً نستفيد مما سبق أن السنة في استعمال العرب من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وتابعيهم هي الأقوال والتعريفات، كما أنها الأفعال بل هي لغة القرآن ونص علماء اللغة.
وما نقلناه من الأقوال في ذلك هو البعض وبقي كثير جداً ونكتفي بما تقدم لبلوغه حد التواتر المستفيض الذي لا ينكره من له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد، فإن أنكره منكر فخطابنا بعد مع العقلاء لا مع أهل الأخذ.
ثالثاً: دعواه أن في الصحابة منافقين، وأن هؤلاء الصحابة رووا عن المنافقين أحاديث دسوها في دين الله، والمنافقون لا يعلمهم إلاّ الله لقوله «لاتعلمهم نحن نعلمهم».
قلت: وما أكبر هذه الفرية على دين الله في عقل صاحبها وردها للعاقل:
1 - إن علم الله بالمنافقين معناه أنه سيحرس منهم الدين ولا يمكن أن يتلاعبوا به، فهذا هو ما تدل عليه الآية فالآية حجة عليه ولكن لا يفقهون.
2 - ولو أكمل الآية سيتبين أن الله أحاط بهم فعذبهم ونكل بهم ولم يمهلهم أن يدسوا في الدين «سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم».
3 - إن الله عرف أعمالهم وأقوالهم لرسوله والمؤمنين فقال: «ولتعرفنهم في لحن القول» فعرف الله لرسوله والمؤمنين جميع أقوال أهل النفاق بل حتى لحن القول وهو أخفى من القول كشفه الله تعالى فكيف يستطيعون الدس وهم مكشوفون!! وأقوالهم مكشوفة.
4 - إن الله ذكر بعد هذه الآية بآية واحدة أنه أحبط جميع الأعمال والمؤامرات التي يقوم بها أهل النفاق بلفظ المضارع «إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم» 32 محمد.
وهذا السياق كله في أهل النفاق لأنهم شاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى فحكم الله عليكم بأمرين:
1 - لن يضروا الله شيئاً ومعناه قطعاً ضرر دينه لأنه لايضره أحد ذاتاً.
2 - الحكم الثاني، وسيحبط أعمالهم، يعني كل مؤامراتهم الآتية والمعبر عنها بالسين التي تدل على المستقبل كل أعمالهم ومن ضمنها مؤامراتهم على الدين سيحبطها.
5 - إن الله قال بعد الآية «ولتعرفنهم في لحن القول» «ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين» ونبلو أخباركم، وهذا التمحيص والابتلاء هو للفضح وبيان المؤمن وفضح المنافق ونبلو أخباركم يعني يكشف خبركم في الأقوال والأعمال فلا يبقى منافق إلا كشف الله أخباره للناس.
6 - إن الله ذكر المنافقين في سورة النساء وأنهم سيهزمون ويخوضون في مجالسهم فأمر المؤمنين بعدم مجالستهم وتركهم ثم بيّن تربصهم بالمؤمنين الذين يتربصون بكم.. ثم طمأن المؤمنين في آخر الآية بقوله «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا».
فهؤلاء المنافقون والكافرون لا يمكن أن يجعل الله لهم على أهل الإيمان سبيلاً، ومنه تحريف الدين وإدخال ما ليس منه.
7 - قوله تعالى عن المنافقين «يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون».
فجميع دسائس المنافقين وضياع المؤمنين ديناً ودنيا فاشل يعود على أنفسهم بالضرر لا على الدين فلا يضرون دين الله ولا يخدعون أي مؤمن.. إذاً هذه الآية أمان من الله للمؤمنين أن الله يدافع عنهم بأي خداع يخدعهم المنافقون.
8 - «أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم».
هذا نص على أن جميع ما يبطنه المنافقون من خداع كله مفضوح يخرجه الله ويكشفه.
9 - وقال عن المنافقين: «قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون».
وما يحذر من المنافقون هو كل دسيسة في الدين أو فعل منكر فوعد الله أنه يخرج هذه الدسائس ويفضحها.
10 - «إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم»، معنى يخادعون الله أي ما يظهرون من الإيمان ويدسون في الدين من الكفر الله خادعهم ولا يمكن أن يخدعوه بذلك.
11 - قوله تعالى بعد صفحات من ذكر أنواع المنافقين «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».
فهذا إذاً كشف واضح أمام أعين الجميع.
12 - قوله تعالى «إن الله لا يصلح عمل المفسدين» فهذا نص في أن كل عمل إفسادي من المنافقين أو المشركين أو مرض القلوب الرامية إلى إفساد الدين باطلة.
وبعد هذه الأدلة الدامغة من القرآن هل سيتوب هؤلاء عن جناياتهم أم أنهم سيلبسون لباس الكبر فتحق عليهم سنة الله في كل من أعرض عن آياته.،
وأختم هذا الاستدلال الوافر المتكاثر بدليل العقل هو أن بني إسرائيل عرفوا البقرة بصفات معدودة.
- صفراء فاقع لونها تسر الناظرين.
- متوسطة العمر.
- مسلمة لا شية فيها.
قالوا بعد هذا «قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها».
وقد جئتك أيها القارىء باثني عشر دليلاً وواحد آتي من القرآن تبين قطعاً أن الله لايمكن أن يترك دسائس أهل النفاق ومؤامراتهم تشوه الدين وتخلط الحق بالباطل.
فإن كان أصحاب هذه الشبهة من اليهود والنصارى المستشرقين كما هي الحقيقة، فنطالبهم أن يقولوا كما قال أجدادهم «الآن جئت بالحق»، وإن كانت الشبهة من قراء كتبهم من إخواننا الطيبين المغرورين بهم فقبولهم الحق أولى، هدانا الله وإياهم، وأزيدهم فأقول: إن وصف الله للمنافقين في أقوالهم وأعمالهم بلغ عشرات الأوصاف فهل يبقى عامي ساذج لا يعرفهم إلا إذا كان متخلفاً عقلياً فضلاً عن صحابة رسول الله أهل الرضوان والقيادة للأمة. إذاً فاطمئنوا ياشباب الإسلام على دينكم: وإذا كنت أنا وأنت لايمكن أن نصدق من عرفنا عنه الكذب فكيف بالصحابة أن ينطلي عليهم من اجتمع فيهم الكذب، والخيانة، والغدر، والتخلف عن الصلاة، والتآمر، والاستهزاء بالدين، وموالاة الكافرين، ودس الدسائس والتعاون مع الأعداء، والرياء، والاستهزاء بالمتطوعين من المؤمنين، والاستهزاء بالرسول، والاستهزاء بحملة القرآن، والاعتذار عن القتال، وتشكيكه في وعد الله والتحاكم إلى الطاغوت، والشماتة إذا أصاب المسلمين مصيبة والاستياء إذا أصابتهم حسنة، وأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف، وكل هذه الصفات وأكثر في سورة واحدة هي الفاضحة «براءة»، هذا وقد قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا».. فهل المنافقون الفسقة بعد هذا الفضح يمكن أن ينطلي دسهم على الصحابة؟
إن الذي يقول: نعم .. أظن أنه في عالم غير العقلاء، أو أنه يدعي أن الصحابة جميعاً متخلفون عقلياً سذج ولم ينقذهم الله بهذا الكاتب ليعالجهم!! أو أنه عدو للإسلام والمسلمين تلميذ لليهود والنصارى والباطنية، أو جاهل.. نسأل الله أن يعلمنا وإياه الحق.
رابعاً: حول كتابة السنة:
قالوا النهي عن كتابة الحديث دليل على أنه لم يحفظ، وما لم يحفظ ليس بحجة.
قلت: هاتان مقدمتان قياسيتان:
- لم يكتب، وكل ما لم يكتب فليس بحجة، إذاً الحديث غير حجة.
- لم يحفظ وكل ما لم يحفظ فليس بحجة، إذاً الحديث ليس بحجة.
أما الأولى: فمعارضة بمثلها: أمروا بالكتابة، وكل ما كتب حجة، إذاً الحديث حجة وكذلك الثانية.
لأنها دعاوى نزاعية وليست مسلمات والمقدمات المنطقية يجب أن تكون مسلمة بين المتنازعين.
ثم كيف يجعل محل النزاع دليلاً، وهذا مردود في المناظرات ويسمى المصادرة ووجه آخر لإبطالها.
هل الحجة لا تكون حجة إلا بالكتابة؟ هذه دعوى مخالفة لمنطق العقل ووقائع الحال وشواهد الشريعة.
فمثلاً: «شهادة الشهود، وإقرار المقر على نفسه» هي الحجج بإجماع سواء كتبت أو لا، كذلك القياسات المنطقية والعقلية مثل «الجزء أصغر من الكل»، والعالم حادث وكثير جداً حجج سواء كتبت أم لا.
وقد أرسل الله رسلاً إلى أقوامهم بدون كتب أصلاً وبلا معجزات ، كما أخبرنا في القرآن كنوح عليه السلام، وهود، ولوط، وغيرهم وكانوا حججاً على أقوامهم «لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل»، ولو كانت الحجة بحاجة إلى كتاب لأنزل عليهم ذلك.
- ومن الأدلة على أن الكتابة لا تؤثر في الحجية ولا في الحفظ، أن التوراة والإنجيل مكتوبة بنص القرآن ولكن مع هذا التوثيق بالكتابة فلم تحفظ بل حرفت وبدلت فهذا دليل على أنه يمكن أن يكتب الشيء ولا يحفظ.
بل الكتابة قد يصيبها أحياناً التحريف لذلك احتجنا إلى استدعاء الشهود عند إرداة التوثق ولذلك لما أمر الله بكتابة الدين ختم الآيات بقوله: «فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته».
فمدار الحفظ على عدالة الشاهد، وأمانته، لذلك أمر الله الشهود إذا دعوا ألاّ يتخلفوا مع أنه مكتوب، فقال بعد ذكر كتابة الدين «ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولاتسأموا أن تكتبوه»، فلماذا يستدعى الشهود مع وجود الكتابة، إلاّ للتوثيق؟.. فإذا حصل التوثيق بين المتداينين بأمانة بعضهم، فلا حاجة لشهود ولا لرهون إلا كتابات.
ولذلك صرح علماء الحديث أنه هو نص عالم إمام حافظ على أن فلان لم يسمع من فلان ولم يخالفه غيره في ذلك ثم وجدنا نسخة فيها التصريح بالسماع بينهما فنجزم على أنه تصحيف لتصريح الأئمة بذلك، لذلك لم يعتمد العلماء قط على نخسة إلا مقابلة على أصول معتمدة.
بل إن أول طرق التلقي العلمي والتوثيق السماع والمشاهدة، والحفظ في القلب «ولاتقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا»، وهذه أشعار العرب ودواوينها لم تزل حجة في لغة العرب ولم تدون إلى وقت قريب، وقد يستدل أحد بقوله تعالى: «قل فأتوا بكتاب من عند الله... الآية.
قلت: قال تعالى: «الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب» معنى لفظ القرآن لأن الله لم ينزل مصحفاً، ولذلك أشار الله إلى أن العبرة ليست بالقراطيس المكتوبة حتى تقوم الحجة: «ولو نزلنا عليكم كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلاّ سحر مبين»، إذاً فالحجج هي إرسال النبيين «لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل».
إذاً الكتابة وسيلة من وسائل التوثيق لا أنه لايحفظ إلا بها ولا تعد الحجة حجة إلا بالكتابة، فهذا لا يقوله عاقل.
خامساً: أما حديث النهي «لاتكتبوا» فيعارضه حديث «اكتبوا» والأخير في البخاري والأول في مسلم وعند التعارض، إما الجمع، وإما معرفة التاريخ، وإما الترجيح، وإما تساقط الحجج.
فان لم نسلم بالجمع، ولا أن الثاني قيل في حجة الوداع في آخر خطبه الجمهورية، والأول عند قدومه المدينة فهو ناسخ، ولا أن الثاني في البخاري فهو مقدم، ولم يختلف في رفعه بخلاف حديث أبي سعيد فقد اختلف في رفعه ووقفه.
إن لم نسمع جميع هذه الوجوه فتتساقط الحجج وتبقى الإباحة الأصلية لأن الأصل في الأشياء الإباحة وهي هنا جواز الكتابة.
سادساً: أما حكاية عمر في حبس الصحابة، فهذه رواها أحد الكذابين كما نبه على ذلك البخاري وغيره.
سابعاً: أما قول شعبة «تسعة أعشار الحديث كذب» فلا أصل بسند صحيح ولا ضعيف ولا باطل فهو من اختراعات أهل الأهواء والبدع، من الذين لا أمانة علمية عندهم.
ثامناً: أما حكاية عمر في استشارته الصحابة في الكتابة للحديث فأشاروا عليه بذلك، فهذا دليل على ناقله، لأن الصحابة اتفقوا على جواز جمعه وكتابته، ولو كانت الكتابة غير جائزة ومعلوم عندهم عدم جوازها لما افتى جمعهم بالجواز ولما استشارهم عمر، وإنما لم يقدم عمر على ذلك كما لم يقدم على كتابة وجمع المصحف مع إشارة الصحابة عليه وتردد في ذلك.
فتردد الواحد من المجتهدين من الصحابة لعلمه لا يعد مرجحاً لها على فتوى غيره المتفق عليها، لأن ما عده علة عنده هي عند غيره ليست بعلة، لأن تردد المفتي لا يقضي على فتوى الجازم.
كيف إذا كان الجازم هم جميع الصحابة:
وسبب وقوع الكتاب المعادين لحديث رسول الله في هذه الاستدلالات هو قلة التأمل في مناطات الاستدلال، ونقلها من الغير على عواهنها وأخطائها.
تاسعاً: أما الاستدلال بحديث البخاري «آتوني اكتب لكم كتاباً لاتضلوا بعده .. الحديث» فالكاتب جعل قول عمر حجة ولم يجعل قول رسول الله حجة مع أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان الكتابة منهياً عنها ومعصية فكيف يهم رسول الله بها!!
ثم كلام عمر عارضه انكار ابن عباس وهو فقيه الصحابة فقد قال: «إن الرزية كل الرزية ما منع رسول الله من أن يكتب كتابا» ولكن حذف هذا لقلة الأمانة العلمية.
عاشراً: أما حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهم يكتبون الحديث فقال... الخ.
قلت هذا موضوع منكر من طريق عبدالرحمن بن أسلم وهو مجمع على انكار حديثه بل قال الحاكم وغيره وضع أحاديث عن أبيه، ثم لو كانت هناك عقول لما استدل الكاتب لأن أبا هريرة لا يكتب حتى إنه قال أن عبدالله بن عمر يكتب ولا أكتب. ففات الكاتب هذا نظراً لعدم التمحيص لا العقلي ولا الحديثي. هدانا الله وإياه.
الحادي عشر: أما ماجاء عن عمر أنه أرسل قرضة بن كعب فالرواية الصحيحة هي أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم صححها الحافظ.
أما الرواية التي أوردها الكاتب فهي محرفة اللفظ.
ففي رواية الكاتب التي نقلها لا من مصدر أصلى «فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم ، جودوا القرآن».
هكذا تحرفت على الكاتب بخلاف ما في المستدرك وصححها ووافقه الذهبي : «فلا تبدؤوهم بالأحاديث فيشغلونكم جودوا القرآن» يعني لأنهم كثيرو الجدل، فانظر إلى هذا التحريف الخطير.
ورواية المعجم الأوسط للطبراني بدون ذكر هذا، فيه فقط أقلوا الرواية في مواضع متعددة في الأوسط.
وأخرجه ابن ماجة بلفظ أقلوا الرواية ولم يذكر الزيادة.
وصحح الحافظ هذه الرواية من سنن سعيد بن منصور بدون ما ذكره الكاتب، ولذلك ضعف ابن حزم الرواية التي أوردها الكاتب وحكم عليها بالضعف.
قلت: ورواها الرامهرمزي ولم يذكر الزيادة التي ذكرها الكاتب فهذه الرواية بهذا اللفظ الذي أوردناه عن الحاكم وغيره هو الثابت:
أما ما حرفه الكاتب أو نقله محرفاً بلا جمع للطرق والروايات فهو منكر ولذلك أخرج الدارقطني في العلل وبين أن الحديث في أكثر طرقه مضطرب.
قلت: وأخرجه كذلك الطبري عن ابن الحصين عن عمر بغير زيادة «فتصدوهم» التي ذكرها الكاتب.
قلت: ومما يؤكد هذا التحريف أن ابن وهب رواها عن سفيان عن بيان عن عامر بدون هذا ما يقيس رواية الحاكم وهكذا في جميع المصادر.
ومن نفس الطريق تحرفت في رواية ابن سعد عن سفيان وابن وهب ومن وافقه من الثقات أنقل واحفظ.. فدل على أن رواية من رواها «فتصدوهم» منكرة شاذة بل حتى الشافعي في الام ذكره بلا ذكر لهذه الرواية ونقل ذلك عن ابي يوسف وفي جامع معمر بن راشد وفي فضائل القرآن لابن سلام وعبدالرزاق الصنعاني في المصنف، كل هؤلاء اتفقوا على عدم ذكر «فتصدوهم».. فلو خالفهم أحد لكانت شاذة فأين الأمانة العلمية أم هو تحريف للكلم عن مواضعه لهوى في النفس نعوذ بالله من ذلك.
الثاني عشر: أما ما نقله الكاتب عن عمر أنه كتب إلى الأمصار «من كان عنده شيء من الروايات فليمحه».
فهي من طريق منقطع يحيى بن جعدة لم يروها عن عمر بالمباشرة بل هي منقطعة والمنقطع ضعيف ثم هي مخالفة للروايات التي سبق تخريجها عن عمر وهذا شذوذ والشاذ من أشد الأحاديث علة وضعفاً.. وجميع ما روي عنه من إحراق الروايات فلم تثبت من طرق صحيحة.
الثالث عشر: وكذا حبسه لمجموعة من الصحابة مع أنه لم يكن بالمدينة حبس أصلاً وهذه القصة موضوعة على عمر كما تقدم.
الرابع عشر: وما روي عن أبي بكر فهو كذب عليه كما بينه ابن حزم وغيره.
الخامس عشر: أما الحكاية عن علي بن ابي طالب في امره بمحو الأحاديث فان الكاتب لم يتنبه لشيء خطير جداً وهو أن الرواية من طريق جابر الجعفي رافضي كذاب.
وزاد الكاتب الطين بلة حين لم يتنبه إلى الاسم فجعله جابر بن عبدالله بن يسار بدل جابر الجعفي وهذا من العيوب الفادحة، فان من لايعرف تحريفات الاسماء والروايات كيف يتصدى ويتصدر؟!
السادس عشر: أما ما روي عن عبدالله بن مسعود أنه أحرق صحيفة فيها أحاديث فهذا من تحريف الكاتب أو من نقل عنه فان القصة أنه جيء له بواسطة بعض طلابه بصحف من أهل الكتاب وجدوها من الشأن فحرقها لأنها إسرائيليات فحرف الكاتب القصة، ولم يتتبعها أو نقلها من المستشرقين الدجاجلة، فلا حول ولا قوة إلا بالله كما أن الرواية من أصلها ضعيفة.
السابع عشر: أما أثر معاوية فهو من طريق كثير بن زيد منهم من ضعفه ومنهم من حكم عليه «بالصدوق»، ومن هذا حاله من الاختلاف فيتوقف في رواياته حتى نجد لها متابعاً وأين هو؟
الثامن عشر: أخفى الكاتب للرواية المبسوطة عن ابن عباس أو أنه نقلها ممن أخفاها وهي رواية «أما اليوم فقد تركنا الحديث».
وأشار الكاتب إلى أنها في مسلم.
قلت: هذه الرواية في مقدمة مسلم لا في أصل الكتاب وما في المقدمة ليس على شرط مسلم عند أهل الفن فكان عليه أن يقول مسلم في المقدمة حتى يكون أكثر أمانة في النقل.
ثم إنه انتقى الرواية المختصرة ولم يذكر الرواية الأخرى التي توضح معنى هذه الرواية لأن مقصود ابن عباس تركنا الحديث عن رسول الله بواسطتكم أيها المجروحون. كما توضحه الرواية الأخرى.
التاسع عشر: تجنيه على عائشة رضي الله عنها ودعواه أنها أمرت بترك الحديث والاكتفاء بالقرآن كما فهم هو من كلامها، فجعل عائشة من طائفة القرآنيين من الخوارج والباطنية وهي من المكثرين في رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روت فوق الألف كما أنها لم تعن ترك الحديث البتة: وإنما قالت لعل ابن عمر أخطأ لعله نسي إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في يهودية كان يبكي عليها أهلها فقال: «إنها لتعذب وإنهم ليبكون عليها» فانظر كيف استدلت بالحديث.. ولكن الكاتب يمعن في نسبة الأقوال والمذاهب إلى من هو منها بريء: وهذا ما حذر الله منه في القرآن بقوله: «ومن يعمل خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا».. ويكفيه هذه الآية إن كان عنده لب.. ومن باب الشيء بالشيء يذكر، فقد نسب الكاتب إلى فتوى في قضية إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبى صلى الله عليبه وسلم وكتب في بعض الصحف أني تبينت القول بردتهم وهذا كذب وزور فأنا كنت ضد هذه الفتوى معللاً ذلك أن جهلهم بالحكم يسقط عنهم تهمة الردة إلا أن عقوبة الردة مدفوعة بشبهة القصد الحسن وهو الدفاع والإنكار، وكذلك الجهل بالحكم وجمعت الفتوى من الفريقين وبينت أن الحق في المسألة التفصيل فلا يقال إنهم مرتدون ولا يقال إنهم ليسوا مخطئين. ولكن نظراً لأن الكاتب يشرب من «نهر الجنون» على حد تعبيره، ويعيش في «كهف التخلف» على حد قوله. فقد أخذ يأتيه الخبر بالإيحاء النفسي... هدانا الله وإياه .. آمين.
استاذ مقاصد الشريعة
وأصول الفقه وقواعده بجامعة الإيمان
الجمهورية / اليمن
http://www.algomhoriah.net/atach.php?id=9588