المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفرق بين البحث، والنسخ، والسرقة - للشيخ محمد بن ابراهيم الريحان



محارب الروافض
03-27-2008, 06:15 PM
الفرق بين البحث، والنسخ، والسرقة - للشيخ محمد بن ابراهيم الريحان وفقه الله


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

فإن من توفيق الله تعالى لطالب العلم أن يحسن الفرق بين البحث، والنسخ، والسرقة، وذلك حين يكتب أي رسالة، فيفهم متى كان البحث بحثاً، ومتى كان النسخ نسخاً، ومتى يكون كذلك مجرد سرقة.

أما من حرم التوفيق، فلا يفرق بين ذلك، ويظن أنه قد أحسن وأجاد، وفي هذا الموضوع بيان عن هذه السبل التي تفرق بين ما ذكرنا، حتى يتدارك طالب العلم نفسه، ويكون من أهل التوفيق إن شاء الله تعالى.


والمراد من هذا الموضوع بيان بعض ما يتعلق بمنهج البحث في زماننا هذا، ولا أريد منه ما كان عليه الأوائل، فذلك له موضع آخر، وأظن أن فيه فائدة ينتفع منها بعض طلبة العلم، فأكثر من يكتب هنا إنما هم من طلبة العلم المتميزين، أو في طريقهم إلى التميز، نفعني الله بما كتبوا.


فأول ما يجب عليك أن تعرف أن الفائدة من البحث هي:

1- تحقيق مسألة علمية لنفسك ولغيرك: وهذه أهم فائدة في البحث، فالغرض من البحث هذه الفائدة، أما إذا دخلت المسألة، وخرجت بلا فائدة، أو المسألة ليست من ورائها فائدة: فلا يحبذ هذا البحث، ولا يحبذ أن يشغل طالب العلم نفسه بهكذا مسائل.

واستطراداً، قلت مراراً: أنا لم أبحث مسألة الغناء، لأنه لا فائدة من هذا العناء والبحث عندي، إذ التحريم قد قال به غيري، والتحليل قد قال به غيري أيضاً، ومن هؤلاء أئمة، ومن أولئك أئمة أيضاً، فمن أنا ليحتاج أحد مني بحث مسألة تكلم عليها أئمة، فما أنا إلا طالب علم فقط، فلذلك لا أبحث مثل هذه المسائل.

أما مذهبي فيها وعملي لنفسي: أنني لا أسمعها، وأرى أنها مفسدة للقلوب، بما فيها من كلام فاحش، وفسق، ورذيلة، ودعوى إلى كل فساد.

فإشاعة الفاحشة من كل شيء عندي حرام، سواء من غناء، أو كلام، أو رسالة، أو أي شيء كان، ومحبة الفاسق، أو القائل بالفسق أو كلامه عندي محبة فاسدة، والواجب بغض فعله، وألا أعينه على الباطل بأن اشتري بمالي الحلال ما يدعو إلى حرام، أو ما فيه كلام فاحش.

وكل من سهل على المسلمين رذيلة، أو ساق لهم رذيلة، أو علمهم رذيلة، أو نبههم على رذيلة، فهو ساقط عندي، سواء كان مغني، أو غيره.

وكل توصيف لامرأة بما لا يجوز ذكره فحرام، لا يجوز نشره، ولا إنشاده، ولا الغناء به، وذلك بأن يصف الجسد وبعض ما يجب حجبه عن الغير.

فلأجل ذلك لا أرى تضييع الوقت في هذه المسائل التي تقدم لها أئمة من الطرفين، فحق طلبة العلم التأخر إن كانوا لا يرون فائدة ترجى من هذا البحث، فكل هذه المسائل سواء صحت تلك النصوص، أو لم تصح، فإنها مطلوبة شرعاً، ويحمل بعضها على بعض، ليصح المعنى منها ..

وقد يخالفي بعضكم أو أكثركم، وإنما هذا رأيي الشخصي في بيتي وأهلي، حتى أتفرغ لبحث هذه المسألة تفصيلاً بحول الله وقوته إذا ظهرت لي فائدة من ذلك، فإن كانت أدلة الإباحة صحيحة، وأدلة التحريم لا يصح منها شيء، فالواجب النظر في النصوص الأخرى، والجمع هذه النصوص كلها، والقول بما نتج عنها.

2- تحرير المسألة وإزالة الغموض فيها: أي تحرير مسألتك التي تريد الكلام عنها، وتزيل الغموض الذي قد يرافقها عند بعض طلبة العلم، فتبرزها لهم بشكل ظاهر جلي.

3- إضافة الجديد الذي لم يكن ظاهراً في المسألة: وذلك حين تشرع في بيان المسألة، وترى قول الناس فيها، فتدرك أن هناك بعض الأمور التي تركت في البحث، ولم يتعرض لها الناس، وهي محل اتفاق بينهم.

وقد ذكرت مرة مثل هذا في مسألة من مسائل الاعتقاد، فظن أحدهم أني استحدثت مسألة جديدة لم تكن موجودة، وهي موجودة بالضرورة من نصوص الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالعلماء لا يتكلمون في مسألة متفق عليها إذا عرضوا للخلاف، ومنهم من يذكر ذلك، ومنهم من لا يذكره، وكان غالب السلف ممن سمع بهذه المسائل التي اختلف فيها الناس يذكر قوله في تلك المسألة المختلف فيها، أما غيرها مما له تعلق بها ولم يتكلم عليها أحد، فإنهم لا يتكلمون عنها، فهذه مسائل لا يختلف فيها لقيام البرهان الضروري على وجوبها أو تحريمها، وإنما اختلفوا في غير هذا المكان، مما كان محتملاً.

وهذا المكان تكتشف فيه من كان مطلعاً، ومن كان غير مطلع، ويدخلها الظن السيء أيضاً بمن حرر تلك المسائل.

4- إيصال المسألة بشكل حسن: وذلك بحسن العرض والطرح للمسألة، حتى يفهمها من يقرأ، فقد تزيل غموض بحسن العبارة، واختيار الألفاظ، وترتيب المسائل، في الفصول والمباحث، والمسائل، حتى تظهر للقارئ بشكل مقبول، مترابط، بحيث يفهم علاقة المبحث الأول بالثاني، والثاني بالثالث.

5- أن تعصم نفسك من أن تكون إمعة: وذلك بأن تحافظ على عقلك وقلبك من اتباع قول الغير بلا علم، وبلا معرفة بالوجه الذي جعل قوله كذا وكذا، فإن كان قوله مؤيداً بالبراهين، فتأخذ به وأنت مرتاح، وإن لم يكن، فلا تضل بما ضل به غيرك.

وقد يأتي طالب العلم وهو يظن أنه كتب بحثاً، فإذا نظرت لما كتب، وجدته: نسخاً، أو سرقة .. !

وذلك أن أكثر طلبة العلم لا يكتبون الأبحاث، وإنما يعتمدون قراءة المتون طوال أيام حياتهم، ولو قلت له أكتب بحثاً لما عرف منهجيته.

وليست هنا المشكلة فقط، بل أكثرهم يحشد الأقوال والنقول كما هي، باعتبار أن هذه أمانة في النقل والبحث !
وقد كان له أن يختصر ما فيها، ويضعه بأسلوب جديد، وأما الأمانة في النقل، فإن الباحث لا يسلم له فهمه، إلا إذا ذكر قول الناقل عنه إما في متن بحثه، أو في الهامش، وذلك ليقف القارئ على قول المنقول عنه، ويقارنه بما فهمه الباحث، فكم من باحث يفهم ما لا يريد المنقول عنه، فلا تكون مسألة الأمانة بالنقل هي حجة من ترك الصياغة الجديدة للبحث، أو للمسألة.

واذكر حين كنت أكتب رسالتي في النسخ، فإن أهل اللغة تكلموا عن النسخ، وكانت لهم اصطلاحات عدة، ولكن يجمعها شيء واحد، وهو:

أن النسخ إما أن يأتي بمعنى الإزالة والإبدال، وإما أن يأتي بمعنى النقل والتحول، فهذا المعنى تدركه أنت أثناء بحثك، فتضع هذا الفهم، وتبين وجهه من كلام أئمة اللغة.

ويمكنك أن ترى قولهم في الإزالة مع البدل، وتبين عدم اشتراطه في اللغة، وقد تزول أمة بأكملها، وقرية بمن فيها، ولا يقول بدلها، وقد يقوم.

أو تبين أن المعنى عند فلان يجمع كل ما قاله أئمة اللغة، وتبين وجه هذا الجمع من ذلك المعنى الذي قاله من نقلت عنه، وتوضح كيف كان الجمع بالمثال.

أما أن تضع في بحثك: قال ابن فارس، وقال ابن الأعرابي، وقال كذا، ثم لا توفق بينها، ولا تميز الفروق في تعريفهم فلم تقدم لنا شيئاً نستفيد منه، فهذا نسخ فقط، وليس بحث في هذا المعنى.


وكذلك الأمر في التعريف الاصطلاحي، فهناك علاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي، لا بد للباحث من إبرازها للقارئ، ولا يتركها هملاً تفوت طالبها.

وكذلك في التعريف الاصطلاحي طرق واهية كذكر التعريف ونسبته للمذهب، وهذا خطأ، فالتعريف ينسب لقائله، ولا ينسب للمذهب، فلعل المذهب له قول آخر، وأن هذا الرجل عرفه بما يراه هو، فتكون نسبة باطل.

فإن وضعت التعريف الاصطلاحي فعليك أن تعرف ما فيه من قيود وشروط، وتقارن بينه وبين تعريف غيره، لتعرف الفروق، وما يتفقان عليه، فهنا يمكنك أن تقول في أول التعريف الاصطلاحي: أكثر الفقهاء على أن تعريف كذا: هو كذا وكذا، وهذا لا يختلفون فيه، أو في وجوده، ولكن يختفلون في أنحاء أخرى، وهي:
1- كون الشيء فيه كذا:
2- كون الشيء فيه كذا:

ولا أقصد الالتزام بحروفي، ولكني أقصد المعنى فيها، فهذه من أساليب الكتابة، وهي التي تبين مدى إدراك وتمييز الباحث لما يكتب، وأنه ليس مجرد ناسخ للكتب.

وكذلك هناك أمر آخر: من السيء أن تقرأ بحثاً علمياً ولا ترى فيه ترتيباً علمياً، وقد ذكرت في رسالتى: ( تعلم كيف تكتب بحثاً شرعياً ) طرفاً من ذلك، وهو: ترتيب البحث إلى فصول ومباحث ومسائل.

فالبحث يقسم إلى ما يلي:

1- البحث الكبير: يبدأ بالكتاب، ثم الباب، ثم الفصل، ثم المبحث، ثم المسألة، ثم الفقرة، ثم البند.
2- البحث الصغير: يبدأ بالفصل، ثم المبحث، ثم المسألة، ثم الفقرة، ثم البند.

وكون البحث صغير أو كبير يحدده الباحث من خلال الاستقراء، وبعضهم يشترط أن يكون الفصل (50) صفحة، وبعضهم لا يشترط ذلك.

والصحيح من هذا أنه راجع إليك، فإن كان البحث أو الجزئية فيها مثلاً: مسألة، ثم تتفرع عنها مسألة، ثم تتفرع عنها مسائل، فيمكنك أن تستخدم الترتيب للبحث الصغير، فالأولى تكون فصل أول مثلاً، وما يتفرع عنها هو المبحث، ثم المسألة، وهكذا، سواء كان البحث 50 صفحة أو أقل.

فترتيب البحث من أهم ما يعتني به طالب العلم في بحثه لأي مسألة كانت، ويمكن الاستفادة من ذلك من خلال الاطلاع على فهارس الكتب المعاصرة، أو الكتب القديمة، فيمكن إخراج ترتيب مناسب للبحث.

أما النسخ: فإن طالب العلم هنا لم يكلف نفسه أي شيء، ولم ينظر، ولم يستقرئ ما في الكتب، وإنما نسخ هذه المسائل، من كتاب كذا، وأحال عليها، وبيّن أنه استفادها من كتب فلان، ثم حشرها في أوراق، بلا ترتيب، ولا مناسبة لبعضها البعض، وتارة يقدم مسألة هي أولى بالتأخير، وتارة يحذف مسائل يظنها ليست مطلوبة، وهي مطلوبة ويقوم عليها البحث كله، فهذا مجرد ناسخ، لا يدري عن معاني ما نسخ ونقل، وليس هذا من البحث العلمي في شيء، ولا يسمى باحثاً أصلاً، ولم يطلق عليه سارق لأنه بين أنه نقلها من كذا وكذا.

أما السرقة: وذلك بأن يجمع الرجل أو طالب العلم مسائل من هنا وهناك، وهي ليست من رأسه، ثم يزعم أنها بحثه وكتابه ورسالته، كما مر معنا غير مرة مع أحد الذين تم حظر عضويته لهذه الفعل البشع.

فهذه سرقة علمية، وكذب على القارئ، لا يفعل ذلك إلا من لا خلاق له في الآخرة، ممن جعل الكذب أساساً في منهجيته للبروز والظهور بين طلبة العلم، فيقال: فلان علامة الدنيا.

وكم من طالب علم يغتر ببحث أو رسالة لغيره، فيكون كل دينه مبني على هذه الرسالة، أو ذلك الكتاب، فلا يخرج وينظر في كتب أخرى، وإن نظر: نظر إليها وفي نفسه منها شيء، لأنه يظن أن الحق كله قد أخذه من كتاب كذا، فلذلك كانت هذه الكتب بالنسبة له كتب حشو وكلام لا معنى له، لأن التحقيق أخذه من تلك الرسالة أو الكتاب لذلك الرجل الذي اعتقد أنه مصيب في قوله، فجعله مصيباً في كل شيء، وهذا لا يوجد أصلاً، فكل إنسان وإن بلغت منزلته ما بلغت فإنه يهم، ويخطئ، وينسى، وهذه هي صفة البشر مما لم يؤمر بالتبليغ عن الله تعالى.

فالكثير ممن ينشر الرسائل والكتب وليس فيها تحقيق شيء جديد، أو فيها سرقة ظاهرة، أو فيها نسخ لبعض كتاب أو كتاب كامل أو رسالة كاملة، وعلى وجهه البشر والسعد أنه صار من أهل العلم، وهو لا يكاد يبلغ رتبة طالب علم بعد.

أسأل الله أن يجعلنا من طلبة العلم، ومن الباحثين المتميزين، وأن يوفقنا لكتابة ما ينفعنا وينفع غيرنا ..
إنه سميع مجيب ..