المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة متكاملة عن كل اسم من الأسماء الحسنى (القدوس)



الموحد
03-26-2005, 10:24 AM
دراسة متكاملة عن كل اسم من الأسماء الحسنى /


للشيخ محمود عبد الرازق الرضوانى

*****************************************
4- القُدُّوسُ
*****************************************

1- الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :

ورد الاسم في القرآن مطلقا معرفا ومنونا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، وقد ورد المعنى مسندا إليه محمولا عليه في موضعين من القرآن ، الأول في قوله تعالى :  هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ  [الحشر:23] ، والثاني في قوله :  يُسَبِّحُ لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ  [الجمعة:1] ، ومن السنة ما ورد عند مسلم من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ  كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : ( سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ ) ( ) ، وفي سنن أبي داوود وقال الألباني حسن صحيح من حديث شَرِيقٌ الهَوْزَنِي t عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ  إِذَا هَبَّ مِنَ الليْلِ كَبَّرَ عَشْرًا وَحَمِدَ عَشْرًا ، وَقَالَ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَشْرًا ، وَقَالَ : سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ عَشْرًا وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا وَهَللَ عَشْرًا .. الحديث ) ( ) .

2- الشرح والتفسير :

التقديس في اللغة التطهير ، ومنه سميت الجنة حظيرة القدس كما ورد عند البزار من حديث أنس  أن رسول الله S قال عن رب العزة : ( من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينه منه في حظيرة القدس ، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونه إياه في حظيرة القدس ) ( ) ، وكذلك سمى جبريل  روح القدس قال تعالى :  قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ  [النحل:102] ( ) .
والقداسة تعني الطهر والبركة ، وقدس الرجل ربه أي عظمه وكبره ، وطهر نفسه بتوحيده وعبادته ، ومحبته وطاعته , ومن ذلك قول الملائكة :  وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ  [البقرة:30] ، فالقدوس لغة يعني المطهر المنزه عن كل نقص المتصف بكل أنواع الكمال ( ) .
والقدوس سبحانه هو المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا تضرب له الأمثال ، فهو المنزه المطهر الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، والتقديس الذي هو خلاصة التوحيد الحق إفراد الله سبحانه بذاته وأصافه وأفعاله عن الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وأصافهم وأفعالهم ، فالله عز وجل نزه نفسه عن كل نقص فقال :  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ  [الشورى:11] ، فلا مثيل له نحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم لأنه القدوس المطهر المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد ، ثم أثبت الله لنفسه أوصاف الكمال والجمال ؛ فقال سبحانه بعد نفي النقص مطلقا وجملة :  وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  [الشورى:11] فلا يكون التقديس تقديسا ولا التنزيه تنزيها إلا بنفي وإثبات ، ومن ثم لا يجوز في حق الله قياس تمثلي أو شمولي وإنما يجوز في حقه قياس الأولى لقوله تعالى :  وَلِلهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى  [النحل:60] ( ).

3- دلالة الاسم على أوصاف الله :

اسم الله القدوس يدل على ذات الله وعلى صفة القدسية كوصف ذات والتقديس كوصف فعل بدلالة المطابقة ، فالله عز وجل مقدس في ذاته منزه عن كل نقص وعيب لأنه متصف بكل أنواع الكمال ، وهو المستحق للتقديس والعظمة والجلال ولذلك قالت الملائكة :  وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ  [البقرة:30] .
وهو سبحانه أيضا يقدس من شاء من خلقه وفق مراده وحكمه ، فالتقديس وصف فعله كما ورد في حديث ابن مسعود  أن النبي S قال : ( إِنَّ الله عَزَّ وَجَل لاَ يُقَدِّسُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهِمْ حَقُّهُ ) ( ) ، وفي رواية أبي سفيان بن الحارث  : ( إِنَّ الله لاَ يُقَدِّسُ أُمَّةً لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ حَقَّهُ مِنَ القَوِىِّ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ ) ( ) ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جابر بن عبد الله  أن النبي S قال : ( كَيْفَ يُقَدِّسُ الله أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ ) ( ) .
واسم الله القدوس يدل على ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن وعليهما معا بالمطابقة ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلو والأحدية والغني والصمدية ، والملك والفوقية ، وكل ما يلزم لمعنى القدسية ونفي الشبيه والمثلية فلا بد لمن تزه عن كل نقص وعيب من الغنى بالنفس وعلو الشأن في كل اسم ووصف ، واسم الله القدوس دل على صفة من صفات الذات والأفعال.

4- الدعاء بالاسم دعاء مسألة :

ورد الدعاء بالاسم المطلق عند أبي داود وقال الألباني : حسن صحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ S إِذَا هَبَّ مِنَ الليْلِ كَبَّرَ عَشْرًا وَحَمِدَ عَشْرًا ، وَقَالَ : سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عَشْرًا ، وَقَالَ : سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ عَشْرًا وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا ، وَهَللَ عَشْرًا ، ثُمَّ قَالَ : اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا وَضِيقِ يَوْمِ القِيَامَةِ عَشْرًا ، ثُمَّ يَفتَتِحُ الصَّلاَةَ ) ( ) ، وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S كان يقول في ركوعه وسجوده : ( سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ ) ( ) ، وهو دعاء ثناء ومدح له وجه في دعاء المسألة .
ومما ورد في الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم ما رواه البيهقي وصححه الألباني من حديث بريدة t قال : ( لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ لَقِيَهُ النبي S فقال : أخبرني بِأَعْجَبِ شيء رَأَيْتَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، قَالَ : مَرَّتِ امْرَأَةٌ عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ فِيهِ طَعَامٌ ؛ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَأَصَابَهَا فَرَمَى بِهِ ؛ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَهِي تُعِيدُهُ في مِكْتَلِهَا ، وَهِي تَقُولُ : وَيْلٌ لَكَ يَوْمَ يَضَعُ الْمَلِكُ كُرْسِيَّهُ فَيَأْخُذُ لِلمَظْلُومِ مِنَ الظالِمِ فَضَحِكَ النبي S حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ؛ فَقَالَ : كَيْفَ تُقَدَّسُ أَمَّةٌ لاَ تَأْخُذُ لِضَعِيفِهَا مِنْ شَدِيدِهَا حَقَّهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ ) ( ) ، وفي رواية قال بريدة : ( كيف يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها ) ( ) .

5- الدعاء بالاسم دعاء عبادة :

يتجلى توحيد المسلم لربه في اسمه القدوس من خلال تنزيهه عن أقيسة التمثيل والشمول التي تحكمنا وتحكم أوصافنا ، كما أنه ينزه الله عن وصف العباد له إلا ما وصف المرسلون ، قال تعالى :  سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلى المُرْسَلينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ  [الصافات:182] ، فيصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله S من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، ويعلم أن ما وُصِف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي ، لاسيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق وأفصحهم في البيان والدلالة والإرشاد ، وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ولا في أفعاله ( ) .
ومن دعاء العبادة أيضا أن ينزه المسلم نفسه عن المعاصي والذنوب ، ويطلب المعونة من ربه أن يحفظه في سمعه وبصره وبدنه من جميع النقائص والعيوب .
أما من جهة التسمية بعبد القدوس فقد تسمى به عبد القدوس بن الحجاج أبو مغيرة الخولاني الحمصي (ت:212) ، روى البخاري عنه قال : ( حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيرَةِ عَبْدُ القُدُّوسِ بْنُ الحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ S تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ) ( ) .

**********************

(4) مسلم في كتاب الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود1/353 (487) .
(5) أبو داود في الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/322 (5085) ، صحيح أبي داود 3/958 (4242) .
(2) مسند البزار 3/181 (3584) والحديث صحيح لغيره ، انظر صحيح الترغيب والترهيب (2375) .
(3) تفسير البيضاوي 3/420 ، ودقائق التفسير لابن تيمية 1/310 .
(4) لسان العرب 6/168 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص94 ، والمقصد الأسنى ص65 .
(1) انظر مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية للمؤلف ، محذورات القاعدة الأولى ص 13 .
(5) انظر صحيح الجامع حديث رقم (1858) .
(6) السابق حديث رقم (1857) .
(7) ابن ماجة في الفتن ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2/1329 (4010) ، وانظر تصحيح الشيخ الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة (582) .
(2) أبو داود في الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/322 ( 5085) .
(3) مسلم في الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود1/353 (487) .
(4) سنن البيهقي الكبرى 6/95 (11294) ، وانظر ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم (582) .
(5) صحيح الجامع (4597) .
(2) انظر في ذلك : الأربلية ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 5/195 ، والعقيدة الأصفهانية 2/25 ، والعقيدة الواسطية 3/130 ، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 11/250 ، والكيلانية 12/446 ، وقاعدة في الكلام علي المرشدة 11/480 .