المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحرير المرأة بين النموذجين الإسلامي والغربي



أميرة الجلباب
05-01-2008, 12:22 AM
تحرير المرأة بين النموذجين الإسلامي والغربي
بقلم‏:‏ د‏.‏ نبيل السمالوطي
عميد كلية الدراسات الإنسانية سابقا
وأستاذ علم الاجتماع جامعة الأزهر

يحتفل الناس في شهر مارس من كل عام بيوم المرأة العالمية ثم يوم المرأة العربية‏,‏ ثم يوم المرأة المصرية‏,‏ ونلاحظ الاهتمام بشأن المرأة‏:‏ تحريرها وتكريمها وحقوقها واهمية حصولها علي مكانة وموقع في المجتمع وتقلد المواقع القيادية العليا فيه‏,‏ هذا الاهتمام متعدد الابعاد والأسباب‏,‏ والبعض يرجع هذا الي مفكرين رواد مثل قاسم امين والبعض يرجع هذا الي الحضارة الغربية ولاشك ان الهيئات الدولية وخاصة هيئة الأمم المتحدة اخرجت العديد من الوثائق والاعلانات والاتفاقيات التي تؤكد انهاء التمييز ضد المرأة علي أساس ان هذا يتنافي مع كرامة الإنسان‏.‏

لكن يجب علينا ان نتوقف للمقارنة بين النموذج الغربي في الدعوة الي حقوق وحريات المرأة وبين النموذج الاسلامي الذي جاء به محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - فما هو الهدف من وراء كل نموذج‏,‏ وما فلسفة تحرير المرأة في كل منهما‏,‏ وما أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما‏-‏ هذا يتطلب منا إبداء مجموعة من الملاحظات أوجزها فيما يلي‏:‏

أولا‏:‏ تاريخ الميلاد الحقيقي لحقوق الإنسان وحرياته وكرامته رجلا كان أم امرأة هو وحي السماء وآخره القرآن الكريم وسنة محمد عليه الصلاة والسلام فالإسلام منع وحرم الاتجار بالمرأة وحرم توريثها كسلعة‏,‏ وحرم وأدها وأكد انسانيتها وانها خلق من خلق الله خلقها الله من ضلع آدم‏..‏ لها نفس حقوق آدم وحرياته وكرامته‏-‏ يقول تعالي‏(‏ ولقد كرمنا بني آدم‏)‏ ويقول تعالي: ‏(‏ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف‏)‏ ويؤكد الرسول عليه الصلاة والسلام أن‏(‏ النساء شقائق الرجال‏)‏ وقال عليه السلام‏(‏ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي‏).‏
وأكد القرآن والسنة حق المرأة في الحياة والتعليم والعمل وتقلد اعلي المناصب القيادية في المجتمع‏,‏ وحقها في المشاركة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومنح المرأة ذمة اقتصادية مستقلة تماما عن الرجل‏,‏ لها الحق في البيع والشراء والتملك والرهن والهبة والوقف‏,‏ لها كل حرياتها في اختيار زوجها بمحض ارادتها‏,‏ وفي اختيار فكرها وعقيدتها وحرية التنقل والتجمع والاعتقاد‏..‏ كل هذا بالطبع في اطار معايير الاسلام وقيم السماء التي تحول دون الانجراف او الفساد او الافساد‏.‏ والمرأة في الاسلام راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها كل هذا ما فصلته دراسات وأبحاث وكتب ورسائل ماجستير ودكتوراه مما لا يمكن حصره او الإحاطة به‏.‏

ثانيا‏:‏ أقول هذا لأن إلحاق فكرة تحرير المرأة بالحضارة الغربية‏,‏ هو اعطاء تاريخ مزيف لتحرير المرأة‏.‏ ففي الغرب عقد في روما القديمة مؤتمر المرأة دارت ابحاثه حول سؤال غريب‏(‏ هل المرأة إنسان؟‏)‏ خرج بأنها ليست انسانا‏.‏
وفي اسكتلندا أصدر البرلمان عام‏1567‏ م قرارا بعدم منح المرأة اية سلطة علي اي شيء من الاشياء‏,‏ وفي عصر هنري الثامن ملك إ نجلتر أصدر البرلمان الانجليزي قرارا يحظر علي المرأة ان تقرأ الانجيل لانها رجس من عمل الشيطان ومن احدث القوانين في فرنسا قانون صدر حديثا سنة‏1941‏ يعتبر ان الزوجة ناقصة الأهلية لا يحق لها التصرف في خاصة ملكها الا بإذن زوجها‏.‏
هذا وغيره مما يجعلنا وبحق نرفض ان يزايد علينا الغرب بأنه هو الذي أطلق صيحة تحرير المرأة وطالب بحقوقها وحرياتها وكرامتها فهذا هو الغرب لايزال يمتهن المرأة حتي الآن‏,‏ مما يجعلنا نقول ان دعوي تحرير المرأة في الغرب هي حق اريد به باطل فأعلي نسبة اغتصاب النساء خاصة المحارم في الغرب‏,‏ وأعلي نسبة لضرب المرأة في الغرب‏,‏ وهكذا‏.‏

ثالثا‏:‏ الفكر الإسلامي فكر منفتح يتفاعل مع كل ما من شأنه إعلاء كرامة الإنسان وحرياته‏,‏ ولهذا نحن نرحب بكل قرارات الأمم المتحدة والمنتديات الدولية والمؤتمرات العالمية‏,‏ وكل دعوة لتحرير وحقوق المرأة لأنها أصل ثابت من اصول الدين الاسلامي‏,‏ لكن بشرط عدم التصادم مع معايير شرعية او مع قيم الاديان السماوية الصحيحة او مع المنطق العقلي السليم والفطرة الانسانية السوية كما خلقها الله تعالي‏.‏

رابعا‏:‏ هناك محاولات مستميتة لتسويق النموذج الغربي لحقوق الانسان داخل العالم الاسلامي‏..‏ ولاشك ان هذا النموذج له ايجابياته الكثيرة لكن ايضا له سلبياته التي يجب التنبيه اليها وتوضيح الفرق بينه ومن النموذج الاسلامي في التحرير نوجزها فيما يلي‏:‏

أ‏-‏ فلسفة تحرير المرأة في النموذج الغربي تنطلق من النموذج الليبرالي الذي يعلي من قيمة المادة والاقتصاد‏,‏ فرجال الصناعة والاقتصاد أرادوا للمرأة أن تخرج لأداء وظيفتين أساسيتين في حياة المجتمع‏:‏ الأولي الإسهام في الإنتاج الاقتصادي بأقل الأجور مقارنة بالرجل‏,‏ وساعات عمل اطول‏,‏ والثانية استخدامها في كل عمليات التسويق والاعلان لفتح شهية المستهلك واستنزافه من خلال ابراز مفاتن الانثي وتعريتها دون نظر الي قيم دينية أو عقيدة اواخلاق‏.‏ ففلسفة الربح والانتاج وتشجيع الاستهلاك وهي قيم ليبرالية كانت وراء استثمار جهد المرأة وجسدها وجمالها ومفاتنها في تحقيق اهداف الليبرالية او الرأسمالية المتوحشة وكان اصحاب المصانع في اوروبا يستغنون عن عمالة الرجال ويطالبونهم بإرسال ازواجهم وبناتهم للعمل في المصانع لأنهن اقل اجورا واكثر صبرا واقل تمردا من الرجال ولم يكن هدف تحرير المرأة احترامها كإنسان شقيقة للرجل‏,‏ ولم يكن لها حقوق الرجل في اوروبا حتي عهد قريب جدا ول ديوانت يؤكد في الفصل التاسع من كتابه‏(‏ مباهج الفلسفة‏)‏ أن اول خطوة نحو تحرير المرأة في انجلترا لم تحدث الا سنة‏1882‏ حيث صدر قانون حصلت النساء بموجبه علي ميزة لم تكن لهن من قبل وهي حقهن في الاحتفاظ لأنفسهن بالمال الذي يكسبنه من العمل والانتاج ويقول د‏.‏ ابراهيم ابو محمد في دراسة له بعنوان‏(‏ المرأة بين حضارتين‏)‏ ان هذا القانون المسيحي الاخلاقي وضعه اصحاب الاعمال في مجلس العموم البريطاني لاسباب اقتصادية وليست قيمية دينية‏,‏ واهمها جذب النساء للخروج للعمل اعلاء لحجم الانتاج والربح‏,‏ وهذه هي الفلسفة الحقيقية لاطلاق الدعوة لتحرير المرأة وانهاء عذابها واستعبادها داخل المنازل كذلك شجع الشباب هذه الدعوة لسبب آخر هو الحصول علي المرأة بأرخص الأسعار وحتي دون زواج واللهو بها دون تكلفة مادية ومن هنا عزف العديد من الشباب الذكور عن الزواج أو فضلوا تأخيره إلي ما فوق الأربعين‏,‏ لقدرتهم علي إشباع حاجتهم مجانا وبلا زواج‏.‏

خامسا‏:‏ يجب الا يفهم من اعلاننا للنموذج الاسلامي في تحرير وتكريم واحترام وتمكين المرأة‏,‏ ان هذا النموذج مطبق في مجتمعاتنا الاسلامية فالعكس هو الصحيح لأن المرأة في هذه المجتمعات تعاني من العنف والتخلف والقهر والتبعية في الكثير من جوانب حياتها وهذا لا علاقة له بالدين‏,‏ ولا علاقة له بالارادة السياسية‏,‏ ولا علاقة له بالدعم التشريعي للمرأة الذي قد يكون ممتازا لصالح المرأة‏.‏ لكن هذا التخلف يرجع في الأساس إلي غلبة الموروثات الثقافية كالعادات والتقاليد والأفكار البالية وغياب الدعم المجتمعي والمساندة الشعبية لهذه الجهود الموفقة سواء من الهيئات الشرعية أو السياسية اوالقانونية فعلي الرغم من أن النموذج الاسلامي يحقق أسمي درجات التكامل والتكافل للأسرة وأسمي درجات الرقي والتكريم للمرأة‏,‏ وتحريم كل أشكال التحيز ضد المرأة‏,‏ وإذا كان هناك من تحييز فهو التحيز الإيجابي للمرأة فالرسول عليه الصلاة والسلام ظل يوصي بالمرأة حتي نهاية حياته وأهم هذه الوصايا في خطبة الوداع‏(‏ استوصوا بالنساء خيرا‏)(‏ الله الله في النساء‏),(‏ ما أكرمهن إلا كريم‏,‏ وما أهانهن إلا لئيم‏)(‏ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي‏)‏ علي الرغم من هذا نجد أن مجتمعاتنا الإسلامية في حاجة إلي دعم مجتمعي‏,‏ ومساندة ثقافية وتغيير للعديد من سلوكياتنا وأفكارنا وموروثاتنا من العادات والأعراف البالية‏,‏ والتي هي في جوهرها مصادمة لقيم السماء ولما جاء به اسلامنا الحنيف‏.‏ ونستطيع ان نضرب مثلا واضحا في هذا بمصرنا الحبيبة فكل اجهزة الدولة السياسية والتشريعية والقانونية بذلوا جهودا مشكورة لإعلاء شأن المرأة وحصولها علي حقوقها وحرياتها‏,‏ وعلي الرغم من هذا تعاني المرأة من القهر والتخلف والاقصاء‏,‏ وهذا ما يستوجب ضرورة دعم المساندة الشعبية والقضاء علي العديد من الموروثات الثقافية البالية التي لاتزال مؤثرة وفعالة تحكم فكر وسلوك العديد من المصريين‏.‏

سادسا‏:‏ يجب التمييز بين العدالة والمساواة المطلقة‏,‏ فالمساواة المطلقة بين المرأة والرجل ظلم للمرأة‏,‏ وليست المساواة المطلقة عدالة حقيقية‏,‏ فهناك اختلافات بيولوجية وفسيولوجية وسيكولوجية بين المرأة والرجل ويجب علي المجتمع وعلي اي تشريع يخص المرأة ان يراعي قدراتها وخصائصها ويؤكد انسانيتها دون تجاهل لانوثتها وهذا هو البعد المفقود في التناول الغربي لقضايا المرأة‏,‏ وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم في قوله تعالي‏(‏ وليس الذكر كالأنثي‏).‏ المرأة في الغرب تعامل كجسد يوظف للإغراء وأداة للتسويق والإعلان‏,‏ وهذا يعني قصر المرأة علي جغرافية جسدها بعيدا عن البعد الإيماني وبعدها الإنساني والأعباء الصحية والأخلاقية‏.‏
إن تحرير المرأة في الإسلام قضية عبادة وعقيدة‏,‏ ونحن نتقرب إلي الله بالإحسان للمرأة وتحريرها ومنحها كل الحقوق‏,‏ لكن القضية في الغرب قضية اقتصاد واجتماع ودنيا يقول عليه الصلاة والسلام خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي‏.‏

جريدة الأهرام / 31 مارس 2008 .