تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الفرق بين المعرفة والعلم



abosohib
05-10-2008, 02:53 AM
لقد اختلفت الأقوال في تفسير لفظ ( المعرفة ) ، وفي الفرق بينها ، وبين لفظ ( العلم ) ؛ فمنهم من قال : المعرفة هي إدراك الجزئيات ، والعلم هو إدراك الكليات . وآخرون قالوا : المعرفة هي التصوُّر ، والعلم هو التصديق . وهؤلاء جعلوا العِرْفَانَ أعظمَ درجةً من العلم . قالوا : لأن تصديقنا بإسناد هذه المحسوسات إلى موجود واجب الوجود أمر معلوم بالضرورة ، فأما تصوُّر حقيقته فأمرٌ فوق الطاقة البشرية ؛ ولأن الشيء ما لم يُعْرَفْ وجودُه ، فلا تُطْلَب ماهيَّتُه . فعلى هذا القول كلُّ عارفٍ عالمٌ ، وليس كلُّ عالمٍ بعارف ؛ ولذلك فإن الرجل لا يُسَمَّى بالعارفِ إلا إذا تَوَغَّل في ميادين العلم ، وتَرَقَّى من مطالعها إلى مقاطعها ، ومن مباديها إلى غاياتها ، بحسب الطاقة البشرية . وفي الحقيقة فإن أحدًا من البشر لا يعرف الله تعالى ؛ لأن الاطلاع على كُنْهِ ماهِيَّتِهِ ، وسِرِّ ألوهِيَّتِهِ مُحَالٌ .

ولمَّا كانت معرفة البشر لله تعالى هي بتدبر آثاره دون إدراك ذاته ، جاز أن يقال : فلان يعرف الله تعالى ، ولا يقال : يعلم الله تعالى . ولمَّا كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصل به بتفكر ، لم يجز أن يقال : الله تعالى يعرف كذا ، وإنما يقال : الله تعالى يعلم كذا . وأصل المعرفة من قولك : عرفت كذا . أي : أصبت عُرْفَهُ . أي : رائحته . أو من : أصبت عُرْفَهُ . أي : خدَّهُ . قال تعالى :﴿ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ ﴾(البقرة: 89) . وقال سبحانه :﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ )(البقرة: 146) .

ويُضَادُّ المعرفةَ : الإنكارُ ؛ ولهذا قال تعالى:﴿ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا ﴾(النحل: 83) . أما العلمَ فيُضَادُّه الجهلُ . قال تعالى:﴿ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾(هود: 46) .

ويقال : عرَّفه الشيء : أعلمه إياه . وعرَّفه بيتَه : أعلمه بمكانه . وعرَّفه بالشيء : وسَمَه به . قال سيبويه : عَرَّفْتُه زيدًا ، فذهَب إلى تعدية عرَّفت ، بالتشديد ، إلى مفعولين . يعني : أَنك تقول : عرَفت زيدًا ، فيُعدَّى إلى واحد ، ثم تشدِّد العين ، فيُعدَّى إلى مفعولين . قال : وأَما عرَّفته بزيد ، فإنما تريد : عرَّفته بهذه العلامة ، وأَوضَحته بها . فهو سِوى المعنى الأول . وإنما عرَّفته بزيد ؛ كقولك سمَّيته بزيد .

وعلى المعنى الأول جاء قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾(التحريم: 3) . يعني : حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم الغيرة في وجه حفصة ، أراد أن يترضاها ، فأسر إليها بشيئين : تحريم الجارية على نفسه ، والبشارة بأن الخلافة من بعده في أبي بكر وأبيها عمر ، واستكتمها ذلك . فلما نبَّأت به عائشة وأظهره الله تعالى عليه ، عرَّف بعضه حفصة ، وأعرض عن بعض ، على وجه التكرم والإغضاء . وقرىءَ :﴿ عَرَفَ بَعْضَهُ ﴾ ، بالتخفيف ، بمعنى : جازى . قال الفراء : من قرأَ : عرَّف ، بالتشديد ، فمعناه : أنه عرَّف حفصة بعض الحديث ، وترك بعضًا . قال : وكأنَّ من قرأَ بالتخفيف ، أراد : غضب من ذلك ، وجازى عليه ، وهو كما تقول للرجل يسيء إليك : والله لأَعْرِفنَّ لك ذلك . قال : وقد لعَمْري جازى حفصةَ بطلاقها .

ويقال : عرَّفَ الشيء لهم : جعل له عرفًا . أي : ريحًا طيبًا . قال تعالى في الجنة :﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾(محمد: 6) . أي : طيَّبَها ، وزينها لهم . وقيل : عرَّفها لهم بأنْ وصفها لهم ، وشوقهم إليها وهداهم .

والعارفُ- في تَعارُفِ قومٍٍ- هو المختصُّ بمعرفة الله تعالى ، ومعرفة ملكوته ، وحسن معاملته تعالى . والعالم في وصف الله تعالى هو الذى لا يخفي عليه شئ ؛ كما قال تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾(الحاقة: 18) ؛ وذلك لا يصح إلا في وصفه سبحانه وتعالى .