المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة متكاملة عن كل اسم من الأسماء الحسنى (السلام)



الموحد
04-07-2005, 12:04 AM
دراسة متكاملة عن كل اسم من الأسماء الحسنى /



للشيخ محمود عبد الرازق الرضوانى



*****************************************
5- السَّلامُ
*****************************************

1- الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :

لم يرد الاسم في القرآن إلا في موضع واحد وهو قوله تعالى :  هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ  [الحشر:23] ، وفي هذا الموضع ورد مطلقا معرفا مرادا به العلمية ومسندا إليه المعنى محمولا عليه ودالا على الوصفية وكمالها .
وعند البخاري من حديث ابن مسعود t قال : ( كُنَّا إِذَا صَليْنَا خَلفَ النَّبِيِّ  قُلنَا : السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ ، فَالتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ  فَقَالَ : إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ .. الحديث ) ( ) ، وفي صحيح مسلم من حديث ثَوْبَانَ t أنه قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ  إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ : اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) ( ) ، وفي صحيح الجامع من حديث أبي هريرة t أن النبي  قال : ( ‌إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم ) ( ) .

2- الشرح والتفسير :

السلام في اللغة مصدر استعمل اسما للموصوف بالسلامة ، فعله سلم يسلم سلاما وسلامة ، والسلامة الأمن والأمان والحصانة والاطمئنان ، والبراءة من كل آفة ظاهرة وباطنة ، والخلاص من كل مكروه وعيب ( ) ، ومادة السلام تدل على الخلاص والنجاة ، وقيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الهموم والآفات ، باقية بنعيمها وأهلها في أمان ما دامت السماوات والأرض ، قال تعالى :  لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  [الأنعام:127] ( ) ، ومن السلامة أيضا التحية الخالصة من سوء الطوية وخبث النية ، فسميت التحية في الإسلام سلاما ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ  أن النَّبِيِ S قَالَ : ( خَلَقَ الله آدَمَ وَطولهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، ثمَّ قال اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ، فقال السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا : السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ ) ( ) .
والله عز وجل هو السلام لسلامته من النقائص والعيوب ، فهو الذي سَلَِم في ذاته بنوره وجلاله ، فمن جماله وسبحات وجهه احتجب عن خلقه رحمة بهم وابتلاء لهم روى مسلم من حديث أَبِي مُوسَى  أن النبي قال S : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) ( ) ، وهو الذي سَلَِم في صفاته بكمالها وعلو شأنها ، وسلم أيضا في أفعاله بإطلاق قدرته وإنفاذ مشيئته ، وكمال عدله وبالغ حكمته ، وهو سبحانه الذي يدعو عباده إلى السلامة وإفشاء السلام فأثنى على عباده في قوله :  وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً  [الفرقان:63] ، وهو الذي يدعو إلى سبل السلام باتباع منهج الإسلام كما قال :  يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ  [المائدة:16] ، وهو سبحانه الذي يدعو عباده إلى دار السلام ويبلغ من استجاب منهم إليها فقال :  وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  [يونس:25] ، فكل سلامة منشأها منه وتمامها عليه ونسبتها إليه ( ) .

3- دلالة الاسم على أوصاف الله :

هذا الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة السلامة كوصف ذات والتسليم كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، فالسلامة وصف ذاته لسلامته من النقائص والعيوب ، ووصف فعله لأنه سلم من شاء من خلقه على مقتضى حكمته وأمره ، فهو جل شأنه السلام ومنه السلام ، روى مسلم من حديث ثوبان t مرفوعا : ( اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) ( ) ، وهو الذي سلم أهل الجنة من كل ما ينغص عيشهم أو يكدر صفوهم ، وجعل السلام أيضا من قوله لهم ، قال تعالى :  لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  [الأنعام:127] ، وقال سبحانه :  سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ  [يس:58] ، واسم الله السلام يدل باللزوم على الحياة والقيومية والعزة والقدسية ، والغني والصمدية ، والحكمة والأحدية ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله السلام دل على صفة من صفات الذات والأفعال .

4- الدعاء بالاسم دعاء مسألة :

ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق عند مسلم من حديث ثوبان t أنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ S إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ : اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) ( ) .
وورد الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم فيما رواه البخاري من حديث أبي هريرة t أن رسول الله S قال : ( فَيَأْتِيهِمُ الله فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظهراني جَهَنَّمَ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ وَلاَ يَتَكَلمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ الرُّسُلُ ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللهمَّ سَلّمْ سَلّمْ ) ( ) ، وعند مسلم من حديث حذيفة بن اليمان t أن رسول الله S قال : ( وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ : رَبِّ سَلمْ سَلمْ ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ ، حَتَّى يجيء الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفًا ) ( ) ، ومن الدعاء بمقتضى الاسم ما رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث طلحة بن عبيد الله t أن النبي S كان إذا رأى الهلال قال : ( اللهمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ ، رَبِّي وَرَبُّكَ الله ) ( ) .

5- الدعاء بالاسم دعاء عبادة :

أثر الإيمان بتوحيد الله في اسمه السلام أن يكف المسلم نفسه عن إخوانه فيسلموا من أذيته ويحرص على جيرانه وقرابته ، روى البخاري من حديث عبد الله بن عمرو t أن النبي S قال : ( المُسْلمُ مَنْ سَلمَ المُسْلمُونَ مِنْ لسَانِهِ وَيَدِهِ ) ( ) ، وروى البخاري أيضا من حديث أبي شرح t أن النبي S قال : ( وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، قِيل : وَمَنْ يَا رَسُول اللهِ ؟ قَال : الذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ ) ( ) .
ومن ذلك أيضا أن يفشي السلام بين العباد ، ويلتزم بتحية الإسلام ، روى الطبراني وصححه الألباني من حديث أبي هريرة t أن النبي Sقال : ( السَّلاَمُ اسْم مِن أسماءِ الله فأفشُوه بَينكم ) ( ) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة t أن النبي S قال : ( خَلقَ اللهُ آدَمَ عَلى صُورَتِهِ ، طُولهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، فَلمَّا خَلقَهُ قَال : اذْهَبْ فَسَلمْ عَلى أُولئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ جُلوسٌ ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَال : السَّلاَمُ عَليْكُمْ ، فَقَالوا السَّلاَمُ عَليْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَكُل مَنْ يَدْخُل الجَنَّةَ عَلى صُورَةِ آدَمَ ، فَلمْ يَزَل الخَلقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ ) ( ) .
وفي الجملة ينبغي على المسلم أن يسلك سبل السلام التي تؤدي إلى دار السلام قال الله  :  يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُل السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  [المائدة:16] ، وقال :  وَاللهُ يَدْعُو إِلى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  [يونس:25] .
أما من جهة التسمية بعبد السلام فقد تسمى به كثير منهم أبو بكر عبد السلام بن حرب (ت:187) ، أخرج عنه البخاري ، قال : ( حَدَّثَنَا الفَضْل بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالتْ : قَال النَّبِي S : ( لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلى زَوْجٍ ) ( ) .

************

(1) البخاري في كتاب الأذان ، باب التشهد في الآخرة 1/286 (797) .
(2) مسلم في كتاب المساجد ، باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 (591) .
(3) صحيح الجامع 11/131 ، وانظر الأدب المفرد ، باب السلام اسم من أسماء الله 1/343 (989) .
(2) لسان العرب 12/289 ، والمغرب في ترتيب المعرب 1/411 .
(3) اشتقاق أسماء الله للزجاج ص216 .
(4) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب خلق آدم صلوات الله عليه 3/1210 (3148) .
(5) مسلم في كتاب الإيمان ، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام1/161 (179) .
(1) شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص196 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص53 ، والمقصد الأسنى ص67 .
(8) مسلم في كتاب المساجد ، باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 (591) .
(1) مسلم في كتاب المساجد ، باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 (591) .
(2) البخاري في الأذان ، باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة 6/2704 (7000) .
(3) مسلم في الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 1/187 (195) .
(4) الترمذي في الدعوات ، باب ما يقول عند رؤية الهلال 5/405 (3451) والسلسلة الصحيحة (1816) .
(1) البخاري في الأشربة ، باب الانتهاء عن المعاصي 5/2379 (6119) .
(2) البخاري في الاستئذان ، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه 5/2240 (5670) .
(3) المعجم الأوسط 3/231 (3008) ، صحيح الجامع (3697) .
(4) البخاري في كتاب الأدب ، باب بدء السلام 5/2299 (5873) .