المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة متكاملة عن كل اسم من الأسماء الحسنى (المؤمن)



الموحد
04-07-2005, 12:11 AM
دراسة متكاملة عن كل اسم من الأسماء الحسنى /



للشيخ محمود عبد الرازق الرضوانى

*****************************************
6- المُؤْمِنُ
*****************************************

1- الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :

ورد الاسم في القرآن الكريم في موضع واحد وهو قوله تعالى :  هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ  [الحشر:23] ، وفي هذا الموضع كما سبق في اسمه السلام ورد مطلقا معرفا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، هذا بالإضافة إلى الإسناد إليه وحمل المعنى تابعا عليه ، ولم يرد في السنة إلا في أحاديث سرد الأسماء عند الترمذي من طريق الوليد بن مسلم ، وعند ابن ماجة من طريق عبد الملك الصنعاني وعند غيرهما أيضا ، وهذه الأسماء مدرجة في الأحاديث وتعيينها ليس من كلام النبي  باتفاق أهل المعرفة بحديثه ، وإن كانت آية الحشر كافية شافية في إثبات الاسم وإحصائه .

2- الشرح والتفسير :

المؤمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالإيمان ، وأصله أمن يأمن أمنا ، والأمن ما يقابل الخوف ، والإيمان في حقنا هو تصديق الخبر تصديقا جازما ، وتنفيذ الأمر تنفيذا كاملا ، فمن الأول قول إخوة يوسف  لأبيهم :  وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ  [يوسف:17] ، ومن الثاني ما رواه البخاري من حديث ابن عباس  في وفد عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَ S قَالَ لهم : ( أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ ؟ قَالُوا : الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ ) ( ) ، أما اسم الله المؤمن ففيه عدة أقوال يدل عليها الاسم ويشملها لأنها جميعا من معاني الكمال الذي اتصف به رب العزة والجلال :
القول الأول : أنه الذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحدا من خلقه ، وأمَّن من آمن به من عذابه ، فكل سينال ما يستحق ، قال تعالى :  إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيما ً [النساء:40] ، وقال :  وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً  [الكهف:49] ( ) .
القول الثاني : أن المؤمن هو المجير الذي يجير المظلوم من الظالم ، بمعنى يؤمنه من الظلم وينصره ( ) ، كما قال :  قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ  [المؤمنون:88] ، وقال :  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ  [الملك:28] ، أي لن يجدوا ملاذا ولا مأمنا ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبِي هُرَيْرَة  أَن النَّبِيَّ Sكَانَ يَقول : ( اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلةِ وَالذلةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ) ( ) , وعند البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري  أن رَسُول اللهِ S قال : ( إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفلِتْهُ ، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ :  وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرَى وَهي ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ  ) ( ) .
القول الثالث : أن المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه ، لأنه الواحد الذي وحد نفسه فقال :  شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِما بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ  [آل عمران:18] ( ) ، وهذه الآية تحمل أعظم المعاني في كشف حقيقة التوحيد وكيف خلق العباد من أجله ؟
وبيان ذلك أننا لو فرضنا بقياس الأولى ولله المثل لأعلى طلابا وأساتذة ومقررا واختبارا ، وبعد الاختبار تنازع المجتهدون من الطلاب مع الكثرة الغالبة في صحة ما أجابوا به ، فزعم الخاسرون أنهم على الصواب وأن إجابتهم توافق المنهج المقرر في الكتاب وأن المجتهدين من الطلاب هم المخطئون في إجابتهم ، ثم بالغوا وطلبوا شهادة أستاذهم ، فشهد بخطئهم وصحة جواب المجتهدين ، فكذبوا أستاذهم وطلبوا شهادة الأعلى من المتخصصين ، فشهدوا لأستاذهم وللطلاب المجتهدين ، فكذبوهم وطلبوا شهادة من وضع الاختبار ، ومن يرجع إليه القرار ، وأقروا على أنفسهم أن شهادته ملزمة لهم وأنها فصل المقال ، فشهد من وضع الاختبار بصحة جواب المتخصصين والأساتذة والطلاب المجتهدين وكانت شهادته للجميع إخبارا وتصديقا وقولا فصلا وإعلاما وحٌكما عدلا لا مجال لرده ولا معقب لحكمه .
إذا علم ذلك فالله عز وجل وله المثل الأعلى جعل قضية الخلق هي شهادة ألا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه ، وجعل أحكام العبودية أو الأحكام الشرعية هي المنهج المقرر على طلاب السعادة في هذه الدنيا كما قال :  قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ  [البقرة:38] ، فإذا أهمل طلاب السعادة منهج الهداية ، وجعلوا سعادتهم في عبودية الشهوات والشبهات وتناسوا مرحلة الابتلاء والكفاح والرغبة في النجاح والفلاح ، وتسببوا في ضلالهم بمخالفتهم رسلهم ، ثم أعلنوا زورا وبهتانا أنهم كانوا على الصواب ، وأنهم الكثرة الغالبة عند الحساب ، وأنهم أجابوا بادعائهم وفق ما تقرر في الكتاب ، فكذبوا على أنفسهم كما ذكر الله في شأنهم :  ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَل عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُون  [الأنعام:23/24] ، وهنا شهد أولو العلم وشهدت الملائكة بضلال المشركين وصحة ما جاء عن رسلهم ، وشهد الله بصدق المرسلين وخسران المشركين تصديقا للموحدين وإنصافا لمذهبهم وتكذيبا لأعدائهم وتصديقا للملائكة وأولي العلم ، فهو سبحانه المؤمن الذي شهد أنه لا إله إلا هو ، وأن هذه الكلمة هي كلمة الحق وحقيقة التوحيد وأنها رد على جميع من ضل من العبيد ، فتضمنت كلمة التوحيد أجل شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها من أجل شاهد بأجل مشهود به ، فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت عند السلف أربع مراتب ، علمه سبحانه بذلك وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه وأمرهم وإلزامهم به ، وعبارات السلف في الشهادة تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار ، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره ، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه ( ) .
القول الرابع : أن المؤمن هو الذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده ، ويصدق ظنون عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم ( ) ، قال تعالى :  قُلْ صَدَقَ الله فَاتَّبِعُوا مِلةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ  [آل عمران:95] ، وقال :  ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ  [الأنبياء:9] ، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ  مرفوعا : ( يَقُولُ الله تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي .. الحديث ) ( ) ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث ابْن عُمَرَ  أنه قال : ( قَامَ رَسُول اللهِ S يَوْمَ فَتْحِ مَكة عَلَى دَرَجَةِ الْكعْبَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأثنَى عَلَيْهِ وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلهِ الذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) ( ) ، فالمؤمن في أسماء الله هو الذي يصدق في وعده وهو عند ظن عبده لا يخيب أمله ولا يخذل رجاءه ، وجميع المعاني السابقة حق يشملها تفسير الاسم .

3- دلالة الاسم على أوصاف الله :

اسم الله المؤمن يدل على ذات الله وعلى صفة الصدق كوصف ذات ، والتصديق كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها كذلك ، أما دلالته على ذات الله فلأن الأسماء كلها أعلام ، وأما دلالته على الصدق كوصف ذات فلقوله :  قُل صَدَقَ الله  [آل عمران:95] ، وقوله تعالى :  وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً  [النساء:87] ، ولاستحالة اتصافه بالمقابل ، قال تعالى :  لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالحَقِّ  [الفتح:27] ، وقال :  وَلَمَّا رَأى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ  [الأحزاب:22] ، وقال أهل الجنة :  الحَمْدُ لِلهِ الذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ  [الزمر:74] ، وعند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري t أن رجلا أتي النبي S فقال : ( أخي يَشْتَكِى بَطْنَهُ ، فَقَالَ : اسْقِهِ عَسَلاً ، ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ : اسْقِهِ عَسَلاً ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ : فَعَلتُ ، فقال : صَدَقَ الله وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ ، اسْقِهِ عَسَلاً ) ( ) ، وعند البخاري من حديث ابن عمر t أن رسول الله S قال : ( صَدَقَ الله وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) ( ) .
وأما دلالة اسم الله المؤمن على التصديق كوصف فعل فكما ورد عند البخاري من حديث أبي هريرة t مرفوعا فقالوا : ( يَا رَسُولَ الله صَدَّقَ الله حَدِيثَكَ ) ( ) ، وعند مسلم من حديث عمر t أنه قال : ( .. وَقَلمَا تَكَلمْتُ وَأَحْمَدُ الله بِكَلاَمٍ إِلاَّ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الله يُصَدِّقُ قَوْلِي الذِي أَقُولُ ) ( ) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة t أن النبي S قال : ( مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَالله أَكْبَرُ ، صَدَّقَهُ رَبُّهُ فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ ) ( ) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث بريدة بن الحصيب t أنه قال : ( خَطَبَنَا رَسُولُ الله S ، فَأَقْبَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا المِنْبَرَ ثُمَّ قَالَ : صَدَقَ الله :  إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ  ، رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ ، ثُمَّ أَخَذَ فِى الخُطْبَة ) ِ( ) .
واسم الله المؤمن يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر والعلم والعدل والحكمة ، والعظمة والقوة ، والقدرة والعزة ، والسيادة والرحمة على اعتبار أن هذه الأوصاف لازمة للمؤمن الذي يصدق في قوله وفعله ، والذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده ، ويصدق ظن عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم ، والذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحد من خلقه ، وأمَّن من آمن به من عذابه .

4- الدعاء بالاسم دعاء مسألة :

لم أجد دعاء مأثورا بالاسم المطلق ولكن ورد الدعاء بالوصف ، فعلى اعتبار أن معنى المؤمن هو المجير الذي يؤمن عباده المؤمنين وينصرهم على من ظلمهم ، ورد دعاء المسألة في سؤال إبراهيم  لربه :  وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير ُ [البقرة:126] ، وقال سبحانه :  وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ  [إبراهيم:35] ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الله الزرقي t أنه قَالَ : ( لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ الله S : اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِي عَلَى رَبِّى ، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفاً .. وذكر في دعائه .. اللهمَّ إني أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ ، اللهمَّ إني عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ ، اللهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ في قُلُوبِنَا ، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ ، اللهمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ ، اللهمَّ قَاتَلِ الْكَفَرَةَ الذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رَجْزَكَ وَعَذَابَكَ ، اللهمَّ قَاتَلِ الْكَفَرَةَ الذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ ) ( ) .
وعلى اعتبار أن معنى المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه ، ويوفقهم إلى الإيمان ، ويصدق معهم في وعده ، فقد ورد دعاء المسألة بمقتضى الوصف في قوله تعالى عن الحواريين أتباع عيسى  :  رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ  [آل عمران:53] ، وقوله تعالى عمن آمن برسول الله S من القسسين والرهبان :  وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ  [المائدة:83/85] ، وكذلك قوله تعالى :  إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ  [المؤمنون:109/111] .
وقد روى ابن حبان وصححه الألباني من حديث فضالة بن عبيد t أن رسول الله S قال : ( اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك ؛ فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك ، وأقلل له من الدنيا ، ومن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك ؛ فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وأكثر له من الدنيا ) ( ) ، وروى الحاكم وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو t أن رسول الله S قال : ( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) ( ) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة t أن النبي S قال : ( إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) ( ) ، ودعاء المسألة في الجملة أن يذكر الداعي الاسم كوسيلة لتحقيق مطلبه ؛ فيدعو به المظلوم على اعتبار أن معنى المؤمن هو المجير ، ويدعو به الصادق إذا كذبه الناس أو افتروا عليه ، ويدعو به أيضا من يرجو نعمة ربه ويخاف عذابه أن يؤمنه في الدنيا والآخرة .

5- الدعاء بالاسم دعاء عبادة :

أثر الاسم في سلوك العبد وتوحيده لله فيه هو يقين العبد في ربه أنه لا يظلم أحدا من خلقه ، وأنه سينصر المظلوم ولو بعد حين ، فيلجأ إلى الله أن يجيره من ظلم الظالمين ، ويثق أن وعد الله لعباده المؤمنين كائن لا محالة ، وقد كان لعائشة رضي الله عنها موقف عظيم في حادثة الإفك يدل على توحيدها لله في أسمائه الحسنى وما دل عليه اسمه المؤمن ، فعند البخاري أن النبي S قال لها : ( يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلمَمْتِ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِليْهِ ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللهُ عَليْهِ ، تقول عائشة رضي الله عنها : فَلمَّا قَضَى رَسُول اللهِ S مَقَالتَهُ قَلصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً ، وَقُلتُ لأَبِي : أَجِبْ عَنِّي رَسُول اللهِ S ، قَال : وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُول لرَسُول اللهِ S ، فَقُلتُ : لأُمِّي أَجِيبِي عَنِّي رَسُول اللهِ S فِيمَا قَال ، قَالتْ : وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُول لرَسُول اللهِ S ، فَقُلتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ : إِنِّي وَاللهِ لقَدْ عَلمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ وَوَقَرَ في أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ ، وَلئِنْ قُلتُ لكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ ، وَاللهُ يَعْلمُ إِنِّي لبَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلكَ ، وَلئِنِ اعْتَرَفْتُ لكُمْ بِأَمْرٍ ، وَاللهُ يَعْلمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لتُصَدِّقُنِّي وَاللهِ مَا أَجِدُ لي وَلكُمْ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَال :  فَصَبْرٌ جَمِيل وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ  ، ثُمَّ تَحَوَّلتُ عَلى فِرَاشِي ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللهُ ، وَلكِنْ وَاللهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِل فِي شَأْنِي وَحْيًا ، وَلأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلمَ بِالقُرْآنِ فِي أَمْرِي ، وَلكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُول اللهِ S فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ ، فَوَاللهِ مَا رَامَ مَجْلسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْل البَيْتِ حَتَّى أُنْزِل عَليْهِ ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ ، حَتَّى إِنَّهُ ليَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْل الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ ، فَلمَّا سُرِّي عَنْ رَسُول اللهِ S وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَكَانَ أَوَّل كَلمَةٍ تَكَلمَ بِهَا أَنْ قَال لي : يَا عَائِشَةُ ، احمدي اللهَ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ ، فَقَالتْ لي أُمِّي : قُومِي إِلى رَسُول اللهِ S فَقُلتُ : لاَ وَاللهِ ، لاَ أَقُومُ إِليْهِ ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللهَ فَأَنْزَل اللهُ  :  إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لكُم بَل هُوَ خَيْرٌ لكُمْ لكُل امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالذِي تَوَلى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ لوْلا جَاؤُوا عَليْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلئِكَ عِندَ اللهِ هُمُ الكَاذِبُونَ .. الآيات  ) ( ).
وممن تسمى عبد المؤمن والد روح من رواة الحديث عند البخاري ، قال في إحدى رواياته : ( حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالكٍ t عَنِ النَّبِيِّ S قَال : إِنَّ فِي الجَنَّةِ لشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا ) ( ) .

**********

(5) البخاري في الطلاق ، باب الكحل للحادة 5/2043 (5025) .
(2) البخاري في كتاب الإيمان ، باب أداء الخمس من الإيمان1/29 (53) .
(3) اشتقاق أسماء الله ص222 ، وتفسير الطبري 28/54 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص198 .
(4) زاد المسير لابن الجوزي 8/ 225 ، والمقصد الأسنى ص67 .
(1) أبو داود في كتاب الوتر ، باب في الاستعاذة 2/91 (1543) ، وانظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني حديث رقم (1445) ، وكذلك صحيح أبي داود (1381) .
(2) البخاري في كتاب التفسير ، باب قوله وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة 4/1726 (4409) ومسلم في كتاب ، باب تحريم الظلم 4/1997 (2583) .
(3) تفسير الطبري 28/54 ، وروح المعاني 28/63 ، الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى 1/243 .
(1) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 89 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص83 .
(2) تفسير القرطبي 18/46 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص31 .
(3) البخاري في كتاب التوحيد ، باب السؤال بأسماء الله تعالى 6/2694 (6970) .
(4) النسائي في كتاب القسامة ، باب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء 8/42 (4799) ، وانظر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني 7/257 .
(4) البخاري في العمرة ، باب الدواء بالعسل 5/2152 (5360) .
(5) البخاري في الطب ، باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو2/637 (1703) .
(6) البخاري في القدر ، باب غزوة خيبر 4/1540 (3967) .
(7) مسلم في الطلاق ، باب في الإبلاء واعتزال النساء وتخييرهن 2/ 1107 (1479) .
(8) الترمذي في الدعوات ، باب ما يقول العبد إذا مرض5/492 (3430) ، وانظر صحيح الجامع 5/492 .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث 1/290 (1109) .
(1) أحمد في المسند 3/424 ، وصححه الألباني في الأدب المفرد (699) .
(2) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 1/ 438 (208) ، السلسلة الصحيحة (1338) .
(3) مستدرك الحاكم 1/45 (5) ، صحيح الجامع (1590) .
(1) البخاري في الأذان ، باب الرجعة الإمام بالتأمين 1/270 (747) .