المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الباعث الحَثيث في الرد على كِتاب «الحِجاب وحُجية الحَديث»



د. هشام عزمي
09-29-2004, 04:45 AM
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?threadid=4677

د. هشام عزمي
09-30-2004, 12:58 AM
الباعث الحَثيث في الرد على كِتاب «الحِجاب وحُجية الحَديث»

بقلم : محمد بن يوسف

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضِل الله، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسولُه، (صلى الله عليه وآله وسلم) ...

أما بعدُ ...

فإنَّ أصدق الحديثِ كتابُ اللهِ تعالَى، وأحسنَ الهَدْي هَديُ مُحمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها وكُلَّ مُحدثَةٍ بِدْعَة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة، وكُلَّ ضلالةٍ في النار ...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بينما عُلماءُ أهل السنةِ ومشائخُهم يُقيمون الحُجَجَ، ويؤصِّلون الأصول، ويُقَعِدون القواعِد؛ لإثبات وجوب لِبس النقاب على المرأة المسلمة في عَصرِنا -عَصرِ الفِتَن- ظَهَرَ أحدُ المُبتدِعَة –لا أكثرَ اللهُ مِنهم- يُقَرِرُ في كتابٍ مطبوعٍ مُتداوَل أنَّ شعرَ المرأة ليس بعورَة!!!، ويزعُم أنَّ هذا هو حُكم الله ورسولِه في هذه المسألة!!! ويمتدُّ تطفُلُّه على موائِد المُحدِّثين؛ فيعقِدُ فصلا في كتابه بعنوان "حُجية الحديث"، منفصِلا في نهاية بحثِه إلى أنَّ أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) لا علاقة لها بعقيدة أو شَرع؛ إنَّما هي تختص بعادات الناس، فإن شئنا عملنا بها وإن شئنا أعرضنا عنها !!!

يُعَدُّ هذا الكتابُ مِن أردأ وأسوأ الكُتُب التي خصصها مؤلِفُها –عاملَه اللهُ بما يستحِق- لهَدْم أحكام الدين الثابتة وطَمْس معالمِه وشعائرِه الظاهِرَة؛ بل لمُحاوَلَة هَدمِ أصولِه التي عليها يقوم؛ فحاول –حوَّلَه اللهُ إلى مصيرِه- التشكيك في "السُّنَة النبوية" وحُجيَّتِها واستقلالِها بالتشريع، وراح يَسوقُ الشُّبَهَ والافتراءاتِ العظيمةَ لإثبات ما يَرمي إليه، مُنفَصلا في نهاية بحثِه العقيم –والذي عَقَد له فصلا في كِتابِه بِعنوان: "حُجية الحديث"- إلى أنَّ أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) "لا هي تتصل بالدين ولا هي تتعلق بالشريعة، وأنَّه يمكن إنكار استقلالها بفرض الفروض الدينية أو بإيجاب الواجبات الدينية، دون أن يؤخَذ على المُنكِر شئٌ" اهـ ص/ 115. وصَرَّح بذلك بكل صراحَةٍ ووقاحَةٍ قائِلا، (ص 110): "ومَن أنكر استقلال أحاديث "سُنَةِ" الآحاد في إثبات الفُرُوض أو الوجوب أو التحريم لا يُعَد مُنكِرًا لشئ من الدين؛ فلا هو آثِمٌ ولا هو عاصٍ ولا هو كافِر؛ لأنَّه أنكر شيئًا اختلف فيه الأئمة وينبني على الظَن" اهـ.
وإن قُلتُ إنَّ هذا الفَصْلَ -كباقي الكِتاب- من أكثرِ فُصُولِ الكِتاب ضلالا وافتراءً على السُّنَة والأئِمَة، لَمَا جانَبْتُ الصَّوَاب، ولما حِدتُ عَن الحقيقَةِ والواقِع.

ومن أعجبِ ما تعجبُتُ له، وهو دالٌّ دلالة صريحةً على سوء فَهمِ المؤلِف لنصوص الشريعة فضلا عَن الفَهم المُطلَق، وأنَّ المؤلِف يهذي ولا يَدْري ما يقول؛ أنَّه يقول (ص 84): "والإسلام كعقيدة وشريعة ينأى عن الإطلاق ويبعُدُ عن الفَهم المُطلَق، فهو يُجيزُ عدمَ الإيمان به: (فمن شاء فليؤمِن ومَن شاء فليكفُر) [الكهف: 29]" !!!؟؟؟ وجَهِلَ –لا أقول نَسيَ- أنَّ اللهَ -سُبحانَه وتعالى- يقول: (ولا يرضَى لعبادِه الكُفر) [الزمر: 7] !

ويزداد ضلالُه وهذيانُه بقولِه (ص 84): "كما أنَّه [أي الإسلام] لا يقطَع بصورة مطلقة في شأن الخلاف بين المؤمِنين (أو ما جاء به الإسلام) وغيرهم؛ وإنما يترك الخلاف قائمًا –دون قطع أو إطلاق حتى يفصِل الله بين الجميع يوم القيامة): (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين ....) [الحج: 17]". فهو يزعُمُ أنَّ الإسلامَ لا يقطَع لنفسِهِ بأنَّه الدينُ الحق مِن بين سائر الأديان الأخرى كاليهودية والنصرانية والمجوسية؛ وتاللهِ إنَّ هذا لإحدى الكُبَر، وكَبُرَت كلمةً تلك التي خَرَجَتْ مِن فيه –فضَّه الله. فماذا تَفهَم مِن قول الله تعالى (إنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإسلام) [آل عمران: 19]، (ومَن يَبْتَغِ غَيرَ الإسلام دينًا فلن يُقْبَل مِنه) [آل عمران: 85]، (فلا تموتُنّ إلا وأنتم مُسلمون) [البقرة: 132].

وهو مع هذا وَقَعَ –دون أن يَدْري- في تناقُضٍ وتخبُّطٍ شَديدَين؛ فبينما هو يُصِرح أنَّ الإسلام لا يقطع لنفسِه بأنَّه الدين الحق من بين سائر الأديان الأخرى، إذ به يستدِل بنصوصِه القُرآنية على ذلك؛ فقُلْ لي بربِك: إذا كان الإسلامُ ليس حقًّا في نفسِه، فكيف تستدِلُ على ذلك –أي: بعدَم قَطْعِه بأنه هو الدينُ الحَق- بنصوصِه وأقوالِه ما دام هو ليس حقًا ؟؟؟!!! إنَّ مَثلَك كمَثَلِ راوٍ حكمتَ عليه بأنَّه لا يستطيعُ أن يَجزِم مِن أين أخذ مروياتِه، فحمكتَ على روايةٍ ما مِن مروياتِه بأنَّه أخذها مِن فُلان دون غيرِه، فقيل لك: ما دليلُك؟ فقلتَ: هو أخبرني بذلك (أي الراوي الآخِذ) !!! فأين مَحِلُك –حينئذٍ- في ميزان العُقلاء؟!!

ومن أعجب الأعجب أنَّ الكاتب يدعو دعوةً صريحةً إلى العِلمانية !!! بل ويؤكِدُ أنَّ الإسلام جاء بذلك !!! فيقول ص 85: "والإسلام كنظام ديني -وليس مشروعًا سياسيًّا- نظامٌ غيرُ شمولي؛ بل يترُّك للناسِ مساحةً كبيرةً يتصرفون فيها، ويدَعُ للمجتمَع مجالا واسعًا يتحركُ فيه، دون أن يصبَه في قوالبَ حديدية أو يشلَه بقواعدَ جامِدة، كما تعمل النظم الشمولية السياسية (الفاشية)" اهـ، وتزدادُ صراحتُه بقولِه في موضع آخر، ص 87: "إن الدين والسياسة من نسيجَين مُختلِفَين ومِن معدَنَين مُتنافِرَين. لذلك فإنه ما إن تدخل السياسة إلى الدين حتى تُحَوِّلَه إلى أيديولوجيا أي إلى مذهب شمولي ومعتقَد جامِد" !!! ويقول ص 85: "الإسلام ... نظامٌ ديني وليس مشروعًا سياسيًّا، فإنَّ السياسة فيه ليست أصلا ولا أساسًا" !!! ويُعَرِّضُ بِمَن يخلُط السياسة بالدين بقولِه ص 87: "الأيديولوجيون، خَالِطوا السياسة بالدين".

ولعل القارئَ يتسائلُ عَن الدافِع الذي دفعَ الكاتِبَ إلى هذه الدعوَة؛ الغريبُ أنَّ الدافِع هو نفسُه الذي مِن أجلِه ألف كتابَه المبتور؛ وهو: دعوَة المرأة إلى خَلعِ حِجابِها؛ لأنَّه –بزعمِه- ليس بعورَة؛ فيقول ص 91: "هذه الأيديولوجيا -[يقصِد ربطَ الدين بالسياسة]- التي زحفت على جوهَر الإسلام وأزاحت من البؤرة أي عقيدة صحيحة، نَزَعَت إلى أن تتخذ لها مظاهِر بدلا من الجواهِر وشعارات عِوَضًا عن الحقائق، فوجَدَت فيما تُسميه الحجاب شعارًا سياسيًّا وعلامة حزبية شأنها في ذلك شأن الأيدولوجيات التي اتخذت قُمصانًا –كذا- ملونة أو أربطة معينة أو قِلادات خاصة، شارات لها وعلامات لجماعتها؛ تريد أن تستشعر بها القوة وأن تزعُمَ بواسطتِها الانتشار" !!! ويستكمِل مؤامرتَه الخبيثةَ بقولِه: "فالحِجابُ إذَن (أو غطاء الشعر في الحقيقة) ليس فرضًا دينيًا ولا عملا شرعيًّا؛ لكنه في الواقِع شعارٌ سياسيٌ وعلامة حِزبية؛ إنه من ادعاء الأيديولجيا الإسلامية وليس من جوَهر الإسلام" !!! تعالى اللهُ عما يقولُ الظالِمونَ عُلوًّا كبيرًا، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

ويزدادُ بُهتانُ الكاتِبِ للإسلام وادعاءاته الباطِلَة الكاذِبَة؛ فيقول ص 100: "ولمَّا كانت الحياةُ متحرِكَةً متجدِدةً فقد نشأت واقعاتٌ وأحداثٌ لا حُكمَ لها في القرآن الكريم أو في السُّنَة النبوية"!!!

ولم يَسلم أئمةُ السُّنَة وعلماءُ الدين من حَملتِه المسعورَة ومفترياته الباطِلة؛ فراحَ يلمِزُ ويُعَرِّض بأنَّهم كحاطِب ليلٍ، يجْمَعون الأحاديث في كُتبِهم دون تحقيقٍ أو تمحيصٍ أو درايَة، ولا يستطيعون أن يميزوا صحيحَها مِن سقيمِها، انظر ص 11، 12، 105، 106، 112: 114.

بل نَسبَ –أضمَرَ اللهُ نَسَبَه- إلى بَعضِ الفُفقهاء أنَّهم كانوا يَضَعُون الأحاديث المكذوبَة على رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) !!! فيقول (ص 100): "ولمَّا كانت الحياةُ متحرِكَةً متجدِدةً فقد نشأت واقعاتٌ وأحداثٌ لا حُكمَ لها في القرآن الكريم أو في السُّنَة النبوية، ومِن ثَم اضطر بعضُ الفُقهاء –عند استخراج حُكمٍ جديد للواقعة الجديدة أو الحادثة الناشئة- أن يصوغوا الحكم في صورة قاعدة تُعنعَن ثم تُنسَب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) على أنها حديثٌ صَدَرَ عنه" !!! فانظر إلى تدليسِه على القراء بقولِه "اضطر بعضُ الفقهاء"؛ حتى يظُنَ القارئُ لأولِ وَهلَةٍ بالفُقهاء الظُنونَ، وما هؤلاء الفُقهاء الذين عناهُم إلا بعض فقهاء أهل الرأي، كما صرَّح هو بذلك بنفسِه بعد كلامِه هذا بأربعة سطور !!!

بل لم تسلَم دعوةُ الإمامِ المجدِّد (محمد بن عبد الوهاب) -رحمه الله تعالى- مِن لسانِه ؟؟؟؛ مثلُه مثل إخوانِه المُبتدِعَة الذين لم تسلَم هذه الدعوة الطاهِرَة مِن ألسنتِهم ومفترياتهم؛ فاللهُ حسيبُهم، انظر ص 114.

أما عَن تشكيكِه في شعائر الإسلام ومعالِمَه الظاهِرَة المتواتِرَة؛ فقد عقدَ في كتابِه فصلا بعنوان: "شعر المرأة ليس بعورة"! وقال ص 80: "شعر المرأة ليس عورة أبدًا"!!! بل ويجزِمُ بأنَّ هذا هو حكمُ اللهِ –تبارك وتعالى- في هذه المسألة؛ فيقول: "إن شعر المرأة (وشعر الرجل) لا يعتبر عورة أبدًا في المفهوم الديني الصحيح والتقدير الشرعي السليم" !!! انظر ص 79، والمؤلِّف لم يَدَع مجالا للتأويل عِندما قال: "فالحِجابُ إذَن (أو غِطاء الشَّعر في الحقيقة) ليس فرضًا دينيًّا ولا عملا شَرعيًّا"، ص 91.

وأمَّا عن عُلماء المُسلمين جميعًا الذين أجْمَعوا على أنَّ شَعْر المرأة عورة فيتَّهِمَهُم المؤلِّفُ بقولِه (ص 80): "والذي يقولُ غَيرَ ذلك [أي غيرَ رأيِه] يَفرِضُ مِن عِندِه ما لم يفرِضْه الدِّين، ويُلزِمُ النَّاس ما لا ينبغي أن يلتزموا به، ويُغَيّر ويُبَدِّلُ مِن أحكام الدِّين لِجَهلٍ شَخصيّ أو لِمصلَحَةٍ سياسية أو لأهداف نِفطية (كذا)" !!!؟؟؟ وخَصّ المُعاصرين مِمَن يرى فرضية النِّقاب على المرأة المُسلِمَة بِوصفِهم (ص 49) بأنَّهم "غُلاة المُتطَرِّفين وبُغاة المُتَشَدِّدين" !!!؟؟؟
وأومأ إيماءً ظاهِرًا إلى إباحة تزيُّن المرأة بأدوات الزينة ووضْع المساحيق على وجهها ويدها عند خروجِها من البَيت وأنَّ هذا يُبيحُه الشَّرع، انظر ص 80 و54 و71 !!! والعَجيبُ أنَّه يُصَرِّح (ص 30) أنَّ "الحُكمَ الدائِم هو الاحتشام وعدَمُ التَّبَرُّج"؛ فقلُ لي –بِرَبِك- إن كانَت المرأةُ التي تَخرُج مُتزينَةً عاريةَ الشَّعْر مُحتَشِمَةً وغيرَ مُتبَرِّجَة؛ فما هو التَّبَرُّج؟!

والمؤلِّف مُغرَّمٌ بحَشر جُملَة "كَثير مِن الفُقهاء" في جُلِّ ادعاءاتِه ومُفترياتِه الباطِلَة؛ فيقول –مثلا- (ص 24) عَن حَديث النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم): "احفوا الشوارِبَ وأطلِقوا –كذا- اللحية": "وهو حَديثٌ يكاد يُجْمِعُ كَثيرٌ مِن الفُقهاء" على أنَّ القَصدَ مِنه قَصدٌ وَقتيٌّ؛ هو التَّمييز بين المؤمِنين وغير المؤمِنين (الذين كانوا يَفعلونَ العِكس فيُطلِقون –كذا- الشوارِب ويُحفون اللِّحَى)". وكَذَب –ورَبي- بل أجْمَع العُلماء –كما نَقَلَ الإمامان ابنُ حَزمٍ وابن تَيميّة- أنَّه لا يجوزُ أخذ ما دونَ القَبضَة مِن اللِّحية ولم يُبِحْه أحَد. والمؤلِّف لا يزالُ يَسخَر بِعقولِ القُراء ويَستهين بِفَهمِهم في قولِه: "يكاد يُجْمِعُ كَثيرٌ مِن الفُقهاء"، فهل إجماعُ "كَثيرٍ مِن الفُقهاء" إجْماعٌ مُعتَبَرٌ؟!

وأومأ أيضًا إلى نَعتِ مَن يضَعُ الطاقيةَ فوقِ رأسِه مِن المُسلمين بالتَّطرُّف؛ فيقول ص 73: "بل زاد المُتطرِفون –يقصِد مِن اليهود- وأصبحوا يَضَعُون الطاقية فوق رؤوسهِم في كل حين وخلال سيرِهم في الشوارِع، وقد يَدعي بعضُهم أنَّه أمرٌ ديني ... وهو بذاتِه نفس الحال فيما يتعلَقُ بالخِمار عِندَ المُسلِمات"، والكاتِبُ –سامَحَه الله- يتَّبِعُ -وبكل خُبْثٍ- أسلوبَ "إياكِ أعنِّي واسمَعي يا جارَة" !!!

وادّعَى –كَذِبًا- أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) كان "يُحِبُ مُخالَفَةَ أهلِ مكة (المُشركين) وموافقةَ أهلِ الكِتاب، ومِن ثَم كان يَفرِق شَعْرَه على عادَةِ أهلِ مَكَة عندما كان يُقيمُ فيها، فلما هاجَرَ إلى المَدينَةِ ورأى أنَّ أهلَ الكِتاب يُرسِلون شُعورَهم أرسَلَ شَعْرَه"، انظر ص 74؛ فيا طالِبَ "عِلمِ الحَديث" خُذ مِن المؤلِّفِ مِثالا جيدًا للحَديثِ المَقلوب ! فلقد قَلَب الحَديثَ فَجَعَل آخِرَ الأمرَين مِن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) إرسالَ الشَعْر! والمَحفوظُ هو أنَّه (صلى الله عليه وسلم) كان يَفرِقُ شَعرَه!

بل ويتَعَجَبُ المؤلِّفُ مُستَنكِرًا: "فأصبحَ يُقالُ إنَّ الجِهادَ فَريضَةٌ والحِجابَ فَريضَةٌ"، ص 112.

ووَاللهِ؛ إنَّ في تضاعيف الكتاب مصائبُ وطامَّات، يومئُ إليها ما سبق ذِكرُه.

والعجيب أنَّ الكاتِبَ يُنافِح ويُناظِر في إثباتِ ما يُريد وكأنَّ الحقَ معه، بما قد يجِدُ كلامُه مَحِلا في القلوب المريضة، واللهُ المُستعان؛ فيقول ص 54: "وفقنا الله إلى الصحيح من الأمر، وأيدنا على الشجاعة في إبداء الرأي، وساعدنا على الاعتراف بالخطأ إن ظهر وجه الصواب" !!! ويقول ص 6: "إن القافلة لابُدَّ أن تسير؛ لأن العواء سوف يَخفُت ثم يَصمُت أمامَ قوةِ الحَق وقُدرَةِ الصِدْق" !!!؟؟؟

د. هشام عزمي
09-30-2004, 01:17 AM
طليعة التقويم التفصيلي للكتاب:

1- لم يَستَهِلِ الكاتِبُ كِتابَه بالتَّسمية أو حَمدِ الله والصلاة والسلام على رسوله (صلى الله عليه وسلم)، فجاء الكِتاب مَبتورًا أجذمًا، وهذا –واللهِ- مِن خُذلان اللهِ له، ومِن أكبَرِ الدلائِل على سوء نيّتِه، وقُبْح قَصدِه، فاللهُ حَسيبُه.

2- أورد الكاتِبُ عددَ الأحاديث التي جَمَعَها كلٌ مِن الأئمة: البخاري ومسلم ومالك بن أنس وأبو داود، في كُتُبِهم؛ وهي –على الترتيب-: (ستمائة ألف، ثلثمائة ألف، مائة ألف، خمسمائة ألف)، وقارنَها بعدد الأحاديث التي أخرجَها كلٌ مِنهم في كتابِه الذي صَنَفَه؛ (الصحيحَين، الموطأ، سنن أبي داود)؛ وهي –على الترتيب-: (2762 بدون المُكَرَر، 4000، 5000، 4800). ثم قال: "ومِنْ هذا يظهر الكَمُ الهائِل فيما روي من أحاديث (منحولة) عَن النبي (صلى الله عليه وسلم)، لم يَخْرُجْ منها إلا ما يُقابِل واحدًا في المائة، من وجهة نَظَرِ كُلِ جامِعٍ لَهَا" اهـ ص/11، وانظر ص/ 104 أيضًا.

قلتُ: هكذا حَكَمَ الكاتِبُ -دون تحقيقٍ أو دِرايةٍ- على ما جَمَعَه الأئمةُ مِن الأحاديث ولم يُدخِلوه في مُصنفاتِهم بأنَّه مَنحول ومكذوبٌ على النبي (صلى الله عليه وسلم) !

وهذا فيه نظرٌ كبيرٌ، يَجعلُنا نَجزِمُ بأنَّ الكاتِب يُحاوِلُ أن يطعنَ في سُنَة النبي (صلى الله عليه وسلم) بكُلِ طاقتِه؛ بالكَذِب والبُهتان وقَلب موازين الأمور والتدليس والغِش وغيرِه؛ فاللهُ حسيبُه:

اعلَم –علمَني الله وإيَّاك- أنَّ البخاري ومسلم –رحمهما الله- لم يستوعِبا في كِتابَيهما كُلَ الصحيح ولم يلتَزِما ذلك؛ ومعنى ذلك أنَّ الصحيحَ خارِجَ كتابِهما كثيرٌ. يقول (البخاري) –رحمه الله-: "ما أدخلتُ في كِتابِ الجامِع إلا ما صَحَ وتركتُ مِن الصِّحاح لحال الطول"، وقال أيضًا: "أحفَظُ مائة ألف حديث صحيح" (يدْخُل فيها آثار الصحابة والتابعين والأحاديث المكررة الأسانيد)، وقال (مسلم) –رحمه الله-: "ليس كُلُ صحيحٍ وضعتُه هُنا؛ إنَّما وضعتُ هُنا ما أجمَعوا عليه" (أي: ما أجمعوا عليه مِن شرائط الصحيح).

فعُلِم مِن هذه النصوص عَن هذَين الإمامَين الجليلَين أنَّ الأحاديث التي لم يُدخِلاها في كِتابَيهما لا يُفهَم أنَّها مَنحولَةٌ؛ بل الصَّحيح فيها كثير.
أنا أتسائلُ حتى الساعة: مِن أين استنبطَ الكاتِبُ الفَذُّ (!) أنَّ ما جَمَعه الأئمةُ المذكورون منحولا؟! وهل معنَى أنَّ إمامًا مِن الأئمة أغفَل إخراجَ بعضِ الأحاديث في كتابِه دون بعضها، أنَّها مَنحولَةٌ على رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم)؟!

إنَّ المُصنِف يضَع بعضَ الأحاديث في كتابِه دون الأخرى لغرضٍ مِن أغراض التَّصنيف العديدة؛ والتي مِن أهمِها: خَشيةِ الطول والمَلل (كما فَعَلَ الإمامُ البخاري –رحمه الله-)، التزامِ مَنهج وشَرطٍ مُعَين (كالشروط التي اشترطها الأئمة عِند تصنيف مُصنفاتِهم -كما ما فَعَلَ الإمامُ البخاري ومسلم –رحمهما الله- وكما اشترط الإمام مالك –رحمه الله- ألا يُدخِلَ في كتابِه إلا مَن يُحتَجُ بحديثِه-).

ولو تأمَل المُنصِفُ في مناهِج الأئمة الأربعة المذكورين وشروطِهم لعَلِم الدافِعَ الذي دَفَعَهم إلى اختيار هذا العدد القليل مِن الأحاديث لوضعِها في مُصنفاتِهم، على الرغم مِن ضخامَة ما جمعوه، واللهُ المُستعان.

ثم هناك أمرٌ آخر، يوضِحُ لنا أنَّ الكاتِبَ يستهزئُ ويلعبُ بعقول القراء بإثارة الكلمات الفضفاضة والعبارات الجذابَة؛ لو فَرضنا –جدلا وتمشيًا مَع الخِصم- أنَّ الأحاديث الصحيحة هي التي أخرَّجها العلماءُ في مُصنفاتِهم دون الأخرى، هل معنى ذلك أن كلَ ما لم يصِح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) منحولٌ عليه؟! إذن فما معنى إدخال العلماء في مصنفاتِ "عِلم مُصطلح الحديث" المصطلحات الآتية: ضعيف، مُنقَطِع، مُرسَل، مُعضَل، ضعيف جدًا، مُنكَر، شاذ. وكأنَّ الكاتِبَ –كَتبَه اللهُ مِن الغاوين- حَصَر القِسمَة في الصحيح والموضوع (المنحول) !

ثم هناك أمرٌ ثالِثٌ، لن يَجِدَ الكاتِبُ له جوابًا، وإن مَكَثَ عُمرَ (نوح) –عليه السلام! أقول للكاتِب: ماذا تقول في الأحاديث الضعيفة التي أخرجَها الإمامُ (أبو داود) –رحمه الله- في "سُنَنِه" ؟! وكيف أخرجَها مِن بين الخمسمائة ألف حديث ورأى أن يُدخِلَها في كتابِه وهي ضعيفَةٌ ؟! إنَّ هذا يعني أنَّ ما يُخرِجُه الإمامُ مِن مجموعِ ما جَمَع لا يَعني بالضرورة أنَّه صحيحٌ –حتى مِن وجهَة نظر هذا الإمام، تمامًا مِثلما لا يعني ذلك أنَّ ما جمعَه منحولٌ !!!؟؟؟

والأعجب مِن ذلك أنَّ الكاتِب -بقولِه "ومِنْ هذا يظهر الكَمُ الهائِل فيما روي من أحاديث (منحولة) عَن النبي (صلى الله عليه وسلم)، لم يَخْرُجْ منها إلا ...."- جَعَلَ الأصلَ فيما جَمَعَه العلماء أنَّه موضوع؛ لم يَشِذّ مِنه إلا واحدٌ في المائة، وتلك –واللهِ- فِريَةٌ عظيمةٌ سُيسأل عنها أمامَ ربي –عز وجل.

3- قوله: "وقال ابن القيم في "الوابل الصيب": إنَّ ما سمعه عبد الله بن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يبلغ 20 (عشرين) حديثًا". وعن ابن معين والقطان وأبي داود في السنن أن عبد الله بن عباس روى تسعة أحاديث، ومع ذلك فقد أسند له أحمد بن حنبل في مسنده 1696 حديثًا" اهـ ص/11.

قلتُ: واللهِ إنَّه لَمزٌ وتعريض بإمام جليل القَدْر، وهو الإمام (أحمد بن حنبل) -رحمه الله تعالى، ومن ناحية أخرى فهو دعوىَ عريضة لردِّ شَطْرٍ كبيرٍ مِن السُّنة بمثل هذه الجهالات والشُّبُهات الزائفة.

وها أنا أسوقُ لكَ نَصَّ الإمام (ابن القَيم) –رَحِمَه الله تعالى- بِحروفِه؛ لِتَعلَم كيف اقتطَعَ المؤلِّفُ مِنه ما يوافِقُ هواه، وأعرض عَمّا يهِدُّ ما بناه هَدًّا ! يقولُ (ابنُ القَيم) –رَحِمَه الله-: "وهذا عَبدُ اللهِ بنُ عباسٍ حِبرُ الأمَّةِ وتُرجُمَان القُرآن، مِقدارُ ما سَمِعَ مِن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) لم يَبْلُغ نحوَ العشرين حَديثًا، الذي يقولُ فيه "سَمِعتُ" و"رأيتُ". وسَمِع الكَثيرَ مِن الصَّحابَةِ، وبورِك في فَهمه ....." اهـ المُراد مِنه، «الوابِلُ الصَّيِّب»، ص 55، طـ دار الكُتب العِلمية.

فانظر لقول (ابن القيم) -رحمه الله-: "وهذا عَبدُ اللهِ بنُ عباسٍ ... مِقدارُ ما سَمِعَ مِن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) ....."، فابنُ القَيم –رحمه الله- يتكلم عن الأحاديث التي رواها (عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بصيغة التحديث أو السَّماع (كسَمِعتُ، حدثنا، أخبرنا، ...)، فهي لم تَبْلُغ 20 حديثًا -علي حَدِّ قول ابن القيم (رحمه الله)، أما الأحاديثُ التي أسندها الإمام (أحمد) –رحمه الله- والتي بلغت 1696 حديثًا –على حَدِّ قول الكاتب؛ فهي جملة ما رواه (عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- عن النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ سواءً بصيغة العنعنة أو الأننة (عن، أن)؛ -وهذه لا تُصَرِّحُ بالسَّمَاع، أو بما صرَّح فيها (عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- بالسَّماع؛ -وهذه لا تتجاوز 20 حديثًا.

واعلم -أخي المسلم- أنَّه لا اختلاف بين العلماء المُحققين في أنَّ الصحابيَ إذا روى حديثًا عن النبي (صلى الله عليه وسلم) مُصَرِّحًا بأنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قالَه؛ فهو حُجَةٌ، سواء صرَّح بالتحديث أم لم يُصرِّح؛ لأنَّه لا يخلو مِن ثلاث حالات: إمَّا أن يكون سَمِعَه مباشرةً مِن النبي (صلى الله عليه وسلم) فهذا لا إشكالَ في حُجيته، وإمَّا أن يكون حدثَه به صحابيٌ آخر عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وإخفاء اسم هذا الصحابي في السَنَد لا يضُرُّ؛ لأنَّ الصحابة كلهم عُدولٌ، وإمَّا أن يكون سَمِعَه من تابعيٍ -وهذا نادِرٌ جِدًا، وفي هذه الحالة فما دام الصحابيُ صَرَّح بأنَّ الرسولَ (صلى الله عليه وسلم) قالَه فلا إشكالَ في حُجيتِه أيضًا.

ثم كون الإمام (أحمد) –رحمه الله- أسند 1696 حديثًا لعبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) في مسنده، لا يعني بالضرورة أنَّها كلَها صِحاحٌ (مقبولة)؛ بل علينا أولا أنَّ نُثبِتَ صِحَة سَنَدِها إلى (عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما-، ثم نُطبِقُ باقي شروط الصِحَة عليها (السلامة من الشذوذ والعِلة).

فما تحقق لنا صحتُه ولم يُصرِح فيه (ابن عباس) -رضي الله عنهما- بالسَّماع، فهو مِمّا سَمِعَه مِن أحد الصحابة أو التابعين -رضوان الله عليهم أجمعين-، وربما أخفي اسمَه في السَنَد وظَهَرَ في طريقٍ آخر، أو لم يَظْهَر؛ فكلهم عدولٌ ثِقات، وقد يكون (ابن عباس) أضمر اسم مَن حدثه من الصحابة؛ طالبًا علو السَنَد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يكونَ بينَهما أحدٌ؛ فهو شَرَفٌ أيُ شَرَف.

وبهذا يتضحُ حَلَ اللُّغز الذي لَغَز به (العشماوي) مِن أنَّ (ابن عباس) -رضي الله عنهما- لم يسمع من النبي (صلى الله عليه وسلم) سوى 20 حديثًا، ومع ذلك فقد روى له الإمام (أحمد) 1696 حديثًا في مسندِه !!!

وواللهِ إنَّ مَن يقرأ كلام (العشماوي) دون تدبُّرٍ ربما وَقَع في الغلَط واللغط على الأئمة، فعَليه مِنَ اللهِ ما يستحِق، وفي ذلك القَدْرِ الكِفاية، واللهُ المُستعان.

4- قوله: "أبو هريرة –كذا- عاشر النبي (صلى الله عليه وسلم) عامًا وتسعة أشهر أي 21 شهرًا وقد روى عنه 5374 حديثًا خرج منها البخاري 446 حديثًا. وعن عائشة –كذا- زوج النبي –كذا- أنها قالت: "رحم الله أبا هريرة أساء سمًعا فأساء إجابة" (أي رواية)" اهـ ص/11.

قلتُ: استَهَلّ الكاتِبُ كلامَه بمُغالَطَةٍ تاريخية ظاهِرٌ عَوارُها؛ فأبو هريرة –رضي الله عنه- عَاشَرَ النبيَ (صلى الله عليه وسلم) ثلاث سنوات (36 شهرًا) على الأقل، لا 21 شهرًا كما يَزعُم الكاتِبُ !!! وهاك الدليلَ:

روى الإمامُ البخاري –رحمه الله- عَن (أبي هريرة) –رضي الله عنه- قال: "صَحِبْتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) ثلاث سنين لَم أكُنْ في سِنِيَّ أحْرَصَ على أن أعِيَ الحَديثَ مِنِّي فيهِنَّ ..." (ح 3591 فتح)؛ بل إنَّ (أبا هريرة) -رضي اللهُ عنه- صَحِب النَّبي –في الواقِع- أربع سنوات؛ [لأنَّه قدم في "خيبر" سنة سبع وكانت خيبر في صفر، ومات النبي (صلى الله عليه وسلم) في ربيع الأول سنة إحدى عشر؛ فتكون المدة أربع سنين وزيادة، وبذلك جزم [التابعيُّ الثِقَة] (حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيِّ)؛ قال: صَحِبْتُ رَجُلا صَحِبَ النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) كما صَحِبَه (أبو هُرَيْرَة) أرْبَع سِنين"]، أخرجه الإمام أحمد (16564) وأبو داود (81) والنَّسائي (238) بسند صحيح إلى حُمَيد، ولا يضُّر إبهام الرَّجُل لِسَبَين: لأنَّه في المَتن لا في السَّنَد، ولأنَّ الشاهِد لا علاقة له بالرجل المُبهَم فلا يضُر، والحمدُ لله.

والكاتِبُ –هنا- لم يُفصِح عن غايتِه مِن إيراد ما أوردَه بشأن الصَحابي الجليل (أبي هريرة) –رضي الله عنه؛ ولكن اللبيبَ يشَمُّ مِن كلامِه التعريضَ بسوء حفظه وروايته، ولَمزِه بالكَذِب؛ إذ –في رأي الكاتب- كيف رَوَى (أبو هريرة) –رضي الله عنه- هذا العدد الكبير مِن الأحاديث رغم أنَّه لم يُصاحِب النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) إلا 21 شهرًا –حسب كَذِب الكاتِب ؟! ومع ذلك؛ فالكاتِب لم يأتي بِبِدْعًا مِن القول؛ فهو مُقَلِدٌ -ليس أكثر- لأجدادِه أمثال (النظام) و(المريسي) و(البلخي)، وإخوانِه المُستشرقين أمثال (جولدتسيهر) و(شبرنجر)، والشيعي الإمامي (عبد الحسين شرف الدين العاملي)، والذي سَفِه نفسَه (محمود أبي رية). فانظر إلى مَن يتخِذ الأسوة السيئة في الضَلال، وينعِقُ بما لا يَفهَم إلا كلامًا، وسَلِ الله السلامَة والثبات حتى الممات.

وانظُر –لِزامًا- للرّد على كلِ ما أثير عَن هذا الصَّحابي الجَليل، كِتابَ «أبو هُريرة راوية الإسلام»/ للدكتور: مُحمَد عجاج الخَطيب –رَحِمَه الله، وهو مِن مَطبوعات "مكتبة وهبة"، بمصر.

5- قوله: "الترمذي أبو عيسى محمد بن عيسى 815 – 892م" هو الذي وضع وصف الحديث بثلاثة أوصاف: صحيح وحسن وضعيف. فهذا الوضع لم يجتمع عليه الأئمة؛ وإنما هو من وضع رجل فرد من علماء الأمة، يمكن الأخذ به أو الإعراض عنه أو وضع أوصاف أخرى غيرها" اهـ ص/ 11: 12.

قُلتُ: أنا أتسائلُ: لماذا أرّخ الكاتِبُ تاريخ مولِد ووفاة الإمام (التِّرمذي) –رَحِمَه الله- بالتاريخ الصِّليبي؟!

وقولُه: "التِّرمذي ... هو الذي وضع وصف الحديث بثلاثة أوصاف: صحيح وحسن وضعيف"؛ فاعْلَم أنَّ العُلماء اختلفوا في أول مَن أطلق الحَسَنَ على الحَديث المَعروف باسم "الحَديث الحَسَن" على أقوال، يَرَى شيخُ الإسلام (ابن تَيميّة) –رَحِمَه الله- أن (التِّرمذي) –رَحِمَه الله- هو أول مَن اصطلح على تَقسيم الحَديث إلى صَحيح وحَسَن وضَعيف، وأنَّ مَن قَبل (التَّرمذي) كانوا يُقَسِّمون الحَديث إلى صَحيحٍ وضَعيفٍ فَقَط؛ "والضَعيف عِندَهم نوعان: ضَعيفٌ ضَعفًا لا يُمتَنَعُ العَمَلُ به وهو يُشبِه "الحَسَنَ" في اصطلاح (التِّرمذي)، وضَعيفٌ ضَعفًا يوجِبُ تَركَه وهو الواهي" اهـ مِن "مجموع الفتاوي" (18/23).

فعلى أي حالٍ فسواء كان التِّرمذي هو أول مِن قَسَّمَ الحَديثَ إلى هذه التَّقسيمات الثلاثة أو كان هذا التَّقسيمُ قَبْلَه؛ فإنَّ هذا ما هو إلا اختلافٌ في الاصطلاح، ولا مُشاحَّةَ في الاصطلاح، فمَن قَسَّم الحَديث –قَبْلَ الإمام (التِّرمذي)- إلى صَحيحٍ وضَعيفٍ فقط يكون الحَسَنُ داخلا في الصَّحيح.

والآنَ أسوقُ ما تَيَسّر مِن أسماء الأئمة الذين عَرَفوا "الحَديث الحَسَن" قبلَ وبَعدَ الإمامِ (التِّرمذي) –رَحِمَه الله- حتى يعلمَ المؤلِّفُ هل فِعلا "هذا الوضع لم يجتمع عليه الأئمة" أم لا؟! سُفيانُ الثَوري، الشافعي، يحيى بن سَعيد القَطان، أحمد بن حَنبَل، مُحمَد بن يحيى الذهلي النَّيسابوري، البخاري، أبو حاتم الرازي، النَّسائي، أبو داود السجستاني، (التِّرمذي)، الدارقُطني، البَيهقي، ابن الصَّلاح، النووي، ابن تيمية، الذَهبي، ابن كثير، ابن رجب الحَنبَلي، ابن التُركماني، العلائي، العراقي، ابن حَجَرٍ العسقلاني، السخاوي. فهل القومُ إلا أولئك؟! فهؤلاء هم مَن لا يشقَى جَليسُهم!

قولُه: "لم يَجتمِع عليه الأئمةُ" حُجَةٌ عليه لا له؛ فمَهومُ قولِه هذا: أنَّ ما اجتمَعَ عليه الأئمة حُجَةٌ، والأئمة مُجمِعون على أنَّ الحَديثَ "الآحاد" مِنه ما هو صَحيحٌ (مَقبول) ومِنه ما هو ضَعيفٌ (مَردود)، فهَل يأخُذ المؤلِّفُ بهذا الإجماع؟! وإن أخذ بهِ فهو يُقِرُّ –إذَن- أنَّ هُناك أحاديثَ صَحيحَةً، والأحاديث الصَّحيحة يَجِبُ العَمَلُ بها بإجماعِ العُلماء جَميعًا، فلماذا قال المؤلِّف عَنها (ص 115) أنَّها: "أحاديثٌ ظنية لا يؤخَذُ بها في المسائل الاعتقادية؛ فلا هي تتصل بالدين ولا هي تتعلق بالشريعة، وأنَّه يمكن إنكارُ استقلالِها بفرض الفروض الدينية أو بإيجاب الواجبات الدينية، دون أن يؤخَذ على المُنكِر شئٌ" ؟!!

د. هشام عزمي
09-30-2004, 01:20 AM
6- قوله (ص 12): "ثَبَت لنا –[يعني: نفسَه]- أنَّ أهم حديثين يؤثران في الفكر الإسلامي، ويصوغان العمل الإسلامي؛ لا يوجدان في أية مجموعة من مجموعات الأحاديث المُعترَف بها، هذا الحديثان هما: "تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة"، "مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطِع فبلسانِه، فإن لم يستطِع فبقلبِه، وهو –كذا- أضعف الإيمان".

قُلتُ: يبدو أنَّ الكاتِبَ لم يَقتني في مكَتبَتِه الخاصَّة ثاني أصح كُتُب السُّنَة بَعد «صَحيح البُخاري»؛ وهو «صَحيح مُسلِم» ! لأنَّ حَديثَ "مَن رأى مِنكم مُنكرًا فليُغَيرْه ..." رواه مُسلِم (49) وأيضًا رواه الإمام أحمد في "مُسنَدِه" (10766) والتِّرمذي (2172) وأبو داود (1140) والنَّسائي (5008) وابن ماجة (4013) !!! أم أنَّ «صحيح مُسلِم» ليس مِن "مجموعات الأحاديث المُعترَف بها" عِند المؤلِّف ؟! أم أنَّ الأمرَ كما يقولون "رَمَتني بدائِها وانسَلَت" !

وأمَّا حَديث "تناكحوا تناسلوا ..."؛ جاء عند عيد الرزاق [6 / 173] بلفظ : ((تناكحوا تكثروا ، فإني أُباهي بكم الأمم يوم القيامة ..)) .

7- قوله (ص 117): "ففي الحديث "لا تُقْبَل صلاة الحائض إلا بخمار" ... هذا الحديث يفيد بوضوح أن شعر المرأة لم يكن يغطى "وفقًا لحديث إذا عركت المرأة"، وأنه من ثم كان يوضع عليه خمار أثناء الصلاة ... فالوصية بأن تغطي المرأة رأسها بخمار عند الصلاة يفيد –بمفهوم المخالفة- أن هذا الرأس لم يغطى قبل الصلاة، أي أن غطاء الرأس وصية للمرأة عند الصلاة، لكنه لا يلزم فيما عدا ذلك، ولا أساس متينًا للقول بغير ذلك؛ بل هي آراء متضاربة يشد بعضها أزر بعض، فيقوض بعضها كل بعض". ويقول ص 75: "فلو أن الأصل أن تضع المرأة غطاء على رأسها عمومًا، لما كانت ثمة وصية –ولا مناسبة- لأن يُطلب منها وضع خمار على رأسها أثناء الصلاة. فحديث الخمار يفيد أن المرأة لم تكن دائمًا ولا أصلا تضع على رأسها، وأن الحديث يوصي بأن تضع خمارًا على رأسها (لتغطي شعرها) وقت الصلاة، ووقت الصلاة فقط" اهـ ! وانظر أيضًا ص 79 و120.

قُلتُ: هذا الكلامُ كلُه باطِلٌ، وهاك البيان:

1- وقع الكاتبُ في تخبُّط وتناقُّض شَديدَين؛ فبينما هو يُصَرِح (ص 120): "أنه لا يؤخذ بأحاديث "سنة" الآحاد" في الأمور الاعتقادية –التي تتصل بالدين أو تتعلق بالشريعة- لأن هذه الأمور ينبغي أن تنبني على اليقين ولا تؤسس على الظنون، ومن ثم فإنه لا يقوم بحديث "سنة" الآحاد" فرض ديني أو واجب ديني، وإنما يعمل بهذا الحديث في شئون الحياة الجارية، على سبيل الاستئناس والاسترشاد" اهـ [وسيأتي الرَّدُ على هذه الشُّبهَة في الفقرة التالية] !!! إذ به يستدِل بحديث "آحاد" هُنا على ما يُريد، بِلَي أعناق النصوص، والفَهم العَقيم، والشُّبَه الزائفة، وعدم الرجوعِ إلى أقوالِ العلماء في الحديث.

2- أقول للكاتب: إذا كُنتَ قد فَهِمَتَ من قولِ الرسول (صلى الله عليه وسلم): "لا تُقْبَل صلاة الحائض إلا بخمار" بأنَّ "هذا الرأس لم يُغطَى قبل الصلاة، أي أن غطاء الرأس وصية للمرأة عند الصلاة، لكنه لا يلزم فيما عدا ذلك" (ص/ 117)؛ فأنا أُلزِمُك إلزامًا لا انفكاك منه –إن شاء اللهًُ تعالى- أن تفهمَ من قولِه (صلى الله عليه وسلم): "لا تنتقب المرأة المُحْرِمَة ولا تلبَس القُفازَين" [راوه البخاري] أنَّ الأصل في المرأة أنَّها تلبَسُ النِقاب –الذي يسُتُر الوجَه فضلا عن الشَعْر- والقُفازَين، ولذا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) –في هذا الحديث- المرأة بعدم لِبس النِقاب والقُفازَين عِنَد الإحرام؛ لِمَا كان مُقرَرًا أنَّ المرأة إذا خرجَت مِن بيتِها لَبِسَتِ النِقاب والقُفازَين. فهل يا تُرَى فَهِم الكاتِبُ من هذا الحديثَ ما قُلتُ؟! أم أنَّه لا يستدِلُ به لأنَّه حديث "آحاد"؟! أم أنَّه ينتقي مِن السنة ما يوافِق هواه ومُرادَه ويُعرِضُ عَن الآخر؛ فيدخُل في قولِ اللهِ تعالى (أفتؤمِنون ببعض الكِتاب وتكفرون ببعض) ؟! وإنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعون.

3- أما الجوابُ عَن هذه الشُّبهَةِ التي أوردها الكاتِبُ في غير موضِعٍ مِن كتابِه وطار بِها فَرَحًا -وواللهِ إنَّها شُبْهَةٌ يُغني فسادُها عَن إفسادِها-؛ فأقول: الأصلُ في النساء هو القَرارُ في بيوتِهِنَّ؛ لقولِه تعالى (وقَرنَ في بُيوتِكُنّ) [الأحزاب: 33]، ولما كان الأمرُ كذَلِك، لَزِمَهنَّ أداءَ الصلاةِ في بيوتِهن، ولما كان الغالِبُ على النِّساء أن يمكُثنَ في بُيُوتِهن كما يروقُ لهُن –إذا أمِنَّ عَدَمَ نَظَرِ الأجانِب-؛ سواء بكَشْفِ الشَعْر أو التَزَيُّن أو لبس الرقيق مِن الثياب –في حَضرَة الزوج فقط-؛ كان الأصلُ في المرأة في بيتِها أنَّها لا تلبَسُ حِجابًا يُواري شَعْرَها؛ فأمرها رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) إذا قامَت إلى الصلاة بارتداء الخِمار. وهُنا أمرٌ آخر؛ قد يتوهَم بعضُ النِّساء أنَهُنَّ ما دُمنَّ بعيدين عَن نَظَرِ الأجانِب، فيجوزُ لهُنَّ كَشْفَ شَعرِهِنَّ في الصلاة، فجاء الحديثُ ليُقَرِرَ وجوب سَتر الشَعْر بالخِمار. وأمرٌ ثالِثٌ يُقَرِرُه الحديثُ؛ وهو أنَّ بعضَ النِّساء قد يتوهمنَّ جوازَ الصلاة بوَضْعِ غِطاءٍ على الشَعْر فَقَط –دون العُنُق والصَدْر- (وهو ما يُعرَف اليومَ بـ "الطَرْحَة")، فجاء الحديثُ لِبيانِ وجوب سَتر الشَعْر بالخِمار، والخِمارُ فَقَط، والله تعالى بأحكامِه أعلَم.
أما إن خَرَجَت المرأة مِن بيتِها لضرورَة، أو قاصِدَةً الصلاةَ في أحد المساجدِ البَعيدَةِ عن نَظَر الرِّجال؛ فتخرُّج مُنتقِبَة ولابِسَةً القُفَازَين، فإذا قامَت إلى الصلاة كَشَفَت وجْهَهَا –إذا أمِنَت عَدَم نَظَرِ الأجانِب-، وهذا ما يُقَرِرُه الحديث الشريف هُنا.

فالحديث –في كِلا الحالَتَين- لا يُفهَم مِنه بحالٍ مِن الأحوال ما فَهِمَه الكاتِب مِنه، فاللهمَّ ارزُقْنا حُسنَ الفَهَم لكِتابِك وسُنَةِ نبيك (صلى الله عليه وسلم).
أما الأدِلَة على وجوب سَتر العَورَة للمرأة وعَدَمِ لِبْسِ الضَّيقِ والرَّقيق أثناء الصلاة؛ فتُراجَع في مظانِّها في كُتُب الفِقه؛ فليستْ هي مِن موضوعِنا.

4- أما استدلال الكاتِبِ -على ما يَدَّعِي- بمفهوم المُخالفَة؛ فأقول: على الكاتِب أن يُراجِع مَبْحَثَ "مفهوم المُخالَفَة" مِن كُتُبَ أصولِ الفِقه جيدًا؛ فسيجد فيه أنَّ هناك حالاتٍ عدَّها العلماءُ يُمتنَعُ فيها العَمَلُ بمَفهومِ المُخالَفَة؛ مِن هذه الحالات ما يُعرَف بـ "مفهوم اللَّقَب"؛ فهو لا يُعمَل به عِند جمهور العُلماء؛ مِثالُه: قولُ الرسول (صلى الله عليه وسلم): "صلاة الليل مَثنى مَثنى"، هل يفَهم فاهِمٌ مِن هذا الحديث أنَّ تخصيصَ صلاةِ الليل بالذِكر معناه أنَّ صلاة النَّهار تكون رُباعيَّة؟! كيف وقد ثَبَتَ أنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) صلى الضُّحَى ثمانِ ركَعات يُسلِّمُ مِن كل اثنتَين؟! وكان (صلى الله عليه وسلم) لا يدَعُ اثنتَين بعد الظُهر، إلى غير ذلك مِن الأدِلَة التي تُثبِتُ جوازَ الصلاة بالنهار مَثنى مَثنى، وهو ما لا يُفهَم مِن الحديث، ولذلك مَنَع العُلماء العَملَ بمُقتضَى هذا المَفهوم. وكقولِه تعالى (محمد رسول الله) [ ]؛ لا نفَهم مِنه مُطلَقًا أن غيرَ محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) ليس رسول الله؛ فهذا كُفرٌ بالله يُخالِف صريحَ القرآن. والحديث الذي نحنُ بِصَدَدِه مِثالٌ صالِحٌ لِمَفْهومِ اللقَب؛ فلا يُمكِن أن نفهَمَ مِن هذا الحديث أنَّ الأصلَ في المرأة أنَّها عاريةُ الشَعْر، ولذا أمَرَهَا النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بلِبس الخِمار عند الصلاة! فالحديثُ معناه: "لِبسُ الخمار مِن شروط الصلاة"، فهو يُقَرِرُ شَرطًا عامًّا مِن شروطِ الصلاة، يستوعِبُ مُختلفَ أحوال المُكلَفِ ... فهل أنا إذا قُلتُ: مِن شروط الصلاة: "سَتر العَورَة"؛ أفهَم مِن ذلك أنَّ الإنسان خارِجَ الصلاةِ يكونُ مكشوفَ العورَة؛ نسألُ اللهَ السلامَة.

5- وقع المؤلِف في تناقُض وتخبُّط في قولِه: "بل هي آراء متضاربة يشد بعضها أزر بعض، فيقوض بعضها كل بعض"؛ أولُ كلامِه ينقُضُ آخِرَه؛ كيف تشّد الأراءُ بعضَها أزر بعضٍ [وهذا ينتُج عنه التماسُّك والقُوَّة] فيقوِّض بعضُها كلَ بعض؟!! إن الكاتِبَ خالفَ الفِطرَة، فخالفَ لِسانُه مُرادَ عقلِه وفِكرِه، فزَلَّ قَلمُه، فلم يأتِ على الجادَّة، واللهُ المُستعان.

6- قولُه: "لكنه لا يلزم [أي غِطاء الرأس للمرأة] فيما عدا ذلك، ولا أساس متينًا للقول بغير ذلك" مِن أبْطَل الباطِل؛ فشَعرُ المرأةِ عَورَةٌ يَجِبُ ستَرها بإجماع العُلماء، لم يَشِذَّ مِنهم أحدٌ قَط مُنذ عَهدِ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) حتى الآن؛ بل وإجماعُهم أشمَلُ مِن ذلك؛ فقد أجْمَعوا على أنَّه لا يجوزُ للمرأةِ البالِغَةِ أن تُظهِرَ أكثرَ مِن وَجْهِها وكَفَيها، فأمَّا إظهارُ الوَجْه والكَفَين فَفيه خِلافٌ مَشهورٌ: الراجِحُ فيه أنَّه يَجِب سَترُهما عَن الأجانِب.

والأدِلَةُ على ذلك كَثيرَةٌ جِدًّا، مِن الكِتاب والسُّنَة:

أولا: بعضُ أدِلَة القرآن الكريم على وجوب النِّقاب، فضلا عن تَغطية الشَّعر فَحَسبُ:
قولُه تعالى: (يا أيها النَّبي قُل لأزواجِك وبَنَاتِك ونِساءِ المؤمِنين يُدنينَ عليهنَّ مِن جلابِيبِهِنَّ ذلك أدْنَى أن يُعْرَفنَ فلا يُؤذَيْن) [الأحزاب: 59]. "فالضَميرُ في قولِه تعالى (يُدنينَ) يَرجِعُ إلى ثلاث طوائف جَمعاء: إلى أزواج النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) وإلى بناتِه وإلى نِساء المؤمِنين، وقد أجمَعوا على أن سَترَ الوَجْه والكَفَين كان واجِبًا على أزواجِه (صلى الله عليه وسلم)، فإذا دَلّ هذا الفِعْلُ على وجوبِ سَتر الوَجْه والكَفَين في حِقِ طائفَةٍ مِنها؛ فلِم لا يَدُلُّ نفسُ ذلك الفِعْلِ على نَفس ذلك الوجوب فغي حَقِ الطائِفَتَين الأخرَيَين"، [مِن كلام العلامة (أبي هِشام عبد الله الأنصاري) –أثابَه الله-، نقلا عَن «عودة الحِجاب»/ للشيخ (محمد إسماعيل المُقَدَّم) –حَفِظَه الله-، ص 213 بِتَصَرُّف، طـ مكتبة الصفوة، مصر].
قولُه تعالى (وإذا سألتموهن متاعًا فأسألوهنّ مِن وراء حِجاب) [الأحزاب: 53]، وهذه هي آية الحِجاب، "وهي تَعُمُّ بإطلاقِها حِجابَ جَميع الأعضاء بما فيها الوَجه والكَفَين، لا تستثني عُضوًا مِن عُضو، وهذا المَعنَى هو الذي يَشهَد له عَمَلُ أمهات المؤمِنين، ولم يَختلِفِ العُلماءُ في تَعيين هذا المَعنَى"، [«عودة الحِجاب»، ص 233].
ج- قولُه تعالى (وقَرنَ في بُيوتِكُنّ) [الأحزاب: 33]. أي الزَمنّ بيوتَكُنّ أيتُها النِّساء؛ فلا تَخرُجنّ إلا لحاجة شَرعيَةٍ ماسّة.

ثانيًا: بعضُ أدِلَة السُّنَة النبوية الصَّحيحة على وجوب النِّقاب، فضلا عن تَغطية الشَّعر فَحَسبُ:
قولُه (صلى الله عليه وسلم): "المرأة عورة" [رواه التِّرمذي (1173)]، فقولُه "عورَة" يعني يَجِبُ سَترَها عَن الأجانِب.
قولُه (صلى الله عليه وسلم): "لا تَنتَقِبُ المرأة المُحرِمَة ولا تَلبَسُ القُفازَين" [رواه البُخاري (4/52)]؛ يعني -بِمفَهوم المُخالَفَة- أنَّ الأصلَ في غَيرِ المُحرِمَة تكون مُنتَقِبَة لابِسةً القُفازَين.
ج- عَن (عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ) –رَضيَ الله عنهما- قال: قال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): "مَن جَرَّ ثَوبَه خُيلاء لم يَنظُرِ اللهُ إليه يومَ القيامَة"، فقالت (أم سَلَمَة) –رَضيَ اللهُ عنها-: فكيفَ يَصنَعُ النِّساءُ بذيولِهِنّ؟ قال: "يُرخينَ شِبرًا"، فقالَت: إذًا تَنكَشِفُ أقدامِهِنّ، قال: "فيُرخينَه ذِراعًا لا يَزِدْنَ عليه" [رواه أبو داود (4117) والتِّرمذي (4/223) وقال: هذا حَديثٌ حَسنٌ صحيحٌ]. "فهذا الحَديثُ دَليلٌ على وجوب سَتر قَدَمِ المرأة، وأنَّه أمرٌ مَعلومٌ عِند نساء الصَّحابة –رَضيَ الله عنهم، والقَدَمُ أقَلُ فِتنَةً مِن الوَجْه والكَفَين بلا رَيب، فالتَّنبيه بالأدْنَى تَنبيهٌ على ما فوقَه وما هو أولَى مِنه بالحُكم، وحِكمَةُ الشَّرعِ تأبَى أن يجب سَترُ ما هو أقل فِتنةً ويُرَخِصُّ في كَشفِ ما هو أعظَمُ فِتنَةً؛ فإنَّ هذا مِن التناقُضِ المُستحيل على حِكمَةِ الله وشَرعِه"، [مِن كلام العلامة (مُحمَد بن صالح العُثَيمين) –رَحِمَه الله-، مِن كتابِه «الحِجاب»، ص 18، نقلا عَن «عودة الحِجاب»، ص 307: 308].

ثالِثًا: "أجْمَع العُلماء جميعًا –ومِنهم عُلماء المذاهِب الأربَعَة- على وجوب تَغطيةِ المرأةِ جَميعَ بَدَنِها عَن الأجانب، سواء مَن يَرىَ مِنهم أنَّ الوَجْه والكَفَين عورَةٌ ومَن يَرىَ أنَّهما غَيرُ عورَةٍ، لَكِنَّه يوجِبُ تَغطيتَهما في هذا الزمان لفساد أكثر النَّاس ورِقَة دينِهم وعَدَمِ تورُّعِهم عَن النَّظَرِ المُحَرَّم إلى وَجْه المرأة الذي هو مَجْمَعُ المحاسِن ومِعيار الجَمال، ومِصباح البَدَن"، [«عودة الحِجاب» ص 432، بِتَصَرُّف].
والآنَ نقولُ للمؤلِّف: هل أدِلَةُ الكِتاب والسُّنَة على أنَّ شَعر المرأة عورَةٌ يَجِبُ سَترَها لا يُعتَبران عِندَك "أساسًا متينًا" للقول بغيرِ ما تَزعُم ؟! وهل لا زِلتَ تُرَدِّدُ بأنَّك انتهيت إلى "عَدَمِ وجود حُكمٍ في القُرآن الكريم على شَرعية وَضْعِ المرأة غِطاءً على الرأس"، (ص 51) ؟!!

د. هشام عزمي
09-30-2004, 01:22 AM
8- يقولُ المؤلِّفُ (ص 7): "وقد وَضَعَ القُرآنُ ما يُفيد التفاصُلَ بينَ زوجاتِ النَّبي وسائرِ المؤمِنات فيما جاء في الآية (يا نِساء النَّبي لَستُنَّ كأحَدٍ مِن النِّساء) [الأحزاب: 32]؛ ففي هذه الآية تَقريرٌ حاسِمٌ حازِمٌ بوجود تفاصُل وتَغايُر بين نِساء النَّبي وغَيرِهِنَّ مِن المؤمِنات، بما يَعني أنَّ الأحكام التي تَتَقَرَرُ لِزوجاتِ النَّبي تَكون لَهُنّ خاصَّة، وليسَت لِباقي المؤمِنات"، مُنفَصِلا في نِّهايةِ كلامِه إلى أنَّ الحِجاب خاصٌّ بِنساءِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) فحَسبُ!

قُلتُ: إنَّ تَخصيصَ الحِجاب بأمهات المؤمِنين –رَضي اللهُ عَنهُنَّ- دون نِسائِهم في قولِه تعالى (وإذا سألتموهُنَّ مَتاعًا فاسألوهُنَّ مِن وراءِ حِجاب) [الأحزاب: 53] لا دَليلَ عليه؛ بل الأدِلَة مُتضافِرَةٌ على عَدم اختصاصِهِنَّ بذلك، مِنها:

1- تَقَرَرَ في أصولِ الشَريعَةِ أنَّ خِطاب الواحِدِ يَعُمُّ حُكمُه جَميعَ الأمة، حتى يَرِدَ دَليلٌ على التَّخصيص، وليسَ هُناك أيُّ دَليلٍ على تَخصيص حُكمِ الحِجاب بأمهات المؤمِنين.

2- أنَّ سياق الآية هو العُموم -وإن كان المَورِدُ خاصًّا؛ فقولُه تعالى (لا تَدخُلوا بُيوتَ النَّبيِّ إلا أن يؤذَنَ لَكم) ليس معناه أنَّهم يَدْخُلونَ بُيوتَ غَيرِ النَّبيِّ مِن غَير أن يؤذَنَ لهم، ثم قولُه (إلى طعامٍ غير ناظِرينَ إناه ... ولا مُتسأنِسين لَحَديثٍ) ليس معناه أنَّهم لا يتأدَبون بهذه الآداب ولا يُراعونَها إلا مع النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم). فإذا كان سِياقُ الآية هو العُموم وتَخصيصُ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) بالذِّكرِ إنَّما لأجلِ أنَّ ما عُرِضَ له هو المَورِدُ والسَبَبُ في نُزولِها، ولأجلِ أنَّه هو القُدوَةُ للمُسلِمين، فكيفَ يَسوغُ لنا أن نتَحَرَر عن جُزءٍ مِن آداب هذه الآية قائلين إنَّه مُختَصٌّ بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وأزواجه؟!

3- أنَّ اللهَ تعالى بين حِكمَة الحِجاب وعِلتَه فقال (ذلكم أطْهَرُ لِقلوبِكم وقُلوبِهِنَّ)، وهذه العِلَةُ عامَّةٌ؛ إذ ليسَ أحدٌ مِن المُسلمين يقول: إنَّ غَيرَ أزواجِ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) لا حاجَة إلى تَزكيَةِ قُلوبِهِنَّ وقُلوبِ الرِّجال مِن الرِيبَة مِنهنَّ، وعمومُ علَة الحِجاب وحِكمَتُه دَليلٌ على عُموم الحِجابِ لِجَميعِ نِساء المُسلمين.

4- دَليلُ الأولوية! وهو أنَّ أمهات المؤمِنين –رَضيَ الله عنهنَّ- كُنَّ أطْهَرَ نِساءِ الدُّنيا قُلوبًا وأعظَمَهُنَّ قَدْرًا في قُلوبِ المؤمِنين، ومع ذلك أمِرنَ بالحِجاب؛ طَلَبًا لِتَزكيَة قُلوبِ الطَّرَفَين، فَغيرِهِنَّ مِن النِّساء أولى بهذا الأمر.

5- أنَّ آية إدناء الجِلباب تَتِمَةٌ وتَفسيرٌ لأيةِ الحِجاب، وتِلك (أي: آية إدناء الجِلباب) عامَّةٌ لِنساء المؤمِنين نَصًّا، فلابد وأن تكون آيةَ الحِجابِ كَذَلِك.

6- أنَّ نِساء المُسلمين التَزَمنَ بالحِجاب كما التَزَمَت به أمهاتُ المؤمِنين)، [مِن كلام العلامة (أبي هِشام عبد الله الأنصاري) –أثابَه الله-، نقلا عَن «عودة الحِجاب»، ص 244: 245، بِتَصَرُّف].

وأقولُ للمؤلِّف: الاقتطاع مِن الآيات دون مُراعاة السابق واللاحِق جَريمَةٌ في حَقِّ النَّص! فنَصُّ الآيتَين هو: (يا نِساء النَّبي لَستُنَّ كأحَدٍ مِن النَّساء ... وقَرنَ في بُيوتِكُنَّ ... وأقمِنَ الصَّلاة وآتين الزكاة وأطِعنَ اللهَ ورسولَه) [الأحزاب: 33]، فهل هذه الآيةُ تُفيدُ "التَّفاصُلَ بينَ زوجاتِ النَّبي وسائرِ المؤمِنات" –كما يَزعُم المؤلِّف؛ إذَن فإقامُ الصلاة وإتاءُ الزَّكاة وطاعَةُ اللهِ تعالى ورسولِه (صلى الله عليه وسلم) ليست فَرضًا إلا على أمهاتِ المؤمِنين –رَضيَ الله عَنهنَّ- ؟! فهل يا تُرَى يقولُ المؤلِّفُ بذَلِك؟!

9- قال المؤلِّفُ (ص 63): "إذا تَعَيّنَ وَضْعُ النِّقابِ على وَجْه المرأة لِمَنع الفِتنَةِ عَن الرِّجال، فإنَّه يَتَعَيّنُ كذلك –مِن بابِ المُساواة ولِتَحقيقِ ذاتِ الأغراض- أن يُوضَعَ النِّقابُ على وَجْه الرَّجُلِ حتى لا تُفتَتَنَ به بَعْضُ النِّساء" !!!

قُلتُ: هذا مِن أعْجَبِ العَجَب؛ والمؤلِّفُ إنَّما أوتيَ مِن سُوءِ فَهمِه لِنصوصِ الشَّريعَة الغَراء، وجَهلِه بأصول الدِّين ومعالِمِه الظاهِرة؛ فالأصلُ في النِّساء هو لُزومُ البَيت لِقَولِه تعالى (وقَرنَ في بُيوتِكُنّ) [الأحزاب: 33]، أمَّا الأصلُ في الرِّجال فهو السَّعيُ خارِجَ البَيت؛ لِطَلَب الرِزق والصلاة جماعَةً في المساجِد والجِهادِ في سَبيلِ الله وقضاء الحاجات؛ يقولُ اللهُ تعالَى (وامشوا في مناكِبِها)، (فإذا قُضيت الصلاةُ فانتشِروا في الأرض)، (وجاهِدوا بأموالِكم)، وغيرها مِمَّا هو مَعلومٌ مِن الدين والدُّنيا بالضرورة. إذا عَلمتَ أنَّ الرَّجُل يَعمَلُ خارِجَ البَيت والمرأةُ داخِلَه، فكَيف تَفتَتِنُ النِّساءُ بالرِّجال؟!

أمَّا إذا خَرَجَت المرأةُ خارِجَ بيتِها لحاجَةٍ شَرعيَةٍ ماسَّة؛ فقد فَرَضَ اللهُ عليها الجِلباب الكامِلَ الساتِرَ لِجَميعِ بَدَنِها، أما الرَّجُلُ فقد أمِر أن يَغُضَّ بَصَرَه عَمَّا حَرَّم الله، لا أن "يَرتديَ النِّقابُ" –كما يهذي المؤلِّف! (وما كان لمؤمِنٍ ولا مؤمِنَةٍ إذا قَضَى الله ورسولُه أمرًا أن يكونَ لهم الخِيَرَة مِن أمرِهم) [؟؟؟]. وَواللهِ لو كان المؤلِّفُ يُريدَ الحَقَّ فِعلا –كما أومأ (ص 54)- لكفاه أن يعلَمَ أنَّ الله –جَلّت حِكمَتَه- إنَّما أمرَ النِّساء بالنِّقاب لا الرجال، واللهُ المُستعان.

10- راح المؤلِّفُ –في عِدَة صفحات مُتفرِقَةٍ مِن كِتابه الأجذَم- يُنافِحُ لإثباتِ ضَعفِ حَديثِ: "إنَّ المرأةَ إذا بَلَغَتِ المَحيضَ لم يَصلُح –كذا- أن يُرَى مِنها إلا هذا وهذا، وأشار النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) إلى وَجْهِه وكَفَيه"، انظر صفحات: 26: 27، 41، 51، 75، 79، 115: 117، 120.

قُلتُ: وكأنَّ العُلماءَ عندما راحوا يُدَلِّلون على وجوب النِّقاب (أو على الأقل وجوب سَتر شَعرِ المرأة) لم يكن لديهم سوى هذا الدليل؟!! ولقد سَبَقَ إيرادُ بَعضِ الأدِلَة على وجوب النِّقاب فضلا عَن وجوب سَتر شَعر المرأة المُسلِمَة، في الفَقرَة (6) مِن هذا التَّقويم، وانظر لاستيعاب الأدلة المُجَلَدَ الثالِثَ –كامِلا- مِن الكتابَ القَيِّم الرائِع «عودَة الحِجاب»/ لِفضيلة الشيخ (محمد بن أحمد إسماعيل المُقَدَّم) –حَفِظَه الله، واللهُ المُستعان.

أمَّا عَن حَديث: "إذا عَرَكَتِ المرأةُ ..."؛ فهو فِعلا حَديثٌ ضَعيفٌ في مَتنِه نَكارَة، وتَمَشي المؤلِّف هذه المرة مَع الحق حَقٌ أريد به باطِل، وهذا مِن المؤلِّف "تكبيرة من حارِس" !!!

11- يقولُ المؤلِّفُ عَن أحاديث "الآحاد" (ص 115) بأنَّها: "لا هي تتصل بالدين ولا هي تتعلق بالشريعة، وأنَّه يمكن إنكار استقلالها بفرض الفروض الدينية أو بإيجاب الواجبات الدينية، دون أن يؤخَذ على المُنكِر شئٌ" اهـ. وكَرَر المؤلِّفُ ذلك في كِتابِه مراتٍ عَديدة بُمختلَف الأساليب، فانظر صفحات 110، 52، 62، 76، 80، 109، 111، 120 ترى ما يَبكي مِن عواقِبِه اللبيبُ!

قُلتُ: كَبُرَت كَلِمَةً تِلك التي خَرَجَت مِن فيك –فَضَّه الله، وتعالَى الله عما تقولُ عُلوًا كَبيرًا؛ فما قالَه المؤلِّف هُنا مِن أكبر طاماتِه وأعظَم افتراءتِه على دين الله وشَريعَتِه؛ فاللهم عامِلْه بما يَستَحِق.

فاعْلَم -يا مَن سَفِه نَفسَه- أنَّ: "الذي عليه مُتقَدِّمي أهلِ الحَديث وأهلُ السُّنَةِ والجَماعَةِ أنَّ حَديثَ الواحِد الصَّحيح الإسنادِ بِنَقْلِ العَدْل الضابِط عن مِثلِه إلى مُنتهاه مِن غَير شُذوذٍ ولا عِلَةٍ، يُفيد العِلمَ والعَمَلَ جميعًا، أي أنَّه قَطْعيُّ الثُبوت مِثلُه مِثل الحَديث المُتواتِر. ونَقَل الإمام (ابنُ عَبد البَر) –رَحِمَه الله- في "التَّمهيد" (1/8) هذا القَول عن قومٍ كَثيرٍ مِن أهل الأثر وبعض أهل النَّظَر؛ مِنهم الحُسين الكرابيسي وغيره، وذكر خواز بنداذ أنَّ هذا القول يَخرُج على مَذهَب مالك –رَحِمهما الله، وإليه ذَهَب ابنُ حَزم وبه أخذ ونقله عن داود الظاهري والحارث بن أسد المُحاسبي، كما في كِتابه "الإحكام في أصول الأحكام" (1/115)، وهو مَذهب البُخاري ("صحيحه": 4/252) والشافعي ("الرسالة"، ص 401)". [بِتَصَرُّف مِن تَعليقِ الشيخ (عمرو عبد المُنعِم سليم) –حَفِظَه الله- على كِتاب «نُزهة النَّظَر شرح نُخبَة الفِكَر في مُصطلَح أهل الأثر»/ للحافظ (ابن حَجَرٍ العَسقلاني) –رَحِمَه الله، ص 42: 43، طـ مكتبة ابن تيمية، مصر].

ويقول الإمام (أبو المظفر السَّمعاني) –رَحِمَه الله- فيما نَقَله عَنه الإمام (أبو القاسِم الأصبهاني) في كِتابه "الحُجَة" (2/214): "وإنَّما هذا القولُ الذي يَذكُر أنَّ خَبَر الآحاد لا يُفيدُ العِلمَ بحالٍ ولابدّ مِن نَقْلِه بِطَريقِ التواتُر لِوقوعِ العِلم به؛ شيءٌ اخترَعتْه القَدَريَة والمُعتَزِلَة؛ وكان قَصدُهم مِنه رَدَّ الأخبار، وتلقفه مِنه بعضُ الفُقهاء الذين لم يَكُن لهم عِلمٌ في العِلم وقَدَمٌ ثابِتٌ ... فإنَّهم تراهم مع اختلافِهم في طرائِقِهم وعقائِدِهم يَستَدِلُّ كلُ فَريقٍ مِنهم على صِحَة ما يَذهَبُ إليه بالخَبَرِ الواحِد ... فإذا قُلنا أنَّ خَبَر الواحِد لا يجوز أن يوجِبَ العِلم؛ حَمَلنا أمرَ الأمةِ في نَقْلِ الأخبارِ على الخطأ وجعلناهم لاغين مُشتغِلين بما لا يُفيد أحدًا شيئًا ولا يَنفَعُه، ويَصير كأنَّهم قد دونوا في أمور ما لا يجوز الرجوع إليه، والاعتماد عليه، وربما يَرتقي هذا القولُ إلى أعظم مِن هذا؛ فإنَّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) أدى هذا الدِّين إلى الواحِد فالواحِد مِن أصحابِه ليؤدوه إلى الأمة، ونقلوا عَنه، فإذا لم يُقْبَل قولُ الراوي لأنَّه واحِدٌ؛ رَجَعَ هذا العَيبُ إلى المؤدِي، نعوذُ بالله مِن هذا القَول الشَّنيع والاعتقاد القَبيح" اهـ كلامه -أجزل الله له المَثوبَة والأجْر.

ولإرواء غِليلِ القارئ نَنصَحُه بقراءة الكُتُب التالية: «الرسالة»/ للإمام (الشافعي) –رَحِمَه الله، «وجوبُ الأخذِ بحَديثِ الآحاد في العقائِد والأحكام»/ للعلامة (الألباني) –رَحِمَه الله، «الحَديث حُجَة بنفسِه في العقائِد والأحكام»/ له أيضًا، «الأدلة والشواهِد على وجوب الأخذ بِخَبَر الواحِد»/ للشيخ (سلم الهِلالي) –حَفِظَه الله.

12- قولُه (ص 109): "ولأن أحاديث "سنة" الآحاد ظنية، ليست قطعية ولا قريبة من القطعية، فإن بعضَ المذاهب والفِرَق الإسلامية انتهت، منذ وقت مبكر في تاريخ الإسلام، إلى رفضِها وإنكار حُجيَّتِها وعدم العمل بها، من هذه المذاهِب والفِرَق: الشيعة والمعتَزِلَة والرافِضَة وبعض الخوارِج" اهـ. وزَعَمَ أنَّ هذه الفِرق "مِن الجُمُهور" (نفس الصَفْحَة) وصَرَّح أنَّ الشيعة "مِن أهل الجماعة" (ص 111).

قُلتُ: كُل إناءٍ بما فيه يَنضَحُ! لم يَجِد المؤلِّف سوى الشيعة والمُعتَزِلَة والرافِضَة وبعضَ الخوارِج ليستَدِلَ باعتقادِهم بِعَدَمِ حُجيَّةِ السُّنَة! بل واعتبَرَهم "مِن الجُمهور"! والشيعَة "مِن أهل الجماعَة"! إذَن فكيف قال النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم): "الخوارِجُ كِلابُ أهل النَّار"؟! وهل مَن يَسُبُّ الصَّحابَة ويُكَفِرُهُم "مِن أهلِ الجَماعَة"؟! وهل مَن يَنفي ويمَثِّل ويُعَطِّلُ صِفاتِ الله وأسمائه الحُسنَى "مِن الجُمهور"؟! وهل هؤلاء كانوا على ما كان عليه النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم وأصحابُه) حتى لا يُنسَبوا إلى الفِرَقِ الضالَّة ويُحشَروا في "الجَماعَة"؟؟؟؟!!!

والآنَ أقولُ للمؤلِّف ما كُنتُ أشتهي أن أقولَه مُذ بدأتُ الكِتابَة:
فَدَع عَنك الكِتابَة لستَ لها أهلا * * * وإن سَوَدّت وَجْهَك بالمِدادِ

والآنَ؛ هل أزعُم أنِّي قد استقصيتُ واستوعَبْتُ كلَ مَا قد جَنَت يدا هذا الآثِم الذي سَفِه نفسَه؟! أنا لا أزعُم هذا! واللهُ المُستعان، والحمدُ لله، وإنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعون! وصلى الله وسَلَم على نَبيّنا مُحمَدٍ وعلى آله وأصحابه أجْمَعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ابن عباس
10-27-2004, 10:53 AM
جزاكم الله خيرا يا دكتور هشام

مراقب 1
10-28-2004, 06:30 AM
السلام عليكم ورحمة الله

اهلاً بالاخ احمد عباس بيننا فى انتظار مشاركاتك معنا

أحمد واكد
08-23-2009, 04:06 PM
أرجو تثبيت هذا الموضوع

شكرا دكتور هشام...
هذا ما كنت أبحث عنة منذ قرأت كتاب العشماوى والذى أنتشرت مقالات عدة فى تلخيص شبهاتة, والأحاديث والآيات التى يفسرها على هواه

فهل يمكننى أن أنقل عن مقالك لبغض هذة المنتديات التى تتظاهر باحترام الدليل والعلم الشرعى؟

أحمد واكد
08-26-2009, 06:21 AM
جزيت الجنة دكتور هشام...

من هو كاتب المقال؟؟هل لة ترجمة؟؟

و أرجو تثبيت الموضوع لإنتشار كتاب العشماوى الان, وحتى يكون مرجعا للرد علية.

أبو حمزة السلفي
09-26-2009, 12:21 PM
الحمد لله معز الاسلام بنصره الحمد لله معز الاسلم بأهل السنة
الحمد لله الذي جعل لنا من بين الناس من يصدع بالحق
اللهم ثبت الدكتور هشام
ان مثل هذا- الهجوم على الحجاب- ما هو الا من دأب العلمانية و أهل النفاق و علماء السوء
أخوكم أبو حمزة السلفي