تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم البدعة وقواعد معرفتها



الأثر
06-02-2008, 05:10 PM
تعريف البدعة
البدعة لغةً تطلق على الشئ المخترع على غير مثال سابق ومما جاء في هذا المعنى قول العزيز الحميد قل ما كنت بدعا من الرسل سورة الأحقاف
أي ماكنت أول المرسلين فقد أرسل قبلي رسل كثير
تعريف البدعة شرعاً:لقد عرف علماء الإسلام رحمهم الله البدعة بتعاريف كثيرة تدور كلها على الأحداث في الدين بمايخالف الكتاب والسنة واختراع عمل لم يدل عليه دليل بنية التقرب إلى الله .
فقد عرف الإمام الشاطبي رحمه الله البدعة بقوله:(البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه) الاعتصام(1/37)
وهو من اجمع تعاريف البدعة وأشملها.
ثم شرع رحمه الله في شرح هذا التعريف مطولاً فألخص مقاصد كلامه
قوله:(طريقة في الدين) قيدت بالدين لأنها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها.
قلت:فخرج بذلك الطريقة المخترعة في أمور الدنيا أومايتعلق بأمر الدنيا فإنها لاتسمى بدعة شرعاً كالصناعات مثلاً وإن كانت مخترعة وهذا القيد مأخوذ من قوله:(أنت أعلم بأمور دنياكم).
قوله:(مخترعة) لما كانت الطرائق في الدين تنقسم،فمنا ماله أصل في الشريعة ومنها ماليس له أصل في الشريعة خص منها المقصود بالحد وهو القسم الثاني فخرج بذلك ماله أصل في الشريعة كعلم النحو والصرف وجمع القرآن والحديث حيث يندرج تحت قاعدة المصالح المرسلة التي لها أصل في الشريعة.
وقوله:(تضاهي الشرعية) يعني أنها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون كذلك بل هي مضادة لها من أوجه متعددة منها:التزام كيفيات وهيئات معينة دون إذن من الشارع بذلك ومنها التزام عبادات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة.
قوله:(يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى)هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها والدليل على ذلك قوله تعالىقل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاًالذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاًسورة الكهف
وقول الصحابي الجليل عبدالله بن مسعودللنفر الذين اجتمعوا في المسجد يسبحون مائة..وعلى هيئة غير شرعية وقالوا ما أردنا إلا الخير فقال لهم :(وكم من مريد للخير لم يصبه)رواه احمد والدارمي
وقد عرف الحافظ ابن حجر البدعة الشرعية بقوله:(ما أحدث في الدين وليس له دليل عام ولا خاص يدل عليه) فتح الباري(13/254)
فخرج بهذه القيود التي في التعريف المحدثات المتعلقة بالدين مما له أصل شرعي عام أو خاص ،فمما أحدث في الدين وكان مستند إلى دليل شرعي عام ما ثبت بالمصالح المرسلة مثل جمع القرآن .. ومما أحدث في هذا الدين وكان له دليل شرعي خاص إحداث صلاة التراويح وإحياء الشرائع المهجورة.

الأثر
06-03-2008, 04:57 PM
الآثار الواردة في لزوم الكتاب والسنة والبعد عن البدع
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌ)متفق عليه
وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَملَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ).
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (وهذا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أنَّ حديث «الأعمال بالنّيّات» ميزانٌ للأعمال في باطنها، فكما أنّ كلَّ عمل لا يُراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كلّ عمل لا يكون عليه أمرُ الله ورسوله، فهو مردود على عامله، وكلّ من أحدث في الدِّين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدِّين في شيء)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول:( أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) مسلم (867)
قال الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ رحمه الله: «قوله: «كلَّ بدعة ضلالة(قاعدة شرعيَّة كليَّة بمنطوقها ومفهومها، أمَّا منطوقها فكأن يقال: حكم كذا بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، فلا تكن من الشَّرع؛ لأنّ الشَّرعَ كلَّه هدى، فإن ثبت أنَّ الحكم المذكور بدعة صحَّت المقدِّمتان، وأنتجتا المطلوب) أه
وروى الشيخان عن أنس بن مالكقال :(جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبييسألون عن عبادته فلماء اخبروا كأنهم تقالّوها فقالوا أين نحن من النبيوقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال أحدهم أما أنا فأصلي الليل أبداً وقال الآخر أنا أصوم الدهر أبدا ولا افطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً فجاء النبيفقال أنتم قلتم كذا وكذا أما والله أني أخشاكم لله واتقاكم له لكن أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)رواه البخاري(9/104)
وكانيعلم أحد أصحابه دعاء النوم(اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ..حتى وصل إلى قوله(آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت)قال الرجل (وبرسولك الذي أرسلت)قال(لا ونبيك الذي أرسلت )رواه البخاري كتاب الدعوات باب إذا بات طاهراً
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ، وَكُلُّ بدعة ضلالة) رواه الدَّارمي (205)، والمروزيّ في «السُّنَّة» (78)، والطبرانيُّ (9/154 ) قال الحافظ الهيثميُّ في «مجمع الزوائد» (1/181): (ورجاله رجال الصّحيح)
قال حذيفة رضي الله عنه: «كُلُّ عِبَادَةٍ لاَ يَتَعَبَّدُهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَعَبَّدُوهَا، فَإِنَّ الأَوَّلَ لَمْ يَدَعْ لِلآخِرِ مَقَالاً»(٨- أخرجه ابن المبارك في «الزهد»: (47)، وابن نصر في «السُّنَّة»: (89)، وابن وضَّاح في «البدع»: (11)، وابن عبد البر في «الجامع»: (1809) من طريق عبد الله بن عون عن إبراهيم، والأثر صحَّحه مشهور سلمان في تحقيقه لكتاب «الاعتصام» للشاطبي: (1/122))
وعن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما فقال:(الحمد لله والسلام على رسول الله فقال ابن عمر:(وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال) رواه الترمذي(2738) والحاكم (4/1265)
وعن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود فنهاه فقال يا أبامحمد يعذبني الله على الصلاة؟ قال:(لا ولكن يعذبك على خلاف السنة)رواه البيهقي في السنن الكبرى(2/466) وعبد الرزاق (3/52) والدارمي(1/16)


يتبع

الأثر
06-05-2008, 07:12 PM
البدع الحقيقية والإضافية
قسّم الإمام الشاطبي البدعة إلى قسمين حقيقية وإضافية وعرّف الحقيقية بأنها مالم يدل عليها دليل شرعي لا من الكتاب ولا سنة وإجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم لا في الجملة ولا في التفصيل ولذلك سميت بدعة كما تقدم ذكره لأنها شيء مخترع على غير مثال سابق وعليه فإن البدعة الحقيقية أعظم زوراًٍ لأنها محضة والخروج عن السنة فيها ظاهر كالقول بالقدر والتحسين والتقبيح بالعقل وإنكار خبر الواحد وإنكار تحريم الخمر ..
أما البدعة الإضافية فهي التي لها شائبتان:
أحدهما: لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة
والأخرى: ليس لها متعلق إلا مثل ماللبدعة الحقيقية ولما كان للعمل شائبتان لم يتخلص لأحد الطرفين وضعنا له هذه التسمية (البدعة افضافية) أي أنها بالنسبة إلى أحد الجهتين سنة لأنها مستندة إلى دليل وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل أو غير مستندة إلى شيء والفرق بينهما في المعنى أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها مع أنها محتاجة إليه لأن الغالب وقوعها في التعبدات لا في العاديات المحضة) الاعتصام
أمثلة على البدع الإضافية:
1. صلاة الرغائب : وهي اثنتا عشرة ركعة من ليلة الجمعة من رجب بكيفية مخصوصة وقد قال العلماء انها بدعة منكرة قبيحة وكذا صلاة شعبان ووجه كونها بدعة إضافية إنك إذا نظرت إلى أصل الصلاة تجدها مشروعة وإذا نظرت إلى ماعرض لها من التزام الوقت المخصوص والكيفية المخصوصة تجدها بدعة فهي مشروعة باعتبار ذاتها بدعة باعتبار ماعرض لها وقد قال الإمام النووي:(صلاة رجب وشعبان بدعتان قبيحتان مذمومتان) فتاويه ص26
2. الصلاة والسلام من المؤذن عقب الآذان مع رفع الصوت وجعلها بمنزلة ألفاظ الآذان فإن الصلاة والسلام مشروعان باعتبار ذاتهما ولكنهما بدعة باعتبار ماعرض لهما من الجهر وجعلهما بمنزلة الآذان وقد أشار ابن حجر الهيتمي في فتاويه حين سئل عن الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الآذان بالكيفية المعرفة؟ فقال (الأصل سنة والكيفية بدعة) الفتاوي (1/131) كتاب الصلاة
قلت يستفاد من ذلك أن الكيفية في العبادات توقيفية فلا يدخلها القياس عند الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله
3. الآذان للعيدان أو الكسوفين بدعة فإن الآذان من هو قربة وباعتبار كونه للعيدان الكسوفين بدعة.
4. الاستغفار عقب الصلاة على الهيئة الاجتماع ورفع الأصوات فإن الاستغفار في ذاته سنة وباعتبار هيئته في رفع الصوت واجتماع المستغفرين بدعة. (الاعتصام للشاطبي)
5. رفع الصوت بالذكر والقرآن أمام الجنازة فإن الذكر باعتبار ذاته مشروع وكذا القرآن وماعرض له من رفع الصوت غير مشروع.
ومن ينكر البدع إنما ينكر باعتبار الثاني وهو جهة الابتداع فعن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود فنهاه فقال يا أبامحمد يعذبني الله على الصلاة؟ قال:(لا ولكن يعذبك على خلاف السنة)رواه البيهقي في السنن الكبرى(2/466) ..
فخلاصة الفائدة من هذا الفصل أن نعلم أن الأمور التعبدية الأصل فيها التوقيف والمنع من جهة الكيفيات أو الأحوال والتفاصيل فلا يجوز أن نحدث كيفية أوهيئة غير مشروعة اونخصص ما أطلقة الشرع أو نطلق ماقيده الشرع وإليك بعض من صرح بمن بمثل ذلك
قال الإمام أبو شامة رحمه الله(ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع بل تكون أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع العبادة ..) الباعث ص165
وقد بين الإمام ابن دقيق العيد الشافعي رحمه الله أن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة والفعل المخصوص يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه) راجع كتاب أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (1/119) باب فضل صلاة الجماعة

الأثر
06-08-2008, 04:58 PM
السنة التركية
اعلم أن السنة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: سنة فعلية.
القسم الثاني: سنة تركية.
فما فعله  فعلناه وماتركه تركناه فتركه سنة كما أن فعله سنة والقاعدة التي اتفق عليها علماء المذاهب الأربعة (أن ماتركه النبي  مع قيام المقتضى على فعله فتركه السنة وفعله بدعة مذمومة) وأكثر الغلط حاصل بسبب الغفلة عن هذه القاعدة
مثال على ذلك: التاذين للعيدين أو الكسوفين فقد تركه النبي  ولم يفعله مع قيام المقتضى على فعله فكان تركه هو السنة لتركه  وفعله هو البدعة.
وكذا استلام الركنين الشاميين في الطواف فترك الاستلام لهما سنة وفعله بدعة.
قال الحافظ ابن حجر ( أجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجوراً بأن لم ندع استلامها هجراً للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به؟ ولكن نتبع السنة فعلاً أو تركاً..)فتح الباري(4/220).
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في فتاواه (.. وكذا ماتركه  مع قيام المقتضى فيكون تركه سنة وفعله بدعة مذمومة وخرج بقولنا مع قيام المتضى في حياته اخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وجمع المصحف وما تركه لوجود مانع كالاجتماع للتراويح فإن المقتضى التام يدخل فيه عدم المانع)
فالقاعدة إذا كل عبادة تركها السلف ولم يجري العمل بها وإن لم يرد بها النهي عنها دليل خاص وإن دلت عليها أدلة الشارع بعمومها فهي بدعة ضلالة لأنه تركه  مع وجود المقتضى لفعلها يدل على أن فعلها بدعة مذمومة.
مثال توضيحي قال الله تعالى: ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين  وقال جل شانه  اذكروا الله ذكراً كثيراً  إذا استحب لنا مستحب الأذان للعيدان والكسوفين والتراويح وقلنا كيف ذلك والرسول لم يفعله ولم يأمر بهما وتركهما طول حياته؟ فقال لنا أن المؤذن داع إلى الله وإن المؤذن ذاكر الله كيف تقوم عليه الحجة وكيف تبطل بدعته؟ ولو طبقنا الأمثلة السابقة لوجدناها تدخل تحت هذه القاعدة
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله (.. وقريباً من ذلك أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة على وجه مخصوص فيريد بعض الناس أن يحدث فيها أمراً آخر لم يرد به الشرع زاعماً انه يدرجه تحت عموم فهذا لا يستقيم لأن الغالب على العبادات التعبد ومأخذها التوقيف وهذه الصورة حيث لايدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه فأما إذا دل فهو أقوى في المنع وأظهر من الأول ولعل مثال ذلك ماورد في رفع اليد في القنوت لأنه دعاء فيندرج تحت الدليل المقتضي لاستحبابه رفع اليد في الدعاء وقال غيره يكره لأن الغالب على هيئة العبادة التعبد والتوقيف والصلاة تصان عن زيادة عمل غير مشروع فيها فإذا لم يثبت الحديث في رفع اليد في القنوت كان الدليل الدال على صيانة الصلاة عن العمل الذي لم يشرع أخص من الدليل الدال على رفع اليد في الدعاء والتباين في هذا يرجع إلى الحرف الذي ذكرناه وهو إدراج الشيء المخصوص تحت العمومات أو طلب دليل خاص على ذلك الشيء الخاص وميل المالكية إلى هذا الثاني وقد ورد من السلف مايؤيده في مواضع ألاترى أن ابن عمر  قال في صلاة الضحى أنها بدعة ولم ير إدراجها تحت عمومات الدعاء وكذلك ماروى الترمذي في قول عبد الله بن مغفل لابنه في الجهر بالبسملة (إياك والحدث ولم ير إدراجها تحت دليل عام وكذلك ما جاء عن ابن مسعود فيما أخرجه الطبراني في معجمه بسنده عن قيس قال (ذكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل ويقول للناس قولوا كذا وقولوا كذا ...) فهذا ابن مسعود أنكر هذا الفعل مع أمكان إدراجه تحت عموم فضيلة الذكر على ما حكيناه في القنوت والجهر بالبسملة من باب الزيادة في العبادات)أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد باب فضل صلاة الجماعة
وحتى يكون الا تباع صحيحاً لابد أن يكون العمل موافقاً للشريعة في ستة أشياء
1. السبب: فإذا تعبد الإنسان لله بعبادة مقرونة بسبب ليس شرعياً فهي بدعة مردودة كإحياء ليلة السابع والعشرين من رجب بقيام.
2. الجنس فلابد أن تكون موافقة في الجنس مثل أن يضحي بفرس فلا تصح ضحيته
3. الزمان:كالتضحية في اول أيام ذي الحجة.
4. المكان: كالاعتكاف في غير المساجد.
5. القدر أو العدد: كزيادة صلاة سادسة.
6. الكيفية: كالبدء في الوضوء من غسل الرجلين.
فائدة مهمة: تخصيص أوتقييد العبادة المطلقة بزمان أو مكان معين بدعة لكون يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب ولابد فلولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم أو الليلة بالعبادة فلابد أن يستحب ذلك استحبابا زائداً على غيره من الأيام والليالي أو الأمكنة ومن هنا نعلم أن هذا التخصيص يسوغ متى ماخلا من هذه المفسدة وذلك بان يستند هذا التخصيص إلى سبب معقول يقصده أهل الغفلة والفراغ والنشاط كتخصيص يوم خميس لصلاة الاستسقاء لكونه يوم يفرغ فيه الناس من أعمالهم.


بين العادات والعبادات
هذا مبحث مهم جداً فبه تزول كثير من الإشكالات التي تعرض لكثير من الناس
والقاعدة في هذا الباب تقول(الأصل في العبادات التوقيف فلايشرع منها إلا ماشرعه الله،وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى:ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن لهم الله والأصل في العادات العفو ،فلا يحظر منها إلا ماحرمه الشرع وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى:قل أريتم ما انزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً )ذكرها شيخ الاسلام ابن تيمية في القواعد النورانية
وذلك ان حقيقة الدين تتمثل في أمرين:
1. ألا يعبد إلا الله
2. أن لايعبد الله إلّا بما شرع، فمن ابتدع عبادة من عنده كائناً من كان فهي ضلالة ترد عليه لأن الشارع وحده هو صاحب الحق في إنشاء العبادات التي يتقرب بها إليه.
وأما العادات أو المعاملات فليس الشارع منشئاً لها بل الناس همم الذين انشؤوها وتعاملوا بها والشارع جاء مصححاً لها وعدلاً ومهذّباً ومقرّاً في بعض الحيان ماخلا عن الفساد والضرر منها.
الفرق بين العبادات والعادات أو المعاملات
1. أن العبادات معاملة بين العبد وربه ولهذه كانت توقيفية لأنه لايمكن معرفة مايحبه الله ويرضاه إلا عن طريق الوحي
وأما العادات فهي معاملة المخلوقين بعضهم مع بعض وهم الذين انشؤوها وتعاملوا بها وفق مصالحهم المشتركة ولهذا كان الأصل فيها الإباحة وغنما جاء الشارع مصححاً لها ومعدلاً ومهذباً..
2. أن العادات أمرها معقول المعنى أي أن الحكمة من مشروعيتها معلومة بخلاف العبادات فهي الأصل أنها غير معقولة المعنى
3. ان العبادات لا تصح ولاتجزىء لغلا بالنية أم المعاملات فتجزى بدون النية وإنما يترتب الجر والثواب فيها بالنية كالبيع والشراء فهو يجزى ويصح بدون نية ويأجر ويثاب إذا استحضر النية لله بامتثال اومره
4. أن العبادات لا يدخلها القياس وأما المعاملات فيجوز فيها القياس.
وبناءً على ذلك نعرف أن التزام كيفيات وهيئات معينة دون إذن الشارع بذلك ومنها التزام أوقات وأزمان معينة حسب ما تقتضيه مصلحة الناس وبما يناسب الزمان والمكان إن ذلك كله جائز في باب المعاملات أو العادات بخلاف باب العبادات الذي مأخذه التوقيف في كل ذلك.
مثال على ذلك في المعاملات:
إماطة الأذى عن الطريق بكيفيات جديدة وفي أوقات معينة تناسب الزمان والمكان حسب ما تقتضيه المصلحة المعتبرة وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمور التعليم إذا فعلت كذلك بما يخالف الشرع وفق الضوابط الشرعية.
س) متى تدخل البدعة في العاديات(المعاملات)؟
ج) إذا فعلت العاديات على جهة تخالف الشرع ووضعت على الناس كالدين الموضوع والمر المحتوم عليهم دائماً في أوقات محدودة على كيفيات مضروبة بحيث تضاهي المشروع الدائم الذي تحمل عليه العامة ويؤاخذون به وتوجب على الممتنع فيه العقوبة كما أخذ الزكاة ز
مثال ذلك الضرائب والقوانين الوضعية التي تخالف الشريعة إذا صارت دين ونضام يتقرب به إلى الله فهي بدعة أما الأنظمة أو القوانين التي لا تخالف الشريعة بل توافق مقاصدها إذا وضعت بما يناسب الزمان والمكان وحسب ما تقتضيه المصلحة فهذا ليس من البدع في شيء مثل قوانين الإدارة والمرور ...الخ والله أعلم.

الخلاصة: أن البدع لا تدخل في العادات إلا إذا قصد بتلك العادات التقرب إلى الله ومضاهاة الشريعة راجع كتاب الاعتصام للشاطبي رحمه الله
1. الأصل في العادات الإباحة إلا إذا دل الدليل على الحظر .
2. إن العادات إذا فعلت على جهة تخالف الشرع فهي معصية .
3. إذا فعل المر العادي على جهة تخالف الشرع وقصد بذلك التقرب إلى الله فهنا يدخل الأمر العادي حيز البدعة وكذلك إذا فعل على جهة تخالف الشرع ووضع على الناس كالمر المحتوم عليهم دائماً في أوقات محدودة على كيفيات مضروبة بقصد مضاهات الشريعة وليس على حسب ما تقتضيه المصلحة أو بما يناسب الزمان والمكان.
4. تنبيه مهم:
5. إذا حدث هناك أمر عادي قيل أنه يحقق مصلحة شرعية فلا بد لنا أن نسلّط عليه قاعدة المصالح المرسلة حتى نتمكن من معرفة حكمه هل يجوز لنا فعله أم لا؟
6. فإذا حدث هذا الأمر وكان المقتضي من فعله موجوداً في عهد الرسول  ولم يفعله فلا يجوز فعله لأنه يعتبر استدراك على الشرع فالشرع لا يهمل أي مصلحة وجد سبب الحاجة إليها إذا حدث وكان سبب الأخذ به تقصير المسلمين في بعض أحكام دينهم فلا يجوز الأخذ به أيضاً أما إذا حدث ولم يكن مقتضاه قائم في عهد النبي  ولم يكن سبب حدوثه تقصير المسلمين فهنا يجوز الأخذ بهذه المصلحة.
قاعدة: الذرائع المفضية إلى البدعة هي بدعة.
ويندرج تحت هذه القاعدة أمور:
1. فعل ماهو مطلوب شرعاً على وجه يوهم خلاف ماهو عليه في الحقيقة.
2. أن يفعل ماهو جائز شرعاً على وجه يعتقد فيه أنه مطلوب شرعاً.
3. أن يعمل بالمعصية العلماء وتظهر في جهتهم بحيث يعتقد العامة ان هذه المعصية من الدين.

شروط اعتبار الفعل ذريعة إلى البدعة:
يشترط في أي فعل حتى يعتبر ذريعة مفضية إلى البدعة فيلتحق بها ثلاثة شروط:
1. أن يكون هذا الفعل مفضياً على البدعة ويكون كذلك بواحد من أمور ثلاثة:
أ‌. إظهار هذا العمل وإشهاره في مجامع الناس كإقامة النافلة جماعة في المساجد ولاسيما ممن يقتدى به.
ب‌. المداومة على هذا العمل والالتزام به كالتزام قراءة سورة السجدة في فجر الجمعة.
ت‌. اعتقاد فضيلة هذا العمل وتحري فعله عن قصد وعمد وقد سئل الإمام أحمد تكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم؟ قال ما أكرهه للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد إلا أن يكثروا) الاعتصام للشاطبي(2/28)
قال الشاطبي رحمه الله: وبالجملة فكل عمل أصله ثابت شرعاً إلاّ أن في إظهار العمل به والمداومة عليه ما يخاف أن يعتقد أنه سنة فتركه مطلوب من باب سد لذرائع.
2. أن يكون إفضاء هذا العمل إلى البدعة مقطوعاً به أو غالباً أما إن كان إفضاء هذا الفعل إلى البدعة حسب العادة نادراً أو قليلاً فإنه لاعبرة بالقليل النادر لأن الأحكام تبنى على الغالب .
3. ألاّ يترتب على اعتبار هذه الذريعة المفضية إلى البدعة بسدها والمنع منها مفسدة أخرى أعظم من مفسدة البدعة.فإذا كان كذلك قدم أدنى المفسدتين دفعاً لأعلاهما
مثال ذلك: أن الإمام أحمد قيل له عن بعض الأمراء أنه انفق على مصحف ألف دينار فقال دعهم فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب، قال ابن تيمية رحمه الله تعليقاً على ذلك:(مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة وإنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة وفيه مفسدة كره لأجلها فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا وإلاّ اعتاضوا بفساد لاصلاح فيه مثل ينفقها في كتاب من كتب الفجور من كتب الأسمار أو الأشعار أو حكمة فارس والروم) راجع كتاب قواعد معرفة البدع للجيزاني ص54