المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يصبح سوء الظن ضرورة؟!



سمير السكندرى
06-22-2008, 04:15 PM
هل يصبح سوء الظن ضرورة؟!

مصطفى بشير*


2005-12-18

التعامل مع الناس من أصعب الأمور؛ لأنك في هذه الحالة تتعامل مع إنسان له مشاعر، وقلب، وعقل؛ ولا تتعامل مع جماد؛ يأتمر بأمرك؛ ترفعه، وتضعه حيث، ومتى تشاء؛ لذلك أصبح التعامل مع الناس فنا لا يجيده إلا القليلون.. لكن مع ذلك جاء الإسلام؛ الدين الخاتم بقيم، وأخلاق، وسلوكيات تجعل الملتزم بها يسير دوما في جانب الصواب إذا ما اختلط بالناس؛ وتعامل معهم؛ لأن الإسلام دين أنزله الله تعالى ليعيش به الناس واقعا في الأرض ينعمون بظلاله الوارفة.

ومن أكثر الأخلاق المؤدية إلى البغضاء، وتنازع الناس، واختلاف قلوبهم، وإلى صعوبة التعامل معهم سوء الظن.. وقد قطع الإسلام هذا الطريق المفضي إلى الفساد؛ بتحريم الظن السئ، واجتنابه؛ (اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم) الآية.

لكن في هذه الأيام تداخلت الأمور؛ واشتبكت الحقائق، واختلطت المفاهيم؛ فما عادت حدود الحق، والحلال بينة؛ واضحة لكل الناس لا سيما في علاقاتهم الاجتماعية.. من أجل ذلك، ومن أجل خطورة سوء الظن، وأثره السيئ على أخلاق الناس، ومعاملاتهم كان علينا أن نسعى لمعرفة حدود الظن السئ حتى نستطيع جميعا اجتنابه والتحذير منه؛ فطرحنا السؤال التالي: هل سوء الظن يمكن أن يصبح ضرورة؟!؛ وتلمسنا الإجابة من كلام الشيخ الفقيه سيد سابق رحمه الله تعالى حيث وجدناه يقول:

صيانة أعراض الناس، والمحافظة على حرماتهم، وسمعتهم، وكرامتهم من فرائض الإسلام، وواجباته الأساسية؛ حتى تقوى صلات الأفراد، وحتى يكونوا كالبنيان المرصوص؛ يشد بعضاً بعضه؛ وبذلك ينمحي من بينهم كل سبب من أسباب الفرقة، وينتفي كل ما يزرع في النفوس العداوة، والبغضاء.

ولكي يتم ذلك أوجب الإسلام على المسلم أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين؛ فلا يحل لأحد منهم أن يتهم غيره بفحش، أو ينسب إليه الفجور، أو يسند إليه الإخلال بالواجب، أو النقص في الدين، أو المروءة، أو أي فعل من شأنه أن ينقص من قدره، أو يحط من مكانته؛ ما لم يكن ثمة سبب يوجب تهمته، أو أمارة يوجب الشرع العمل بها؛ كأن يشهد الشهود العدول، ونحو ذلك من الأدلة التي اعتبرها الشارع.

وقد أمر الله تعالى بالتثبت؛ ونهى عن تصديق الوهم، والأخذ بالحدس، والظن؛ فقال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)؛ أي لا تقل إني سمعت والحال أنك لا تسمع، ولا رأيت والحال أنك لم تر، ولا علمت والحال إنك لم تعلم؛ ولا تتبع الظن في أي قضية من القضايا؛ فتصدق ما لا يتفق مع الواقع، ولا مع العلم الصحيح، بل استعمل الوسائل الموصلة إلى الحقيقة؛ فإنك مسؤول أمام الله تعالى عن ذلك كله.

وليس الأمر في التثبت، والتبين مقصوراً على الفاسق، بل هو عام؛ ينتظم الفاسق، وغيره؛ ممن ليس أهلاً للثقة بقوله، والاطمئنان إلى خبره.. وقد عتب الله تعالى على الذين يسارعون إلى التصديق دون أن يثبتوا؛ فقال: (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون).

والظن المأمور باجتنابه هو التهمة التي لا دليل عليها.. واتهام الغير دون دليل موقع في الإثم، ومفضٍ إلى العقوبة؛ والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول؛ محذراً من الظنون: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)، ويقول: (حسن الظن من حسن العبادة)..


المواقف التي لا يلام فيها على سوء الظن:


1/ إساءة الظن بمن وقف مواقف التهم:

فإن تظاهر إنسان بمعصية، أو اشتهر بتعاطي الريب، أو جاهر باقتراف السيئات، أو دخل مداخل السوء فلا لوم على مَن أساء به الظن؛ لأن الظن هنا أصبح حقيقة.. وما دام ذلك كذلك يكون بعضه من تمام الإيمان.. يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (مَن أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان)..

وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: (مَن دخل مداخل السوء فلا يلومن مَن أساء به الظن). وورد في الأثر: (اذكروا الفاسق بما فيه؛ يحذره الناس).

2/ سوء الظن عصمة:

وإذا كان الاسلام أوجب حسن الظن بالإنسان؛ ما لم يصدر عنه ما يوجب سوء الظن به؛ من قول، أو فعل؛ فإن على الإنسان أن يكون حذراً إذا عرضت له معاملة مع أحد من الناس؛ فيقدم سوء الظن؛ حتى تستبين له الحقائق؛ كي لا يقع في شرك الدجالين؛ المخادعين؛ الذين لم يظهر ما في طواياهم؛ فالمؤمن كيّسٌ فَطِن..

فمثلاً إذا أراد الإنسان أن يتزوج زوجة من أسرة مستورة الحال، ولم يبدُ منها ما يدل على ريبة فإن عليه ألاَّ يتعجل بعقد قرانها، وعليه أن يقدم الحذر؛ حتى يتبين له كرم هذه الأسرة، وشرفها، وصلاحية المرأة لمشاركته الحياة، وحسن قيامها بحق الزوج؛ لأنه إذا اندفع في هذه الحال؛ وأخذ بالظاهر؛ دون أن يحتاط، ويتحرى، ويقدم الحذر، وسوء الظن فربما ظهر له بعد العقد عليها ما يعرضه لمشكلات؛ لا قبل له بها.

وكذلك إذا أراد الحاكم أن يعين موظفاً، أو أراد الناخب أن يختار مرشحاً؛ يمثله، ويعبر عنه فإنه يجب عليه أن يتخير الكفء، الأمين، الذي ظهرت عدالته، وحسن سيرته..

وكذلك إذا أراد مشاركة آخر في تجارة، ونحوها فعليه ألاَّ يتعجل؛ ويأخذ بالظاهر؛ حتى يتبين له مدى أمانة شريكه؛ كي لا يعرض ماله للضياع والتلف.

3/ وجوب التأويل ما دام ممكناً:

وإذا رأى الإنسان من أخيه ما يستكره فعليه أن يتأوله ما وجد له في الخير مذهباً؛ إذ لولا التأويل ما كان هذا الظن الحسن.. وإذا لم يجد باباً من التأويل، ولا ما يدفع سوء الظن فليبادر إلى مواجهة المظنون به، وليفاتحه بما ينسب إليه؛ فإما أن يعترف؛ ويستمر على ما هو عليه؛ وبذلك يسلم من إثم الظن؛ لأن الظن تحول إلى يقين؛ فيكون ما ظنه حقاً؛ فلا تكون التهمة خالية من الدليل؛ وإما أن يحدث توبة؛ ويستأنف حياة نظيفة؛ فيكون ذلك من أعظم الخير الذي أسداه إليه؛ وإما أن تظهر براءته، ويكون الظن قائماً على غير أساس.

4/ لا مؤاخذة بحديث النفس:

ومهما عرض للإنسان؛ من شكوك في الناس، ومن ريب بالنسبة لبعض الأفراد فإنه لا يدخل في دائرة التحذير من سوء الظن؛ ما لم تستقر هذه الشكوك في النفس، وتقوى، وتشتد؛ حتى تصل إلى حد الجزم، والاعتقاد؛ لأن ما يعرض للنفس؛ دون استقرار لا يقدر الإنسان على دفعه، ولا يكلف به، ولا يؤاخذ عليه.

وبعد هذا أرجو أن أكون قد وفقت في عرض كلام الشيخ سيد سابق حول الحدود بين سوء الظن وحسن الظن.. وأتمنى أن تكونوا قد وقفتم على اجابة شافية لتساؤلنا السابق.