أمين نايف ذياب
04-13-2005, 11:19 AM
الإنسان هو التحدي العظيم للملاحدة
معضلة الإنسان
أضخم معضلة تواجه الوعي الإنساني هي وعي الإنسان ذاته . أي هذا الإنسان العارف عليه أن يعرف ذاته ، ومن هنا يحاول الفكر المنكر لتفسير الوجود كله ـ بكونه مخلوقا لخالق ـ إعطاء تفسير لهذا الوجود ، لكن معضلة الإنسان في تميزه بعقله ، وقدرته المعرفية والعلمية ، بحيث تمكن من استخدام النظام الكوني استخداما مبهرا للإنسان نفسه . قضية الإنسان قضية غير محلولة عند هؤلاء الزاعمين العلمية تارة ، ولكن ما يقدمونه من تفسير ـ رغم بذل الجهد فيه ـ فإنه يتحطم كاملا عند معضلة الإنسان . ما يلي حوار بين مفكرين ماديين ( وليس مراهقين لا دينيين ) للتفكر والتدبر في جدل ( لم يصل لنتيجة ) وبقي معلقا بالهواء والوهم .
فقرات منقولة حرفيا من كتاب [ دفاعاً عن المادية والتاريخ]
من ص [ 100- 106 ]
كتابُ العظم [دفاعا عن المادية والتاريخ] هو كتاب فلسفي فيه ثلاث محاورات فلسفية جرى الحوار باللغة الإنجليزية بين عفيف قيصر كسائل ومحاور لصادق جلال العظم وكلاهما ينتمي للفكر المادي ، المادة الرئيسية للكتاب هي للعظم ، وهو الذي قام بترجمته للعربية ، وتم نشرها من قبل دار الفكر الجديد وهي كما يظهر دار مختصة بنشر الفكر الماركسي وما يسمى بالإبداعات الأدبية التي يقبلها الماركسيون هنا لا بُدَّ من تذكير الماركسيين أنَّ التوجه نحو الإبداعات الأدبية الملتزمة وغير الملتزمة لا يمكن أن يؤدي إلى تفعيل قوة التفكير أو القوة النضالية لا في مجمل الأمة ولا في بعض منها ولن تكون قوة تفكير أو قوة نضالية حَتَّى عند نفس منتج الإبداع الأدبي وهذا يفسر المواقف الإعلامية والسياسية الغربية تجاه هذه الأعمال إذ تقوم بالدعاية والتأييد ومنح الجوائز وتسهيل الحصول على الجنسية الغربية للقائمين بمثل هذه الأعمال نعم ! هي تنتج لذة عند القارئ وفخراً عند المنشئ ولن يتجاوز أثرها ذلك .
الحوار
قيصر : حين أشرتُ إلى ماركسية سارتر ، لم أقصد استباق المسائل ، التي سنتناولها في حوارنا . الآن أريد أن أطرح عليك سؤالا مباشراً وفجَّا إلى حد ما . توافقني ،على ما أعتقد ، أنه بإمكاننا أن نوجز الإشارة إلى الثنائيات المتعارضة التي هاجمتها بثنائية الإنسان / الطبيعة حيث يندرج تحت الشق الأول منها مسائل مثل الذات ، التاريخ ، المجتمع ، الوعي ، الفعل ، الفلسفة المثالية الخ ، أي كل ما ضمَّنته أنت في ما أسميته مجازاً " بروح الماركسية " . كذلك يندرج تحت الشق الثاني منها مسائل مثل الموضوع ، الواقع المادي ، الانفعال ، الفلسفة المادية الخ ، أي ما ضمَّنته أنت أيضاً في ما أسميته " بجسد الماركسية " يتلخص سؤالي المباشر بالتالي : ما هو الإنسان في نظرك ، إذن ؟
[ يرجى من القارئ التمعن والتدبر بالسؤال مع ملاحظة أن مفردات الخطاب لا علاقة لها من ناحية معرفية بمفردات تراث الأمة والآن مع إجابة العظم على هذا السؤال الحواري ]
عظم : سؤالك هام جداً ، وبخاصة في هذا السياق وهو ليس بالفجاجة التي تتصورها . لكن قبل إجابتي المباشرة ، وغير الفجة على ما أرجو ، اسمح لي أنْ أرجع قليلاً إلى ما ذكرته أنت عن نقد ماركس لمادية فويرباخ في الأطروحات الشهيرة . قراءة إنتاج بعض شُرَّاح الأطروحات ممن ينتمون إلى مدرسة " الماركسية بلا مادية " تجعل الواحد منَّا يظنُّ وكَأَنَّ نقد ماركس لِ فويرباخ ما كان يهدف إلاَّ إلى إعادة الاعتبار الأنطولجي إلى الثنائيات المتعارضة إيَّاها ( إنسان / طبيعة ذات / موضوع الخ ) بغرض تأكيد دور "الذات" مجدَّداً بصفتها فاعلية "روحية" تتدخَّل في الطبيعة وتحوِّلُها من مواقعها المستقلة تماماً ، كما تصنع التاريخ وتحوِّلُ المجتمع من منطلقاتها المتعالية الخ .
في الواقع يتعامل هؤلاء الشُّراح مع أطروحات ماركس النقدية وكأنَّ القصد منها هو التأسيس الضمني لنوع معين من الفلسفة الحيوية التي تعيد الأولوية إلى أنطولجيا الذات وأبستمولجيا الذات ومنطق الذات أيضاً ، على طريقة الكنطية الجديدة .
في مواجهة هكذا قراءة متعسفة للأطروحات علينا أن نذكر دوماً أن ماركس مرَّ بمرحلة وقع فيها بقوة تحت تأثير مادية فويورباخ وعدّ نفسه لفترةٍ قصيرة فويورباخيا أصولياً مخلصاً ومتحمساً
تعبر الأطروحات في رأيي، عن تمرد ماركس على هذه المرحلة وعن خروجه منها باتجاه فلسفي أرقى سوف تبدأ صياغته الدقيقة والمتأنية في كتاب " الأيديولوجيا الألمانية " بعبارة أدق تمرَّدَ ماركس في الأطروحات على الأبستمولوجيا المنفعلة المترتبة عاى مادية فويورباخ الساكنة والإستكانية حيث المعرفة ليست أكثر من تسجيل لحركة الواقع الخارجي في الذهن البشري .
كان من الطبيعي أن يعبر ماركس عن هذا التمرد بتأكيده أنَّ الواقع ،بخاصة الواقع الإجتماعي والتاريخي ، لا يُعْرَفُ حقاً إلاّ استناداً إلى فعل البشر فيه وعملهم التحويلي له ، وهذا ما تعنيه الماركسية عادة "بالبراكسيس" بأبسط معانيه واكثرها أولية . أي أن الأولوية في المعرفة هي للفعل وليست للتأمل والتجريد على أن يكون واضحاً أن المقصود بالفعل والعمل هنا صيرورات مادية حقيقية تتحرَّك وتُحرِّك تتأثر وتؤثر وليس مجرد تجليات روحية "للذات الفاعلة" أو خيارات حرة قامت بها أو صنعتها تلك الذات .
هنا يكمن الفارق بين فكرة البراكسيس وفكرة "الفعل الاجتماعي" في التنظير السوسيولجي غير الماركسي المعاصر . يتمركز الفعل الاجتماعي عند تالكوت بارسونز مثلاً كما في كتابه الشهير "بنية الفعل الاجتماعي" في الذات الفردية واختياراتها التي لا تقبل الإرجاع إلى أي عنصر مفسِّر آخر سابق عليها أو أكثر بدئية منها في حين يتمركز البراكسيس في الصيرورات التحويلية المستمرة والمتصلة التي يجد البشر أنفسهم منغمسين فيها على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية الخ .كذلك يجب أن يكون واضحاً أنَّ ماركس بقوله هذا لم يستحدث جديداً أو يبتكر فكرة لم يسبقه إليها أحد .
كلنا يعرف الأهمية الحاسمة التي تحظى بها مسألة أسبقية الفعل على التأمل في ملحمة غوته المعروفة طرح فاوست الترجمة الحديثة للآية الأولى في إنجيل يوحنا على النحو التالي : "في البدء كان الفعل" بدلاً من "في البدء كان الكلمة" ونجد الفكرة ذاتها عند هيجل وإن كان بغلافها المثالي ـ الروحي المعتاد 0 في القسم (ب) من "فينومينولوجيا الروح" الذي يحمل عنوان "الوعي الذاتي" يؤكد هيجل أن فعل الإنسان في العالم بقصد تحويله بما يتفق ويتلائم مع رغبات الإنسان الفاعل هو مصدر اكتسابه للحد الأدنى من الوعي لذاته كموجود متميز عن باقي العالم .
أو بتعابير أكثر هيجلية لا يكتسب "وعي الذات موضوعيته" إلا عبر الفعل في العالم .
أي لم تعد الذات مجرَّد فكر كما كانت عند ديكارت (وهذا تقدم هام حققه تطور الفلسفة الحديثة) بل أصبحت ذاتاً فاعلة قبل أن تكون ذاتاً مفكرة فحسب ، وإن بقي مستوى الفعل عند هيجل لا يتعدَّى عالم الروح . لذلك أقول إنَّ من يرى في قيام ماركس بإعادة الاعتبار للذات الفاعلة قي مواجهة مادية فويورباخ إلغاء للأولوية الأونطولوجية والزمنية والسببية للموضوع المادي على الذات الفاعلة والواعية ، أو إلغاء لأولوية المستوى الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الثقافي والأيديولوجي ، أو إلغاء لأولوية المستوى البيولوجي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أو إلغاء لأولوية المستوى الفيزيقي على المستوى البيولوجي يكون قد حصل على فلسفة مقلوبة ،ولكنها ليست ماركسية كارل ماركس بالتأكيد . التشديد على هذه الأولويات يبقى جزءاً لا يتجزأ من أية مادية مهما كانت أوصافها أساكنة كانت أم تاريخية أم جدلية أم علمية فقط .
ويستمر العظم قائلاً : ـ
الآن سأحاول الإدلاء برأي حول سؤالك : ما هو الإنسان ؟ في إجابتي سوف أستوحي فكرة وردت عند ماركس في "الأيديولوجيا الألمانية" حيث يقول في معرض تعليقه على مسألة تعريف الإنسان ، باستطاعتنا تمييز الإنسان عن الحيوان بواسطة الوعي أو الدين أو الفكر أو أي شيء آخر قد يخطر على البال ، لكن الإنسان الفعلي ميَّز نفسه ، حقاً وليس وهماً أو تعريفاً ، عن الحيوان ابتداء باللحظة التي شرع فيها بانتاج وسائل بقائه وعيشه .
بعبارة أخرى ليس أسهل عليَّ من أنْ اعرض عليك مجموعة من التعريفات التأملية أو الفلسفة الأبريورية للإنسان ابتداء بالتعريف الكلاسيكي " الإنسان حيوان ناطق" وصولا إلى لا تعريف هايدجر القائل "الإنسان = الدازاين" أو هو ما لا يجوز أنْ نسأل عن تعريفه . أعتقد أنَّ هذه الطريقة في الإجابة أثبتت عقمها ولا جدواها لأنها لا يمكن أنْ تزيد الإنسان معرفة بنفسه بحكم صورتيها الساكنة ونزعتها الأبريورية الخالصة .مثل هذه التعريفات لم تؤد في السابق ولا يمكن أنْ تؤدي في المستقبل إلى أكثر من جدل بيزنطي لا ينتهي حول أحقية كل واحد منها بالقياس إلى التعريفات الأخرى . الطريقة المجدية التي ألمح إليها ماركس ـ وهو ليس وحده بطبيعة الحال ـ تتلخص في الرجوع إلى دراسة الوقائع الفعلية التي تَمّيَّزَ الإنسان بواسطتها عن الحيوان ، فأضحى عبر عملية تطورية تاريخية مديدة الإنسان الذي نعرفه الآن !!! .
طبعاً ، توجد علوم متخصصة كثيرة تدرس هذه الوقائع وتبحث في العملية التطورية المذكورة في رأيي لا يجوز ولا يحقُّ لأي مفكرٍ حادٍّ اليوم الإدلاء باجتهادٍ يريده مدروساً وعلمياً إلى حدٍ ما حول الإنسان دون الرجوع إلى بعض هذه العلوم واستشارة ما حصًّلته من معارف وما وصلت إليه من نتائج على أقل تعديل . بعبارة أخرى هل يحق لأي منَّا مع اقتراب نهاية القرن ، تقديم أجوبة على السؤال المطروح تهمل المعارف التي تراكمت لدى علوم متقدمة تتناول الإنسان بأصله وتطوره وتاريخه ومجتمعاته ومؤسساته وحضاراته ؟ هل يحقُّ لأي منَّا اقتراح أجوبة جميلة وتعريفات كيفية من عندياتنا الفلسفية ؟ [مثل] (الإنسان حيوان متدين ، الإنسان حيوان خرافي ، الإنسان حيوان ضاحك ، الإنسان حيوان صانع للأدوات ، الإنسان حيوان لا ريش له ويمشي على قائمتين القرن تقديم أجوبة على السؤال المطروح تهمل المعارف التي تراكمت لدى علوم متقدمة تتناول الإنسان ، إلى آخر اللائحة) مهملا ما تقوله لنا علوم مثل : البيولوجيا التطورية ، النيورولوجيا ، فيزيولوجيا الدماغ ، الانثروبولوجيا ، السيكولوجيا ، السوسيولوجيا ، المورفولوجيا الخ !!!!!!! .
في نظري لا يوجد جواب بسيط وسريع [جامع مانع] على السؤال : ما هو الإنسان ؟
بعد أنْ يسأل العظم نفسه هذا وبعد تقريره لصعوبة الجواب مع هذا فهو قد أجاب قائلاً :
الموجود هو جواب مركًّب معقَّد متشعِّب بُنِيَ على خُلاصات المعارف العلمية المتراكمة وهو جواب خاضع باستمرار للتعديل والتدقيق والتقريب وإعادة النظر على ضوء تطور المعرفة العلمية بالإنسان وغير الإنسان وتقدمها .
هذا هو القسم الأول من إجابة العظم عن السؤال وسيأتي القسم الثاني بعد ذلك لكن الا يظهر أنه مجرد كلام ؟ ! الإنشاء حشوه ، معناه في كلماته ، فلا مفهوم له ، ولا دلالة ، أبقي الحيرة هي قائدة البحث ! .
القارئ الكريم : المرجو منك تَدَبُّرُ هذه الإجابة الطويلة المُعَقَّدَة [لسؤال بسيط ] السؤال هو : [ما هو الإنسان ؟] هل فعلا تستحق الماركسية أنْ توصف بأنها مشروع نهضة إنها فعلا مشروع تضليل وغفلة ! لقد أدار الماركسيون المسلمون من حيث الموروث والعرب من حيث اللسان والتاريخ والثقافة ظهرهم للأمة وتراثها ، لقد تحوَّلوا بعد إنهيار الشيوعية السوفييتية إلى دعاة للحياة الغربية بكل تفصيلاتها الديمقراطية بمفهومها الغربي المُصَنَّع خِصِّيصاً للعالم الثالث التعددية الحزبية [تشرذم الأمة] الحريات بمفهومها الغربي [عند البعض منهم تَحَفُّظ على الحرية الاقتصادية] [البعض الآخر أو الأكثر منهم الاستعانة بأموال الغرب وخاصة الأمريكان] الدعوة لحقوق الإنسان والنظرة لهذه الحقوق بنفس النظارة الأمريكية [اختلاف بعضهم مع الأمريكان إنما هو حول مفردات وليس حول النظرة الأمريكية] الدعاية علناً للشرعية الدولية وهذا يعني أنهم يقرون لإسرائيل بحق الوجود حسب قرارات الأمم المتحدة ويقرون أيضا بتجزئة العالم الإسلامي وتجزئة العالم العربي أيضا القضايا الثلاثة الكبرى لا تعني الماركسي وهي :
1. التحرير : تعني كلمة [التحرير] تحرير الأمة على مستوى الإرادة العامة وتحريرها على مستوى السيادة العامة أي عدم ارتهان القرار السياسي لغير المصلحة العليا العامة والعادة أنَّ تحديد المصلحة يخضع لوجهة نظر الأمة فالإرادة والسيادة غير قابلين للتنازل أو التجزئة والماركسي لا يهتم بهذه القضية فاهتمامه منصب على تطوير أداة الإنتاج لتكتمل حلقة التباين الطبقي فيحدث صراع الطبقات ويرون الانتصار الحتمي للطبقة الكادحة .
2. الوحدة : تتجلى المطالبة بالوحدة في ثلاثة مشاريع
· وحدة الهلال الخصيب وهذه مطالبة القوميين السوريين وطمح الملك عبد الله لها وقيل عن وصفي التل أنه عمل لها ووصفت عند البعض بأن هذا المشروع من عمل الاستعمار الإنجليزي .
· وحدة الوطن العربي لاعتبارات مختلفة عند طالبيها .
· الوحدة الإسلامية . أمَّا كيفية التوحيد عند أصحاب هذه المشاريع الثلاثة فتراوحت بين الوحدة الاندماجية التامة بلا تفريق بين مركز وطرف والاتحادية [فدرالية] أي وحدة الدولة لا وحدة الأمة وسيطرة المركز على الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية والتنسيقية [كونفدرالية] وتعني عدم وجود أي شكل من أشكال الوحدة بل مجرد اجتماعات بين المسؤولين دورية أو طارئة وخير مثل على ذلك الجامعة العربية ومنظمة العالم الإسلامي وتباينت الآراء في كيفية تحقيقها والتحدي قائم للماركسيين العرب أنَّ في أدبياتهم مطالبة بالوحدة .
3. الهُوية : الأمة العريقة هي أمة ذات حضارة ومسار تاريخي لهذه الحضارة وهذه الحضارة تتعرض للحركة أو الخمول وللإبداع أو التقليد وللتأثير بالحضارات الأخرى أو عدم التأثير والحضارة قد تكون ذات ديناميكية أو تفقد ديناميكيتها والحضارة ليست التراث أو الفلكلور وإن كانا نتاجها ببساطة الحضارة هي الحياة وهي ماض وحاضر ومستقبل والحداثة التي لاتنجزها حضارة الأمة ثُمَّ تقبل استيرادها هو ضياع هُوِيَّة الأمة والماركسيون العرب دعاة هوية أممية ويصفون الهوية الإسلامية ب[الرجعية] .
القارئ للحركة الماركسية قراءة تصف واقع الماركسية كما هي لا كما تتجلى في ذهن الماركسيين ستبرز أمامه الحقائق التالية : ـ
¨ لم يتكون الماركسيون العرب بسبب اتصال الماركسيين بالحركة الماركسية اللينينية في مكانها ، فرموز الماركسية الأول نقلوها عن ضُباط إنجليز ، أو عن اليهود المهاجرين والتحدي قائم للماركسيين [بأن يقوموا بكتابة تاريخ أوائلهم ـ المقصود الأوائل العرب ـ وبيان سندهم في تلقي الماركسية . الماركسيون أنفسهم أصحاب دعوى بتأثر نبي الهدى محمد بن عبد الله [صلّى الله عليه وعلى أهل الكساء والأبرار من أبنائهم الطيبين الطاهرين والمرضيين من أتباع النبي وسلم] بمعطيات النبوات السابقة فليس لهم الحق بازدواجية المكيال
¨ دعوى العلم والعلمية وربط التقدم بهما هي عين دعوى المبشرين النصارى الغربيين أي [الغزو الثقافي] ليس هذا الكلام مراده رفض العلم والعلمية بل مراده وضع الأمور بنصابها وإعلان [أنَّ العلم والعلمية هي ثمرة فعل نهوض حضاري (الحضارة نظام الحياة) وليس العكس بل الأخذ بالعلم والعلمية دون حالة حضارية مميزة للأمة تجعل الأمة في محل التبعية لعدوها وهذا ما هو واضح الآن منذ غزو نابليون وحتى هذه اللحظة] المطلوب الآن إنجاز المشروح الحضاري بوصله بتراث الأمة لا بإحداث قطيعة مع تراث الأمة .
¨ الاستقطاب : المقصود بالاستقطاب سعي الماركسيين لاحتضان أصحاب الشهرة ، يعتبر الاستقطاب أخطر عمل قام به الماركسيون العرب ضد هذه الأمة الخيِّرة فقد استقطب الماركسيون ما يسمى بالنخبة أو الطليعة النضالية منها [الثقافية والإعلامية والواجهة النقابية ورموز المعارضة المدللة من قبل الحكم وهي طليعة فجة من حيث التفكير ، ذاتية الهدف ، تسعى للمال والشهرة ، همها شهواتـها ، قام الماركسيون بوضعها تحت دائرة الضوء ، فعلها الثقافي كتابة الرواية ذات المضامين الغربية ، أو نظم القصائد وإصدار الدواوين الشعرية ، موضوعها حالة شعورية عامة أو حالة ذاتية نرجسية وخاصة شعر النساء ومن المعلوم أن أفضل من كتب الرواية العربية نجيب محفوظ وأفضل من كتب الشعر الحر بدر شاكر السياب لكنهما لم يقدما للحالة النضالية رفدا بل كانا عالة عليها الخ معطيات الاستقطاب ، حدث في مواجهة هذا الاستقطاب استقطاب آخر هو الاستقطاب الإسلامي السطحي الساذج وانحاز القوميون للاستقطاب الماركسي ولهذا فشل العمل السياسي والنضالي كليا وخرجت الأمة من معركة التحرير الوطني إلى مزيد من التبعية وإذ موضوع الاستقطاب مهم جدا فلا بد من تخصيص فصل خاص به .
القسم الثاني من جواب العظم
حول ما هو الإنسان
قيصر : حتى هنا موقفك متوازن ومعقول وعلمي أيضا ، ولكني لم أستشف منه أي ملمح لجواب ما على السؤال [المرجو ملاحظة التناقض] وكي لا يفهم موقفك على أنه نوع من التهرب المؤدلج علمياً من مواجهة السؤال لا بد من أطلب إليك شرحاً ما لطبيعة القناعة الفلسفية التي كونتها عن مسألة الإنسان ؟
عظم : قناعتي بسيطة ومبنية على بعض الحقائق العلمية الأولية : الإنسان أعلى الرئيسات خرج من صيرورة نشوء الحياة على سطح الأرض وتطور أنواعها بقامة تميل إلى الانتصاب الكامل وبدماغ حجمه كبير جداً ، وجهاز عصبي مركزي عالي التعقيد قادر على توجيه اليد وضبط حركاتها ضبطا محكما ممَّا شكَّل تحولاً نوعياً حقيقيا وجديدا ، لم يسبق له مثيل ، في تاريخ تطور الأنواع الحية ، هذا التطور العالي جداً للجملة العصبية ، بالقياس إلى الأنواع الحية القريبة من الإنسان رافقه انحسار كامل لأنماط السلوك الغريزية المبرمجة وراثيا وبيولوجيا لصورة مسبقة لصالح محركات جديدة مثل الحاجة والميل والنزوع والدافع ولصالح هيمنة آليات مثل التعليم وإمكانية نقل ما تم تعلمه من جيل إلى جيل ، بطريق مغايرة كلية لطريق النقل الوراثي _ البيولوجي المسيطرة سيطرة شبه كلية في باقي مملكة الحيوان ، وبهذا المعنى الإنسان هو الفرد العاري حقاً ، أي العاري من محددات السلوك المبرمجة بيولوجياً ، والغرائز الموروثة نوعاً والمحركات الجاهزة فيزيولوجياً ، والتي تتمتع بها كلها باقي أجزاء مملكة الحيوان بصورة طبيعية وآلية ، وإنْ كان بدرجات متفاوتة من الدقة والسيطرة والتوجيه ، بالمقارنة مع باقي أنواع المملكة التي ينتمي إليها ، يبدو الإنسان أكثر الحيوانات ضعفاً وعجزا ، وأكثرها حاجة لغيره ولأعظمها اعتمادا على أفراد جنسه ، في الواقع إنه الكائن الحي [المحتاج] بامتياز . بهذا المعنى الإنسان أيضاً نقلة نوعية حقيقية وجديدة في تاريخ نشوء الأنواع وتطورها ، [ إنَّهُ في وقتٍ واحد : من صنع الطبيعة وإنتاجها من جهة أولى ، ومنفصل عنها ومنقطع عن آلياتها المعروفة من جهة ثانية ] بطبيعة الحال حملت هذه النقلة النوعية خصائصها الفذة وقواها الكامنة الفريدة وطاقاتها وميولها المتميزة في أسلوب تفتحها وأنماط تحققها التدريجي وتطورها الطبيعي والتاريخي اللاحق . في الواقع دخل الإنسان عنصرا حاسما وفاعلاً جديداً [ في تطور الحياة العضوية التي أنتجته أصلاً وفي تحديد شكل حاضرها ومستقبلها بحمله نمطاً جديداً من التدخل السببي المؤثر في الطبيعة والحياة العضوية معاً . في رأيي هذه هي القاعدة البيولوجية لمقدرة الإنسان على التفاعل بطريقة جديدة تماماً مع بيئته الطبيعية ثُمَّ الاجتماعية . [أي] أنها القاعدة المادية ـ الحيوية لمقدرة الإنسان على الفعل التحويلي الهادف في الطبيعة . إنها كذلك القاعدة المادية الأولى لنشوء كل ما هو إنساني بامتياز . ونموه وتطوره : الحياة الاجتماعية ، التاريخ ، الثقافة ، الحضارة ، الأيديولوجيا ، العلم ، الوعي ، وليس الوعي بمعنى وعي العالم وأشيائه فحسب بل أيضاً بمعنى وجود هذا الوعي للعالم أو غيابه .
{ هنا أدرك العظم الصباح فسكت عن الكلام المباح ! } يُعَلِّقُ عفيف قيصر على هذه الثرثرة الطويلة قائلاً : عفواً على المقاطعة ألا ترى أنَّك ابتعدت كثيراً عن ما ألمح إليه ماركس في الفكرة التي قلت أنَّكَ استلهمتها ؟ أقول هذا لأنَّ ماركس عالج مسألة الإنسان من واقع عالم الاجتماع ومنظور التفسير العلمي للتاريخ [وليس من مواقع البيولوجيا كما تفعل أنت على ما يبدو] .
التعليق على تفسير العظم لموضوع الإنسان
ذلك هو تفسير العظم ، لوجود الإنسان [ إنه بعبارة بسيطة سليل القرود] وليس مهما ، أنْ يقيم العظم الدليل ، إذ الدليل صعبٌ للغاية ، يعلم معنى مقولات الدليل ، فيلسوف ، أو عالم بيولوجيا ، أو عالم اجتماع ، وهؤلاء لا يقدمون الدليل القابل لوضع الإصبع على مدلوله فالدليل مجرد دعوى تفتقد العلمية إذ لا مكان له في المختبر فالعظم دون الخلق أجمعين خلقته الطبيعة وهيئته ليفكر ويدرك الأفكار نيابة عن الناس كلهم .
من الضروري وجود وقفة هنا تلفت النظر إلى الرؤية الكونية الإسلامية المبنية على العقل الناظر والرؤية الكونية المادية المبنية على [دوغما] تدَّعي العلم والعلمية !
معضلة الإنسان
أضخم معضلة تواجه الوعي الإنساني هي وعي الإنسان ذاته . أي هذا الإنسان العارف عليه أن يعرف ذاته ، ومن هنا يحاول الفكر المنكر لتفسير الوجود كله ـ بكونه مخلوقا لخالق ـ إعطاء تفسير لهذا الوجود ، لكن معضلة الإنسان في تميزه بعقله ، وقدرته المعرفية والعلمية ، بحيث تمكن من استخدام النظام الكوني استخداما مبهرا للإنسان نفسه . قضية الإنسان قضية غير محلولة عند هؤلاء الزاعمين العلمية تارة ، ولكن ما يقدمونه من تفسير ـ رغم بذل الجهد فيه ـ فإنه يتحطم كاملا عند معضلة الإنسان . ما يلي حوار بين مفكرين ماديين ( وليس مراهقين لا دينيين ) للتفكر والتدبر في جدل ( لم يصل لنتيجة ) وبقي معلقا بالهواء والوهم .
فقرات منقولة حرفيا من كتاب [ دفاعاً عن المادية والتاريخ]
من ص [ 100- 106 ]
كتابُ العظم [دفاعا عن المادية والتاريخ] هو كتاب فلسفي فيه ثلاث محاورات فلسفية جرى الحوار باللغة الإنجليزية بين عفيف قيصر كسائل ومحاور لصادق جلال العظم وكلاهما ينتمي للفكر المادي ، المادة الرئيسية للكتاب هي للعظم ، وهو الذي قام بترجمته للعربية ، وتم نشرها من قبل دار الفكر الجديد وهي كما يظهر دار مختصة بنشر الفكر الماركسي وما يسمى بالإبداعات الأدبية التي يقبلها الماركسيون هنا لا بُدَّ من تذكير الماركسيين أنَّ التوجه نحو الإبداعات الأدبية الملتزمة وغير الملتزمة لا يمكن أن يؤدي إلى تفعيل قوة التفكير أو القوة النضالية لا في مجمل الأمة ولا في بعض منها ولن تكون قوة تفكير أو قوة نضالية حَتَّى عند نفس منتج الإبداع الأدبي وهذا يفسر المواقف الإعلامية والسياسية الغربية تجاه هذه الأعمال إذ تقوم بالدعاية والتأييد ومنح الجوائز وتسهيل الحصول على الجنسية الغربية للقائمين بمثل هذه الأعمال نعم ! هي تنتج لذة عند القارئ وفخراً عند المنشئ ولن يتجاوز أثرها ذلك .
الحوار
قيصر : حين أشرتُ إلى ماركسية سارتر ، لم أقصد استباق المسائل ، التي سنتناولها في حوارنا . الآن أريد أن أطرح عليك سؤالا مباشراً وفجَّا إلى حد ما . توافقني ،على ما أعتقد ، أنه بإمكاننا أن نوجز الإشارة إلى الثنائيات المتعارضة التي هاجمتها بثنائية الإنسان / الطبيعة حيث يندرج تحت الشق الأول منها مسائل مثل الذات ، التاريخ ، المجتمع ، الوعي ، الفعل ، الفلسفة المثالية الخ ، أي كل ما ضمَّنته أنت في ما أسميته مجازاً " بروح الماركسية " . كذلك يندرج تحت الشق الثاني منها مسائل مثل الموضوع ، الواقع المادي ، الانفعال ، الفلسفة المادية الخ ، أي ما ضمَّنته أنت أيضاً في ما أسميته " بجسد الماركسية " يتلخص سؤالي المباشر بالتالي : ما هو الإنسان في نظرك ، إذن ؟
[ يرجى من القارئ التمعن والتدبر بالسؤال مع ملاحظة أن مفردات الخطاب لا علاقة لها من ناحية معرفية بمفردات تراث الأمة والآن مع إجابة العظم على هذا السؤال الحواري ]
عظم : سؤالك هام جداً ، وبخاصة في هذا السياق وهو ليس بالفجاجة التي تتصورها . لكن قبل إجابتي المباشرة ، وغير الفجة على ما أرجو ، اسمح لي أنْ أرجع قليلاً إلى ما ذكرته أنت عن نقد ماركس لمادية فويرباخ في الأطروحات الشهيرة . قراءة إنتاج بعض شُرَّاح الأطروحات ممن ينتمون إلى مدرسة " الماركسية بلا مادية " تجعل الواحد منَّا يظنُّ وكَأَنَّ نقد ماركس لِ فويرباخ ما كان يهدف إلاَّ إلى إعادة الاعتبار الأنطولجي إلى الثنائيات المتعارضة إيَّاها ( إنسان / طبيعة ذات / موضوع الخ ) بغرض تأكيد دور "الذات" مجدَّداً بصفتها فاعلية "روحية" تتدخَّل في الطبيعة وتحوِّلُها من مواقعها المستقلة تماماً ، كما تصنع التاريخ وتحوِّلُ المجتمع من منطلقاتها المتعالية الخ .
في الواقع يتعامل هؤلاء الشُّراح مع أطروحات ماركس النقدية وكأنَّ القصد منها هو التأسيس الضمني لنوع معين من الفلسفة الحيوية التي تعيد الأولوية إلى أنطولجيا الذات وأبستمولجيا الذات ومنطق الذات أيضاً ، على طريقة الكنطية الجديدة .
في مواجهة هكذا قراءة متعسفة للأطروحات علينا أن نذكر دوماً أن ماركس مرَّ بمرحلة وقع فيها بقوة تحت تأثير مادية فويورباخ وعدّ نفسه لفترةٍ قصيرة فويورباخيا أصولياً مخلصاً ومتحمساً
تعبر الأطروحات في رأيي، عن تمرد ماركس على هذه المرحلة وعن خروجه منها باتجاه فلسفي أرقى سوف تبدأ صياغته الدقيقة والمتأنية في كتاب " الأيديولوجيا الألمانية " بعبارة أدق تمرَّدَ ماركس في الأطروحات على الأبستمولوجيا المنفعلة المترتبة عاى مادية فويورباخ الساكنة والإستكانية حيث المعرفة ليست أكثر من تسجيل لحركة الواقع الخارجي في الذهن البشري .
كان من الطبيعي أن يعبر ماركس عن هذا التمرد بتأكيده أنَّ الواقع ،بخاصة الواقع الإجتماعي والتاريخي ، لا يُعْرَفُ حقاً إلاّ استناداً إلى فعل البشر فيه وعملهم التحويلي له ، وهذا ما تعنيه الماركسية عادة "بالبراكسيس" بأبسط معانيه واكثرها أولية . أي أن الأولوية في المعرفة هي للفعل وليست للتأمل والتجريد على أن يكون واضحاً أن المقصود بالفعل والعمل هنا صيرورات مادية حقيقية تتحرَّك وتُحرِّك تتأثر وتؤثر وليس مجرد تجليات روحية "للذات الفاعلة" أو خيارات حرة قامت بها أو صنعتها تلك الذات .
هنا يكمن الفارق بين فكرة البراكسيس وفكرة "الفعل الاجتماعي" في التنظير السوسيولجي غير الماركسي المعاصر . يتمركز الفعل الاجتماعي عند تالكوت بارسونز مثلاً كما في كتابه الشهير "بنية الفعل الاجتماعي" في الذات الفردية واختياراتها التي لا تقبل الإرجاع إلى أي عنصر مفسِّر آخر سابق عليها أو أكثر بدئية منها في حين يتمركز البراكسيس في الصيرورات التحويلية المستمرة والمتصلة التي يجد البشر أنفسهم منغمسين فيها على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية الخ .كذلك يجب أن يكون واضحاً أنَّ ماركس بقوله هذا لم يستحدث جديداً أو يبتكر فكرة لم يسبقه إليها أحد .
كلنا يعرف الأهمية الحاسمة التي تحظى بها مسألة أسبقية الفعل على التأمل في ملحمة غوته المعروفة طرح فاوست الترجمة الحديثة للآية الأولى في إنجيل يوحنا على النحو التالي : "في البدء كان الفعل" بدلاً من "في البدء كان الكلمة" ونجد الفكرة ذاتها عند هيجل وإن كان بغلافها المثالي ـ الروحي المعتاد 0 في القسم (ب) من "فينومينولوجيا الروح" الذي يحمل عنوان "الوعي الذاتي" يؤكد هيجل أن فعل الإنسان في العالم بقصد تحويله بما يتفق ويتلائم مع رغبات الإنسان الفاعل هو مصدر اكتسابه للحد الأدنى من الوعي لذاته كموجود متميز عن باقي العالم .
أو بتعابير أكثر هيجلية لا يكتسب "وعي الذات موضوعيته" إلا عبر الفعل في العالم .
أي لم تعد الذات مجرَّد فكر كما كانت عند ديكارت (وهذا تقدم هام حققه تطور الفلسفة الحديثة) بل أصبحت ذاتاً فاعلة قبل أن تكون ذاتاً مفكرة فحسب ، وإن بقي مستوى الفعل عند هيجل لا يتعدَّى عالم الروح . لذلك أقول إنَّ من يرى في قيام ماركس بإعادة الاعتبار للذات الفاعلة قي مواجهة مادية فويورباخ إلغاء للأولوية الأونطولوجية والزمنية والسببية للموضوع المادي على الذات الفاعلة والواعية ، أو إلغاء لأولوية المستوى الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الثقافي والأيديولوجي ، أو إلغاء لأولوية المستوى البيولوجي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أو إلغاء لأولوية المستوى الفيزيقي على المستوى البيولوجي يكون قد حصل على فلسفة مقلوبة ،ولكنها ليست ماركسية كارل ماركس بالتأكيد . التشديد على هذه الأولويات يبقى جزءاً لا يتجزأ من أية مادية مهما كانت أوصافها أساكنة كانت أم تاريخية أم جدلية أم علمية فقط .
ويستمر العظم قائلاً : ـ
الآن سأحاول الإدلاء برأي حول سؤالك : ما هو الإنسان ؟ في إجابتي سوف أستوحي فكرة وردت عند ماركس في "الأيديولوجيا الألمانية" حيث يقول في معرض تعليقه على مسألة تعريف الإنسان ، باستطاعتنا تمييز الإنسان عن الحيوان بواسطة الوعي أو الدين أو الفكر أو أي شيء آخر قد يخطر على البال ، لكن الإنسان الفعلي ميَّز نفسه ، حقاً وليس وهماً أو تعريفاً ، عن الحيوان ابتداء باللحظة التي شرع فيها بانتاج وسائل بقائه وعيشه .
بعبارة أخرى ليس أسهل عليَّ من أنْ اعرض عليك مجموعة من التعريفات التأملية أو الفلسفة الأبريورية للإنسان ابتداء بالتعريف الكلاسيكي " الإنسان حيوان ناطق" وصولا إلى لا تعريف هايدجر القائل "الإنسان = الدازاين" أو هو ما لا يجوز أنْ نسأل عن تعريفه . أعتقد أنَّ هذه الطريقة في الإجابة أثبتت عقمها ولا جدواها لأنها لا يمكن أنْ تزيد الإنسان معرفة بنفسه بحكم صورتيها الساكنة ونزعتها الأبريورية الخالصة .مثل هذه التعريفات لم تؤد في السابق ولا يمكن أنْ تؤدي في المستقبل إلى أكثر من جدل بيزنطي لا ينتهي حول أحقية كل واحد منها بالقياس إلى التعريفات الأخرى . الطريقة المجدية التي ألمح إليها ماركس ـ وهو ليس وحده بطبيعة الحال ـ تتلخص في الرجوع إلى دراسة الوقائع الفعلية التي تَمّيَّزَ الإنسان بواسطتها عن الحيوان ، فأضحى عبر عملية تطورية تاريخية مديدة الإنسان الذي نعرفه الآن !!! .
طبعاً ، توجد علوم متخصصة كثيرة تدرس هذه الوقائع وتبحث في العملية التطورية المذكورة في رأيي لا يجوز ولا يحقُّ لأي مفكرٍ حادٍّ اليوم الإدلاء باجتهادٍ يريده مدروساً وعلمياً إلى حدٍ ما حول الإنسان دون الرجوع إلى بعض هذه العلوم واستشارة ما حصًّلته من معارف وما وصلت إليه من نتائج على أقل تعديل . بعبارة أخرى هل يحق لأي منَّا مع اقتراب نهاية القرن ، تقديم أجوبة على السؤال المطروح تهمل المعارف التي تراكمت لدى علوم متقدمة تتناول الإنسان بأصله وتطوره وتاريخه ومجتمعاته ومؤسساته وحضاراته ؟ هل يحقُّ لأي منَّا اقتراح أجوبة جميلة وتعريفات كيفية من عندياتنا الفلسفية ؟ [مثل] (الإنسان حيوان متدين ، الإنسان حيوان خرافي ، الإنسان حيوان ضاحك ، الإنسان حيوان صانع للأدوات ، الإنسان حيوان لا ريش له ويمشي على قائمتين القرن تقديم أجوبة على السؤال المطروح تهمل المعارف التي تراكمت لدى علوم متقدمة تتناول الإنسان ، إلى آخر اللائحة) مهملا ما تقوله لنا علوم مثل : البيولوجيا التطورية ، النيورولوجيا ، فيزيولوجيا الدماغ ، الانثروبولوجيا ، السيكولوجيا ، السوسيولوجيا ، المورفولوجيا الخ !!!!!!! .
في نظري لا يوجد جواب بسيط وسريع [جامع مانع] على السؤال : ما هو الإنسان ؟
بعد أنْ يسأل العظم نفسه هذا وبعد تقريره لصعوبة الجواب مع هذا فهو قد أجاب قائلاً :
الموجود هو جواب مركًّب معقَّد متشعِّب بُنِيَ على خُلاصات المعارف العلمية المتراكمة وهو جواب خاضع باستمرار للتعديل والتدقيق والتقريب وإعادة النظر على ضوء تطور المعرفة العلمية بالإنسان وغير الإنسان وتقدمها .
هذا هو القسم الأول من إجابة العظم عن السؤال وسيأتي القسم الثاني بعد ذلك لكن الا يظهر أنه مجرد كلام ؟ ! الإنشاء حشوه ، معناه في كلماته ، فلا مفهوم له ، ولا دلالة ، أبقي الحيرة هي قائدة البحث ! .
القارئ الكريم : المرجو منك تَدَبُّرُ هذه الإجابة الطويلة المُعَقَّدَة [لسؤال بسيط ] السؤال هو : [ما هو الإنسان ؟] هل فعلا تستحق الماركسية أنْ توصف بأنها مشروع نهضة إنها فعلا مشروع تضليل وغفلة ! لقد أدار الماركسيون المسلمون من حيث الموروث والعرب من حيث اللسان والتاريخ والثقافة ظهرهم للأمة وتراثها ، لقد تحوَّلوا بعد إنهيار الشيوعية السوفييتية إلى دعاة للحياة الغربية بكل تفصيلاتها الديمقراطية بمفهومها الغربي المُصَنَّع خِصِّيصاً للعالم الثالث التعددية الحزبية [تشرذم الأمة] الحريات بمفهومها الغربي [عند البعض منهم تَحَفُّظ على الحرية الاقتصادية] [البعض الآخر أو الأكثر منهم الاستعانة بأموال الغرب وخاصة الأمريكان] الدعوة لحقوق الإنسان والنظرة لهذه الحقوق بنفس النظارة الأمريكية [اختلاف بعضهم مع الأمريكان إنما هو حول مفردات وليس حول النظرة الأمريكية] الدعاية علناً للشرعية الدولية وهذا يعني أنهم يقرون لإسرائيل بحق الوجود حسب قرارات الأمم المتحدة ويقرون أيضا بتجزئة العالم الإسلامي وتجزئة العالم العربي أيضا القضايا الثلاثة الكبرى لا تعني الماركسي وهي :
1. التحرير : تعني كلمة [التحرير] تحرير الأمة على مستوى الإرادة العامة وتحريرها على مستوى السيادة العامة أي عدم ارتهان القرار السياسي لغير المصلحة العليا العامة والعادة أنَّ تحديد المصلحة يخضع لوجهة نظر الأمة فالإرادة والسيادة غير قابلين للتنازل أو التجزئة والماركسي لا يهتم بهذه القضية فاهتمامه منصب على تطوير أداة الإنتاج لتكتمل حلقة التباين الطبقي فيحدث صراع الطبقات ويرون الانتصار الحتمي للطبقة الكادحة .
2. الوحدة : تتجلى المطالبة بالوحدة في ثلاثة مشاريع
· وحدة الهلال الخصيب وهذه مطالبة القوميين السوريين وطمح الملك عبد الله لها وقيل عن وصفي التل أنه عمل لها ووصفت عند البعض بأن هذا المشروع من عمل الاستعمار الإنجليزي .
· وحدة الوطن العربي لاعتبارات مختلفة عند طالبيها .
· الوحدة الإسلامية . أمَّا كيفية التوحيد عند أصحاب هذه المشاريع الثلاثة فتراوحت بين الوحدة الاندماجية التامة بلا تفريق بين مركز وطرف والاتحادية [فدرالية] أي وحدة الدولة لا وحدة الأمة وسيطرة المركز على الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية والتنسيقية [كونفدرالية] وتعني عدم وجود أي شكل من أشكال الوحدة بل مجرد اجتماعات بين المسؤولين دورية أو طارئة وخير مثل على ذلك الجامعة العربية ومنظمة العالم الإسلامي وتباينت الآراء في كيفية تحقيقها والتحدي قائم للماركسيين العرب أنَّ في أدبياتهم مطالبة بالوحدة .
3. الهُوية : الأمة العريقة هي أمة ذات حضارة ومسار تاريخي لهذه الحضارة وهذه الحضارة تتعرض للحركة أو الخمول وللإبداع أو التقليد وللتأثير بالحضارات الأخرى أو عدم التأثير والحضارة قد تكون ذات ديناميكية أو تفقد ديناميكيتها والحضارة ليست التراث أو الفلكلور وإن كانا نتاجها ببساطة الحضارة هي الحياة وهي ماض وحاضر ومستقبل والحداثة التي لاتنجزها حضارة الأمة ثُمَّ تقبل استيرادها هو ضياع هُوِيَّة الأمة والماركسيون العرب دعاة هوية أممية ويصفون الهوية الإسلامية ب[الرجعية] .
القارئ للحركة الماركسية قراءة تصف واقع الماركسية كما هي لا كما تتجلى في ذهن الماركسيين ستبرز أمامه الحقائق التالية : ـ
¨ لم يتكون الماركسيون العرب بسبب اتصال الماركسيين بالحركة الماركسية اللينينية في مكانها ، فرموز الماركسية الأول نقلوها عن ضُباط إنجليز ، أو عن اليهود المهاجرين والتحدي قائم للماركسيين [بأن يقوموا بكتابة تاريخ أوائلهم ـ المقصود الأوائل العرب ـ وبيان سندهم في تلقي الماركسية . الماركسيون أنفسهم أصحاب دعوى بتأثر نبي الهدى محمد بن عبد الله [صلّى الله عليه وعلى أهل الكساء والأبرار من أبنائهم الطيبين الطاهرين والمرضيين من أتباع النبي وسلم] بمعطيات النبوات السابقة فليس لهم الحق بازدواجية المكيال
¨ دعوى العلم والعلمية وربط التقدم بهما هي عين دعوى المبشرين النصارى الغربيين أي [الغزو الثقافي] ليس هذا الكلام مراده رفض العلم والعلمية بل مراده وضع الأمور بنصابها وإعلان [أنَّ العلم والعلمية هي ثمرة فعل نهوض حضاري (الحضارة نظام الحياة) وليس العكس بل الأخذ بالعلم والعلمية دون حالة حضارية مميزة للأمة تجعل الأمة في محل التبعية لعدوها وهذا ما هو واضح الآن منذ غزو نابليون وحتى هذه اللحظة] المطلوب الآن إنجاز المشروح الحضاري بوصله بتراث الأمة لا بإحداث قطيعة مع تراث الأمة .
¨ الاستقطاب : المقصود بالاستقطاب سعي الماركسيين لاحتضان أصحاب الشهرة ، يعتبر الاستقطاب أخطر عمل قام به الماركسيون العرب ضد هذه الأمة الخيِّرة فقد استقطب الماركسيون ما يسمى بالنخبة أو الطليعة النضالية منها [الثقافية والإعلامية والواجهة النقابية ورموز المعارضة المدللة من قبل الحكم وهي طليعة فجة من حيث التفكير ، ذاتية الهدف ، تسعى للمال والشهرة ، همها شهواتـها ، قام الماركسيون بوضعها تحت دائرة الضوء ، فعلها الثقافي كتابة الرواية ذات المضامين الغربية ، أو نظم القصائد وإصدار الدواوين الشعرية ، موضوعها حالة شعورية عامة أو حالة ذاتية نرجسية وخاصة شعر النساء ومن المعلوم أن أفضل من كتب الرواية العربية نجيب محفوظ وأفضل من كتب الشعر الحر بدر شاكر السياب لكنهما لم يقدما للحالة النضالية رفدا بل كانا عالة عليها الخ معطيات الاستقطاب ، حدث في مواجهة هذا الاستقطاب استقطاب آخر هو الاستقطاب الإسلامي السطحي الساذج وانحاز القوميون للاستقطاب الماركسي ولهذا فشل العمل السياسي والنضالي كليا وخرجت الأمة من معركة التحرير الوطني إلى مزيد من التبعية وإذ موضوع الاستقطاب مهم جدا فلا بد من تخصيص فصل خاص به .
القسم الثاني من جواب العظم
حول ما هو الإنسان
قيصر : حتى هنا موقفك متوازن ومعقول وعلمي أيضا ، ولكني لم أستشف منه أي ملمح لجواب ما على السؤال [المرجو ملاحظة التناقض] وكي لا يفهم موقفك على أنه نوع من التهرب المؤدلج علمياً من مواجهة السؤال لا بد من أطلب إليك شرحاً ما لطبيعة القناعة الفلسفية التي كونتها عن مسألة الإنسان ؟
عظم : قناعتي بسيطة ومبنية على بعض الحقائق العلمية الأولية : الإنسان أعلى الرئيسات خرج من صيرورة نشوء الحياة على سطح الأرض وتطور أنواعها بقامة تميل إلى الانتصاب الكامل وبدماغ حجمه كبير جداً ، وجهاز عصبي مركزي عالي التعقيد قادر على توجيه اليد وضبط حركاتها ضبطا محكما ممَّا شكَّل تحولاً نوعياً حقيقيا وجديدا ، لم يسبق له مثيل ، في تاريخ تطور الأنواع الحية ، هذا التطور العالي جداً للجملة العصبية ، بالقياس إلى الأنواع الحية القريبة من الإنسان رافقه انحسار كامل لأنماط السلوك الغريزية المبرمجة وراثيا وبيولوجيا لصورة مسبقة لصالح محركات جديدة مثل الحاجة والميل والنزوع والدافع ولصالح هيمنة آليات مثل التعليم وإمكانية نقل ما تم تعلمه من جيل إلى جيل ، بطريق مغايرة كلية لطريق النقل الوراثي _ البيولوجي المسيطرة سيطرة شبه كلية في باقي مملكة الحيوان ، وبهذا المعنى الإنسان هو الفرد العاري حقاً ، أي العاري من محددات السلوك المبرمجة بيولوجياً ، والغرائز الموروثة نوعاً والمحركات الجاهزة فيزيولوجياً ، والتي تتمتع بها كلها باقي أجزاء مملكة الحيوان بصورة طبيعية وآلية ، وإنْ كان بدرجات متفاوتة من الدقة والسيطرة والتوجيه ، بالمقارنة مع باقي أنواع المملكة التي ينتمي إليها ، يبدو الإنسان أكثر الحيوانات ضعفاً وعجزا ، وأكثرها حاجة لغيره ولأعظمها اعتمادا على أفراد جنسه ، في الواقع إنه الكائن الحي [المحتاج] بامتياز . بهذا المعنى الإنسان أيضاً نقلة نوعية حقيقية وجديدة في تاريخ نشوء الأنواع وتطورها ، [ إنَّهُ في وقتٍ واحد : من صنع الطبيعة وإنتاجها من جهة أولى ، ومنفصل عنها ومنقطع عن آلياتها المعروفة من جهة ثانية ] بطبيعة الحال حملت هذه النقلة النوعية خصائصها الفذة وقواها الكامنة الفريدة وطاقاتها وميولها المتميزة في أسلوب تفتحها وأنماط تحققها التدريجي وتطورها الطبيعي والتاريخي اللاحق . في الواقع دخل الإنسان عنصرا حاسما وفاعلاً جديداً [ في تطور الحياة العضوية التي أنتجته أصلاً وفي تحديد شكل حاضرها ومستقبلها بحمله نمطاً جديداً من التدخل السببي المؤثر في الطبيعة والحياة العضوية معاً . في رأيي هذه هي القاعدة البيولوجية لمقدرة الإنسان على التفاعل بطريقة جديدة تماماً مع بيئته الطبيعية ثُمَّ الاجتماعية . [أي] أنها القاعدة المادية ـ الحيوية لمقدرة الإنسان على الفعل التحويلي الهادف في الطبيعة . إنها كذلك القاعدة المادية الأولى لنشوء كل ما هو إنساني بامتياز . ونموه وتطوره : الحياة الاجتماعية ، التاريخ ، الثقافة ، الحضارة ، الأيديولوجيا ، العلم ، الوعي ، وليس الوعي بمعنى وعي العالم وأشيائه فحسب بل أيضاً بمعنى وجود هذا الوعي للعالم أو غيابه .
{ هنا أدرك العظم الصباح فسكت عن الكلام المباح ! } يُعَلِّقُ عفيف قيصر على هذه الثرثرة الطويلة قائلاً : عفواً على المقاطعة ألا ترى أنَّك ابتعدت كثيراً عن ما ألمح إليه ماركس في الفكرة التي قلت أنَّكَ استلهمتها ؟ أقول هذا لأنَّ ماركس عالج مسألة الإنسان من واقع عالم الاجتماع ومنظور التفسير العلمي للتاريخ [وليس من مواقع البيولوجيا كما تفعل أنت على ما يبدو] .
التعليق على تفسير العظم لموضوع الإنسان
ذلك هو تفسير العظم ، لوجود الإنسان [ إنه بعبارة بسيطة سليل القرود] وليس مهما ، أنْ يقيم العظم الدليل ، إذ الدليل صعبٌ للغاية ، يعلم معنى مقولات الدليل ، فيلسوف ، أو عالم بيولوجيا ، أو عالم اجتماع ، وهؤلاء لا يقدمون الدليل القابل لوضع الإصبع على مدلوله فالدليل مجرد دعوى تفتقد العلمية إذ لا مكان له في المختبر فالعظم دون الخلق أجمعين خلقته الطبيعة وهيئته ليفكر ويدرك الأفكار نيابة عن الناس كلهم .
من الضروري وجود وقفة هنا تلفت النظر إلى الرؤية الكونية الإسلامية المبنية على العقل الناظر والرؤية الكونية المادية المبنية على [دوغما] تدَّعي العلم والعلمية !