حازم
04-14-2005, 01:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الرد على أسئلة (توني بولدروجوفاك) وتشكيكاته حول
القرآن الكريم والنبي العظيم
نقلا عن موقع السلفية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله الأمين سيدنا محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر إخوانه الأنبياء والمرسلين الذين دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأقام الله بهم الحجة على الكافرين المعاندين والمخالفين.. وبعد
مقدمة
فقد قدم لي أحد الأخوة المهاجرين في أمريكا رسالة كتبها من ادعى أن اسمه (توني بولدروجوفاك) وهذه الرسالة مصدرة بإسم (السيد الكريم - السلام عليكم) ولم يذكر كاتبها من هو هذا السيد الكريم الذي وجهها إليه، وإنما وزع كاتب الرسالة رسالته هذه على المراكز الإسلامية في أمريكا. وتشمل هذه الرسالة التي تقع في نحو صفحة واحدة ونصف مجموعة كبيرة من الشبهات والإعتراضات والتشكيك في صحة القرآن الكريم، ورسالة الإسلام.
فقد ادعى في هذه الرسالة -حسب زعمه- أن في القرآن ما يدل على أنه من تأليف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه متناقض، وادعى أن ترتيب سور القرآن غير متناسق تاريخيا ولا منطقيا، وأن الإنجيل قد فاق القرآن تنظيما وترتيبا.
وادعى كذلك أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله كان فيها كثير مما يخالف العقل والعلم والحياة، واستدل لذلك بوصف النبي لخلق آدم وأنه خلقه ستين ذراعا في السماء، واستدل لذلك بحديث الذباب الذي ادعى أنه يناقض الطب، وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم لسبب مجيء الطفل يشبه أباه تارة، وأمه تارة أخرى مدعيا أن أحدا لا يصدق الرسول في تفسيره أن مَرَدَّ ذلك لسرعة القذف.
وقد رأيت من واجبي وإن كنت في زيارة سريعة للولايات المتحدة أن أرد على هذه الشبهات والأسئلة التي جاءت للطعن والتشكيك في دين الإسلام الحق.
فأقول - مستعينا بالله:
أولا: لا وجه للمقارنة بين القرآن والإنجيل:
كنت أتمنى أن يفصح كاتب الرسالة والذي سمى نفسه (توني بولدروجوفاك) عن دينه الذي يدين به، وعقيدته التي يراها حقا، لنعرف أين يقف هذا المنتقد والمعترض لدين الإسلام من الرب سبحانه وتعالى ورسالاته، ومسائل الغيب، وما هي نظرته للكون والحياة، وذلك أن الذي يعترض على أمر ما من المفروض أن يكون قد اعتقد ما يراه هو صوابا وحقا، وسؤالنا الأول للمشكك في الإسلام والقرآن ونبي الإسلام ما الدين الذي تراه أنت صوابا وحقا حتى نجادلك على أساسه؟ والذي يظهر من اعتراضات صاحب الرسالة (توني بولدروجوفاك) أنه يؤمن بالنصرانية، ومما يدل على ذلك عقده للمقارنة بين القرآن الذي يرى فيه اضطرابا واختلافا وتناقضا وتشويشا وعدم ترتيب، وبين الإنجيل الذي يراه بريئا من ذلك بالرغم من أن الإنجيل -حسب زعمه- كتب قبل آلاف السنين (هكذا)!!.
وأقول للأسف الشديد أن يعقد من له أدنى عقل مقارنة بين الكتاب المعجز الخالد القرآن الذي تحدى الله به الأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثله، وقد عجز أئمة البيان وفرسان الكلمة، وحذاق العلم في كل العصور أن يجاروا القرآن بلاغة وفصاحة وبيانا، وعجز الأولون والآخرون أن يجدوا فيه ثغرة أو اختلافا، وعجز المشككون فيه أن يجدوا تناقضا واحدا مع ما يكتشفه البشر من علوم وأسرار الكون ما كان للأولين أن يحلموا بشيء منها، بل لو قيلت لهم في ذلك الوقت لكفروا بها، ومع ذلك أخبر بها القرآن صراحة ووضوحا.
أقول للأسف أن يعقد عاقل مقارنة بين هذا القرآن الكريم الخالد المعجز وبين الإنجيل الذي فقد أصله، وتعاورته آلاف الأيدي بالتبديل والتغيير والتنقيح وحوى آلاف المتناقضات وليس فيه ما يدل على أنه كتاب منزل من الله فما هو إلا مذكرات ويوميات كتبها بعض تلاميذ المسيح عليه السلام أو تلاميذ تلاميذه، وكلهم كتب قصة حياة المسيح، وليس وحيا أوحاه الله إلى المسيح عليه السلام فبدأ بعضهم بذكر نسب المسيح، واختلف هؤلاء في سياق نسبه وجعل بعضهم بعض أجداده مولودا من سفاح وذكروا كيف ولد، وكيف هرب به خطيب أمه، وكيف سجل اسمه بعيدا عن بلدته (الناصرة) حتى يعمى خبره على اليهود، وكيف سافر به خطيب أمه من بلدة إلى بلدة.. ثم كيف تعمد على يد يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا عليهما السلام)، وكيف بدأ دعوته إلى توحيد الله وعبادته، وكيف توجه من قرية إلى قرية يشفي المرضى، ويعالج الزمنى، ويحيى بعض الموتى، ويبارك له في الطعام القليل ليصبح كثيرا، ويبشر بالآخرة، ويسب اليهود ويلعنهم قائلا لهم: "يا أبناء الأفاعي، لستم أولاد أبيكم إبراهيم، وإنما أنتم أبناء الشيطان".
وكيف بشر بالنبي الخاتم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي سماه (المعزي)، (والفارقليط) الذي يبقى دينه إلى آخر الدنيا، ويعاقب الناس على الخطيئة، وأنه سيرحل ويترك الأرض حتى يأتي هذا المخلص وهو محمد عبدالله ليس غيره صلوات الله وسلامه عليه.. فهو الذي أتي من بعده، وخلص الله العالم به من الخطيئة وكان رحمة للعالمين، فكل من آمن به من اليهود والنصارى وسائر الشعوب خلصهم، وأنقذهم الله به من الضلالة، وبصرهم به من العمى، وعرفهم به طريق الرب سبحانه وتعالى ودلهم على الصراط المستقيم الذي لا يضل سالكه، والذي فصل الله فيه أحكام كل شيء، وأبان فيه لليهود والنصارى ما كانوا يختلفون فيه من شأن الدين فلم يبق بعد رسالته عذر لمعتذر. ولا شبهة لأحد..
والخلاصة أن الإنجيل الموجود بأيدي النصارى إنما ذكر فيه كاتبوه سيرة المسيح حسب ما تصورها كل منهم، وليس فيه أن هذا خطاب الله من السماء إلى عيسى وليس فيه ما يدل كذلك على أن عيسى هو الله الذي كتب هذا الإنجيل، وإلا فكيف يكتب الرب سبحانه وتعالى عن نفسه "أنه ولد يوم كذا وكذا في (مذود بقرة) ولفته أمه بقماط، وهرب به خطيب أمه خوفا من اليهود وأنه كان يصلي، ويبكي ويجوع، ويتوجع، ويتحسر أنه لا يملك مسكنا يضع فيه رأسه"!! هل يكون هذا وحي أوحاه الله من السماء للأرض، وهل يكون هذا كلام الإله؟ خالق السماوات والأرض، أو ابن الإله الذي هو مثله أو ذاته ونفسه كما تقول النصارى.. هل يتوجع الإله أنه لا يملك بيتا يستريح فيه، في الوقت الذي للطير أعشاش تأوي إليها، وللثعالب جحور تختبيء وتستريح فيها، حيث يقول الإنجيل عن عيسى أنه كان يتوجع قائلا: "للطيور أوكار، وللثعالب أوكار وليس لإبن الإنسان مكان يضع فيه رأسه".. هل يتحسر خالق السماوات والأرض، وملك العالم والكون أنه لا يملك ما يملكه ثعلب أو غراب.. وأقول هل يمكن أن يكون مثل هذا الكتاب هو وحي الله النازل من السماء..
وهل يعقل أن يقوم عاقل (مثل صاحب الرسالة) بعقد مقارنة بين القرآن والإنجيل ويفضل فيها الإنجيل على أنه كتاب مؤتلف منتظم في حين أن القرآن كتاب مشوش متناقض؟!!
وهل يعقل يا أصحاب العقول والفهوم أن يكون الإنجيل هذا وحيا وهو يحكي كيف حوكم الرب الإله (يسوع) وسيق ذليلا مهانا إلى حبر اليهود ورأسهم في زمانه ليحكم فيه بحكم التوراة، وأنه سأله "هل أنت ملك اليهود" فلما أجاب بما يفيد ذلك، صُفعَ على قفاه، وحكم بقتله جزاء تجديفه وكفره وبدعته فسيق إلى الموت والصلب مغلوبا ذليلا مبصوقا في وجهه يحمل صليبه على ظهره، ويسير معه إلى الموت لِصَّان زيادة في إذلاله وأنه رفع إلى الصليب فسمرت فيه يداه ورجلاه، وعطش فاستسقى فرفع له الخل بدلا من الماء، ثم طعن في جنبه فسال دمه "ولكنه لم ينزل إلى الأرض لأنه لو نزل لهلكت الأرض ودمر العالم" هكذا يدعي النصارى، وكأن كل الإذلال السابق لا يكفي لدمار الأرض وهلاك العالم!! والمحذور والجريمة فقط أن يسقط دم الإله على الأرض، لكن أن يصلب ويصفع ويبصق في وجهه، لا يهم ولا يضر..
ثم إن المسيح (إله الأرض والسماوات كما يزعم النصارى) تكسر رجلاه، وينزع قميصه ويتقاسمه الحراس ويبقى عاريا على الصليب، ثم ينزل ويقبر ويمكث في القبر ثلاثة أيام.. وكل ذلك وهو الملك خالق السماوات والأرض وإله الكون كما يزعمون، وخالق الرسل والأنبياء، ومن له ملكوت السماوات والأرض وجنود السماوات والأرض.. ثم إنه بعد هذا الإذلال كله والإهانة جميعها يصعد إلى السماء تاركا أكفانه التي كفن فيها في الأرض!! وتاركا أمه، وتلاميذه في حيرة من أمرهم فيه..
وكل هذا الهراء والسخف يقولون إنه وحي الله النازل من السماء.
وأنا أسأل: من أنزل هذا الهراء والسخف؟ الأب الذي في السماء؟! وعلى من أنزله بعد موت ابنه هذه الميتة البئيسة -كما يزعمون-؟! أم الابن الذي فُعِلَ به كل هذا الشر، وهو يبكي تارة، ويتوجع أخرى، ويتوسل إلى الأب أن يصرف هذه الكأس المرة عنه، ومع ذلك فلا يستجيب له، ولا يرق لبكائه وعبراته، وصراخه، ويحكم عليه أنه لا بد وأنه يذوق الموت على هذا النحو الذليل؟! ولماذا؟. ليخلص البشر من خطيئة أبيهم آدم؟! لأن آدم، الذي ارتكب تلك الخطيئة الكبرى لوثته ونجست جميع ذريته، ولم يستطع لا آدم ولا كل الأنبياء والرسل بعده أن يتخلصوا من هذه النجاسة والجريمة التي ارتكبها أبوهم، وكان لا بد وأن يرسل الله ابنه الوحيد -كما يزعمون- ويحكم عليه بالموت صلبا وقهرا وذلا حتى يرضى الرب الإله الذي لا يرضيه إلا أن يموت ابنه على هذا النحو البئيس.. ليفدي البشر. فيا له من إله ظالم يَلْعَنُ الأبناء بفعل آبائهم، ويتوب عليهم بتوبة ابنه ويصحح الخطأ الصغير لآدم، بجريمة كبرى لليهود، ويخلق الخلق لغير حكمة، أو مراد معقول، وأقول تعالى الله عما يقول الضالون الظالمون علوا كبيرا..
والعجيب أن كل هذا السخف والهراء، والكذب والافتراء وسب الله ورسالاته، واتهام الأنبياء السابقين جميعا أنهم كانوا جهلة كفارا إذ لم يعلم أحد منهم أن لله ابنا، وأن الإله الواحد إله مثلث يتكون من الأب والابن وروح القدس بثلاثة أقانيم، وأنه سيرسل ابنه ليفديهم من خطيئة أبيهم آدم التي لم يعرفوا كيفية الخلاص منها..
أقول العجب أن يكون هذا الدين، وهذا الإنجيل الذي يسب الله على هذا النحو، ويسب عيسى بن مريم عليه السلام، ويسب جميع الأنبياء وينسب إليهم الجهل والكفر والخطيئة. العجب أن يعتقد عاقل هذا وحيا أوحاه الله إلى عباده..
والأعجب أن يقوم من يدعي العقل والدين ليعقد مقارنة بين هذا السخف كله وبين القرآن الكريم الكتاب المعجز الذي عرفنا بالله سبحانه وتعالى الإله الحق الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، الإله الحق الرحيم الودود العزيز المتكبر، الذي لا يبلغ العباد ضرة فيضروه، ولا يبلغون نفعه فينفعوه.. فالبشر عاجزون عن ضر الله ونفعه.. هذا الكتاب الذي أثنى على الأنبياء وشرفهم وأعلى منازلهم، ورفع درجاتهم، وبين عزتهم ومكانتهم، والذي جعل الرسل في مكان التحدي والعزة فلا يستطيع البشر مهما أوتوا من قوة أن يكون لهم سبيل عليهم فلا نوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا هود، ولا صالح ولا لوط، ولا عيسى استطاع أعداؤهم أن يصلوا إليهم رغم ما تميزت قلوبهم من الغيظ عليهم.
كما قال تعالى عن نوح وهو يتحدى قومه أن يقتلوه أو ينالوا منه: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون} (يونس:71).
وقال تعالى عن إبراهيم: { وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين} وذلك أنهم أرادوا حرقه فأنجاه الله من النار وقال: {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}.
وكذلك هود قال لقومه متحديا وقد هددوه بالقتل والهلاك: {قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} (هود:54-56).
وكذلك صالح أنجاه الله عندما تآمر قومه على قتله وعزموا على اغتياله ليلا حيث لا يراهم أحد ولا يعرف أقاربه من قتله، فأنجاه الله ودمر قومه كما قال تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون، ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}..
وكذلك لم يستطع فرعون قتل موسى مع ضعف موسى وقلة نصيره في مصر، وكان فرعون الجبار يتحرق شوقا إلى مقتله فلم يستطع كما قال تعالى عن فرعون: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} ومع ذلك لم يستطع حيث انبرى قومه يحذرونه، وقام له رجل مؤمن يحذره مغبة ذلك فرد الله كيد فرعون في نحره وبقي ذليلا مقهورا لا يستطيع وهو ملك مصر المتصرف فيها أن يقتل غريبا ملاحقا طريدا قد قتل منهم يوما ما، وأهانهم، وعاب دينهم وهو يتوعدهم كل يوم بالويل والثبور، ومع ذلك صانه الله أن يصلوا إليه..
فهل يكون كل هؤلاء الرسل أعز على الله من عيسى بن مريم الذين يهينه الله هذه الإهانات البليغة، ويمكن أعداءه ليفعلوا به كل هذا الشر، والحال أن الرب العزيز الذي يحمي من التجأ إليه ويغيث من استغاث به، ولا يمكن أن يرسل الرسل وهم منتسبون إليه، متكلمون باسمه، داعون إلى دينه، ثم يمكن أعداءهم منهم ليقتلوهم ويصلبوهم.. لو فعل ذلك الرب لكان هذا أعظم تنفير للناس من دينه والإيمان به والالتجاء إليه.. فكيف والنصارى المشركون يقولون إن عيسى ليس رسوله فقط بل هو ابنه الوحيد الذي يحبه من كل قلبه -كما يزعمون-.. فإذا كان الرب الإله يصنع في ابنه الوحيد كل هذا الإذلال والقهر فكيف بغيره؟
ولا يُعتَرض على ما نقول بما يَبتلي الله به الأنبياء غير الرسل الذين قتل منهم عدد كبير، وكذلك عموم المؤمنين الذين يبتلون بالتعذيب والقتل وذلك أن الرسل في مقام التحدي وأما الأنبياء والمؤمنين فإنهم ليسوا كذلك، ويبتليهم الله ليرفع درجاتهم ويعلي منازلهم عنده فيكون منهم الشهداء الذين يقتلون في سبيله وأما الرسل فهم في مقام التحدي ولا بد أن يمكن الله لهم ليبلغوا رسالة ربهم، ولا يقتلوا بيد البشر حتى لا يسقط دليلهم، وتدحض حجتهم بأنهم رسل الله المعصومون أن ينالهم أعداؤهم..
وهذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مع حرص الكفار على مقتله وتآمرهم على ذلك واجتماع كلمتهم على اشتراك جميع القبائل في مقتله، لكن الله أنجاه منهم كما قال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال:30). ومعلوم كيف أنجى الله عبده ورسوله محمدا، وأخرجه من بين ظهراني المشركين وأعزه ونصره حتى دخل مكة فاتحا منتصرا. {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.
وهكذا الشأن في عيسى عليه السلام أيضا فإن اليهود لما مكروا مكرهم به، ووشوا به إلى (بيلاطس) الحاكم الروماني في فلسطين نائب القيصر عليها، وحكم عليه اليهود بأنه مبتدع ضال (مجدف) يستحق القتل.. فإن الله سبحانه وتعالى لم يمكن اليهود من تنفيذ هذا المكر الخبيث.. فرفع الله عيسى إليه في السماء دون أن يمسه هؤلاء المجرمون بأذى، بعد أن بَلَّغَ رسالته، ونشر دينه، وأقام الحجة على المعاندين، وأقام من أنصاره من يحمل الدين بعده، وعاهدهم على ذلك كما قال تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} (آل عمران:52).
والخلاصة أن عيسى بن مريم عليه السلام كان الشأن معه هو الشأن مع إخوانه الرسل جميعا حيث أن الله أنجاه من أعدائه اليهود عندما تألبوا عليه، وأرادوا أن يقتلوه ويصلبوه - فطهره منهم ورفعه إلى السماء عزيزا كريما، وادخره عنده لينزل في آخر الزمان حاكما بالقرآن الكريم، تابعا للنبي الخاتم مصليا مع المسلمين، كاسرا للصليب المزعوم، قاتلا للخنزير الخبيث الذي يستحل أكله المنسوبون إليه من النصارى، وهو الحيوان الخبيث الذي جاءت كل شرائع الأنبياء بخبثه وشينه، وجاء (بولس اليهودي (شاول) المغير لدين المسيح) ليحل لهم ما حرم الله عليهم على لسان عيسى وموسى.. واتبعه هؤلاء الضالون الذين لا يميزون بين شريعة الله وشريعة الشيطان أقول أنجى الله عيسى بن مريم عليه السلام أن يناله القتل والصلب والإذلال والإهانة كما أنجى الله سائر الرسل الكرام.
وأعود فأقول كيف يستوي في العقل والمنطق ذلك القرآن الكريم الكتاب المعجز الخالد، وهذا الإنجيل الذي حوى كل هذه الخرافات والخزعبلات والعظائم والقبائح مما لا يجوز أن ينسب إلى الله رب العالمين..
والخلاصة أن هذا المدعو (توني بولدروجوفاك) الذي توجه بأسئلته التافهة ليطعن في القرآن أو يدعي أنها لا توافق عقله ومنطقه وفهمه ويمدح الإنجيل ويثني عليه أنه يستقيم مع العقل والمنطق والفهم..
فإذا كان هذا عقلك وفهمك حيث تفضل هذا الغثاء والكفر على الدين الحق القويم وعلى كتاب الله رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. فحسبك هذا البيان لتراجع عقلك وفكرك.
وإذا كنت تعرف الحق وتجحده وتنكره.. فاعلم أن هذا يضرك غدا عندما تقف بين يدي مولاك وخالقك وإلهك إله السماوات والأرض، ويكون أول من يبرأ منك ويلعنك هو المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، الرسول الكريم.
ثانيا: ونبدأ الآن بعرض أسئلة المعترض سؤالا والجواب على كل سؤالا منها.
(1) حديث الله سبحانه وتعالى عن نفسه في القرآن بصيغة المتكلم تارة وبصيغة الغائب أخرى.
* السؤال أو الاعتراض الأول: يقول السائل (توني بولدروجوفاك):
كيف يمكن اعتبار القرآن قد أوحى إلى محمد، وفي نفس الوقت نجد أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- هو المتكلم في آيات عديدة كما في سورة 1 الآية 5،7 - وفي سورة 2،105 الآية 117،163 وكما في سورة 3 الآية 2، وفي سورة رقم 40 الآية 65، والسورة رقم 43 الآية 88،89؟
* والجواب:
أن السائل لا يعرف أساليب اللغة العربية، ولا طرائق البلغاء في الكلام، ولا منهجهم في البيان، ومعلوم أن القرآن نزل بلغة العرب، وقد تحدى الله الأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة وبيانا وحلاوة وبناءا معجزا يستحيل الإتيان بكلام مثله في الحلاوة والبيان.
ومن أساليب العرب في البيان أن يتحدث المتكلم عن نفسه تارة بضمير المتكلم، وتارة بضمير الغائب، كأن يقول المتكلم: فعلت كذا وكذا، وذهبت وآمرك يا فلان أن تفعل كذا، وتارة يقول عن نفسه أيضا: إن فلانا -يعني نفسه- يأمركم بكذا وكذا، وينهاكم عن كذا، ويحب منكم أن تفعلوا كذا كأن يقول أمير أو ملك لشعبه وقومه وهو المتكلم إن الأمير يطلب منكم كذا وكذا.. وهو يشير بذلك أن أمره لهم من واقع أنه أمير أو ملك. وهذا أبلغ وأكمل من أن يقول لهم أنني الملك وآمركم بكذا وكذا.. فقوله: أن الملك يأمركم أكثر بلاغة من قوله أنني الملك وآمركم.. وقد جاء القرآن بهذا النوع من البيان كما في الآيات التي اعترض بها السائل فظن أن هذا لا يمكن أن يكون من كلام الله سبحانه وتعالى: نحو قوله تعالى في سورة البقرة: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}، وقوله في سورة آل عمران: {ألم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم، نزل عليك الكتاب بالحق} فظن هذا الذي لا يعرف العربية أن الله لا يمكن أن يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب وأنه كان لا بد وأن يقول (نزلت عليك يا محمد الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه..) ونحو ذلك وهذا جهل بأساليب اللغة العربية، وموقعها في البيان والبلاغة.. ولا شك أن خطاب الله هنا وكلامه عن نفسه بصيغة الغائب أبلغ من لو قال سبحانه (ألم، أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم نزلت عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه الآيات).
وعلى كل حال فهذا أسلوب من أساليب البلاغة في اللغة، والظن أن هذا يطعن في القرآن وأنه ليس من عند الله وإنما من عند الرسول ظن تافه ساذج في منتهى الركاكة والجهل.
وأما الالتفات في الخطاب من الحضور إلى الغيبة والعكس، كأن يخاطب المخاطب بضميره فيقول أنك فعلت كذا وكذا ثم تخاطبه تارة أخرى بضمير الغائب فتقول له: فعل فلان كذا وكذا وأنت تعنيه. فهذا كذلك أسلوب من أساليب البلاغة: كقوله تعالى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} ولا شك أن النبي هو المقصود، ثم حول الله الخطاب إليه قائلا: {وما يدريك لعله يتزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى.. الآيات} (1:80،4).
وأما أن القرآن كتاب تعليم وتوجيه فقد جاء ليعلم المسلمين ماذا يقولون في صلاتهم، وبماذا يدعون ربهم فقد أنزل الله سورة (الفاتحة) لتكون دعاءا وصلاة للمسلمين يتلونها في كل ركعة وفيها: {الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين} وهذا كلام الله عن نفسه سبحانه يصف نفسه بهذه الصفات الجليلة العظيمة ثم يعلم المسلمين أن يقولوا في صلاتهم ودعائهم هذا {إياك نعبد، وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين}.
فهذه السورة تعليم وتوجيه من الرب سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين ليصلوا ويدعوا بها في كل ركعة من ركعات صلاتهم.. وفي هذه السورة من البلاغة والإعجاز والمعاني ما لا تسعه هذه الرسالة الموجزة. ولو أن عالما بالعربية تدبرها كفته إعجازا وشهادة أن هذا القرآن منزل من الله سبحانه وتعالى وليس من كلام بشر.
والخلاصة من هذا السؤال أن صاحبه إنما أتى به من كونه لا يعلم العربية ولا أساليب البيان والفصاحة وما أظن إلا أن معظم اللغات تعرف هذا اللون من التعبير والذي يسمى بـ (الإلتفاف) أي التحول من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، لمقاصد كثيرة كتخفيف العتاب، أو توجيه النظر إلى البعيد أو استحضار المشهد، أو التعظيم، أو التحقير ونحو ذلك من مقاصد البلغاء.
وكذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة (غافر:65) {هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين، الحمد لله رب العالمين} فهو خطاب لله سبحانه وتعالى عن نفسه بصيغة الغائب وهو تعريف للعباد بذاته العلية جل وعلا.. وقد قدمنا أن هذا أسلوب من أساليب العربية في الخطاب.
ومثل هذا أيضا ما اعترض به هذا الجاهل باللغة وهو قوله تعالى في (سورة الزخرف:88،89): {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون، وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}. فإن هذا جميعه من حديث الرب جل وعلا عن نفسه، وعن رسوله، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان إذا سأل المشركين عن خالق السماوات والأرض يعترفون أنه الله سبحانه وتعالى فعجب الله نبيه صلى الله عليه وسلم من حال هؤلاء المشركين الذين يعتقدون بأن الله خالق السماوات والأرض ثم لا يفردونه وحده بالعبادة، ولا يؤمنون بقدرته على إحيائهم بعد موتهم {فأنى يؤفكون} أي يقلبون، ثم ذكر الله توجع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وشكاته من قومه {وقيله} أي وهذا قول الرسول لربه {يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} وعندئذ يأتيه الجواب وهو بمكة {فاصفح عنهم وقل سلام} أي لا تعلن حربا عليهم الآن: {فسوف يعلمون} ما يكون مآلهم في الدنيا من القتل بأيدي المؤمنين، ومآلهم في الآخرة من الخلود في النار أبد الآبدين.
وهذا الجاهل باللغة يظن أن قوله تعالى: {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون}.. الآية، أن هذا من كلام محمد صلى الله عليه وسلم وإذن فالقرآن لا يمكن أن يكون من كلام الله. ومثل هذا السخف لا يحتاج إلى رد ولكن ماذا نفعل إذا كان هؤلاء هذا هو مستواهم من العلم.. ومع ذلك يعارضون القرآن، ويشككون في رسالة الإسلام.
(2) لا تناقض في القرآن حول عدد أيام خلق السماوات والأرض.
* السؤال الثاني ونصه كما يلي:
السورة (3:10) ذكر بها أن خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام. السورة (9:41 إلى 12) ذكر بها أن خلق الأرض تم في يومين وخلق الله الأنهار والغابات.. الخ في الأرض (بعد خلقها) في أربعة أيام، وأنه قد خلق السماوات في يومين (السورة 10 تتناقض مع السورة 41 (2+4+2=8 أيام)).
* والجواب: هذا السؤال يتعلق بقوله تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها..}.
نعم بجمع هذه الأيام دون فهم وعلم يكون المجموع ثمانية وقد ذكر الله في مواضع كثيرة من القرآن أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام..
وما ظنه السائل تناقضا فليس بتناقض فإن الأربعة أيام الأولى هي حصيلة جمع اثنين واثنين.. فقد خلق الله الأرض خلقا أوليا في يومين ثم جعل فيها الرواسي وهي الجبال ووضع فيها بركتها من الماء، والزرع، وما ذخره فيها من الأرزاق في يومين آخرين فكانت أربعة أيام. فقول الله سبحانه وتعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين}، هذه الأيام الأربعة هي حصيلة اليومين الأولين ويومين آخرين فيكون المجموع أربعة. وليست هذه الأربعة هي أربعة أيام مستقلة أخرى زيادة على اليومين الأولين.. ومن هنا جاء الخطأ عند السائل.. ثم إن الله خلق السماوات في يومين فيكون المجموع ستة أيام بجمع أربعة واثنين..
ولا تناقض في القرآن بأي وجه من الوجوه.. ثم إن القرآن لو كان مفترى كما يدعي السائل فإن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن ليجهل مثلا أن اثنين وأربعة واثنين تساوي ثمانية وأنه قال في مكان آخر من القرآن إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام.. فهل يتصور عاقل أن من يقدم على تزييف رسالة بهذا الحجم، وكتاب بهذه الصورة يمكن أن يخطئ مثل هذا الخطأ الذي لا يخطئه طفل في السنة الأولى الإبتدائية؟!
لا شك أن من ظن أن الرسول افترى هذا القرآن العظيم ثم وقع في مثل هذا الخطأ المزعوم فهو من أحط الناس عقلا وفهما. والحال أن السائل لا يفهم لغة العرب وأن عربيا فصيحا يمكن أن يقول: زرت أمريكا فتجولت في ولاية جورجيا في يومين، وأنهيت جولتي في ولاية فلوريدا في أربعة أيام ثم عدت إلى لندن.. لا شك أن هذا لم يمكث في أمريكا إلا أربعة أيام فقط وليس ستة أيام لأنه قوله: في يومين في أربعة أيام يعني يومين في جورجيا ويومين في فلوريدا..
وهذه الآية التي نحن بصددها تشبه أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة في مثل ذلك يكون مضغة في مثل ذلك فإن هذا جميعه في أربعين يوما فقط وليس في مائة وعشرين يوما كما فهمه من فهمه خطأ فقول الرسول (في مثل ذلك) أي في هذه الأربعين، ومثله هنا قوله تعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام} أي بزيادة يومين عن اليومين الأولين.
(3) مقدار الأيام عند الله.
* السؤال الثالث هو:
هل اليوم الواحد يساوي ألف سنة أو خمسين ألف سنة عند الله (السورة 32:الآية 5، مناقضة للسورة 70: الآية 4)؟
* والجواب:
سهل وبسيط وهو أن الأيام عند الله مختلفة فيوم القيامة يوم مخصوص وهذا مقداره خمسين ألف سنة من أيام الدنيا كما قال تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين آلف سنة}، وأما سائر الأيام عند الله فكل يوم طوله ألف سنة من أيام هذه الدنيا، كما تعالى: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}. ومعلوم أن الأيام على الكواكب تختلف بحسب حجمها وحركتها، فماذا يمنع أن يكون يوم القيامة أطول من سائر الأيام.
(4) إخبار الله سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام وابنه.
* السؤال الرابع هو:
السورة 21:الآية 76 ذكر بها أن نوح وأهل بيته قد نجوا من الفيضان، ولكن السورة 11:الآيات 32 إلى 48) ذكر بها أن أحد أولاد نوح قد غرق؟
* الجواب:
إن الاستثناء أسلوب معروف في لغة العرب فيذكر المتكلم المستثنى منه على وجه العموم ثم يخرج منهم من أراد إخراجه. ويمكن أن يأتي الإستثناء منفصلا، ويمكن أن يأتي متصلا.. وفي سورة الأنبياء قال الله تعالى عن نوح: {ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} وقد بين سبحانه وتعالى المراد بأهله في آيات أخرى وهو من آمن منهم فقط حيث أخبر سبحانه وتعالى في سورة هود أنه قال لنوح: {احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن، وما آمن معه إلا قليل}. فقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يحمل أهله معه إلا من سبق القول من الله بهلاكهم.. وقد كان قد سبق في علم الله أن يهلك ابنه مع الهالكين لأنه لم يكن مؤمنا..
ولم يكتب الله لأحد النجاة مع نوح إلا أهل الإيمان فقط، وابنه لم يكن مؤمنا.. وبالتالي فلا تناقض بين قوله تعالى في سورة الأنبياء إنه نجى نوحا وأهله، وبين ما جاء في سورة هود إنه أغرق ابن نوح لأن ابن نوح لم يكن من أهله، كما قال تعالى لنوح لما سأله عن ابنه {يا نوح إنه ليس من أهلك}. وبالتالي فلا تناقض بحمد الله في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
(5) لا مجال للمقارنة بين القرآن الكريم الإنجيل.
* السؤال الخامس هو:
هناك أخطاء نحوية في القرآن. فيوجد به جمل غير متكاملة، ولا تفهم تماما بدون إدخال بعض الكلمات الأخرى عليها (2:5، 7:160-161.. الخ). إن ترتيب السور بالقرآن غير متصل تاريخيا أو منطقيا، فلا تشعر بوقت أو مكان. هناك شك في موضوعية تكامل القرآن لأننا نجد أن أناس وأماكن غير محددة وأحداث وضعت معا في رؤية واحدة وكأنهم جميعا كانوا يعيشون معا في نفس الزمان. وهذا يسبب مشاكل عديدة واختلاط الأمر لكل من يحاول فهم القرآن كقطعة أدبية، لإعادة بناء حياة وتعاليم محمد بوسيلة مرتبة فلا بد للفرد أن يقفز من سورة إلى أخرى في القرآن كله. ويترك الفرد بإحساس عدم التكامل وعدم الرضا لأنه لم يحصل على القصة الكامل. وهذا مضاد تماما للإنجيل الذي كتب فيما يزيد عن عدة آلاف السنين بما يزيد عن 40 مؤلف مختلف.
* الجواب:
إن صياغة هذا السؤال على هذا النحو يدل على أن كاتبه إما أنه لا يدرك شيئا من اللغات، عربية كانت أم غير عربية، أو أنه يعترض لمجرد الاعتراض. وتفصيل ذلك على هذا النحو:
(أ) الآية الخامسة من سورة البقرة وهي قوله تعالى: { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} يشير الله بقوله {أولئك} على المذكورين قبل ذلك وهم المتقون الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بالقرآن والكتب التي نزلت على الرسل قبل القرآن ويؤمنون بالآخرة، وهؤلاء المذكورون قد عبر الله عنهم بـ {أولئك} وهي اسم إشارة للبعيد تعظيما لشأنهم ورفعا لمنزلتهم {على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}.. ويبدو أن السائل ظن أنه إشارة الله لهؤلاء المذكورين (بأولئك) وهي صيغة إشارة للبعيد أن هذا خطأ نحوي إذ يعبر عن القريب بالبعيد، ولم يفهم أن هذا أسلوب بلاغي من أساليب العرب، وهي تعبيرهم بالإشارة بالبعيد للتعظيم والتهويل.. أحيانا، وللتقليل والتحقير أحيانا حسب السياق، ومرامي الكلام.. وهنا عبر الله عن هؤلاء المتقين الذين يتصفون بهذه الصفات بصيغة البعيد وهي {أولئك} رفعا لشأنهم وإعلاءا لمنزلتهم. ولا شك أن هذا أمر عظيم لأن فيه إشارة ورفعة لهؤلاء المذكورين.
(ب) وأما قوله تعالى في سورة الأعراف الآية رقم (260) وهي قوله تعالى: { وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما، وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشر عينا قد علم كل أناس مشربهم، وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى، كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.. واعتراض السائل هو كيف يقول تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم}، ويتكلم بصيغة الخطاب وهو قبل ذلك قد تكلم عن بني إسرائيل بصيغة الغائب وأنه سبحانه قطعهم اثنتي عشرة أسباطا وأنه قال لموسى كذا وكذا..
ومرة أخرى لا يفهم السائل أسلوب العربية، ولا بلاغة الخطاب، ويظن أن الانتقال من الغيبة إلى الخطاب خلل في الأسلوب، وخطأ نحوي!! وهذا يدل على أنه لا يعرف نحوا، ولا بلاغة، ولا يدرك معنى للفصاحة ولا البيان.. وهذه الآية في منتهى الإعجاز والبلاغة فإن الله تحدث فيها عن بني إسرائيل وما صنع لهم من الخير والإحسان، وأنه ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى، وبدلا من أن يقول: وقلت لهم: كلوا من طيبات ما رزقناكم، أو وقال لهم موسى إن الله يقول لكم (كلوا من طيبات ما رزقناكم).. فإن الله حذف هذا وانتقل رأسا إلى القول دون ذكر القائل.. لأن القائل معروف من السياق وهو الرب تبارك وتعالى ولا يمكن أن يفهم أن القائل هو غير الرب جل وعلا لأن القول هو {كلوا من طيبات ما رزقناكم} فمن سيقول هذا القول إلا الله، ومعلوم أن حذف ما يعلم جائز، بل ذكر المعلوم ضرورة حشو وزيادة لا داعي لها، والقرآن ينزه عن الحشو والزيادة..
ويفهم كل من يعلم العربية أن قوله تعالى: {وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم} أن معنى ذلك وأنزلنا عليهم المن والسلوى وقلنا لهم {كلوا من طيبات ما رزقناكم} فحذف {وقلنا لهم}، أو (أمرنا موسى أن يقول لهم) لأن هذه زيادة لا داعي لها في السياق لأنها معلومة!!
(ج) وأما قول السائل إن ترتيب السور غير متصل تاريخيا أو منطقيا حيث لا يفهم القارئ الوقت ولا المكان.. فهذا كذلك من قصور علمه وفهمه وبعده عن إدراك الإعجاز القرآني في ترتيب المصحف، والوحدة الموضوعية في السورة، وهذا باب عظيم لا تسعه العجالة من الرد على هذه الشبهات السخيفة.. وقد كتب في هذا مجلدات ومجلدات قديما وحديثا، وأحيل السائل على كتاب مختصر حديث وهو كتاب (النبأ العظيم للشيخ الدكتور محمد عبدالله دراز رحمه الله)، وأظنه مترجما إلى الإنجليزية. وهنا في هذه الآية من سورة الأعراف لا يسجل الله الأحداث التي وقعت لبني إسرائيل من حيث كونها تاريخا وإنما يذكر أنعامه عليهم، ويسجل مخازيهم، ونكثهم لعهودهم وكفرانهم لنعمة الله سبحانه وتعالى. فهذه الأحداث التي وقعت لبني إسرائيل وإن كانت متباعدة في الزمان ولكنها ذكرت مجتمعة في الآية لتذكرهم بنعم الله على آبائهم ثم جحودهم ونكرانهم.
(د) وأما قول السائل (توني بولدروجوفاك) إن الإنجيل أفضل من القرآن من حيث الوحدة الموضوعية والترتيب الزمني، وتسلسل الأحداث فإن هذا مما يدل حقيقة وللأسف على تدني عقل السائل وعدم تمييزه بين الكتاب المعجز المتناهي في البلاغة والعصمة، والإحكام، وبين كتاب لم يسلم من التحريف والتبديل والتناقض، وهو أشبه بمذكرات يومية كتبه تلاميذ أو تلاميذ تلاميذ المسيح عليه السلام من الذاكرة معبرين فيه عن تصور شخصي لهم، وتفسير شخصي للأحداث التي نقلت أو رآها بعضهم، وقد اختلفوا في هذا النقل اختلافا كبيرا، وجاءت عباراتهم في كثير من الأحيان ركيكة متهالكة.. ولا شك الإنجيل الحقيقي لم يكن كذلك وإنما أتكلم عن الأناجيل الموجودة الآن بين أيدي النصارى وهي مختلفة فيما بينها.
ولا شك أن القرآن الكريم لم ينزل قط على طريقة الأناجيل المحرفة التي لا تعدو أن تكون كما ذكرنا مذكرات ويوميات لحياة السيد المسيح عليه السلام، فيها كثير من الاختلاف والتناقض والتضاد ومن ذلك ما ذكرناه آنفا، ومنها كذلك نسبة المسيح إلى عنصرية بغيضة تارة كالزعم أنه قال (إن خبز البنين لا يجوز أن يعطى للكلاب) وذلك عندما استغاثت به امرأة كنعانية أن يشفي ابنتها.
وقوله في مقام آخر (لا كرامة لنبي في بلده) وتفضيله الأجناس الأخرى على بني إسرائيل..
وكذلك قوله (لم أبعث إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) وقوله في مقام آخر (اذهبوا واكرزوا بالإنجيل في العالم أجمع)!!.
وكذلك قوله بوجوب التزام الشريعة كلها، ثم الإدعاء أنه نسخ الشريعة كلها وأباح للحواريين أن يأكلوا كل النجاسات والخبائث وأن كل ما يدب على الأرض حلال لهم.. وهذا التناقض كثير في الإنجيل.
وليس في الإنجيل قط ما يدل على أن الله أوحى شيئا أو شرع شيئا أو تكلم بنفسه كلاما مباشرا بل هو رواية عن أعمال المسيح، أو خبر عن المسيح أنه يقول قال أبي كذا أو كذا.. وأما أنه في الإنجيل ما يدل على أن الله هو الذي يتكلم أو يخاطب عباده فليس شيئا من هذا موجودا..
ومعلوم أن القرآن غير هذا تماما فليس القرآن مذكرات ويوميات كتبها النبي أو كتبها الصحابة عن حياة النبي.. وإنما القرآن هو كلام الله المعجز الذي ليس للنبي فيه إلا التبليغ فقط {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي}.
ولا مجال بتاتا للمقارنة بين القرآن الكريم الكتاب العظيم الذي نزل تبيانا لكل شيء فجمع الدين كله أصولا وفروعا عقيدة وشريعة وأخلاقا وأمثالا ووعظا، وبين الأناجيل المحرفة المتناقضة التي لم تزد على كونها يوميات للسيد المسيح عليه السلام يظهر فيها لكل ذي بصيرة التناقض والتزيد والتقول على الله بغير علم.
الرد على أسئلة (توني بولدروجوفاك) وتشكيكاته حول
القرآن الكريم والنبي العظيم
نقلا عن موقع السلفية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله الأمين سيدنا محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر إخوانه الأنبياء والمرسلين الذين دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأقام الله بهم الحجة على الكافرين المعاندين والمخالفين.. وبعد
مقدمة
فقد قدم لي أحد الأخوة المهاجرين في أمريكا رسالة كتبها من ادعى أن اسمه (توني بولدروجوفاك) وهذه الرسالة مصدرة بإسم (السيد الكريم - السلام عليكم) ولم يذكر كاتبها من هو هذا السيد الكريم الذي وجهها إليه، وإنما وزع كاتب الرسالة رسالته هذه على المراكز الإسلامية في أمريكا. وتشمل هذه الرسالة التي تقع في نحو صفحة واحدة ونصف مجموعة كبيرة من الشبهات والإعتراضات والتشكيك في صحة القرآن الكريم، ورسالة الإسلام.
فقد ادعى في هذه الرسالة -حسب زعمه- أن في القرآن ما يدل على أنه من تأليف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه متناقض، وادعى أن ترتيب سور القرآن غير متناسق تاريخيا ولا منطقيا، وأن الإنجيل قد فاق القرآن تنظيما وترتيبا.
وادعى كذلك أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله كان فيها كثير مما يخالف العقل والعلم والحياة، واستدل لذلك بوصف النبي لخلق آدم وأنه خلقه ستين ذراعا في السماء، واستدل لذلك بحديث الذباب الذي ادعى أنه يناقض الطب، وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم لسبب مجيء الطفل يشبه أباه تارة، وأمه تارة أخرى مدعيا أن أحدا لا يصدق الرسول في تفسيره أن مَرَدَّ ذلك لسرعة القذف.
وقد رأيت من واجبي وإن كنت في زيارة سريعة للولايات المتحدة أن أرد على هذه الشبهات والأسئلة التي جاءت للطعن والتشكيك في دين الإسلام الحق.
فأقول - مستعينا بالله:
أولا: لا وجه للمقارنة بين القرآن والإنجيل:
كنت أتمنى أن يفصح كاتب الرسالة والذي سمى نفسه (توني بولدروجوفاك) عن دينه الذي يدين به، وعقيدته التي يراها حقا، لنعرف أين يقف هذا المنتقد والمعترض لدين الإسلام من الرب سبحانه وتعالى ورسالاته، ومسائل الغيب، وما هي نظرته للكون والحياة، وذلك أن الذي يعترض على أمر ما من المفروض أن يكون قد اعتقد ما يراه هو صوابا وحقا، وسؤالنا الأول للمشكك في الإسلام والقرآن ونبي الإسلام ما الدين الذي تراه أنت صوابا وحقا حتى نجادلك على أساسه؟ والذي يظهر من اعتراضات صاحب الرسالة (توني بولدروجوفاك) أنه يؤمن بالنصرانية، ومما يدل على ذلك عقده للمقارنة بين القرآن الذي يرى فيه اضطرابا واختلافا وتناقضا وتشويشا وعدم ترتيب، وبين الإنجيل الذي يراه بريئا من ذلك بالرغم من أن الإنجيل -حسب زعمه- كتب قبل آلاف السنين (هكذا)!!.
وأقول للأسف الشديد أن يعقد من له أدنى عقل مقارنة بين الكتاب المعجز الخالد القرآن الذي تحدى الله به الأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثله، وقد عجز أئمة البيان وفرسان الكلمة، وحذاق العلم في كل العصور أن يجاروا القرآن بلاغة وفصاحة وبيانا، وعجز الأولون والآخرون أن يجدوا فيه ثغرة أو اختلافا، وعجز المشككون فيه أن يجدوا تناقضا واحدا مع ما يكتشفه البشر من علوم وأسرار الكون ما كان للأولين أن يحلموا بشيء منها، بل لو قيلت لهم في ذلك الوقت لكفروا بها، ومع ذلك أخبر بها القرآن صراحة ووضوحا.
أقول للأسف أن يعقد عاقل مقارنة بين هذا القرآن الكريم الخالد المعجز وبين الإنجيل الذي فقد أصله، وتعاورته آلاف الأيدي بالتبديل والتغيير والتنقيح وحوى آلاف المتناقضات وليس فيه ما يدل على أنه كتاب منزل من الله فما هو إلا مذكرات ويوميات كتبها بعض تلاميذ المسيح عليه السلام أو تلاميذ تلاميذه، وكلهم كتب قصة حياة المسيح، وليس وحيا أوحاه الله إلى المسيح عليه السلام فبدأ بعضهم بذكر نسب المسيح، واختلف هؤلاء في سياق نسبه وجعل بعضهم بعض أجداده مولودا من سفاح وذكروا كيف ولد، وكيف هرب به خطيب أمه، وكيف سجل اسمه بعيدا عن بلدته (الناصرة) حتى يعمى خبره على اليهود، وكيف سافر به خطيب أمه من بلدة إلى بلدة.. ثم كيف تعمد على يد يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا عليهما السلام)، وكيف بدأ دعوته إلى توحيد الله وعبادته، وكيف توجه من قرية إلى قرية يشفي المرضى، ويعالج الزمنى، ويحيى بعض الموتى، ويبارك له في الطعام القليل ليصبح كثيرا، ويبشر بالآخرة، ويسب اليهود ويلعنهم قائلا لهم: "يا أبناء الأفاعي، لستم أولاد أبيكم إبراهيم، وإنما أنتم أبناء الشيطان".
وكيف بشر بالنبي الخاتم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي سماه (المعزي)، (والفارقليط) الذي يبقى دينه إلى آخر الدنيا، ويعاقب الناس على الخطيئة، وأنه سيرحل ويترك الأرض حتى يأتي هذا المخلص وهو محمد عبدالله ليس غيره صلوات الله وسلامه عليه.. فهو الذي أتي من بعده، وخلص الله العالم به من الخطيئة وكان رحمة للعالمين، فكل من آمن به من اليهود والنصارى وسائر الشعوب خلصهم، وأنقذهم الله به من الضلالة، وبصرهم به من العمى، وعرفهم به طريق الرب سبحانه وتعالى ودلهم على الصراط المستقيم الذي لا يضل سالكه، والذي فصل الله فيه أحكام كل شيء، وأبان فيه لليهود والنصارى ما كانوا يختلفون فيه من شأن الدين فلم يبق بعد رسالته عذر لمعتذر. ولا شبهة لأحد..
والخلاصة أن الإنجيل الموجود بأيدي النصارى إنما ذكر فيه كاتبوه سيرة المسيح حسب ما تصورها كل منهم، وليس فيه أن هذا خطاب الله من السماء إلى عيسى وليس فيه ما يدل كذلك على أن عيسى هو الله الذي كتب هذا الإنجيل، وإلا فكيف يكتب الرب سبحانه وتعالى عن نفسه "أنه ولد يوم كذا وكذا في (مذود بقرة) ولفته أمه بقماط، وهرب به خطيب أمه خوفا من اليهود وأنه كان يصلي، ويبكي ويجوع، ويتوجع، ويتحسر أنه لا يملك مسكنا يضع فيه رأسه"!! هل يكون هذا وحي أوحاه الله من السماء للأرض، وهل يكون هذا كلام الإله؟ خالق السماوات والأرض، أو ابن الإله الذي هو مثله أو ذاته ونفسه كما تقول النصارى.. هل يتوجع الإله أنه لا يملك بيتا يستريح فيه، في الوقت الذي للطير أعشاش تأوي إليها، وللثعالب جحور تختبيء وتستريح فيها، حيث يقول الإنجيل عن عيسى أنه كان يتوجع قائلا: "للطيور أوكار، وللثعالب أوكار وليس لإبن الإنسان مكان يضع فيه رأسه".. هل يتحسر خالق السماوات والأرض، وملك العالم والكون أنه لا يملك ما يملكه ثعلب أو غراب.. وأقول هل يمكن أن يكون مثل هذا الكتاب هو وحي الله النازل من السماء..
وهل يعقل أن يقوم عاقل (مثل صاحب الرسالة) بعقد مقارنة بين القرآن والإنجيل ويفضل فيها الإنجيل على أنه كتاب مؤتلف منتظم في حين أن القرآن كتاب مشوش متناقض؟!!
وهل يعقل يا أصحاب العقول والفهوم أن يكون الإنجيل هذا وحيا وهو يحكي كيف حوكم الرب الإله (يسوع) وسيق ذليلا مهانا إلى حبر اليهود ورأسهم في زمانه ليحكم فيه بحكم التوراة، وأنه سأله "هل أنت ملك اليهود" فلما أجاب بما يفيد ذلك، صُفعَ على قفاه، وحكم بقتله جزاء تجديفه وكفره وبدعته فسيق إلى الموت والصلب مغلوبا ذليلا مبصوقا في وجهه يحمل صليبه على ظهره، ويسير معه إلى الموت لِصَّان زيادة في إذلاله وأنه رفع إلى الصليب فسمرت فيه يداه ورجلاه، وعطش فاستسقى فرفع له الخل بدلا من الماء، ثم طعن في جنبه فسال دمه "ولكنه لم ينزل إلى الأرض لأنه لو نزل لهلكت الأرض ودمر العالم" هكذا يدعي النصارى، وكأن كل الإذلال السابق لا يكفي لدمار الأرض وهلاك العالم!! والمحذور والجريمة فقط أن يسقط دم الإله على الأرض، لكن أن يصلب ويصفع ويبصق في وجهه، لا يهم ولا يضر..
ثم إن المسيح (إله الأرض والسماوات كما يزعم النصارى) تكسر رجلاه، وينزع قميصه ويتقاسمه الحراس ويبقى عاريا على الصليب، ثم ينزل ويقبر ويمكث في القبر ثلاثة أيام.. وكل ذلك وهو الملك خالق السماوات والأرض وإله الكون كما يزعمون، وخالق الرسل والأنبياء، ومن له ملكوت السماوات والأرض وجنود السماوات والأرض.. ثم إنه بعد هذا الإذلال كله والإهانة جميعها يصعد إلى السماء تاركا أكفانه التي كفن فيها في الأرض!! وتاركا أمه، وتلاميذه في حيرة من أمرهم فيه..
وكل هذا الهراء والسخف يقولون إنه وحي الله النازل من السماء.
وأنا أسأل: من أنزل هذا الهراء والسخف؟ الأب الذي في السماء؟! وعلى من أنزله بعد موت ابنه هذه الميتة البئيسة -كما يزعمون-؟! أم الابن الذي فُعِلَ به كل هذا الشر، وهو يبكي تارة، ويتوجع أخرى، ويتوسل إلى الأب أن يصرف هذه الكأس المرة عنه، ومع ذلك فلا يستجيب له، ولا يرق لبكائه وعبراته، وصراخه، ويحكم عليه أنه لا بد وأنه يذوق الموت على هذا النحو الذليل؟! ولماذا؟. ليخلص البشر من خطيئة أبيهم آدم؟! لأن آدم، الذي ارتكب تلك الخطيئة الكبرى لوثته ونجست جميع ذريته، ولم يستطع لا آدم ولا كل الأنبياء والرسل بعده أن يتخلصوا من هذه النجاسة والجريمة التي ارتكبها أبوهم، وكان لا بد وأن يرسل الله ابنه الوحيد -كما يزعمون- ويحكم عليه بالموت صلبا وقهرا وذلا حتى يرضى الرب الإله الذي لا يرضيه إلا أن يموت ابنه على هذا النحو البئيس.. ليفدي البشر. فيا له من إله ظالم يَلْعَنُ الأبناء بفعل آبائهم، ويتوب عليهم بتوبة ابنه ويصحح الخطأ الصغير لآدم، بجريمة كبرى لليهود، ويخلق الخلق لغير حكمة، أو مراد معقول، وأقول تعالى الله عما يقول الضالون الظالمون علوا كبيرا..
والعجيب أن كل هذا السخف والهراء، والكذب والافتراء وسب الله ورسالاته، واتهام الأنبياء السابقين جميعا أنهم كانوا جهلة كفارا إذ لم يعلم أحد منهم أن لله ابنا، وأن الإله الواحد إله مثلث يتكون من الأب والابن وروح القدس بثلاثة أقانيم، وأنه سيرسل ابنه ليفديهم من خطيئة أبيهم آدم التي لم يعرفوا كيفية الخلاص منها..
أقول العجب أن يكون هذا الدين، وهذا الإنجيل الذي يسب الله على هذا النحو، ويسب عيسى بن مريم عليه السلام، ويسب جميع الأنبياء وينسب إليهم الجهل والكفر والخطيئة. العجب أن يعتقد عاقل هذا وحيا أوحاه الله إلى عباده..
والأعجب أن يقوم من يدعي العقل والدين ليعقد مقارنة بين هذا السخف كله وبين القرآن الكريم الكتاب المعجز الذي عرفنا بالله سبحانه وتعالى الإله الحق الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، الإله الحق الرحيم الودود العزيز المتكبر، الذي لا يبلغ العباد ضرة فيضروه، ولا يبلغون نفعه فينفعوه.. فالبشر عاجزون عن ضر الله ونفعه.. هذا الكتاب الذي أثنى على الأنبياء وشرفهم وأعلى منازلهم، ورفع درجاتهم، وبين عزتهم ومكانتهم، والذي جعل الرسل في مكان التحدي والعزة فلا يستطيع البشر مهما أوتوا من قوة أن يكون لهم سبيل عليهم فلا نوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا هود، ولا صالح ولا لوط، ولا عيسى استطاع أعداؤهم أن يصلوا إليهم رغم ما تميزت قلوبهم من الغيظ عليهم.
كما قال تعالى عن نوح وهو يتحدى قومه أن يقتلوه أو ينالوا منه: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون} (يونس:71).
وقال تعالى عن إبراهيم: { وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين} وذلك أنهم أرادوا حرقه فأنجاه الله من النار وقال: {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}.
وكذلك هود قال لقومه متحديا وقد هددوه بالقتل والهلاك: {قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} (هود:54-56).
وكذلك صالح أنجاه الله عندما تآمر قومه على قتله وعزموا على اغتياله ليلا حيث لا يراهم أحد ولا يعرف أقاربه من قتله، فأنجاه الله ودمر قومه كما قال تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون، ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}..
وكذلك لم يستطع فرعون قتل موسى مع ضعف موسى وقلة نصيره في مصر، وكان فرعون الجبار يتحرق شوقا إلى مقتله فلم يستطع كما قال تعالى عن فرعون: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} ومع ذلك لم يستطع حيث انبرى قومه يحذرونه، وقام له رجل مؤمن يحذره مغبة ذلك فرد الله كيد فرعون في نحره وبقي ذليلا مقهورا لا يستطيع وهو ملك مصر المتصرف فيها أن يقتل غريبا ملاحقا طريدا قد قتل منهم يوما ما، وأهانهم، وعاب دينهم وهو يتوعدهم كل يوم بالويل والثبور، ومع ذلك صانه الله أن يصلوا إليه..
فهل يكون كل هؤلاء الرسل أعز على الله من عيسى بن مريم الذين يهينه الله هذه الإهانات البليغة، ويمكن أعداءه ليفعلوا به كل هذا الشر، والحال أن الرب العزيز الذي يحمي من التجأ إليه ويغيث من استغاث به، ولا يمكن أن يرسل الرسل وهم منتسبون إليه، متكلمون باسمه، داعون إلى دينه، ثم يمكن أعداءهم منهم ليقتلوهم ويصلبوهم.. لو فعل ذلك الرب لكان هذا أعظم تنفير للناس من دينه والإيمان به والالتجاء إليه.. فكيف والنصارى المشركون يقولون إن عيسى ليس رسوله فقط بل هو ابنه الوحيد الذي يحبه من كل قلبه -كما يزعمون-.. فإذا كان الرب الإله يصنع في ابنه الوحيد كل هذا الإذلال والقهر فكيف بغيره؟
ولا يُعتَرض على ما نقول بما يَبتلي الله به الأنبياء غير الرسل الذين قتل منهم عدد كبير، وكذلك عموم المؤمنين الذين يبتلون بالتعذيب والقتل وذلك أن الرسل في مقام التحدي وأما الأنبياء والمؤمنين فإنهم ليسوا كذلك، ويبتليهم الله ليرفع درجاتهم ويعلي منازلهم عنده فيكون منهم الشهداء الذين يقتلون في سبيله وأما الرسل فهم في مقام التحدي ولا بد أن يمكن الله لهم ليبلغوا رسالة ربهم، ولا يقتلوا بيد البشر حتى لا يسقط دليلهم، وتدحض حجتهم بأنهم رسل الله المعصومون أن ينالهم أعداؤهم..
وهذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مع حرص الكفار على مقتله وتآمرهم على ذلك واجتماع كلمتهم على اشتراك جميع القبائل في مقتله، لكن الله أنجاه منهم كما قال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال:30). ومعلوم كيف أنجى الله عبده ورسوله محمدا، وأخرجه من بين ظهراني المشركين وأعزه ونصره حتى دخل مكة فاتحا منتصرا. {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.
وهكذا الشأن في عيسى عليه السلام أيضا فإن اليهود لما مكروا مكرهم به، ووشوا به إلى (بيلاطس) الحاكم الروماني في فلسطين نائب القيصر عليها، وحكم عليه اليهود بأنه مبتدع ضال (مجدف) يستحق القتل.. فإن الله سبحانه وتعالى لم يمكن اليهود من تنفيذ هذا المكر الخبيث.. فرفع الله عيسى إليه في السماء دون أن يمسه هؤلاء المجرمون بأذى، بعد أن بَلَّغَ رسالته، ونشر دينه، وأقام الحجة على المعاندين، وأقام من أنصاره من يحمل الدين بعده، وعاهدهم على ذلك كما قال تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} (آل عمران:52).
والخلاصة أن عيسى بن مريم عليه السلام كان الشأن معه هو الشأن مع إخوانه الرسل جميعا حيث أن الله أنجاه من أعدائه اليهود عندما تألبوا عليه، وأرادوا أن يقتلوه ويصلبوه - فطهره منهم ورفعه إلى السماء عزيزا كريما، وادخره عنده لينزل في آخر الزمان حاكما بالقرآن الكريم، تابعا للنبي الخاتم مصليا مع المسلمين، كاسرا للصليب المزعوم، قاتلا للخنزير الخبيث الذي يستحل أكله المنسوبون إليه من النصارى، وهو الحيوان الخبيث الذي جاءت كل شرائع الأنبياء بخبثه وشينه، وجاء (بولس اليهودي (شاول) المغير لدين المسيح) ليحل لهم ما حرم الله عليهم على لسان عيسى وموسى.. واتبعه هؤلاء الضالون الذين لا يميزون بين شريعة الله وشريعة الشيطان أقول أنجى الله عيسى بن مريم عليه السلام أن يناله القتل والصلب والإذلال والإهانة كما أنجى الله سائر الرسل الكرام.
وأعود فأقول كيف يستوي في العقل والمنطق ذلك القرآن الكريم الكتاب المعجز الخالد، وهذا الإنجيل الذي حوى كل هذه الخرافات والخزعبلات والعظائم والقبائح مما لا يجوز أن ينسب إلى الله رب العالمين..
والخلاصة أن هذا المدعو (توني بولدروجوفاك) الذي توجه بأسئلته التافهة ليطعن في القرآن أو يدعي أنها لا توافق عقله ومنطقه وفهمه ويمدح الإنجيل ويثني عليه أنه يستقيم مع العقل والمنطق والفهم..
فإذا كان هذا عقلك وفهمك حيث تفضل هذا الغثاء والكفر على الدين الحق القويم وعلى كتاب الله رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. فحسبك هذا البيان لتراجع عقلك وفكرك.
وإذا كنت تعرف الحق وتجحده وتنكره.. فاعلم أن هذا يضرك غدا عندما تقف بين يدي مولاك وخالقك وإلهك إله السماوات والأرض، ويكون أول من يبرأ منك ويلعنك هو المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، الرسول الكريم.
ثانيا: ونبدأ الآن بعرض أسئلة المعترض سؤالا والجواب على كل سؤالا منها.
(1) حديث الله سبحانه وتعالى عن نفسه في القرآن بصيغة المتكلم تارة وبصيغة الغائب أخرى.
* السؤال أو الاعتراض الأول: يقول السائل (توني بولدروجوفاك):
كيف يمكن اعتبار القرآن قد أوحى إلى محمد، وفي نفس الوقت نجد أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- هو المتكلم في آيات عديدة كما في سورة 1 الآية 5،7 - وفي سورة 2،105 الآية 117،163 وكما في سورة 3 الآية 2، وفي سورة رقم 40 الآية 65، والسورة رقم 43 الآية 88،89؟
* والجواب:
أن السائل لا يعرف أساليب اللغة العربية، ولا طرائق البلغاء في الكلام، ولا منهجهم في البيان، ومعلوم أن القرآن نزل بلغة العرب، وقد تحدى الله الأولين والآخرين أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة وبيانا وحلاوة وبناءا معجزا يستحيل الإتيان بكلام مثله في الحلاوة والبيان.
ومن أساليب العرب في البيان أن يتحدث المتكلم عن نفسه تارة بضمير المتكلم، وتارة بضمير الغائب، كأن يقول المتكلم: فعلت كذا وكذا، وذهبت وآمرك يا فلان أن تفعل كذا، وتارة يقول عن نفسه أيضا: إن فلانا -يعني نفسه- يأمركم بكذا وكذا، وينهاكم عن كذا، ويحب منكم أن تفعلوا كذا كأن يقول أمير أو ملك لشعبه وقومه وهو المتكلم إن الأمير يطلب منكم كذا وكذا.. وهو يشير بذلك أن أمره لهم من واقع أنه أمير أو ملك. وهذا أبلغ وأكمل من أن يقول لهم أنني الملك وآمركم بكذا وكذا.. فقوله: أن الملك يأمركم أكثر بلاغة من قوله أنني الملك وآمركم.. وقد جاء القرآن بهذا النوع من البيان كما في الآيات التي اعترض بها السائل فظن أن هذا لا يمكن أن يكون من كلام الله سبحانه وتعالى: نحو قوله تعالى في سورة البقرة: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم}، وقوله في سورة آل عمران: {ألم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم، نزل عليك الكتاب بالحق} فظن هذا الذي لا يعرف العربية أن الله لا يمكن أن يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب وأنه كان لا بد وأن يقول (نزلت عليك يا محمد الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه..) ونحو ذلك وهذا جهل بأساليب اللغة العربية، وموقعها في البيان والبلاغة.. ولا شك أن خطاب الله هنا وكلامه عن نفسه بصيغة الغائب أبلغ من لو قال سبحانه (ألم، أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم نزلت عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه الآيات).
وعلى كل حال فهذا أسلوب من أساليب البلاغة في اللغة، والظن أن هذا يطعن في القرآن وأنه ليس من عند الله وإنما من عند الرسول ظن تافه ساذج في منتهى الركاكة والجهل.
وأما الالتفات في الخطاب من الحضور إلى الغيبة والعكس، كأن يخاطب المخاطب بضميره فيقول أنك فعلت كذا وكذا ثم تخاطبه تارة أخرى بضمير الغائب فتقول له: فعل فلان كذا وكذا وأنت تعنيه. فهذا كذلك أسلوب من أساليب البلاغة: كقوله تعالى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} ولا شك أن النبي هو المقصود، ثم حول الله الخطاب إليه قائلا: {وما يدريك لعله يتزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى.. الآيات} (1:80،4).
وأما أن القرآن كتاب تعليم وتوجيه فقد جاء ليعلم المسلمين ماذا يقولون في صلاتهم، وبماذا يدعون ربهم فقد أنزل الله سورة (الفاتحة) لتكون دعاءا وصلاة للمسلمين يتلونها في كل ركعة وفيها: {الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين} وهذا كلام الله عن نفسه سبحانه يصف نفسه بهذه الصفات الجليلة العظيمة ثم يعلم المسلمين أن يقولوا في صلاتهم ودعائهم هذا {إياك نعبد، وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين}.
فهذه السورة تعليم وتوجيه من الرب سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين ليصلوا ويدعوا بها في كل ركعة من ركعات صلاتهم.. وفي هذه السورة من البلاغة والإعجاز والمعاني ما لا تسعه هذه الرسالة الموجزة. ولو أن عالما بالعربية تدبرها كفته إعجازا وشهادة أن هذا القرآن منزل من الله سبحانه وتعالى وليس من كلام بشر.
والخلاصة من هذا السؤال أن صاحبه إنما أتى به من كونه لا يعلم العربية ولا أساليب البيان والفصاحة وما أظن إلا أن معظم اللغات تعرف هذا اللون من التعبير والذي يسمى بـ (الإلتفاف) أي التحول من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، لمقاصد كثيرة كتخفيف العتاب، أو توجيه النظر إلى البعيد أو استحضار المشهد، أو التعظيم، أو التحقير ونحو ذلك من مقاصد البلغاء.
وكذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة (غافر:65) {هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين، الحمد لله رب العالمين} فهو خطاب لله سبحانه وتعالى عن نفسه بصيغة الغائب وهو تعريف للعباد بذاته العلية جل وعلا.. وقد قدمنا أن هذا أسلوب من أساليب العربية في الخطاب.
ومثل هذا أيضا ما اعترض به هذا الجاهل باللغة وهو قوله تعالى في (سورة الزخرف:88،89): {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون، وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}. فإن هذا جميعه من حديث الرب جل وعلا عن نفسه، وعن رسوله، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان إذا سأل المشركين عن خالق السماوات والأرض يعترفون أنه الله سبحانه وتعالى فعجب الله نبيه صلى الله عليه وسلم من حال هؤلاء المشركين الذين يعتقدون بأن الله خالق السماوات والأرض ثم لا يفردونه وحده بالعبادة، ولا يؤمنون بقدرته على إحيائهم بعد موتهم {فأنى يؤفكون} أي يقلبون، ثم ذكر الله توجع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وشكاته من قومه {وقيله} أي وهذا قول الرسول لربه {يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} وعندئذ يأتيه الجواب وهو بمكة {فاصفح عنهم وقل سلام} أي لا تعلن حربا عليهم الآن: {فسوف يعلمون} ما يكون مآلهم في الدنيا من القتل بأيدي المؤمنين، ومآلهم في الآخرة من الخلود في النار أبد الآبدين.
وهذا الجاهل باللغة يظن أن قوله تعالى: {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون}.. الآية، أن هذا من كلام محمد صلى الله عليه وسلم وإذن فالقرآن لا يمكن أن يكون من كلام الله. ومثل هذا السخف لا يحتاج إلى رد ولكن ماذا نفعل إذا كان هؤلاء هذا هو مستواهم من العلم.. ومع ذلك يعارضون القرآن، ويشككون في رسالة الإسلام.
(2) لا تناقض في القرآن حول عدد أيام خلق السماوات والأرض.
* السؤال الثاني ونصه كما يلي:
السورة (3:10) ذكر بها أن خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام. السورة (9:41 إلى 12) ذكر بها أن خلق الأرض تم في يومين وخلق الله الأنهار والغابات.. الخ في الأرض (بعد خلقها) في أربعة أيام، وأنه قد خلق السماوات في يومين (السورة 10 تتناقض مع السورة 41 (2+4+2=8 أيام)).
* والجواب: هذا السؤال يتعلق بقوله تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها..}.
نعم بجمع هذه الأيام دون فهم وعلم يكون المجموع ثمانية وقد ذكر الله في مواضع كثيرة من القرآن أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام..
وما ظنه السائل تناقضا فليس بتناقض فإن الأربعة أيام الأولى هي حصيلة جمع اثنين واثنين.. فقد خلق الله الأرض خلقا أوليا في يومين ثم جعل فيها الرواسي وهي الجبال ووضع فيها بركتها من الماء، والزرع، وما ذخره فيها من الأرزاق في يومين آخرين فكانت أربعة أيام. فقول الله سبحانه وتعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين}، هذه الأيام الأربعة هي حصيلة اليومين الأولين ويومين آخرين فيكون المجموع أربعة. وليست هذه الأربعة هي أربعة أيام مستقلة أخرى زيادة على اليومين الأولين.. ومن هنا جاء الخطأ عند السائل.. ثم إن الله خلق السماوات في يومين فيكون المجموع ستة أيام بجمع أربعة واثنين..
ولا تناقض في القرآن بأي وجه من الوجوه.. ثم إن القرآن لو كان مفترى كما يدعي السائل فإن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن ليجهل مثلا أن اثنين وأربعة واثنين تساوي ثمانية وأنه قال في مكان آخر من القرآن إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام.. فهل يتصور عاقل أن من يقدم على تزييف رسالة بهذا الحجم، وكتاب بهذه الصورة يمكن أن يخطئ مثل هذا الخطأ الذي لا يخطئه طفل في السنة الأولى الإبتدائية؟!
لا شك أن من ظن أن الرسول افترى هذا القرآن العظيم ثم وقع في مثل هذا الخطأ المزعوم فهو من أحط الناس عقلا وفهما. والحال أن السائل لا يفهم لغة العرب وأن عربيا فصيحا يمكن أن يقول: زرت أمريكا فتجولت في ولاية جورجيا في يومين، وأنهيت جولتي في ولاية فلوريدا في أربعة أيام ثم عدت إلى لندن.. لا شك أن هذا لم يمكث في أمريكا إلا أربعة أيام فقط وليس ستة أيام لأنه قوله: في يومين في أربعة أيام يعني يومين في جورجيا ويومين في فلوريدا..
وهذه الآية التي نحن بصددها تشبه أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة في مثل ذلك يكون مضغة في مثل ذلك فإن هذا جميعه في أربعين يوما فقط وليس في مائة وعشرين يوما كما فهمه من فهمه خطأ فقول الرسول (في مثل ذلك) أي في هذه الأربعين، ومثله هنا قوله تعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام} أي بزيادة يومين عن اليومين الأولين.
(3) مقدار الأيام عند الله.
* السؤال الثالث هو:
هل اليوم الواحد يساوي ألف سنة أو خمسين ألف سنة عند الله (السورة 32:الآية 5، مناقضة للسورة 70: الآية 4)؟
* والجواب:
سهل وبسيط وهو أن الأيام عند الله مختلفة فيوم القيامة يوم مخصوص وهذا مقداره خمسين ألف سنة من أيام الدنيا كما قال تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين آلف سنة}، وأما سائر الأيام عند الله فكل يوم طوله ألف سنة من أيام هذه الدنيا، كما تعالى: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}. ومعلوم أن الأيام على الكواكب تختلف بحسب حجمها وحركتها، فماذا يمنع أن يكون يوم القيامة أطول من سائر الأيام.
(4) إخبار الله سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام وابنه.
* السؤال الرابع هو:
السورة 21:الآية 76 ذكر بها أن نوح وأهل بيته قد نجوا من الفيضان، ولكن السورة 11:الآيات 32 إلى 48) ذكر بها أن أحد أولاد نوح قد غرق؟
* الجواب:
إن الاستثناء أسلوب معروف في لغة العرب فيذكر المتكلم المستثنى منه على وجه العموم ثم يخرج منهم من أراد إخراجه. ويمكن أن يأتي الإستثناء منفصلا، ويمكن أن يأتي متصلا.. وفي سورة الأنبياء قال الله تعالى عن نوح: {ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} وقد بين سبحانه وتعالى المراد بأهله في آيات أخرى وهو من آمن منهم فقط حيث أخبر سبحانه وتعالى في سورة هود أنه قال لنوح: {احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن، وما آمن معه إلا قليل}. فقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يحمل أهله معه إلا من سبق القول من الله بهلاكهم.. وقد كان قد سبق في علم الله أن يهلك ابنه مع الهالكين لأنه لم يكن مؤمنا..
ولم يكتب الله لأحد النجاة مع نوح إلا أهل الإيمان فقط، وابنه لم يكن مؤمنا.. وبالتالي فلا تناقض بين قوله تعالى في سورة الأنبياء إنه نجى نوحا وأهله، وبين ما جاء في سورة هود إنه أغرق ابن نوح لأن ابن نوح لم يكن من أهله، كما قال تعالى لنوح لما سأله عن ابنه {يا نوح إنه ليس من أهلك}. وبالتالي فلا تناقض بحمد الله في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
(5) لا مجال للمقارنة بين القرآن الكريم الإنجيل.
* السؤال الخامس هو:
هناك أخطاء نحوية في القرآن. فيوجد به جمل غير متكاملة، ولا تفهم تماما بدون إدخال بعض الكلمات الأخرى عليها (2:5، 7:160-161.. الخ). إن ترتيب السور بالقرآن غير متصل تاريخيا أو منطقيا، فلا تشعر بوقت أو مكان. هناك شك في موضوعية تكامل القرآن لأننا نجد أن أناس وأماكن غير محددة وأحداث وضعت معا في رؤية واحدة وكأنهم جميعا كانوا يعيشون معا في نفس الزمان. وهذا يسبب مشاكل عديدة واختلاط الأمر لكل من يحاول فهم القرآن كقطعة أدبية، لإعادة بناء حياة وتعاليم محمد بوسيلة مرتبة فلا بد للفرد أن يقفز من سورة إلى أخرى في القرآن كله. ويترك الفرد بإحساس عدم التكامل وعدم الرضا لأنه لم يحصل على القصة الكامل. وهذا مضاد تماما للإنجيل الذي كتب فيما يزيد عن عدة آلاف السنين بما يزيد عن 40 مؤلف مختلف.
* الجواب:
إن صياغة هذا السؤال على هذا النحو يدل على أن كاتبه إما أنه لا يدرك شيئا من اللغات، عربية كانت أم غير عربية، أو أنه يعترض لمجرد الاعتراض. وتفصيل ذلك على هذا النحو:
(أ) الآية الخامسة من سورة البقرة وهي قوله تعالى: { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} يشير الله بقوله {أولئك} على المذكورين قبل ذلك وهم المتقون الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بالقرآن والكتب التي نزلت على الرسل قبل القرآن ويؤمنون بالآخرة، وهؤلاء المذكورون قد عبر الله عنهم بـ {أولئك} وهي اسم إشارة للبعيد تعظيما لشأنهم ورفعا لمنزلتهم {على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}.. ويبدو أن السائل ظن أنه إشارة الله لهؤلاء المذكورين (بأولئك) وهي صيغة إشارة للبعيد أن هذا خطأ نحوي إذ يعبر عن القريب بالبعيد، ولم يفهم أن هذا أسلوب بلاغي من أساليب العرب، وهي تعبيرهم بالإشارة بالبعيد للتعظيم والتهويل.. أحيانا، وللتقليل والتحقير أحيانا حسب السياق، ومرامي الكلام.. وهنا عبر الله عن هؤلاء المتقين الذين يتصفون بهذه الصفات بصيغة البعيد وهي {أولئك} رفعا لشأنهم وإعلاءا لمنزلتهم. ولا شك أن هذا أمر عظيم لأن فيه إشارة ورفعة لهؤلاء المذكورين.
(ب) وأما قوله تعالى في سورة الأعراف الآية رقم (260) وهي قوله تعالى: { وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما، وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشر عينا قد علم كل أناس مشربهم، وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى، كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.. واعتراض السائل هو كيف يقول تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم}، ويتكلم بصيغة الخطاب وهو قبل ذلك قد تكلم عن بني إسرائيل بصيغة الغائب وأنه سبحانه قطعهم اثنتي عشرة أسباطا وأنه قال لموسى كذا وكذا..
ومرة أخرى لا يفهم السائل أسلوب العربية، ولا بلاغة الخطاب، ويظن أن الانتقال من الغيبة إلى الخطاب خلل في الأسلوب، وخطأ نحوي!! وهذا يدل على أنه لا يعرف نحوا، ولا بلاغة، ولا يدرك معنى للفصاحة ولا البيان.. وهذه الآية في منتهى الإعجاز والبلاغة فإن الله تحدث فيها عن بني إسرائيل وما صنع لهم من الخير والإحسان، وأنه ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى، وبدلا من أن يقول: وقلت لهم: كلوا من طيبات ما رزقناكم، أو وقال لهم موسى إن الله يقول لكم (كلوا من طيبات ما رزقناكم).. فإن الله حذف هذا وانتقل رأسا إلى القول دون ذكر القائل.. لأن القائل معروف من السياق وهو الرب تبارك وتعالى ولا يمكن أن يفهم أن القائل هو غير الرب جل وعلا لأن القول هو {كلوا من طيبات ما رزقناكم} فمن سيقول هذا القول إلا الله، ومعلوم أن حذف ما يعلم جائز، بل ذكر المعلوم ضرورة حشو وزيادة لا داعي لها، والقرآن ينزه عن الحشو والزيادة..
ويفهم كل من يعلم العربية أن قوله تعالى: {وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم} أن معنى ذلك وأنزلنا عليهم المن والسلوى وقلنا لهم {كلوا من طيبات ما رزقناكم} فحذف {وقلنا لهم}، أو (أمرنا موسى أن يقول لهم) لأن هذه زيادة لا داعي لها في السياق لأنها معلومة!!
(ج) وأما قول السائل إن ترتيب السور غير متصل تاريخيا أو منطقيا حيث لا يفهم القارئ الوقت ولا المكان.. فهذا كذلك من قصور علمه وفهمه وبعده عن إدراك الإعجاز القرآني في ترتيب المصحف، والوحدة الموضوعية في السورة، وهذا باب عظيم لا تسعه العجالة من الرد على هذه الشبهات السخيفة.. وقد كتب في هذا مجلدات ومجلدات قديما وحديثا، وأحيل السائل على كتاب مختصر حديث وهو كتاب (النبأ العظيم للشيخ الدكتور محمد عبدالله دراز رحمه الله)، وأظنه مترجما إلى الإنجليزية. وهنا في هذه الآية من سورة الأعراف لا يسجل الله الأحداث التي وقعت لبني إسرائيل من حيث كونها تاريخا وإنما يذكر أنعامه عليهم، ويسجل مخازيهم، ونكثهم لعهودهم وكفرانهم لنعمة الله سبحانه وتعالى. فهذه الأحداث التي وقعت لبني إسرائيل وإن كانت متباعدة في الزمان ولكنها ذكرت مجتمعة في الآية لتذكرهم بنعم الله على آبائهم ثم جحودهم ونكرانهم.
(د) وأما قول السائل (توني بولدروجوفاك) إن الإنجيل أفضل من القرآن من حيث الوحدة الموضوعية والترتيب الزمني، وتسلسل الأحداث فإن هذا مما يدل حقيقة وللأسف على تدني عقل السائل وعدم تمييزه بين الكتاب المعجز المتناهي في البلاغة والعصمة، والإحكام، وبين كتاب لم يسلم من التحريف والتبديل والتناقض، وهو أشبه بمذكرات يومية كتبه تلاميذ أو تلاميذ تلاميذ المسيح عليه السلام من الذاكرة معبرين فيه عن تصور شخصي لهم، وتفسير شخصي للأحداث التي نقلت أو رآها بعضهم، وقد اختلفوا في هذا النقل اختلافا كبيرا، وجاءت عباراتهم في كثير من الأحيان ركيكة متهالكة.. ولا شك الإنجيل الحقيقي لم يكن كذلك وإنما أتكلم عن الأناجيل الموجودة الآن بين أيدي النصارى وهي مختلفة فيما بينها.
ولا شك أن القرآن الكريم لم ينزل قط على طريقة الأناجيل المحرفة التي لا تعدو أن تكون كما ذكرنا مذكرات ويوميات لحياة السيد المسيح عليه السلام، فيها كثير من الاختلاف والتناقض والتضاد ومن ذلك ما ذكرناه آنفا، ومنها كذلك نسبة المسيح إلى عنصرية بغيضة تارة كالزعم أنه قال (إن خبز البنين لا يجوز أن يعطى للكلاب) وذلك عندما استغاثت به امرأة كنعانية أن يشفي ابنتها.
وقوله في مقام آخر (لا كرامة لنبي في بلده) وتفضيله الأجناس الأخرى على بني إسرائيل..
وكذلك قوله (لم أبعث إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) وقوله في مقام آخر (اذهبوا واكرزوا بالإنجيل في العالم أجمع)!!.
وكذلك قوله بوجوب التزام الشريعة كلها، ثم الإدعاء أنه نسخ الشريعة كلها وأباح للحواريين أن يأكلوا كل النجاسات والخبائث وأن كل ما يدب على الأرض حلال لهم.. وهذا التناقض كثير في الإنجيل.
وليس في الإنجيل قط ما يدل على أن الله أوحى شيئا أو شرع شيئا أو تكلم بنفسه كلاما مباشرا بل هو رواية عن أعمال المسيح، أو خبر عن المسيح أنه يقول قال أبي كذا أو كذا.. وأما أنه في الإنجيل ما يدل على أن الله هو الذي يتكلم أو يخاطب عباده فليس شيئا من هذا موجودا..
ومعلوم أن القرآن غير هذا تماما فليس القرآن مذكرات ويوميات كتبها النبي أو كتبها الصحابة عن حياة النبي.. وإنما القرآن هو كلام الله المعجز الذي ليس للنبي فيه إلا التبليغ فقط {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي}.
ولا مجال بتاتا للمقارنة بين القرآن الكريم الكتاب العظيم الذي نزل تبيانا لكل شيء فجمع الدين كله أصولا وفروعا عقيدة وشريعة وأخلاقا وأمثالا ووعظا، وبين الأناجيل المحرفة المتناقضة التي لم تزد على كونها يوميات للسيد المسيح عليه السلام يظهر فيها لكل ذي بصيرة التناقض والتزيد والتقول على الله بغير علم.