المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلمانيون واحتراف البكاء على الحرية



حازم
04-14-2005, 01:52 PM
بقلم : شادي الأيوبي


من المضحك المبكي في هذه الأيام ما احترفه بعض العلمانيين من البكاء على أطلال الحرية المفقودة، والتضجر من بعض القيود التي يدعون وجودها على الجهر بآرائهم، سواء أكانت تلك قيوداً اجتماعية، أم كانت قيوداً من المشرفين على وسائل الإعلام، ولا يتورع البعض منهم عن الادعاء بوجود "اضطهاد فكري ونفسي" من فئات المجتمع المختلفة.

وتتنوع شكاوى هؤلاء من التضييق على الظهور، إلى إعطاء الفرص الأوفر لمخالفيهم- من الإسلاميين في معظم الأحيان- للإدلاء بآرائهم في مختلف القضايا، ولا يتورع بعض المغالين من مغموريهم بادعاء وجود تهديدات وأخطار تمس حياته، وهذه مسألة بالغة الخطورة؛ لأنها تمس قضية الأمن الوطني الذي يجب أن يشترك جميع أبناء الوطن في الحفاظ عليه بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية أو الدينية.



والحق أن الأجواء قد اختلفت كثيرا بالنسبة لهؤلاء، لكن هذا الاختلاف كان نتيجة طبيعية لزيادة الوعي لدى فئات المجتمع المختلفة، وليس بسبب رغبة الإعلاميين في اضطهاد العلمانيين كما يحاول بعض هؤلاء أن يوحوا لنا، حباً منهم في لعب دور الضحية المستحقة للشفقة.



فهؤلاء اعتادوا خلال سنوات الطويلة امتدت من الخمسينات والستينات وحتى منتصف الثمانينات تقريبا- مدة المد اليساري عالمياً- اعتادوا أن يكونوا فرسان الميدان الإعلامي دون منافس أو معترض، وكانت جميع الميادين الإعلامية مفتوحة لهم على مصراعيها، من مكتوبة ومسموعة ومقروءة، وكان من النادر سماع أصوات قوية معارضة لهم؛ لأن التيار السائد في ذلك الوقت كان مؤيداً بشدة لأفكارهم ومبادئهم، بحيث كانت أي أصوات معارضة تخنق في مهدها، أو ترسل إلى كواليس النسيان والإهمال، مما جعلهم يصولون ويجولون دون معارض أو محاسب لسنوات طويلة.



غير أنه في المدة الأخيرة، وبسبب أن الحالة الإسلامية بدأت تؤتي أكلها، وبسبب من إلحاح الجماهير التي عادت إلى مبادئ دينها ورفض ما يخالفه، فقد صارت هناك ضرورة لمراعاة الذوق العام المتجه نحو التدين الواعي، والرغبة بالاستزادة من المعلومات الدينية والثقافة الجادة، وهكذا اتجه العديد من المنتجين إلى برامج وأفلام ومسلسلات تراعي رغبة الجمهور.



وهنا يحق لمعترض لأن يقول: ألا تنظرون إلى ما يجري اليوم من برامج هابطة يجري وراءها الشباب بالآلاف، ولا ترون المسلسلات الخليعة التي تملأ الساحة؟



نقول: نعم هذا صحيح وموجود، لكنه لا يقارن بما كانت عليه الأحوال في السنوات الخالية، حيث كانت الشاشات المختلفة لا تعرض لذكر الدين إلا في الأعياد أو في شهر رمضان المبارك، وذلك ببعض المسلسلات الموجهة أصلاً لتضييع معنى الصيام، عبر ما تعرضه من فنون ورقصات وغناء مائع.



ونحن إذا عقدنا اليوم مقارنة بين تلك السنوات وبين السنوات التي نعيشها اليوم، نجد فرقاً كبيراً، فالجمهور المتدين الذي يقاطع البرامج التافهة، كان غير موجود تقريباً، أما أنه توجد اليوم جماهير تائهة تجري وراء كل هابط، فهؤلاء كانوا دائماً موجودين، وسيظلون موجودين، وذلك أن الغث يبقى دائماً ليتميز الصحيح.



فقبل عشرين سنة مثلاً، كنت ترى شيوخاً معممين يتكلمون في أمور الدين المبدئية، لكنك لن تجد من يعطي تحليلاً سياسياً أو اقتصادياً من وجهة نظر دينية، كما لن تجد من يتكلم عن حيوية الدين الإسلامي، والدعوة إلى النهضة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، من خلال مبادئ مستقاة من الدين ومبادئه.



واليوم لا يماري أحد في وجود تغير كبير وجذري، يسميه الإسلاميون صحوة، ويسميه خصومهم انتكاسة وتخلفاً، لكنه على كل حال فرض وجوده واحترامه على من يريده ومن لا يريده، ومن مظاهر ذلك التغير:



- الإقبال على التدين والالتزام بمبادئه، سواء على الصعيد الفردي، أو على صعيد الجماعات والمجتمعات، ويستطيع المراقب ملاحظة الفارق الواسع بين التدين قبل 30 عاماً والتدين في أيامنا هذه، فقبل كان التدين محصوراً في جماعات إسلامية معينة - ولا ينكر أحد ما قام به هؤلاء من خدمات للدين في مدة كان الدين فيها غريباً تماماً- أما اليوم فالتدين صار حالة عامة يشترك فيها ابن الشارع البسيط والأكاديمي المثقف، وابن الحركة الإسلامية ومن لا ينتسب إليها، ولك أن تنظر إلى عدد المجاهرين بالإفطار في رمضان قبل ثلاثين عاماً وأعدادهم اليوم لتعرف مدى التغير..



- البرامج الإسلامية التي انتشرت في القنوات المختلفة والإقبال المتزايد عليها، خاصة برامج الفتاوى وجلسات العلم والفقه، حيث تقبل عليها اليوم فئات كبيرة من المجتمع، ومما يجعل من هذه البرامج ومثيلاتها واعدة اهتمام فئتين من المجتمع كانتا تقليدياً في الجهة المقابلة وهما فئتا الشباب والنساء.



- ظهور القنوات الفضائية ذات التوجه الإسلامي ونجاحها في دخول البيوت دون تحفظ، خاصة بعد ارتفاع صرخات التحذير من البرامج الهابطة التي ظهرت نتائجها الخطيرة على الكثير من الشباب، ثم نجاحها في تقديم الجديد الممتع، والذي يعتمد على العقل والنقل والعلم الحديث، مما رفع من سقف خطابها ليصل إلى المثقفين الكبار، مع محافظتها على مخاطبة رجل الشارع البسيط.



- طبقة العلماء المثقفين والمفكرين والإداريين الذين أثبتوا وجودهم خلال المدة الأخيرة، والذين قدموا الدين بطريقة عصرية قريبة للأفهام وآسرة للعقول، بعيدة عن التعقيدات، فبرامج الإعجاز القرآني المعتمدة على الآيات القرآنية والمستندة إلى أدلة من العلم الحديث، وبرامج تعليم الإدارة وفنون المهارات الذاتية، والتي جاء بها مثقفون مسلمون من بلاد الغرب وطعموها برجوعهم للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وغيرها من البرامج التي تتخذ من الدين مرجعية لها، أصبحت في غاية الجاذبية والرواج، حيث نبهت الجماهير إلى فكرة مهمة كانت غير واضحة المعالم لسنوات عديدة: إمكانية قيام نهضة حضرية على أساس من الالتزام بتعاليم الدين وشريعته..



- ظهور تطبيقات عملية ناجحة للفقه الإسلامي في مجالات كانت مهجورة منذ زمن بعيد خاصة المجال الاقتصادي، والذي كان من أول مجالات الشريعة الذي تسربت إليه التطبيقات الوضعية، حيث تشق البنوك الإسلامية وشركات المضاربة الشرعية طريقها بنجاح مضطرد يوما فيوما، ورغم الإخفاقات التي تعرضت لها في بداية مسيرتها، إلا أنها استطاعت إثبات وجودها على الساحة، بحيث صارت منافساً- ولو مبتدئاً- للبنوك التقليدية.



التغير الأخير لم يكن نتيجة مصادفة تاريخية أو اجتماعية لكنه كان نتيجة لجهود كبيرة بذلت ولا تزال تبذل، وإلى عوامل أخرى، منها:



- الجهود التربوية الجبارة التي قامت بها الحركات الإسلامية المعتدلة في سبيل نشر الوعي المرشد بين المجتمعات المسلمة، ولكي نكون منصفين في خضم الثورة الإعلامية الحالية، فإن تلك الجهود الخفية تلك كانت أساس الوعي الجماهيري الحالي، مع أن تلك الجهود لم تنل حقها من الدراسة والأضواء، فقد كانت ولا تزال جهوداً خفية بعيدة عن الظهور لأسباب عديدة.



- الجهود التي قام بها الدعاة الجماهيريون المثقفون، والذين استطاعوا إيصال الثقافة الإسلامية إلى الجماهير دون تحفظ حزبي أو فئوي، فهؤلاء بطريقة بسيطة ودون الانجرار إلى المواجهة مع أي طرف، جعلوا من الدين والشريعة أهم عامل تأمل الجماهير اليوم في قيام نهضتها على أساسه.



- الانفتاح الإعلامي الأخير الذي حمل في طياته الكثير من الغث والسمين، على أنه ساهم بشكل عام في خلق مناخ عام من الشعور بالوحدة بين الشعوب العربية والإسلامية، خاصة في أوقات الأزمات، مما جعل القوى الاستعمارية تضيق بها ذرعاً، وتطالب بإقفالها أو التضييق عليها، وهي التي كانت أصلاً تطالب بإفساح المجال لها، عندما كانت تغطيتها توفر لها الحجة للتدخلات غير المنتهية في شؤوننا.



- مسارعة الإسلاميين إلى مجالات التقنية الحديثة لا سيما مواقع الإنترنت، فبعد الراديو والتلفزيون اللذان كان العلمانيون سباقين إليها ثم مسيطرين عليها، كان الإسلاميون من الذين لم يتأخروا في إنشاء مواقع على الإنترنت، وهذه ساهمت في نشر أفكارهم، والترويج لمبادئهم وتواصلهم مع الناس، ومواقع الإنترنت كما هو معلوم- من ناحية تقنية أسهل وأقل تكلفة من غيره من أدوات الإعلام..



- إعراض القنوات غير الملتزمة عن التصدي للقضايا المصيرية والقضايا المهمة، وانصرافها إلى برامج اللهو التي لا تنتهي، فلا تكاد ترى ذكر قضيتي العراق وفلسطين إلا في نشرات الأخبار، أما المشاكل الاجتماعية فليس لها معالجة جادة كذلك، بينما تئن المجتمعات العربية تحت وطأة مشاكل خطيرة، مثل: البطالة والغلاء وانتشار الأمراض الاجتماعية كالتدخين والمخدرات وانتشار فظيع للأمية والجهل..



على أن الدعاوى العلمانية تحتوي على الكثير من التعامي والتجاهل لكثير من المشاكل التي ساهم هؤلاء في إيجادها، ولمشاكل أخرى لا يزالون يتسببون بإيجادها، كما تحوي تناسياً وتجاهلاً لتاريخ عريض من التفرد مارسه هؤلاء بدعم من قوى كثيرة، جعلتهم- كما أسلفنا- يتفردون بالمجاهرة بآرائهم والترويج لمبادئهم علناً لسنوات طويلة..



ويستطيع المرء تعداد الكثير من التجاوزات والمضايقات التي تعدى فيها العلمانيون على الحريات العامة، في سبيل إقصاء منافسيهم عن المجالات العامة، تبدأ بالمضايقات والتحرش وتنتهي بالإقصاء والطرد، ومنها على سبيل المثال:



- تمسك العلمانيين غير المنتهي بالسلطة السياسية وإقصاء جميع معارضيهم بشتى الوسائل القمعية، وهذه النقطة هي قمة المأساة في عالمنا العربي والإسلامي، حيث تسخر إمكانات الدول والشعوب لخدمة طائفة أو جهة معينة جعلت من نفسها طبقة فوق سائر الناس، وتمتعت بالخيرات دون الخلق، دون أن تسمح لأي أحد بسؤال بسيط من نوع: من أين لك هذا؟؟



- إقصاء الخصوم السياسيين من الوظائف العامة والتعليم، خاصة ما تتعرض له النساء المحجبات من مضايقات وطرد من جامعات ووظائف الدولة حتى الأماكن العامة، والقانون الوحيد الذي لم يسنه العلمانيون في هذا المجال هو منع الهواء والماء عن هؤلاء المحجبات وأسرهن..



- إبعاد الملتزمين بالدين حتى غير المنتمين منهم لأي تيار إسلامي - عن الظهور الإعلامي، فكثير من المذيعات اللواتي التزمن بالحجاب مثلاً، أُخرن إلى الصفوف الخلفية ومنعن من الظهور على الشاشات، إن لم توجه لهن إنذارات بالطرد من العمل إن لم يتراجعن عن قرارهن الجديد..

أبو المثنى
04-15-2005, 11:16 AM
أخي حازم
السلام عليكم ورحمة الله

بارك الله فيك لهذا الموضوع ، واسمح لي أن أدلي برأيي (الخاص جداً) ، والذي يمكن أن تعتبره (ورقة شجرة) وطاحت .

ما أراه الآن أن في مجتمعات خليجية (لا أرغب بذكر الاسم) ، أهل اليمين يحسبون الدولة على مذهب اليسار وتحميهم وتعلي من شأنهم . وأهل اليسار يحسبون الدولة على طريقة أهل اليمين وتقف معهم ضد أهل اليسار . طبعاً لا أقصد باليمين واليسار مذاهب فكرية سياسية بل المحافظين والمتحررين (والأصح تسميتهم المستعبدين) .

وهذا بطبيعة الحال أمر سياسي - اجتماعي لكي يفهم ويستنتج كلا الطرفين اليمين واليسار (معاً وفي وقت واحد) أن اثنين ضدك يا واحد فالزم ما عرفت .

دعني أعطيك مثل :
الدشات وفك التشفير يتم تمريره ... أهل اليمين يقولون الدولة تشجع أهل اليسار .
رقابة على مراكز تجارية من قبل (الشرطة الدينية) ... أهل اليسار يقولون الدولة تقف مع أهل اليمين .
ويمكنك أن تضرب عشرات الأمثلة على هذا المنوال .. في الصحافة والإعلام والترفيه والملبوسات ...

أن أي ضعف في الدولة سيؤدي إلى أن يفهم كلا الطرفين معاً ضعف الآخر أو قوة الآخر ، بحسب فهم كل منهم للضعف . فمثلاً الصحوة الإسلامية كما ذكرتها أنت هي في نظر اليسار (نتيجة ضعف الدولة عن التطوير وتخلف التعليم) . أما انتشار التحرر والتعدي على الإسلام والعلمنة والحداثة وظهور عبدة الشيطان مثلاً فهو في نظر اليمين (نتيجة ضعف الدولة أمام القوى العالمية والعولمة والاتفاقيات المخالفة للوطنية والإسلام) .

وبالتالي سيظل المجتمع الإسلامي والعربي بين فكي رحى (تفهم وضع الدولة) . ومثال لذلك سوريا اليوم فالمتحررون أمثال نبيل فياض وفراس السواح وغيرهم يرون أن الدولة ضد التحرر وتتخذ من الإسلام شرعة ومنهاجاً وتسجنهم وتحاكمهم !!!! بينما يرى الأخوان المسلمون أن الدولة ضد تحكيم الإسلام وتحاربهم وتضيق عليهم . وهذا تجده في أقوال كلا الطرفين على الشاشات الفضائية .

الآن ما علاقة هذا بموضوعك ؟
هنا أوافقك فيما قلته في أواخر مداخلتك بأن الوعي الإسلامي والنهوض كان (ذاتياً) أي دون دعم (الدولة) ، وربما ذلك يعود أساساً إلى نظرة اليمين للدولة على أنها داعمة لليسار قديماً وحديثاً مما ولد (شعور بالدونية) في اليمين دفعهم لتحفيز النفس بل وبذل جهد أكبر لتعويض الضعف الذي حل بهم . وربما تكون هذه حسنة (الدولة) الوحيدة التي عملتها دون قصد ، وهي إحياء وإيقاظ الوعي الإسلامي لدينا .

ولك تحياتي ..............................

:emrose: :emrose: :emrose: :emrose: :emrose: :emrose: :emrose: