فخر الدين المناظر
07-24-2008, 03:25 AM
لاشك ان فكرة (العقوبة) تستخدم في معان مختلفة ، فقد تعاقب الدولة الجاني على ارتكابه الجناية وقد يعاقب الاب ابنه عقاباً تأديبياً وقد يعاقب البطل الرياضي خصمه على حلبة الصراع . الا ان الفرق بين هذه الانواع من العقوبات يشابه الفرق ما بين الحقيقة والمجاز ، لان العقوبة الحقيقية لها صفات وخصائص متميزة تختلف عن مفردات السلوك الابوي او الرياضي . ولعل اهم صفات العقوبة الحقيقية هي انها يجب ان تجلب على المعاقَب وضعاً بغيضاً بالفرض . ومن الواضح ، فاننا عندما نتحدث عن فلسفة (العقوبة) في الإسلام ، فاننا نتحدث عن العقوبة بمعناها الحقيقي لا العقوبة المجازية التي ينفذها الاب تجاه ولده او الرياضي تجاه خصمه .
فلسفة العقوبة:
ان الاهتمام الفلسفي بفكرة (العقوبة) نبعَ اساساً من تفتيش الفلاسفة عن تبرير اخلاقي لتلك العملية الاكراهية . فعرضوا السؤال التالي: هل يجوز اخلاقياً انزال الاذى والحرمان بفرد آخر ارتكب جرماً معيناً؟ وبصيغة اخرى كيف نبرر اخلاقياً انزال عقوبة جسدية او معنوية بفرد كان قد ارتكب جناية قد انقضت واسدل عليها الستار ؟ وهل هناك مبرر اخلاقي بانزال العقاب باحد الجناة بدعوى ان تلك العقوبة ستكون وسيلة من وسائل ردع الآخرين عن ارتكاب جنايات مماثلة في المستقبل ، فيكون الجاني ضحية اخرى من ضحايا العقاب ؟ وهل يمكن تبرير العقوبة اذا كانت للفرد نية للقيام بارتكاب جناية في المستقبل ؟ ولو افترضنا جدلاً ان الجناة يجب ان يعاقبوا ، فمن الذي يمتلك الحق في تشخيص حجم وشدة تلك العقوبة ؟ ان الاجوبة على هذه الاسئلة ستتوضح تدريجياً عندما نتعرض بالنقد للمدارس الفلسفية العالمية حول فكرة (العقوبة) .
العقوبة والمدرستان (الجزائية) و(النفعية):
وتتلخص فلسفة (العقوبة) التي يحمل همها اغلب الفلاسفة المعاصرون بفكرة تحاول التقريب بين مبدئين او مدرستين متعارضتين هما :
الاولى : ان الجاني يجب ان يعاقب على جنايته مهما كانت الظروف وتسمى بالمدرسة (الجزائية) . والثانية : انه من الخطأ ـ اخلاقياً ـ انزال المعاناة (او العقوبة) بفرد ما حتى لو كان جانياً ، وتسمى بالمدرسة (النفعية) . فالمدرسة الفلسفية التي تبرر (العقوبة) النازلة بالجاني تزعم بان الجاني يجب ان يعاقب بغض النظر عن التفتيش عن اي تبرير مقنع لاخلاقية العقوبة ، حتى لو كانت تلك العقوبة منبثقة عن مؤسسة اجتماعية خاصة لانزال الاذى والحرمان المتعمد بالفرد الذي ارتكب الجناية . الا ان هذا التفكير هو الذي اثار الاسئلة الفلسفية المتعلقة بتبرير الاحكام الجزائية ودور الافراد في صياغتها . علماً بان الفرد ـ حتى لو كان عالماً بالقضاء واساليب حل الخصومات بين الافراد ـ لايستطيع اخلاقياً ان يضع مجموعة من الاحكام الجزائية التي تنزل الاذى والحرمان ببقية الافراد ، بل وحتى لو افترضنا ان هؤلاء الافراد ارتكبوا مخالفات جنائية ضد النظام الاجتماعي . وهذا الرأي يعكس افكار المدرسة الفلسفية التي تؤمن بالمذهب النفعي .
وهاتان المدرستان الغربيتان (الجزائية) و(النفعية) سيطرتا لمدة طويلة على الحقل الفلسفي المتعلق بنظام العقوبات . فالمدرسة (الجزائية) اكدت على فكرتي (الذنب) و(العقوبة التي يستحقها المذنب) ، وادعت بان النظر الى الوراء لملاحظة الجريمة او الجناية هو الذي يبرر العقوبة ، وانكرت ان تكون للعقوبة منفعة ذاتية لاي طرف من الاطراف المتنازعة . الا ان المدرسة (النفعية) لم تؤمن بهذا التبرير ، بل زعمت بان العقوبة يمكن تبريرها فقط اذا كانت الآثار الايجابية المتولدة عنها تفوق الآثار السلبية الناجمة عن انزال المعاناة والاذى بانسان آخر ، وهو الجاني .
المدرسة (الجزائية) الغربية:
وقد كان من اعمدة المدرسة الجزائية الغربية فلاسفة ثلاثة هم: (عمانوئيل كانط)، و(اي. سي. اوينك) ، و(جي. دبليو. هيغل) ، الذين زعموا بان العقوبة ما هي الا عملية اخلاقية بذاتها . فـ (كانط) يصّر على ان العقوبة يجب ان تكون متطابقة مع الجناية المرتكبة . فالمذنب يجب ان يعاني من ذنبه ، والنظام الاخلاقي والعدالة الجنائية تتطلبان لوناً من الوان العقوبة[2] . الا ان هذا الرأي لايبرر العقوبة ، بقدر ما ينكر ان العقوبة تحتاج الى تبرير . فقولنا ان شيئاً ما صحيحٌ او خيّرٌ بذاته لايحتاج الى تبرير بشروط القيم او الدوافع الاخلاقية لشيء آخر . بل ان قيمته الجوهرية تُلحظ بالتبادر العقلي او بالحدس والبديهة . الا ان الشكوك المثارة حول صلاحية العقوبة ومعاناة المذنب تفتح الابواب لنقاش اوسع حول قضية الربط ما بين الشر والمعاناة .
فاذا كانت العقوبة باباً من ابواب الشر ، فهل يمكن ان ندع الشرير او الفرد المولع بانزال الاذى بالآخرين ان يعيش متنعماً بسلوكه على حساب الاخيار والضحايا في المجتمع ؟ كلا بالتأكيد ، وما وظيفة القانون الجنائي الا انزال العقاب بالجناة من اجل المحافظة على العدالة القضائية والحقوقية بين الافراد .
الا ان (اي. سي. اوينك) آمن بانه لايوجد سبب جوهري لادانة الجناية عن طريق انزال الاذى بالجناة ، ما لم تكن المنفعة المتحققة من انزال العقاب بالجناة نافعة على مستويي الجاني والضحية الى درجة تعلن لهم بان خرق القانون على الصعيد الاخلاقي يجب ان يواجهه المجتمع بطريقة تمنع حصوله مستقبلاً[3] . وهذا التفكير يمثل مرحلة وسطية بين النظريتين الجزائية والنفعية. فالعقوبة لها تبريرنفعي يتعلق باحترام القانون او الشريعة . بمعنى ان اخلاقية العقوبة تنبع من كونها عملية تدرّ نفعاً لاحقاً على النظام الاجتماعي .
اما (جي. دبليو. هيغل) فقد آمن بان العقوبة ضرورية لمحق وابطال العمل الجنائي الذي ارتكبه الجاني. وبتعبير آخر ، فان العقوبة لاتتحدد بارجاع الملكية المسروقة او تعويض الضحية ، بل تتعدى الى انزال العقوبة الجسدية بالجاني[4] . لان الجاني قد اخل ـ بقصد وتعمد ـ بميزان النظام الاخلاقي في المجتمع؛ ولايمكن تصحيح ذلك الخلل الا بجعل الجاني يعاني من الالم جزاء عمله الاجرامي الذي ارتكبه. وبتعبير ثالث، لما كانت الجناية ابطالاً للحق، فان العقوبة ابطالٌ لذلك الابطال، ولذلك فانها ـ حسب المنطق الديالكتيكي ـ وسيلة الى ارجاع الحق الى نصابه.
العقوبة واستئصال الذنب والمذنب:
والسؤال الفلسفي الذي يطرح غالباً على بساط البحث هو: هل ان العقوبة صممّت من اجل استئصال الذنب ام من اجل استئصال المذنب نفسه ؟ والجواب على ذلك هو انه لاشك ان العقوبة انما جاءت لاستئصال المذنب نفسه لان الدافع الشرير نحو ارتكاب الجرم والشخصية المنحلة هما اهم شرطان من شروط ارتكاب الذنب . وهذان الشرطان محلهما شخصية المذنب ذاتها . اما المسؤولية الجنائية فهي ليست الا جزءً من الاطار العام للذنب الذي يحدده القانون . وما وظيفة الدولة الا معاقبة الذين يخرقون القانون او ينتهكون حرمة الشريعة بحيث يعرضون المصلحة العامة للخطر ويزعزعون سلامة النظام الاجتماعي . الا ان القانون وما يتبعه من عقوبات لاينظر الى الافراد باعتبار نواياهم الداخلية . فالفرد الذي يتجنب ارتكاب الجناية خشية العقوبة الجسدية ، والفرد الذي يتجنب ارتكاب الجناية ناظراً قربه من الكمال الآلهي ، سيان في المرآة القضائية الدنيوية . الا ان التقييم الآلهي لهذين الفردين يختلف عما عليه القضاء والمحاسبة الدنيوية .
ولذلك، فان بعض المخالفات مع خطورتها لاتعاقب عليها الشريعة في حياتنا الدنيوية. فلايوجد في الشريعة عقاب منصوص ثابت تجاه (الكذب) في عموم الموارد مثلاً ، بينما هناك عقوبة منصوصة ثابتة تجاه (القذف) وهي ثمانون جلدة . مع ان الكذب قد يسبب آثاراً سلبية كبيرة على الافراد قد تصل الى حجم القذف. الا ان ممارسة عملية (الكذب) مرتبطة بالنظام الاخلاقي ، في حين ان ممارسة عملية (القذف) مرتبطة بالنظام الاجتماعي . وقد ترك الاسلام جملة من القضايا الاخلاقية الى التربية الدينية والتهذيب الذاتي والجزاء او الثواب الآلهي في الآخرة ، في حين حدد العقوبات الجسدية في القضايا والمشاكل الاجتماعية التي تهدد النظام الاجتماعي العام .
ان العلاقة بين الفلسفة الاخلاقية للمجتمع وبين العقوبة الجسدية مشخصة في الشريعة في مواقع محددة، واهمها الجرائم الخلقية المتعلقة بالانحرافات السلوكية الجنسية كالزنا واللواط والسحاق والقيادة والانحرافات السلوكية الاخرى كالقذف وتناول المسكر . الا ان الفلسفة الاخلاقية الاجتماعية لاتتوقف عند هذه الانحرافات فحسب ، بل تتناول كل الجوانب السلوكية للفرد على النطاقين الذاتي والاجتماعي . فالغيبة ، والكذب، والاحتيال على دفع الحقوق الشرعية الخاصة بالفقراء او اساءة استخدامها ، والتهاون في اداء الواجبات مثلاً تقع كلها تحت عنوان الانحرافات الاخلاقية التي لاتردعها الا الرقابة الذاتية للفرد، لان العقوبة الجسدية لاتنفذ في هذه الموارد. وما التأنيب الذاتي الذي يقوم به الفرد الذي آمن بخطورة هذه الانحرافات الاخلاقية الا عقوبة تربوية تساهم في تربية ذلك الانسان على ممارسة النقد الاخلاقي الذاتي . فكما ان العقوبة التي تستخدمها (العائلة) او (المدرسة) في معاقبة اعضائها ترمي الى هدف تربوي اخلاقي، كذلك العقوبة الذاتية الناتجة عن تأنيب الضمير الديني لدى الفرد عند ارتكابه عملاً منافياً للاخلاق السماوية .
ولاشك ان تنفيذ العقوبة الجسدية يؤكد على احترام المجتمع للاطار الشرعي والاخلاقي الذي آمنت به الغالبية الساحقة من الافراد ، لان الجناية تحاول ـ بطريق مباشر او غير مباشر ـ تحطيم ذلك الاطار الشرعي او الاخلاقي. فنحن لانستطيع ان نثني الجناة عن ارتكاب جناياتهم الا بانزال العقوبات المنصوصة بحقهم .
نظرية (جيرمي بنثام) ونقدها:
الا ان رواد المذهب النفعي الاوروبي وعلى رأسهم الفيلسوف (جيرمي بنثام) آمنوا بان جميع العقوبات انما هي اعمال مزعجة ومثيرة ، وما هي الا نزوع انساني نحو تسليط الاذى والحرمان على الآخرين. وحتى لو افترضنا بقبول بعض العقوبات ، فاننا يجب ان نطرد عن اذهاننا التفكير بالعقوبات الصارمة التي تنـزل الاذى بالجناة[5]! ويقدم (جيرمي بنثام) اقتراحاً فلسفياً يقضي باصلاح الجناة عن طريق معين وهو ادخالهم السجون او نفيهم من اوطانهم على شرط ان لا تتجاوز هذه العقوبة الاصلاحية جوهر الشر الذي ادى الى انزال الاذى بالضحية. ولكن اذا كانت العقوبة النازلة بالجاني قد تجاوزت الاذى الذي الحقه بالضحية اصبحت العقوبة ـ عندئذ ـ قضية ظالمة لايمكن تبريرها .
الا ان النقد الموجه الى نظرية (جيرمي بنثام) هو انه كيف يمكننا ان نجعل المتهم البريء ـ اذا اقتنع الافراد بارتكابه الذنب ـ اداةً للردع تماماً كما كان المذنب الحقيقي اداة لذلك ؟ واذا افترضنا ان العقوبة انما جاءت لاصلاح الجناة ، فلماذا لاتستخدم قبل ارتكاب الجناية لا بعدها ؟ ولاشك ان اصلاح الجناة بعد ارتكاب الجناية لا يؤدي الى تعويض الضحية، ولا يؤدي – في الوقت نفسه- الى ردع الافراد الذين يملكون قابلية كامنة على ارتكاب الجناية.
ويبدو من ظاهر هذه النظرية ان (جيرمي بنثام) يقع في خطأ اساسي وهو الاشتباه في تمييز شروط العقوبة التي تتكون من ثلاثة عناصر ، وهي:
اولاً: ان العقوبة لا تنـزل بالجاني ما لم تحصل الجناية.
ثانياً: ان العقوبة يجب ان تطال الجاني نفسه لانه يستحقها.
ثالثاً: ان الجاني يستحق العقوبة طبقاً لشدة الجناية التي ارتكبها.
والا، فان السجن قد يجمع الجاني الذي ارتكب جنحة بسيطة مع الجاني الذي ارتكب اعظم الجنايات . فكيف تكون تلك العقوبة ردعية مع انها لا تحقق الحد الادنى من الردع ؟
شدة العقوبة وحجم الجناية:
ان النظريات الفلسفية الغربية التي واجهت منطقاً قرآنياً فريداً في نقاشها ضد نظام العقوبات في الاسلام، عدلت عن ارائها السابقة فيما يتعلق بالعقوبات الجنائية التي ذكرها القرآن المجيد بعد ان هزمتها الفكرة القائلة بـ (ان شدة العقوبة يجب ان تتطابق مع حجم الجناية). الا انها بدأت تناقش قضية التعزير او الارش. وبدأت تتسائل: كيف يمكن ان نحدد عقوبة مناسبة لمخالفة مثل شهادة الزور ؟ وهل يحق لنا ان نضع قائمة بالمخالفات وما يقابلها من عقوبات مفترضة ؟ واذا تم ذلك ، افتراضاً ، فكيف نستطيع بعدالة واقعية ان ننـزل اذىً مقدّراً لتلك المخالفة ؟ وهل يمكن ان نحدد بدقة معاناة الضحية بحيث نستطيع ان نوجد مقداراً عادلاً من العقاب حتى ننزله بالجاني ؟ ولاشك ان الجواب على هذه التساؤلات ينبع من كون ان المقننين الاسلاميين في الدولة الشرعية يمتلكون ، نظرياً ، اعلى مستوىً من العلوم الشرعية والعقلية والاجتماعية كي يستطيعوا ان يضعوا ميزاناً اخلاقياً للعقوبات المصممة عن طريق التعزير ، او الارش الذي تقدره (الحكومة) او الخبراء . فلابد من ان يكون هؤلاء المقننون مجتهدين ، ولديهم القدرة العقلية على استنباط الاحكام الشرعية من مصادرها الاساسية وملء منطقة الفراغ التي تركتها الشريعة لهم . الا انه يجب ان لايغيب عن بالنا بان درجة العقوبة التعزيرية تتناسب مع خطورة المخالفة المرتكبة .
وهنا يبرز سؤال خطير آخر وهو: ما الذي يجعل احدى المخالفات اخطر على الصعيد الاخلاقي عن المخالفات الاخرى ؟ والجواب على ذلك ان الارتكاز العرفي وبناء العقلاء يستطيعان تحديد المقياس الاخلاقي للمخالفات. وفي ضوء ذلك المقياس تتحدد العقوبات التعزيرية من قبل المجتهد او المقنن الاسلامي. وهذه العقوبات التعزيرية ليست بالضرورة عقوبات ردعية ، لان بعض المخالفين لايرتدعون باي شكل من اشكال العقوبات ، بل انها عقوبات جزائية محضة . ولكننا نستظهر من قوله تعالى: (...وليشهد عذابهما طائفةٌ من المؤمنين)[6] ، لوناً من الوان الردع. لأن في مشاهدة العقوبة شكلاً من اشكال العبرة والتفكر، فلا يقترب الناس بعد ذلك من تلك الفواحش والمخالفات الاخلاقية.
الا ان الردع في الاسلام ـ على افتراض تحققه في نظام العقوبات ـ لايأخذ شكل المعاناة الاضافية التي ينزلها النظام القضائي وادواته التنفيذية بالجاني. بل ان الردع في النظرية الاسلامية يعكس فكرة تساوي الالم والمعاناة اللذين انزلهما الجاني او المُخالِف بالضحية مع الالم والمعاناة اللذين ينزلهما النظام القضائي بذلك الجاني او ذاك المخالف. وهذه هي اصل فكرة (القصاص) في الاسلام. فان في القصاص، بالاضافة الى جانبه الردعي المفترض ، عدالة واقعية عظيمة. بحيث ان المقتص لايجوز له التعدي في اي حال من الاحوال. واذا تم التعدي فعلى المتعدي دفع قيمة الاضرار الناجمة عن ذلك التعدي. وهذا الاصل المنبثق عن فكرة (القصاص) يطبّق ايضاً في التعزير او الارش، لان اي تعدي يقوم به النظام القضائي ضد المخالِف ينبغي ان يُدفَع عوضه لذلك المخالِف .
ولاشك ان العقوبة قضية مؤسفة لايتمتع العقلاء بمشاهدة تنفيذها وهي تلحق فرداً آخر. الا ان الجناية او المخالفة لا تصحح بمجرد التهديد او الوعيد ، بل يحتاج ذلك التصحيح الى نظام تنفيذي جبار يقوم بانزال الاذى المماثل بالجاني الذي ارتكب مخالفته بتعمد وعن قصد مسبق . ومن البديهي فان انزال العقوبة بالجاني ، او قل انزال الاذى بالجاني الذي انزل اذىً مماثلاً بالضحية ، يقلل مستقبلاً من المعاناة الجمعية التي ينـزلها الافراد ببعضهم ببعض ، لان العقوبة النازلة بالجناة ستُقَلِل الى ادنى حد الجرائم والجنايات المتوقع حصولها فيما اذا لم يطبق ذلك النظام الصارم في العقوبات .
فكرة (العقوبة) في المدرسة الاسلامية:
ويمكننا الآن، بعد دراسة المدارس الفلسفية الخاصة بفكرة (العقوبات)، ان نضع بعض الحقائق الخاصة بـ (العقوبات) في النظرية الاسلامية،هذه النظرية التي ترى ان انزال العقوبة بالجاني قضية اخلاقية لاتحتاج الى تبرير .
الحقيقة الاولى: ان شدة العقوبة في النظرية الاسلامية تتطابق تماماً مع فظاعة الجريمة. ففي الجنايات المتعمدة المتعلقة بالنفس الانسانية يتعين القصاص ، وفي جرائم الملكية ـ باستثناء الغصب ـ يتعين القطع، وفي الجرائم الخلقية يتعين الجلد او الرجم او الحرق ، وفي المحاربة يتعين القتل . فنحن لا نستطيع ان ننظر الى العقوبة بشكل مجرد ما لم نأخذ حجم الجناية وتأثيرها الاجتماعي بنظر الاعتبار. ولا شك ان القاعدة القرآنية في العقوبات: (ولكم في القصاص حياة ياأولي الالباب لعلكم تتقون)[7] ، (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص )[8] ، هي الاصل في تحقيق العدالة الجنائية في الجرائم الخطيرة التي تطال الافراد في النظام الاجتماعي . الا ان هذه النظرة القرآنية تجاه العقوبات كان قد عارضها المذهب النفعي الاوروبي ـ الذي لاحظنا فشله في تحقيق العدالة الجنائية ـ وأصر على ان العقوبة يجب ان تكون وسيلة من وسائل (اصلاح) الجاني ومنعه من ارتكاب الجناية وذلك عن طريق ادخاله السجن فحسب؛ الا ان هذا المذهب جُوبِهَ بمعارضة شديدة من قبل المدرسة الجزائية التي ايدت النظرية القرآنية وقالت بان الاذى الذي اوقعه الجاني ـ متعمداً ـ بالضحية يستحق على اقل تقدير انزال اذىً مماثل به .
الحقيقة الثانية: اذا افترضنا جدلاً ان العقوبة تحتاج الى تبرير ، فان لها ـ في النظرية الاسلامية ـ تبرير اخلاقي فقط اذا ارتبطت الجناية باختيار الجاني نفسه لارتكاب ذلك الانحراف. بمعنى ان الانحراف اذا كان متعمداً ، اضحت العقوبة الجسدية عملية اخلاقية لتصحيح ذلك الانحراف. لان العقوبة هدفها التأثير على السلوك الانساني وتصحيحه ، ولذلك فان الانحراف شبه العمد والخطأ لايوجب العقوبة الجسدية ، بل يتطلب تعويض الضحية عن طريق دفع الغرامة المالية المعروفة بالدية . والسبب في ذلك انتفاء الاختيار الشخصي في الانحرافات الناتجة عن شبه العمد والخطأ . أضف الى ذلك ان العقوبة لو تحققت في الانحرافات المتعلقة بشبه العمد والخطأ ، لما كان لها اي تأثير على عملية الردع المتوخاة من انزال الاذى المماثل بالجاني الذي ارتكب الجناية واقعاً .
الحقيقة الثالثة: ان المسؤولية الجنائية في الاسلام مرتبطة بشكل مباشر بالحالة العقلية للفرد . فاحساس الفرد بالمسؤولية الشخصية وارتباطها بالعقوبة يطابق افكار النظرية الاخلاقية الاسلامية التي تجعل من النفس اللوامة المحطة الرئيسية لفحص الاعمال التي يقوم بها الانسان ونقدها . فالفرد الذي يمتلك القدرة العقلية على اختيار الافعال يتحمل المسؤولية بصورة كاملة عندما يرتكب جناية او مخالفة يستحق على ضوئها عقوبة معينة. ولم يستثن من ذلك الا المجنون او المضطرب عقلياً ، والمُكره ، والفرد الذي ارتكب الجرم بطريق الخطأ. لان هؤلاء الافراد يفقدون القدرة على الاختيار ، ولذلك فان الشريعة لاتعاقبهم بالمقدار الذي تعاقب فيه الافراد الذين يملكون قدرة عقلية كاملة وقت ارتكاب الجناية.
الجناية وحالات الاغراء الشديد:
ولا شك ان هذا القدر من الفهم الفلسفي للعقوبة مسلّم به عند الفقهاء والفلاسفة على حد سواء . الا ان السؤال المهم الذي يطرح على هذا الصعيد ، هو : ان الفرد لو تعرض الى حالة اغراء شديدة ساعدته على ارتكاب الجناية ، فهل يكون جانياً بغض النظر عن تلك الحالة الاغرائية ، ام ان الاغراء يؤخذ بنظر الاعتبار في تخفيف العقوبة ؟ ولو ان فرداً ما قد حُرِّضَ على ارتكاب الجناية ، فهل ان للتحريض دوراً مزاحماً للقدرة العقلية على الاختيار ؟ لاشك ان الرسالة الدينية تعاملت مع هذه الحالات قبل ارتكاب الجناية . فمن البديهي ان الدين ورسالته الاخلاقية قامت بتهذيب النفس الداخلية على مقاومة الاغراء مهما كان حجمه التأثيري وقوته الغريزية . واذا كانت النفس البشرية قد مارست تهذيباً دينياً صارماً ، فليس هناك اغراء يتجاوز حدود الطبيعة الانسانية في المقاومة . لان قوة الاغراء تتحطم بقوة الارادة الفردية في تحمل المسؤولية الشرعية . فالنفس قد تغري الفرد بالتقاط قطعة ذهبية ثمينة مطروحة على قارعة الطريق ، الا ان قوة الارادة التي ربّتها الشريعة في نفس المؤمن تدفعه اما لتسليم تلك القطعة بطريق ما الى صاحبها المجهول ، او تركها على وضعها حتى يلتفت مالكها الحقيقي الى فقدانها ويرجع لالتقاطها . ولعلنا نستظهر من قوله تعالى : (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ...)[9] ان الاغراء الشديد له دور في تصميم شكل العقوبة ، ولذلك قدمت الزانية على الزاني في الترتيب اللفظي للآية الشريفة. ولكن يبدو ان ذلك لم يغير شيئاً من دور الارادة الانسانية عند الذكر او الانثى من السيطرة على الانحراف رغم وجود الاغراء ، لان العقوبة متساوية لهما على الرغم من تقديم الزانية على الزاني في الترتيب اللفظي . هذا الترتيب اللفظي ربما اراد منه القرآن المجيد حث الافراد من احد الجنسين على ملاحظة دور الاغراء في ارتكاب مثل تلك المخالفات الشرعية .
الا ان السيطرة على اغراءات النفس بارتكاب الانحراف ليست بالقضية الهينة. لان التنبؤ باستمرار الاختيار العقلائي ليس مضموناً بملاحظة الشروط الموضوعية التي تحكم شخصية الفرد في الحالات الصعبة. ولكن حتى عدم الضمان هذا لايبرر كون الاختيار العقلي لاعمال الفرد اختياراً وهمياً بل هو اختيار حقيقي جوهري. ومن البديهي فان الدافع الداخلي نحو ارتكاب عمل ما يستند في اغلب الحالات على الاسباب الموضوعية التي يستطيع الفرد ان يدركها بقوته العقلية. ولاشك ان الفلاسفة الذين آمنوا بالفرق بين الاعمال الارادية والاعمال اللاارادية ، تكلموا من خلال منظار الدوافع، والاهداف، والاسباب التي تدعو الى ارتكاب ذلك العمل بعينه. وقد اضافت الشريعة الى كل ذلك: المباشرة، والتسبيب، والقصد، والعمد، وشبه العمد، والخطأ ، وتزاحم الموجبات كاجتماع السبب والمباشرة وتزاحمهما .
ومن الطبيعي ، فان تأكيد الشريعة على دور النية والقصد في ارتكاب العمل وعلاقتهما بالعقوبات المنصوصة ، يشجع الافراد على توجيه نياتهم تجاه العمل الصالح ، وتنقية تلك النيات في مواطن الاثارة والاغراءات . ومن المسلّم به فلسفياً اننا نستطيع التنبؤ باعمال انسان ما اذا كنا نعلم اي نوع من الاختيارات يختارها على الاغلب . بمعنى ان حدسنا سيكون صادقاً في حسن سلوك زيد اذا علمنا بان اولوياته في القصد بعيدة عن الانحراف . ان فكرة (الاختيار) المتعلقة باعمال الانسان شرط ضروري لتحمل المسؤولية ، وبالتالي توجيه اللوم ثم تنفيذ العقوبة.
يتبع
-------------------------------------------------------------
*كتاب الانحراف الاجتماعي وأساليب العلاج في الإسلام
[1]سورة البقرة: الآية 120.
[2] فلسفة كانت في القانون - عمانوئيل كانت. ادنبرة: 1887.
[3] اخلاقية العقوبة – اي سي اوينك. لندن: 1929.
[4] فلسفة هيغل في الحقوق – جي دبليو هيغل. اكسفورد: 1942.
[5] مقدمة في مبادئ الاخلاق والتشريع – جيرمي بنثام . لندن: 1789.
[6] سورة النور: الآية 2.
[7] سورة البقرة: الآية 179.
[8] سورة المائدة: الآية 45.
[9] سورة النور: الآية 2
فلسفة العقوبة:
ان الاهتمام الفلسفي بفكرة (العقوبة) نبعَ اساساً من تفتيش الفلاسفة عن تبرير اخلاقي لتلك العملية الاكراهية . فعرضوا السؤال التالي: هل يجوز اخلاقياً انزال الاذى والحرمان بفرد آخر ارتكب جرماً معيناً؟ وبصيغة اخرى كيف نبرر اخلاقياً انزال عقوبة جسدية او معنوية بفرد كان قد ارتكب جناية قد انقضت واسدل عليها الستار ؟ وهل هناك مبرر اخلاقي بانزال العقاب باحد الجناة بدعوى ان تلك العقوبة ستكون وسيلة من وسائل ردع الآخرين عن ارتكاب جنايات مماثلة في المستقبل ، فيكون الجاني ضحية اخرى من ضحايا العقاب ؟ وهل يمكن تبرير العقوبة اذا كانت للفرد نية للقيام بارتكاب جناية في المستقبل ؟ ولو افترضنا جدلاً ان الجناة يجب ان يعاقبوا ، فمن الذي يمتلك الحق في تشخيص حجم وشدة تلك العقوبة ؟ ان الاجوبة على هذه الاسئلة ستتوضح تدريجياً عندما نتعرض بالنقد للمدارس الفلسفية العالمية حول فكرة (العقوبة) .
العقوبة والمدرستان (الجزائية) و(النفعية):
وتتلخص فلسفة (العقوبة) التي يحمل همها اغلب الفلاسفة المعاصرون بفكرة تحاول التقريب بين مبدئين او مدرستين متعارضتين هما :
الاولى : ان الجاني يجب ان يعاقب على جنايته مهما كانت الظروف وتسمى بالمدرسة (الجزائية) . والثانية : انه من الخطأ ـ اخلاقياً ـ انزال المعاناة (او العقوبة) بفرد ما حتى لو كان جانياً ، وتسمى بالمدرسة (النفعية) . فالمدرسة الفلسفية التي تبرر (العقوبة) النازلة بالجاني تزعم بان الجاني يجب ان يعاقب بغض النظر عن التفتيش عن اي تبرير مقنع لاخلاقية العقوبة ، حتى لو كانت تلك العقوبة منبثقة عن مؤسسة اجتماعية خاصة لانزال الاذى والحرمان المتعمد بالفرد الذي ارتكب الجناية . الا ان هذا التفكير هو الذي اثار الاسئلة الفلسفية المتعلقة بتبرير الاحكام الجزائية ودور الافراد في صياغتها . علماً بان الفرد ـ حتى لو كان عالماً بالقضاء واساليب حل الخصومات بين الافراد ـ لايستطيع اخلاقياً ان يضع مجموعة من الاحكام الجزائية التي تنزل الاذى والحرمان ببقية الافراد ، بل وحتى لو افترضنا ان هؤلاء الافراد ارتكبوا مخالفات جنائية ضد النظام الاجتماعي . وهذا الرأي يعكس افكار المدرسة الفلسفية التي تؤمن بالمذهب النفعي .
وهاتان المدرستان الغربيتان (الجزائية) و(النفعية) سيطرتا لمدة طويلة على الحقل الفلسفي المتعلق بنظام العقوبات . فالمدرسة (الجزائية) اكدت على فكرتي (الذنب) و(العقوبة التي يستحقها المذنب) ، وادعت بان النظر الى الوراء لملاحظة الجريمة او الجناية هو الذي يبرر العقوبة ، وانكرت ان تكون للعقوبة منفعة ذاتية لاي طرف من الاطراف المتنازعة . الا ان المدرسة (النفعية) لم تؤمن بهذا التبرير ، بل زعمت بان العقوبة يمكن تبريرها فقط اذا كانت الآثار الايجابية المتولدة عنها تفوق الآثار السلبية الناجمة عن انزال المعاناة والاذى بانسان آخر ، وهو الجاني .
المدرسة (الجزائية) الغربية:
وقد كان من اعمدة المدرسة الجزائية الغربية فلاسفة ثلاثة هم: (عمانوئيل كانط)، و(اي. سي. اوينك) ، و(جي. دبليو. هيغل) ، الذين زعموا بان العقوبة ما هي الا عملية اخلاقية بذاتها . فـ (كانط) يصّر على ان العقوبة يجب ان تكون متطابقة مع الجناية المرتكبة . فالمذنب يجب ان يعاني من ذنبه ، والنظام الاخلاقي والعدالة الجنائية تتطلبان لوناً من الوان العقوبة[2] . الا ان هذا الرأي لايبرر العقوبة ، بقدر ما ينكر ان العقوبة تحتاج الى تبرير . فقولنا ان شيئاً ما صحيحٌ او خيّرٌ بذاته لايحتاج الى تبرير بشروط القيم او الدوافع الاخلاقية لشيء آخر . بل ان قيمته الجوهرية تُلحظ بالتبادر العقلي او بالحدس والبديهة . الا ان الشكوك المثارة حول صلاحية العقوبة ومعاناة المذنب تفتح الابواب لنقاش اوسع حول قضية الربط ما بين الشر والمعاناة .
فاذا كانت العقوبة باباً من ابواب الشر ، فهل يمكن ان ندع الشرير او الفرد المولع بانزال الاذى بالآخرين ان يعيش متنعماً بسلوكه على حساب الاخيار والضحايا في المجتمع ؟ كلا بالتأكيد ، وما وظيفة القانون الجنائي الا انزال العقاب بالجناة من اجل المحافظة على العدالة القضائية والحقوقية بين الافراد .
الا ان (اي. سي. اوينك) آمن بانه لايوجد سبب جوهري لادانة الجناية عن طريق انزال الاذى بالجناة ، ما لم تكن المنفعة المتحققة من انزال العقاب بالجناة نافعة على مستويي الجاني والضحية الى درجة تعلن لهم بان خرق القانون على الصعيد الاخلاقي يجب ان يواجهه المجتمع بطريقة تمنع حصوله مستقبلاً[3] . وهذا التفكير يمثل مرحلة وسطية بين النظريتين الجزائية والنفعية. فالعقوبة لها تبريرنفعي يتعلق باحترام القانون او الشريعة . بمعنى ان اخلاقية العقوبة تنبع من كونها عملية تدرّ نفعاً لاحقاً على النظام الاجتماعي .
اما (جي. دبليو. هيغل) فقد آمن بان العقوبة ضرورية لمحق وابطال العمل الجنائي الذي ارتكبه الجاني. وبتعبير آخر ، فان العقوبة لاتتحدد بارجاع الملكية المسروقة او تعويض الضحية ، بل تتعدى الى انزال العقوبة الجسدية بالجاني[4] . لان الجاني قد اخل ـ بقصد وتعمد ـ بميزان النظام الاخلاقي في المجتمع؛ ولايمكن تصحيح ذلك الخلل الا بجعل الجاني يعاني من الالم جزاء عمله الاجرامي الذي ارتكبه. وبتعبير ثالث، لما كانت الجناية ابطالاً للحق، فان العقوبة ابطالٌ لذلك الابطال، ولذلك فانها ـ حسب المنطق الديالكتيكي ـ وسيلة الى ارجاع الحق الى نصابه.
العقوبة واستئصال الذنب والمذنب:
والسؤال الفلسفي الذي يطرح غالباً على بساط البحث هو: هل ان العقوبة صممّت من اجل استئصال الذنب ام من اجل استئصال المذنب نفسه ؟ والجواب على ذلك هو انه لاشك ان العقوبة انما جاءت لاستئصال المذنب نفسه لان الدافع الشرير نحو ارتكاب الجرم والشخصية المنحلة هما اهم شرطان من شروط ارتكاب الذنب . وهذان الشرطان محلهما شخصية المذنب ذاتها . اما المسؤولية الجنائية فهي ليست الا جزءً من الاطار العام للذنب الذي يحدده القانون . وما وظيفة الدولة الا معاقبة الذين يخرقون القانون او ينتهكون حرمة الشريعة بحيث يعرضون المصلحة العامة للخطر ويزعزعون سلامة النظام الاجتماعي . الا ان القانون وما يتبعه من عقوبات لاينظر الى الافراد باعتبار نواياهم الداخلية . فالفرد الذي يتجنب ارتكاب الجناية خشية العقوبة الجسدية ، والفرد الذي يتجنب ارتكاب الجناية ناظراً قربه من الكمال الآلهي ، سيان في المرآة القضائية الدنيوية . الا ان التقييم الآلهي لهذين الفردين يختلف عما عليه القضاء والمحاسبة الدنيوية .
ولذلك، فان بعض المخالفات مع خطورتها لاتعاقب عليها الشريعة في حياتنا الدنيوية. فلايوجد في الشريعة عقاب منصوص ثابت تجاه (الكذب) في عموم الموارد مثلاً ، بينما هناك عقوبة منصوصة ثابتة تجاه (القذف) وهي ثمانون جلدة . مع ان الكذب قد يسبب آثاراً سلبية كبيرة على الافراد قد تصل الى حجم القذف. الا ان ممارسة عملية (الكذب) مرتبطة بالنظام الاخلاقي ، في حين ان ممارسة عملية (القذف) مرتبطة بالنظام الاجتماعي . وقد ترك الاسلام جملة من القضايا الاخلاقية الى التربية الدينية والتهذيب الذاتي والجزاء او الثواب الآلهي في الآخرة ، في حين حدد العقوبات الجسدية في القضايا والمشاكل الاجتماعية التي تهدد النظام الاجتماعي العام .
ان العلاقة بين الفلسفة الاخلاقية للمجتمع وبين العقوبة الجسدية مشخصة في الشريعة في مواقع محددة، واهمها الجرائم الخلقية المتعلقة بالانحرافات السلوكية الجنسية كالزنا واللواط والسحاق والقيادة والانحرافات السلوكية الاخرى كالقذف وتناول المسكر . الا ان الفلسفة الاخلاقية الاجتماعية لاتتوقف عند هذه الانحرافات فحسب ، بل تتناول كل الجوانب السلوكية للفرد على النطاقين الذاتي والاجتماعي . فالغيبة ، والكذب، والاحتيال على دفع الحقوق الشرعية الخاصة بالفقراء او اساءة استخدامها ، والتهاون في اداء الواجبات مثلاً تقع كلها تحت عنوان الانحرافات الاخلاقية التي لاتردعها الا الرقابة الذاتية للفرد، لان العقوبة الجسدية لاتنفذ في هذه الموارد. وما التأنيب الذاتي الذي يقوم به الفرد الذي آمن بخطورة هذه الانحرافات الاخلاقية الا عقوبة تربوية تساهم في تربية ذلك الانسان على ممارسة النقد الاخلاقي الذاتي . فكما ان العقوبة التي تستخدمها (العائلة) او (المدرسة) في معاقبة اعضائها ترمي الى هدف تربوي اخلاقي، كذلك العقوبة الذاتية الناتجة عن تأنيب الضمير الديني لدى الفرد عند ارتكابه عملاً منافياً للاخلاق السماوية .
ولاشك ان تنفيذ العقوبة الجسدية يؤكد على احترام المجتمع للاطار الشرعي والاخلاقي الذي آمنت به الغالبية الساحقة من الافراد ، لان الجناية تحاول ـ بطريق مباشر او غير مباشر ـ تحطيم ذلك الاطار الشرعي او الاخلاقي. فنحن لانستطيع ان نثني الجناة عن ارتكاب جناياتهم الا بانزال العقوبات المنصوصة بحقهم .
نظرية (جيرمي بنثام) ونقدها:
الا ان رواد المذهب النفعي الاوروبي وعلى رأسهم الفيلسوف (جيرمي بنثام) آمنوا بان جميع العقوبات انما هي اعمال مزعجة ومثيرة ، وما هي الا نزوع انساني نحو تسليط الاذى والحرمان على الآخرين. وحتى لو افترضنا بقبول بعض العقوبات ، فاننا يجب ان نطرد عن اذهاننا التفكير بالعقوبات الصارمة التي تنـزل الاذى بالجناة[5]! ويقدم (جيرمي بنثام) اقتراحاً فلسفياً يقضي باصلاح الجناة عن طريق معين وهو ادخالهم السجون او نفيهم من اوطانهم على شرط ان لا تتجاوز هذه العقوبة الاصلاحية جوهر الشر الذي ادى الى انزال الاذى بالضحية. ولكن اذا كانت العقوبة النازلة بالجاني قد تجاوزت الاذى الذي الحقه بالضحية اصبحت العقوبة ـ عندئذ ـ قضية ظالمة لايمكن تبريرها .
الا ان النقد الموجه الى نظرية (جيرمي بنثام) هو انه كيف يمكننا ان نجعل المتهم البريء ـ اذا اقتنع الافراد بارتكابه الذنب ـ اداةً للردع تماماً كما كان المذنب الحقيقي اداة لذلك ؟ واذا افترضنا ان العقوبة انما جاءت لاصلاح الجناة ، فلماذا لاتستخدم قبل ارتكاب الجناية لا بعدها ؟ ولاشك ان اصلاح الجناة بعد ارتكاب الجناية لا يؤدي الى تعويض الضحية، ولا يؤدي – في الوقت نفسه- الى ردع الافراد الذين يملكون قابلية كامنة على ارتكاب الجناية.
ويبدو من ظاهر هذه النظرية ان (جيرمي بنثام) يقع في خطأ اساسي وهو الاشتباه في تمييز شروط العقوبة التي تتكون من ثلاثة عناصر ، وهي:
اولاً: ان العقوبة لا تنـزل بالجاني ما لم تحصل الجناية.
ثانياً: ان العقوبة يجب ان تطال الجاني نفسه لانه يستحقها.
ثالثاً: ان الجاني يستحق العقوبة طبقاً لشدة الجناية التي ارتكبها.
والا، فان السجن قد يجمع الجاني الذي ارتكب جنحة بسيطة مع الجاني الذي ارتكب اعظم الجنايات . فكيف تكون تلك العقوبة ردعية مع انها لا تحقق الحد الادنى من الردع ؟
شدة العقوبة وحجم الجناية:
ان النظريات الفلسفية الغربية التي واجهت منطقاً قرآنياً فريداً في نقاشها ضد نظام العقوبات في الاسلام، عدلت عن ارائها السابقة فيما يتعلق بالعقوبات الجنائية التي ذكرها القرآن المجيد بعد ان هزمتها الفكرة القائلة بـ (ان شدة العقوبة يجب ان تتطابق مع حجم الجناية). الا انها بدأت تناقش قضية التعزير او الارش. وبدأت تتسائل: كيف يمكن ان نحدد عقوبة مناسبة لمخالفة مثل شهادة الزور ؟ وهل يحق لنا ان نضع قائمة بالمخالفات وما يقابلها من عقوبات مفترضة ؟ واذا تم ذلك ، افتراضاً ، فكيف نستطيع بعدالة واقعية ان ننـزل اذىً مقدّراً لتلك المخالفة ؟ وهل يمكن ان نحدد بدقة معاناة الضحية بحيث نستطيع ان نوجد مقداراً عادلاً من العقاب حتى ننزله بالجاني ؟ ولاشك ان الجواب على هذه التساؤلات ينبع من كون ان المقننين الاسلاميين في الدولة الشرعية يمتلكون ، نظرياً ، اعلى مستوىً من العلوم الشرعية والعقلية والاجتماعية كي يستطيعوا ان يضعوا ميزاناً اخلاقياً للعقوبات المصممة عن طريق التعزير ، او الارش الذي تقدره (الحكومة) او الخبراء . فلابد من ان يكون هؤلاء المقننون مجتهدين ، ولديهم القدرة العقلية على استنباط الاحكام الشرعية من مصادرها الاساسية وملء منطقة الفراغ التي تركتها الشريعة لهم . الا انه يجب ان لايغيب عن بالنا بان درجة العقوبة التعزيرية تتناسب مع خطورة المخالفة المرتكبة .
وهنا يبرز سؤال خطير آخر وهو: ما الذي يجعل احدى المخالفات اخطر على الصعيد الاخلاقي عن المخالفات الاخرى ؟ والجواب على ذلك ان الارتكاز العرفي وبناء العقلاء يستطيعان تحديد المقياس الاخلاقي للمخالفات. وفي ضوء ذلك المقياس تتحدد العقوبات التعزيرية من قبل المجتهد او المقنن الاسلامي. وهذه العقوبات التعزيرية ليست بالضرورة عقوبات ردعية ، لان بعض المخالفين لايرتدعون باي شكل من اشكال العقوبات ، بل انها عقوبات جزائية محضة . ولكننا نستظهر من قوله تعالى: (...وليشهد عذابهما طائفةٌ من المؤمنين)[6] ، لوناً من الوان الردع. لأن في مشاهدة العقوبة شكلاً من اشكال العبرة والتفكر، فلا يقترب الناس بعد ذلك من تلك الفواحش والمخالفات الاخلاقية.
الا ان الردع في الاسلام ـ على افتراض تحققه في نظام العقوبات ـ لايأخذ شكل المعاناة الاضافية التي ينزلها النظام القضائي وادواته التنفيذية بالجاني. بل ان الردع في النظرية الاسلامية يعكس فكرة تساوي الالم والمعاناة اللذين انزلهما الجاني او المُخالِف بالضحية مع الالم والمعاناة اللذين ينزلهما النظام القضائي بذلك الجاني او ذاك المخالف. وهذه هي اصل فكرة (القصاص) في الاسلام. فان في القصاص، بالاضافة الى جانبه الردعي المفترض ، عدالة واقعية عظيمة. بحيث ان المقتص لايجوز له التعدي في اي حال من الاحوال. واذا تم التعدي فعلى المتعدي دفع قيمة الاضرار الناجمة عن ذلك التعدي. وهذا الاصل المنبثق عن فكرة (القصاص) يطبّق ايضاً في التعزير او الارش، لان اي تعدي يقوم به النظام القضائي ضد المخالِف ينبغي ان يُدفَع عوضه لذلك المخالِف .
ولاشك ان العقوبة قضية مؤسفة لايتمتع العقلاء بمشاهدة تنفيذها وهي تلحق فرداً آخر. الا ان الجناية او المخالفة لا تصحح بمجرد التهديد او الوعيد ، بل يحتاج ذلك التصحيح الى نظام تنفيذي جبار يقوم بانزال الاذى المماثل بالجاني الذي ارتكب مخالفته بتعمد وعن قصد مسبق . ومن البديهي فان انزال العقوبة بالجاني ، او قل انزال الاذى بالجاني الذي انزل اذىً مماثلاً بالضحية ، يقلل مستقبلاً من المعاناة الجمعية التي ينـزلها الافراد ببعضهم ببعض ، لان العقوبة النازلة بالجناة ستُقَلِل الى ادنى حد الجرائم والجنايات المتوقع حصولها فيما اذا لم يطبق ذلك النظام الصارم في العقوبات .
فكرة (العقوبة) في المدرسة الاسلامية:
ويمكننا الآن، بعد دراسة المدارس الفلسفية الخاصة بفكرة (العقوبات)، ان نضع بعض الحقائق الخاصة بـ (العقوبات) في النظرية الاسلامية،هذه النظرية التي ترى ان انزال العقوبة بالجاني قضية اخلاقية لاتحتاج الى تبرير .
الحقيقة الاولى: ان شدة العقوبة في النظرية الاسلامية تتطابق تماماً مع فظاعة الجريمة. ففي الجنايات المتعمدة المتعلقة بالنفس الانسانية يتعين القصاص ، وفي جرائم الملكية ـ باستثناء الغصب ـ يتعين القطع، وفي الجرائم الخلقية يتعين الجلد او الرجم او الحرق ، وفي المحاربة يتعين القتل . فنحن لا نستطيع ان ننظر الى العقوبة بشكل مجرد ما لم نأخذ حجم الجناية وتأثيرها الاجتماعي بنظر الاعتبار. ولا شك ان القاعدة القرآنية في العقوبات: (ولكم في القصاص حياة ياأولي الالباب لعلكم تتقون)[7] ، (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص )[8] ، هي الاصل في تحقيق العدالة الجنائية في الجرائم الخطيرة التي تطال الافراد في النظام الاجتماعي . الا ان هذه النظرة القرآنية تجاه العقوبات كان قد عارضها المذهب النفعي الاوروبي ـ الذي لاحظنا فشله في تحقيق العدالة الجنائية ـ وأصر على ان العقوبة يجب ان تكون وسيلة من وسائل (اصلاح) الجاني ومنعه من ارتكاب الجناية وذلك عن طريق ادخاله السجن فحسب؛ الا ان هذا المذهب جُوبِهَ بمعارضة شديدة من قبل المدرسة الجزائية التي ايدت النظرية القرآنية وقالت بان الاذى الذي اوقعه الجاني ـ متعمداً ـ بالضحية يستحق على اقل تقدير انزال اذىً مماثل به .
الحقيقة الثانية: اذا افترضنا جدلاً ان العقوبة تحتاج الى تبرير ، فان لها ـ في النظرية الاسلامية ـ تبرير اخلاقي فقط اذا ارتبطت الجناية باختيار الجاني نفسه لارتكاب ذلك الانحراف. بمعنى ان الانحراف اذا كان متعمداً ، اضحت العقوبة الجسدية عملية اخلاقية لتصحيح ذلك الانحراف. لان العقوبة هدفها التأثير على السلوك الانساني وتصحيحه ، ولذلك فان الانحراف شبه العمد والخطأ لايوجب العقوبة الجسدية ، بل يتطلب تعويض الضحية عن طريق دفع الغرامة المالية المعروفة بالدية . والسبب في ذلك انتفاء الاختيار الشخصي في الانحرافات الناتجة عن شبه العمد والخطأ . أضف الى ذلك ان العقوبة لو تحققت في الانحرافات المتعلقة بشبه العمد والخطأ ، لما كان لها اي تأثير على عملية الردع المتوخاة من انزال الاذى المماثل بالجاني الذي ارتكب الجناية واقعاً .
الحقيقة الثالثة: ان المسؤولية الجنائية في الاسلام مرتبطة بشكل مباشر بالحالة العقلية للفرد . فاحساس الفرد بالمسؤولية الشخصية وارتباطها بالعقوبة يطابق افكار النظرية الاخلاقية الاسلامية التي تجعل من النفس اللوامة المحطة الرئيسية لفحص الاعمال التي يقوم بها الانسان ونقدها . فالفرد الذي يمتلك القدرة العقلية على اختيار الافعال يتحمل المسؤولية بصورة كاملة عندما يرتكب جناية او مخالفة يستحق على ضوئها عقوبة معينة. ولم يستثن من ذلك الا المجنون او المضطرب عقلياً ، والمُكره ، والفرد الذي ارتكب الجرم بطريق الخطأ. لان هؤلاء الافراد يفقدون القدرة على الاختيار ، ولذلك فان الشريعة لاتعاقبهم بالمقدار الذي تعاقب فيه الافراد الذين يملكون قدرة عقلية كاملة وقت ارتكاب الجناية.
الجناية وحالات الاغراء الشديد:
ولا شك ان هذا القدر من الفهم الفلسفي للعقوبة مسلّم به عند الفقهاء والفلاسفة على حد سواء . الا ان السؤال المهم الذي يطرح على هذا الصعيد ، هو : ان الفرد لو تعرض الى حالة اغراء شديدة ساعدته على ارتكاب الجناية ، فهل يكون جانياً بغض النظر عن تلك الحالة الاغرائية ، ام ان الاغراء يؤخذ بنظر الاعتبار في تخفيف العقوبة ؟ ولو ان فرداً ما قد حُرِّضَ على ارتكاب الجناية ، فهل ان للتحريض دوراً مزاحماً للقدرة العقلية على الاختيار ؟ لاشك ان الرسالة الدينية تعاملت مع هذه الحالات قبل ارتكاب الجناية . فمن البديهي ان الدين ورسالته الاخلاقية قامت بتهذيب النفس الداخلية على مقاومة الاغراء مهما كان حجمه التأثيري وقوته الغريزية . واذا كانت النفس البشرية قد مارست تهذيباً دينياً صارماً ، فليس هناك اغراء يتجاوز حدود الطبيعة الانسانية في المقاومة . لان قوة الاغراء تتحطم بقوة الارادة الفردية في تحمل المسؤولية الشرعية . فالنفس قد تغري الفرد بالتقاط قطعة ذهبية ثمينة مطروحة على قارعة الطريق ، الا ان قوة الارادة التي ربّتها الشريعة في نفس المؤمن تدفعه اما لتسليم تلك القطعة بطريق ما الى صاحبها المجهول ، او تركها على وضعها حتى يلتفت مالكها الحقيقي الى فقدانها ويرجع لالتقاطها . ولعلنا نستظهر من قوله تعالى : (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ...)[9] ان الاغراء الشديد له دور في تصميم شكل العقوبة ، ولذلك قدمت الزانية على الزاني في الترتيب اللفظي للآية الشريفة. ولكن يبدو ان ذلك لم يغير شيئاً من دور الارادة الانسانية عند الذكر او الانثى من السيطرة على الانحراف رغم وجود الاغراء ، لان العقوبة متساوية لهما على الرغم من تقديم الزانية على الزاني في الترتيب اللفظي . هذا الترتيب اللفظي ربما اراد منه القرآن المجيد حث الافراد من احد الجنسين على ملاحظة دور الاغراء في ارتكاب مثل تلك المخالفات الشرعية .
الا ان السيطرة على اغراءات النفس بارتكاب الانحراف ليست بالقضية الهينة. لان التنبؤ باستمرار الاختيار العقلائي ليس مضموناً بملاحظة الشروط الموضوعية التي تحكم شخصية الفرد في الحالات الصعبة. ولكن حتى عدم الضمان هذا لايبرر كون الاختيار العقلي لاعمال الفرد اختياراً وهمياً بل هو اختيار حقيقي جوهري. ومن البديهي فان الدافع الداخلي نحو ارتكاب عمل ما يستند في اغلب الحالات على الاسباب الموضوعية التي يستطيع الفرد ان يدركها بقوته العقلية. ولاشك ان الفلاسفة الذين آمنوا بالفرق بين الاعمال الارادية والاعمال اللاارادية ، تكلموا من خلال منظار الدوافع، والاهداف، والاسباب التي تدعو الى ارتكاب ذلك العمل بعينه. وقد اضافت الشريعة الى كل ذلك: المباشرة، والتسبيب، والقصد، والعمد، وشبه العمد، والخطأ ، وتزاحم الموجبات كاجتماع السبب والمباشرة وتزاحمهما .
ومن الطبيعي ، فان تأكيد الشريعة على دور النية والقصد في ارتكاب العمل وعلاقتهما بالعقوبات المنصوصة ، يشجع الافراد على توجيه نياتهم تجاه العمل الصالح ، وتنقية تلك النيات في مواطن الاثارة والاغراءات . ومن المسلّم به فلسفياً اننا نستطيع التنبؤ باعمال انسان ما اذا كنا نعلم اي نوع من الاختيارات يختارها على الاغلب . بمعنى ان حدسنا سيكون صادقاً في حسن سلوك زيد اذا علمنا بان اولوياته في القصد بعيدة عن الانحراف . ان فكرة (الاختيار) المتعلقة باعمال الانسان شرط ضروري لتحمل المسؤولية ، وبالتالي توجيه اللوم ثم تنفيذ العقوبة.
يتبع
-------------------------------------------------------------
*كتاب الانحراف الاجتماعي وأساليب العلاج في الإسلام
[1]سورة البقرة: الآية 120.
[2] فلسفة كانت في القانون - عمانوئيل كانت. ادنبرة: 1887.
[3] اخلاقية العقوبة – اي سي اوينك. لندن: 1929.
[4] فلسفة هيغل في الحقوق – جي دبليو هيغل. اكسفورد: 1942.
[5] مقدمة في مبادئ الاخلاق والتشريع – جيرمي بنثام . لندن: 1789.
[6] سورة النور: الآية 2.
[7] سورة البقرة: الآية 179.
[8] سورة المائدة: الآية 45.
[9] سورة النور: الآية 2