المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسماء الله الحسنى الفقه والآثار............منقول



ابوالمنذر
04-15-2005, 08:49 AM
في دائرة الضوء
أسماء الله الحسنى الفقه والآثار
بقلم : د . عبد العزيز آل عبد اللطيف
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام
على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد : إن أجلّ المقاصد وأنفع العلوم : العلم بمعاني أسماء الله (عز وجلّ)
الحسنى وصفاته العلا ، فإن التعرّف على الله (تعالى) من خلال أسمائه وصفاته
يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات ، والعلم بأسماء الله وصفاته يستلزم
عبادة الله (تعالى) ومحبته وخشيته ، ويوجب تعظيمه وإجلاله .
ومع أهمية هذا الجانب وجلالة قدره ، إلا أن ثمة غفلة عنه ، فنلحظ التقصير
في فقه أسماء الله وصفاته ، وإهمال التعبّد والدعاء بها ، وضعف الالتفات إلى ما
تقتضيه هذه الأسماء الحسنى من الآثار والثمرات .
وسأتحدث - مستعيناً بالله (تعالى) - عن هذا الموضوع من خلال
ما يلي :

أ- تظهر أهمية هذا الموضوع عبر الآيات القرآنية المتعددة التي تحض
على تدبر القرآن الكريم ؛ كما قال (سبحانه) :  كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا
آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ  [ص : 29] ، وذمّ القرآن من لا يفهمه ، فقال (تعالى) :
 فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً  [ النساء : 78] ، ولا شك أن فقه أسماء
الله (تعالى) وصفاته يدخل في ذلك دخولاً أوليّاً .
كما أن عبادة الله (تعالى) ومعرفته آكد الفرائض ، ولا يتحقق هذا إلا بمعرفة
أسماء الله وصفاته .
يقول قوام السنة الأصفهاني (ت 535 هـ) :
( قال بعض العلماء : أول فرض فرضه الله على خلقه : معرفته ، فإذا عرفه
الناس عبدوه ، قال الله (تعالى) :  فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ  [محمد : 19] ،
فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها ؛ فيعظموا الله حق عظمته ، ولو
أراد رجل أن يعامل رجلاً : طلب أن يعرف اسمه وكنيته ، واسم أبيه وجده ، وسأل
عن صغير أمره وكبيره ، فالله الذي خلقنا ورزقنا ، ونحن نرجو رحمته ونخاف من
سخطه أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها) [1] .
وفقه أسماء الله (تعالى (وصفاته يوجب تحقيق الإيمان والعبادة لله وحده ،
وإفراده (سبحانه (بالقصد والحبّ والتوكل وسائر العبادات ، كما بيّن ذلك أهل العلم .
ولذا : يقول العز بن عبد السلام : (فهم معاني أسماء الله (تعالى) وسيلة إلى
معاملته بثمراتها من : الخوف ، والرجاء ، والمهابة ، والمحبة ، والتوكل ، وغير
ذلك من ثمرات معرفة الصفات) [2] .
ويقول أيضاً : (ذكرُ الله بأوصاف الجمال موجب للرحمة ، وبأوصاف الكمال
موجب للمهابة ، وبالتوّحد بالأفعال موجب للتوكل ، وبسعة الرحمة موجب للرجاء ،
وبشدة النقمة موجب للخوف ، وبالتفرّد بالإنعام موجب للشكر ، ولذلك قال (سبحانه) :
 اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً  ) .
ويقول ابن القيم في هذا الصدد :
( لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الرّب
(جلّ جلاله) ويعرفها معرفة تخرج عن حدّ الجهل بربه ، فالإيمان بالصفات
وتعرّفها هو أساس الإسلام ، وقاعدة الإيمان ، وثمرة شجرة الإحسان ، فضلاً عن أن
يكون من أهل العرفان ... ) [3] .
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي :
( إن معرفة الله (تعالى) تدعو إلى محبته وخشيته ورجائه وإخلاص العمل له ،
وهذا عين سعادة العبد ، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته ،
والتفقه في فهم معانيها ..
بل حقيقة الإيمان أن يعرف الربّ الذي يؤمن به ، ويبذل جهده في معرفة
أسمائه وصفاته ، حتى يبلغ درجة اليقين .
وبحسب معرفته بربه ، يكون إيمانه ، فكلما ازداد معرفة بربه ، ازداد إيمانه ،
وكلما نقص نقص ، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك : تدبر صفاته وأسمائه من
القرآن .. ) [4] .
* والمقصود بالتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته : تحقيق العلم بها ابتداءً ،
وفقه معاني أسمائه وصفاته ، وأن يعمل بها ، فيتصف بالصفات التي يحبها الله
(تعالى) : كالعلم ، والعدل ، والصبر ، والرحمة .. ونحو ذلك ، وينتهي عن
الصفات التي يكرهها له (تعالى) من عبيده مما ينافي عبوديتهم لله (تعالى) ،
كالصفات التي لا يصح للمخلوق أن يتصف بها كالكبر والعظمة والجبروت ...
فيجب على العبد إزاءها الإقرار بها والخضوع لها .
ومن العمل بها : أن يدعو الله (تعالى) بها ؛ كما قال (سبحانه) :  وَلِلَّهِ
الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا  [الأعراف : 180] ، كما أن من العمل بها : تعظيمها
وإجلالها ، وتحقيق ما تقتضيه من فِعْل المأمورات وترك المحظورات .
يقول ابن تيمية : (إن من أسماء الله (تعالى) وصفاته ما يُحمد العبد على
الاتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك ، ومنها ما يذم العبد على الاتصاف
به كالإلهية والتجبر والتكبر ، وللعبد من الصفات التي يُحمد عليها ويؤمر بها ما
يمنع اتصاف الربّ به كالعبودية والافتقار والحاجة والذل والسؤال
ونحو ذلك .. ) [5] .
وقال ابن القيم : (لما كان (سبحانه) يحبّ أسماءه وصفاته : كان أحبّ الخلق
إليه من اتصف بالصفات التي يحبها ، وأبغضهم إليه : من اتصف بالصفات التي
يكرهها ، فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت ؛ لأن اتصافه بها ظلم ،
إذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه ؛ لمنافاتها لصفات العبيد ، وخروج من
اتصف بها من ربقة العبودية ، ومفارقته لمنصبه ومرتبته ، وتعديه طوره وحدّه ،
وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة والإحسان والصبر والشكر ،
فإنها لا تنافي العبودية ، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته ، إذ المتصف بها
من العبيد لم يتعد طوره ، ولم يخرج بها من دائرة العبودية) [6] .
وقال الحافظ ابن حجر أثناء شرحه لحديث (إن لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا
واحداً من أحصاها دخل الجنة) [7] :
( وقيل : معنى أحصاها : عمل بها ، فإذا قال : (الحكيم) ، مثلاً ، سلّم جميع
أوامره ، لأن جميعها على مقتضى الحكمة ، وإذا قال : (القدوس) ، استحضر كونه
منزهاً عن جميع النقائص ، وهذا اختيار أبي الوفا بن عقيل . وقال ابن بطّال :
طريق العمل بها : أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم : فإن الله يحب
أن يرى حالاها على عبده ، فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها ، وما
كان يختص بالله (تعالى) كالجبار والعظيم : فيجب على العبد الإقرار بها ،
والخضوع لها ، وعدم التحلي بصفة منها ، وما كان فيه معنى الوعد : نقف منه عند
الطمع والرغبة ، وما كان فيه معنى الوعيد : نقف منه عند الخشية والرهبة) [8] .
* ومما يستحق تقريره ها هنا : أن تلازماً وثيقاً بين إثبات الأسماء والصفات
لله (تعالى (وتوحيد الله (تعالى) بأفعال العباد ، فكلما حقّقَ العبد أسماء الله وصفاته
علماً وعملاً ، كلما كان أعظم وأكمل توحيداً ، وفي المقابل : فإن هناك تلازماً وطيداً
بين إنكار الأسماء أو الصفات وبين الشرك .
يقول ابن القيم في تقرير هذا التلازم : (كل شرك في العالم فأصله التعطيل ،
فإنه لولا تعطيل كماله أو بعضه وظن السوء به ، لما أشرك به ، كما قال إمام
الحنفاء وأهل التوحيد لقومه :  أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ
العَالَمِينَ  [الصافات : 86 ، 87] أي : فما ظنكم به أن يجازيكم وقد عبدتم معه
غيره ؟ ، وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء ؟ أظننتم أنه محتاج إلى
الشركاء والأعوان ؟ أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتى يحتاج إلى
شركاء تعرفه بها كالملوك ؟ ، أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على استقلاله بتدبيرهم
وقضاء حوائجهم ؟ أم هو قاسٍ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده ؟ ...
والمقصود : أن التعطيل مبدأ الشرك وأساسه ، فلا تجد معطلاً إلا وشركه على
حسب تعطيله ، فمستقلّ ومستكثرٌ) [9] .
ونورد أمثلة في توضيح هذا التلازم والصلة بين توحيد العبادة وتوحيد الأسماء
والصفات .
فالدعاء مثلاً هو آكد العبادات وأعظمها ؛ فالدعاء هو العبادة كما أخبر
المصطفى ، وهو لا ينفك عن إثبات وفقه أسماء الله (تعالى) وصفاته .
ويشير ابن عقيل إلى هذه الصلة بقوله : (قد ندب الله (تعالى (إلى الدعاء ،
وفي ذلك معانٍ :
أحدها : الوجود ، فإن من ليس بموجود لا يُدعى .
الثاني : الغنى ، فإن الفقير لا يُدعى .
الثالث : السمع ، فإن الأصم لا يُدعى .
الرابع : الكرم ، فإن البخيل لا يُدعى .
الخامس : الرحمة ، فإن القاسي لا يُدعى .
السادس : القدرة ، فإن العاجز لا يُدعى) [10] .
والتوكل على الله (تعالى (وحده شرط في الإيمان ، وأجلّ العبادات القلبية ،
ولا يتحقق التوكل إلا بمعرفة أسماء الله (تعالى) وصفاته.
وقد وضح ذلك ابن القيم بقوله :
( ولا يتم التوكل إلا بمعرفة الربّ وصفاته من قدرته وكفايته وقيوميته
وانتهاء الأمور إلى علمه ، وصدورها عن مشيئته وقدرته ، قال شيخنا ابن تيمية
(رحمه الله) : ولذلك لا يصح التوكل ولا يتصور من فيلسوف ، ولا من القدرية
النفاة القائلين بأن يكون في ملكه ما لا يشاء ، ولا يستقيم أيضاً من الجهمية النفاة
لصفات الربّ (جلّ جلاله) ، ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات .
فأي توكل لمن يعتقد أن الله لا يعلم جزئيات العالم سفليه وعلويه ، ولا هو
فاعل باختياره ، ولا له إرادة ومشيئة ، ولا يقوم به صفة ؟ فكل من كان بالله
وصفاته أعلم وأعرف ، كان توكله أصح وأقوى ، والله (سبحانه وتعالى)
أعلم) [11] .
وحسن الظن بالله والثقة به (تعالى) عبادة جليلة تقوم على فقه أسماء الله
وصفاته ، كالحكمة والقدرة .. ، كما أن سوء الظن بالله من آثار إنكار أسماء الله
(تعالى) وصفاته .
يقول ابن القيم : (وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم ، وفيما
يفعله بغيرهم ، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله ، وأسماءه وصفاته ، وعرف
موجب حكمته وحمده ...
ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تَعَتّباً على القدَر وملامة له ... وأنه كان
ينبغي أن يكون كذا وكذا ، فمستقل ومستكثر ، وفتش نفسك هل أنت سالم
من ذلك ؟ ) [12] .
وأشار الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) إلى أن أصول العبادة الثلاثة
(الحبّ ، والرجاء ، والخوف) من آثار وثمرات التعبد بأسماء الله وصفاته ، فقال في
مسائل ذكرها في تفسير سورة الفاتحة : (أركان الدين : الحب ، والرجاء ، والخوف ،
فالحب في الأولى ، وهي  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ  ، والرجاء في الثانية ،
وهي  الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  ، والخوف في الثالثة ، وهي  مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  ) [13] .
إذا ظهر بهذه الأمثلة مدى التلازم الوثيق بين صفات الله (تعالى) وما تقتضيه
من العبادات الظاهرة والباطنة ، فيمكن أن نخلص إلى ما حرره ابن القيم بقوله :
( لكل صفة عبوديةٌ خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها ، أعني : من
موجبات العلم بها والتحقيق بمعرفتها ، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي
على القلب والجوارح ، فعلم العبد بتفرد الرب (تعالى) بالضرّ والنفع ، والعطاء
والمنع ، والخلق والرزق ، والإحياء والإماتة : يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً ،
ولوزام التوكل وثمراته ظاهراً ، وعلمه بسمعه (تعالى) وبصره ، وعلمه أنه لا يخفى
عليه مثقال ذرة ، وأنه يعلم السر ، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور : يثمر له
حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه على كل ما لا يرضي الله ، وأن يجعل تعلق
هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه ، فيثمر له ذلك : الحياء باطناً ، ويثمر له الحياء
اجتناب المحرمات والقبائح ، ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته
توجب له سعة الرجاء ... وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه ، تثمر له
الخضوع والاستكانة والمحبة ، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعاً من العبودية
الظاهرة ، هي موجباتها .. فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء
والصفات) [14] .
* والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته له آثاره الطيبة في حسن الخلق وسلامة
السلوك ، كما أن تعطيل أسماء الله (تعالى) وصفاته لا ينفك عن مساوئ الأخلاق
ورديء السلوك .
ومثال ذلك : أن القدرية النفاة لما كانوا ينفون علم الله (تعالى (المحيط بكل
شيء ، ويزعمون أن العبد يخلق فعله نفسه ، فالخير هو الذي أوجده العبد وفَعَله
على حدّ زعمهم ، ودخوله الجنة عوض عمله ، فأورثهم ذلك غروراً وعُجباً ، وكما
قال أبو سليمان الداراني :
(كيف يعجب عاقل بعمله ؟ وإنما يعدّ العمل نعمة من الله ، إنما ينبغي له أن
يشكر ويتواضع ، وإنما يعجب بعمله القدرية) [15] .
والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته سبب رئيس في السلامة من الآفات :
كالحسد ، والكبر ، كما قال ابن القيم : (لو عرف ربّه بصفات الكمال ونعوت الجلال ،
لم يتكبر ولم يحسد أحداً عى ما آتاه الله ؛ فإن الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله ؛
فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله ، ويحب زوالها عنه والله يكره ذلك ،
فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته ... ) [16] .
والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته يثمر الموقف الصحيح تجاه المكروهات
والمصائب النازلة ؛ فإن الإنسان ظلوم جهول ، والله (تعالى) بكل شيء عليم ، وهو
(سبحانه) حَكَمٌ عدْل ، ولا يظلم (تعالى) أحداً ، قال (سبحانه) :  كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ
وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ
لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ  [البقرة : 216]
يقول ابن القيم : (من صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته علم
يقيناً أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها ضروب من المصالح
والمنافع التي لا يحصيها علمه ولا فكرته ، بل مصلحة العبد فيما كره أعظم منها
فيما يحب ... ) [17] .
ويقول أيضاً : ( .. فكل ما تراه في الوجود من شر وألم وعقوبة ونقص في
نفسك وفي غيرك فهو من قيام الرب (تعالى) بالقسط ، وهو عدل الله وقسطه ، وإن
أجراه على يد ظالم ، فالمسلط له أعدل العادلين ، كما قال (تعالى) لمن أفسد في
الأرض :  بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَاًسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً
مَّفْعُولاً  [الإسراء : 5] [18] .
* وفي ختام هذه المقالة نسوق أمثلة من أسماء الله (تعالى) ، وبيان معانيها
وما تقتضيه من العبادات ، يقول قوام السنة الأصفهاني أثناء حديثه عن اسم الله
(تعالى) (الرزاق) :
( الرزاق : المتكفل بالرزق ، والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها ،
وَسِعَ الخلقَ كلهم رزقُه ، فلم يخص بذلك مؤمناً دون كافر ، ولا وليّاً دون عدو ،
ويرزق مَنْ عبده ومَنْ عبد غيره ، والأغلب من المخلوق أن يرزق فإذا غضب منع ،
حكي أن بعض الخلفاء أراد أن يكتب جِراية لبعض العلماء ، فقال : لا أريده ، أنا
في جراية من إذا غضب عليّ لم يقطع جرايته عني ، قال الله (تعالى) :  وَكَأَيِّن
مِّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإيَّاكُمْ  [العنكبوت : 60] ، والمخلوق إذا
رزق ، فإنه يفنى ما عنده فيُقْطعُ عطاؤه عمن أفضل عليه ، فإن لم يفن ما عنده فني
هو وانقطع العطاء ، وخزائن الله لا تنفد وملكه لا يزول .. ) [19] .
ولما ذكر القرطبي من أسماء الله (تعالى) (الحفيظ) محتجّاً بقوله (تعالى) :
 وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ  [الشورى : 6] ، قال : (يجب
على كل مكلف أن يعلم أن الله هو الحافظ لجميع الممكنات ، وأعظم الحفظ : حفظ
القلوب وحراسة الدين عن الكفر والنفاق وأنواع الفتن وفنون الأهواء والبدع ؛ حتى
لا يزلّ عن الطريقة المثلى ، قال (تعالى) :  يُثَبِّتُ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ  [ابراهيم : 27] .
ويجب علينا حفظ حدوده ، وحفظ ما وجب علينا من حقوقه ، فيدخل في ذلك :
معرفة الإيمان والإسلام وسائر ما يتعيّن علينا علمه .. ) [20] .
* ومن إشراقات ابن القيّم التي سطرها أثناء حديثه عن اسمي الله (تعالى) :
(الأول) و (الآخر) مايلي :
( من عبد الله (تعالى) باسمه (الأول) و (الآخر) حصلت له حقيقة هذا الفقر
[توجه القلب إلى الله وحده في جميع الأحوال] .. فإن عبوديته باسمه (الأول)
تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف أو الالتفات إليها ، وتجريد النظر إلى
مجرد سبق فضله ورحمته ، وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد .
وعبوديته باسمه (الآخر) تقتضي أيضاً عدم ركونه للأسباب ، فإنها تنعدم لا
محالة وتنقضي بالآخرية ، ويبقى الدائم الباقي بعدها ، فالتعلق بها تعلق بما يعدم
وينقضي ، والتعلق ب) الآخر) (سبحانه) تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول ،
فالمتعلّق به حقيق أن لا ينقطع ، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به) [21] .
________________________
(1) الحجة في بيان المحجة ، ج 1 ، ص 122 .
(2) شجرة المعارف والأحوال ، ص 1 .
(3) مدارج السالكين ، ج 3 ، ص 347 .
(4) تفسير السعدي ، ج 1 ، ص 24 .
(5) الصفدية ، ج 2 ، ص 338 .
(6) طريق الهجرتين ، ص 129 .
(7) أخرجه البخاري : كتاب التوحيد ، باب 12 ، وكتاب الشروط ، باب 18 ، وكتاب الدعوات ، باب
68 .
(8) فتح الباري ، ج 11 ، ص 229 .
(9) مدارج السالكين ، ج 3 ، ص 347 ، باختصار .
(10) شرح الطحاوية ، ج 2 ، ص 678 .
(11) مدارج السالكين ، ج 2 ، ص 117 .
(12) زاد المعاد ، ج 3 ، ص 229235 ، بتصرف ، وانظر : كتاب التوحيد للشيخ محمد بن
عبدالوهاب ، باب قوله (تعالى) : ] يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ [ .
(13) تاريخ ابن غنام ، ج 2 ، ص 360 .
(14) مفتاح دار السعادة ، ج 2 ، ص 90 باختصار ، وانظر : طريق الهجرتين ، ص 43 ، ومدارج
السالكين ، ج 1 ، ص 420 ، ج 3 ، ص 351 ، والفوائد ، ص 63 .
(15) حلية الأولياء ، لأبي نعيم ، ج 9 ، ص 263 .
(16) الفوائد ، ص 150 .
(17) السابق ، ص 85 .
(18) مدارج السالكين ، ج 1 ، ص 425 .
(19) الحجة في بيان المحجة ، ج 1 ، ص 138 ، وانظر : الأسنى للقرطبي ، ج 1 ، ص 284 .
(20) الأسنى ، شرح أسماء الله الحسنى ، ج 1 ، ص 311 .
(21) طريق الهجرتين ، ص 19 ، باختصار .

(( مجلة البيان ـ العدد [ 99 ] صــ 86 ذو القعدة 1416 ـ أبريل 1996 ))

سين عقيل
03-12-2015, 03:42 PM
شكرا على الموضوع ، وجزاكم الله خيرا .